تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 143

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143) (البقرة) mp3
قَوْله تَعَالَى" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " يَقُول تَعَالَى إِنَّمَا حَوَّلْنَاكُمْ إِلَى قِبْلَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَاخْتَرْنَاهَا لَكُمْ لِنَجْعَلكُمْ خِيَار الْأُمَم لِتَكُونُوا يَوْم الْقِيَامَة شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم لِأَنَّ الْجَمِيع مُعْتَرِفُونَ لَكُمْ بِالْفَضْلِ وَالْوَسَط هَاهُنَا الْخِيَار وَالْأَجْوَد كَمَا يُقَال قُرَيْش أَوْسَط الْعَرَب نَسَبًا وَدَارًا أَيْ خَيْرهَا وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطًا فِي قَوْمه أَيْ أَشْرَفهمْ نَسَبًا وَمِنْهُ الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ أَفْضَل الصَّلَوَات وَهِيَ الْعَصْر كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاح وَغَيْرهَا وَلَمَّا جَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة وَسَطًا خَصَّهَا بِأَكْمَل الشَّرَائِع وَأَقْوَم الْمَنَاهِج وَأَوْضَح الْمَذَاهِب كَمَا قَالَ تَعَالَى " هُوَ اِجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةً أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُدْعَى نُوح يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُ هَلْ بَلَّغْت ؟ فَيَقُول نَعَمْ فَيُدْعَى قَوْمه فَيُقَال لَهُمْ هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِير وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَد فَيُقَال لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَد لَك فَيَقُول مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" قَالَ وَالْوَسَط الْعَدْل فَتُدْعَوْنَ فَتَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ ثُمَّ أَشْهَد عَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ طُرُق عَنْ الْأَعْمَش وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَجِيء النَّبِيّ يَوْم الْقِيَامَة وَمَعَهُ رَجُلَانِ وَأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَيُدْعَى قَوْمه فَيُقَال لَهُمْ هَلْ بَلَّغَكُمْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ لَا فَيُقَال لَهُ هَلْ بَلَّغْت قَوْمك ؟ فَيَقُول نَعَمْ فَيُقَال مَنْ يَشْهَد لَك فَيَقُول مُحَمَّد وَأُمَّته فَيُدْعَى مُحَمَّد وَأُمَّته فَيُقَال لَهُمْ هَلْ بَلَّغَ هَذَا قَوْمه ؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُقَال وَمَا عِلْمكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ جَاءَنَا نَبِيُّنَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغُوا فَذَلِكَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا " قَالَ عَدْلًا" لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُون الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " وَقَالَ أَحْمَد أَيْضًا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا " قَالَ " عَدْلًا " وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ وَابْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْجَعِيّ عَنْ الْمُغِيرَة بْن عُتَيْبَة بْن نباس حَدَّثَنِي مُكَاتَب لَنَا عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَنَا وَأَمْتَى يَوْم الْقِيَامَة عَلَى كَوْم مُشْرِفِينَ عَلَى الْخَلَائِق مَا مِنْ النَّاس أَحَد إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنَّا وَمَا مِنْ نَبِيّ كَذَّبَهُ قَوْمه إِلَّا وَنَحْنُ نَشْهَد أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَة رَبّه عَزَّ وَجَلَّ " وَرَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه وَابْن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا وَاللَّفْظ لَهُ مِنْ حَدِيث مُصْعَب بْن ثَابِت عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : شَهِدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَة فِي بَنِي مَسْلَمَة وَكُنْت إِلَى جَانِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضهمْ : وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه لَنِعْمَ الْمَرْء كَانَ لَقَدْ كَانَ عَفِيفًا مُسْلِمًا وَكَانَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أَنْتَ بِمَا تَقُول " فَقَالَ الرَّجُل : اللَّه أَعْلَم بِالسَّرَائِرِ فَأَمَّا الَّذِي بَدَا لَنَا مِنْهُ فَذَاكَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَجَبَتْ " ثُمَّ شَهِدَ جِنَازَة فِي بَنِي حَارِثَة وَكُنْت إِلَى جَانِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضهمْ : يَا رَسُول اللَّه بِئْسَ الْمَرْء كَانَ إِنْ كَانَ لَفَظًّا غَلِيظًا فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَعْضِهِمْ أَنْتَ بِاَلَّذِي تَقُول " فَقَالَ الرَّجُل اللَّه أَعْلَم بِالسَّرَائِرِ فَأَمَّا الَّذِي بَدَا لَنَا مِنْهُ فَذَاكَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَجَبَتْ " قَالَ مُصْعَب بْن ثَابِت : فَقَالَ لَنَا عِنْد ذَلِكَ مُحَمَّد بْن كَعْب صَدَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَرَأَ " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " ثُمَّ قَالَ الْحَاكِم : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يُونُس بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا دَاوُد بْن أَبِي الْفُرَات عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِي الْأَسْوَد أَنَّهُ قَالَ : أَتَيْت الْمَدِينَة فَوَافَقْتهَا وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَض فَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا فَجَلَسْت إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب فَمَرَّتْ بِهِ جِنَازَة فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبهَا خَيْرًا فَقَالَ : وَجَبَتْ ثُمَّ مَرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ عُمَر : وَجَبَتْ فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَد مَا وَجَبَتْ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : قُلْت كَمَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَيُّمَا مُسْلِم شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَة بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّه الْجَنَّة " قَالَ فَقُلْنَا وَثَلَاثَة قَالَ : فَقَالَ " وَثَلَاثَة " قَالَ : فَقُلْنَا وَاثْنَانِ . قَالَ" وَاثْنَانِ " ثُمَّ لَمْ نَسْأَلهُ عَنْ الْوَاحِد وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث دَاوُد اِبْن أَبِي الْفُرَات بِهِ : وَقَالَ اِبْن مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَة الرَّقَّاشِيّ حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيد حَدَّثَنَا نَافِع بْن عُمَر حَدَّثَنِي أُمَيَّة بْن صَفْوَان عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي زُهَيْر الثَّقَفِيّ عَنْ أَبِيهِ : قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّبَاوَةِ يَقُول " يُوشِك أَنْ تَعْلَمُوا خِيَاركُمْ مِنْ شِرَاركُمْ " قَالُوا بِمَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ " بِالثَّنَاءِ الْحَسَن وَالثَّنَاء السَّيِّئ أَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض " وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ يَزِيد بْن هَارُون وَرَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ يَزِيد بْن هَارُون وَعَبْد الْمَلِك بْن عَمْرو وَسُرَيْج عَنْ نَافِع عَنْ بْن عمل بِهِ .

يَقُول تَعَالَى إِنَّمَا شَرَعْنَا لَك يَا مُحَمَّد التَّوَجُّهَ أَوَّلًا إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ صَرَفْنَاك عَنْهُ إِلَى الْكَعْبَة لِيَظْهَر حَالُ مَنْ يَتَّبِعك وَيُطِيعك وَيَسْتَقْبِل مَعَك حَيْثُمَا تَوَجَّهْت مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ أَيْ مُرْتَدًّا عَنْ دِينه وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة أَيْ هَذِهِ الْفَعْلَة وَهُوَ صَرْف التَّوَجُّه عَنْ بَيْت الْمَقْدِس إِلَى الْكَعْبَة أَيْ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْر عَظِيمًا فِي النُّفُوس إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ قُلُوبهمْ وَأَيْقَنُوا بِتَصْدِيقِ الرَّسُول وَأَنَّ كُلّ مَا جَاءَ بِهِ فَهُوَ الْحَقّ الَّذِي لَا مِرْيَة فِيهِ وَأَنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يَشَاء وَيَحْكُم مَا يُرِيد فَلَهُ أَنْ يُكَلِّف عِبَاده بِمَا شَاءَ وَيَنْسَخ مَا يَشَاء وَلَهُ الْحِكْمَةُ التَّامَّةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فِي جَمِيع ذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض فَإِنَّهُ كُلَّمَا حَدَثَ أَمْرٌ أَحْدَثَ لَهُمْ شَكًّا كَمَا يَحْصُلُ لِلَّذِينَ آمَنُوا إِيقَانٌ وَتَصْدِيقٌ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ " وَقَالَ تَعَالَى " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى " وَقَالَ تَعَالَى " وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " وَلِهَذَا كَانَ مَنْ ثَبَتَ عَلَى تَصْدِيق الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعه فِي ذَلِكَ وَتَوَجَّهَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّه مِنْ غَيْر شَكٍّ وَلَا رَيْب مِنْ سَادَات الصَّحَابَة وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار هُمْ الَّذِينَ صَلَّوْا الْقِبْلَتَيْنِ وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي تَفْسِيره هَذِهِ الْآيَة : حَدَّثَنَا مُسَدَّد حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : بَيْنَا النَّاس يُصَلُّونَ الصُّبْح فِي مَسْجِد قُبَاء إِذْ جَاءَ رَجُل فَقَالَ : قَدْ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآن وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِل الْكَعْبَة فَاسْتَقْبَلُوهَا فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَة وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عُمَر وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَعِنْده أَنَّهُمْ كَانُوا رُكُوعًا فَاسْتَدَارُوا كَمَا هُمْ إِلَى الْكَعْبَة وَهُمْ رُكُوع وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس مِثْله وَهَذَا يَدُلّ عَلَى كَمَالِ طَاعَتهمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَانْقِيَادهمْ لِأَوَامِر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .

وَقَوْله " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ " أَيْ صَلَاتكُمْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس قَبْل ذَلِكَ مَا كَانَ يُضِيع ثَوَابهَا عِنْد اللَّه وَفِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ عَنْ الْبَرَاء قَالَ : مَاتَ قَوْم كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس ؟ فَقَالَ النَّاس مَا حَالهمْ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى" وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانكُمْ " وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَصَحَّحَهُ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ " أَيْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى وَتَصْدِيقكُمْ نَبِيّكُمْ وَاتِّبَاعه إِلَى الْقِبْلَة الْأُخْرَى أَيْ لَيُعْطِيكُمْ أَجْرهمَا جَمِيعًا " إِنَّ اللَّه بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ" وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ " أَيْ مَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْصِرَافكُمْ مَعَهُ حَيْثُ اِنْصَرَفَ " إِنَّ اللَّه بِالنَّاسِ لَرَءُوف رَحِيم" وَفِي الصَّحِيح أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى اِمْرَأَة مِنْ السَّبْي قَدْ فُرِّقَ بَيْنهَا وَبَيْن وَلَدهَا فَجَعَلَتْ كُلَّمَا وَجَدَتْ صَبِيًّا مِنْ السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِصَدْرِهَا وَهِيَ تَدُور عَلَى وَلَدهَا فَلَمَّا وَجَدَتْهُ ضَمَّتْهُ إِلَيْهَا وَأَلْقَمَتْهُ ثَدْيهَا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّار وَهِيَ تَقْدِر عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحهُ " قَالُوا : لَا يَا رَسُول اللَّه قَالَ : " فَوَاَللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • أعمال القلوب [ التفكر ]

    أعمال القلوب [ التفكر ]: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن التفكُّر مفتاح الأنوار، ومبدأ الإبصار، وأداة العلوم والفهوم، وهو من أعمال القلوب العظيمة؛ بل هو من أفضل العبادات، وأكثر الناس قد عرفوا فضله، ولكن جهِلوا حقيقته وثمرَته، وقليلٌ منهم الذي يتفكَّر ويتدبَّر ... فما التفكُّر؟ وما مجالاته؟ وما ثمرته وفوائده؟ وكيف كان حال سلفنا مع هذه العبادة العظيمة؟ هذا ما سنذكره في هذا الكتيب الحادي عشر ضمن سلسلة أعمال القلوب».

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/355754

    التحميل:

  • الثناء المتبادل بين الآل والأصحاب

    الثناء المتبادل بين الآل والأصحاب : هذا الكتاب يبحث في حقيقة العلاقة الطيبة والود الذي ملئ قلوب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام، رضوان الله عنهم أجمعين. حيث بدأ بتعريف آل البيت وما جاء فيه من آراء واختلاف عند الفقهاء ومن ثم تعريف الصحابي وذكر فيه بعد ذلك ما ورد من فضائلهم في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ثناء بعد ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقدم لنا بعد ذلك من آل البيت من جمع بين الشرف النسب ومقام الصحبة. وبما أن الفضل كان معروفاً للصحابة من آل البيت ولآل البيت من الصحابة، استعرض هذا الكتاب جمله من ثناء آل البيت على الصحابة. كثناء الإمام علي - رضي الله عنه - على الصحابة كأبي بكر ، وعمر، وعثمان وغيرهم، وكذلك عبدالله بن عباس، وعلي بن الحسين، ومحمد الباقر، وزيد بن علي بن الحسين، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم وعلي الرضا والإمام الحسن بن محمد العسكري. وبعد ثناء الآل على الصحابة استعرض جملة من ثناء الصحابة على الآل في فضلهم وشرفهم وعلو منزلتهم التي لا يشكك فيها مسلم كثناء أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن ابي وقاص، وجابر بن عبدالله وأم المؤمنين عائشة، وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر ، والمسور بن مخزمة. وأبي هريرة وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان. وغيرهم من الصحابة. ومن خلال هذا الثناء المتبادل يظهر بشكل جلي كما جاء في الخاتمة تلك المحبة المتبادلة التي عمرت قلوب الصحابة وآل البيت ودامت تتوارثها الأجيال، مما لا يدع أدنى شك في ذلك. ولا يترك اي مجال لاعتقاد غير ذلك من المسلم.

    الناشر: مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/260217

    التحميل:

  • ثمرة العلم العمل

    ثمرة العلم العمل: فإن الله - جل وعلا - عظَّم قدر العلم ومكانة العلماء; وبيَّن أن العلماء أخشى الناس لله - سبحانه وتعالى -; وذلك لعلمهم بعملهم; وهذا هو ثمرةُ العلم; وفي هذه الرسالة ذكر المؤلف - حفظه الله - الشواهد والدلائل على اقتضاء العلمِ العملَ; من خلال نقاطٍ عديدة تُجلِّي هذا الأمر.

    الناشر: موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/316846

    التحميل:

  • مظاهر الرحمة للبشر في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم

    مظاهر الرحمة للبشر في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم: بحث حاز على جائزة المركز الثاني بالمناصفة في مسابقة معالي السيد حسن عباس شربتلي العالمية للتعريف بنبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - عام 1428هـ، وهو عبارة عن تسع محاضراتٍ ألقتها الدكتورة سارة آدم تعرِض فيها البحث الذي ألَّفه الدكتور زيد عمر العيص حول مظاهر الرحمة للبشر في شخصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وفيما يلي عرضٌ لعناوين تلك المحاضرات: المحاضرة الأولى: أزمة في القِيَم وبخل في التاريخ. المحاضرة الثانية: بوادر انفراج وكرم من التاريخ. المحاضرة الثالثة: سوء الفهم، لماذا؟ المحاضرة الرابعة: معالم تأصيل الرحمة في نفوس البشر. المحاضرة الخامسة: الرحمة أولاً. المحاضرة السادسة: العدل الواجب والرحمة الواجبة توازن وتكامل. المحاضرة السابعة: الحرب الرحيمة. المحاضرة الثامنة: وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين. المحاضرة التاسعة: الرحمة بالقوارير.

    الناشر: موقع البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة http://www.mercyprophet.org

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/317911

    التحميل:

  • أنهلك وفينا الصالحون

    أنهلك وفينا الصالحون : فإن من تأمل في حياة المسلمين اليوم وجد أن البعض منهم قد أهمل القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد لبس الشيطان في ترك هذه الشعيرة العظيمة بأعذار واهية، وفي هذه الرسالة بيان بواعث الأمر بالمعروف، مع ذكر بعض ثمراته، ثم بيان خطوات الإنكار، وحالات الإعفاء من الإنكار.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/208936

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة