تفسير ابن كثر - سورة الفرقان - الآية 53

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا (53) (الفرقان) mp3
وَقَوْله تَعَالَى " وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْب فُرَات وَهَذَا مِلْح أُجَاج " أَيْ خَلَقَ الْمَاءَيْنِ الْحُلْو وَالْمِلْح فَالْحُلْو كَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُون وَالْآبَار وَهَذَا هُوَ الْبَحْر الْحُلْو الْعَذْب الْفُرَات الزُّلَال قَالَهُ اِبْن جُرَيْج وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَهَذَا الْمَعْنَى لَا شَكّ فِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُود بَحْر سَاكِن وَهُوَ عَذْب فُرَات ; وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى إِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ لِيُنَبِّه الْعِبَاد عَلَى نِعْمَة عَلَيْهِمْ لِيَشْكُرُوهُ فَالْبَحْر الْعَذْب هُوَ هَذَا السَّارِح بَيْن النَّاس فَرَّقَهُ اللَّه تَعَالَى بَيْن خَلْقه لِاحْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ أَنْهَارًا وَعُيُونًا فِي كُلّ أَرْض بِحَسَبِ حَاجَتهمْ وَكِفَايَتهمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَرَاضِيهمْ وَقَوْله تَعَالَى : " وَهَذَا مِلْح أُجَاج" أَيْ مَالِح مُرّ زُعَاق لَا يُسْتَسَاغ وَذَلِكَ كَالْبِحَارِ الْمَعْرُوفَة فِي الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب : الْبَحْر الْمُحِيط وَمَا يَتَّصِل بِهِ مِنْ الزُّقَاق وَبَحْر الْقُلْزُم وَبَحْر الْيَمَن وَبَحْر الْبَصْرَة وَبَحْر فَارِس وَبَحْر الصِّين وَالْهِنْد وَبَحْر الرُّوم وَبَحْر الْخَزَر وَمَا شَاكَلَهَا وَشَابَهَهَا مِنْ الْبِحَار السَّاكِنَة الَّتِي لَا تَجْرِي وَلَكِنْ تَمُوج وَتَضْطَرِب وَتَلْتَطِم فِي زَمَن الشِّتَاء وَشِدَّة الرِّيَاح وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَدّ وَجَزْر فَفِي أَوَّل كُلّ شَهْر يَحْصُل مِنْهَا مَدّ وَفَيْض فَإِذَا شَرَعَ الشَّهْر فِي النُّقْصَان جَزَرَتْ حَتَّى تَرْجِع إِلَى غَايَتهَا الْأُولَى فَإِذَا اِسْتَهَلَّ الْهِلَال مِنْ الشَّهْر الْآخَر شَرَعَتْ فِي الْمَدّ إِلَى اللَّيْلَة الرَّابِعَة عَشْرَة ثُمَّ تَشْرَع فِي النَّقْص فَأَجْرَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى - وَهُوَ ذُو الْقُدْرَة التَّامَّة - الْعَادَة بِذَلِكَ فَكُلّ هَذِهِ الْبِحَار السَّاكِنَة خَلَقَهَا اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مَالِحَة لِئَلَّا يَحْصُل بِسَبَبِهَا نَتْن الْهَوَاء فَيَفْسُد الْوُجُود بِذَلِكَ وَلِئَلَّا تَجْوَى الْأَرْض بِمَا يَمُوت فِيهَا مِنْ الْحَيَوَان وَلَمَّا كَانَ مَاؤُهَا مِلْحًا كَانَ هَوَاؤُهَا صَحِيحًا وَمَيْتَتهَا طَيِّبَة وَلِهَذَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَاء الْبَحْر أَنَتَوَضَّأُ بِهِ ؟ فَقَالَ : " هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الْحِلّ مَيْتَته " رَوَاهُ الْأَئِمَّة مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَأَهْل السُّنَن بِإِسْنَادٍ جَيِّد وَقَوْله تَعَالَى : " وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا" أَيْ بَيْن الْعَذْب وَالْمَالِح " بَرْزَخًا " أَيْ حَاجِزًا وَهُوَ الْيَبِس مِنْ الْأَرْض " وَحِجْرًا مَحْجُورًا " أَيْ مَانِعًا مِنْ أَنْ يَصِل أَحَدهمَا إِلَى الْآخَر كَقَوْلِهِ " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنهمَا بَرْزَخ لَا يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " وَقَوْله تَعَالَى : " أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْض قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْن الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَه مَعَ اللَّه بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة

    الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة: كتيب مبسط يحتوي على بيان حكم الدعوة إلى الله وفضلها، وكيفية أدائها، وأساليبها، وبيان الأمر الذي يدعى إليه، وبيان الأخلاق والصفات التي ينبغي للدعاة أن يتخلقوا بها وأن يسيروا عليها.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1886

    التحميل:

  • الدين المعاملة [ صفحات من هدي الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم ]

    الدين المعاملة : في هذه الصفحات نسلط الضوء على جانب من الجوانب المهمة في حياتنا، وهو المعاملة مع الآخرين، ننهل في تصحيح هذا الجانب من معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - للآخرين، فنحن أحوج ما نكون إلى هذا الهدي مع فساد تعاملنا مع بعضنا، فالدين ليس فقط معاملة مع الله، بل هو معاملة مع الخلق أيضاً، ولئن كانت حقوق الله مبنية على المسامحة فإن حقوق العباد مبنية على المشاحة ، لذا وجب علينا معرفة هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعاملة مع الخَلق؛ لنتأسى به، فتنصلح علاقاتنا الأسرية والاجتماعية.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/262007

    التحميل:

  • تفسير الطبري [ جامع البيان عن تأويل آي القرآن ]

    تفسير الطبري [ جامع البيان عن تأويل آي القرآن ]: في هذه الصفحة نسخة الكترونية مفهرسة، تتميز بسهولة التصفح والوصول إلى الآية من كتاب تفسير الطبري، وهو من أجلِّ التفاسير وأعظمها شأناً, وقد حُكِي الإجماع على أنه ما صُنِّف مثله، وذلك لما تميَّز به من: • جمع المأثور عن الصحابة وغيرهم في التفسير. • الاهتمام بالنحو والشواهد الشعرية. • تعرضه لتوجيه الأقوال. • الترجيح بين الأقوال والقراءات. • الاجتهاد في المسائل الفقهية مع دقة في الاستنباط. • خلوه من البدع, وانتصاره لمذهب أهل السنة. - يقول الحافظ ابن حجر ملخصاً مزاياه: (وقد أضاف الطبري إلى النقل المستوعب أشياء...كاستيعاب القراءات, والإعراب, والكلام في أكثر الآيات على المعاني, والتصدي لترجيح بعض الأقوال على بعض). ومنهجه في كتابه أنه يصدر تفسيره للآيات بذكر المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة ومن دونهم بقوله: (القول في تأويل قوله تعالى....) بعد أن يستعرض المعنى الإجمالي للآية، فإن كان فيها أقوال سردها, وأتبع كل قول بحجج قائليه رواية ودراية, مع التوجيه للأقوال, والترجيح بينها بالحجج القوية.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2480

    التحميل:

  • نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة

    نور الإسلام وظلمات الكفر في ضوء الكتاب والسنة: رسالة في بيان مفهوم الإسلام ومراتبه وثمراته ومحاسنه ونواقضه، وبيان معنى الكفر ومفهومه وأنواعه، وخطورة التكفير وأصول المكفرات، وآثار الكفر وأضراره.

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1944

    التحميل:

  • الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات

    الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات : كتاب مشتمل على معرفة من صح أنه خلط في عمره من الرواة الثقات في الكتب الستة وغيرها وهو مؤلف وجيز وعلم غزير ينبغي أن يعتني به من له اعتناء بحديث سيد المرسلين وسند المتقدمين والمتأخرين.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141402

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة