من يختار للمحبة والصحبة
قال القرافي :" ما كل أحد يستحق أن يعاشر ولا يصاحب ولا يسارر "
وقال علقمة : اصحب من إن صحبته زانك ، وإن أصابتك خصاصة عانك وإن قلت سدّد مقالك ، وإن رأى منك حسنة عدّها ، وإن بدت منك ثلمة سدّها ، وإن سألته أعطاك ، وإذا نزلت بك مهمة واساك ، وأدناهم من لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك منه الطرائق
ويقول الشيخ أحمد بن عطاء : مجالسة الأضداد ذوبان الروح ، ومجالسة الأشكال تلقيح العقول ، وليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة ، ولا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار ، ولا يؤمن على الأسرار إلا الأمناء فقط
ويكفي في مشروعية التحري لاختيار الأصدقاء قوله صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " (رواه أبوداود وغيره)
قال الأوزاعي : الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب ، إذا لم تكن مثله شانته
قيل لابن سماك : أيّ الإخوان أحقّ بإبقاء المودة ؟ قال:الوافر دينه ، الوافي عقله ، الذي لا يملَّك على القرب ، ولا ينساك على البعد ،إن دنوت منه داناك ، وإن بعدت منه راعاك ، وإن استعضدته عضدك ،وإن احتجت إليه رفدك،وتكفي مودة فعله أكثر من مودة قوله
وقال بعض العلماء : لا تصحب إلا أحد رجلين : رجل تتعلّم منه شيئا في أمر دينك فينفعك ، أورجل تعلمه شيئا في أمر دينه فيقبل منك ، والثالث فاهرب منه
قال علي رضي الله عنه :
إنّ أخاك الصِّدق من كان معك *** ومن يضُرُّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزّمان صدعك *** شتّت نفسه ليجمعك
وقال بعض الأدباء:لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرّك،ويستر عيبك، فيكون معك في النوائب،ويُؤثرك بالرّغائب،وينشر حسنتك،ويطوي سيّئتك ، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك
وقد ذكر العلماء فيمن تُؤثر صحبته ومحبته خمس خصال :
أن يكون عاقلا ، حسن الخلق ، غير فاسق ، و لا مبتدع ، ولا حريص على الدنيا
1) أما العقل :
فهورأس المال وهوالأصل فلا خير في صحبة الأحمق
قال علي رضي الله عنه :
فلا تصحب أخا الجهل *** وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى *** حليما حين آخاه
يُقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه
وللشيء على الشيء *** مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب *** دليل حين يلقاه
والعاقل الذي يفهم الأمور على ما هي عليه ، إما بنفسه وإما إذا فُهِّم
2) أما حسن الخلق :
فلا بدّ منه إذ ربّ عاقل يدرك الأشياء على ماهي عليه ، ولكن إذا غلبه غضب أوشهوة أوبُخل أوجبن أطاع هواه ، وخالف ما هوالمعلوم عنده ، لعجزه عن قهر صفاته ، و تقويم أخلاقه ، فلا خير في صحبته
قال أبوحاتم ابن حبان رحمه الله : الواجب على العاقل أن يعلم أنه ليس من السرور شيء يعدل صحبة الإخوان ، ولا غم يعدل غم فقدهم ، ثم يتوقى جهده مفاسدة من صافاه ، ولا يسترسل إليه فيما يشينه،وخير الإخوان من إذا عظمته صانك ،ولا يعيب أخاه على الزّلّة،فإنه شريكه في الطبيعة، بل يصفح،وينتكب محاسدة الإخوان،لأن الحسد للصديق من سقم المودة ،كما أن الجود بالمودة أعظم البذل ، لأنه لا يظهر ودّ صحيح من قلب سقيم
3) أما الفاسق :
فلا فائدة في صحبته ، فمن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته ولا يوثق بصداقته ، بل يتغيّر بتغيّر الأعراض
قال تعالى :" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه " ( الكهف 28)
وقال تعالى :"فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا"(النجم 29) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي "( رواه الترمذي وأبوداود)
قال أبوحاتم رحمه الله في"روضة العقلاء":"العاقل لا يصاحب الأشرار،لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار،تعقب الضغائن، لا يستقيم ودّه ، ولا يفي بعهده ، وإن من سعادة المرء خصالا أربعا:أن تكون زوجته موافقة ، وولده أبرار ، وإخوانه صالحين ،و أن يكون رزقه في بلده .وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا ، تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ،ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم،كما أن من يدخل مداخل السوء يتهّم "
قال بعضهم :
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم *** وتوسّمنّ أمورهم وتفقّد
فإذا ظفرت بذي الأمانة والتُّقى *** فبه اليدين قرير عين فاشدد
4) أما المبتدع :
ففي صحبته خطر سراية البدعة وتعدي شؤمها إليه ، فالمبتدع مستحق للهجر والمقاطعة ، فكيف تؤثر صحبته
5) أما الحريص على الدنيا :
فصحبته سمّ قاتل ، لأنّ الطّباع مجبولة على التشبّه والاقتداء ، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه ، فمجالسة الحريص على الدنيا تحرّك الحرص ، ومجالسة الزاهد تزهدّ في الدّنيا ، فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا ، ويستحب صحبة الراغبين في الآخرة
الناس شتىّ إذا ما أنت ذقتهم *** لا يستوون كما لا يستوي الشّجر
هذا له ثمر حلومذاقته *** وذاك ليس له طعم ولا ثمر
يتبع...
[bdr][/bdr]