عقول للبيع أو للتأجير ... لعدم التّفرّغ !!
ليست العقول سلعة تُعرض لتباع أو تؤجر ، كما أنها ليست مواداً تموينية تنتهي صلاحيتها !!
بل هي أسمى من ذلك ولذا خاطب الله العقل – كثيراً – في القرآن الكريم .
فيكون الخطاب للثناء على أصحاب العقول الذين يُعمِلون عقولهم ويتدبّرون فيما حولهم
ولذا ورد في غير موضع من كتاب الله بعد ذِكر الآيات الكونية ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )
ويكون أحياناً لبيان أن أصحاب العقول هم الذين ينتفعون بالآيات والنذر ، كما في قوله تعالى : ( وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )
وإما نعيّ على العقول التي لا تتدبّر
( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )
وإما توبيخ للعقول التي قد غُلّقت وغُلّفت ، فهي تقتفي آثار آباء لا يعقلون
( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) ؟
وإما وصف للكفار بقلّة العقل
( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )
أو تشبيه لهم بالعجماوات التي لا تعقل
( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً )
والعقل نوعان :
غريزي ومكتسب
وجرى الخلاف : هل العقل في القلب أو في الرأس ؟
وسبب الخلاف التباين في فهم ( قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا )
وفصل ابن القيم – رحمه الله – بين الفريقين ، فقال :
الصواب أن مبدأه ومنشأه من القلب ، وفروعه وثمرته في الرأس . اهـ .
غير أن هناك من الناس من يعرض عقله للبيع أو للتأجير !!!
فيُلغي عقله تماماً ، أو يُعطِّله تعطيلا جُزئياً !
ومن خلال قصة إبراهيم الخليل مع قومه يبدو إلغاء العقول واضحاً جليّاً
فهاهو خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يُحرّك عقولهم ، ويستثير فيها صفة التفكير والتّدبّر مرة بعد أخرى ، فما تزداد عقولهم إلا إغلاقـا !
هدم أصنامهم وتركها حُطاماً ، وأبقى لهم صنماً واحداً ليُقيم عليهم به الحجة
فلما رجعوا إذا بآلهتهم مُحطّمة !
( قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ )
فقال بعضهم بنظرة احتقار ( سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيم ُ )
فكان لا بُـدّ من حماية الآلهة ! ولا بُـدّ من إحضار المُتّهم على أعين الناس ، فأُحضِر وسُئل :
( أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ) ؟؟
فأراد أن يُنعش عقولهم ، فقال : ( فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ )
فكأن عقولهم أرادت أن تتحرّك أو تُفكّر
( فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ )
ولكن تلك العقول سُرعان ما عادت إلى غيّها ، وعلاها الصدأ الذي كانت تتمتّع به
فـ ( نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ )
وردّوا ببلاهـة ( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ )
وجرى بينهم وبينه الحوار مرة أخرى لتحريك تلك العقول ( أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) أين يُذهب بكم ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) ؟؟
ولكن تلك العقول ما زالت سادرة في غيّها تُريد أن تنتصر لآلهة مُحطّمة مُكسّرة !!
( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ )
ولكن الله حافظ أوليائه ( وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ )
ومرّات ومرّات جادلهم في ما يعبدون
ونظر في أعظم المخلوقات والأجرام السماوية ، فزعم عِبادة الكوكب ، لكنه كوكب يغيب ويأفل وهو لا يُحب الآفلين ، إذ من صفات الإله الذي يُعبد ويُلجأ إليه ويُستعان به أنه حيّ لا يموت يملك الضر والنفع