|
إسلاميات يهتم بكل ما يتعلق بالشريعة الاسلامية والفقه و المفاهيم الإسلامية الصحيحة |
|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع | طريقة العرض |
#31
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(30) توبة الراقصة زيزي مصطفى . عشرون عاماً من عمرها قضتها في حياة الرقص والمجون والعبث ، وفي (( عرفات )) عرفت طريق الحق وذاقت حلاوة الإيمان ، فكانت التوبة : تقول زينب مصطفى ( زيزي مصطفى سابقاً )) في بداية حديثها : ظروفي الماديّة العصيبة هي التي جعلتني أعمل في هذا المجال حوالي عشرين سنة ، فأنا أعول أمّي المريضة ، وأخواتي البنات ، وليس لي مصدر آخر للرزق ( ) . ثمّ لم أكن أدري أنّ هذا العمل حرام! ولم يكلّمني أحد في ذلك ، وظللت على هذه الحال حتّى أنجبت ابنتي الوحيدة . ثمّ تضيف : بعد إنجابي لابنتي هذه حدثت تحوّلات جذريّة في حياتي .. فجأة ، ودون سابق إنذار بدأت أصلّي وأشكر الله على هذه النعمة – نعمة الإنجاب - ، ثمّ بدأت أفكّر لأوّل مرّة أنّه لا بدّ أن أنفق على ابنتي من حلال ، ولا أدري من أين جاءني هذا الشعور ، الذي يعني أنّ عملي حرام ، وأنّ المال الذي أجنيه من ورائه حرام . وبدأت أشعر بتغيّرات نفسية دون أن أدري مصدرها . وشيئاً فشيئاً بدأت أتوضّأ ، وأنتظم في أداء الصلاة ، وبدأت أدخل في نوبات بكاء حادّ ومتواصل أثناء صلاتي ، دون أن أدري لذلك سبباً .ومع كلّ هذه البكاء ، وتلك الصلاة ، كنت أذهب إلى صالة الرقص ، لأنّني ملتزمة بعقد ، وفي مسيس الحاجة إلى ما يدرّه عليّ من دخل . وظللت على هذه الحال : أصلّي ، وأبكي ، وأذهب إلى الصالة ، حتّى شعرت بأنّ الله – سبحانه وتعالى – يريد لي التوبة من هذا العمل ، عندها أحسست بكرهي الشديد للبدلة التي أرتديها أثناء عملي . كنت كثيراً ما أستفتي قلبي : هل بدلة الرقص التي أرتديها يمكن أن أنزل بها إلى الشارع ؟ فكنت أجيب نفسي ، وأقول : طبعاً لا ، وبعد عشرين سنة من الرقص ، لم يمنعني عملي المحرّم أن أميّز بين الحلال والحرام . إنّ الحلال والحرام بداخلنا ، ونعرفهما جيداً حتّى دون أن نسأل أهل العلم . لكنّ الشيطان يزيّن لنا طريق الحرام حتّى يغرقنا فيه . كانت هناك رسائل ذات معنى أرسلها الله سبحانه لي حتّى أستيقظ من الغفلة التي أحاطتني من كلّ جانب . كان الحادث الذي تعرّضت له هو أوّل هذه الرسائل .. وبسبب هذا الحادث قُطع الشريان الذي بين الكعب والقدم ، وقال لي أحد الأطباء : بحسب التقرير ، وحسب العلم الذي تعلّمناه ، سوف تعيشين بقيّة حياتك على عكّاز . وبعد فكّ الضماد وجدتني أسير بطريقة طبيعية وسليمة مع تساوي قدميّ كما أفادت التقارير الطبيّة . اعتبرت ذلك رسالة لها معنى من الله – سبحانه وتعالى – وأنّ قدرته المعجزة فوق كلّ شيء ،فقد نجوت من موت محقّق ، ونجوت من عمليّات كثيرة في قدمي كان من الممكن أن أعيش بعدها عاجزة . أمّا الرسالة الثانيّة فقد كانت أشدّ وضوحاً ، أرسلها الله إليّ عن طريق صديقة ابنتي في المدرسة عند ما عيّرتها بمهنتي ، وجاءت ابنتي تبكي ، فبكيت معها ، وتأكدّ لي أنّ مهنتي غير مقبولة في المجتمع . ثم جاءت الرسالة الثالثة ، وكان لها صوت عالٍ بداخلي ، فكثيراً ما كنت أحدّث نفسي أنّني أريد أن أربّي ابنتي من مال حلال ، وأن أعلّمها القيم والمثل والأخلاق الفاضلة ، وكنت أسخر من نفسي ، وأقول : وأيّ قيم سوف أعلّمها ابنتي وأنا أقوم بذلك العمل . ثمّ مرضت ابنتي ، فكنت أهرع إلى سجّادة الصلاة .. أركع ، وأسجد ، وأدعو الله أن يشفيها . وبعد أن شفيت ، كان لا بدّ من التفكير في الاعتزال النهائي ، لأنّه لا يجتمع في قلب المؤمن إيمان وفجور ، ولأنّ الصورة أصحبت واضحة تماماً أمامي ، ولا تحتاج إلى تفسير آخر . وفي الأيّام الأخيرة كنت أشعر شعوراً حقيقيّاً بالشوك يشكّني في جسدي كلّما ارتديت بدلة الرقص ، وفي مرّة من المرّات كنت أصلّي ، وأبكي ، وأدعو الله أن يتوب عليّ من هذا العمل الذي يبغضه ، وفجأة .. وأثناء دعائي وتضرّعي بين يدي الله قمت من فوري لأتوجّه إلى خزانة ملابسي ، وفتحتها ، ونظرت إلى بدل الرقص باحتقار شديد ، وقلت بصوت عالٍ أشبه بالصراخ : لن أرتديكِ بعد اليوم . وكرّرت هذه الجملة كثيراً ، وأنا أبكي كما لم أبكِ من قبل . وبعد هذه النوبة البكائية شعرت براحة نفسيّة عجيبة ، تسري في أنحاء جسدي ، وتُدخلني في حالة إيمانية أخرى مكّنتني من التخلّص من حياتي السابقة بيسر وسهولة ، ولو كنت في أمسّ الحاجة إلى المال الذي أعول به نفسي ، وأمّي ، وأخواتي ، وابنتي . لقد جاء قرار الاعتزال من أعماقي ، وسبقه وقت أمضيته في التفكير والبكاء ، ومراجعة النفس ، حتّى رسوت على شاطيء اليقين بعد حيرة وعذاب ، وشهرة زائفة ، وعمل مُرهِق مجرّد من الإنسانية والكرامة ، كلّه ابتذال ومهانة وعريّ ، وعيون شيطانيّة زائغة تلتهم جسدي كلّ ليلة ، ولا أقدر على ردّها . هذه الرجعة إلى طريق النور منّة من الله – سبحانه وتعالى – وحده ، فهو الذي امتنّ عليّ بها ، وليس لأحد من الخلق أيّ فضل فيها . ثمّ أديت العمرة مرّتين ، وفي المرّة الثانية بعد أن عدت إلى بلدي ، قرّرت الاعتزال النهائي ، وبعدها بشهرين فقط كتب الله لي الحجّ ، وفهمت بأنه مكافأة من الله عزّ وجلّ ، وفي الحجّ ، ونحن على صعيد عرفات الطاهر ، بكيت بكاء أشبه بالهستيريا ، حتّى بكى لبكائي جميع من في الخيمة ، ثمّ عدت من الحجّ بحجاب كامل ، أدعو الله أن يغفر لي ، وأن يسامحني ، لأنّني كنت في غفلة ، لا أدرك ما أعمله حرام ، ولم يعظني أحد في ذلك . لم يعجب اعتزالي أولئك المهتمّين بالفن ، وبدأت العروض المغرية تنهال عليّ بأكثر ممّا أتوقّع ، واعتقدت في نفسي أنّ هذه العروض ما هي إلا اختبارات حقيقيّة من الله تعالى ليختبر صدق إيماني ؛ هل أنا صادقة في توبتي أم أنّها لحظات مؤقّتة ، وأعود بعدها لأنجذب من جديد لهذه العروض الشيطانية ، ووقفت أتحدّاهم بالرفض ، وأتحدّى نفسي ، وأوّل هذه العروض التي رفضتها كانت بمبلغ ضخم للعمل في مسرحية مع ممثل مشهور تستمّر عروضه المسرحية لسنوات عديدة . وثاني هذه العروض جاءني من شركة سياحية لا أعرف لحساب من تعمل . إذ عرضت عليّ أن أذهب إلى ألمانيا لتعليم الرقص الشرقي بمبلغ عشرة آلاف دولار شهريّاً ، وسيّارات أحدث موديل ، وشقّة فخمة في حي راقٍ بألمانيا . رفضت كلّ ذلك ولم يصدّقوا ، فاتّصلوا بي وأملوا حججهم : كيف ترفضين عرضاً كهذا ؟ فسوف تعملين بالحجاب ، ثمّ إنّ الفتيات اللاتي ستقومين بتعليمهنّ لسن على دينك ، فلماذا ترفضين ؟! وكان ردّي : إنّ كلّ بنت صغيرة ، أو فتاة يافعة سوف أقوم بتعليمها سوف آخذ وزرها حتى لو كانت غير مسلمة . أمّا السؤال الأكثر وقاحة ، الذي لم أكن أتوقّعه ، فقد قيل له : إذا كنت اعتزلتِ ، حذا حذوك راقصات ، فأين يذهب الرقص الشرقي ؟! ( ) . وأسئلة أخرى أكثر سخافة وفضوليّة ، مثل : من أين تدبّرين أمورك ؟ وتربيّن ابنتكِ ؟ فأجبتهم بالرفض القاطع من أجل أن أعيش بقية عمري تحت مظلّة الإيمان ، وقلت : أنا سعيدة بوضعي الجديد ، وقانعة به ، وسوف يرزقني ربّي ، ولن يتخلّى عنّي بعد أن منّ عليّ بالتوبة . أمّا العرض الأكثر إغراء الذي لم أتوقَّعه في حياتي البتّة ، فقد تلقّيته من أحد الغيورين (!) على اندثار الرقص الشرقيّ بخمسين ألف دولار نظير إحياء ليلة واحدة من الرقص ، أحييه وسط النساء فقط ، ولمدّة ساعتين ، وكان جوابي الصارم : لا ، وألف لا ، لأنّ هذه المحاولة دوافعها مفهومة لي ، فإذا كان أكبر أجر تلقّيته في حياتي أثناء عملي في دول أوربيّة كان ألفين أو ثلاثة أو أربعة آلاف دولار ، نظير عقد كامل لمدّة معينة ؛ فلماذا يعرض عليّ هذا المبلغ نظير إحياء ليلة واحدة ؟! المقصود هو إخراجي من حجابي ، ومن دائرة إيماني التي ولجت فيها عن صدق ويقين . بعد هذا الرفض الأخير أصابهم اليأس ، وتوقّفوا عن محاولاتهم الدنيئة لإغرائي بالابتعاد عن طريق النور الذي سلكته و رضيته ، والحمد لله على كلّ حال .. |
#32
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(31) توبة مطرب الصومال الأول عبد الله زلفى في إحدى المدارس الابتدائية بمقديشيو تجمّع المعلّمون والإداريّون ، ومعهم مدير المدرسة ، يستمعون بشغف إلى ذلك الفتى الأسمر النحيل وهو يشدو بصوته الساحر ، ويردّد أبياتاً من عيون الشعر العربيّ .. كانت الصومال وقتها تعيش الحقبة الاشتراكية من عهد الرئيس (( سياد بري )) فكان لا بدّ لموهبة الفتى أن تسخّر في هذا الاتجاه ، فتسابق الشعراء في تنظيم قصائد المدح والإشادة بالرئيس وعهده ، كي ينشدها الفتى الذي ذاع صيته في مدارس العاصمة ، وأصبح محطّ أنظار مسؤولي التعليم . تقدّم الفتى إلى المرحلة المتوسطة ، ثمّ الثانويّة ، وتقدّمت معه موهبته التي جذبت انتباه وزير التعليم ، فأصدر قراراً بتأسيس فرقة موسيقية تحت إشراف الفتى ... تلكم كانت بداية عبد الله زلفى مطرب الصومال التائب ، الذي قرّر أن يغرّد خارج سربه بعد أن تبيّن له أنّ السرب يسير نحو الجحيم .. ذاعت شهرته ، وأصبح يعرفه كلّ صوماليّ وجيبوتيّ ، ولقّبوه بمطرب الصومال الأوّل ، وفي عام 1396هـ شهدت الصومال نقطة تحوّل في توجّهها حيث تمّ طرد الخبراء السوفيت ، واعتماد سياسة الانفتاح ، فكان لا بدّ لمطرب الصومال الأوّل أن يتجاوب مع توجّهات بلاده ، فترك الفرقة الموسيقية الحكوميّة وعمل لحسابه ، وتحوّل من الغناء للاشتراكية ، إلى الغناء للانفتاح .. يقول عبد الله زلفى : اشتريت ملهى ليلياً كنت أغنّي فيه ، وكانت فنادق مقديشيو وملاهيها تتسابق لاستضافتي ، فكنت أغنّي في أكبر فندقين في العاصة : ( العروبة وجوبا ) .. كانت مهمّتي تتمشّي مع متطلبّات المرحلة ، فقد كان عليّ إغراق الشباب في اللهو والمجون ، والضرب على غرائزهم ، بحيث لا يفكّرون فيما يحدث لبلادهم من تمزيق ، ولثرواتهم من نهب .. كان الشباب حولي يرقصون ، فيما كانت مدافع وصواريخ إيثيوبيا تدّك المساجد في ( هرجيسا ) و ( برعو ) وغيرهما من المدن المسلمة ، قدّمتُ السخافات الغربيّة بدعوى : ( الفرانكو أراب )) ، وسافرت إلى لندن وباريس وروما وغيرها من العواصم الأوربيّة والأفريقية لتقديم الفنّ الصوماليّ الحديث !! وازداد إقبال الشباب علي ّ – والموت في انتظار كلّ من يتحدّث عن الشأن العام – ورافق ذلك إطراء وتهليل من وسائل الإعلام للغناء الذي أقدّمه ، وكان ذلك يعني مزيداً من الأموال تصبّ في جيبي .. عام 1983م ( 1403هـ ) كان فاصلاً في حياتي ، فقد أراد والدي أن يكملا فرحتهما بابنهما الذي أصبح موضع إعجاب شباب وشابات الصومال ، وقد خشيا أن أتزوّج فتاة لا يعرفونها فأبتعد عنهما ، فرشّحا لي إحدى قريباتي عروساً ، كانت على درجة عالية من الثقافة والجمال ، فوافقت عليها بلا تردّد ، وتوقّعت أن تطير فرحاً بي ، كيف وقد وقع اختياري عليها من بين آلاف الفتيات اللاتي يتمنينني زوجاً ، لكنّ توقّعي خاب ، فمنذ الليلة الأولى لمحتُ في عينيها حزناً دفيناً لم تخفه كاميرات التلفزيون والمصوّرين التي ملأت قاعة الاحتفال .. ظننت أنّ المسألة مجرّد إرهاق أو خجل يعتري الفتيات في مثل هذه المواقف ، ولكنّ الأمر لم يكن كذلك .. كنت أعود من الملهى قبيل الفجر ، فأجد زوجتي تقرأ القرآن .. وإذا حكيت لها ما حدث لي في عملي تكتفي بتحيّتي ، وتدعو لي بالهداية ، ثمّ تمضي لصلاة الفجر ، وأمضي إلى فراشي .. وكلّما حدّثتها عن عملي أجابتني : (( الرزّاق هو الله )) ولم أكن وقتها أفهم مغزى هذا الكلام فلم نكن نشكو الفقر أو قلّة الرزق . وبعد خمس سنوات رأت زوجتي أن تواجهني مباشرة ، فعند ما عدت إلى المنزل في أحد الأيّام ، كانت مساجد المدينة تصدح بآذان الفجر.. سألتني مستنكرة : لِمَ لم تدخل المسجد وأنت تسمع آذان الفجر ؟! )) كانت هذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها أنّ بإمكاني أن أدخل المسجد ، وأصبح مسلماً صالحاً .. كانت تلك بداية معركة في داخلي بين فطرتي التي تدعوني إلى الاستجابة لنصيحة زوجتي ، وواقعي الغارق في وحل الفنّ ، وفي المساء كنت أهندم ملابسي استعداداً للذهاب إلى الملهى فإذا بزوجتي تهمس في أذني برقّة : (( استرح يا أخي ، فالرزّاق هو الله )) .. خشيت أن أضعف أمامها ، فأسرعت خارجاً من البيت ، لكنّ رحمة الله عزّ وجلّ كانت لي بالمرصاد ، فما إن نزلت من سيّارتي وهممت بدخول الملهى حتّى سمعت المؤذّن ينادي لصلاة العشاء : ( حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله )) .. وكأنّي أسمع هذا النداء للمرّة الأولى .. فما كان منّي إلا أن غيّرت وجهتي .. ودخلت المسجد .. توضأت ، وصلّيت مع المصلّين الذين تجمّعوا حولي يمطرونني بالترحاب ، وقد غطّت وجوههم السعادة ، وأهدي إليّ أحدهم كتاب : ( شرح أحاديث البخاري ) . خرجت من المسجد ، وركبت سيارتي ، وقفلت عائداً إلى البيت لأبشّر زوجتي بمولدي الثاني ، وتلك كانت منحة في ثوب محنة . تلك كانت قصّة مطرب الصومال الأول مع الهداية ، وقد برهن على صدق توبته بخطوات عمليّة ، بدأها بالتبرّع بالأجهزة الصوتيّة ، والاستديو الذي يملكه لخدمة الدعوة الإسلامية ، وبدأ دخله يتراجع ، وأمواله تقلّ ، فهو مغنٍ ، وليس له دخل سوى ما يكسبه من هذه المهنة ، فلم يفتّ ذلك في عضده ، وباع سيارته ومنزله الكبير ، وكان عزاؤه في ذلك حلاوة الإيمان التي تغمر قلبه ، والسعادة التي تحيطه بها زوجته وهي تردّد ؛ (( الرزّاق هو الله )) .. لقد أصبح لهذه العبارة الآن معنى ومذاق طالما غاب عن عبد الله قبل ذلك . ولمّا كان طريق الإيمان والتوبة محفوفاً بالمكاره اختباراً وامتحاناً ، فقد استدعته السلطات وعاتبته على خطواته التي عدّوها (( متهوّرة )) وظنّوا أنّ الأمر لا يعدو مجرّد نزوة من فنّان أراد أن يجذب الانتباه إليه ، لكنّهم وجوده إنساناً آخر غير الذي عهدوه طيلة ثمانية عشر عاماً – عمر مشواره الفنّي - .. هدّدوه ، وطلبوه منه أن يظهر في التلفاز ويعلن أسفه على خطوته تلك ، ويعتذر لمعجبيه من الشباب والشابات ، ويؤكّد لهم أنّه قد غرّر به .. فرفض . فلمّا أدركوا حجم تصميم الرجل لم يجدوا بدّاً من سجنه !! نعم .. سجنوه لأنّه تخلّى عن دور مهمّ كان يقوم به في تغييب الشباب ، وأصبح قدوة من نوع آخر .. نوع يقلق أهل الباطل ، ويهدّد أركان مشروعهم .. لم تفلح العصا ، فعادوا يلوّحون بالجزرة .. عرضوا عليه مبلغاً من المال على أن يعود إلى الفنّ ، لكنّه أبى .. اقترحوا عليه أن ينظّموا له حفل اعتزال عسى أن يكون ذلك بداية لاجتذابه إلى الغناء مرة أخرى ، ولكنّه فهم المخطّط ورفض بإصرار .. يقول عبد الله زلفى : (( كانت عقيدتي قويّة ، وكانت زوجتي تقف معي في محنتي ، فكان قراري الرفض الحاسم للعودة إلى الطرب )) . وفي عام 1410هـ أراد أن يخرج من جوّ الحصار الذي يحيط به ، والملاحقات المتوالية التي تضغط عليه ، فلم يجد وجهة خيراً من بيت الله الحرام ، وهناك تزوّد بشحنة إيمانيّة جديدة كان لها بالغ الأثر في تثبيته على طريق الإيمان ، فقد تلقّفته الأيدي الطاهرة في مكّة ، وأحاطته بالرعاية حتى أتمّ حفظ عشرة أجزاء من القرآن ، ولمّا دوّت صفّارات الحرب في الصومال ، واشتبكت القبائل والميليشيّات في حرب أهلية طاحنة ، قرّر العودة إلى الصومال حيث يفرّ الناس منه ، فما أحوج الصومال إلى دور عبد الله الجديد داعيةً ومصلحاً .. أراد أن يكفّر عمّا ارتكبه من جرم في حقّ شباب الصومال ، فراح يطوف هناك يحثّ الشباب على الصبر والثبات والسلام ، ويحذّرهم من الانسياق وراء عصابات الحرب والإفساد والدمار .. فلّما رأى أن الشر قد استفحل ، عاوده الحنين إلى مكّة ، فمن ذاق عرف ، فجاء ملبياً ، وطاب له المقام ، وقطع شوطاً كبيراً في حفظ القرآن الكريم . والآن عبد الله يعمل داعية إلى الله عز وجل .. دعاه بعض أصدقائه إلى استخدام موهبته في خدمة الدعوة ، فهو صاحب صوت نديّ يمكن أن يشدو به أعذب الأناشيد ، لكنّه رفض ، وقال : أخشى إن دخلت الفنّ مرّة أخرى من باب الأناشيد أن أعود إلى سابق عهدي ، وعندنا مثل في الصومال يقول : اليد التي تسرق القليل مصيرها إلى السرقة ، الفنّ بوصفه الحالي حرام ، ولا يصلح لخدمة الإسلام ، وأنا اخترت مجال الدعوة بعيداً عن الفنّ .. لبعض العلماء فتاوى في جواز الغناء بلا مزامير بهدف بثّ الحماس أو العظة أو التمسك بالدين ، ولكن لا أحبّذ لنفسي ذلك ، ولا أمنع من يرى في نفسه المقدرة على استخدام الفنّ في تربية الروح الإسلامية في نفوس الناس . إنّ الوضع في الصومال لا يحتاج إلى فنّ ، بل يحتاج إلى دعوات في الثلث الأخير من الليل ، مع الأخذ بالأسباب ، لانتشاله من الوضع المأساويّ الذي يعانيه . |
#33
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(32) توبة الشيخ محمد جميل زينو من ضلالات الصوفيّة إلى نور العقيدة السلفيّة الشيخ محمّد جميل زينو – حفظه الله – عرفناه من خلال مؤلّفاته النافعة التي تُعنى بنشر العقيدة السلفيّة، وبيانها بأسلوب واضح ميسر ، وقد نفع الله بهذه المؤلّفات ، وهدى بها من الضلال بإذنه .. وللشيخ قصّته مع الهداية إلى هذه العقيدة الصحيحة ، وقد رواها بنفسه ( ) ، فقـال : ولدتُ في مدينة حلب بسورية .. ولمّا بلغتُ العاشرة من عمري التحقتُ بمدرسة خاصّة تعلّمت فيها القراءة والكتابة ، ثم التحقت بمدرسة دار الحفّاظ لمدّة خمس سنين حفظت خلالها القرآن الكريم كاملاً ولله الحمد ، ثمّ التحقت بما يسمّى آنذاك بالكليّة الشرعيّة التجهيزيّة – وهي الآن الثانوية الشرعيّة – وهي تابعة للأوقاف الإسلامية ، وهذه المدرسة تجمع بين تدريس العلوم الشرعيّة والعصريّة . وأذكر أنّني درست فيها علم التوحيد في كتاب اسمه : (( الحصون الحميديّة )) والذي يقرّر فيه مؤلّفه توحيد الربوبيّة ، وأنّ لهذا العالم ربّاً وخالقاً !.. وقد تبيّن لي فيما بعد خطأ هذا المنهج في تقرير العقيدة ، فإنّ المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرّين بأنّ الله هو الخالق الرازق : (( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )) ( الزخرف : 87) ، بل إنّ الشيطان الذي لعنه الله كان مقرّاً بذلك ؛ (( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي )) ( الحجر : 39) . أمّا توحيد الإله الذي هو الأساس والذي به ينجو المسلم ، فلم أدرسه ولا كنت أعلم عنه شيئاً . كنت نقشبنديّاً : لقد كنت منذ الصغر أحضر الدروس وحلقات الذكر في المساجد ، وقد شاهدني شيخ الطريقة النقشبندية فأخذني إلى زاوية المسجد ، وبدأ يعطيني أوراد الطريقة النقشبندية ، ولكن لصغر سنّي لم أستطع أن أقوم بها ، لكنّي كنت أحضر مجالسهم مع أقاربي في الزوايا ، وأستمع إلى ما يردّوونه من أناشيد وقصائد ، وحينما يأتي ذكر اسم الشيخ كانوا يصيحون بصوت مرتفع ، فيزعجني هذا الصوت المفاجئ ، ويسبب لي الرعب والهلع ، وعند ما تقدّمت بي السنّ بدأ قريب لي يأخذني إلى مسجد الحيّ لأحضر معه ما يسمّى بالختم ، فكنّا نجلس على شكل حلقة ، فيقوم أحد الشيوخ ويوزّع علينا الحصى ويقول : (( الفاتحة الشريفة ، الإخلاص الشريف )) ، فنقرأ بعدد الحصى سورة الفاتحة وسورة الإخلاص ، والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي يحفظونها ، ويجعلون ذلك آخر ذكرهم . ثم يقول الشيخ الموكّل ، لأنّ الشيخ – بزعمهم – هو الذي يربطهم بالله ؛ فيهمهمون ، ويصيحون ، ويعتريهم الخشوع ، حتّى إنّ أحدهم ليقفز فوق رؤوس الحاضرين كأنّه البهلوان من شدّة الوجد .. إلى آخر ما كانوا يفعلونه من البدع المحدثة التي ما أنزل الله بها من سلطان . كيف اهتديت إلى التوحيد ؟ كنت أقرأ على شيخي الصوفيّ حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما ، وهو قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : (( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله .. )) فأعجبني شرح الإمام النوويّ - رحمه الله – حين قال : ( ثمّ إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه ، كطلب الهداية والعلم، وشفاء المرضى، وحصول العافية ، سأل ربّه ذلك . وأمّا سؤال الخلق ، والاعتماد عليهم فمذموم )) . فقلت للشيخ : هذا الحديث وشرحه يفيدان عدم جواز الاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله . فقال لي : بل تجوز !! قلت له : وما الدليل ؟ فغضب الشيخ ، وصاح قائلاً : إنّ عمّتي كانت تقول : يا شيخ سعد ( وهو من الأولياء المزعومين الأموات ) فأقول لها : يا عمّتي ، وهل ينفعك الشيخ سعد ؟ فتقول : أدعوه فيتدخّل على الله فيشفيني !! قلت له : إنّك رجل عالم ، قضيت عمرك في قراءة الكتب ، ثمّ تأخذ عقيدتك من عمّتك الجاهلة !! فقال لي : عندك أفكار وهّابيّة ! (نسبة إلى الشيخ المجدد محمّد بن عبد الوهّاب رحمه الله ) . وكنت لا أعرف شيئاً عن الوهّابية إلا ما أسمعه من المشايخ ، فيقولون عنهم : إنّهم مخالفون للناس ، لا يؤمنون بالأولياء وكراماتهم المزعومة ، ولا يحبّون الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك من التهم الكثيرة الكاذبة التي لا حقيقة لها . فقلت في نفسي ؛ إن كانت الوهّابيّة تؤمن بالاستعانة بالله وحده ، وأنّ الشافي هو الله وحده ، فلا بدّ أن أتعرّف عليها . وبحثت عن هذه الجماعة ، فاهتديت إليها ، كان لهم لقاء مساء كلّ خميس يتدارسون فيه التفسير والفقه والحديث ، فذهبت إليهم بصحبة أولادي وبعض الشباب المثقّف .. دخلنا غرفة كبيرة ، وجلسنا ننتظر الدرس ، وبعد برهة من الزمن دخل الشيخ ، فسلّم علينا ، ثمّ جلس على مقعده ، ولم يقم له أحد ، فقلت في نفسي ، هذا الشيخ متواضع ، لا يحب القيام له. وبدأ الشيخ درسه بقوله : إنّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره .. إلى آخر الخطبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبه ودروسه ، ثمّ بدأ يتكلّم باللغة العربية الفصحى ، ويورد الأحاديث ، ويبيّن صحّتها وراويها ، ويصلّي على النبيّ صلى الله عليه وسلم كلّما ذكر اسمه . وفي ختام الدرس وجّهت له الأسئلة فكان يجيب عليها بالدليل من الكتاب والسنّة ، ويناقشه بعض الحاضرين فلا يردّ سائلاً أو متكلماً ، ثمّ قال في آخر درسه : الحمد لله ، إنّنا مسلمون سلفيون ، وبعض الناس يقولون إنّنا وهّابيون ، فهذا تنابز بالألقاب ، وقد نهانا الله عن ذلك بقوله : (( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ )) ( الحجرات ك 11) . ولمّا انتهى الشيخ من درسه ، خرجنا ونحن معجبين بعلمه وتواضعه ، وسمعت أحد الشباب يقول : هذا هو الشيخ الحقيقيّ . ومن هنا بدأت رحلتي إلى التوحيد الخالص ، والدعوة إليه ، ونشره بين الناس اقتداء بسيّد البشر صلى الله عليه وسلم . وإنّي لأحمد الله - عزّ وجلّ - الذي هداني لهذا ، وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله ، والحمد لله أوّلاً و آخراً . |
#34
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(33) المدينة المنورة سجن .. وما تسوى ريال ... وأعوذ بالله منها ... أعووووذ بالله منها .!! السلام عليكم ورحمة اله وبركاته فهذه هي العبارة التي قالها لي أحدهم وقد طلبت منه أن يذهب بي إلى المسجد النبوي ...( تاكسي ) القصة من البداية ... خرجت أريد الذهاب للمسجد النبوي وكانت سيارتي في الطريق ( شحنا ) قادمة إلى المدينة النبوية .. فأوقفت ذلك الشاب الذي بدى لي وجهه شبحا أسودا عليه آثار المعاصي .. التي لا تخفى على كل من رآى ذلك الوجه والذي زاده سوادا حر الظهيرة التي أقبلت حيث كان أذان الظهر على وشك أن يرتفع .. صعدت معه .. وانطلقنا فأذن الظهر مؤذنه .. فقلت له أظننا يا أخي لن ندرك الظهر في الحرم فهلا وقفنا عند أقرب مسجد ... قال : نعم .... سأوقفك وأنا سأذهب وأعود لك بعد الصلاة !!! يعني لن تصلي ؟ قال يا أخي تريد تصلي براحتك ولكن لا تمتحني ( أي لا تزعجني بهذا الطلب أنا حر ) !!! ذهلت من الجرأة ... وقفت عن مسجد الشيخ العلامة عبد المحسن العباد ( مدير الجامعة الإسلامية السابق والمدرس بالمسجد النبوي ) صليت وخرجت وإذا بالأخ موجود .. صعدت معه ... ومعي أوراقي وكتبي التي سأراجعها في الحرم .. فقلت له .. كيف المدينة معك ؟ فقال لي والله إنها سجن أعوذ بالله منها والله لولا المسجد هذا ( يعني المسجد النبوي ) لما كانت تسوى ريال !!! إنعقد لساني ... وأنا أسمع الشتائم لأطهر بقعة بعد المسجد الحرام ومكة ... ( علماً بأن بعض أهل العلم فضل المدينة مطلقاً كالإمام مالك - رحمه الله - ) أخرجت دفتري ... وأخذت قصاصة وكتبت له رسالة مبعثرة الأفكار وقليلة البيان ...ومضطربة الخط ( مع القيادة ) من مذنب مثله ..وهو أنا .. وصلت إلى لمسجد النبوي ...وأعطيته الخمسة ريالات .. وهذه الورقة .. ما هذه الورقة ( يسألني ) ؟ قلت له خذها ولا تقرأها إلا إذا أردت أن تنام ... قبل النوم ... قال : يعني ما أقرأها ذحين ( يعني الآن ) قلت : لا ... قبل أن ترقد .. قال نعم .... ذهبت ... للمسجد ومضت الأيام ... وبعد أسبوع وأنا عائد بعد صلاة العشاء من المسجد النبوي وإذا بالجوال يرن .. رقم غريب ... خير إن شاء الله ... ألو ... السلام عليكم .. وإذا بصوت ينفجر باكياً ... قال لي نعم يا يا شيخ والله إني طفشان والله إني متضايق .. إش أسوي ( ما العمل ؟) أهدأت روعة ... وهو يقاطعني ويقول والله لن يقبل الله لي توبة ... ما فيه شيء إلا وفعلته ... تخيل يا شيخ كل شيء ... يا شيخ أنا ما ني مجرم عادي ... ولكن والله إني تائب ... والله تائب ... يا شيخ ... أنا مهرب مخدرات ... أنا مروج ... والله بعد ما قرأت الرسالة ... سحبت سيفون الحمام ( أجلكم الله ) على أكثر من ثلاثة آلاف حبة هروين .... أنا تاااااااااااااائب ... قلت الله يعفو ويصفح عن كل شيء إلا الشرك ...ورد المظالم .. كل ما يتعلق بجنابه يغفره إلا الشرك به سبحانه .. (( إن الله يغفر الذنوب جميعا )) أبشر بعفو الله .. وذكرته بالله ... وبمغفرته ... فهدأ روعة وسكنت زفراته وأغلق الإتصال معه ولم يتيسر لي لمشاغلي الإتصال به .. وبعد فترة يتصل بي وكنت قد صليت الجمعة في المسجد النبوي .. وإذا بصوته متغير ... صوت مطمئن هادئ .. سعيد .. ويقول ويني عن هذه السعادة ... الآن الناس كلهم صاروا يحبوني ... ومواعيد والآن سأذهب للإمام ... يستضيفني عنده .. أبشرك والله إني في أحسن حال .. أريقت دموعي فرحا ... وسجدت لله شكرا .... أسأل الله القبول .. وذهبت الأيام .. واتصل علي مرة أخرى ... وقال أبشرك .. أحد زملائي القدامى أيام الترويج تاب والآن تركته وقد ذهب لمكة سيعتمر ... قلت : ما شاء الله ... الآن أصبحت داعية .. قال أسأل الله أن يتقبل .. وهكذا انتهت قصة مروج المخدرات ... الذي أصبح داعية .. وأنتم لا تعرفوني ... ولذلك لم أتورع عن ذكر .. هذه القصة .,.. للفائدة ... ولقضية واحدة ... فقط .. أريد أن أذكر نفسي وإياكم بها .. لا تحقروا من المعروف شيئا ولا تحقروا النصيحة .. ولا كلمة طيبة .. قد تغير أناسا وتقلب أمورا وأحوالاً .. جعلني الله وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر |
#35
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(34) توبة شاب ماجن الشباب هم عماد الأمة وذخيرتها الحية، وأملها المرتقب، ومستقبلها المنشود، لذا؛ فإن الأعداء لا يألون جهداً في تحطيم نفوس الشباب وهدم أخلاقهم بشتى السبل والوسائل.. يقول المستشرق شاتلي: (وإذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضتْ على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانتْ السبب الأول والرئيس لعزة المسلمين وشموخهم، وسيادتهم وغزوهم للعالم.. إذا أردتم غزو هذا الإسلام، فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية؛ بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم: القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم، ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء لكفانا ذلك، لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد أغصانها..)[20]. وما كان للأعداء أن يحققوا شيئاً لو تمسك المسلمون بدينهم وصبروا عليه، لأن الله يقول: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط) (آل عمران: 120) يقول هذا التائب: كنتُ في ضلال وضياع وفجور، تربيتُ كسائر الناس على طاعة الوالدين، لكني لم أكن أعرف الصلاة وكذلك سائر العبادات إلا رياءً... تعلمتُ التدخين في سن مبكرة، فكنتُ أدخن كثيراً.. لم أكن أعرف عن قضايا المسلمين شيئاً؛ اللهم إلا القضية الفلسطينية.. وعند دراستي في الجامعة تعرفتُ على شاب أبيض ذي لحية سوداء صغيرة، لا تفارق الابتسامة محياه.. لا أدري لماذا كنتُ أكرهُ هذا الشابَ وأحقد عليه.. ربما لأنه كان دائماً ينصحني، ويحثّني على ترك التدخين، وكل ما يُغضب الله.. وفي يوم من الأيام، حضر إلى الجامعة وبيده بعض المنشورات عن المجاهدين، وما أن اطلعتُ عليها حتى سَرَتْ في نفسي رعشةٌ وقشعريرةٌ لم أدرِ لها سبباً، لكنها سرعان ما زالت بعد دقائق معدودة.. وذات يوم، كان الوقت عصراً وكنتُ أستمع إلى أغنية في المذياع، وصوت المؤذن يجلجل في الآفاق منادياً لصلاة العصر، ولكن: فـلا الأذان أذان فــي منارته *** إذا تعـالـى، ولا الآذان آذانُ كنتُ أنا والجدار متشابهين في القسوة والجمود وعدم الإجابة... وبعد انتهاء الأغنية، جاءت الأخبار، فأستمع إليها وإلى أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك وما يتعرضون له من القتل والتشريد؛ فلم ألقِ لذلك بالاً. وفي الصباح، ذهبتُ إلى الجامعة كالعادة، فقابلني أحد رفقاء السوء، وعرض عليّ (فلماً) خليعاً فأخذتُه مسروراً، وسهرتُ تلك الليلة لمشاهدته، وهكذا في كل صباح كنا نتبادل هذه الأفلام المدمرة بيننا في الجامعة وللأسف الشديد..!! فكيف يمكن للمسلمين أن يتقدموا على أعدائهم وهذا حال شبابهم. وجاء اليوم الموعود، فإذا بذلك الشاب الذي كنتُ لا أطيقه يأتيني ويقول لي: هل تريد فلماً؟ فقلتُ له متعجباً: أعندك؟!.. قال: نعم. قلتُ: هات. وأخذتُ الفلم، وفي الوقت الذي كنتُ أقضيه في السهر لمشاهدة تلك الأفلام؛ سهرتُ على هذا الفيلم الجديد الذي لا أدري ما محتواه.. كنتُ أظنه كتلك الأفلام التي أعرفها.. ولكن كانت المفاجأة. تسجيلات قرطبة الإسلامية تقدم: الصليــب يتحـــدى كان هذا هو عنوان الشريط.. ثم توالت بعد ذلك الصور المفزعة.. دماء... أشلاء.. أجساد ممزقة.. أعضاء متناثرة... نساء ثكالى.. أطفال حيارى... دمار وخراب.... أحـلَّ الكفـر بالإسـلام ضيــماً *** يطـول بـه على الديـن النحيـب فحق ضائــع وحمــىً مبــاح *** وسيـف قاطـع ودمث صبيــبُ وكـم مـن مسلم أمسـى سليبــاً *** ومسلمــة لهـا حـرمُ سليــب وكـم مـن مسجـد جعلـوه ديراً *** علـى محرابـه نُسـب الصليــب أمـور لـو تأملهـــن طفــل *** لطفــل في مفارقــه المشيــبُ أتسبـى المسلمـاتُ بكل ثغـــر *** وعيـش المسلميــن إذاً يطيــبُ أمـا لله والإســلام حـــــقُ *** يدافــع عنــه شبــان وشيبُ فقـل لـذوي البصـائر حيث كانوا *** أجيبــوا الله ويحكـم.. أجيبــوا لم أتمالك نفسي من البكاء.. أحسستُ برعشة تسري في أوصالي.. كنتُ أتخيل نفسي واحداً من هؤلاء، وقد ذُبحت من الوريد إلى الوريد، ورُسم على صدري الصليب.. يا إلهي.. ألهذه الدرجة بلغ الحقد الصليبي على هؤلاء الغُزّل، لا لشيء.. إلا لأنهم مسلمون..؟؟!! (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد). لم أنم تلك الليلة من شدة الخوف.. استلقيتُ على فراشي وأنا لا أدري ماذا أصنع.. نظرتُ من حولي، فإذا بضوء القمر الخافت قد تسرب من خلال النافذة، وألقى بأشعته الفضية على طاولة مكتبي الذي أذاكر عليه.. وإذا بي ألمح مصحفي القديم الذي تقطعتْ بعض أوراقه من الإهمال.. فأسرعتُ إلى أخذه وبدأتُ أقرأ فيه حتى وصلتُ إلى آية الكرسي من سورة البقرة.. (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم..) فتوقفتُ عن القراءة ثم انهمرتْ عيناي بالدموع، فلم أتوقف عن البكاء إلا على صوت المؤذن وهو يجلجل في الآفاق.. (.. الله أكبر.. الله أكبر..) .. فقمتُ مسرعاً، وذهبتُ إلى المسجد خائفاً ترتعد فرائصي.. فدخلتُ دورة المياه، فوجدتُ شيخاً كبيراً يتوضأ، فطلبتُ منه أن يعلمني الوضوء والصلاة، وكانت تلك الحادثة هي نقطة التحول في حياتي.. |
#36
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(35) توبة شاب ذكي من شتم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم يقول المولى عز وجل في محكم التنـزيل: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم). [ سورة التوبة] : 100 ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً؛ ما بلغ مُدّ أحدهم، ولا نصيفه) متفق على صحته: أولئك أتبـاع النبــي وحزبـــه *** فلولا هـم ما كان في الأرض مسلـم ولكـن هـم فيها بدور وأنجـــم *** فيـا لائمـي في حبهـم وولائهـم تأمـل - هداك الله- مَن هـو ألـوَمُ *** بأي كتـاب؟.. أم بأيـة حجــة؟ ترى حبهــم عـارٌ علـي وتنقـم *** وما العـار إلا بغضهـم واجتنابهـم وحب عداهـم، ذاك عـار ومأثــمُ *** ------------- ليس عجباً أن تسمع ملحداً أو يهودياً أو نصرانياً يشتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينتقصهم، وإنما العجب أن يحدث هذا ممن يدعي الإسلام، وينطق بالشهادتين، ثم يتخذ من شتمهم وبغضهم ديناً ومذهباً، ولو أعمل هؤلاء عقولهم، وفكروا بتجرد، لعلموا أن الطعن فيهم طعن في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي تولى تربيتهم وإعدادهم، ليكونوا قادة الدنيا وسادتها، فعاشوا في كنفه الدافئ، ونهلوا من معينه الصافي، ولما اختاره الله إلى جواره، وارتدتْ قبائل العرب عن دين الإسلام، قام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- قومته العظيمة، ومعه سائر الصحابة الكرام، وقاتل المرتدين حتى أخضعهم لدين الله، وقال قولته المشهورة: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه. فدانتْ له الجزيرة، وعاد إليها الأمن والأمان بعد حروب طاحنة، استشهد فيها كثير من الصحابة الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، فكيف يقال بعد ذلك إن الصحابة قد ارتدوا جميعاً؟! هذا من أعجب العجب، وأمحل المحال..! وبمثل هذا لا عجب قص عليّ هذا الشباب قصته فقال: أنا شاب عربي، أسرتي وقبيلتي كلها تعتنق مذهباً غير مذهب أهل السنة والجماعة، هاجرتُ إلى هذه البلاد للعمل عام 1401هـ، ولم يتجاوز عمري آنذاك الخامسة عشرة.. بدأ التحول في حياتي يوم أن التحقت بإحدى المدارس الليلة لمحو الأمية بمدينه جدة.. لم يكن مدير المدرسة آنذاك يعلم باعتقادي الباطل، فكان يثني عليّ وعلى ذكائي، وبالفعل؛ فقد كان ترتيبي الأول على جميع الطلاب. كان المدرسون والطلاب يؤدون صلاة العشاء جماعة في ساحة المدرسة، فكنتُ أتهرب، وأتعمد الخروج خفيةً حتى لا يعلم بي أحد..!! وبحكم نشأتي الطائفية فقد امتلأ قلبي حقداً وكراهيةً لأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمني أهلي أن أصحاب المذاهب الأربعة التي تنتسب لأهل السنة؛ كلهم كفرة وخارجون عن الملة.. لا يؤمنون بإمام الزمان!! ولا يدينون دين الإسلام.. ويتخبطون في ظلمات الكفر والضلال.. ولا يهتدون سبيلاً..!! أي والله هذه هي الحقيقة المؤلمة. كنتُ عندما أشاهد زملائي في المدرسة يصلون، أشعر بإحساس أنهم على الحق، فهم أفضل مني.. يصلون، ويتحدثون عن الدين عن علم ودراية، ومعرفة مقرونة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أما أنا... وفي ذات يوم، قابلني أحد الاخوة الطيبين -وهو زميل لي في الفصل الذي أدرس فيه-قابلني خارج المسجد.. فإذا بضربات قلبي تشتد، ولساني ينعقد عن الإجابة.. ماذا أقول له؟؟ هو يظن أنني على دينه، فبمَ أجبيه في هذا الموقف الحرج؟.. لقد أصابني ذعر شديد لأني لا أملك الحجة لمقارعته، وإذا ذهبتُ معه إلى المسجد فقد يصل الخبر إلى أهلي فيؤذونني، فالمسألة معتقد. ثم إني لا أعرف من صلاتهم شيئاً، فماذا أصنع لو دخلت المسجد؟!! هذه حقيقة أقولها بكل صدق، أسأل الله أن يغفر لي جميع ذنوبي؟ ولكني لم أجد بداً من الاعتراف أمام ذلك الأخ، فأخبرتُه بأن مذهبنا لا يجيز لي الصلاة خلف (سُني) كما كان يلقنِّني أهلي.. فتعجب ذلك الأخ من قولي، ثم جذبني بقوة، وأدخلني المسجد.. وصليتُ معهم، ولا أدري كيف صليتُ!!! بعد ذلك، كنتُ أذهب إلى بيت أحد أقربائي فأسأله كثيراً من مذهبنا؛ فوجدته من أجهل الناس، رغم أنه يعتبر من العالمين بذلك الدين أو المذهب.. كان يجيبني بعنف، ويكثر من الوقيعة في أهل السنة بأقذع الشتائم والسباب، ويرميهم بأقسى التهم.. مما جعلني أتخذ خطاً معاكساً لما هو عليه. وتوجهتُ إلى المكتبات، وبدأتُ أقرأ عن الإسلام على خوف، ثم دخلتُ مرحلة من الشك القاتل استمرتْ أكثر من خمس سنوات تقريباً.. لم أذق خلالها طعم النوم إلا قليلاً.. ولا أبالغ إذا قلتُ إن وزني قد انخفض قريباً من خمسة وعشرين كيلو جرام.. فما زلتُ على هذه الحال، حتى توصلتُ إلى اقتناع تام بأن ما كنتُ عليه ما هو إلا باطل وضلال.. فدخلت بعدها مرحلة جديدة من الكتمان الشديد، خوفاً من الأهل ومن بطشهم.. فكنت أذهبُ إلى المساجد للصلاة سراً.. ثم بدأتُ أستمع إلى خطب ودروس بعض الشيوخ الفضلاء، منهم الشيخ حسن أيوب رحمه الله في مسجد العمودي.. وأتابع الجديد من الكتب والأشرطة الإسلامية.. أستمع وأقرأ بشغف.. وحفظتُ من كتاب الله ما شاء الله أن أحفظ.. فدخلتْ السعادة قلبي.. وأصبحتُ أجد طعم النوم والراحة.. وأحسستُ أنه يجب عليّ أن أعمل من أجل تعريف الناس بالدين الصحيح.. لما لاحظتُه من بُعد الكثيرين عن تعاليم هذا الدين. خلال هذه الفترة لم يعلم بحالي أحد سوى بعض الاخوة الملتزمين من أبناء هذا البلد، إلا أني -وللأسف الشديد- لم أجد منهم رغم التزامهم التشجيع الكافي. (أسأل الله أن يغفر لنا جميعاً). ثم كانت عودتي إلى بلدي عقب أزمة الخليج.. وهناك؛ كان الزلزال العظيم الذي كان يعصف بي لو لا فضل الله ورحمته، قال تعالى: (الـم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فَلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا ولَيَعلمن الكاذبين). سورة العنكبوت:2.. لقد علم أهلي بالأمر.. بل القبيلة كلها.. وكعادة القبائل هناك في التمسك بأعرافها وتقاليدها.. رأوا أنه قد لحقهم العار من جراء ما فعلتُ، فتعرضوا لي بأنواع من الأذى والمضايقات.. ووصل بهم الأمر إلى أن أجبروني على تطليق زوجتي التي رزقني الله منها بولدين.. وجردوني من كل ما أملكه عن طريقها.. هددوني بالضرب مرة.. ومرة بالقتل.. وأخرى بالطرد من البلاد.. وتحقق لهم ما أرادوا؛ فقد قام والدي بطردي من البلد في يوم عيد الفطر المبارك، وإهدار دمي، لأني لم أصلّ معهم صلاة العيد، وصليتُ مع جماعة المسلمين من أهل السنة. (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا فأوحى إليهم لنهلكنَّ الظالمين ولَنُسكننَّكم الأرضَ من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد). وخرجتُ من بلدتي -مسقط رأسي.. ومنشأ صباي- إلى منطقة أخرى جاورتُ فيها أناساً صالحين، لم يدخروا وسعاً في مساعدتي -جزاهم الله عني كل خير-. هذه هي قصة باختصار شديد.. ولن أتراجع -بإذن الله- عن قراري أبداً، ولقد قلتُ لهم كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه عمه أبو طالب يساومه من طرف المشركين لكي يتخلى عن هذا الدين، ويعطونه ما يريد، فقال لهم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الدين؛ ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه).. لن أساوم رغم المغريات الكثيرة التي قدموها لي.. ورغم مفارقتي لأهلي ووطني، والحالة الاقتصادية السيئة التي أمرُّ بها.. لن أتراجع أبداً، بل سوف أعمل بكل جهد وإخلاص -بمشيئة الله- في الدعوة إلى الله، وكشف أستار الظلام للمسلمين؛ ليروا الطريق الصحيح أمامهم واضحاً... ولقد بدأتُ بالفعل، وكسبتُ بعض الأنصار لشرع الله ولله الحمد، خصوصاً بعد ظهور الصحوة الإسلامية في كل قطر وناحية.. هذا وأسأل الله أن يرزقني وإياكم الإخلاص والتوفيق والسداد.. إنه ولي ذلك.. أخوكم/ أبو صلاح الدين وبعد، فإني -بهذه المناسبة- أوجه كلمة إلى نفسي، وإلى كل مسلم ومسلمة، بل إلى كل إنسان على وجه الأرض (أياً كان دينه ومذهبه وعقيدته)، أدعوهم فيها إلى التفكير وإعادة النظر فيما يعتقدونه من معتقدات، ويحملونه من أفكار، بتجرد وإخلاص، وبذل الجهد في معرفة الحق حيثما كان، والتحرر من عبودية الهوى والتبعية والتعصب الأعمى، وتقليد الآباء والأجداد: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أوَ لو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون). (البقرة:17) فإن الحق واحد لا يتعدد، ولابدّ للباحث عن الحق من الإطلاع على آراء الآخرين من مصادرها الأصلية، والنظر بتجرد وإخلاص، مع التضرع إلى الله عز وجل وطلب الهداية منه سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين) (العنكبوت: 69). العلـم يدخـل قلب كـل موفــق *** من غيـر بــواب ولا استئــذان والحق ركــن لا يقــوم لهــدِّه *** إحـدٌ ولــو جُمعـت لـه الثقلان تأمـل -هداك الله- مَن هـو ألـوَمُ *** بأي كتـاب؟.. أم بأيـة حجــة؟ |
#37
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(36) توبة شاب بعد سماع شريط (إن الشريط الإسلامي وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة، وإن استعمالك لهذا الشريط جزء من الدعوة إلى الله عز وجل، فبادر بإسماع هذا الشريط من عرفتَ ومن لم تعرف، فلعل الله أن ينفع به) بهذه العبارة يختم بعض أصحاب التسجيلات الإسلامية مواد أشرطتهم.. وهي عبارة طيبة.. فكم من عاصٍ وعاصية، وكم من مجرم، وكم من فاجر هداه الله وفتح على قلبه بعد سماع شريط، سمع فيه عن الجنة والنار أو القبر وأهوال الآخرة أو غير ذلك مما يحيي القلب، ويوقظ الضمير... وصاحبنا هذا هو واحد من هؤلاء الغافلين.. درس في أمريكا.. وعاد بقلب مظلم، قد عصفتْ فيه رياح الأهواء والشبهات، فأطفأتْ سراج الإيمان في قلبه، واقتلعتْ ما فيه من جذور الخير والصلاح والهدى، إلى أن جاء من بذر، فيه بذرة طيبة، أنبتت نباتاً طيباً بإذن الله. يقول هذا التائب: لم أكن أطيق الصلاة، وحينما أسمع المؤذن وهو ينادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أخرج بسيارتي هائماً على وجهي إلى غير وجهةٍ حتى ينتهي وقت الصلاة ثم أعود إلى المنزل، تماماً كالشيطان عندما يسمع النداء للصلاة فيولي وله ضراط، كما ثبت ذلك في الحديث الشريف. وفي يوم من الأيام خرجتُ كعادتي أهيم على وجهي.. وعند إحدى الإشارات المرورية، وقف بجانبي شاب بهي الطلعة -وكانت أصوات الموسيقى الصاخبة تنبعث من سيارتي بشكل ملفت- .. نظر إليّ مبتسماً ثم سلم عليّ وقال: ما أجمل هذه الأغنية، هل يمكنني استعارة هذا الشريط؟.. عجبتُ لطلبه.. ولكن نظراً لإعجابه بالموسيقى التي أسمعها، أخرجتُ له الشريط وقذفتُ به إليه.. عند ذلك ناولني شريطاً آخر، بدلاً عنه، وقال: استمع لهذا الشريط. الشريط كان للشيخ ناصر العمر، بعنوان: (السعادة بين الوهم والحقيقة).. لم أسمع باسم هذا الشيخ من قبل.. قلتُ في نفسي: لعله أحد الفنانين المغمورين.. كدتُّ أحذف بالشريط من النافذة، ولكن؛ نظراً لأني قد مللتُ استماع الأشرطة التي معي في السيارة؛ قلتُ: لأستمع إلى هذا الشريط فلعله يعجبني.. وبدأ الشيخ يتكلم.. فحمد الله وأثنى عليه، ثم ثـنّى بالصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم- .. أنصتُّ قليلاً، فإذا بالشيخ يروي قصصاً عن أشخاص كنتُ أعتقد أنهم في قمة السعادة، فإذا هو يثبت بالأدلة والبراهين أنهم في غاية التعاسة.. كنت مشدوداً لسماع هذه القصص.. وقد انتصف الشريط.. فحار في ذهني سؤال لم أجد له جواباً: ما الطريق إذاً إلى السعادة الحق!!. فإذا بالجواب يأتي جلياً من الشيخ في النصف الثاني من الشريط.. لا أستطيع اختصار ما قاله الشيخ جزاه الله خيراً، فبإمكانكم الرجوع إلى الشريط والاستماع إليه مباشرةً. ومنذ ذلك اليوم بدأتُ بالبحث عن أشرطة الشيخ ناصر العمر، وأذكر أنني في ذلك الأسبوع استمعتُ إلى أكثر من عشرة من محاضرات الشيخ ودروسه.. وأثناء ترددي على محلات التسجيلات الإسلاميـة سمعتُ عن المشائخ والعلماء والدعـاة الفضلاء الآخرين -وهم كثير والحمد لله، لا أستطيع حصر أسمائهم-.. فظللتُ أتابع الجديد للكثير منهم، وأحرص على حضور محاضراتهم ودروسهم.. كل ذلك ولم أكن قد التزمتُ بعدُ التزاماً حقيقياً.. وبعد حوالي أربعة أشهر من المتابعة الحثيثة لهذه الأشرطة؛ هداني الله عز وجل.. |
#38
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(37) توبة متأخرة - توبة قاتل الحسد داء وبيل، ومرض قاتل.. بسببه لُعن إبليس وطُرد من رحمة الله.. وبسببه وقعتْ أول جريمة قتلٍ على وجه الأرض، كما سطرها الله في كتابه الكريم، في قصة ابني آدم عليه السلام.. وقد سُئل الحسن البصري رحمه الله: أَيَحسِد المؤمنُ؟ قال: ما أنساك لاخوة يوسف! ولهذا أمر الله بالاستعاذة من الحسد كما في قوله تعالى: (ومن شر حاسدٍ إذا حسد). ألا قـل لمـن كان لـي حاسـداً *** أتـدري على مـن أســأت الأدب أسـأت علـى الله فــي فعلـه *** لأنك لـم تـرضِ لي مــا وهـب وقصتنا هذه شبيهة بقصة ابني آدم، وفيها عبرة لكل حاسد، يقول صاحبها وهو يذرف دموع الندم خلف القضبان الحديدية: كانت القرية هادئة، والناس منصرفين إلى أعمالهم، فلا تسمع إلا صياح الأطفال وصراخهم، وهم يلعبون ويتراكضون في براءة متناهية؛ مما يضفي على القرية الوادعة جواً من الأمن والأمان.. أنا وابن جارنا محمد كنا صديقين متلازمين، بل كروحين في جسد واحد، لا نكاد نفترق أبداً، فقد وصلتْ الصداقة بيننا إلى درجة أن شباب القرية إذا رأوا أحدنا يمشي بمفرده سألوه عن توأمه، لما قد ألفوه منا. وظللنا على هذه الحال إلى أن وصلنا إلى المرحلة الثانوية.. في ذلك الوقت شاركنا -مع شباب القرية- في نقل أثاث جارنا الجديد إلى داخل منزله.. كان هذا الجار رجلاً طيباً في أواسط العمر، ومعه عائلته المكونة من زوجته وبنت واحدة. وما إن بدأتْ الزيارات المتبادلة بين نساء القرية وزوجة هذا الجار الجديد، حتى بدأ أهالي القرية في مدح جمال ابنة جارنا وكمال خلقها، وكنتُ أنا ومحمد من بين من استمع لتلك الروايات. وصارت هذه الفتاة بعد حوالي سنة من إقامتها مع أسرتها حلم أكثر شباب القرية، وكنتُ أنا ومحمد في مقدمة من يراودنا مثل هذا الحلم، لعلاقة أسرتنا الوطيدة بأسرتها، حيث كنا نستطيع تتبع أخبار هذه الفتاة أولاً بأول. لم أكن أظهر لصديقي محمد شيئاً عن حبي لتلك الفتاة لإحساسي أنه ربما كان يحمل نفس الشعور والرغبة في الارتباط بها، لكنه لم يكن يفكر مثل تفكيري.. فقد أخذ يجدُّ ويجتهد في دراسته حتى التحق بالجامعـة ثم تخرج بتفوق، مما جعل أهل القرية يذكرونه بكل خير [14]، بينما لا يذكرني أحد بسبب فشلي ورسوبي المتكرر في الثانوية مما اضطر والدي إلى سحب أوراقي من المدرسة للعمل معه في المحل التجاري الذي يمتلكه. وحين بلغني إعجاب محمد بهذه الفتاة، وعزمه على التقدم لخطبتها؛ بدأ الحسد يغلي في داخلي، وتغيرتْ معاملتي له كثيراً فأصبحتُ أتجنبُ الجلوس معه بكثرة، وأقدم تبريرات واهية لأتهرب من لقائه.. كل ذلك بسبب تفوقه، الذي يتحدث عنه أهل القرية، بينما أصبحتُ أنا في نظرهم لا شيء. وجاءت اللحظة الحاسمة.. وتقدم محمد للزواج منها.. فسمعت الزغاريد تنطلق من بيتها، فأحسستُ كأن صاعقة وقعتْ على رأسي، ولم يعد سراً اتفاق أهل العروسين على إتمام إجراءات الزواج خلال شهر واحد.. كان الدم يغلي في عروقي.. لقد أصبح توأمي رجلاً متميزاً بعلمه عني، بينما ويلات الفشل تتعقبني، وتحول بيني وبين ما كنت أتمناه وأحلم به منذ ثمان سنوات. أحسست أن محمداً سرقها مني.. فجعلتُ كل همي أن أثار منه بأية وسيلة حتى أطفئ نار الحقد التي اشتعلتْ في صدري... وتملكني الشيطان بشكل لم أتخيله من قبل فقمت بشراء مسدس ملأته بالطلقات.. وفي ليلة الزفاف دخلتُ على محمد متظاهراً بتهنئته.. وعلى حين غِرة؛ أخرجتُ مسدسَ الغدر من جيبي لأطلق عليه أربعة أعيرة نارية استقرتْ في صدره...!!! ويضج المكان، وتختلط الأصوات، ويسقط محمد بين أهله مضرجاً بدمائه.. وتصطبغ ثيابه البيضاء الناصعة البياض بدمه الأحمر القاني، ويتحول الفرح إلى حزن.. ويُسدل الستار عن مشهد مبكٍ حزين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعده له عذاباً عظيماً). أما المجرم الأثيم فقد تم إلقاء القبض عليه، وها هو الآن يحدثكم من خلف القضبان، والدموع تتساقط من عينيه.. نعم، تتساقط من عينيّ ندماً على ما اقترفته في حق صديق طفولتي الذي لم يؤذيني يوماً من الأيام.. ولكن، بعد فوات الأوان هل ينفع الندم؟ كل ما أرجوه أن يطهرني القصاص من خطيئتي، ويتقبلني الله عنده من التائبين. |
#39
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(38) مايكل جاكسون في صندوق القمامة - توبة شاب من ضحايا التغريب المدينة في أمسيات الصيف الحارة.. الأضواء تتلألأ.. روائح (الشاورما) تنبعث على مفارق الشوارع العريضة.. البعض يمشي بخطوات وئيدة أمام الواجهات الزجاجية.. البعض الآخر مسرع الخطى.. سيارة (اسبور) حمراء ينبعث منها صخب لموسيقى غربية متناغمة مع صوت مايكل جاكسون تأخذ جانباً على الرصيف بجوار محل لبيع الأشرطة الغربية.. نزل منها شاب دون العشرين قد قص شعره على الطريقة الغربية.. يلبس نظارة سوداء.. وأثناء انطلاقه إلى المحل -وهو يدندن مع الأنغام التي تنبعث من سيارته- اصطدم برجل من المارة، كث اللحية، بهي الطلعة.. (هلا مطوع).. قالها بشيء من اللامبالاة، ممزوجة بنبرات من الاستخفاف..! نظر إليه الشيخ بابتسامة يشوبها شيء من الاستغراب.. لمنظر سيارته.. لقصة شعره.. ثم أشار إلى الصورة التي على صدره متسائلا: ما هذا يا بني؟! -هذا مايكل... ألا تعرف جاكسون..؟!! -لم يحصل لي الشرف من قبل. (قال الشيخ ذلك تنـزلاً، وإلا فأي شرف يناله المرء في معرفة أمثال هؤلاء؟؟؟!). قال الشاب مفتخراً: هذا الذي يغني في السيارة.. رد الشيخ: ربما قد سمعت به، ولكنه لا يعنيني. ثم استطرد الشيخ قائلا: هل تعرف ماذا يقول؟! أجاب الشاب: صراحة؛ لا أعرف..فردّ عليه الشيخ بشيء من الجدية: تعال معي لأعرّفك ماذا يقول... ومضى معه الشيخ بخطوات متزنة إلى سيارته الحمراء.. وجلس إلى جواره في المعقد الأمامي، وأخذ يترجم له كلمات الأغنية.. مقطعاً... حتى الكورس. هنا أحس هذا الشاب بالانهزامية أمام لغة الشيخ الوقور.. وهو الذي انطبع في ذهنه غير ذلك.. أحس بأن شخصيته ذات الرتوش الغربية أشبه بسيارته الحمراء.. المرقعة بالملصقات الإفرنجية.. وبينما هو غارق في تفكيره، إذ سمع صوت الشيخ يقول: إن الشخصية الإسلامية هي الشخصية السوية، وإن المسلم الحق هو الذي يعتز بشخصيته، ولا يرضى أن يكون تابعاً مقلداً لغيره، بل متبوعاً شامخ الرأس مرفوع الجبين. تمتم الشاب بصوت خافت وهو مطرق الرأس: نعم. سأله الشيخ: هل تقرأ القرآن؟ قال: نعم، قرأته في رمضان الماضي. فأخرج الشيخ من جيبه مصحفاً، وقال: خذ هذا يا بني.. إنما تحيا الأمة بعقيدتها.. عاد الشاب إلى البيت.. دخل غرفته.. استرجع اهتماماته التي كانت تدور في فلك الجديد من العطورات.. الجديد من الموديلات.. الجديد من أشرطة مايكل جاكسون وديمس روسس و....غيرهم كثير.. أحس أن هذا العالم ليس عالمه... وأنه لم يخلق لهذا... أحضر كرتونة كبيرة... جمع فيها هذه الأشياء وكأنه يكفن ماضيه إلى الأبد.. ليبدأ صفحة جديدة.. ثم نادى خادمه وقال في لهجة حازمة: ارمِ بهذا كله في صندوق القمامة.. نظر إليه الخادم مندهشاً... أين؟؟! قال: في القمامة.. - متأكد؟؟!! - نعم |
#40
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(39) توبة السفاح هكذا كان يُلقب لكثرة جرائمه، التي لم تقف عند حد، فقد كان مضرب المثل في الجريمة والإرهاب، الكل يرهبه ويخافه، كان الناس يقولون: لو استقام العصاة والمجرمون كلهم ما استقام فلان -يعنونه- فسبحان من بيده قلوب العباد.. من كان يُصدّق أن مثل هذا القلب القاسي سَيَلِيْنُ في يوم من الأيام؟! لكنها إرادة الله عزّ وجلّ، ومشيئته: (اعْلَمُوْا أن الله يحيي الأرضَ بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون)، وقد روى لي قصته كاملة يوم أن هداه الله، فإذا فيها أمور عظام تقشعر منها الأبدان، وتمتعض لهولها القلوب، اقتصرت منها على ما يحسن ذكره في مثل هذا المقام، قال عفا الله عنا وعنه: توفي والدي قبل أن أتم التاسعة من عمري، وكنت أكبر أولاده فانتقلتْ أمي إلى بيت أبيها (جدي لأمي)، أما أنا فاستقر بي المقام عند أعمامي، في بيت جدّي لأبي، كنتُ بينهم كاللقيط، الذي لا يعرف نسبه، أو كاليتيم على مائدة اللثام، بل لقد كنتُ كذلك، وكأنهم لم يسمعوا قول الله عز وجل: (فأمّا اليتيمَ فلا تَقْهَرْ) أو ما ورد في الأثر: (خير بيت في المسلمين فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه). وليتَ الأمر اقتصر على ذلك؛ بل كانت التهم دائماً توجه إليّ.. بالسرقة.. والفساد... وغير ذلك، في الوقت الذي كنت فيه أشد الحاجة إلى العطف والحنان واليد الرحيمة المشفقة، كنت أرى الآباء وهم يقبلون أبناءهم ويلاعبونهم، ويشترون لهم الحلوى واللُّعب والثياب الجديدة، أما أنا... فتدمع عيني، ويتقطع قلبي ألماً وحسرة. أصبحتُ أكره كل من حولي.. انتظر اللحظة السانحة لأنتقم من الجميع. وحين بلغتُ سن الخامسة عشرة بدأتُ التمردَ.. تلفتُّ يميناً وشمالاً فلم أجد إلا رفقاء السوء، فانخرطتُ معهم في غيهم، وتعلمتُ منهم التدخيَن والسهرَ إلى أوقات متأخرة، وعلم عمي أنني أصبحتُ مدخناً فضربني دون مفاهمة وطردني من البيت وكأنه ينتظر هذه اللحظة، فلجأتُ إلى بيت جدي لأمي حيث تقيم والدتي، ولم تكن والدتي مع اخوتها في بيت جدي أحسن حالاً مني، فقد كانوا يعاملونها هي الأخرى كالخادمة في البيت فهي التي تطبخ وتنظف وتغسل و... ولا أنسى مرة أنني دخلتُ عليها وأنا في أوج انحرافي وهي تبكي ألماً وتقول: يا بني، اعقل وعد إلى رشدك، وابحث لك عن وظيفة تنقذني بها من هذا العذاب، فلم أكن ألقي لها بالاً. وعلمتُ مع أخوالي في الزراعة والحرث تحت الضرب والتهديد، فضاقتْ بي الدنيا، فاقترضتُ من والدتي بعض المال، فاشتريتُ به سيارة، وتوظفتُّ في إحدى الشركات، فتعرفتُ على رفقاء جدد عرّفوني على المخدرات وأنواع أخرى من الشرور، فلما علمتْ والدتي أصابها الهمُ والحزن والمرض، وفزعَتْ إلى عمي وخالي لنصحي وإنقاذي قبل فوات الأوان، لكنهم انهالوا عليّ ضرباً وما هكذا تكون النصيحة؛ فلم أزدد إلا بعداً وتمرداً وتمادياً في الانحراف، وعرفتُ طريق الهروب من البيت، فكنتُ أقضي وقتي كله مع رفقاء السوء، ولم أعد أفرق بين الحلال والحرام، أما العقوق وقسوة القلب فقد بلغت فيها حداً لا يوصف.. وأذكر مرة أنني دخلتُ على والدتي وهي تبكي وقد أعياها المرض وشحب وجهها -فشتمتها، وقذفتها بكلام جارح جداً وخرجتُ، وكأن شيئاً لم يكن، أسأل الله أن يعفو عني بمنه وكرمه.. فلكِ الله يا أمي الحبيبة، ما ذنبك؟ وقد ربيتيني وأنفقتِ عليّ، وربما كانت هدايتي بسبب دعوة صالحة في جوف الليل خرجتْ من قلبك الطاهر.. (قتل الإنسان ما أكفره) أغـرى امرؤ يومـاُ غلامـاً جاهلاً *** بنقـوده حتى ينــال به الوطــر قال ائتنــي بفؤاد أمـك يا فتـى *** ولك الـدارهم والجواهــر والدرر فمضـى وأغمد خنجراً في صدرهـا *** والقلب أخرجـه وعـاد على الأثـر لكنـه من فرط دهشتـه هــوى *** فتـدحرج القلبُ المخضـب إذ عثـر فاستلّ خنجـره ليطعن نفســـه *** طعنــاً سيبقى عبـرة لمن اعتــبر نــاداه قلب الأم: كُفَّ بُنـيَّ لا *** تطعـن فؤادي مرتـين علـى الأثـر واشتهرتُ بالغناء والعزف على العود -وكان صوتي جميلاً-.. ثم بالتفحيط وما يصاحبه من أمور لا تخفى على الكثيرين حتى أُطلِقَ علىَّ لقب السفاح لكثرة الجرائم التي كنت أقوم بها، فكان لا يركب معي إلا الكبار الذين لا يخافون على أنفسهم، أما البقية فكانون يلوذون بالفرار. ودخلتُ السجن مرات عديدة، فلما أراد الله هدايتي هيأ لذلك الأسباب؛ فقد كان لي صديق عزيز، كنتُ أحبه كثيراً، فقد كان جميل الوجه، بهي الطلعة، فلم تكن هذه المحبة في الله، بل كانت مع الله، فسألت عنه يوماً فقيل لي إنه أدخل المستشفى في العناية المركزة، وهو في حالة خطرة جداً من جرّاء حادث مروع، فانطلقتُ مسرعاً لزيارته، فلما رأيته لم أكد أعرفه؛ فقد ذهب جماله وبهاؤه، وصار منظره مخيفاً مفزعاً، فكنت كلما رأيته أبكي من هول ما أرى..! فلم تمض أيام معدودة حتى قيل أنه مات، فبكيتُ يومين كاملين خوفاً من الموت فكان هذا الحدث فاتحة خير لي، وكنتُ عندما أتوضأ أحس براحة نفسية عظيمة، وأتذكر الموت وسكراته وشدائده فأعزم على التوبة إلى الله قبل حلول الأجل. وألقى الله في نفسي بعض المعاصي كلها، وحبب إليّ الإيمان والعمل الصالح، فجمّعتُ ما عندي من أشرطة الغناء والباطل وذهبتُ إلى مكتب الدعوة فاستبدلتها بأشرطة إسلامية نافعة. أما والدتي الحبيبة فقد عدتُّ إليها، وأخذتها معي معززةً مكرمةً، وطلبت منها العفو والسماح، فبكتْ فرحاً وسروراً، وحَمِدَتِ الله عزّ وجلّ على هدايتي، فما كانت تظن أن ذلك سيحدث في يوم من الأيام. ولكن هل تركني رفقاء السوء؟؟ كلا، بل كانوا يزورونني، ويدعونني إلى الرجوع ما كنتُ عليه في الماضي، ويقولون لي: لا توسوس، ارجع إلى الفن، أين العزف؟ أين الشهرة؟ أين... وأخذوا يذكرونني بالعود والغناء والتفحيط والأمور التي أستحي من ذكرها، بل إن بعضهم -والعياذ بالله- لم يستح أن يعرض نفسه عليّ مقابل الرجوع!! فأي ضلال أعظم من هذا الضلال؟. ومضتْ شهور فغرني أحد السفهاء ودعاني إلى جلسة عود؛ فعزفت؛ لأني كنت حديث عهد بالتزام، وبدأتُ أضعف شيئاً فشيئاً، حتى عدتُ إلى سماع الغناء، وذات ليلة رأيت فيما يرى النائم أن ملك الموت قد هجم عليّ، فأخذتُ أذكر الله، وأحاول النطق بالشهادة، فحلفتُ بالله إن أصبحتُ حياً أن أتوب إلى الله توبة نصوحاً ولا أنصح أحداً بمفردي، لأن الأول قد غرني، فلما أصبح الصباح قمتُ بتحطيم جميع أشرطة الغناء، وقصّرتُ ثوبي، وعزمتُ على الاستقامة الحقة، وقد مضى على ذلك الآن أربع سنوات ولله الحمد والمنّة. أما حالي بعد التوبة فإني أشعر الآن بسعادة لا يعلمها إلا الله، وقد أشرق وجهي بنور الطاعة وذهب سواده وظلمته، وأحبني من كان يبغضني أيام الغفلة، أما والدتي الحبيبة فقد شفيَتْ من جميع الأمراض ولله الحمد. ومما زادني فرحاً وسروراً ما أجابني به أحد العلماء حينما سألته عن ذنوبي السابقة فقال: إن الله قد وعد بتبديل سيئات التائبين حسنات، فلله الحمد والمنة الذي لم يجعل منيتي قبل توبتي.. |
#41
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(40)
توبة قبوري قال ابن القيم رحمه الله: (ومن أعظم مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله فتنته؛ ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفنتة بالقبور، حتى آل الأمر فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم واتخذتْ أوثاناً، وبُنيت عليها الهياكل والأنصاب...) إلى أن قال: (فلو رأيتَ غلاة المتخذين لها عيداً؛ وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجباه، وقبّلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعتْ أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يُبدي ولا يُعيد، ونادوا.. ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنه قد أحرزوا من الأجر فوق أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر رُكّعاً سُجّداً يبتغون فضلاً من الميت ورضواناً، وقد ملئوا أكفّهم خيبة وخسراناً، فلغير الله بل للشيطان ما يُراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويُطلب من الميت الحاجات، ويُسأل من تفيرج الكُربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيهاً له بالبيت الحرام، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يُفعل به وفدُ بيت الله الحرام؟ ثم عفّروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تُغفَّر مثل بين يديه في السجود، ثم قرّبوا لذلك الوثن القرابين، وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين..). إلى أن قال رحمه الله: (هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم؛ إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال، وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح...) [10] أخي القارئ: بعد هذه المقدمة الرائعة والتي لا أجد مزيداً عليها؛ أتركك الآن مع صاحب القصة ليحدثنا عن رحلته، يقول: نشأت في مجتمع قبوري وبيئة قبورية قي قرية من قرى باكستان كانت تسمى (مدينة الأولياء) لكثرة ما فيها من الأضرحة والقبور... منذ نعومة أظفاري كنت أرى والدي ووالدتي وإخوتي الكبار وسائر أقربائي، بل سائر مَنْ في قريتنا يذهبون إلى ما يسمى بالولي أو السيد، حتى بلغتْ بهم السفاهة إلى أن يذهبوا إلى غرفة خالية، فيها سرير ليس عليه أحد، ويزعمون أنه ضريح الولي الحي الذي لا يموت، وينسون قول الله عز وجل: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير). كنت أشاركهم في شركهم وطقوسهم وخرافاتهم، حتى أصبحت تلك الخرافات عقيدة راسخة في قلبي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه..) الحديث. فلو مِتُّ على هذه العقيدة لكنتُ من أهل النار: (إنه من يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنةَ ومأواه النار وما للظالمين من أنصار). ظللتُ على هذه العقيدة الشركية حتى بعد أن أصبحتُ زوجاً وأباً، فكنتُ أربّي أولادي على هذه العقيدة.. أحملهم إلى ضريح الولي المزعوم فأحلق شعر أحدهم هناك تقرباً وتبركاً(!!!)، وأحمل معي الهدايا والقربات والذبائح والنذور، وأرش الماء على القبر... ولئن كان غيرن متعلماً، فقد كنتُ أمياً جاهلاً، حتى يسّر الله لي القدوم إلى هذه البلاد. مهبط الوحي ومنبع الرسالة، فلم أجد فيها ما كنتُ معتاداً عليه من الأضرحة والقبور ومظاهر الشرك، ومع ذلك لم أفكر في تغيير عقيدتي الباطلة، كنتُ متعلقاً بتلك الأضرحة وإن كانت بعيدة عني، وليس أعجب من ذلك أنني لم أكن أصلي الصلوات المفروضة، بل حتى الجمعة لا أحضرها، وأدخن بشراهة، وأرتكبُ كثيراً من المحرمات..! فليس بعد الكفر ذنباً. ويشاء الله عزّ وجلّ أن ألتقيَ بأحد الدعاة الباكستانيين مَن الذين درسوا في هذه البلاد، وبعد محاورات لم تدم طويلاً استطاع أن ينتشلني من أوحال الشرك وغَوره السحيق، إلى رياض التوحيد في علو سامق، حيث استنشقت عبير الإيمان الصحيح، وها أنذا اليوم أنظر إلى أهلي وقومي من هذا العلو، أمد لهم يدي، أحاول انتشالهم من مستنقعات الشرك الآسنة: (ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق). |
#42
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(41) توبة شيوعي قال سيد قطب رحمه الله تعالى: (إن أقصى مدى أتصوره للمد الشيوعي لن يتجاوز جيلنا هذا الذي نحن فيه وأوائل الجيل القادم إذا سارت الأمور سيرتها الحالية) [7]. هذا ما تصوره سيد رحمه الله قبل ما يقارب من ثلاثين عاماً، فلم تمضِ سنوات معدودة حتى كانت الشيوعية قد سقطت وأفلس أصحابها. وأترككم الآن مع صاحبنا ليروي لنا رحلته من الشيوعية مروراً بالصوفية وانتهاءً بالعقيدة السلفية النقية، يقول: كنت شيوعياً داعياً إلى الإلحاد، جنّدتُ كثيراً من الشباب -من الجنسين- في الأحزاب الشيوعية، وترقيتُ في مراتبها حتى وصلتُ إلى مرتبةٍ عاليةٍ، ثم تبيَن لي سخف هذه العقيدة وهذا الفكر وضلاله ومصادمته للفطرة الإنسانية، فقررتُ تركه إلى غير رجعة، فبحثتُ عن الإسلام فوجدته -بحسب فمهي الوراثي- عند المتصوفة؛ فاعتنقتُ الطريقة السمانية، ومؤسسها في الأصل من طيبة الطيبة، ومقرها الآن بالسودان، وهذه الطريقة تعتقد من العقائد الكفرية ما الله به عليم، ولها مؤلفات درستُ أهمها، وكنت أعتقدُ أني قد أحسنتُ صنعاً، وفرح أهلي وأصدقائي من الطرق الأخرى بتركي للحزب الشيوعي واختياري لطريقة آبائي وأجدادي، وترقيتُ في هذه الطريقة حتى وصلتُ إلى مرتبة (شيخ) وأُجزتُ في أخذ العهد على المريدين (!!)، وإرشاد العباد من الجنسين، وإعطاء الأوراد المبتدعة، وعلاج المرضى ]الجن[ ... الخ. وحصلتْ لي بعض الخوارق للعادة فكنتُ أظنها -والناس كذلك- تكريماً من الله وهي في الحقيقة إضلال الشيطان وتلبيسهم. ولا أجد حرجاً أن أقول أنني قد استفدتُ من الحزب الشيوعي كثرة الإطلاع والجدال، الأمر الذي جعلني أتطاول وأقرأ -لمجرد النقد- كتاب (صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان)، وهو كتاب قيم في الرد على المتصوفة والخرافيين، فكانت النتيجة تركي للطريقة السمانية، وبدأتُ أقرأ في كتب مَن كنت أبغضهم بغضي للشيطان أو أشد، وهم الآن من أحب الناس إليّ كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب عليهم رحمة الله جميعاً وغيره من أصحاب العقيدة السلفية النقية، والحمد لله الذي هداني لهذا وما كنتُ لأهتدي لو لا أن هداني الله، وإني بهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين لا سيما من ابتلوا باتباع هذه الطرق وهذه الأحزاب بأن يُعملوا عقولهم ويتجردوا للحق، ويحذروا من الدجاجلة والمخرفين، ولا يقولوا كما قال أهل الجاهلية: (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون). والله الهادي إلى سواء السبيل.[8] |
#43
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(42) توبة النجل الأكبر لطلال مداح (عبد الله) هو النجل الأكبر لطلال مداح؛ منّ الله عليه بالهداية فسلك سبيل المؤمنين، روى قصة توبته ورجوعه إلى الله فقال: كان لي عالمي الخاص، وهوايتي التي تتمثل في نظم الكلمات الغنائية، والغناء كذلك. كانت حياتي تسير على هذا المنوال، وحين وقعت أزمة الخليج وجدتُ الدنيا تلبس ثوب تربص وخوف من المجهول. كان الناس أشبه بأصحاب الفُلك، ومن هؤلاء من عاد بعد النجاة ليفسد في الأرض، ومنهم من صدق ما عاهد الله عليه. أذكر في تلك الآونة -إضافةً إلى تلك المشاعر- أن شباباً جيدين كانوا يزورون أخَوَيّ رأفت وأحمد، وعندما أتيحت لي فرصة مجالستهم وجدتُ كلاماً غير الكلام، وتفكيراً غير التفكير. هناك سمعت لأول مرة عن الأنس بالله، والنوم المبكر، وترك ما لا يعني، ومعاني الطمأنينة التي لمستها بعد ذلك، وأصبحت أحرص عليها فأجدها في صلاة الجماعة وفي تلك القراءات النافعة. لا أحد يعلم كم أصبح يسرني زيارة أولئك الرفاق وكم يريحني كلامهم. في تلك الأيام -وقد بدأت النفس تهفو إلى المسجد، والمكوث فيه- سأل عني والدي فأخبرتْه أمي أنني في المسجد، وأنني أنحو في تفكيري في اتجاه آخر أفضل، فجاء والدي إلى المسجد -وكنا في صلاة المغرب- فصلى معنا ثم سألني عن أحوالي فأخبرته. فرح الوالد بي ودعا لي بخير. لقد كان والدي ممن شجعوا رأفت ومحمداً كثيراً. وعن سؤالٍ عن العوائق التي تعترضه قال: من الطبيعي أن تنهض العوائق، ولعل أشدها رفقاء السوء الذين عشت معهم زمناً بتفكير واحد ورؤية واحدة، ومحاولات بعضهم إعادتي إلى سابق عهدي بشكل أو بآخر. أذكر ذات مساء أنه اتصل بي أحدهم قائلا: خير يا أبا طلال؟!! .. شدة وتزول.. مرض وتشفى منه قريباً!!! وعن رأيه في شباب الصحوة قال: الشباب الخيّر أراه نتاج الشعور بالمرارة، ونتاج مخاض الأمة التي عاشت وتعيش وسط عداء خارجي ظاهر. أما أخوه الأصغر (رأفت) فقد سبقه إلى طريق الهداية، وله قصة أخرى يحدثنا عنها فيقول: كان لمنظر أخي محمد بثوبه القصير وذهابه الدؤوب إلى المسجد الأثر الكبير على نفسي؛ إذ كثيراً ما كنتُ أراه في تأهبه ذاك وهو يتجه لأداء صلاة الفجر فيما كنتُ أعود أنا من سهري خارج المنزل. كان محمد أقربنا وأبرنا بوالديه وأحبنا إليهما، إضافةً إلى تفوقه في الدراسة كذلك. ويقول: وبعبث الشباب كنا نؤذيه محمداً مستغلين سننا الأكبر فكان يقابل أذيتنا بالصبر الجميل، لا بل كان يدعونا إلى الصلاة، ولا أخفي عليكم أنني على الرغم من عنادي كنتُ أستجيب له من الداخل، وكانت الوالدة تدعونا بإصرار لأداء الصلاة، وتعمل جاهدةً -حفظها الله- لتربيتنا تربية حسنة. ثم وقفتُ -ولله الحمد- برفقة صالحة دلتني على الخير، وأخذتْ بيدي إلى طريق الهدى والنور. كانت هذه العوامل مجتمعة هي التي أخرجتني من عالم إلى عالم بفضل الله وتوفيقه. وها أنذا والله الحمد أعيش حياةً سعيدةً إن شاء الله، وأرشف من شهد الحياة ما لا يعرفه الآخرون ولن يعرفوه إلا بالعبودية الحقة لله، والانقياد لأوامره. هناك حيث الأنس بالله والشعور بحلاوة القرب منه سبحانه. انتهى الحوار مع الأخوين التائبين، فسبحان من بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء |
#44
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(43) توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد حقاً ما أتعس الإنسان حين تستبد به عاداته وشهواته فينطلق معها إلى آخر مدى. لقد استعبدت محمداً الخطيئة والنزوة فأصبح منقاداً لها، لا يملك نفسه، ولا يستطيع تحريرها؛ فحرفته إلى حيث لا يملك لنفسه القياد؛ إلى حيث الهلاك.. فكان يسارع إلى انتهاك اللذات، ومقارفة المنكرات؛ فوصل إلى حال بلغ فيها الفزع منتهاه، والقلق أقصاه.. يتبدى ذلك واضحاً على قسمات وجهه ومحياه. لم يركع لله ركعةً منذ زمن . ولم يعرف للمسجد طريقاً.. كم من السنين مضت وهو لم يصلّ.. يحس بالحرج والخجل إذا ما مرّ بجانب مسجد الأنصار -مسجد الحي الذي يقطنه- لكأني بمئذنة المسجد تخاطبه معاتبة: متى تزورنا...؟؟ كيما يفوح القلب بالتقى.. كيما تحس راحةً.. ما لها انتها.. كيما تذوق لذة الرجا.... ليشرق الفؤاد بالسنا.. لتستنير الورح بالهدى... ..متى تتوب؟؟.. متى تؤوب؟؟.. فما يكون منه إلا أن يطرق رأسه خجلاً وحياءً. شهر رمضان.. حيث تصفد مردة الشياطين، صوت الحق يدوي في الآفاق مالئا الكون رهبةً وخشوعاً.. وصوت ينبعث من مئذنة مسجد الأنصار... وصوت حزين يرتل آيات الذكر الحكيم.. إنها الراحة.. إنها الصلاة.. صلاة التروايح. وكالعادة؛ يمر محمد بجانب المسجد لا يلوي على شيء. أحد الشباب الطيبين يستوقفه، ويتحدث معه ثم يقول له: ما رأيك أن ندرك الصلاة؟ هيّا، هيّا بنا بسرعة. أراد محمد الاعتذار لكن الشاب الطيب مضى في حديثه مستعجلاً.. كانت روح محمد تغدو كعصفور صغير ينتشي عند الصباح، أو بلله رقراق الندى.. روحه تريد أن تشق طريقها نحو النور بعد أن أضناها التجوال في أقبية الضلال. قال محمد: ولكن لا أعرف لا دعاء الاستفتاح ولا التحيات.. منذ زمن لم اصلِّ، لقد نسيتها. -كلا يا محمد لم تنسها؛ بل أنسيتها بفعل الشيطان وحزبه الخاسرين.. نعم لقد أنسيتها. وبعد إصرار من الشاب الطيب، يدلف محمد المسجد بعد فراق طويل. فماذا يجد..؟ عيوناً غسلتها الدموع، وأذبلتها العبادة.. وجوهاً أنارتها التقوى.. مصلين قد حلّقوا في أجواء الإيمان العبقة.. كانت قراءة الإمام حزينة مترسلة.. في صوته رعشة تهز القلوب، ولأول مرة بعد فراق يقارب السبع سنين، يحلق محمد في ذلك الجو... بيد أنه لم يستطع إكمال الصلاة.. امتلأ قلبه رهبة.. تراجع إلى الخلف، استند إلى سارية قريبة منه.. تنهد بحسرة مخاطباً نفسه: بالله كيف يفوتني هذا الأجر العظيم؟! أين أنا من هذه الطمأنينة وهذه الراحة؟! ثم انخرط في بكاء طويل.. ها هو يبكي.. يبكي بكل قلبه، يبكي نفسه الضائعة.. يبكي حيرته وتيهه في بيداء وقفار موحشة.. يبكي أيامه الماضية.. يبكي مبارزته الجبار بالأوزار...! كان قلبه تحترق.. فكأنما جمرة استقرت بين ضلوعه فلا تكاد تخبو إلا لتثور مرة أخرى وتلتهب فتحرقه.. إنها حرقة المعاصي... أنها حرقة الآثام. لك الله أيها المذنب المنيب، كم تقلبت في لظى العصيان، بينما روحك كانت تكتوي يظمأ الشوق إلى سلوك طريق الإيمان..! كان يبكي -كما يقول الإمام- كبكاء الثكلى.. لقد أخذتْه موجة ألمٍ وندمٍ أرجفتْ عقله فطبعتْ في ذهنه أن الله لن يغفر له. تحلّق الناس حوله.. سألوه عما دهاه.. فلم يشأ ان يجيبهم.. فقط كان يعيش تلك اللحظات مع نفسه الحزينة.. المتعبة، التي أتعبها التخبط في سراديب الهلاك. في داخله بركان ندمٍ وألمٍ، لم يستطع أحدٌ من المصلين إخماده.. فانصرفوا لإكمال صلاتهم.. وهنا يأتي عبد الله، وبعد محاولات؛ جاء صوت محمد متهدجاً، ينم عن ثورة مكبوتة: لن يغفر الله لي.. لن يغفر الله لي.. ثم عاد لبكائه الطويل.. أخذ عبد الله يهون عليه قائلا: يا أخي، إن الله غفور رحيم.. إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. هنا يرفع محمد رأسه وعيناه مخضلتان بالدموع.. ونبرات صوته أصداء عميقة.. عميقة الغور قنوطاً من رحمة الله، قائلا: بشهقات كانت تتردد بين الفينة والأخرى: كلا؛ لن يغفر الله لي.. لن يغفر الله لي.. ثم سكَتَ ليسترد أنفاسه؛ وليخرج من خزانة عمره ماحوت من أخبار.. وعاد الصوت مرة أخرى متحشرجاً يرمي بالأسئلة التائهة الباحثة عن فرار.. كان صوته ينزف بالحزن.. بالوجع.. ثم أردف قائلا: أنت لا تتصور عظيم جرمي.. وعظم الذنوب التي تراكمتْ على قلبي.. لا ..لا.. لن يغفر الله لي، فأنا لم أصلِّ منذ سبع سنوات!!! ويأبى عبد الله إلا أن يقنع محمداً بسعة عفو الله ورحمته، فها هو يعاود نصحه قائلا: يا أخي، احمد الله أنك لم تمت على هذه الحال.. يا أخي إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة)، ثم إن قنوطك من رحمة الله عز وجل أعظم من عصيانك له.. ثم أخذ يتلو عليه آيات الرحمة والرجاء، وأحاديث التوبة، وكرم الله وجوده في قبول التائبين.. ولكأني به قد أيقظ في نفس محمد بارقة أمل، فيحس محمد أن باب التوبة فد انفرج عن فتحة ضيقة يستطيع الدخول فيها. وهنا تكسرت أمواج قنوط محمد العاتية على شطآن نصائح عبد الله الغالية، فشعر بثقل هائل ينزاح عن كاهله.. فيخف جناحه، وترفرف روحه، تريد التحليق في العالم الجديد.. في عالم الأوبة والتوبة..! ها هو ذا صدره أرضاً بكراً يستقبل أول غرسة من النصائح المثمرة.. تلك النصائح التي نشرت الأمان والطمأنينة والرجاء في نفس محمد كما ينشر المطر -بإذن الله- الاخضرار على وجه الصحاري المفقرة المجدبة..! وها هو ذا عبد الله يعرض عليه أمراً: ما رأيك يا أخي الكريم أن تذهب إلى دورة المياه لتغتسل.. لتريح نفسك.. ولتبدأ حياة جديدة.. فما كان من محمد إلا أن وافق ناشداً الراحة.. وأخذ يغتسل، ويغسل من قلبه كل أدران الذنوب وقذارتها التي علقت به.. لقد غسل قلبه هذه المرة، وملآه بمعان مادتها من نور.. وسارا نحو المسجد، وما زال الإمام يتلو آيات الله.. تتحرك بها شفتاه، وتهفو لها قلوب المصلين. وأخذا يتحدثان .. وصدرت الكلمات من شفتي عبد الله رصينة تفوح منها رائحة الصدق والحق والأمل، بريئة من كل بهتان.. وهز محمداً الحديث فكأنما عثر على كنز قد طال التنقيب عنه..! ثم أخذ يحدث نفسه: أين أنا من هذا الطريق..؟ أين أنا من هذا الطريق..؟.. الحمد لله غص بها حلقه من جرّاء دموع قد تفجرت من عينيه.. سار والدموع تنساب على وجنتيه، فحاول أن يرسم ابتسامة على شفتيه، بيد أنها ابتسامة مخنوقة قد امتقع لونها؛ فنسيت طريقها إلى وجهه؛ فضاعت.. قال: عسى الله أن يغفر لي -إن شاء الله-. فبادره عبد الله: بل قل اللهم اغفر لي واعزم في المسألة يا رجل. واتجها صوب المسجد، ونفس محمد تزداد تطلعاً وطمعاً في عفو الله ورضاه.. دخل المسجد ولسان حاله يقول: اللهم اغفر لي.. اللهم ارحمني.. يا إلهي قد قضيت حياتي في المنحدر.. وها أنذا اليوم أحاول الصعود، فخذ بيدي يا رب العالمين.. يا أرحم الرحمين.. إن ذنوبي كثيرة .. ولكن رحمتتك أوسع.. ودخل في الصلاة وما زال يبكي.. الذنوب القديمة تداعى بناؤها.. وخرج من قلب الأنقاض والغبار قلباً ناصعاً مضيئاً بالإيمان..! وأخذ يبكي.. وازداد بكاؤه.. فأبكى من حوله من المصلين.. توقف الإمام عن القراءة، ولم يتوقف محمد عن البكاء.. قال الإمام: الله أكبر وركع.. فركع المصلون وركع محمد.. ثم رفعوا جميعاً بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده.. لكن الله أراد أن لا يرتفع محمد بجسده.. بل ارتفعتْ روحه إلى بارئها.. فسقط جثة هامدة.. وبعد الصلاة.. حركوه.. قلبوه.. أسعفوه علهم أن يدركوه.. ولكن (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). |
#45
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(44) توبة الشيخ عبد الرحمن الوكيل من ضلالات الصوفية إلى أنوار العقيدة السلفية أثر عن شيخ من مشائخ الطرق الصوفية أنه قال: كل الطرائق الصوفية باطلة، وإنما هي صناعة للاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل، وتسخيرهم واستعبادهم [3]. وقد صدق وهو كذوب، ومن قُدّر له الدخول في بعض هذه الطرق سيدرك ذلك لا محالة لاسيما إن كان ذا عقل ذكي وقلب نيّر. والشيخ عبد الرحمن الوكيل ممن خاض في هذه المستنقعات الآسنة، وتلوث بشيء منها حتى هيأ الله له بمنه وكرمنه من أخرجه منها، وقد سجّل قصته بنفسه لتكون عبرة للغافلين بل المغفلين فقال: (الحمد لله وحده وبعد...: فإنه قد كانت لي بالتصوف صلة؛ هي صلة العبرة بالمأساة. فهنالك -حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية، وتستقبل النفس كل صروف الأقدار بالفرحة الطروب- هنالك تحت شفوف الأسحار الوردية من ليالي القرية الوادعة الحالمة جثم على صدري صنم صغير يعبده كثير من شيوخ القرية، كنت أجلس بين شيوخٍ تغضنتْ منهم الجباه، وتهدلت الجفون، ومشى الهرم في أيديهم خفقات حزينة راعشة، وفي أجسادهم نحولاً ذابلاً يتراءون تحت وصوصة السراج الخافت أوهامَ رجاءٍ ضيّعتْه الخيبة، وبقايا آمال عصف اليأس. كانت ترانيم الشيوخ -ومن بينها صوت الصبي- تتهدج تحت أضواء السحر بالتراتيل الوثنية، وما زلت أذكر أن صلوات ابن مشيش ومنظمة الدردير كانتا أحب التراتيل إلى أولئك الشيوخ، ومازلت أذكر أن أصوات الشيوخ كانت تَشْرُق بالدموع، وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: (اللهم انشلني من أوحال التوحيد) (!!!) ومن الثانية: (وجُد لي بمجمع الجمع منك تفضلا) (!!!)... يا للصبي الغرير التعس المسكين !! فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتاً وصفةً، ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله، ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه. ويشب الصبي فيذهب إلى طنطا ليتعلم، وليتفقه في الدين، وهناك سمعت الكبار من الشيوخ يقسمون لنا أن (البدوي) قطب الأقطاب، يُصرِّف من شئون الكون، ويدبر من أقداره وغيوبه الخفية.. فتجرأتُ مرة فسألتُ خائفاً مرتعداً: وماذا يفعل الله؟؟!! فإذا بالشيخ يهدرغضباً، ويزمجر حنقاً فلذتُ بالرعب والصمت؛ وقد استشعرت من سؤالي وغضب الشيخ أنني لطّخت لساني بجريمة لم تُكتَبْ لها مغفرة، ولِمَ لا؟ والشيخ هذا، كبير، جليل الشأن والخطر، ما كنتُ أستطيع أبداً أن أفهم أن مثل هذا الشيخ الأشيب -الذي يسائل عنه الموت- يرضى بالكفر، أو يتهوك مع الضلال والكذب، فصدّق الشاب شيخه وكذّب ما كان يتلو قبل من آيات الله: (ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه). (يونس: 3) (!!) كنتُ أقرأ في الكتب التي ندرسها: أن الصوفي فلاناً غسلتْه الملائكة، وأن فلاناً كان يصلي كل أوقاته في الكعبة في حين كان يسكن جبل قاف، أو جُزُر الواق الواق(!!!) وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مدّ يده من القبر وسلم على الرفاعي (!!) وأن فلاناً عذبته الملائكة لأنه حفظ القرآن والسنة وعمل بما فيهما، لكنه لم يحفظ كتاب الجوهرة في التوحيد (!!) وأن مذهبنا في الفقه هو الحق وحده، لأنه أحاديث حذفت أسانيدها (!!).. كنتُ أقرأ كل هذا وأصدّقه وأؤمن به، وما كان يمكن إلا أن أفعل هذا. كنتُ أقول في نفسي: لو لم تكن هذه الكتب حقاً ما دُرِّست في الأزهر، ولا درسها هؤلاء الهرمون الأحبار، ولا أخرجتها المطابع (!!). وتموج طنطاً بالوفود، وتعج بالآمين بيت الطاغوت الأكبر من حدب وصوب، ويجلس الشاب في حلقة يذكر فيها الصوفية اسم بخنّات الأنوف، ورجّات الأرداف ووثنية الدفوف، وأسمع مُنشد القوم يصيح راقصاً: (ولي صنم في الدير أعبد ذاته) فتتعالى أصوات الدراويش طروبة الصيحات: (إيوه كِدَه اكفر، اكفر يا مربي) فأرى على وجوه القوم فرحاً وثنياً راقص الإثم بما سمعوا من المنشد الكافر، ثم سألت شيخنا: يا سيدي الشيخ، ما ذلك الصنم المعبود؟! فيزم الشيخ شفتيه ثم يقول: (انته لسه صغير) (!!) وسكتُّ قليلاً، ولكن الكفر ظل يضج بالنعيق فكنت أستمع إلى المنشد وهو يقيء: (سلكت طريق الدير في الأبدية) (وما الكلب والخنزير إلا إلهنا) فأسئل نفسي في عجب وحيرة وذهول: ما الكلب؟ ما الخنزير؟ ما الدير؟.. حتى رأيتُ بعض شيوخي الكبار يطوفون بهذه الحمآت يشربون (القرفة) ويهنئون الأبدال والأنجاب والأوتاد (!!!) بمولد القطب سيدهم، (السيد البدوي). ومضى من عمر الشباب سنوات، فأصبحت طالباً في كلية أصول الدين، فدرستُ أوسع كتب التوحيد -هكذا تسمى- فوعيتُ منها كل شيء إلا حقيقة التوحيد، بل ما زادتني دراستها إلا قلقاً حزيناً، وحيرة مسكينة. ودار الزمن فأصبحت طالباً في شعبة التوحيد والفلسفة، ودرست فيها التصوف، وقرأت في كتاب صنفه أستاذ من أستاتذتي رأي ابن تيمية في ابن عربي، فسكنت نفسي قليلاً إلى ابن تيمية وكنت قبل أراه ضالاًّ مضلاً، فبهذا البهتان الأثيم نعته الدردير!! وكانت عندي لابن تيمية كتب، بيد أني كنت أرهب مطالعتها خشية أن أرتاب في الأولياء -المزعومين- كما قال لي بعض شيوخي من قبل!! وخشية أن أضل ضلال ابن تيمية (!!). لكني هذه المرة تشجعت وقرأتها، واستغرقتُ في القراءة؛ فأنعم الله عليّ بصبح مشرق هتك عني حُجُب الليل الذي كنتُ فيه، فاستقر بي القرار عند جماعة أنصار السنة المحمدية، فكأنما لقيتُ بها الواحة الندية بعد دويٍ ملتهب الهجير، فقد دُعيت من قِبل الجماعة على لسان منشئها فضيلة والدنا الشيخ محمد بن حامد الفقي إلى تدبر الحق والهدى من الكتاب والسنة على فهم سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- أجمعين. وبدأتُ أقرأ ولكن هذه المرة بتدبر وتمعن، ورويداً رويداً ارتفعتْ الغشاوة عن عينيّ، فبهرني النور السماوي؛ رأيت النور نوراً، والإيمان إيماناً، والحق حقاً، الضلال ضلالاً، وكنتُ من قبل -بسحر التصوف- أرى في الشيء عين نقيضه؛ فأؤمن بالشرك توحيداً، وبالكفر إيماناً، وبالمادية الصماء من الوثنية روحانية علياً، فأدركتُ حينئذٍ أن التصوف دين الوثنية والمجوسية، دين ينسب الربوبية والإلهية إلى كل زنديقٍ، وكل مجرم، وكل جريمة!! دين يرى في إبليس وفرعون وعجل السامري وأوثان الجاهلية أرباباً، وإلهة تهيمن على القدر في أزله وأبده!! دين يرى في كل شيء إلهاً يُعبد، ورباً يخلق ما يشاء ويختار، دين يقرر أن حقيقة التوحيد الأسمى هي الإيمان بأن الله -سبحانه- عين كل شيء!!! دين يقول عن الجيف التي يتأذى منها النتن، وعن الجراثيم التي تفتك سمومها بالبشرية إنها هي الإله، وسبحان ربنا ما أحلمه. هذه هي الصوفية، ولسان حاله يقول: لِمَ هذا الكدح والجهاد والنصب والعبودية؟ لِمَ هذا وكل فرد منكم في حقيقته هو الرب، وهو الإله؟ -تعالى الله عما يقولون- ألا فأطلقوا غرائزكم الحبيبة ودعوها تعش في الغاب، وحوشاً ضارية، وأفاعي فتاكة.. وأنت يا بني الشرق؛ دعوا المستعمر الغاصب يسومكم الخسف والهوان، ويلطخ شرفكم بالضعة، وعزتكم بالذل المهين، دعوه يهتك ما تحمون من أعراض، ويدمر ما تشيدون من معالٍ، وينسف كل ما اسستم من أمجاد، ثم الثموا -ضارعين- خناجره وهي تمزق منكم الأحشاء، واهتفوا لسياطه وهي تشوي منكم الجلود، فما ذلك المستعمر عند الصوفية سوى ربهم، تعيّن في صورة مستعمر. دعوا المواخير مفتحة الأبواب، ممهدة الفجاج، ومباءات البغاء تفتح ذراعيها لكل شريد من ذئاب البشر، وحانات الخمور تطغى على قدسية المساجد، وارفعوا فوق الذرى منتن الجيف، ثم خروا لها ساجدين، مسبّحين باسم ابن عربي وأسلافه وأخلافه، فقد أباح لكم أن تعبدوا الجيفة، وأن تتوسلوا إلى عبادتها بالجريمة!! ذلكم هو دين التصوف في وسائله وغاياته، وتلك هي روحانيته العليا..) هذا بعض ما سجله لنا الشيخ عبد الرحمن رحمه الله، وهو كلام وافٍ لا يحتاج إلى تعليق سائلين المولى جل وعز أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق الواضح المبين إنه ولي ذلك. |
مشاركة الموضوع: |
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع |
طريقة العرض | |
|
|