عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > منتديات عامة > شعر و أدب
شعر و أدب واحة من الخيال والحقيقة ونشر المشاعر النبيلة الهـادفة من شعر وخواطر وروايات

 
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #17  
قديم 05/09/2006, 01:51 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 


الفصل السابع

كان الشتاء قارصاً وقاسيا، وكان شديد الوطأة، فقد حملت العواصف معها بَرَداً فصقيعاً ثم ثلجاً، واستمر الطقس سيئاً حتى وقت متأخر من شهر فبراير. وعلى الرغم من ذلك واصلت الحيوانات بناء الطاحونة، ولم تدخر جهدا في سبيل انجاز ما نوت عليه.. وهي تعلم أنها أصبحت محط أنظار العالم الخارجي، وأن المزارعين الحاقدين سوف يرقصون فرحاً إن لم تُنجز الطاحونة في الوقت المحدد.

وقد شكك جيران المزرعة في صحة اتهام سنوبول بهدم الطاحونة، وقالوا إنها تداعت بسبب ضعف جدرانها، لكن الحيوانات لم تعترف قط ببراءة سنوبول. ومع ذلك تقرر بناء الجدران بسمك ثلاثة أقدام بدلاً من قدم ونصف كما كان في المرة السابقة.. الأمر الذي ترتب عليه أعمالاً إضافية بسبب الحاجة لجمع كميات أكبر من الصخور.

وتحملت الحيوانات وطأة العمل وشدته تحت ظروف طقس قارس، وفقدت الأمل الذي كان يمدها بالقوة، وكانت دائمة الشعور بالبرد والجوع. بوكسر وكلوفر هما الوحيدان اللذان لم يتسلل اليأس إلى قلبيهما. وعلى الرغم من أن نابولين واصل إلقاء خطبة الرائعة عن حب العمل وشرف الكد، إلا أن الحيوانات كانت تجد السُّلْوَانَ في قوة بوكسر وحكمته الخالدة "سأعمل بجهد أكبر"!

***
في شهر يناير، تعرضت المزرعة لنقص حاد في المُؤْنَة، وخُفضت حصص الذرة بنسبة كبيرة، وأعلن عن زيادة حصة البطاطا تعويضاً عن ذلك النقص. ثم تبين أن معظم مخزون البطاطا أصابه الصقيع وأصبح فاسداً لا يصلح للأكل. وأمضت الحيوانات أياماً لا تأكل سوى العشب والبنجر، وبدت المزرعة وكأنها على وشك التعرض لمجاعة ستطال الجميع ولن ينجو أحد من الموت جوعا.

كان من الأهمية بمكان إخفاء هذه الحقيقة عن العالم الخارجي.. ولاسيّما أن المزارعين أخذوا، بعد هدم الطاحونة، يروجون إشاعات وأكاذيب عن مزرعة الحيوان! فقد أشاعوا ثانية أن الحيوانات تعاني أمراضا فتاكة، وأنها في حالة قتال دائم بعد أن دفع الجوع بعضها إلى أكل لحم بعضها الآخر ووأد صغارها!

كان نابولين يدرك جيدا التداعيات السلبية التي ستترتب على انتشار الخبر ومعرفة العالم الخارجي حقيقة الوضع المعيشي في المزرعة، فقرر الاستفادة من ويمبر لإشاعة انطباعات مغايرة تدحض إشاعات جيران المزرعة!

كان اتصال الحيوانات بـ"ويمبر" خلال زياراته الأسبوعية حتى الآن معدوماً أو في أضيق الحدود. بيد أن الأمر استدعى هذه المرة التعامل معه على نحو مختلف بهدف نقل رسالة إلى الخارج تؤكد أن المزرعة ليست على وشك التعرض للمجاعة، وأن كل ما قيل وأشيع ليس سوى أكاذيب مغرضة.

وقع الاختيار على عدد من الحيوانات.. اغلبها خراف. وأوعز لها نابليون بإبداء ملاحظات على مسمع بويمبر تفيد بزيادة حصص الطعام. وبالإضافة إلى ذلك أمر نابليون بملء صناديق المؤنة الفارغة تماماً بالتراب إلى حوافها ثم جرى تغطيتها بما تبقى من الحبوب والغِلاَل.

وخلال زيارته الأسبوعية اصطحب نابولين ويمبر بذرائع مناسبة في جولة شملت مخزن المؤنة، وسَمَحَ له بإلقاء نظرة خاطفة على الصناديق؛ فوقع ويمبر فريسة الخداع وواصل نقل أخبار المزرعة إلى العالم الخارجي مؤكداً أن مزرعة الحيوان لا تعاني نقصاً في الطعام.

وعلى الرغم من ذلك، بات واضحاً في نهاية شهر يناير ضرورة توفير كميات كبيرة من الحبوب بغض النظر عن مصدرها.

وأثناء ذلك أصبح ظهور نابولين نادراً، وكان يمضي جل وقته في بيت المزرعة الذي تقوم على حراسة أبوابه كلاب ضَّواري، وإذا خرج فإنه يخرج بمظهر احتفالي مهيب.. تحيط به ستة من كلاب الحراسة الخاصة تصدر زمجرة مخيفة كزمجرة الرعد كلما حاول أحد الاقتراب منه! وأصبح يتخلف عن اجتماعات أيام الأحد، واكتفى بإصدار الأوامر من خلال أحد الخنازير.. سكويلر عادة.

***
في صباح أحد أيام الأحد أعلن سكويلر أنه ينبغي على الدجاج، الذي بدأ يضع البيض مرة أخرى، تسليم بيضها للإيفاء بتعهد أبرمه نابولين وتوسط فيه ويمبر لتوفير أربعمائة بيضة أسبوعياً. وسوف يستفاد من أسعار البيض لشراء ما يكفي من حبوب لإطعام حيوانات المزرعة حتى الصيف حين تتحسن أحوال الطقس.

أطلق الدجاج إثر سماع هذه الأوامر صيحات رهيبة، فعلى الرغم من أنها أُنذرت سلفا أنه قد يُطلب منها تقديم هذه التضحية الضرورية، إلا أنها لم تصدق أنه سيأتي يوم ستطالب فيه بالتخلي عن حقها في التكاثر، فقد أنهت للتو إعداد الاعشاش استعداداً لوضع البيض ليفقس خلال فصل الربيع. وأعلن الدجاج عن سخطه ورفضه لهذا الإجراء وعدّه جريمة بحق بني جنسه. ولأول مرة، منذ طرد جونز، شهدت المزرعة تمرداً قادته ثلاث دجاجات سوداء، وأظهر الدجاج عزماً على إحباط خطة نابولين.

عبر الدجاج عن رفضه لوضع البيض على عوارض عالية ليسقط منها على الأرض ويتهشم. ورد نابولين بحزم وقسوة على تمرد الدجاج، إذا أمر بقطع حصصها من الطعام وأعلن عقوبة الإعدام لمن يقدم ولو حبة شعير لها، وكلف الكلاب بمراقبة الحيوانات والتأكد من تنفيذ أوامره.

تمرد الدجاج لم يدم طويلاً إذ فقد القدرة على الصمود؛ فاستسلم في اليوم الخامس وعاد إلى صناديق وضع البيض بعد أن دفن تسع دجاجات نفقت جوعاً أثناء الحصار، وبذلك وفرت المزرعة كمية البيض المتفق عليها في الوقت المناسب وأخذت شاحنة صاحب البقالة تصل إلى المزرعة بانتظام أسبوعياً لاستلام البيض ونقله إلى الخارج.

***
انقطعت في هذه الفترة أخبار سنوبول ولم يعد يُذكر من أمره شيئاً سوى إشاعات تفيد باختفائه في إحدى المزرعتين المجاورتين: فوكسوود أو بينتشفيلد. وكانت علاقات نابولين مع جيرانه في هذه الفترة أفضل قليلا عما كانت عليه من قبل.. لاسيما أن ويمبر نصحه ببيع كومة من خشب الزان كانت مهملة في الساحة منذ عشر سنوات بعد أن نقل له رغبة الجارين في شرائها، إلا أن نابولين ظل مترددا بين الاثنين غير قادر على اتخاذ القرار المناسب.

ثم أن الحيوانات لاحظت أنه كلما اقترب نابولين من الاتفاق مع فريدريك، تكثر الإشاعات عن وجود سنوبول في مزرعة فوكسوود بينما يصار إلى بث أقاويل عن اختفائه في مزرعة بينتشفيلد عندما يميل الاتفاق نحو بيلكينجتون.

شهدت المزرعة، بحلول الربيع، بعض الحوادث المزعجة.. نسبت إلى سنوبول. فقد أشيع أنه أخذ يتردد على المزرعة ليلاً! مما أزعج الحيوانات كثيراً إلى حد أنها لم تستطع الخلود إلى مرابضها. كان الحديث يدور حول تسلل سنوبول كل ليلة وتحت جنح الظلام وارتكاب كثيرا من المفاسد! بعضهم اتهمه بسرق الذرة وإفساد جرار الحليب وكسر البيض، وقال آخرون إنه داس البذور وقضم لحاء أشجار الفواكه.

وجرت العادة أنه كلما تضرر شيء أو تعطل توجه أصابع الاتهام إلى سنوبول: فإذا كُسر زجاج نافذة أو سُدَّ مجرى الصرف الصحي، فمن المؤكد أن أحدا سيدعي أن سنوبول جاء أثناء الليل وفعل ذلك، وعندما فُقِدَ مفتاح بيت المؤنة كانت الحيوانات كلها مقتنعة أن سنوبول هو الذي رمى المفتاح في البئر. ومما يثير الاستغراب أن تهمة لم ترفع عن سنوبول حتى بعد العثور على المفتاح المفقود تحت كيس الحبوب. كما ادعت الأبقار كافة أن سنوبول تسلل إلى مرابضها وحلبها أثناء نومها.

قرر نابولين إجراء تحقيق شامل في أنشطة سنوبول وتولى بنفسه عملية البحث عن أدلة تؤكد التهم الموجهة للخنزير المطرود، فخرج من بيت المزرعة تحيط به كلابه لتفتيش المباني والحقول والمراعي، وتبعته بقية الحيوانات على مسافة مناسبة تليق بمكانة "القائد".

كان يقف كل بضع خطوات.. يَشُمُّ الأرض بحثاً عن آثار أقدام سنوبول مدعيا أن بوسعه معرفة رائحته بحاسة الشم، فبحث عنها في أرجاء المزرعة كافة ولم يترك زاوية إلا ودس أنفه فيها: الحظيرة وزريبة الأبقار وقفص الدجاج ومزرعة الخضروات، وفي كل منها عثر على آثار أقدام سنوبول. كان يضع أنفه على الأرض ويزفر عدة مرات، ثم يرفع رأسه عاليا ويطلق صيحة مخيفة "سنوبول كان هنا.. نعم، فأنا أستطيع شم رائحته!" وما أن كان يذكر اسم سنوبول حتى تكشر الكلاب عن أنيابها الجانبية وتصدر عواءً ترتعد له الأوصال.

تملك الرعب ذلك اليوم الحيوانات وكان خوفها شديداً، وبدا لها سنوبول كشبح لا يرى.. يحيط بها في الهواء ويتوعدها بالانتقام، وفي المساء استدعاها سكويلر للاجتماع وأخبرها، وقد طفح وجهه بخطورة الأمر، أنه يحمل لها أنباء خطيرة للغاية! وصرخ وهو ينط بعصبية من مكان الى آخر:
ـ أيها الرفاق، لقد اكتشفنا أمرا في غاية الخطورة. لقد باع سنوبول نفسه لفريدريك صاحب مزرعة بينتشفيلد، الذي يعد العدة الآن لمهاجمتنا والاستيلاء على مزرعتنا.. يعاونه في ذلك الخائن سنوبول الذي سيكون دليله عندما يبدأ الهجوم.
واستطرد:
ـ كنا نظن أن وراء تمرد سنوبول الانتقام والطموح الشخصي في تولي زعامة الثورة. هذا ما كنا نظنه، ولكن الحقيقة خلاف ذلك يا رفاق!
وبعد أن مرّ بنظره على الوجوه التي أمامه، تساءل:
ـ هل تعلمون السبب الحقيقي؟
وبعد قليل:
ـ كان سنوبول عميلاً لجونز منذ البداية! نعم كان عميله السري طوال الوقت؛ فقد أثبتت الوثائق التي كُشف النقاب عنها مؤخرا، والتي تركها خلفه، أمره وأكدت بما لا يدع مجالا للشك انه خان بني جنسه.
وأضاف:
ـ هذا أيها الرفاق يفسر كثيرا من الغموض الذي اكتنف سلوكه. أفلم نرَ بأعيننا كيف حاول، ولحسن الحظ لم يفلح، في مساعدة العدو على هزيمتنا وتحطيمنا في معركة حظيرة البقر؟!

ذهلت الحيوانات كافة لهول ما سمعت، فقد تجاوز سنوبول بعمله الخبيث هذا كثيرا تحطيم طاحونة الهواء، وتطلب الأمر بضع دقائق قبل أن تستوعبه: أخذت تتذكر ـ أو بدا لها ذلك ـ شجاعة سنوبول وإقدامه في معركة حظيرة البقر، وكيف كان يثير حماسها ويستجمع قواها ويوجهها في المعركة، ولم تهمد عزيمته للحظة حتى عندما أصيب برصاص جونز في ظهره.

صعب على الحيوانات، في البداية، تفسير الأمر، فكيف يقاتل إلى جانبها ويعرض حياته للخطر وهو عميل لجونز! وحتى بوكسر، وهو قلما يسأل، جلس بعد أن وضع حافريه الأماميات أسفل بطنه وأغمض عينيه ثم استجمع أفكاره، وقال:
ـ لا أصدق ذلك، لقد قاتل سنوبول بشجاعة في معركة حظيرة البقر وشاهدته بنفسي.
ثم تساءل بعد أن استجمع مزيدا من صور المعركة وما تلاها:
ـ ألم نقلده وسام بطل الحيوان من الدرجة الأولى فور انتهاء المعركة؟!

ـ لقد أخطأنا يا رفيق.
واستدرك سكويلر:
ـ لأننا نعلم الآن، حسب ما كشفت عنه الوثائق السرية التي عثرنا عليها، أنه حاول أن يقودنا إلى حتفنا.
ورد بوكسر:
ـ ولكنه كان مصاباً وقد شاهدناه يركض والدم ينزف من ظهره.
فصاح سكويلر قائلا:
ـ لم يكن ذلك سوى جزء من الخطة؛ فرصاصة جونز خدشت جسده ليس غير، وبوسعي تقديم البرهان على ذلك وبخط يده لو كنت تعرف القراءة. فقد كلف سنوبول بإثارة الرعب والفرار من أرض المعركة في اللحظة المناسبة بناء على إشارة من العدو، وكاد ينجح في مسعاه لولا يقظة وشجاعة قائدنا العظيم نابولين.

وصرخ وقد زادت سرعة حركة ذيله:
ـ ألا تتذكرون كيف ولى سنوبول الأدبار، وتبعته بعض الحيوانات، في اللحظة التي دخل فيها جونز ورجاله الميدان؟ ألا تذكرون كيف دخل الرفيق نابولين في مواجهة العدو حين دبّ الهلع في نفوس الحيوانات، وهو يصرخ "الموت للإنسانية" وغرز أسنانه في رجل جونز! لا بد أنكم تتذكرون ذلك يا رفاق؟

بعد أن أعاد لهم سكويلر مشاهد المعركة بالتفصيل بدا للحيوانات وكأن شيئاً مما قاله حدث بالفعل. فهي تتذكر أنها شاهدت سنوبول يهرب من أرض المعركة في اللحظة الحرجة.

بوكسر وحده ظل مضطرباًَ ومشوش التفكير، وعبر عن ذلك قائلاً:
ـ لا أعتقد أن سنوبول كان خائناً في البداية.. كان رفيقاً صادقاً في معركة الحظيرة على الرغم مما بدر منه بعد ذلك الحين.
وقاطعه سكويلر بنبرة واثقة وبطيئة للغاية:
ـ لقد أعلن قائدنا الرفيق نابولين إن سنوبول كان عميلاً لجونز منذ البداية حتى قبل التفكير في الثورة.
ـ آه، الأمر مختلف إذن! فالصدق ما يقوله الرفيق نابولين، وقائدنا العظيم دائما على حق.

وما كاد بوكسر ينهي حديثه، صرخ سكويلر وهو يثني عليه:
ـ هذه هي الروح الحقيقية يا رفاق.
وإن قال ذلك، الا أن الحيوانات لاحظت أنه رمق بوكسر بنظرة وقحة من عينيه البراقتين. وقبل أن يستدير للخروج أضاف:
ـ إني أحذر الحيوانات كافة في هذه المزرعة بأن يأخذوا الحيطة والحذر لأننا نعتقد، ولأسباب وجيهة، أن بعض عملاء سنوبول السريين مندسون بيننا في هذه اللحظات!
***
بعد أربعة أيام أمر نابولين الحيوانات بالتجمع في الساحة. وإذ أكتمل الحضور خرج عليهم من بيت المزرعة وعلى صدره وسامان جديدان ـ منح نابولين نفسه مؤخراً وسام بطل الحيوانات من الدرجة الأولى وبطل الحيوانات من الدرجة الثانية ـ ترافقه كلابه الضخمة التسعة وهي تصدر نباحا أثار القشعريرة في أوصال الحيوانات كافة؛ فجثمت مرتعدة في أمكانها.. وهي تعرف مقدماً أن أمراً جللاً وقع أو كاد!

وقف نابولين مُتَجَهِّم الوجه يحصي رعيته، ثم أطلق صوتا حاداً اندفعت على إثره الكلاب إلى الأمام وأمسكت بأربعة خنازير من آذانها وجرتها، وهي تصرخ من الألم وترتعد من الخوف، إلى تحت أقدام نابولين.

وأمام دهشت الجميع وذهولهم ألقت ثلاثة من الكلاب أجسادها على بوكسر الذي تلقف أحدها بحوافره الضخمة في الهواء وأطاحه أرضاً، فصرخ الكلب طالباً الرحمة وفر الآخران وذيل كل منهما بين فخذيه. وهو يهم بتحطيم الكلب، نظر بوكسر نحو نابولين، فتلقى منه أمراً حازماً بترك الكلب وشأنه.

كانت الخنازير الأربعة التي جرتها الكلاب هي نفسها التي عبرت عن معارضتها لإلغاء اجتماعات يوم الأحد.. وقفت تنتظر وفرائصها ترتعد وعلت وجوهها ملامح الشعور بالذنب. واذ هدأت الجلبة، دعاها نابولين للاعتراف بجرم ما اقترفت. ومن دون انتظار طويل ، شرعت الخنازير المتهمة بالاعتراف: لقد اتصلت سرا بسنوبول منذ طرده وتعاونت معه على تحطيم الطاحونة واتفقت معه على تسليم مزرعة الحيوان لفريدريك. وأضافت إن سنوبول اعترف لها بأنه يعمل لصالح جونز طوال السنوات السابقة.

وما أن اقتربت الخنازير الأربعة من إنهاء اعترافاتها حتى هجمت الكلاب عليها ومزقتها إرباً إرباً. وبصوت أجش سأل نابولين الحيوانات إذا كان لدى أحدها ما يود الاعتراف به.

تقدمت الدجاجات الثلاث اللاتي قدن محاولة العصيان في قضية البيض إلى الأمام واعترفت أن سنوبول ظهر لها في المنام وحرضها على عصيان أوامر نابولين، وكان مصيرها الذبح أيضاً. ثم أقرت وَزَّة بإخفاء ست كيزان ذرة سرا في موسم حصاد العام الماضي وأكلتها خلال الليل. واعترفت شَاةٌ بقضاء حاجتها في بركة ماء الشرب بعد أن حرضها سنوبول على ذلك، واعترفت شاتان أخريان بقتل كبش من إتباع نابولين المخلصين. ونُفذ حكم الإعدام فيهن كلهن.

وتوالت الاعترافات ومعها توالت الاعدامات؛ فذبح كل من ارتكب جرما أو أبدى اعتراضا على أوامر نابولين.. بغض النظر عن مستوى خطورتها أو ما سببته من ضرر للمزرعة والحيوانات. وتَكَدَّسَت الجثث تحت قدمي نابولين، وامتلأ الجو برائحة الدم في سابقة لم تشهد لها المزرعة مثيلاً منذ قيام الثورة وطرد جونز!
***
وحالما انتهت المحاكمة، انسحب من تبقى من الحيوانات ماعدا الكلاب والخنازير.. كلها ترتجف وفي حالة يرثى لها. بدا الأمر رهيباً وصعب التفسير، فمنذ طرد جونز وحتى اليوم لم يقتل حيوان حيواناً آخر.

وحين بلغت الحيوانات الربوة الصغيرة حيث تبنى الطاحونة التي اكتمل نصفها، جثمت معا متلاصقة بحثاً عن الدفء والأمان: كلوفر، وموريل، وبنجامين، والبقر، والخراف، وأسراب الإوز، والدجاج. بوكسر وحده ظل واقفاً يذرع المكان جيئة وذهاباً، ويحرك ذيله الطويل الأسود من جانب لآخر، ويصدر صهيلاً خافتاً.. شجيا.. تعبيراً عن حيرته، وبعد طول تفكير قال:
ـ لا أستطيع يا أصدقائي فهم ما يجري.
وهو يهز رأسه ويزفر بقوة:
ـ لا أصدق أن مثل هذه الفظاعة يمكن أن تحدث في مزرعتنا؟! إنها بعض من عيوبنا لا شك.
واستدرك:
ـ لا أرى شيئا يُصلح من شأننا غير مزيد من العمل. نعم هذا هو الحل، ومنذ اليوم سأستيقظ مبكراً قبل ساعة كاملة.
وغادر المكان متثاقلاً نحو المحجر حيث قام بجمع حملين من الحجارة وسحبهما إلى موقع الطاحونة قبل أن يأوي إلى مربضه.

***
تطل الربوة حيث ذهبت الحيوانات على منطقة واسعة من الريف، ومنها كانت تستطيع رؤية أجزاء المزرعة: المرعى الطويل الممتد إلى الطريق العام، وحقل العشب، وبركة مياه الشرب، والحقول المروية حيث تنمو سنابل القمح الغضة كثة خضراء، وأسقف مباني المزرعة الحمراء التي يتصاعد منها الدخان، والعشب الذي يلمع كالذهب تحت أشعة شمس الربيع الدافئة.

لم تبد المزرعة للحيوانات يوماً مكاناً مفضلاً للعيش مثلما بدت لها اليوم. وعندما نظرت كلوفر نحو سفوح التلال فاضت عيناها من الدمع. ولو أتيح لها التعبير عن مكنونات نفسها لقالت "هذا ليس هو الحلم الذي سعت الحيوانات إلى تحقيقه حين تعهدت قبل سنوات بالعمل على طرد البشر من المزرعة".

ولم تكن مشاهد الرعب هذه وسفك الدماء آمالاً تطلعت إليها الحيوانات في تلك الليلة التي أشعل فيها العجوز ميجر جذوة الثورة، ولو كان في ذهنها صورة للمستقبل، فستكون لمجتمع حيوانات مستقل.. متحرر من الجوع والكرباج والسوط.. يتساوى فيه الجميع ويعمل أفراده كل بحسب طاقته: مجتمع يحمي فيه القوي الضعيف ويعطف فيه الكبير على الصغير.

وبدلاً من ذلك بلغ الحال، ولأسباب تجهلها، درجة لا يستطيع أحد فيها التعبير عن رأيه، حيث تنتشر الكلاب المسعورة في كل مكان، ويرغم الحيوان على مشاهدة رفيقه الحيوان يمزق إرباً عقابا على جرائم توقع في النفس الذعر والاشمئزاز. بيد أن تفكيرها خلا من التمرد والعصيان، فهي تعلم أنها الآن مهما ساءت أحوالها، أفضل عما كانت عليه أيام جونز وأن ما جرى كان ضرورة لرد أية فرصة لعودة جنس البشر مرة ثانية. ومهما حدث ستضل مخلصة تعمل بجد وتنفذ الأوامر الصادرة لها من دون مناقشة، وتطيع القائد نابولين.

وأخيراً، وبعد أن وجدت كلوفر في خلوتها الفكرية عوضاً عن الكلمات التي اختلجت في صدرها وعجزت عن نطقها، بدأت تغنى أنشودة "حيوانات إنجلترا" وتبعتها بقية الحيوانات وأعادتها ثلاث مرات بشكل بطئ يثير الحزن. وما كادت الحيوانات تكمل غناء الأنشودة للمرة الثالثة حتى أقبل عليها سكويلر برفقة كلبين وفي جعبته شأن هام. وثم أعلن أن الرفيق نابولين أصدر مرسوما يلغي أنشودة "حيوانات إنجلترا ". وأكد ذلك قائلا:
ـ فمنذ الآن وصاعداً يمنع منعاً باتاً غناءها.

فوجئت الحيوانات، وصاحت موريل:
ـ لماذا؟
وأوضح سكويل بلهجة قاسية:
ـ كانت "حيوانات إنجلترا" أغنية الثورة. أما وقد تحققت الثورة، وترسخ وجودها اليوم بإعدام الخونة وهزيمة الأعداء في الداخل والخارج، فليس ثمة حاجة لها. لقد كانت الأنشودة تعبيراً عن تطلعنا لإقامة مجتمع أفضل في المستقبل، وها نحن حققنا حلمنا وأقمنا ذلك المجتمع.








الفصل الثامن

بعد بضعة أيام، وقد خفت مشاعر الهلع والرعب الذي أثارته الإعدامات في أنفس الحيوانات، تذكر بعضها ـ أو بدا لها كذلك ـ أن الوصية السادسة تحظر قتل حيوان على يد حيوان آخر مثله. وعلى الرغم من أن أحد لم يجرؤْ على ذكر ذلك على مرأى ومسمع الخنازير والكلاب، إلا أن الحيوانات كانت تعلم أن الإعدام، من حيث المبدأ، مخالفا لما جاء في الوصايا السبع.

وخارج الحظيرة الكبيرة، وقفت الحيوانات تنظر الى الجدار حيث كتبت الوصايا السبع، وطلبت كلوفر من بنجامين قراءة الوصية السادسة، لكن رفض كعادته بحجة أنه لا يتدخل في أمور لا تعنيه، فسألت موريل. قرأت موريل الوصية لها: "يحظر على حيوان قتل حيوان آخر من دون سبب". وهكذا تبين لها أن الكلمتين الأخيرتين سقطتا من ذاكرتها، واتضح الآن أن الوصية لم تُخرقْ لأن ثمة سبباً وجيهاً لقتل الخونة الذين تآمروا مع سنوبول.
* * *
كان عمل الحيوانات خلال ذلك العام أكثر مشقة مقارنة بالسنة الماضية حيث أن إعادة بناء الطاحونة والانتهاء منها في الوقت المحدد اتسم بصعوبة بالغة .. لاسيما وقد تضاعف سمك جدارها، هذا فضلا عن أعمال المزرعة المعتادة.

وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة، إلا أن الحيوانات كانت تشعر أن حصصها من الطعام لم تعد أفضل مما كانت عليه أيام جونز. ومع ذلك كان سنوبول يقرأ عليها كل يوم أحدث قائمة بأرقام تُثبت أن الإنتاج في كل صنف من أصناف الأغذية ارتفع بنسبة 200 أو 300 أو 500 بالمائة حسب مقتضى الحال. ولم يكن ثمة ما يدعو الحيوانات للشك في صحة الأرقام لاسيما وأنها لم تعد تذكر بوضوح مستويات الإنتاج وحقيقة الأوضاع قبل الثورة.

* * *
أصبح نابولين قليل الظهور الآن، ولم يعد يشاهد إلا مرة كل أسبوعين. وإذا خرج على الحيوانات فإنه لا يخرج بصحبة الكلاب وحسب وإنما يتقدمه ديك أسود يؤدي دور"المطري".. يطلق صيحة حادة تمجيداً للقائد الهمام قبل أن يصعد نابولين إِلَى المنصة.

وأشيع أنه عزل نفسه عن بقية الخنازير، داخل بيت المزرعة، وأخذ يتناول طعامه بمفرده بعد أن اتخذ لنفسه جناحاً خاصاً، ويقوم على خدمته اثنان من الكلاب. كما أعلن أن البندقية سوف تطلق كل عام لمناسبة عيد ميلاد نابولين إلى جانب المناسبتين السنويتين الأخريين.

ولم يعد يشار إلى نابولين الآن باسمه مجردا، فقد كان يُبَجَّلَُ دائماً بلقب رسمي مثل "قائدنا العظيم الرفيق نابولين". وكانت الخنازير مغرمة باختراع ألقاب مثل "والد جميع الحيوانات"، و"مرعب البشر"، و"حامي حظيرة الأغنام"، و"صديق فراخ البط" وسواها من ألقاب. ودأب سكويلر في خطبه على التحدث، والدموع تسيل على خديه عن حكمة نابولين وخصاله الحميدة وحبه الجم للحيوانات كافة.. لاسيما تلك التي لا تزال تعاني الاضطهاد وترزح تحت نير العبودية في المزارع الأخرى.

وأصبح مألوفاً أن تعزى الإنجازات كافة وكل ضربة حظ إلى نابولين. فقد تسمع دجاجة تتحدث لدجاجة أخرى قائلة: "لقد وضعت بفضل إرشادات قائدنا الرفيق نابولين خمس بيضات في ستة أيام" أو بقرتين تتبادلان الحديث وهما تشربان من البركة فتقول إحداهما للأخرى:" شكرا للرفيق نابولين ما أعذب هذا الماء".

ولقد اتخذت الخنازير مزيداً من الإجراءات الأمنية لضمان سلامة نابولين إذا تولت أربعة كلاب حراسة سريره خلال الليل.. واحد في كل زاوية. وكلف خنزير يافع يدعى "بينكي" بمهمة تذوق الطعام قبل تقديمه لنابولين لئلا يكون مسموماً.
* * *
في غضون ذلك انهمك نابولين عبر وكالة ويمبر في مفاوضات معقده مع فريدريك وبيلكينجتون لبيع كومة الخشب. كان الأول أكثرهما حماساً للحصول عليها لكنه لم يقدم سعرا مناسبا. وفي الوقت نفسه أشيع أن فريدريك ورجاله يخططون لغزو مزرعة الحيوان وتدمير الطاحونة التي أثارت غيرته، فيما لا تزال الأخبار ترد إلى المزرعة بوجود سنوبول مختبئاً في مزرعة بينتشفيلد.

أبدى نابولين أخيراً ميلا لبيع الخشب لبيكلينجتون، كما أعلن أنه بصدد إقامة علاقة منتظمة بهدف مقايضة منتجات معينة بين مزرعة الحيوان وفوكسوود.. الامر الذي عزز العلاقة الشخصية بين الاثنين، وأصبحت ودية تقريباً وإن كان اتصالهما يجري بوسطاة طرف ثالث: ويمبر.

ومع أن الحيوانات لم تثق في بيلكينجتون بوصفه من جنس البشر، إلا أنها تفضله كثيراً على فريدريك الذي تكرهه وتخشاه في الوقت نفسه. فقد وردت الأخبار خلال فصل الصيف أنه يعد لشن هجوم على المزرعة بقوة قوامها عشرون رجلاً مسلحين بالبنادق. وعلاوة على ذلك، تسربت أخبار من مزرعة بينتشفيلد تفيد أن فريدريك يسي معاملة حيواناته ويقسو عليها، وقيل أنه جلد حصانا عجوزا بالسياط حتى نفق، وقتل كلبا حرقا في الفرن، وارتكب أعمالا وحشية أخرى تقشعر لها الأبدان!

هاجت الحيوانات وغلى دمها عندما سمعت بمعاناة رفاقها، وتمنت لو يُسمح لها بالخروج كلها للهجوم على مزرعة بينتشفيلد وطرد جنس البشر منها وتحرير الحيوانات. ولكن سكويلر نصحها بالتريث وتجنب ردود الأفعال المتهورة، ودعاهم إلى طرح ثقتهم في إستراتيجية وبصيرة الرفيق نابولين.

ازداد الشعور بالغضب اتجاه فريدريك وشرح نابولين للحيوانات، عندما اجتمع بها يوم الأحد، أنه لم يفكر قط في بيع الخشب لفريدريك فهو يعتبر التعامل مع وغد مثله دون مستوى كرامته. وفي بادرة حسن نية طُلب من الحمام الذي لا يزال يُرسلُ لنشر أخبار الثورة عدم الاقتراب من مزرعة فوكسوود، وأمرت بتبديل شعارها من "الموت للبشر" إلى "الموت لفريدريك".
* * *
بحلول الخريف، وبفضل الجهود الضخمة التي بذلتها الحيوانات، اكتمل العمل في الطاحونة من دون تأخير على الرغم من المصاعب وقلة الخبرة ووسائل العمل البدائية وسوء الحظ ومؤامرات سنوبول. اكتمل إنشاء الطاحونة على أحسن وجه ولم يبق سوى تركيب الآلات التي ما يزال ويمبر يتفاوض لشرائها.

وعلى الرغم من أن بناء الطاحونة كان مرهقا للحيوانات كافة، إلا أن فرحتها بما حققته أنستها كل ما عانته، فأخذت تدور وتدور حول تحفتها التي بدت أكثر جمالا عما كانت عليه عندما أقيمت أول مرة. وعلاوة على ذلك، كانت جدرانها أسمك مرتين عن السابق، فلا شيء غير المتفجرات يستطيع تدميرها!

وعندما تذكرت الحيوانات الجهد الذي بذلته والعقبات التي تخطتها، والتحسن الكبير الذي سيطرأ على حياتها عندما تدور المراوح وتشتغل مولدات الكهرباء، أخذت تقفز حول الطاحونة، وتطلق صيحات النصر ابتهاجا بما حققته.

نابولين حضر برفقة الكلاب والديك المطري لفحص المبنى، وقدم التهاني شخصيا للحيوانات على ذلك الإنجاز الرائع، وأعلن أن اسم الطاحونة سيكون "طاحونة نابولين".

* * *
بعد يومين، استدعيت الحيوانات الى اجتماع خاص عقد في الحظيرة. وصُدمت لهول المفاجئة حين أعلن نابولين أنه باع كومة الخشب لفريدريك، وغدا ستأتي عرباته لنقلها. كانت المزرعة طوال الفترة الماضية تبدو على وفاق مع بيلكينجتون إلا أن نابولين كان في واقع الأمر يجري اتفاقا سريا مع فريدريك.

قطعت العلاقات كلها مع مزرعة فوكسوود، وطُلب من الحمام عدم التعرض لمزرعة بينتشفيلد وتغيير شعارها من "الموت لفريدريك" إلى "الموت لبيلكينجتون". وفي الوقت نفسه أكد نابولين للحيوانات أن أخبار الغزو الوشيك على المزرعة ليست صحيحة، وشكك في صدق القصص التي تروى عن وحشية فريدريك تجاه حيواناته وقال إنها مبالغ فيها، واتهم سنوبول وعملاءه بترويج هذه الإشاعات.

وبدا الآن أن سنوبول لم يكن في الحقيقة مختبئا في مزرعة بينتشفيلد، بل لم يذهب إلى هناك قط طوال حياته، فقد كان يعيش برفاهية وبحبوحة في مزرعة فوكسوود.

ابتهجت الخنازير لحنكة نابولين ودهائه. فبإظهاره المودة لبيلكينجتون أرغم فريدريك على زيادة عرضه لشراء الخشب باثنى عشر جنيها، بيد أن ذكاء نابولين، كما شـرح سكويلر، اتضح في عدم الثقة في أي منهما اذ أراد فريدريك أن يدفع ثمن الخشب بشيء يسمى "شيك"، وهي قطعة ورق تحمل تعهدا بدفع المبلغ، لكن نابولين كان أذكى منه، فأصر على دفع المبلغ نقداً باوراق من فئة الخمسة جنيهات قبل حمل الخشب. وسيستخدم المبلغ الذي دفعه فريدريك لشراء آلات الطاحونة.

عقدت الحيوانات، بعد شحن الخشب، اجتماعا خاصا آخر في الحظيرة لرؤية أوراق النقد التي دفعها فريدريك. جلس نابولين مبتسماً، مستعرضاً أوسمته على سرير من القش نصب خصيصا له على المنصة، وبجانبه صُفت النقود بعناية في صحن صيني أحضر من مطبخ بيت المزرعة في حين وقفت الحيوانات فِي طابور طويل وراحت تتقدم ببطء للوقوف أمام الاوراق.. تحدق فيها بعيون ملؤها الدهشة! بوكسر لم يكتف برؤية النقود بل مد منخريه لشمها، فتطاير الورق الرقيق في مهب نفسه.

بعد ثلاثة أيام من ذلك الاجتماع، سمعت الحيوانات صوتاً يختنق صاحبه غيضاً من سكن نابولين في أعقاب دخول ويمبر المزرعة على دراجته مسرعا، بوجه شاحب كوجوه الأموات، وتوجهه مباشرة إلى بيت المزرعة،. انتشر خبر ما حدث بسرعة كانتشار النار في الهشيم. فقد تبين أن أوراق النقد التي دفعها فريدريك مزيفة.. أي أن فريدريك حصل على الخشب مقابل لا شيء!

اجتمع نابولين بالحيوانات مباشرة، وبصوت كزمجرة الرَّعْد اصدر حكما بالموت على فريدريك، ودعى إلى غليه حيا إذا قبض عليه. وفي الوقت نفسه حذر نابولين الحيوانات، عقب هذه الخيانة، بأن تتوقع الاسوأ فقد يشن فريدريك ورجاله في أي لحظة هجومهم الذي طال انتظاره. وأمر بوضع دوريات حراسة في مداخل المزرعة كافة. كما أرسلت أربع حمامات إلى مزرعة فوكسوود تحمل رسائل استرضاء على أمل إعادة العلاقات الطبية مع بيلكينجتون.
* * *
لم يدم ترقب الحيوانات وانتظارها طويلاً، فقد وقع الهجوم في اليوم التالي: فبينما كانت الحيوانات تتناول الإفطار، جاء المكلف بالمراقبة مسرعاً بنبأ دخول فريدريك ورجاله المزرعة من البوابة الكبيرة. وبشكل عفوي اندفعت الحيوانات مسرعة لصد الغزاة، إلا أنها هذه المرة لم تحقق النصر السهل الذي أحرزته في معركة حظيرة البقر. كان عدد المهاجمين خمسة عشر رجلاً مسلحين بست بنادق أطلقوا النار منها حالما أصبحوا على بعد خمسين ياردة تقريباً من الحيوانات التي عجزت عن مواجهة الإنفجارات الرهيبة والرصاص المميت.

وعلى الرغم من جهود نابولين وبوكسر لرص الصفوف وتنظيم خط الدفاع، إلا أن الحيوانات تقهقرت إلى الخلف بعد إصابة عدد منها إصابات قاتلة ولجأت إلى مباني المزرعة وراحت تراقب المهاجمين بحذر من شقوق وعجر خشب الجدران.

سقط مرعى الخنازير بما فيه طاحونة الهواء في يد العدو. وبدت الحيوانات ضائعة وبلا حيلة.. حتى نابولين الذي أخذ يذرع المكان جئية وذهابا من دون أن يتفوه بكلمة.

واتجهت الحيوانات بنظرات رجاء وأمل نحو مزرعة فوكسوود. كانت تتمنى لو أن بيلكينجتون ورجاله يهرعون لنجدتها، فلربما استطاعت صد الهجوم وتحقيق النصر في هذه المعركة. بيد أن الأمر جرى على غير ما تشتهيه الحيوانات، ففي اللحظة التي كانت تنتظر النجدة من بيلكينجتون، عاد الحمام الذي أرسل يوم أمس يحمل قصاصة ورق منه كتب عليها بقلم الرصاص "ذاك ما تستحقون".

ظلت الحيوانات تراقب المهاجمين من داخل مبنى المزرعة، وعندما توقف فريدريك ورجاله عند الطاحونة، تقدم رجلان يحملان عتلة ومطرقة ثقيلة ووقفا إلى جانب جدار الطاحونة، وبدا للحيوانات أنهما ينويان تدميرها؛ فسرت في الحظيرة تمتمات فزع شديد.
ـ مستحيل!
صرخ نابولين، ثم قال:
ـ لقد شيدنا جدرانا سميكة لا يستطيعون هدمها في أسبوع كامل. تحلو بالشجاعة يا رفاق!

بنجامين كان يراقب تحرك الرجال بعناية فائقة، وعندما بدأ صاحبا العتلة والمطرقة حفر ثقب قرب قاعدة الطاحونة، هز خَطْمه ببطء، وقال بسخرية:
ـ هذا ما كنت أخشاه. ألا ترون ماذا يفعلون؟ سوف يسكبون في الثقب بعد لحظة أخرى مسحوقا متفجرا.

حبست الحيوانات أنفاسها وقد أصابها الرعب، وهي تنتظر سماع دوي الانفجار، وغدا محالا عليها الخروج لاستطلاع الموقف خارج المباني الذي احتمت به. وفي غضون دقائق معدودة شوهد الرجال يركضون في الاتجاهات كافة، ثم سُمع دوى هائل ارتمت على إثره الحيوانات كافة على بطونها وخبأن وجوهها ما عدا نابولين. وحينما وقفت، شاهدت سحابة ضخمة من الدخان تخيم على موقع الطاحونة.. ما لبث أن بَدَّدَها النسيم على مهل، فبدا المكان خاليا وكأن الطاحونة لم تكن موجودة قبل قليل!

وأمام هذا المشهد المروع استعادت الحيوانات شجاعتها، وفارقها الخوف الذي اعتراها قبل لحظات واستحال غضباً عارماً ضد هذا الفعل الخسيس الحقير، وانطلقت صحيات عالية تدعو للانتقام. ومن دون انتظار أوامر اضافية هبت معاً وتدافعت إلى الأمام نحو العدو، ولم تأبه، هذه المرة، للرصاص الذي انهمر عليها كوابل البرد.

وواصلت الحيوانات تقدمهـا على الرغم من استمرار الرجال في اطلاق النار مرة تلو أخرى، وحين أصبحت على مسافة قريبة منهم هرب الرجال من ساحة المعركة وهم يجرون أحذيتهم الثقيلة جرا.

أسفرت المعركة عن موت بقرة واحدة وثلاثة خراف وإوزتين، ولم يخرج حيوان من المعركة إلا وأصيب بجروح على نحو أو آخر.. حتى نابولين الذي كان يقود المعركة من الخلف خدشت رصاصة ذيله.

ولم يخرج الرجال منها سالمين أيضاً، فقد أصيب ثلاثة منهم بكسور في رؤوسهم بضربات حوافر بوكسر القوية، وبُقر بطن أحد المهاجمين، وتعاون جيسي وبلوبيل على تمزيق سروال أحدهم. وحين باغتتهم كلاب الحراسة التسعة الخاصة بنابولين، التي أوعز إليها بالالتفاف حولهم، وهي تنبح بوحشية، تملكهم رعب شديد وشعروا بخطورة الموقف، فدعاهم فريدريك إلى الفرار قبل أن تحاصرهم الحيوانات، التي طاردتهم إلى نهاية الحقل وأشبعتهم بآخر الرفسات وهم يتسلقون السياج طلباً للنجاة.

* * *
انتصرت الحيوانات، لكن لم يكن نصرا سهل المنال، ولم يكن من دون ثمن. فقد عادت الحيوانات من أرض المعركة تزحف ببطء نحو المزرعة.. منهكة والدماء تنز من أجسادها.. سال دمع بعضها وهي تشاهد جثث رفاقها وقد تناثرت على الأرض.

وحين توقفت في المكان الذي كانت تنتصب فيه ذات مرة الطاحونة، كان الحزن شديداً؛ فلم يستطع بعضها حبس دمعها. نعم.. لقد اختفت الطاحونة من الوجود وغدت أثرا بعد عين، ولم يبقَ لتعبها أي وجود غير كومة من الصخور والتراب! حتى القاعدة دمرت جزئياً تقريباً.



وحالما اقتربت الحيوانات من مباني المزرعة ظهر لها سكويلر، الذي تخلف عن المعركة من دون تفسير، وهو يثب ويحرك ذيله بسرعة أكثر من المعتاد دليلا على الغبطة والحبور! ثم سمعت الحيوانات دوي اطلاق نار من صوب بيت المزرعة.
ـ ما مناسبة إطلاق النار هذا؟
تساءل بوكسر بعد أن رفق رأسه عاليا وحرك أذنيه صوب مصدر إطلاق النار.
فرد سكويلر صارخاً:
ـ للاحتفال بانتصارنا!
وسأل بوكسر والدماء تنزف من ركبه، بعد أن فقد حدوته وشقَّ حافره واستقرت دَزينَة من الرصاص في ساقيه:
ـ أي نصـر؟
ورد سكويلر وفي صوته نبرة اندهاش:
ـ أي نصر؟.. أي سؤال هذا أيها الرفيق؟!
وتساءل مندهشاً:
ـ ألم نطرد الإنسان من ترابنا الطاهر.. مزرعة الحيوان؟
ـ ولكنهم دمروا الطاحونة، وقد أمضينا عامين في بنائها.
ـ لا يهم! سوف نبني طاحونة أخرى أو ست طاحونات إذا شئنا.
وفي صوته نبرة استخفاف، قال بصوت أعلى مما كان:
ـ يبدو أنك لا تقدر نصرنا العظيم هذا يا رفيق. لقد كان العدو يحتل هذه البقعة التي نقف عليها الآن، وبفضل قيادة الرفيق نابولين وحنكته العسكرية استعدنا كل شبر منها!
ورد بوكسر وهو يهز رأسه مستغربا:
ـ نحن استعدنا ما كنا نملك ليس إلا!
وقد فتح عينيه على وسعهما، أكد صحة حديثه، قائلا:
ـ ذلك هو نصرنا.. ذلك هو نصرنا.

وواصلت الحيوانات مشيها حتى بلغت الساحة. كان بعضها يضلَع، وكان بعضها الآخر يجر جسده جراً، ومنها من كان يئن ألما كلما خطت قدمه خطوة إلى الأمام. وبينما كان بوكسر يتخيل العمل الشاق الذي ينتظره: بناء الطاحونة من الصفر أحس بوخز الرصاص داخل ساقه لكنه ما لبث ان استعاد حماسه المعهود حتى وإن كان خيالا. بيد أنه هذه المرة وعلى خلاف عادته، خطر بباله أنه في سن الحادية عشرة، وأن عضلاته العظيمة ربما لم تعد قوية تماما مثلما كانت عليه ذات يوم.

وبدا للحيوانات وهي تشاهد العلم الأخضر مرفرفاً، وتسمع مزيدا من دوي الرصاص، وتتلقى تهاني نابولين بالنصر أنها فعلاً حققت نصرا كبيرا.. لاسيما أن الاحتفاء بالنصر لم يقتصر على الأحياء فقط، فقد نُظمت جنازة مهيبة للحيوانات التي قُتلت خلال المعركة تقدمها نابولين بنفسه. وأعطيت الحيوانات إجازة لمدة يومين للاحتفال بالنصر، وألقيت الخطب الحماسية، وقدمت تفاحة واحدة هدية لكل حيوان، ومعها أُوقِيَّة ذرة لكل طير وثلاثة أقراص بسكويت لكل كلب.

وأطلق اسم "معركة الطاحونة" على المعركة، وأستحدث نابولين وساما جديدا أطلق عليه اسم "وسام الراية الخضراء" منحه لنفسه. وفي خضم الابتهاج والاحتفال العام بهذا النصر نست الحيوانات قضية أوراق النقود المزورة.
* * *
عثرت الخنازير بعد أيام عدة على صندوق خمر "ويسكي" في علية بيت المزرعة. كان الصندوق مهملا ولم تنتبه له الخنازير حينما انتقلت للإقامة في البيت. في وقت متأخر من تلك الليلة سمعت الحيوانات أصوات غناء عاليه اختلط معها شيء من كلمات أنشودة "حيوانات إنجلترا". ثم شوهد نابولين، وكان ذلك في حوالي الساعة التاسعة والنصف، مرتديا قبعة جونز القديمة، وهو يقفز بسرعة حول الساحة، ثم سـرعان ما اختفى داخل البيت مرة ثانية. وفي الصباح خيم صمت شديد على البيت، ولم يُسمعْ لخنزير صوت ولا شوهدت لاحدهم حركة.

كانت الساعة التاسعة صباحا تقريبا عندما أطل سكويلر من بيت المزرعة.. بطيء الخطوات وقد ضعفت قواه: عيناه غائرتان وذيله يتدلى خلفه مترهلا.. وبدا واضحاً أنه مصاب بوعكة صحية. استدعى سكويلر الحيوانات وأنبأها بأنه يحمل خبرا سيئا، وقال:
ـ الرفيق نابولين يحتضر!

ارتفعت أصوات النحيب في أرجاء المزرعة وخيم الحزن على المكان والأنفس. والدمع يفيض من المآقي حزناً، تساءلت الحيوانات فيما بينها كيف ستصير حياتها في غياب القائد نابولين. وكان من الطبيعي أن توجه أصابع الاتهام إلى سنوبول، فقد انتشرت إشاعة أنه تمكن في نهاية المطاف من دس السم في طعام نابولين!

وفي الساعة الحادية عشرة خرج سكويلر على الحيوانات مرة ثانية، وأعلن أن نابولين أصدر آخر مرسوم قبل أن يفارق الحياة: قرارا حازما ينص على "عقوبة الإعدام لمن يتناول الخمر".

خبر احتضار القائد لم يدم طويلا، فبحلول المساء تحسنت صحـة نابولين، وفي صباح اليوم التالي خرج سكويلر وأخبر الحيوانات أن نابولين يتماثل للشفاء. وفي مساء اليوم نفسه عاد نابولين لمزاولة أنشطته اليومية المعتادة، وفي اليوم التالي قيل أنه أوعز إلى ويمبر بشراء بعض الكتيبات التي تشرح صناعة البيرة وتقطير الخمر.

وبعد أسبوع أصدر نابليون أمراً بقلب تربة المرعى الصغير خلف جنينة الفاكهة بعد أن فقدت خصوبتها، حيث اتجهت النية إلى تخصيصه للحيوانات المتقاعدة. وسرعان ما انتشر خبراً آخر سريعا يقول بنية نابليون زراعته شعيراً بدل العلف.

* *آ *
وفي هذا الاثناء، شهدت المزرعة حادثا غريبا لم يتسن لأحد تفسيره. ففي إحدى الليالي ـ حوالي الساعة الحادية عشرة مساء ـ سمعت الحيوانات صوتا مدويا في الساحة فخرجت تستطلع الأمر. وفي ضوء البدر وجدت الحيوانات تحت جدار الحظيرة الكبيرة، حيث كتبت الوصايا السبع، سلما انشطر إلى جزئين وأسفله استلقى سكويلر على ظهره خائفاً وبجانبه فانوس مقلوب وفرشاة وعبوة صبغ أبيض مسكوب على الأرض. وحالما تمكن سكويلر من الوقوف ومشي، وكان يتعثر في مشيته، طوقته الكلاب ورافقته إلى بيت المزرعة، ولم يتفوه بكلمة للحيوانات التي جاءت تستطلع الأمر!

عجزت الحيوانات عن إدراك سر ما يجري سوى العجوز بنجامين الذي هز رأسه دلالة على فهم ما حدث، لكنه، وكعادته دائما، لم ينطق بكلمة ولم يفصح عما استنتجه!

وبعد بضعة أيام لاحظت العنزة موريل، حين كانت تقرأ الوصايا السبع، أن هناك وصية أخرى أيضاً يبدو أن الحيوانات حفظت فحواها بطريقة خاطئة. فقد اعتقدت أن الوصية الخامسة تقضي بأنه "يحظر على الحيوانات شرب الخمر" بيد أن هناك كلمتين لا تتذكر الحيوانات وجودهما. فالوصية في الواقع تُقرأ على النحو التالي: "يحظر على الحيوانات الإسراف في شرب الخمر".























الفصل التاسع

طال الوقت اللازم لشفاء حافر بوكسر المصاب. وقد بدأت الحيوانات إعادة بناء الطاحونة مباشرة بعد انتهاء الاحتفال بالنصر غير أن بوكسر رفض أخذ إجازة ولو ليوم واحد، وعدّ إظهار وجعه شأناً يمس كرامته.. لاسيما في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها المزرعة. وكان يبوح ليلا بمعاناته الكبيرة من الألم لكلوفر التي كانت تضمد جرح حافره بأعشاب تمضغها وتضعها على مكان الاصابة.

وبقيت تلح هي وبنجامين عليه لكي يخفف العمل ولا يرهق نفسه بما لا تطيق، ولكنه لم يكن يصغي إليهما لأنه كما يقول لا يطمح الى شيء فيما تبقى من حياته، قبل أن يبلغ سن التقاعـد، سوى أن يرى الطاحونة منتصبة.

* * *
في بداية الثورة، وحين سُنت قوانين مزرعة الحيوان، حدد سن التقاعد للخيول والخنازير في الثانية عشرة، وللبقر بالرابعة عشرة، وللكلاب في التاسعة، وللخراف في السابعة، وللدجاج والأوز في الخامسة، وجرى الاتفاق على منح معاش مجزي للحيوانات المتقاعدة.

ومع أن أياً من الحيوانات لم يُحَلْ إلى التقاعد بعد أو على وشك بلوغ سن التقاعد غير بوكسر الذي سيبلغ سن التقاعد في أواخر صيف العام القادم، إلا أن الحديث كَثُرَ في الآونة الأخير عن هذا الموضوع.

وقد أشيع إثر الاعلان عن تخصيص المرعى الصغير خلف بستان الفاكهة لزراعة الشعير أن جانبا من المرعى الكبير سوف يحاط بسياج ويُحَوَّل إلى مرعى للحيوانات المتقاعدة، وأشيع أيضا أن معاش التقاعد للخيول سيكون خمسة أرطال من الذرة يوميا وخمسة عشر رطلا من العشب في الشتاء بالإضافة إلى حبة جزر أو تفاحة واحدة في المناسبات العامة.
* * *
كان البرد شديدا هذا الشتاء مثلما كان عليه في العام الماضي، وغدت الحياة صعبة وضاعف من قسوتها شح الطعام بعد ان خُفضت حصص الأرزاق مرة ثانية باستثناء حصص الخنازير والكلاب. ومثلما فعل في المرات الماضية لم يجد سكويلر صعوبة في إقناع الحيوانات أن الضرورة تحتم تعديل الحصص. وكان دائما يشير إلى "التخفيض" بـ"التعديل".

وأكد لها، على الرغم من ذلك، أن التحسينات التي طرأت على حياتها مقارنة بأيام جونز لا تحصى ولا تعد. ثم أثبت لها بالأرقام وهو يقرأ بصوت مرتفع وسريع زيادة في مخزون الشوفان والعشب واللفت أكثر مما كان لديها من قبل، وأشار في معرض حديثه إلى انخفاض ساعات العمل الآن، وذكرها أن مياه الشرب الآن أفضل ومتوسط أعمارها أطول.

صدَّقَتْ الحيوانات كل كلمة تفوه بها سكويلر! والحقيقة هي أنها لم تعد تتذكَّرحقبة جونز أو بالكاد تتذكر شيئا عنها. وهي تعلم أن الحياة ربما تبدو قاسية وشاقة الآن، فهي غالباً جائعة وتشعر بالبرد وتمضي وقتها أما في العمل وإما نائمة، إلا أنه لا مجال للشك، مهما تدنى مستوى معيشتها، أن الحياة كانت أسوأ في الماضي، وكانت علاوة على ذلك أقِنَّة في حين هي الآن حـرة.. وهنا يتجلى الفرق، وهذا ما لم يغفل سكويلر ذكره.

* * *
أُعلن بعد شراء القرميد والخشب أن الخنازير تعتزم بناء حجرة للدرس في حديقة بيت المزرعة. وإلى أن يكتمل البناء سيتولى نابولين نفسه تدريس الخنازير اليافعة في المطبخ. كما خصص لها جانبا من حديقة بيت المزرعة لممارسة الرياضة واللعب إلا أنها مُنعت من الاختلاط بصغار الحيوانات الأخرى.

وتزامن ذلك مع سن قانون ينص على تنحي الحيوانات الأخرى جانبا عندما تلتقي على الطريق بخنزير، ومنحت الخنازير أيضاً بغض النظر عن درجتها ميزة ربط أشرطة خضراء على ذيولها في أيام الأحـد.

* * *
وعلى الرغم من أن إيراد المحصول كان هذا العام وافرا، إلا أن المزرعة ما تزال تعاني نقصاً في الأموال اللازمة لشراء مزيد من القرميد والجير لبناء حجرة الدرس. وكان لا بد من ادخار ما يكفي من مال لتوفير آلات تشغيل طاحونة الهواء، فضلاً عن شراء مؤنة الحيوانات ولوازم المزرعة. زد على ذلك زيت الإضاءة لإنارة بيت المزرعة، وتوفير السكر الذي يتناوله نابولين من دون سائر الخنازير بعد أن منعها عن تناول السكر تفاديا لزيادة وزنها!

وفي شهر فبراير جرى، مرة أخرى، تخفيض حصص الطعام التي لم يمضِ شهران على آخر تخفيض لها، ومنع استعمال الفوانيس في الحظائر بهدف توفير زيت الإضاءة. بيد أن برنامج ترشيد الأرزاق هذا لم يطل الخنازير التي كانت تعيش في الواقع حياة ترف ورخاء وانعكس ذلك على زيادة وزنها.

* * *
في مساء أحد أيام أواخر شهر فبراير فاحت من غرفة التخمير الملحقة بالمطبخ التي أهملت منذ رحيل جونز رائحة شهية ساخنة لم تشم الحيوانات مثلها من قبل. وقال أحدهم إنها رائحة طبيخ الشعير، فأخذت الحيوانات تشم الهواء جوعاً ويسَأَل بعضُها بعضاً إن كان يُعد لها هريس ساخن للعشاء. لكنها نامت تلك الليلة ولم تذق للهريس الساخن طعما.

وأعلن نهار الأحد التالي: إنه يتعين من الآن فصاعدا تخصيص الشعير كله للخنازير، وتقرر زرع الشعير في الحقل الواقع خلف بستان الفاكهة. وسرعان ما تسرب خبر مفاده أن كل خنزير يتلقى حصة قدرها ثمن غالون من البيرة يوميا في حين يقدم لنابولين نصف غالون في سلطانية الحساء من نوع "كراون ديربي".

ومهما يكن من أمر، فإن الحيوانات وإن كانت تعاني الشدة والكفاف إلا أنها في الواقع تعيش الآن حياة حرة كريمة لم تذقها من قبل.. حياة مليئة بالأناشيد ومزيد من الخطابات والمواكب. فلقد أمر نابولين بتنظيم مسيرة عفوية أسبوعياً تهدف إلى الاحتفال بنضال وانتصارات مزرعة الحيوان.

ففي الموعد المحدد، تتوقف الحيوانات عن العمل وتنتظم في موكب عسكري يدور حول سياج المزرعة تتقدمها الخنازير ثم تتبعها الخيول فالبقر، وبعدها تسير الماعز فالطيور. وتحيط الكلاب بجانبي الموكب الذي يتقدمه دائما الديك المطري!

وكان من عادة بوكسر وكلوفر في هذه المسيرة حمل راية خضراء رسم عليها شعار الحافر والقرن إضافة إلى عبارة "يحيا الرفيق نابولين". وفي ختام الموكب تلقى قصائد إطراء ومديح للقائد نابولين، ثم يخطب فيهم سكويلر شارحا، على وجه الخصوص، زيادة الإنتاج التي تحققت مؤخراً في المواد الغذائية، ويطلق الرصاص في نهاية بعض المناسبات.

وعلى الرغم من تذمر بعض الحيوانات، بعيداً عن مسامع الخنازير والكلاب، إلا أن معظمها يستمتع بهذه الاحتفالات ويُعدها تعبيرا حقيقيا عن الحرية والسيادة، وتنسى الحيوانات، ولو لبعض الوقت، أن بطونها خاوية وأرزاقها شحيحة. وفي شهر "أبريل" أُعلنت مزرعة الحيوان جمهورية. وكان من الطبيعي ان يجري اختيار رئيسا لهذه الجمهورية، فاُنتخب نابولين رئيس بالاجماع ومن دون منازع.
* * *
في منتصف الصيف، ظهر في المزرعة فجأة الغراب موسيس بعد غياب طال بضع سنوات. لم يتغير حال الغراب تماماً، فهو لا يزال كسولا، ويتحدث بنفس الحماس السابق عن جبل حلوى السكر. كان يجثم فوق غطن شجرة فاردا جناحيه الأسودين ويتحدث لكل أذن تسمع: "هناك يا رفاق". يقول ذلك بصوت جهوري، وهو يشير إلى السماء بمنقاره الكبير:
ـ هناك على الجانب الآخر من تلك السحب السوداء التي يمكنكم رؤيتها يقع جبل حلوى السكر. في تلك البلاد السعيدة ينبغي لنا نحن الحيوانات المعذبة أن ننشد الخلود السرمدي من معاناة العمل!

وأدعى الغراب أنه ذهب الى هناك وراء بينما كان محلقا في العلى قطع السكر التي تنمو على أسياج الحقول الخضراء. "أفليس من الحق والعدل وجود حياة أخرى أفضل في مكان ما من هذا العالم؟" هكذا كانت بعض الحيوانات تتساءل وهي تصغي اليه وتصدق حديثه، وتبرر اقتناعها بصواب أفكاره. فحياتها الآن ليست سوى سلسلة من الجوع والشقاء.

بيد أن موقف الخنازير من نبوءة الغراب موسيس بجبل حلوى السكر وما حمله الى الحيوانات من بُشْرَى اكتنفه الغموض، فهي تُجْمع على تكذيب روايته، لكنها في الوقت نفسه تسمح له بالبقاء في المزرعة من دون عمل وتخصص له كأساً من البيرة يوميا.
* * *
ما كاد جرح حافره يُشفى حتى انغمس بوكسر في العمل وبذل جهدا أكبر وكأنه لم يعمل من قبل. وفي الواقع عملت الحيوانات كافة، هذا العام، كالعبيد. فإلى جانب أعمال المزرعة المعتادة وإعادة بناء الطاحونة، كانت هناك غرفة الدراسة التي أقيمت للخنازير الصغيرة التي بدأ العمل في بنائها في شهر مارس.

وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة والطعام القليل إلا أن عزيمة بوكسر لم يصبها الوهن، ولا كان فيما يفعله أو يقوله ما يشير إلى ذبول حيويته، فقد واصل العمل دون كلل أو ملل، وإن تغير مظهره قليلاً إذ خبا لمعان جلده وانكمش فخذاه. وعلقت بعض الحيوانات على ذلك قائلة إن بوكسر سيتعافى عندما يأتي الربيع وينمو العشب؛ لكن لا الربيع غير من حالة شيئاً ولا العشب حسن حالته الصحية. بل أنها ازدادت سوءاً.

وكان إذا صعد إلى مقلع الحجارة وهو يئن تحت وطأة حمل صخرة ثقيلة يبدو وكأن لا شيء يبقيه واقفا على رجليه غير الإصرار وإرادة الاستمرار. وفي هذه الأحايين كانت شفتاه على وشك النطق بعبارته الشهيرة "سأعمل بجهد أكبر" لكن صوته يحتبس ويعجز لسانه عن النطق بها.

وفي وقت متأخر من مساء أحد أيام الصيف، سرت إشاعة مفاجأة في المزرعة بحدوث مكروه لبوكسر، ولكن سرعان ما تبين أن ما دار من حديث لم يكن إشاعة وحسب، فقد اتضح أن بوكسر خرج وحيداً لجمع وسحب حمل من الحجارة إلى الطاحونة، وبعد بضع دقائق عادت حمامتان بالخبر: لقد سقط بوكسر.. وهو يرقد على جانبه ولا يقوى على الحركة!!

هرع نصف الحيوانات تقريباً إلى الرابية حيث تبنى الطاحونة، فوجدت بوكسر مطروحاً على وجهه بين قضبان عربة النقل "كارة"، وكان عنقه ممتدا..ً لا يقوى حتى على رفع رأسه، وعيناه تلمعان والعرق يتصبب من جسده، والدم يسيل في خيط رفيع من فمه.

وقعت كلوفر على ركبتيها إلى جانبه، وصاحت وسألته:
ـ كيف حالك يا بوكسر؟
فرد عليها بصوت ضعيف:
ـ إنها رئتيَّ، لا عليك. اعتقد أنه باستطاعتكم الانتهاء من بناء الطاحونة من دوني، فهناك ما يكفي من الحجارة. ولم يبق لي، على أية حال، سوى شهر آخر قبل بلوغي سن التقاعد الذي اتطلع إليه بلهفة.. لاسيما أن بنجامين هو الآخر يقترب من سن التقاعـد. وأعتقد أنهم سيسمحون له بالتقاعـد في نفس الوقت ليكون رفيقاً لي.

وعندما طلبت كلوفر من أحدهم الذهاب فورا لاطلاع سكويلر بما حدث، هرعت الحيوانات كافة إلى بيت المزرعة لنقل خبر إصابة بوكسر. وحدها كلوفر ظلت بجانبه في حين وقف بنجامين على رأسه يهش الذباب عن وجـه من دون أن ينطق بكلمة.

وبعد ربع ساعـة ظهر سكويلر معبرا عن كامل تعاطفه واهتمامه، وقال إن الرفيق نابولين تلقى خبر وقوع مكروه لأحد أخلص العمال في المزرعة بأسى عميق، وإنه يجري اتصالات لترتيب نقل بوكسر وعلاجه في المستشفى بمدينة ويلينجدون.

شعرت الحيوانات بشيء من القلق، وأبدت انزعاجاً من فكرة نقل بوكسر إلى خارج المزرعة. فباستثناء مولى وسنوبول، لم يغادر المزرعة أحد من الحيوانات قط، ولم ترقْ لها فكرة وجود رفيق مرض تحت رحمة بني البشر، لكن سكويلر أقنعها بيسر أن الطبيب البيطري في ويلينجدون سوف يعالج حالة بوكسر بشكل أفضل مما يمكن عمله له في المزرعة.

وبعد مضي نصف ساعة تقريباً، استعاد بوكسر شيئا من عافيته، فوقف بصعوبة على قوائمه، واستطاع المشي عرجا إلى مرقده في الحظيرة حيث أعدت له كلوفر وبنجامين فراشا مريحا من القش.

وطوال اليومين التالين ظل بوكسر طريح الفراش، ولم يأتِ خلالهما أحد لعلاجه. وكانت كلوفر وبنجامين يمضيان المساء بعد ساعات العمل إلى جانبه يرعيانه ويتحدثان إليه.

وفي ظهر اليوم الثالث وصلت إلى المزرعة عربة لنقل بوكسر. كانت الحيوانات كافة تعمل في اقتلاع الأعشاب الضارة تحت إشراف احد الخنازير عندما تفاجأت ببنجامين يعدو مسرعا نحوها من ناحية مباني المزرعة وهو يصرخ بعلو صوته:
ـ أسرعوا أسرعوا! تعالوا حالا! أنهم يأخذون بوكسر بعيداً.

ومن دون انتظار إذن الخنزير المشرف على العمل، توقفت الحيوانات عن العمل وتدافعت مسرعة باتجاه مباني المزرعة. ثم أنه تأكد لها الخبر حين رأت الحيوانات وسط الساحة عربة كبيرة مقفلة يجرها حصانان وعلى جانبها كتبت بعض الكلمات.. فيما جلـس على مقعد السائق رجل خبيث المظهر يعتمر قبعة سوداء، وكان مربض بوكسر خالياً.

تجمعت الحيوانات حول العربة، وبينما كانت تودع بوكسر بكثير من الدموع وقليل من الكلمات، صرخ بنجامين في وجوهها وهو يضرب الارض بحوافره الصغيرة:
ـ أغبياء! أغبياء! ألا ترون ماذا كُتب على جانب العربة؟".
وحينئذ صمتت الحيوانات ثم ساد الهدوء عندما بدأت موريل تهجئة الكلمات المكتوبة على جانب العربة ببطء وصعوبة، لكن بنجامين لم يمهلها وقتاً إذ دفعها جانباً وقرأ وسط ذلك الصمت المطلق: "ألفريد سيموندس، جزار خيول، ويلينجدون".
ثم صرخ في وجوه الحيوانات المذهولة:
ـ ألا تفهمون معنى ذلك؟ إنهم يأخذون بوكسر إلى المجزرة!

دوت صيحات الرعب من أفواه الحيوانات كافة. وفي تلك اللحظة ضرب الرجل الجالس على الصندوق الحصانين بالكرباج؛ فانطلقت العربة مسرعة في الطريق المؤدي إلى الخارج والحيوانات تركض في إثرها وتصرخ باسم بوكسر بأعلى الأصواتت، وشقت كلوفر طريقها إلى المقدمة وقد استجمعت كل قوتها لحمل جسدها البدين على العدو واللحاق بالعربة المسرعة وهي تصرخ: "بوكسر بوكسر!".

في هذه اللحظة فقط، سمع بوكسر الصخب في الخارج فرفع رأسه الأشهب وأطل على الحيوانات من النافذة الصغيرة في مؤخرة العربة، فصاحت كلوفر بصوت مُرَوِّع: "اخرج يا بوكسر اخرج، إنهم يأخذونك إلى حتفك!". وصرخت الحيوانات خلفها بصوت واحد.. تدعو بوكسر للخروج، لكن فات الأوان، فقد انطلقت العربة بسرعة عالية لم تستطع الحيوانات مجاراتها.

لم يكن مؤكدا إذا كان بوكسر فهم ما قالته كلوفر، إذ سرعان ما اختفى وجهه من النافذة، لكن الحيوانات سمعت دوي هائل ينبعث من داخل العربة. كان بوكسر يضرب بحوافره جدران العربة محاولاً الخروج منها، لكن وآسفاه.. لقد ولى الزمن الذي كانت ضربات قليلة من حوافه الضخمة ستحيل العربة إلى ما يشبه عيدان ثقاب، فقد تلاشت الضربات بعد قليل وخرجت العربة من البوابة، ولم يشاهد بوكسر مرة ثانية.
* * *
بعد ثلاثة أيام أعلن عن وفاة بوكسر في المستشفى رغم العناية الفائقة التي يحظى بها حصان في مثل سنه، حسب قول سكويلر الذي ادعى أثناء نقل النبأ أنه كان إلى جانبه خلال ساعاته الأخيرة، وقال:
ـ لقد كانت تلك الساعات من أكثر لحظات حياتي أثراً!".
وأضاف، بعد أن رفع حافره ومسح دمعه:
ـ كنت إلى جانبه خلال الدقائق الأخيرة من حياته حين رفع رأسه بصعوبة بالغة وهمس في أذني بصوت ضعيف قائلا إن حزنه سيكون عظيما لو أنه فارق الحياة قبل بناء الطاحونة.
وتابع سكويلر حديثه بصوت مُتَهَدِّج:
ـ لا زالت كلماته الأخيرة تتردد في أذني: "إلى الأمام يا رفاق! باسم الثورة إلى الأمام.. تحيا مزرعة الحيوان ويحيا الرفيق نابولين، ونابولين دائماً على حق".

ثم ان سلوك سكويلر تغير فجأة.. صمت برهة ولوح عينيه الصغيرتين من جانب إلى آخر بنظرات ملؤها الشك والريبه قبل أن يواصل حديثه:
ـ لقد آل إلى مسمعي انتشار شائعة مغرضة وسخيفة أثناء نقل بوكسر، بعد أن لاحظت بعض الحيوانات عبارة "مجزرة الخيول" على الشاحنة التي نقلته إلى المستشفى، فتبادر إلى أذهان بعضها أن بوكسر أخذ إلى المسلخ.

"لا أصدق أن تكون بعض الحيوانات بهذه الدرجة من الغباء". وصاح ساخطا وهو يحرك ذيله بخفة وسرعة ويقفز من جانب لآخر:
ـ من المؤكد أنها تعرف قائدها المحبوب الرفيق نابولين، بأفضل من ذلك؟
ومضى موضحا:
ـ ومهما يكن من أمر، هناك توضيح غاية في السهولة. فالعربة كانت ملك صاحب مسلخ حيوانات قبل أن يشتريها طبيب المستشفى البيطري الذي تأنى في شطب اسم المسلخ من على العربة. ولعل هذا هو ما التبس على بعضكم وذهب بظنونكم مذهباً بعيداً.

شعرت الحيوانات براحة تامة عقب سماع ذلك، وتلاشت آخر ظنونها عندما استطرد سكويلر في تقديم مزيد من التفاصيل عن الساعات الأخير في حياة بوكسر، والرعاية الطبية والعلاج المُرَكَّز الذي لم يتردد الرفيق نابولين في دفع تكاليفه الباهظة، وخفت وطأت الحزن بعد أن عرفت الحيوانات أن بوكسر، في الأقل، فارق الحياة سعيداً.

حضر نابولين بذاته اجتماع صباح الأحد التالي وألقى كلمة مقتضبة في ذكر بوكسر. وأشار إلى أنه لم يكن ممكنا إحضار رفاة الرفيق الراحل لدفنه في المزرعة، لكنه أمر بإرسال إكليل كبير من زهور حديقة بيت المزرعة لوضعه على قبر بوكسر. وأنهى نابولين خطبته مذكرا الحيوانات بحكمتي بوكسر المفضلتين: "سأعمل بجهد أكبر" و"الرفيق نابولين دائما على حق". ثم طالب الحيوانات الاقتداء برفيقها الموتفى وتبني الحكمتين اللتين تعبران عن التفاني والإخلاص لمبادئ ثورة الحيوان.













الفصل العاشر

سنين مضت وتعاقبت الفصول، ومضت معها حياة الحيوانات، وجاء وقت لم يعد في المزرعة من يتذكر أيام ما قبل الثورة سوى كلوفر وبنجامين وموسيس الغراب وعدد من الخنازير.

موريل فارقت الحياة، وتوفى بلوبيل وجيسي وبنتشر أيضاً، ومات جونز وحيداً في مصحة لمعالجة مدمني الخمور في ناحية بعيدة من البلاد. وبات سنوبول في طي النسيان ولم يعد أحد يذكره أو يتذكره، وظل بوكسر في ذاكرة أصدقائه المخلصين فقط ممن بقوا على قيد الحياة، وأصبحت كلوفر عجوزا بدينة.. تصلبت مفاصلها وزاد رشح عينيها. وعلى الرغم من أنها تجاوزت سن التقاعد بعامين، إلا أنه لا هي ولا غيرها أحيل على المعاش. أما فكرة تخصيص جانب من المزرعة للحيوانات المتقاعدة فلم يعد أحد يأتي على ذكرها منذ فترة طويلة.

نابولين صار الآن خنزيراً ناضجاً ومكتمل المدارك يزن حوالي 335 رطلاً، واكتنز سكويلر شحما ولحما وغاصت عيناه في وجهه المنتفخ ولم يعد يستطيع الرؤية بهما إلا بصعوبة! وحده بنجامين الحمار لم يتغير كثيراً غير أن الشيبُ لَوَّح شعر منخاريه، وأصبح أكثر ميلا إلى الصمت منذ أن توفى صديقه بوكسر.
* * *
ازدهرت المزرعة وأصبحت أفضل تنظيما، وتوسعت بإضافة حقلين اشتراهما نابولين من بيلكينجتون، وأكتمل بناء الطاحونة في نهاية المطاف، لكنها لم تسخر لتوليد الكهرباء وإنما استخدمت لطحن القمح وأصبحت تحقق دخلاً مجزيا. وأصبح بحوزة الحيوانات آلة درّاسة ومرفاع علف علاوة على بناء مباني جديدة متعددة.

وعلى الرغم من الازدهار الذي شهدته المزرعة إلا أن الحيوانات ظلت تكدح كشأنها دائماً لبناء طاحونة هواء أخرى قيل، وللمرة الثانية، أنها ستزود بمولد كهرباء بعد اكتمالها. ولم يعد أحد يتطرق للرفاهية التي طالما تحدث عنها سنوبول: الحظائر المضاءة بالكهرباء والمزودة بالمياه الساخنة والباردة، وثلاثة أيام عمل في الأسبوع.. زد على ذلك أن نابولين شجب تلك الأفكار وعدّها مناقضة لمبادئ الحيوانية. فالسعادة الحقيقية، بحسب قوله، تكمن في جهد العمل وشظِف العيش.

وقد بدت المزرعة أكثر غِنَى غير أن الرخاء وترف العيش لم يصب حياة الحيوانات باستثناء الخنازير والكلاب. ولعل ذلك يعود جزئياً إلى كثرة عددها وليس لأن هذه المخلوقات لا تعمل على غرار غيرها من الحيوانات. فهناك من أعمال إدارة المزرعة والإشراف عليها وتنظيمها ما لا نهاية له، حسب توضيحات سكويلر المتكررة، وأكثرها ذات طبيعة يتعذر على الحيوانات فهمها.

وبالنسبة للحيوانات الأخرى، لم يطرأ على حياتها تتغير، حسب علمها، عما كانت عليه دائماً. ثم أنها ما تزال تعاني الجوع وتنام على القش وتشرب من البركة وتقاسي البرد شتاءا وأذى الذباب صيفاً.

أما من تبقى على قيد الحياة من الحيوانات، التي شاركت في الثورة، فكانت حاجتها لاستعادة صور الأيام الأولى للثورة َتَشحَذُ ذاكرتها الضعيفة، وكانت تحاول قدر ما تتيح لها قدرتها الذهنية معرفة ما إذا كانت حياتها السابقة أفضل أو أسْوَأ عما هي عليه الآن. لكنها لا تستطيع تذكر شيء، فليس لديها ما تقارن به مستوى معيشتها الحالية سوى قائمة أرقام سكويلر التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن حياتها تتحسن شيئا فشيئا على الصُعُد كافة، وهي الآن أفضل كثيرا عنما كانت عليه!

وحده بنجامين العجوز يدعي أنه يتذكر كل صغيرة وكبيرة في حياته الطويلة، وهو لا سواه يعلم أن الحياة لم تكن قط ولن تغدو أبدا أفضل أو أسوأ: إنها سلسلة من الجوع والقسوة وخيبات الأمل، بحسب قوله: إنه قانون الحياة السرمـدي.

ومع ذلك فإن الحيوانات، سواء كبيرة السن.. تلك التي شاركت في الثورة أم صغارها أو تلك التي قدمت من مزارع تبعد عشرة أو عشرين ميلا، لم تفقد الأمل الذي طالما حلمت به. والمهم أنها لم تتخلْ قط، ولو للحظة، عن إحساسها بالفخر لانتسابها لمزرعة الحيوان: المزرعة الوحيدة في البلاد كلها.. في كامل تراب إنجلترا التي تملكها الحيوانات وتدير شؤونها.

وكانت قلوبها تزهو فخراً كلما سمعت دوي الرصاص وشاهدت الراية الخضراء ترفرف عالياً فوق السارية. وكان حديث كبار السن عن الثورة والبطولات الأولى لا ينقطع: طَرْد جونز وكتابة الوصايا السبع والمعارك الكبيرة التي انتهت بهزيمة البشر الغزاة.

ولعل حياة الحيوانات الآن شاقة وآمالها لم تحقق كلها، لكنها تدرك أنها ليست كسائر الحيوانات، فهي إن جاعت فليس لإطعام الإنسان المستبد، وإن عملت كثيراً فلنفسها. ولا أحد من المخلوقات بينها يمشي على قدمين، ولا أحد يدعو الآخر "سيدي" فكل الحيوانات سواسية.

* * *
في أحد أيام بداية الصيف، قاد سكويلر قطيع من الخِراف إلى جزء قفَر في الطرف البعيد من المزرعة حيث أمضت اليوم كله هناك ترعى تحت إشرافه. وفي المساء عاد سكويلر بمفرده إلى بيت المزرعة. ولأن الطقس كان دافئا، فقد طَلبَ من الخراف البقاء في نفس المكان حيث أمضت أسبوعاً كاملاً ولم تشاهد طواله. وظل سكويلر يتردد عليها معظم الوقت، وقيل أنه كان يعلمها أغنية جديدة تتطلب العزلة والسرية.

وفي أمسية بهية من أمسيات الريف الانجليزي، وفي أعقاب عودة الحيوانات من العمل إلى مباني المزرعة، سمعت الحيوانات صهيل فرس خائفة؛ فتوقفت عن المسير، والتفت تبحث عن مصدر الصوت الذي ازدادت حدته، فانطلقت عائدة إلى الساحة حيث كانت تقف كلوفر وقد أخذها الذهول وتملكها رعب شديد، وشاهدت الحيوانات ما أثار الهلع في نفس كلوفر: خنزيراً يمشي على قائمتيه الخلفيتين. أجل: إنه سكويلر.. كان يمشي على نحو أخرق، ولكن بتوازن تام على الرغم من أنه لم يعتد الوقوف بجسده الضخم على ذلك الوضع.

وبعد ذلك بقليل خرج من بيت المزرعة رتل طويل من الخنازير تمشي جميعا على أرجلها الخلفية.. بعضها أتقن المشي أفضل من بعضها الآخر، واستطاعت كلها أن تكمل دورة واحدة حول الساحة بنجاح. وعلى نباح الكلاب الهادر وصوت الديك المطري الحاد، ظهر نابولين بنفسه: منتصب القامة.. وقد رفع فنطيسه عاليا.. يمشي الهوينى بِتُؤَدة ورفق ويمسك سوطاً بين أصابع حافريه الأمامية، ويرمي الحيوانات المحتارة بنظرات متعجرفة، وكلابه تسير من حوله.

خيم صمت مميت على المكان، وتدافعت الحيوانات بعضها الى جنب البعض الآخر خوفا ودهشة، وأخذت تراقب رتل الخنازير الطويل يسير سيرا بطيئا حول الساحة، وقد بدا لها وكأن العالم برمته انقلب رأسا على عقب!

وحين خفت الدهشة، وتلاشى وقع ما رأته، وحانت اللحظة التي آن للحيوانات أن تبدي فيها بعض عبارات الرفض والاعتراض، على الرغم من الفزع الذي كانت تثيره زمجرة الكلاب المحيطة بنابولين، والاستكانة التي تأصلت في نفوسها طوال السنوات: فلا تذمر ولا انتقاد مهما حدث، في تلك اللحظة تماماً، ارتفع ثُغَاءُ الخراف مدويا في سماء المزرعة: "أربع أقدام جيدة، قدمان أفضل!". استمرت الخراف تغثوا خمس دقائق بلا توقف، وعندما هدأت، كانت فرصة التعبير عن الرفض قد فاتت، بعد أن غدت الخنازير داخل بيت المزرعة.

شعر بنجامين بحكة في كتفه، فحكها بأنفه، ثم أنه التفت حوله وشاهد كلوفر وعيناها مظلمتان أكثر من أي وقت مضى. ومن دون أن تتفوه بكلمة جرته بلطف من عرفه وقادته إلى جدار حظيرة البقر حيث كتبت الوصايا السبع. وظلا واقفين لدقيقة أو دقيقتين يحدقان في الجدار الملوث بالحبر والحروف البيضاء المكتوبة عليه. وأخيراً قالت كلوفر:
ـ بصري خذلني، وحتى وأنا شابة لم أكن أستطع قراءة ما كتب على الجدار، لكن يبدو لي أنه مختلف، فهل الوصايا السبع ما تزال كما كانت من قبل يا بنجامين؟". وللمرة الأولى يتخلى بنجامين عن تحفظه ويقرأ ما كتب على الجدار. ولم يكن ثمة شيء الآن سوى وصية واحدة وكانت تقرأ على النحو التالي:
"كل الحيوانات سواسية،
لكن بعض الحيوانات أكثر سواسية من غيرها".

ولم يكن غريباً ولا مفاجئا في أعقاب التحول الرهيب في سلوك الخنازير خروجها في اليوم التالي للإشراف على عمل المزرعة وفي يد كل واحد منها سوطا. ولم يعد من المستهجن مشاهدة نابولين في حديقة البيت وفي فمه غليون أو رؤية الخنازير وهي ترتدي ملابس جونز. نابولين نفسه ظهر بمعطف أسود وبنطلون قصير وحذاء جلد، في حين لبست أنثاه المفضلة فستان حرير أبيض كانت السيدة جونز ترتديه أيام الأحد.
* * *
بعد أسبوع، دخلت المزرعة ظهراً بضع عربات تحمل وفداً من أصحاب المزارع المجاورة وجهت لهم دعوة لزيارة المزرعة وتفقدها. رافقت الخنازير ضيوفها المزارعين في جولة تفقدية لمشاهدة المزرعة. وأعرب الزائرون عن إعجابهم العظيم بكل ما شاهدوه خاصة طاحونة الهواء.

وفي هذا الأثناء كلفت الحيوانات بإزالة الأعشاب الضارة وطلب منها الانهماك في العمل اثناء جولة الضيوف، إلا أنها كانت ترفع وجوهها عن الأرض كلما لاح لها طيف يتحرك على قوائمه الخلفية؛ فلم تعد تدري من يخيفها أكثر: الخنازير أم ضيوفهم البشر.

وفي المساء ارتفعت أصوات الضحك والغناء من بيت المزرعة، فضغطت خصلت الفضول وحب الاستطلاع على الحيوانات وهي تسمع الأصوات المختلطة: ما الذي يجري هناك وقد اجتمعت الحيوانات لأول مرة مع البشر على أساس الند للند؟

زحفت الحيوانات مجتمعة بهدوء إلى حديقة بيت المزرعة. واقتربت من المنزل وهي تمشي على رؤوس حوافرها، وأطلت طويلة القامة منها من خلف زجاج النوافذ تحدق فيما كان يجري في غرفة الطعام.

وهناك حول طاولة طويلة جلس ستة مزارعين ومثل عددهم من الخنازير، واحتل نابولين كرسي الشرف في صدر الطاولة. بدت الخنازير مسترخية تماما في مقاعدها الوثيرة.. مستمتعة بتجاذب أطراف الحديث ولعب الورق مع ضيوفها من بني البشر، ثم توقفت برهة لشرب الأنخاب: تَدَاوَلَتْ الأَيدي إبريقا ضخماً لملء الأقداح بالبيرة. وفي غمرة شرب الأنخاب لم يلاحظ من في الداخل الوجوه التي اعتراها الذهول خلف زجاج النوافذ!

وقف بيلكينجتون، صاحب مزرعة فوكسوود، وبيده كأسه، وأبدى رغبته في قول بضعة كلمات قبل أن يطلب من الحضور شرب الأنخاب. قال إنه من دواعي سروره وغبطته.. يشاركه هذا الشعور من حضر معه من بني جنسه، أن عصرا من الشكوك وسوء الفهم قد مضى.. عصر من الحوادث المؤسفة والأفكار الخاطئة التي كانت تَرى في وجود مزرعة تديرها الخنازير أمراَ غير طبيعي ومثيراً للقلاقل.. من شأنه أن زعزعة أوضاع المزارع المجاورة.

وقال لقد افترض مزارعون كثر، ومن دون إمعان النظر في الموضع، أن روحا من الفوضى والتمرد سوف تسود هذه المزرعة وستنتشر عدواها إلى حيواناتهم وبين عمالهم من البشر، بيد أن مخاوفهم كلها تبددت الآن بعد أن شاهد هو ومن جاء معه المزرعة وفحصوا كل شبر فيها، ووجدوا أنها لا تطبق أحدث وسائل الفلاحة فحسب، بل أنها ينبغي أن تكون مثالا للنظام والانضباط يقتدي به المزارعون كافة. وقال إن فئة الحيوانات الأدنى في مزرعة الحيوان تعمل أكثر وتأكل أقل من كل الحيوانات في البلاد!

وأكد في نهاية حديثه على أهمية إقامة علاقات ودية بين مزرعة الحيوان وجيرانها ـ بين الخنازير والبشر. فلا مجال بعد اليوم لتضارب المصالح وتضاد الغايات، فالأهداف غدت مشتركة، والمصاعب صارت واحدة. ثم أنه هنأ الخنازير مرة ثانية على نظام الحصص المنخفضة وساعات العمل الطويلة والمعاملة الصارمة التي تتبناها في إدارة شؤون مزرعة الحيوان.

ودعا، في ختام كلمته، المجتمعين إلى الوقوف والتَـأَكُّد من أن كؤوسهم مليئة، وقال: أيها السادة اشربوا معي نخب ازدهار ونجاح مزرعة الحيوان.

ساد شعور بالبهجة بين الحاضرين، وضربت الأقدام الأرض تعبيرا عن السعادة، وبلغت النشوة بنابولين أشدها فدار بنفسه حول الطاولة إلى حيث وقف بيلكينجتون ليصلصل كأسه بكأس ضيفه قبل أن يفرغه في جوفه. وحين هدأ صليل الكؤوس، أبدا نابولين، الذي ظل واقفا أثناء حديث ضيفه، رغبته بقول بضع كلمات أيضا.

وكعادة خُطََََبِ نابولين، كان حديثه قصيرا وكان مباشرا. قال إنه أيضا يشعر بالغبطة لأن عصراً من سوء الفهم أوشك على الانتهاء أو يكاد. فمنذ فترة طويلة وهم يسمعون شائعات يروج لها ـ حسب ظنه ـ أعداء حاقدون تتهمه وزملاءه الخنازير بأفكار هدامة وربما ثورية، كما اتهموا بمحاولة إشعال فتيل التمرد بين الحيوانات في المزارع المجاورة.
واستطرد قائلا:
ـ هذه اتهامات باطلة ولا أساس لها من الصحة. فلم يكن هدفنا لا الآن ولا في الماضي سوى العيش بسلام وإقامة صلات تجارية طبيعية مع جيراننا.
ومضى يقول:
ـ إن المزرعة التي أتشرف بإدارتها مشروع مشترك تملكه الخنازير بموجب سند ملكية شرعي احتفظ به شخصيا.

وقال إنه لا يعتقد أن الشكوك القديمة ما زالت تخالج الصدور؛ فالمزرعة تشهد حاليا تحولاً جذرياً سيعزز الشعور بالثقة مع جيرانها. فلعل ضيوفه لاحظوا أن العلم المرفوع على السارية لم يعد يحمل شعار "قرن وحافر"، بعد أن أزيل منه ذلك الشعار وأصبح أخضر اللون فقط! وقال إن لحيوانات المزرعة عادة سخيفة في مخاطبة بعضها بعضا بلقب "رفيق"، واعتادت أن تنظم مسيرة كل صباح يوم أحد، وهي عادة دخيلة ولا يعرف لها أصل، لذلك سيأمر بإلغاء هاتين العادتين.

وأضاف:
ـ إن لديه تحفظاً واحداً على حديث ضيفنا الودي، فقد دأب جاري العزيز طوال حديثه على الإشارة إلى المزرعة باسم "مزرعة الحيوان".
واسـتدرك وهو ينظر الى بيلكينجتون مباشرة:
ـ أنّى لك يا سيدي أن تعلم أني وفي حضوركم.. هنا والآن قررت إلغاء اسم "مزرعة الحيوان"، وأعلنُ، ولأول مرة، أن مزرعتنا هذه ستعرف من الآن فصاعداً باسم "ضيعة الخنازير".

وختم حديثه بقوله:
ـ أيها السادة أدعوكم إلى شرب النَخْب نفسه، لكن على نحو مختلف. املأوا كؤوسكم، واشربوا معي نخْبَ ازدهار ونجاح "ضيعة الخنازير".
وتعالت صيحات الابتهاج والهتاف وأفرغت الكؤوس حتى الثُّمالَةَ.

وبينما كانت الحيوانات تتابع مشهد الاحتفاء بتغيير الاسم، وهي تُحدِّق في وجوه المحتفلين بدا لها أن ثمة أمراً غريباً طرأ على مظهر الخنازير. تُرى ما الذي يبدو مختلفاً في وجوهها؟

ظلت كلوفر وهي تبحث عن إجابة لذلك السؤال تنقل عينيها المتعبتين بثقل السنين ووطأة الكد بين وجه وآخر: بعضها لها خمسة ذقون، وأخرى لها أربعة، وللبعض منها ثلاثة ذقون. بيد أن ما كان يبعث على الحيرة والدهشة هو التبدل الذي كان يطرأ على الوجوه، فقد بدت ملامح المحتفين قريبة الشبه بعضها من البعض الآخر.. لا فرق بين حيوان وإنسان!

وبعد أن هدأت صيحات شـرب الأنخاب، عادت الخنازير وضيوفها من البشر إلى الطاولة لمتابعة لعب الورق. وانكفأت الحيوانات التي تزاحمت خلف النافذة بصمت إلى حظائرها وقد أخذ منها هول ما رأت مأخذا، ولكنها ما إن ابتعدت مسافة لا تزيد على عشرين ياردة حتى توقفت، ثم اندفعت عائدة إلى البيت ونظرت من خلف النوافذ مرة أخرى. أجل.. لقد اختلف المجتمعون وكانوا على وشك النزاع: صياح وهياج.. صخب وغضب، وضرب عنيف على الطاولة، وأصوات مرتفعة تتبادل الاتهامات، وأخرى تكذبها. وبدا أن وراء ذلك الخلاف نابولين وبيلكينجتون اللذان لعبا ورقة "آس السباتي" في الوقت نفسه!

كان هناك اثنا عشر صوتا يصرخ بعضها في وجوه البعض بحدة وغضب.. وجوه كانت جميعها متشابهة. وأخذت الحيوانات تنقل نظرها من وجه خنزير إلى وجه إنسان، ومن وجه إنسان إلى وجه خنزير، ومن خنزير إلى إنسان ومن إنسان إلى خنزير مرة أخرى، ولم تعد الآن بحاجة إلى تفسير ما طرأ من تغيير على الخنازير، بعد أن أصبح من المستحيل التمييز بينها وبين البشر!



من مواضيعي :
الرد باقتباس
 

مشاركة الموضوع:

خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع
ابحث بهذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

إنتقل إلى

عناوين مشابهه
الموضوع الكاتب القسم ردود آخر مشاركة
"البرامج الشبابية..واقعٌ "يُمتِّع البصر" و"يُسطِّحُ التفكير" حسام الحق إسلاميات 5 30/04/2011 08:22 PM
""×"" أحـــــــ حييييييل ـــــــــبكم ""×"" الـعــنقـاء موضوعات عامة 6 30/04/2011 12:28 PM
"""" حكم علمية فى قمة الروعة "" أدخل وتعلم وشاركنا الرأي؟؟ زهرة الاسلام قضايا المجتمع وحقوق الإنسان 2 18/03/2011 11:47 PM


الساعة الآن: 12:40 PM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات