كانت تقلب القنوات الفضائية.. قتلى هنا.. جرحى هناك.. جوعى!!.. منظر القدس الأسير يدمي القلب.. ما يحدث في العراق لا يرضاه الرب.. جنود أمريكان يصرخون في وجه شيخ كبير!!.. صهاينة تمنع المصلين من أداء الصلاة!!.. لا فرق بينهم كثيرا.. فأحيانا تختلط عليها الأمور.. أيهما العراق وأيهما فلسطين؟! تنهدت وأدارت المؤشر علي محطات أخرى.. عري، ابتذال، وقاحة.. فتيات تعرض نفسها للزواج!! مسابقة لأحلى صوت.. وأحلى خصر!! وكأن هؤلاء في واد وما يحصل لإخواننا في واد آخر!!.. دول عربية متناحرة!! صراعات قبلية وعرقية علي السلطة والكراسي.. شعوب تئن.. وما باليد حيلة!!
شعرت وكأن هناك يدا خفية تطبق علي عنقها.. وضعت يديها على رقبتها تحاول تخليص نفسها من قاتل مجهول!!.. حاولت أن تتنفس.. يا إلهي.. ما هذا؟!!.. تكاد أن تختنق!!
اندفعت إلى الفناء الخارجي للمنزل بحثا عن هواء.. أخذت شهيقا عميقا فهي في حاجة إلي هواء نقي.. هواء جديد!! كان المطر يتساقط بغزارة، رفعت رأسها إلى السماء وأغمضت عينيها كي تستمتع بقطرات المطر وهي تلامس وجهها!!.. عندها انهمرت الدموع من عينيها وأخذت تتمتم بصوت خافت حزين.. "يا رب .. يا رب"..
ثم أجهشت بالبكاء ووضعت يديها علي أذنيها وقالت بصوت عال:
"كفى..كفى!!"..
خارت قواها فجأة فتركت جسدها يتهاوى علي الأرض واحتضنت ترابها المبلل، ثم استدارت وهي مستلقية علي ظهرها وتركت المطر يحتوي جسدها كله.. لم تكن تعبأ إذا ما ابتلت ملابسها أم اتسخت!! فكل ما تريده هي لحظة سلام وهدوء تعيشها بين أحضان الطبيعة.. الطبيعة النقية البريئة.. تلك الطبيعة التي لوثها الإنسان بما يدعيه من حضارة وتقدم!! ظل المطر ينهمر وينهمر وهي ما زالت مستلقية كما هي حتى سمعت نداء الحق لصلاة الفجر.. فجر يوم جديد!! عندها انهمرت الدموع من عينيها مرة أخري، دموع الخوف والرجاء.
جلست برهة تتأمل كل شيء من حولها.. أخذت تدعو وتبتهل في خشوع. ثم نهضت لكي تستعد للوقوف بين يدي مالك الملك!!..مالك يوم الدين.. وقفت على سجادة الصلاة ترتجف شوقا ورهبة.. ثم رفعت يديها بإصرار على ترك الدنيا خلف ظهرها مقبلة بقلبها وروحها علي الحي الذي لايموت.. وما إن قالت "الله أكبر" وشرعت في قراءة الفاتحة حتى شعرت بهدوء وسكينة.
بعد الانتهاء وجدت أن المطر قد توقف.. نظرت من النافذة تراقب بزوغ شمس يوم جديد!! لكم تشعر بالراحة الآن.. عندها ابتسمت وتذكرت قول المصطفي صلي الله عليه وسلم: "أرحنا بها يا بلال