|
إسلاميات يهتم بكل ما يتعلق بالشريعة الاسلامية والفقه و المفاهيم الإسلامية الصحيحة |
|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع | طريقة العرض |
#1
|
||||
|
||||
القــــــــــــــــــرآن: معجـــــــــــزة المعجزات
يختلف التعبير القرآني اختلافاً تاماًّ عن كل النصوص الدينية الباقية بين أيدينا، كما يختلف عن أي تعبير بشري، وهو تعبير معجز لكل من يقرؤه بتدبر، وحتى ندرك هذا الوجه من إعجاز القرآن تعالوا أولا نوضح الفرق بين "التعبير البشري" و " التعبير القرآني"، وكنموذج للتعبير البشرى تعالوا نقلب صفحات "الكتاب المقدس" بعهديه: القديم والجديد، والذي اشترك العديد من البشر في وضع نصوصه.
تبدأ كل الروايات هناك بعبارات على نمط: "يُحْكَى أن"، أو "في يوم من الأيام"، أو غيرها مما تبدأ به عادة روايات البشر : 1- " في البدء خَلَق الله السموات والأرض" [ التكوين 1/1] 2- " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" [إنجيل يوحنا 1/1] 3- "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم" [إنجيل متى 1/1] 4- " قول الرب الذي صار إلى هوشع بن بئيرى في أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل" [ يوشع 1/1] 5- " وكان بعد موت يشوع أن بنى إسرائيل سألوا الرب قائلين مَنْ مِنَّا يصعد إلى الكنعانيين أوَّلاً لمحاربتهم" [ القضاة 1/1] 6- " حدث في أيام حُكْم القُضَاة أن صار جوع في الأرض" [راعوث 1/1] 7- " كان رجل من رامتايم صوفيم من جبل أفرايم اسمه: ألقانة بن يروحام بن أليهو بن توحو بن صوف ، هو أفرايمى" [صموئيل أول 1/1] 8- " وكان بعد موت شاول ورجوع داود من مضاربة العمالقة أن داود أقام في صقلغ يومين" [ صموئيل ثاني 1/1] 9- " وشاخ الملك داود، تقدم في الأيام، وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ"[ الملوك أول 1/1] 10-" وفي السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بضم إرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداء في كل مملكته، وبالكتابة أيضا قائلاً " [ عزرا 1/1] 11- " وحدث في أحشويروش، هو أحشويروش الذي ملك من الهند إلى كوش على مئة وسبع وعشرين كورة" [ أستير 1/1] 12- "كان في سنة الثلاثين في الشهر الرابع، في الخامس من الشهر، وأنا من بين المسببين عند نهر خابور أن السموات انفتحت، فرأيت رؤى الله" [حزقيال 1/1] عبثًا تجد في هذه النصوص تعبيراً يقرع الأسماع، أو يجذب الانتباه، فكلها تجرى مجرى المؤلفات الروائية التي نقرؤها كل يوم! ولا غَرْوَ فهكذا يفكر البشر، ويتحدثون، ويكتبون، وهذه النصوص كلها مأخوذة من الكتاب المقدس (طبعة جمعية الكتاب المقدس، انظر كتاب المؤلف: " هل الإنجيل كلام الله"). ونلاحظ فيها: أن أحداث الروايات قد رتبت بالتسلسل الزمني المألوف للروايات البشرية: الإصحاح كذا / سفر كذا من البداية إلى النهاية ، وكلها تبدأ بعبارات على نمط "يحكى أن " و "في يوم من الأيام" وما إلى ذلك. وأنصحك – عزيزي القارئ – أن تتصفح بتؤدة صفحات العهد القديم والجديد لتجد العديد والعديد من الأمثلة التي يتكرر فيها نفس النمط الروائي، ولن أطيل عليكم حتى أعرض الصورة المقابلة "التعبير القصصي في القرآن". * قصة التنزيل : في ليلة السابع والعشرين من رمضان كان نبي الإسلام محمد – صلى الله عليه وسلم – في غار حراء في أطراف مكة، حيث اعتاد أن يعتكف بحثاً عن الهدوء والسكينة، يتأمل في أحوال قومه، وما هم فيه من سُكْر وزنا ووثنية، وحروب لا تنقطع، وقسوة ومظالم؛ حتى أن المؤرخ الكبير "جيبون" يسجل على أولئك العرب في كتابه: "صعود وسقوط الإمبراطورية الرومانية " قوله: "إن أولئك الهمج المخابيل لا يختلفون في شيء عن سائر الحيوانات" !!! لقد كان محمد المتحنث في "غار حراء" يتشوق إلى هدى ينقذ الناس من الضلال، فكان كثيراً ما يسعى إلى الغار: وحيداً معظم الوقت، وأحياناً يظل بصحبة زوجة الرؤوم خديجة أم المؤمنين! في تلك الليلة، وهي ليلة القدر التي تعم فيها الرحمة أرجاء الكائنات ، وتتصل ملائكة السماء بالأرض … في منتصف تلك الليلة ، انفتحت صفحات كتاب الله على محمد – صلى الله عليه وسلم – إذ أتاه جبريل الملاك مُرْسَلاً من الله عز وجل ليأمره بلفظ عربى مبين )اقرأ(، والقراءة لغة تعني: القراءة الصامتة لمكتوب، أو النطق بالكلمات. تملك النبي – صلى الله عليه وسلم – الهلع، واهتز من هول الموقف الذي لم يكن في نظره بعد موقف احتفال او تكريم، وبصعوبة بالغة ارتعد قائلاً: "ما أنا بقارئ! " فأعاد جبريل عليه الأمر ثانية )اقرأ( فكرر النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : ) ما أنا بقارئ(، فيضمه جبريل بشدة ويقول: ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ( [العلق : 1] وهنا فقط يدرك محمد ما هو مطلوب منه حتى ختام الرسالة: أن يردد كل ما يقوله جبريل، ثم يمضي جبريل ليلقنه أربع آيات أخريات : ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم * عَلَّمَ الإِِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( [ العلق 1 : 5] ويبدأ بذلك وحي السماء، ويتوالى نزول آيات القرآن الكريم. والآن ... لعلك تلحظ معي أيها القارئ أني في سردي للحادث الجلل، لم أجد بُدًّا من اتباع المألوف في أسلوبنا – نحن البشر – ابتداء من "ليلة السابع والعشرين" ... إلى ... "ويبدأ بذلك وحي السماء "، مروراً بكل التفاصيل التي استقيتها من القرآن الكريم، وكتب التراث والتاريخ، ومن أفواه الأساتذة والمحاضرين، وقد عرضتها من بدايتها إلى نهايتها في خط مستقيم. أما التعبير القرآني فهو تعبير فريد ، نمط مغاير تماماً لهذا النمط البشري، لا تجد في القرآن التعبيرات الروائية المألوفة للبشر مثل: " تلقى محمد الوحي أول ما تلقى عندما كان في الأربعين من عمره"، ولا: "حيث كان معتكفاً في غار حراء"، ولا: "رأي أمامه الملك جبريل"، أو تملك النبي – صلى الله عليه وسلم – الهلع"، أو غير ذلك من ملابسات لقائه الأول مع جبريل، ولا: "إن هذه الآيات الخمس هي أول ما نزل"، ولا ما روته كتب السيرة النبوية أن: "محمداً أسرع عائداً إلى بيته الذي يبعد حوالى خمسة كيلومترات من مكة إلى زوجه الرؤوم خديجة، وروى لها ما حدث وهو يرتجف ويقول: "زَمِّلوني زملوني". كل هذه التعبيرات - على نمط: "يحكى أن... " و "في يوم من الأيام" - يسمو النص القرآني عن استخدامها، فهو نص مغاير تماماً لأقوال البشر، هو معجزة لا يحاكيها بشر. تلحظ أيضا – عزيزي القارئ – أن روايتي كأي رواية بشرية، تبدأ دائما من نقطة لتنتهي عند نقطة زمنية أخرى لاحقة، وليس ذلك شأن القرآن، فآيات الوحي الأولى: ) اقرأ( التي بدأ بها نزول القرآن، لا نجدها في صدر المصحف الشريف، بل نجدها بتوجيه من الله – سبحانه وتعالى – في السورة السادسة والتسعين، وهي " سورة العلق". هذا النمط الفريد المغاير لكلام البشر لا نجده إلا في القرآن الكريم، ولا نجده في غيره من الكتب السماوية، لأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله تعالى من التحريف والتعديل منذ نزوله إلى يومنا هذا ! * مع عالم نفساني: أتيح لي أن أتحدث بمعلوماتي عن بداية الوحي مع شاب كندى كنت أصحبه في زيارة سياحية لأكبر مساجد نصف الكرة الجنوبي، وعلمت منه أنه يقوم بدراسات عليا في علم النفس، فسألته على الفور إن كان لديه تفسير لموقف رجل أُمِّيّ، لا يعرف القراءة والكتابة، ثم يُطْلَب منه أول ما يُطْلَب أن يقرأ، فيظل منذئذ يردد كلاما أكبر من إدراكه، وأبلغ من لسانه، كلاما لا يضاهيه قول بشر، طوال ثلاثة وعشرين عاماً (انظر شرح عبارة الإنجيل: " أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه ، فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تثنية 18/18) في كتاب المؤلف: "ماذا يقول الإنجيل عن محمد") اعترف " عالم النفس " بأن ذلك يبعث على الحيرة البالغة ، فبادرته بقولي: علينا إذن أن نقر بصدق رسالة الإسلام، أو بأنها ليست من صنع البشر، ثم تَلَوْت عليه (معنى) هذه الآيات من "سورة النجم": ) وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى( [ النجم : 1- 5 ] كما أمر الله نبيه أن يردد على الناس: ) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا( [ الكهف : 110] * إعجاز صحفي: ما إن أقابل صحفياًّ قادما إلى "المركز الدولي للدعوة الإسلامية" حتى أعرض عليه أن أبرهن على "إعجاز التعبير القرآني"، وهنا ألخص له أولاً قصة موسى عليه السلام بأسلوبنا البشرى المألوف: أسلوب "يحكى أن ..." و "في يوم من الأيام"، مع الإيجاز الشديد هكذا: " قابل موسى عليه السلام رجلين يتصارعان: أحدهما من قبيلته، و الآخر من أعدائه، فبادر بمساعدة اليهودي في قتاله مع المصري، وفي خضم الصراع صفع موسى المصريَّ صفعة شديدة، فأرداه قتيلاً، فاضطر موسى عليه السلام إلى الهرب من البلاد إلى صحراء سيناء، وعندما وصل "أرض مَدْيَن" وجد فتاتين تطلبان العون فيما تقومان به من عمل، فاستجاب لهما، وعرض عليه "يثرون" والد الفتاتين أن يبقى ليعمل مساعداًَ له ، ثم زَوَّجَه إحدى ابنتيه، وبعد ثمان سنوات بدأ الملل يتسرب إلى نفس موسى عليه السلام مما عاناه من شظف عيش طويل بالصحراء – بعد أن أَلِف الحياة الرغدة خلال نشأته في قصر فرعون، ثم حياته في المدينة، وما فيها من صخب وحياة ، فحَنَّ إلى تغيير نمط الحياة، واستأذن صهره الذي كان رجلا واقعيَّ النزعة يتفهم دوافع موسى، فأذن له بالرحيل. رحل موسى مع زوجه وأبنائه، وأخذ معه نصيبه من الغنم والماعز، وبعد فترة من الزمان عاد إلى سيناء لزيارة أهل زوجته، إلا أنه ضل الطريق، حتى نفد ما كان معه من اللحم المقدد، ولم يعد معه من زاد سوى الخبز المجفف الذي يصنعه اليهود، ورغم وفرة ما معه من غنم وماعز ، فلم تكن المشكلة في ذبحها، بل في إيقاد نار ليشوي بها اللحم، فالبحث عن حجر لإيقاد الشرارة، وحطب للوقود أمر عسير في الصحراء ( لم تكن هناك ولاعات أو أعواد ثقاب في تلك الأيام )، فأصبح في حيرة شديدة من أمره تزداد يوماً بعد يوم، ولا حَلَّ يبدو في الأفق". لعلي قد أثقلت عليكم بهذا السرد الطويل رغم أني لم أسرد إلا الحقائق المجردة – على سبيل التمهيد – ودون تنميق أو إطناب لأصل بهذا التمهيد إلى صلب القصة ، ولكني أستميح القارئ عذراً لأنقله نقلة أوضح بها مفهوم التفوق الصحفي قبل مواصلة ما بدأناه. أقيم على مسافة 30 كيلومترا شماليّ مدينة دربان بجنوب إفريقيا، وقد اعتدت أن أتخذ الطريق الساحليّ في طريقي إلى المدينة كل يوم، وعند تقاطع الإستاد الساحلي الكبير يقف دائماً بائع صحف، يعرض صحيفة شهيرة، وبجانبه لوحة كبيرة تبرز عناوين أهم الأخبار، وبنظرة سريعة إلى هذه العناوين لا أجد فيها ما يغريني للحصول على الصحيفة ، ولكني بمجرد وصولي إلى قلب المدينة بعد ذلك تجذبني لوحات إعلان أخرى لنفس الصحيفة، فأقبل على شرائها! سألت نفسي مرة عن السر في تغيير قراري مرة تلو المرة فاكتشفت أن الإعلان في المدينة أكثر جاذبية لي، وخاصة في ذلك الجزء الذي يقطنه أسيويون أمثالي، وأدركت أن صياغة الإعلان في الطريق الساحلي موجهة إلى الأوروبيين الذين يكثر ترددهم على الساحل، وهكذا فإن كل إعلان قد صيغ بحيث يجذب اهتمام طائفة من الطوائف العنصرية (التي تعيش في مناطق منفصلة في جنوب إفريقيا). نخرج من هذا بأن التفوق في التعبير الصحفي يكمن في فهم نفسية المُخاطَب، واختيار الألفاظ والتركيبات الأكثر تأثيراً دون زيادة أو نقصان. * عودة إلى تحليل التعبير القرآني: وتعالوا الآن نحلل التعبير القرآني في سرده لقصة موسى عليه السلام لنرى إعجاز التعبير القصصي: تنزل الآيات على محمد – صلى الله عليه وسلم – ليواجه بها جبهات متعددة: المشركين والمنافقين واليهود والنصارى في مواجهة القلة المؤمنة! فانظر كيف يُصاغ التعبير القرآني ليقرع الأسماع، ويشد انتباه هذه الجبهات المتنافرة في آن واحد ، يقرعها بعبارة : ) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى( [ طه : 9] . عبارة قصيرة تثير كل النفوس، وتشحنها بالترقب لما يتبعها من سياق، فالمسلمون يتحرقون شوقاً لإطفاء ظمئهم من التنزيل الحكيم ، واليهود والنصارى كلهم آذان صاغية يتأهبون للسخرية مما عسى أن يلقيه رجل أميّ لا يعرف عن موسى ما يعرفون في تراثهم وكتاباتهم . أما المشركون والمنافقون، فيستخفهم المرح والسرور انتظاراً للموقعة الكلامية بين المسلمين وأهل الكتاب. الكل إذن أصبح آذانا صاغية، فيمضى الوحي في عبارة قصيرة: (إذ رأي ناراً)، قمة الإثارة الدرامية! ثم تمضي القصة بنفس الأسلوب الأخاذ: ) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأََهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ( [ طه : 10]. تأمل هذا الأسلوب البرقي (التلغرافي) الذي ينساب كقذائف تشد الانتباه، إنه أسلوب يضاهي أسمى ما وصل إليه التعبير الصحفي في مجال الإعلان ! ذلك الفن الذي يتعلم فيه الصحفي أول ما يتعلم أن يتبع "الأسلوب البرقي" في التعبير. ولا ننسى أن "فن الإعلان" الذي تفوقت فيه الولايات المتحدة" (والتي تضم أكبر المجتمعات المسيحية وأكبر المجتمعات اليهودية في العالم) لم يظهر إلى الوجود إلا في هذا القرن العشرين، ففي أي معهد صحفي – بالله عليك – تعلَّم محمد بن عبد الله هذا الفن؟! الجواب واضح: هو أن هذه العبارات ليست من صنع محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي كان يردد حرفياًّ ما يصبه جبريل عليه السلام في أذنه وقلبه. كذلك لم يكن هناك ثمة نص عربي للإنجيل أو التوراة في ذلك الزمان حتى يقتبس منه محمد صلى الله عليه وسلم . ومع ذلك ، ولكي نقطع الشك باليقين ، تعالَوْا نقارن هذا السرد القرآني لقصة سيدنا موسى بما جاء في نص الكتاب المقدس في مطلع سفر الخروج : ( وهذه أسماء بني إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر مع يعقوب ، جاء كل إنسان وبيته، رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزبولون وبنيامين ودان ونفتالى وحاد وأشير، وكانت جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفسًا، ولكن يوسف كان في مصر، ومات يوسف وكل إخوته وجميع ذلك الجيل) (سفر الخروج 1/1 – 7). إن أدنى مقارنة لتنطق بالاختلاف الواضح بين التعبير البشرى في الكتاب المقدس (أسلوب يحكى أن ) ، وبين التعبير الإلهي المعجز في القرآن ، ذلك التعبير الذي يتجاوز كثيراً الحدود البشرية لقدرة الرسول ومعرفته ! إلى مزيد من التذوق: تعالوا أخيرا نستكمل تذوقنا لخصوصية التعبير القصصي الإلهي في قصة موسى – عليه السلام – وقد ضل طريقه في صحراء سيناء، وهو يتطلع إلى نار يشوي بها طعامه، أو قوم يهدونه الطريق، ولكن الله قد أعده لرسالة أسمى من شيِّ الطعام والاهتداء إلى المكان، فآنس حيرته بنار تلوح في ظلمة الصحراء، ليست ناراً كنار البشر، لعلها ترمز إلى ما يتأجج في أرواح البشر من شوق فطري إلى الحق، كما قد ترمز إلى التوجه نحو مصدر الهدى الأوحد، الله سبحانه وتعالى، أي كأنها نار روحية، يعلن بها الله تعالى مولد رسالة موسى واصطفاءه إياه. اقرأ وتأمل الآيات القرآنية، وتذوق قمة الإعجاز في التعبير والإيقاع القصير المتناغم: ) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا لَعَلِّي ءَاتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى( [ طه : 9 – 13] (خلع النعلين: علامة احترام وتوقير، وربما كان يرمز أيضا – مجازا – إلى أن يتخلص موسى عليه السلام من اهتمامه ورغباته الدنيوية متوجها بكل حواسه إلى تلقي رسالة الله تعالى. طُوَى: هو الوادي الذي يرتفع فوقه الجبل الذي تلقى عنده موسى عليه السلام تعاليم السماء) وختاماً لا أتمالك نفسي من التعجب والإشفاق ممن يقرأ هذا التعبير القرآني فلا يهتز طرباً وإعجاباً، إلا من ختم الله على قلبه وإحساسه، فأصبح لا يتذوق إلا الغَثِّ من القول، وحكايات العَوامّ، كبعض المستشرقين (من نماذج بذاءات المستشرقين يقول توماس كارليل في القرآن: " كتاب مُمِلّ مضطرب فَجّ ركيك غباء لا يحتمل !!!" حاشا لله، وتبت يدا من كتب هذا الكلام وفُضَّ فوه!)، الذين مروا على القرآن سريعاً، ثم أنكروا ما به من إعجاز قصصي يفوق الفنون الصحفية، نقله إلينا النبي الأميّ محمد – صلى الله عليه وسلم – نقلا حرفياًّ دون تعديل أو تبديل. إنه معجزة ما بعدها معجزة ، أليس كذلك؟ |
مشاركة الموضوع: |
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع |
طريقة العرض | |
|
عناوين مشابهه | ||||
الموضوع | الكاتب | القسم | ردود | آخر مشاركة |
المعجزات | maram | إسلاميات | 2 | 15/02/2006 06:25 PM |
|