هل نعيش الحقارة بين يدى الله تعالى ؟
إن الاستغفار على قسمين: هنالك استغفار موضِعي، أي أن يستغفر الإنسان ربه في موقف من المواقف، وخاصة بعد الذنب، وهذا الاستغفارٌ محمود.. وهنالك استغفار إستراتيجي أو شعوري، أي أن يعيش الإنسان دائماً حالة التواضع، والتذلل بين يدي الله عز وجل، ولو من غيرِ ذنب.
يقول أحد العارفين: وجودي ذنبٌ لا يقاس به ذنبُ.. أي أن وجود الإنسان في ساعات الغفلة من الذنوب.. فالانقطاع عن الله عز جل طرفة عين، ولو بمعنى خِفة الذكر، هذا أيضا في نظر العارفين ذنب من الذنوب.. (إن حسنات الأبرار سيئات المقربين)، وهذا الذي يفسر استغفار النبي والأئمة عليهم السلام.. فالنبي والإمام معصومٌ من الخطأ بلا ريب، ومع ذلك هم أكثر الناس استغفاراً وتذللاً.. فدعاء كميل، والمناجيات الخمس عشرة، ودعاء أبي حمزة، ومواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التذلل بين يدي الله عز وجل، تدل على أنه لا يشترط أن يكون الاستغفار بعد الذنب فحسب.. وهذه الحالة من التذلل، حالة راقية جداً، وتعبر عنها الآية الكريمة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.. سورة فاطر آية رقم 28
إن الإنسان الذي يخشى، إنسان متذلل، يعيش حالة التواضع بين يدي الله سبحانه وتعالى.. ولكن مع ذلك يلاحظ بأن الشريعة قد جعلت للمؤمن محطات للاستغفار، ولو من دون ذنب.. فالقاعدة العامة أنه يجب الاستغفار بعد كل خطيئة، فهذا وجوب شرعي.. ولكن هناك محطة في النهار وهي بعد صلاة العصر، حيث يستحب الاستغفار سبعين مرة.. ومحطةٌ في الليل أثناء صلاة الليل في الوتر.. والفارق بينهما تقريباً اثنتا عشرة ساعة.. بل النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كما في بعض الروايات - بما مضمونه: ما قام من مجلس ولو خف، إلا وهو يختم ذلك المجلس بالاستغفار بين يدي الله عز وجل.
ويستحب للإنسان إذا قهقه، وضحك ضحكة الغافلين أن يقول: (اللهم!.. لا تمقتني).. فإذن، عليه أن يستغفر بعد كل وجبةٍ من وجبات الإلتهاء عن ذكر الله عز وجل.. وهذه بُشرى للمذنبين، إن الله عز وجل يحبُ الطائعين، ولكن الآية تقول: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين}.. سورة البقرة آية رقم 222
والتواب: أي كثير التوبة.. ومن المعلوم أن كثير التوبة كثير الخطيئة أيضاً، فبعدد الخطايا يتوب، ومن هنا سميَّ تواباً.. والله تعالى يحب هذا الصنف: (أنين المذنبين أحبُ إليّ من تسبيح المسبحين).
منقول