رجل سياسة ورجل دولة وسياسي وعسكري من الطراز الأول.اختلفت حوله الآراء فتحول إلى شخصية ملتبسة,تاريخيا.لكن الثابت هو أنه استطاع تكوين مملكة قوية إسلامية واسعة بما تقتضيه ظروف ذلك العصر هو(يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي)هو من قرية(دوين)في شرق أذربيجان كما تقول بعض المصادر وهو من احد بطون قبيلة الروادية الكردية وكان لجده ولدان هما (أيوب)و( شيركوه )أخذهما إلى(تكريت)بالعراق وفيها ولد لأيوب ولد سمي (يوسف)أصبح فيما بعد صلاح الدين! وتولى أبوه بعض المناصب وخدم مع أخيه شيركوه في بلاط حاكم الموصل (عماد الدين الزنكي)الذي ولى أيوب على بعلبك ولما قتل عماد الدين دخل أيوب مع أخيه شيركوه في خدمة ابنه (نور الدين محمود)حاكم دمشق و حلب وأطلق لقب (نجم الدين)على أيوب,كما لقب شيركوه ب (أسد الدين)بينما لقب يوسف(صلاح الدين)!!عاش صلاح الدين طفولته في بعلبك ثم في دمشق وتلقى منذ صغره في الجامع الأموي دروس العلم والدين على يد واحد من كبار علماء عصره وشهد الصراع الهائل آنذاك بين الشرق والغرب وعايش الوجود الصليبي. استدعى صلاح الدين إلى دمشق لضبط الأمور بعد وفاة نور الدين ورحب أهلها به واستولى بعدها على بعلبك وحمص وحماة وحلب التي تخلى عنها للملك الصالح إسماعيل...شارك في الحملات في بلبيس بمصر تحت راية الخليفة الفاطمي ببغداد وتولى قيادة الحامية في الاسكندرية حين هاجم الأسطول الصليبي المدينة من البحر وحاصرها لكن صلاح الدين لم يستسلم وكان قد خلف عمه شيركوه (أسد الدين)على حكم مصر ونصب سلطانأ عليها عام 1169 وعمره 31 سنة وقضى على الحكم الفاطمي فيها وأحبه المصريون حين أرضاهم بإدخال المذهب السني الشافعي بديلا عن الفاطمي الشيعي.وصكت النقود تحمل اسم (الناصر يوسف بن أيوب ..علا جاهه)وشيد القلعة بالمقطم بمصر وبنى مدرسة بجوار الإمام الشافعي ومستشفى وانشأ أسطولاً في الاسكندرية كما أنشأ حدائق خضراء بين مقام السيدة نفسية وباب زويلة .واستطاع إخضاع المنطقة من حدود النوبة جنوبا إلى برقة(ليبيا)غربا وإلى بلاد الأرمن (في آسيا الوسطى)شمالا حتى الجزيرة والموصل شرقا .ورحل عن مصر حين توالت الغارات والاعتداءات الصليبية على بلاد الشام وحقق انتصارات في دمياط والعقبة وغزة ودخل المعسكرات الصليبين للتعرف على فنون القتال لديهم .وعاد إلى دمشق زائرا لاغازيا ومعه 700 من فرسانه فاستقبله أهلها بحفاوة وسلموه قلعتهم طواعية وارتفع اسم السلطان الجديد على مآذن مصر والشام يدعون له في خطبة الجمعة.أول هزائمه وربما آخرها كان في الرملة بفلسطين عام 1177م بخدعة صليبية استرد قواه بعدها بثلاثة شهور حين رفض الملك عرض صلاح الدين شراء الحصن الذي بناه ملك القدس الصليبي الجديد على الحدود مع المسلمين ممثلاً استفزازًا لهم واستهانة بهم فهاجم صلاح الدين الحصن واحتله.وحين خرق الصليبيون الهدنة مع المسلمين بغارتهم على قوافل عربية وقتلوا أفرادها وسبى نسائها ونهب أموالها بقيادة الأمير (رينا لد)شن عليهم حربا شرسة انتصر فيها وكان لصلاح الدين ثأر مع هذا الأمير الذي حاول احتلال المدينة المنورة وتدمير قبر الرسول _صلى الله عليه وسلم_وكانت القوات الصليبية قد انهزمت في الكرك بالعراق فأعلن المسيحيون في الغرب مؤازرة الصليبين وأمدوهم بالمساعدات ووقف الأمراء الصليبيون في الشرق وقفة واحدة وأعلنوا الحرب جميعا على صلاح الدين الذي وحد الأمراء العرب حوله أيضاً في بادرة نادرة الحدوث. فكانت المواجهة شديدة الشراسة والقوة حول أماكن المقدسات! .وبدأت عند طبرية ثم (حطين) 1187م التي أثر فيها عددا كبيرا من الجنود الصليبين وقيل أنه استدرج الصليبين هناك إلى مناطق حارة حتى ماتوا كثيرين منهم عطشاً .وكانت حطين هي التي شكلت التحول الهائل في مسار الحرب الصليبية ضد المسلمين والمسيحيين الشرقيين واسترد بعدها طبرية(عند الحدود السورية )ويافا وعكا.المدينة الفلسطينية الساحلية ,التي دار حولها قتال ضار بسبب مناعة أسوارها وحاربه هناك ملكا فرنسا وإنكلترا معا بجيشيهما وأسطولهما .وصل صلاح الدين إلى مشارف القدس التي كان فيها عدد كبير من الأسرى المسلمين وفتحها عام 1187 في 2 أكتوبر الموافق 27 رجب بعد استيلاء الصليبين عليها لمدة 88 سنة .ورفع أعلامه فوق أسوارها وسمح للمسيحيين الأرثوذكس الشرقيين بالبقاء فيها كما سمح لليهود 1190م بالحج شريطة ألا يغادروا أماكن العبادة وكان الصليبيون قد حرموا على اليهود دخول المدينة .ويطعن بعض المتقدمين (اليوم)في هذا الإجراء من جانب صلاح الدين ويعتبرونه (تنازلا)منه لليهود وأنه كان بداية للاستيطان اليهودي فيما بعد . لكن هؤلاء لم يقرأوا التاريخ جيدا,ففي سنوات متأخرة من القرن الثامن عشر كتب بعض الرحالة والمؤرخين أنه لم يكن في القدس من اليهود في ذلك الوقت ألا بضع أفراد معروفين بالاسم!,لم يكن بالسهل الاحتفاظ بمدينة عكا ,فاضطر صلاح الدين إلى عقد صلح مع ملك انكلترا ريتشارد قلب الأسد الذي جاء مع حملة صليبية جديدة وكان محاربا قويا ونص الصلح على احتفاظ الصليبين بالساحل من عكا إلى يافا على أن يكون الجنوب حتى غزة لصلاح الدين ,الذي سمح بالحج إلى بيت المقدس (القدس)الذي يسيطر عليه .بنى في القدس مدارس ومستشفيات وانتقل بعدها عائداً إلى دمشق التي كان يحبها ومات ودفن فيها .وحين أتى الجنرال الفرنسي (غورو)أيام الانتداب الفرنسي على سورية بعد الحرب العالمية الأولى توجه فورا إلى ضريح صلاح الدين وقال هناك مقولته الشهيرة: (ها قد عدنا يا صلاح الدين)وقيل أن الجنرال البريطاني (اللنبي)الذي دخل القدس محتلا في الثلاثينات من القرن العشرين كان هو صاحب هذا المقولة! .توفي صلاح الدين الأيوبي عن 57 عاما فقط! وارتفع صوت البكاء الناس وعويلهم وهم يبايعون ابنه الأفضل نور الدين الذي كان نائبه على دمشق . حكم صلاح الدين مصر 24 سنة والشام 19 سنة وترك من الأولاد 17 ولداً وبنتاً واحدة وكل ما ترك من الثروة 47 درهم فضة وجرام واحد من الذهب ولم يترك مالاً ولا عقاراً ولا داراً ...ويطعن منتقدوه اليوم بأنه وزع مملكته بين أبنائه ,لكن هذا كان العرف السائد في القرون الوسطى حيث كان السلاطين والملوك سواء في الشرق أو في الغرب هم الذين يحكمون وتوزع المملكة عادة بين الأبناء أو الأخوة وقد استمر هذا العرف سائدا حتى قيام الجمهوريات الحديثة .ولا يمكن إسقاط مفهوم اليوم على حقبة تعود إلى حوالي ألف عام مضت !!! لكن صلاح الدين أنصفه أعداؤه قبل أهله .ويذكر المؤرخ الإنكليزي (كاميرون)أن(صلاح الدين هو نابليون وكان قائداً لا يقل عنه جدارة وطموحاً)...كما ظهرت مئات الكتب الأجنبية التي تشيد به كقائد عادل ورجل سياسة وحرب يعرف استخدام الأرض تحته ورجل دولة .فقد وحد أراضي المسلمين في مملكة واحدة امتدت من آسيا الوسطى وحتى النوبة وكان يعرف متى يحارب ومتى يعقد الصلح أو الهدنة ومتى يهاجم ومتى يتراجع ومتى يثار ومتى يتسامح وكان هذا سر عبقريته...كان صلاح الدين منسجماً مع عصره تماما وهو ما يرد على انتقاد المحدثين له .وربما كان للشيعة بعض العذر في الهجوم عليه بسبب القضاء على الدولة الفاطمية الشيعية في مصر لكن الدولة الصفوية في إيران قضت أيضا على المذهب السني هناك واعتمدت المذهب الشيعي ...وتبرز اليوم أيضا فكرة كونه (كرديا)وليس عربيا ويشكو الأكراد أنه لم يقم لهم دولة باسمهم ....لكن صلاح الدين كان فوق القوميات في زمن كانت الأمة الإسلامية كلها كردًا وعرباً وفرساً وأتراكاً حتى المسيحيين فيها . مهددة بالخطر الصليبي المحتل للأرض والمقدسات احتلالاً كاملاً بينما المسلمون يساقون أسرى داخل القدس والمدن العربية لأكثر من مئتى عام..