منذ أن غابت شمس دولة الإسلام عن الأرض تبدلت المفاهيم وتغيرت المقاييس والمعايير وتم أخذ المفاهيم التي سيطرت على عقول الناس فغيرت من سلوكهم ونظرتهم
إلى كثير من الأمور ، وأصبح التقليد للغرب بحضارته التي تخالف الحضارة الإسلامية هو الأمر السائد والمسيطر 0 فالغرب قام بتخصيص يوم للمرأة ويوم للعمال ويوم للأم ويوم للأطفال وما شابه ذلك مما أفرزه النظام الرأسمالي ، فكان هذا التخصيص ترقيعا جراء إهمال المبدأ لهذه القيم الإنسانية فخصصوا لكل من هؤلاء يوماً جراء إهمالهم لهم طوال العام . والغرب نظر للمرأة أنها سلعة للإنتفاع ، فهو لا يرى فيها إنسانيتها بل يرى أنوثتها فقط ويسعى لاستغلال هذه الأنوثة عبر استثمارها في أعمال تمتهن كرامتها كلما كبرت فقدت من أنوثتها شيئا وألقى بها هؤلاء في قارعة الطريق،وأمثلهم طريقة يرميها في دار المسنين ، فلا يعرفون أما ولا بنتا ولا كرامة ، لا يعرفون إلا الجشع والطمع الناجم عن النظام الرأسمالي 0 وهذا أدى إلى عدم إعطاء كل ذي حق حقه ، وإلى وضع الناس في غير المنزلة التي يجب أن يكونوا فيها ، ومنهم الأم فلم تعد في المنزلة التي يجب أن تكون فيها 0 فما هي المنزلة التي يجب أن تكون بها الأم ؟ وما هي النظرة الشرعية تجاه الأم ؟؟ وهل تكريم الأم يكون في يوم واحد كما في الغرب ؟
فالمرأة والرجل مطالبان بالإيمان بالله –تعالى- ، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، وهما مطالبان بكافة التكاليف الشرعيّة من صوم ، وصلاة، وزكاة، وحجّ وحمل دعوة إلى غير ذلك من التكاليف، مع مراعاة الأحكام الخاصة لكلّ من الجنسين . والإسلام بأحكامه أراد للمرأة أن تقوم بدورها في الحياة واعتبر الإسلام الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان ، وأنها أساس الأسرة فهي الزوجة التي تقوم بشؤون زوجها وراعية لبيت الزوجية والتي ستصبح أما وراعية لأبنائها تعمل على حضانتهم وتربيتهم التربية التي من شأنها أن تصنع الرجال والأطباء والمهندسين والخلفاء والولاة والقضاة والمجاهدين في سبيل الله والعمال والزوجات والأمهات وحاملات الإسلام ؛ شأنها شأن خليفة المسلمين الذي يرعى شؤون الأمة ؛ فهي ترعى شؤو ن بيتها وزوجها وأولادها ومملكتها ،عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه البخاري 0 قال الخطابي : "اشتركوا أي الإمام والرجل ومن ذكر في التسمية أي في الوصف بالراعي ومعانيهم مختلفة , فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم , ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم , ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك , ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من خدمته " 0 ويتضح كل هذا في قول الله – سبحانه وتعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ � إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىp وَمَا هُمْ بِسُكَارَىp وَلَpكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } الحج (1)،(2) 0 فهي التي تحرص حرصا شديدا على أبنائها وهم في أحشائها وعلى إرضاعهم والسهر عليهم الليالي الطوال ، لا يشغلها عنهم إلا الأمور والأهوال العظام كقيام الساعة مثلا 0 وقد كان علماء المسلمين عندما يعظون حكام الأمة الإسلامية يصفونهم بأنهم كالأم وذلك عندما طلب عمرُ بن عبد العزيز حين ولي الخلافة من الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل فكتب إليه : " اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل000ولإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها ،حملته كرها ووضعته كرها ، وربته طفلا تسهر بسهره ، وتسكن بسكونه ، ترضعه تارة ، وتفطمه أخرى وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته 0 وحتى تتمكن من القيام بدورها ووظيفتها جعل الإسلام الحضانة لأطفالها واجبا وحقا في آن واحد 0وهي مقدمة على الأب في الحضانة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأم التي طلبت حضانة ولدها من زوجها – بعد أن طلقها - : " أنت أحق به ما لم تنكحي " . رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه . وحسنه الألباني 0 وقال أبو بكر الصديق رضي
لله عنه لعمر رضي الله عنه بعد أن حكم بعاصم لأمه أم عاصم: "ريحها، وشمها، ولطفها، خير له منك"، وفي رواية: "من الشهد عندك". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ريح الأم، وفراشها، وحجرها، خير له من الأب حتى يشب ويختار لنفسه". كرم الإسلام الأم بأن جعل برها واجبا من الواجبات وعقوقها من المحرمات قال تعالى :{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا � حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا � وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا � حَتَّىp إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىp وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي � إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } الأحقاف (15) ]. يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها.. 1- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [التغابن:12]، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. 2- وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه. 3- أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه. ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما، والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأي أسلوب كان، قال الله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36]، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً [العنكبوت:8]. وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]. فوضحت هذه الآيات ما للوالدين من جميل عظيم، وفضل كبير على أولادهما، خاصة الأم، التي قاست الصعاب والمكاره بسبب المشقة والتعب والثقل والكرب والتعب وغير ذلك مما ينال الحوامل من التعب والمشقة، وأما الوضع: فذلك إشراف على الموت، لا يعلم شدته إلا من قاسته من الأمهات. وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - جاء التأكيد على وجوب بِرّ الوالدين والترغيب فيه، والترهيب من عقوقهما. ومن ذلك: ما صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما ) رواه الطبراني