من أنت؟ وكيف دخلت حياتي بلا استئذان؟ وكيف لنظرة واحدة منك أن تمدني بهذا الزخم من الدفء الذي عوضني عن شمس بلادي ... وما هو هذا التيار الجارف الذي وهبني حيوية حورية البحر وسعادة الأطفال؟
دخلت مكتبك وكانت شوارع مدنى قد بدأت تسأم خطاي وأنا أهرع فيها كل صباح باحثة عن عمل، وبحماس غريب أخذت أعبر لك عن رغبتي في العمل وعن إمكاناتي.. ولست أدري لماذا عندما وافقت أن أعمل في مكتبك شعرت فجأة بأن شيئا ما سيتغير في حياتي. وبدأت تسأل عني باستمرار وبدأت أتوق لرؤيتك لأحدثك بعفوية وكأنك صديق قديم فرقتنا الحياة ثم جمعتنا بمحض المصادفة، وبدأت صورتك تلازم خيالي، وتمشي معي في شوارع تلك المدينة التي أصبحت فجأة أجمل، وحتى حر الصيف الذي جاء ثقيلا ذلك العام بدا لي وكأنه نسمة ربيع نقية.
وكنت أصغي إليك، وصارت أشياؤك حتى الصغيرة تهمني، وبدأت أكبر في قلبك وتكبر أنت في قلبي.
وكالطفل الذي يغمض عينيه فيخال أن أحدا لن يراه، كنت في الفترة الأولى أخشى أن أسألك عن حياتك الشخصية، ولكن كان لابد لي من أن أفتح عيني وأرى نور الشمس الذي كثيرا ما يبهر، وقلت لي يوما إنك متزوج وأب لثلاثة أطفال، وإنك تزوجت- وكنت يافعا- فتاة لم تكن لتعرف منها سوى اسمها وأنها كانت جميلة، ولكنها أبدا لم تستطع أن تفهمك لأنها لا تملك إلا أن تكون جميلة فقط. وحاولت، حاولت أن أبني عالما أعيش فيه، عالما من السعادة الوهمية وأحلام اليقظة، وأنا أقنع نفسي أنك لست سعيدا، وأننا في خضم هذه الحياة التي تسير بنا يمنة ويسرة لابد لنا عندما نشعر بنسمة السعادة تمر بنا أن نتمسك بها ولا نتركها أبدا تهرب من أيدينا.
وفي ذات يوم كنت أهم أن أدخل مكتبي كعادتي في كل صباح، فإذا بك تمسك بيد طفل رأيت فيه طفولتي ومروج الربيع في بلادي، وبلا كلمة، بلا وداع بدأت ألملم أشيائي وألملم معها أجمل أيام حياتي، وصورة شخص ما زالت مطبوعة في خيالي، كثيرا ما تسير معي في شوارع مدينتي، وترافقني النهار بطوله.. فأهرع من نفسي.
أهرع إلى سريري لأنام فتنام معي أحلامي التي أصبحت صفراء الملامح في ذاكرة الزمان.