عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > منتديات عامة > موضوعات عامة
مواضيع اليوم
موضوعات عامة المواضيع التي لاتشملها أقسام المنتدى

عمانيات   عمانيات
 
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 12/02/2006, 03:57 PM
متوكل طه محمد احمد
مُشــارك
 
يابختها وشوقنا نحن اللينا جمر الشوق وقد/متوكل طه محمد احمد

يابختها وشوقنا نحن اللينا جمر الشوق وقد/متوكل طه محمد احمد
مجتمع الشايقية كسائر المجتمعات في السودان، يعيش في صراع بين القديم الموروث والجديد المستحدث بفعل حركة العمران البشري المتجددة دوماً، ونلحظ أن جدلية هذا الصراع لها حضور كثيف في أدبيات الطيب صالح وشخصياته الدائرية، كما حدث في رواية عُرس الزين الشهيرة، التي اتخذت من قرية ود حامد موطناً لها، حيث تعاظم الجدل بين الجد المحافظ "محجوب"، والحفيد النازع نحو تجديد الماضي التليد "الطريفي".

ونود في هذه الإطلالة أن نقف على فصول صراع تراجيدي آخر، نسج حيثياته شاعرنا المبدع الأستاذ السر عثمان الطيب في لوحة أدبية رفيعة الخيال ورمزية المعنى، تقوم على ثلاثية خلاقة، أبطالها: "بت البلد" التي تنادى بإقرار حقها المشروع في الحب، والدها "حاج مُحُمد" الذي ينظر إلى إله الحب نظرة احتقارٍ وتوبيخٍ، لأنه يعُدَّه إلهاً ناسخاً فاسخاً لعادات الأهل والعشيرة، و"ودالبلد" الذي يمثل الطرف الغائب في حيثيات الحوار، غياباً حسياً، والحاضر في مخيلة بت البلد حضوراً معنوياً، لا تؤمن بشرعيته أدبيات ذلك المجتمع الريفي الغارق في موروثات الماضي بخيرها وشرها. وفي تناولنا لهذه القصيدة الرمزية سيتركز النقاش حول المحاور التالية:

البيئة التي عاشت فيها بت البلد
عاشت بت البلد في بيئة رغدة، وبسيطة من غير تعقيد، هائنة لا يكدر صفوها إلا صفاء قريحة أهلها الطيبين الأخيار... الفرد في ذلك المجتمع عبارة عن خلية حية في ذلك الجسد المترابط، ومشاركته فيه قائمة على عموميات وقيم تواضع عليها الأهلون، يحتفلون ولا يدركون حقيقة مشاعر المحتفي به، ويشاركهم المحتفي به الفرحة أحياناً بمشاعر مصطنعة وقناعات مهزوزة، دون اتخاذ موقف فردي يعكر صفو ذلك الاجتماع البشري، حتى لو كان ذلك الموقف على حساب قيم وأحساسيس ارتضاها لنفسه. وفي هذا الواقع المحكوم بقيم العقل الجمعي أذيع خبر زواج بت البلد من غير إعلان مسبق، علم به العوام دون الخواص، باركه الجميع لأنه عمل خير، يجب أن يتم دون مشورة صاحب الشأن، هكذا يصور لنا الأستاذ السر سرعة انتشار خبر خطبة بت البلد من ذلك العريس الذي اختباره لها والدها حاج مُحُمد في الأبيات التالية:

بلا خبر تلقى الخبر مالي البلد
قالوا العريس قام بالأحد
الحلة جاطت والحريم يتهامسن جاي الولد
كوم من بنات للبير ورد يتحدثن جاي الولد
يابختها وشوقنا نحن اللينا جمر الشوق وقد
*****
لامن خلاص الليل دخل
آخر شعاع من الشمس روح نزل
ضو القميره جاء من بعيد بهر قدل
دافر ظلام الحله قدامو وصل
****
ناس البلد النام رقد
والماسك السبحي عبد
مشغول هو بى خبر العريس القالوا قام بالأحد

إذن ما هو موقف بت البلد صاحبة الشأن من هذا النبأ الذي لم يطرق سمعها من قريب أو بعيد؟ اغمضت بت البلد جفنيها على أحلام ضياع، منسوجة بخيال تطالعات أوهى من حبل العنكبوت، وذلك الضياع كان يتجسد في طيف "ود البلد" الذي أحبته دون أن تراه أو تعرف عنه شيئاً.

الليلة هناك بعيد بقادي في آخر الديار
راكوبة ضلها أحر من حر النهار
كوم من بروش وجريد تمر عيدان صغار
دلوق هدوم موروثة من زمن الكبار


تلات عناقريباً صغار كرابه منقطع نزل
والنوم من البى فوقها روح داك جفل
***
راقد هناك كوم من ضياع
مركب مسافرة بلا شراع
وأحلام مسافرة بلا وداع
دموع ضياع تجاره من غير انقطاع
أحرف أنين ما خطتن أيد بيراع

الحلم الضائع والكنـز المفقود
استيقظت بت البلد من قفوة حلم عابرة، وإحساس خفي أبحر بها إلى ضفة النيل اليمنى، حيث يسكن ود البلد ذلك الكنـز المفقود... أبحر بها الخيال إلى ذلك الشاطي المجهول، حيث رسى بها زورق الأحلام...
بت البلد عبراتها سدت في الحلق
تبكي تنوح تشرب دموعها تنشرق
لمن حسيس نقارة جاها من الشرق
***
قامت على الحيل صنقرت
شالت طريحتها للدميعات كفكفت

فلا عجب أن هذا الحلم هو حلم طفولة باكرة عابثة، لأن بت البلد لازالت في هذه الأثناء ماثلةً أمام لوحة من خيال ماضيها الغرير، حيث يظهر في الأفق والدها حاج مُحُمد، وبجانبه روتين حياة هادئة وهائنة بما كسبت، حيث تبدأ من فجر صباحها البازغ إلى غروب شمسها الساكن عند ضفاف النيل الخالد: كوب من شاي الصباح الممزوج بحليب أغنام راتعات في مُراح مجاور لمنـزل حاج مُحُمد ... مصحوباً بحفنة تمر من ثمار شجيرات نخيلهم الباسقات ... ثم يعدون في العشي بزوامل بطان، ومعهم حِزم (كُليقات) من لوبي الجروف الذي يزرعونه على ضفاف النيل لقوت أنفسهم المتواضعة على البساطة، وقوت أنعامهم ذات الضروع الحالبة ... ويصورنا لنا الأستاذ السر هذا المشهد بقوله:

أتذكرت فجاة السنين الفاتو جن
وأيام زمان اتلملمن
أتذكرت كانت تقوم فجراً صباح
لمن يقموا أهل الصلاح
وأبوها شايل السبحي صاح
ياشفعه شدي سريع سوي الملاح
شيلي المناجل وأمشي قدامي الجرف
أتذكر كانت تسبقو تمشي تنـزل بي تِحِتْ
تمسك صبيت التمرة بايده تَحِتْ
تقعد تحش اللوبي لي الكاويق تقش
تصل البحر والموج يداعبها فوق هدومه ينط يرش
وبعدين تشيل القش تفوت واليوم يفوت
وتفوت سنين وتمر سنين يكبر عمير بت البلد
ويكبر معاه كمان حنين

أريحية الفطرة ورمانسية الخيال
تعاقبت حلقات الزمن على بت البلد، وكانت هذه الحلقات تمثل بُعداً مهماً من أبعاد حياتها الباكرة، حيث بدأ ينمو في صدرها الناهد شعور دفين وأحساس صادق بقيمة الحب في الحياة، حباً يربو على هامات الغريزة وماديات الحياة البازخة، لأن غاياته المنشودة تتجلى في عشقها العذري لود البلد، ذلك الفتي الذي بادلها المشاعر، ورأت في جبينه علامات الوفاء، وبين جفنيه سحائب الوجد والصبابة الهاطلة، وقد صورنا لنا ذلك الواقع الأستاذ السر عثمان الطيب بخياله الخصب في لوحة أدبية فريدة:

الليله في يوماً صباحو صباح هنا
واحة عبير نغمة غنا
ريحة لبينه مقننه
مر الجنى وسلم على بت البلد
ذي عادتو سلم وأبتعد
تابعاه عين بت البلد
بت البلد سمعت ضريبات القلب
ياالله مالو ده ها القلب
بعد الثبات كيفن خرب
بت البلد عرفت تحب
***
واليوم داك وماجاها نوم
مادام خيال ود البلد يمشي يحوم
بين الخيال شافت وجيهو الهاش وباش
شافت عيونو الفيها فيض أحلامها عاش
شافت سحاب الريدة فوق واديها راش

أحلام مدينة "بت البلد" الفاضلة والمستقبل المجهول
تاهت بت البلد مع وجدها المكتوم، وشرعت تبني في عش زوجية حالمة على أطراف مدينة فاضلة شُيد أساسها على رمال رومانسية متحركة في أرض لا تؤمن بقيمة الحب، تصورت أن ود البلد تقدم إليها، وطلب يدها من حاج مُحُمد، ثم هيأت لهما الأيام متكأً عند محفل عُرس، فجلسا سوياً وقت الأصيل والشمس تحن إلى خدرها جهة الغروب ... تبادلا نظرات الوفاق، بعدها تصافحا معلنين زوجهما على عامة أهل البلد. فلا غرو أنها أحلام وردية غُرست في أرض نكدة وواقع مرير، تجسدهما المقاطع التالية:

الليلة تاهت مع الشوق الما عاد ينكتم
والصورة هاد في قليبه صبح وسم
تاهت مشت سايقاها دقات الدليب
لي دار حبيبها منى القليب
لي قعده عصراوية فوق العنقريب
لي الونسة والخاطر يطيب
لي مسكة في أيد الحبيب
***
الوقفة قدم الجنيات
القرمصيص وغنا البنات
ياالله وين تلقى الثبات
والصفقة من تال الولاد
تسمعها جاياها من أخر بلاد

تراجيديا العواطف وتقاليد الزمن الغادر
ثم بعد هذا المشهد الرومانسي ينقلنا الأستاذ السر إلى عرض حيثيات موقف حاج مُحُمد، وهو موقف شخصية معيارية في مجتمع تُلوى بين يديه صوالف الوجد والصبابة، وتُؤاد أحلام العذارى... مجتمع يكفر بقيمة حب، ولا يؤمن بأن للمرأة أحساس وعواطف ورغبات ذاتية تشد إليها نبلها... في ظل هذا الواقع التراجيدي يعقد حاج مُحُمد زواج ابنته خلسة من وراء حجاب مع العريس القادم بقطار الأحد، راجل موظف وعندو مال، وبذك يسدل الستار على مشاعر صادقة، كانت تود بت البلد أن تعيشها مع محبوبها ود البلد. حاولت بت البلد أن ترفض هذا العرض، لكنها قبلته كُرهاً عندما ...:

أتذكرت قول حاج مُحُمد والدها
حالف بي يمين ود البلد ما يخدها
لو كان ركع قدامها صلى يعبدها
***
أتذكرت قول حاج مُحُمد والدها
وصف العريس الجاي بقطر الأحد
كتَّر محاسنو عددها ....
راجل موظف عندو مال
يأويك في بيتاً حلال
تبقي لو أماً للعيال

بالرغم من أصرار حاج مُحُمد إلا أن بت البلد حاولت أن تقدم رفضها الحاسس بالدونية في ظل إحساس عميق بغلظ قيود الواقع المرير، وكآبة البدائل المطروحة، وعند هذا المنعطف تحطمت الأحلام الوردية التي حلمت بها بت البلد:

أتذكرت لمن أبت قول حاج مُحُمد والدها
كيف نهرها وكيف نهزرها
حالف بي يمين بيودرها
لو ما رضت بالجاي بي قطر الأحد
***
قاليها: ما عندك أدب
تعبان سنين فوقك تعب
بديك لي زولاً كعب
تربال عشتو عدم عدم
لو قاري لو ماسك قلم
لو أخديتو تندمي صح ندم
يشقيك يورك الألم

هنا شعرت بت البلد بقساوة الزمن الجائر، وبدأت تعيد ذكرياتها مع ود البلد لكن لا حياة لمن تنادي... آمنت بت البلد بقدرها المحتوم، أن تكون كماً مهملاً من أكوام الضياع في بلاد لا تقدر قيمة الأحاسيس والمشاعر، وألقت لواء التحرر عندما هاجر دو البلد بوجدانه وجسده بغية البحث عن لقمة عيش كريم لتأمين مستقبل المجهول، وواقع حالها يقول:

أتذكرت كيف الحبيب ود البلد
في الغربة سافر وأبتعد
بكت لمن الخبر زاع في البلد
أنو العريس قام بالأحد
***
الحلة جاطت والحريم يتهامسن جاي الولد
لكنهن ما عرفن الشوق كيف وقد
ما عرفن هي شوقها تب ما عندو حد
مو للعريس للحبيب ود البلد
دا الراح في زحمة ضياع ما توجد
يا حليلك إنت يا بت البلد

هكذا استشهدت ريحانة التجديد في بلاد لا تؤمن بقيمة الحب، وبذلك شكلت حلقة من حلقات المقاومة الصامتة، التي حملت لواءها من قبل أمونة بت الشيخ حمد عندما ألقت بجسدها العاذر في جوف النيل الخالد، رافضة الزواج من رجل بلغ من الكبر عتية، اختاره لها والدها الشيخ حمد على حساب مشاعر صادقة تبادلتها مع الحبيب ود البلد. هكذا انتصر حاج مُحُمد الذي كان يمثل واقعاً كلاسيكياً، يعيش على اجترار الماضي دون شرعة ولا منهاج، على ريحانة التجديد (بت البلد) التي حاولت الانفصال عن ذلك الواقع لكن دون جدوى... هكذا بفضل حاج مُحُمد وأعوانه ظلت العواطف بمثابة برعم نامٍ وضع عليه صندوق اجتماعي ذو ثقب واحد، يأتي منه الهواء والضوء، وعلى الريحانه التي بداخله أن تكيف مسار حركتها تجاه ذلك الثقب، الذي يشكل ضمان بقائها على قيد الحياة، لذا ظل مصير العواطف والوجدان معوج القوام لعدم استقامة أصله، وهذا الأثر نجده واضحاً في أشعار الأقدمين من شعراء الشايقية والبديرية أمثال إسماعيل: حسن، وخضر محمود، وإبراهيم ابن عوف، وفي أدبيات المحدثين أمثال: علاء الدين أبوسير، وحاتم حسن الدابي، والأخ الصديق: محمد على الحبيِّب.




من مواضيعي :
 

مشاركة الموضوع:


إنتقل إلى

عناوين مشابهه
الموضوع الكاتب القسم ردود آخر مشاركة
زواج فى قرية سودانية/متوكل طه محمد احمد متوكل طه محمد احمد السياحة في بلادي 7 21/08/2006 02:58 PM
من أنت؟ وكيف دخلت حياتي بلا استئذان/متوكل طه محمد احمد متوكل طه محمد احمد حواء و أسرتها 8 29/06/2006 11:36 AM
عريس ابنتي./متوكل طه محمد متوكل طه محمد احمد حواء و أسرتها 5 29/06/2006 11:34 AM
ماهى السعادة/متوكل طه محمد متوكل طه محمد احمد حواء و أسرتها 0 08/03/2006 06:01 PM


الساعة الآن: 01:46 AM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات