|
إسلاميات يهتم بكل ما يتعلق بالشريعة الاسلامية والفقه و المفاهيم الإسلامية الصحيحة |
|
خيارات الموضوع | ابحث بهذا الموضوع | طريقة العرض |
#16
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(15) توبة شاب تيجاني . يقول هذا الشاب : لقد ابتلاني الله عز وجل بالدخول في زمرة المتصوفة ، وفي أكبر الطرق الصوفية ، وأصعبها : ( الطريقة التيجانية ) ، وقد مكثت فيها مدة طويلة ، وكنت من المحبوبين والمقربين لدى شيخ الطريقة ( المقدم ) – أي خليفته – لأن كل ولاية لا بد فيها من مقدم يلقن الأوراد ، ويفتتح الجلسة . وعقيدة هذه الطريقة ، وما تحمله في ثناياها من الشرك والبدع لا تخفى على ذي بصيرة ، ومع ذلك فهي تعد من أكثر الطرق أتباعاً ، والكثرة ليست دليلاً على الحق ، بل هي في الغالب دليل على الضد من ذلك ، كما قال الحق تبارك وتعالى : ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ )) ( الأنعام : 116) . كما أن من أسباب كثرة أتباعها ، قلّة الخارجين منها ، وذلك أن كل مقدم يمنع مريده من مخالطة الناس ، ويقول لهم بخبث : إن فيهم سماً ، فلا تتكلموا معهم ، ولا تخبروهم بما تعملون ، فيؤدي ذلك إلى عدم معرفتهم للحق وتبصرهم فيه ، وإصلاح عقائدهم المنحرفة ، كما أن من يدخلها لأول مرة ، يجد في قلبه انشراحاً موهوماً ، لأنه – حسب تفكيره – لا يرى شيئاً يخالف الشرع المطهّر ، فهم يذكرون الله صباح مساء ، ويشربون الشاي ، ويمازح بعضهم بعضاً ، ويحب بعضهم بعضاً !! فيتعلق بهذا الأمر لجهله ، ويظنه حسناً ، ويظن أنه قد وجد الطريق إلى الجنة ، نسأل الله العافية . أما سبب خروجي من هذه الطريقة – ولله الحمد والمنّة – فقد كنت دائماً أدعو في سجودي : (( اللهم أرني الحق حقاً ، وارزقني اتباعه )) ، لأنني – في بعض الأحيان – كان ينتابني الشك في صحة منهج هذه الجماعة لما يسبغونه على أنفسهم من الفضل دون غيرهم ، وكأن الجنّة لم تخلق إلا للتيجانيين فقط . وذات يوم كنت جالساً في البيت وحدي أراجع نفسي ، وأتأمل حالي مع هذه الجماعة ، فإذا بي أجد نفسي تراوح في مكانها صباح مساء .. ذكر ، ومزاح ، والوقت يمضي ويضيع ، وأنا في غفلة عن مستقبلي ، وكنت أحب القرآن الكريم ، فعزمت على السفر لحفظ القرآن ، ومن توفيق الله عز وجل أني سافرت مع أخ كريم ، سلفي العقيدة ، تقي نقي – ولا أزكي على الله أحداً – فاستقر بنا المقام في إحدى زوايا مدينة تلمسان لتحفيظ القرآن .. وظهرت علائم الفرج تلوح في الأفق ، فهذا الأخ الكريم لم يكن من المنفّرين بل كان رفيقاً رقيقاً ، لم يهجرني مع علمه بأني من أتباع الطريقة التيجانية الضالة ، ولم يبدأ بالإنكار علي من أول وهلة ، بل عاملني بأحسن الأخلاق ، وكان المرة تلو المرة يذكرني بحديث ، دون أن يبين لي أنه يقصد الطريقة ، وفي بعض الأحيان كان يذكر لي بعض محاسنها ، لأنه ليس من السهل أن يتراجع طرقي أو قبوري عن طريقته ، ولو أردت نصحه لم يزدد إلا تمسكاً بعقيدته ، فلا بد من لزوم الحكمة واللين .. فكنت مرة بعد مرة أقف على بعض الآيات المخالفة لما كنت أعتقده ، فمثلاً قوله تعالى في آية الأعراف : (( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ )) ( الأعراف : 188)) . ونحن في الطريقة نعتقد أن المريد يدخل الجنة هو وأولاده ، وأولاد أولاده ، وزوجته إلا الحفدة ، ونعتقد بأنه من لم يطع الشيخ فإنه يضره ويهلكه ، والعكس فيمن أطاعه .. ! فبدأت الحيرة والتفكير والحسرة تنتابني ، وهنا تدخل ذلك الرفيق السلفي الصالح فبدأ ينير لي الطريق ، ويقدم لي الرسائل والنصائح ، ولم يأل في ذلك جهداً ، كما كان يدعو لي في سجوده جزاه الله خيراً ، فكان الفضل لله سبحانه وتعالى ، ثم له ، ومما ساعدني على ذلك أيضاً بعدي عن شيخ الطريقة ومريده . وبعد خروجي من هذه الطريقة ، كنت أقلق عند ما أرجع إلى المنزل ، لأن الشيخ كان يطلبني باستمرار ، وكان يعرف أبي ، فكنت أتحرج من مواجهته ، لأنه شيخ كبير . أما بعض المريدين فقد علموا بأني قد خرجت من زمرتهم ، فبدؤوا يظهرون لي العداوة والبغضاء كما هي سنة الله عز وجل في كل من سلك طريق التوحيد ، ونبذ الشكر وأهله ، والآن قد أكملت حفظ كتاب الله عز وجل ، وعزمت التفرغ لطلب العلم الشرعي الصحيح أنا وأخي ذلك الرفيق الطيّب ، وإني أنصح كل شاب مسلم بالحذر من هذه الطرق الصوفية المبتدعة فما ثمة إلا طريق واحد فقط طريق محمد صلى الله عليه وسلم . |
#17
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(16) توبة امرأة من إتيان العرافين والكهنة . ورد في الحديث الشريف : (( من أتى عرّافاً فسأله عن شيء ، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً )) ( ) ، وفي حديث آخر : (( من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول : فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم )) ( ) . قال العلماء في الجمع بين هذين الحدثين : من أتى كاهناً أو عرّافاً ولم يصدقه ، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ، فإن صدقه ، كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن تاب ، تاب الله عليه . تقول هذه التائبة : تزوجت في السابعة عشرة من عمري ، وأنجبت بنتاً واحدة .. عشت حياة ترف مع زوجي : حفلات .. سهرات .. تبرج .. نسينا الله والدار الآخرة ، وجعلنا الدنيا وملذّاتها صوب أعيننا ، وزينها لنا الشيطان فكانت في أبهى زينتها .. ومضت الأيام ، والأعوام ، ولما بلغت ابنتي اثني عشر عاماً ، تاقت نفسي للإنجاب مرة ثانية ، واتفقت أنا وزوجي على ذلك ، فكان الحمل ، لكنّ حملي هذه المرة لم يكن طبيعياً ، ففي كل زيارة للطبيب يقول لي : إن حملك هذا غير سليم ، ولمن يمر هذا الشهر إلا وسيحدث لك إجهاض !! . صُرفت لي أدوية كثيرة ، وحقن ، و .. و... لكن زوجي لم يكن مطمئناً .. فأخذ يتلفت يميناً وشمالاً ، وفوجئت به مرة يقول لي : لقد وجدته ، إن يده مباركة ! ، وما إن يعمل لك عملاً حتى ينجح فيه ، تعالى نزوره . وذهبت معه إلى ذلك الرجل ، كان عرافاً ، وما إن مثلت بين يديه حتى بدأ العمل : بخور ، وكلمات ، وهمهمات ..لم أفهم منها شيئاً .. المهم أن كل ما طلبه مني قمت بعمله ، لكن الآلام لم تبرح تعاودني بشكل مستمر ، ولما زرت الطبيب لأسأله مرة ثانية ن قال لي مثل ما قال لي في المرة الأولى : انتظري إجهاضاً .. ثم عرض علي حقناً تساعد على تخفيف الألم .. فكنت أرفض بشدة ، وأعيد زياراتي للعراف الفلاني ، والكاهنة الفلانية ، هذا بالبخور ، وذلك بالتمائم ، وتلك بأعمال مختلفة من ضروب الشعوذة ، حتى ضاق صدري واختنقت ، ولم أعد أطيق الصبر ، وبدأت تترآى لي في المنام أحلام مزعجة لا أفهمها ، ولا أحرص على تفسيرها .. باختصار ، عشت حياة يائسة كادت أن تقودني إلى الجنون .. وفي لحظة شعرت وكأن الزمن قد توقف .. أخذت بكل تلك التمائم وألقيتها أرضاً ، ورفعت يدي إلى السماء .. وقلت بصوت مسموع والدموع تملأ عيني : (( سلمت أمري لك يا رب ، فأعني )) . . وما هي إلا أيام حتى هدأت العاصفة .. لا ألم ، ولا نزيف ، ولا وساوس .. أحسست باطمئنان غريب في نفسي .. قمت فاغتسلت وتطهّرت ثم صليت ، فكانت أول صلاة لي منذ زمن طويل .. وأحسست براحة عجيبة ، وارتاح من حولي ، وزرت الطبيب ، فاندهش لحالي ، وقال لي : ماذا فعلت ؟ قلت : لا شيء سوى أني توكلت على الله ، ومن توكل على كفاه . انتهت مدة الحمل ، وأنجبت بنتاً مكتملة الخلق ولله الحمد ، وداومت على صلاتي من غير أن أطبق شيئاً آخر من تعاليم الإسلام من حجاب أو غيره ... ولما بلغت بنتي العامين ونصف العام بدأت تتحدث بطريقة عجيبة ، كانت تقول ماما ماما ، أتحبين الله ؟ فأجيب : نعم ، بالطبع ، فتقول : ماما ، إن الله يحبّنا إذا أعطانا الخبز والبيض والماء .. ! ومرة قالت : ماما ، صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت : إنه جميل جميل جميل .. أعدتها عدة مرات ، فقاطعتني قائلة : إيه جميل !! ماما ، لا تقولي جميل ، قولي : ( منَوَر ) . وهي كلمة عاميّة في الجزائر ، مشتقة من النور ومعاني أخرى عدة .. كلمات كثيرة كانت تقولها ، أظل أياماً أفكر فيها ، وبعد أن رويت لإحدى أخواتي عن طريقة حملي ، وعن كلام ابنتي ، أهدتني كتاباً عن الدعاء في السنّة ، تعلّمت منه الكثير ، ونصحتني بالحجاب ، فارتديته . ودخلت المسجد لأول مرة ، وتعرفت على الصحبة الصالحة ، التقية النقية ، التي تخاف الله ، فكان ذلك عوناً لي على معرفة ديني بطريقة لو عرضت على الكفار لدخلوا في دين الله أفواجاً .. ويكفيني منهم الكلمة الطيبة ، والابتسامة الصادقة التي يلقونني بها، وحقاً إن تبسمك في وجه أخيك صدقة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم . ثم بدأت الجهاد في بيتي مع زوجي وبناتي ، والحمد لله ، فمنذ شهور قليلة فقط بدأ زوجي يعرف الطريق إلى المسجد ، أما ابنتي الكبرى فقد ارتدت الحجاب ، وهي من المستمعات المطيعات ، فهي تقرأ معي الكتب التي أستعيرها من المسجد أو من بعض الأخوات الصالحات ، وقد اقتنعت أخيراً بحرمة الغناء ، واجتنبته بلا جدال ، وكذا أشياء أخرى لا تعد ، فلله الحمد والمنة ، أولاً وآخراً . |
#18
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(17) توبة فتاة من شرك المعاكسات تقول هذه الفتاة : أنا فتاة في الخامسة عشرة من عمري : كنت أعيش حياتي بشكل طبيعي ، سواء الأسرية أو الاجتماعية أو المدرسيّة ، وقد تجاوزت المرحلة الابتدائية – ولله الحمد – بخير وسلام ، ولم أتأثّر بشيء كان يحصل آنذاك ، وأظنّ أن السبب في ذلك هو صغر سنّي ، وعدم فهمي للحياة على حقيقتها ، فما بدأت حياة الضلال والتخبط والجهل إلا في المرحلة المتوسطة ، كنت أضل يوماً بعد يوم بشكل غير واضح ، ودون أن أشعر بذلك ، كانت البداية بعض المعاصي الصغيرة التي لا يعاقب عليها الشرع بشدة ، إلى أن وقعت في ذنب كبير أحسست بأن نفسي قد احترقت بسببه ، وكانت الخطوة الأولى مكالمة هاتفية من مجهول ، كنت في تلك الليلة وحدي في غرفتي أذاكر دروسي ، أختي كانت نائمة ، وأخي كان في مدينة أخرى ، ووالدي غير موجود ، أما والدتي فلم يكن همّها إلا حضور المناسبات والحفلات والتجمّعات النسائية ، مما شغلها عن أمور بيتها ، المهم أنني كنت وحدي أذاكر دروسي في جو من الهدوء والسكينة والطمأنينة ، وكنت حقاً أذاكر رغبة في طلب العلم ، والله يعلم ما في نفسي .. وفجأة ... رنّ جرس الهاتف .. ولم يكن أمامي إلا أن أردّ عليه ، فليس في البيت غيري وأختي النائمة ، فإذا بصوت ذئب من ذئاب البشر ينبعث من سماعة الهاتف ، يخاطبني بأرق عبارة ، لم أعتد ذلك قط ، لذا شعرت بشيء من الخوف والرهبة تسري في أوصالي ، حتى لو كان غرض ذلك المتكلم شريفاً . قال لي : أهذا بيت فلان ؟ قلت : لا .. النمرة خطأ .. وهو يعلم أن النمرة خطأ ، حتى صارحني بذلك ، ثم طلب مني أن أكلمه .. فقلت له : وماذا تريد ؟ قال أريد التعرف عليك ! . في البداية رفضت هذا الأمر بشده ، فأنا لم أعتد هذا النوع من المكالمات ، ولم أجرّبها من قبل ، مع أن بعض زميلاتي في المدرسة كن قد جرّبنها كثيراً ! حتى إنّي كنت أتحاشى الجلوس معهن ، وما كنت أظن أنني في يوم من الأيام سأصبح واحدة منهن .. إحداهن كانت تدرس معي في نفس الفصل .. أخبرتها بالأمر طالبة المشورة – و بئس المستشار – فلم تتردد في تشجيعي في السير في ذلك الطريق بكل عزم وإصرار ، لا سيّما وأن هذا الأمر بالنسبة لها شيء هيّن ، أما أنا فهو عندي شيء غريب لا أعرفه ، ولم أجرّبه قط في حياتي .. الشيء الغريب الذي أستغربه من نفسي هو : كيف أنّني استمعت إلى نصائحها الشيطانية ، مع أني أخاف هذا النوع من المكالمات الهاتفية خوفاً شديداً .. حقاً إنه شيء غريب .. لا أدري أين ذهب عقلي آنذاك .. لقد نسيت مراقبة الله لي ، بل لقد نسيت نفسي ، حتى غاب عني الشعور بالخوف من الله ، وزالت عني الرهبة من تلك المكالمات فأصبحت وكأنها شيء لا حرج فيه ، أو كما صورته لي صديقتي أنه مجرد لهو ، وتسلية ، وتنفيس عن النفس !! ، ونسيت المصادر الأساسية الواجب تحكيمها ، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كل ذلك غاب عني في تلك اللحظات ، وبما أنني قد عرفت أن هذا الشيء منتشر بين الشباب والفتيات ، قلت في نفسي : ولِمَ لا أجرّب ذلك ، فربما أجد فيه السعادة التي أبحث عنها .. . وبالفعل .. بدأت علاقتي الهاتفية مع ذلك الشابّ ( الذئب ) ، فكنت في كل صباح أنقل لزميلتي في المدرسة كل ما يجري بيني وبينه من أحاديث وأحداث ، فكانت تشجعني ، وترشدني إلى بعض الأقوال والتصرفات ، وأنا أنقل له على لساني ما كانت تقول لي ، حتى إني بعد توبتي وتذكري لتلك الأيام شعرت وكأني كالبلهاء أسمع كلامها ، أو كالخاتم في يدها تديره كيف شاءت .. وفي يوم من الأيام ، وأثناء ما كنت أحكي لصديقتي ما دار بيني وبين ذلك الشاب من حوار ليلة أمس ، سمعتني إحدى صديقاتي الصالحات ، فامتعض وجهها ، وحاولت نصحي ، وإبعادي عن تلك الصديقة ، كنت في بعض الأحيان أشعر بشيء يشدني ويدفعني إلى سماع نصائحها وتصديقها ، لكن تأثير صديقة السوء كان أقوى ، فما كان من تلك الأخت الفاضلة – بعد أن عجزت عن تقويمي – إلا أن أخبرت أختي التي تكبرني في السن ، وتفوقني خبرة في الحياة ، ومن رحمة الله بي أن أختي هذه كانت من النوع الذي يحافظ على الأسرار ويكتمها ، فرأت أن تنصحني قبل أن تخبر أبي وأمي ، فكانت تقص عليّ بعض القصص التي تبين أضرار هذه المكالمات ومخاطرها ، إلا أن لم أكن أصدق ذلك ، فقد كانت تلك الصديقة ( صديقة السوء )) تقف هي والشيطان حاجزاً منيعاً يحول دون وصول صوت أختي إلى أذني أو بالأصح إلى قلبي ، إلا أن أختي لم تيأس من صلاحي ، فكانت تبذل قصارى جهدها لإنقاذي من الحفرة التي وقعت فيها ، والتي حفرها لي شياطين الإنس ، والعناد إلى أن جاءت لحظة الهداية ، كانت قاسية جداً ، بل كانت فاضحة .. ففي يوم من الأيام .. وبينما كنت مشغولة بمكالمة ذلك الشيطان الإنسي إذ بأخي الأكبر الذي عاد من سفره يستمع إلى المكالمة بكل إنصات .. يا للفضيحة .. في تلك اللحظة شعرت بأنني قد انتهيت فعلاً .. ذبت خوفاً وخجلاً .. لا أكون كاذبة إذا قلت إن ذلك الشعور ليس خوفاً من أخي وردة فعله ،أو إخباره لأهلي ، إنما كان ذلك خوفاً من الله عز وجل وحياء منه ، وندماً على تلك الأيام التي ضيّعتها في غير طاعة الله عز وجل ، وشغلتها بالمعاصي والذنوب .. المهمّ أنّني بعد تلك الحادثة عزمت على التوبة النصوح ، وترك كل ما يخدش ويجرح إسلامي ، وإيماني ، والعمل على ما يرضى الله دائماً ، والشعور بمراقبته في كل أمر وحين . وإنّي أعتقد أن من أسباب ضلالي وانحرافي ما يلي : أولاً : سنّ المراهقة ، فلا شك أن هذا السن يساعد على الانحراف ، لا سيما في غياب التوجيه السليم ، والقدوة الحسنة .. ثانياً : رفقاء السوء، وكما في المثل ( الصاحب ساحب ) ، يسحبك إلى ما هو عليه من خير أو شر ، ويجعلك مثله . ثالثاً : انشغال الأهل عن أولادهم ، وإهمال مراقبتهم ومصاحبتهم ، وهذا ما حدث لي تماماً ، لولا ما حصل من أخي وأختي جزاهما الله خيراً .. وأخيراً فإني أحمد الله عز وجل على هدايته لي بعد الضلال الكبير الذي عشته ، وانحرافي عن الصراط المستقيم ، ولو أن النهاية كانت قاسية ومؤلمة كما يظهر لبعض الناس ، لكنها أفضل من قسوة وعقوبة الآخرة .. |
#19
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(18) توبة فتاة صوفية . الصوفية المعاصرة ليست هي الصوفية القديمة الأولى التي هي بمعنى الزهد في الدنيا والإعراض عنها وعن ملذّاتها ، فالتصوف في هذا العصر أصبح قريناً للشرك بالله عز وجل ، والتعلق بالقبور والأموات ، وتقديس الأشخاص ، على حساب حرية العقل والفكر ، ومخالفة الكتاب والسنة ، وفي هذه القصة أنموذج لجيل الآباء وما يحمله من موروثات خاطئة ، وجيل الأبناء وما يحمله من وعي كبير ، وفكر مستنير ، وإن كان العكس أحياناً قد يحصل ، لكن هذا هو الغالب في زمن التخلف .. تقول هذه الفتاة . . هذه فرصة أنتهزها للكتابة إليك .. نعم ، هي فرصة عجلى ، والقلب ممتلئ بالآهات .. وألفاظ اللسان قصيرة الباع ، فما على المريض من حرج . لكنّي - والحق لا يعرف المداراة – صابرة على بلائي ، على الرغم من طول علّتي ، وقد دفعني شغفي إلى الإطلاع ، وحبّي لمتابعة ما يجوب الأسواق من المؤلفات السلفيّة القيّمة ، التي تذبّ عن مذهب أهل الحديث ، مع ضعف الحالة الماديّة – كل ذلك دفعني إلى مراسلتكم لاقتناء مجموعة من الكتب العلميّة التراثية التي أنا في أمسّ الحاجة إليها ، لا سيّما وأنّ أبى – هداه الله – مرجع من مراجع الصوفية ، وله في ميدان التصوّف صولات وجولات ، ولديه مكتبة بها كتب كثيرة للشعراني وابن الفارض ، وابن عربّي ، فضلاً عن كتب أبي حامد الغزالي والقشيريّ والمحاسبيّ وغيرهم من أئمة الصوفية ، وكتب أخرى تُرسل إليه بصفة مستمر من بعض المؤسسات الصوفيّة في العالم الإسلامي ، منها على سبيل المثال كتاب (( تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد )) للمطيعيّ ، و ( التوسل بالنبيّ وجهلة الوهابيين ) لأبي حامد مرزوق ، وغيرها ، وكلها كتب ، تنضح بالشرك والضلال ، ومحاربة العقيدة السلفية النقيّة ، والتلبيس على الناس .. وكان أبي يحرص على تعليمنا – أنا وإخوتي وأمي – مبادئ التصوّف ، وكنت إلى زمن قريب ممن يحافظون على أوراد الطريقة وأذكارها ، وقراءة تلك الكتب الصوفية ، وبخاصّة في الإجازة الصيفية ، حتى إني كنت مولعة بقراءة كتب الطبقات والمقامات الخاصة بمن يسمونهم الأولياء ، وخاصّة الشعراني : الطبقات الكبرى والصغرى ! .. وبينما أنا ذات يوم أصلّي بمسجد الكليّة الظهر إذ رأيت مع إحدى زميلاتي كتاباً بعنوان : ( هذه الصوفيّة ) لفضيلة الشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله ، فاستعرت منها الكتاب وقرأته وأنا متخفيّة مخافة أن يراني أبي ، ثم عرفت من هذه الزميلة أن الدكتور الفلاني هو صاحب هذه النسخة ، فذهبت إليه وناقشته بخصوص موضوع التصوّف والكرامات والكشف والإلهام .. وعن الخضر عليه السلام ومواقفه التي كان يحدثنا عنها أبي .. فحرص الدكتور على إعطائي نسخة من كتاب للدكتور جميل غازي رحمه الله ، بعنوان : ( الصوفيّة ، الوجه الآخر )، ثم أعطاني كتاباً آخر للداعية السلفي كما حدثني عنه الدكتور : الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله ، فعلمت بعدها بأن الطريق الذي عليه أبي ليس هو طريق أهل السنّة والجماعة ، وعزمت على التزوّد بسلاح العلم والمعرفة ، والاطلاع حول هذه القضية المهمّة ، المتعلّقة بالاعتقاد حتى هداني الله عز وجل إلى الاعتقاد الصحيح ، اعتقاد أهل السنة والجماعة وسلف الأمة ، وإني أنصح شباب الأمة بأن يعيدوا النظر فيما ورثوه عن الآباء والأجداد من اعتقادات وتصوّرات ، فإن كان موافقاً للكتاب والسنة فالحمد لله ، وإلا فليضربوا به عرض الحائط ، وليستعينوا في ذلك بالعلماء الربّانيين الصادقين ، الذين تحرّروا من ربقة التقليد والتعصب الأعمى ، سواء كانوا من الأحياء أو الأموات ، والحمد لله أولاً وآخراً .. |
#20
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(19) توبة فتاة متبرجة تقول هذه الفتاة : تسع بنات وخمس ذكور هم عدد أفراد أسرتي بالإضافة إلى الوالدين .. كان همّ الوالدة الأكبر هو تزويج البنات التسع ، وقد شاع في مجتمعنا الفاسد أنّ البنت لكي تجد عروساً لا بد أن تتعرى باللبس القصير ! ، وتتجمل بالماكياج ! وتصفّف شعرها على أحدث خطوط الموضة !! عشنا الفساد بأكمله .. تزيّنا .. وخرجنا بأحدث زينتنا ، وكنا فرائس لذئاب بشريّة .. هذا بنظرة ، وذاك بكلمة .. وكل على شاكلته .. في ذلك الوقت ، لم نكن نعرف من الإسلام سوى الأركان الخمسة فقط ، وليتنا عملنا بها .. إلا أن ظاهرة بدأت تظهر بين الفتيات آنذاك ، الواحدة تلو الأخرى ، إنها ظاهرة لبس الحجاب .. كنت أرى تلك الفتيات وأنا جدّ محتارة إلى أن قررت إحدى أخواتي الثمان لبسه فلبسته .. في بادئ الأمر رحبّت به العائلة ، ثم لم تمض أيام حتى بدأت مضايقة الأم لها ! وذلك لما تسمعه من الجيران وخالاتي بأنّ من تتحجّب لن تتزوج ! ، وكلّهم يقول : إنها ربما ارتدت الحجاب لعاهة تريد إخفاءها ! ، فجنّ جنون أمّي ، وبدأت في مشاكستها بكلّ ما تملك ، حتّى أصبحت تناديها بـ ( المسلمة ) ! استهزاءً بها ، حتّى وصل الأمر إلى الضرب في كثير من الأحيان ! ، أمّا أنا فأرجو الله المغفرة ، فقد كنت من أجل أن أفوز برضى أمّي أبالغ في التجمّل والتبرّج ، فكانت تعيرها بي ، وكنت دائماً محل تقدير وثناء .. ومرّت سنتان أو ثلاث وأنا على هذه الحال ، وفي يوم 19 جانفي 1987م ( 1407هـ ) خرجت مع بعض زميلاتي في نزهة (!) ، وفي الطريق مررنا بكنيسة ، وبعد مشاورات قرّرنا الدخول .. فوجدنا العديد من النصارى يصلّون صلاتهم ( هداهم الله جميعاً ) . .خرجت وأنا أحسّ بشيء ما يعتلج في صدري ، لم يعجبني حالي .. وهالني تمسّكهم بدينهم المحرف ، وخشوعهم في صلاتهم ( ) . . . أشياء عدّة لا أستطيع حتّى التعبير عنها ، وفي يوم الجمعة 21 جانفي – وهذا اليوم لا أنساه أبداً – كنت منهمكة في غسل الأواني ، فإذ بي أسمع حديثاً كان يدور بين أخواتي ، حيث ذكرت إحداهنّ أنّها رأت البارحة في منامها أن القيامة قد قامت ، ثم بدأت تصف ما رأته من أهوال وشدائد .. ارتجف قلبي بشدّة .. تركت ما في يدي ودخلت عليهنّ الغرفة ، وحلفت يميناً إن هي أعطتني حجاباً أن ألبسه غداً ، وأواظب على الصلاة ولا أتركها أبداً .. والله شهيد على ما أقول ، فأحضرت لي أختي حجاباً ، فعقدت العزم على لبسه وأنا على مائدة العشاء .. قلت لأبي : أودّ أن ألبس الحجاب غداً إن شاء الله ! .. صمت قليلاً ، ثمّ قال : موافق ، لكن بشرط . قلت : ما هو . قال : ألّا تنزعيه أبداً .. فقلت : موافقة . نظرت أمي إليّ نظرة طويلة ولم تقل شيئاً ، لأن الكلمة الأولى والأخيرة في البيت كانت لوالدي . لم أنم تلك الليلة ، لا أقول من شدة الفرح ، وإنّما خوفاً من الغد .. حامت حولي وساوس الشيطان .. أسئلة كثيرة كانت تدور في مخيّلتي : لمَ تدفني نفسك بهذا الثوب ، وأنت دائماً تحبيّن الانطلاق ، وتعشقين الجمال . .ثيابك . .شعرك .. قدّكِ .. لم تخفين كلّ هذا ؟ نهضت باكراً ، وارتديت الحجاب .. كانت خطواتي متثاقلة ، واحدة للأمام ، والأخرى للخلف .. الأولى تقول لي .. تقدّمي والله معك ، والثانية تقول : لمَ تفعلين هذا ؟ وزينتك ، وجمالك .. ! استعذت بالله من الشيطان ، وخرجت .. الجميع جاؤوا يهنّؤنني على هذا القرار .. لن أنسى أبداً ذلك اليوم ، جلّ زميلاتي جئن في أحلى لباس ، وآخر موضة تسريحة شعر ، فبقيت أنظر حائرة في أمري ، لكن الله عز وجل لم يتركني ، بل هيّأ لي مجموعة من الأخوات الصالحات انتشلنني من بحر الندم والضياع إلى عالم لا حدود له ، عالم آخر ملائكي .. فاخضرّت الحياة في وجهي وأزهرت ، ثم أنعم الله عليّ فحملت المصحف وحفظت ما تيسّر منه ، ودخلت المسجد .. فتحت الكتب أمامي في العقيدة والفقه والحديث والسيرة ، وحتّى الأناشيد الإسلامية .. كلام طيب .. علمت بتحريم الغناء ، ومصافحة الأجنبيّ ، وإظهار الزينة ، فإذا الحلال بيّن ، والحرام بيّن ، وحتّى الوالدة الكريمة بعد أن تحجّبت بناتها التسع ، وبدأنا نُسمعها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه سلم الشيء الكثير ، تغيّرت كثيراً ، وأصبحت الصدر الحنون لنا ولزميلاتنا في المسجد ولله الحمد والمنّة ، أمّا موضوع الزواج ، فقد كان الأمر على عكس ما كانت تعتقد ، فقد تزوج سبع بنات من التسع من إخوة صالحين ، وبقيت اثنتان ، وهما على وشك الزوج إن شاء الله . أمّا أنا فقد أخذت مكاني في المسجد عوضاً عن الشوارع والأسواق ، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله . . |
#21
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(20) توبة فتاة من ممارسة الرياضة المحرّمة تقول هذه الفتاة : أنا فتاة في المرحلة الجامعية ، عشت في أسرة مسلمة محترمة ، تحبّ الدين ، وتواظب على الفرائض .. فكت أواظب على الصلاة في سنّ مبكّرة من حياتي ، حتّى انتقلت إلى المرحلة الإعداديّة ، عندها بدأت المشكلة ، فقد تعرّفت على معلّمة الرياضة ! وأحببتها كثيراً – طبعاً ليس لله – وأحببت الرياضة كذلك ، فبدأت بممارستها ، وتعلقت بها كثيراً ، فصارت جزءاً لا يتجزأ من حياتي ، حتّى إنّي أمضيت سبع سنوات من عمري في التدريبات والبطولات (!) ، وكنت أتشاجر مع أهلي من أجل الرياضة ، وأسدّ أذني عن سماع نصائحهم لي ، لأنّي آنذاك لم أكن أر إلا شيئاً واحداً فقط ، هو الرياضة ، ثمّ تمكّن الشيطان منّي ، فلبست البنطال القصير ( الشورت ) ، والضيّق ، وقصصت شعري كالرجال ، وكلّ ذلك رغماً عن أهلي .. والدتي عند ما تراني بالشورت كانت تنصحني ، وأحياناً لا تقول شيئاً (!) لكنّي أعرف أنّ هذا لا يرضيها ( ) ، ويشاء الله عزّ وجلّ – رحمة بي – أن أمرّ بظروف قاسية اضطرتني إلى ترك الرياضة ، فتركتها، وقد عرفت بعد أن هداني الله أنّ هذه الظروف كانت نعمة وليست نقمة ، فبعدي عن الرياضة جعلني أتذكّر الله عزّ وجلّ ، وأبتعد تدريجاً عن سماع صوت الغناء إلى سماع ما يرضى الله ، وتركت مشاهدة الأفلام والمسلسلات التافهة المنحطّة ، وبدأت أفكّر بلبس الحجاب ، والظهور بمظهر محتشم بعيداً عن التبرّج والسفور المحرّم ، وشعرت بأنّ الرياضة ( ولو كانت منضبطة بضوابط الشرع ) شيء تافه لا يستحقّ أن تُصرف فيه جلّ الأوقات ، لكنّ هذا التفكير لم يتحوّل إلى عمل إلا بعد أن شاهدت منظر الموت بعيني ولأوّل مرّة ، حيث توفي جدّي رحمه الله ، وغُسّل وكُفّن وأنا أشاهد هذا المنظر ، فاهتز كياني كلّه ، وجعل قلبي يخفق بقّوة خوفاً ورهبة ، وقادني ذلك إلى التفكير ، وتذكّر أمور كثيرة كنت أعرفها من قبل ، لكنّي لم أكن أعيرها أيّ اهتمام ، كالموت وسكرته ، والقبر وضمّته وعذابه ، والحساب وشدّته ، كلّ ذلك قادني فيما بعد إلى التوبة النصوح ، والندم الشديد على الأيّام التي ضاعت من عمري سدى ، وأنا الآن أرتدي الحجاب الشرعي ولله الحمد ، وأواظب على الصلاة ، وأستمع إلى نصائح والديّ ، وأفكّر كثيراً في الموت وما بعده من أهوال القيامة ، وأتوق كثيراً إلى سماع آيات الله عزّ وجلّ ، وسماع كلّ ما يقرّبني إلى الله . أختكم في الله من سوريا |
#22
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(21)
توبة شاب مسلم اعتنق النصرانية يقول هذا الشاب في رسالة وجّهها إليّ شخصياً : أخي الفاضل ... إنّ لساني يعجز تماماً كيف يشكرك على كتابك القيّم الذي يغسل القلوب ، ويغيّر النفوس ، كتاب (( العائدون إلى الله )) الذي تحصّلت عليه من طريق أخلص وأوفى مؤسسّة ، إنّها مؤسسة الحرمين الخيريّة ، واللهِ لمّا قرأته تأثرت به كثيراً ، وبكيت طويلاً ، وتذكّرت ذنوبي الكثيرة .. فأنا لم أترك نوعاً من الفواحش إلا اقترفته ، ولا ذنباً تتخيله إلا ارتكبته ، من أصغر ذنب إلى أكبره وهو الكفر بالله ، حيث أنّني في لحظة غضب وضعف وإغراء اعتنقت النصرانية . نعم ، اعتنقت النصرانيّة ، وذلك بسبب مشكلات عدّة كنت أعيشها .. ولا زلت أعيشها .. فأنا شاب في الحادية والعشرين من عمري ، متحصّل على شهادة (( مساعد محاسب )) لكنّني بدون عمل ، وهذا ما دعاني إلى اعتناق النصرانية ، حيث إنّي أعيش مع عائلة محافظة متدينة كثيرة الأفراد ، لكنّها بسيطة ومحتاجة إلى أبسط الضروريات .. أخي الأكبر متزوّج ، وله ثلاثة أطفال ، يعمل لدي عمّي في محلّ تجاري ، وهو المعيل الوحيد لنا بعد الله ، أمّا أبي فهو مريض بالسكّري ، ضعيف الجسد ، لا يقوي على العمل .. تخيّل عدداً كبيراً من الأفراد يعيش في بيت صغير ليس به سوى ثلاث غرف !! كلّ هذا وعائلتي راضية تماماً بهذه الحياة إلّا أنا وأخي الذي يكبرني بسنتين فلم نكن راضيين بمثل هذه الحياة .. لأنّ أقاربنا – وبخاصّة بني عمّنا – يعيشون في رفاهية تامّة ، وطلبات أبنائهم أوامر تنفّذ على الفور إلا نحن ، وهذا ما ولّد الغيرة والحسد في قلوبنا أنا وأخي ، ولكي نحسّن من حالتنا المادية بحثنا عن عمل ، لكنّ العمل غير متوفّر لأمثالنا ، ومن العسير جدَاً أن نجد عملاً دون وساطة من أحد، أو تقديم رشوة .. وعند ما يئس أخي من الحصول على عمل ، سلك طريق الحرام ، وبدأ يتاجر بالمخدرات سرّاً دون علم أبي وأخي الأكبر ، وأنا – يا لغبائي – كنت أشجعه على ذلك لأنّه كان يعطيني بعض الأموال التي يجنيها . واستمررت في البحث عن عمل زمناً طويلاً ، ولكن دون جدوى .. وفي يوم لا أنساه أصيبت والدتي الحبيبة بالمرض الخبيث ( مرض السرطان ) ، فقد أنشب أظفاره بجسدها ، فلم يمهلها سوى ستّة أشهر، وتأثّرتُ بموتها كثيراً ، واشتدّ الغضب في نفسي ، واسودّت الدنيا في عيني ، واشتعل القلب غيظاً ، ولعنتُ اليوم الذي تزوّجت فيه أمّي بأبي الفقير ، ولعنت اليوم الذي وُلدتُ فيه ( ) ، فوالله ما كنت أبحث عن عمل إلّا من أجل والدتي ، لكي أعوّضها ما حُرَمَتْ منه ، حيث إنّها – رحمها الله – لم تعش حياتها مثل باقي زوجات أعمامي أو باقي الأمّهات .. لقد كانت محرومة من كلّ شيء ، كانت لا تأكل طعاماً حتّى تتأكّد أنّنا جميعاً قد أكلنا ، وفي بعض الأحيان تنام على لحم بطنها ، لأنها لم تجد ما تأكله ، وكانت لا تشتري لنفسها أيّ شيء حتّى تتأكّد أنّه لا ينقصنا أيّ شيء ، مع العلم أنّه ينقصنا كلّ شيء .. صدّقني ، وأقسم لك بالله العظيم أنّها كانت تلبس بعض الألبسة التي كانت لديها منذ الاستعمار الفرنسي .. ! ولقد كان موتها قبل أن أحقّق لها ما كنت أحلم به لها وأعدها من أسباب ما تولّد في نفسي من الحقد والكره لأعمامي الأغنياء، الذين لم يساعدونا أبداً ، وهم يعلمون بحالنا ، وكرهت حتّى أبي الذي لم يكن مهتماً بأمّي رحمها الله ، ولم يكن يبالي بحالها الذي يرثى له حتّى إنّه بعد موتها اعترف بأنّه كان مقصّراً في حقها .. . المهمّ أنّني بعد موت والدتي خرجت أبحث عن عمل ، وكالعادة لم أجد ، لكنّي لم أيأس ، وفي يوم من الأيّام ذهبت إلى مؤسّسة وطنية لأبحث عن وظيفة ، ودخلت على مدير المؤسّسة ، وبمجرّد دخولي عليه نظر إليّ نظرة غريبة من الأعلى إلا الأسفل ، ورحّب بي ترحيباً لم أكن أتوقّعه ، ظننت في البداية أنّه يعرفني أو يعرف أحداً من عائلتي ، ولكنّ ظنّي كان خاطئاً ، وسرعان ما كشف عن نواياه الخبيثة ، حتى بدأ يتكلّم عن شكلي ، وعن وسامة وجهي ، وأمور يستحي المرء من ذكرها ، وفهمت ما يريد ، وكان الأمر كما فهمت ، فقد بدأ يساومني كالشاة في جسدي مقابل المال والعمل ، فلم أتمالك نفسي حتّى شتمته وأسمعته ما يكره ، وربّما ما لم يسمع في حياته كلّها . .وخرجت وقلبي يملؤه الحسرة والألم ، والدموع تنهال على خدّي .. وفي اليوم نفسه التقيت بصديق أخي الذي يتاجر بالمخدرات ، فاستفسر عن حالي ، فأخبرته بكلّ ما حدث ، ودار حوار بيني وبينه ، فاقترح عليّ مراسلة إحدى الإذاعات النصرانية المعروفة ، وطلب المساعدة منهم ، ومن خلال كلامه عنها أحسست بأنّه على علاقة بها ، وأنّه قد اعتنق النصرانيّة ، وهذا من خلال التغيّر الذي طرأ عليه ، المهمّ أنّي أخذت منه عنوان تلك الإذاعة ، وراسلتها طالباً المساعدة ، ورويت لهم كلّ ما حدث لي بسبب العمل ، وحالتنا الماديّة المزرية ، وبعد مدّة قصيرة وصلني الردّ منهم ، حاملاً في طيّاته كل معاني الترحيب والقبول ! واستمرّت المراسلات بيننا والمكالمات الهاتفية ، وأرسلوا لي عدّة مطبوعات وكتب تنصيريّة ، ثمّ جاءت الرسالة التي طلبوا منّي فيها اعتناق النصرانيّة ، والالتحاق بمدرسة روحية في فرنسا لدراسة الدين النصراني ، ووعدوني بأن يتكفّلوا بجميع مصاريف إقامتي ودراستي هناك ، وبدون تردّد قبلت ، وأعلنت عن دخولي في النصرانيّة ، لأنّني سئمت البطالة والفقر والحرمان ، وفي ظني أني لو بقيت عشرين سنة إلى الأمام لن أجد عملاً . واكتشفت عائلتي الأمر ، وعارضتني بشدّة ، حتّى أخي الذي يتاجر بالمخدّرات عارض فكرتي ، وبما أنّني كنت سأفعل هذا من أجلهم تردّدت قليلاً ، لأنّهم أشاروا عليّ أن أطلب المساعدة من المسلمين ، وبخاصّة دول الخليج العربيّ ، فهي دول غنيّة ، وتحتاج دائماً إلى العمالة الأجنبيّة ، وتحصّلت على بعض العناوين ، وراسلت بعض الشخصيّات الإسلامية لمساعدتي في إيجاد عقد عمل ، كما راسلت عدّة مجلات إسلاميّة ، وعدّة شركات ، ومؤسسات ، ومصانع ، وفنادق ، وعائلات ، ورجال أعمال في كلّ دولة خليجيّة ، وكنت أطلب عقد عمل ولو خادم يقوم بكلّ شيء ، ولكن للأسف لم أتلقّ أي ردّ منهم !! أكثر من خمسين رسالة أرسلتها ، ولكن لم يتفضل أحد منهم للردّ على رسائلي ولو بكلمة واحدة ، مع أنّني كنت أكتب لهم وأشرح لهم ظروفي العائلية الصعبة ، وأرفق مع كلّ رسالة شهادة تثبت حالتنا الاجتماعيّة ، وصوري ، حتّى سئمت المراسلة وإخراج الوثائق من دار البلديّة .. هذا الموقف زاد من تمسّكي بقرار اعتناق النصرانيّة ، والسفر إلى فرنسا لأرتاح من الهمّ الذي أعيش فيه ، وبدأت في إجراءات استخراج التأشيرة من القنصلية الفرنسيّة التي كانت صعبة جداً ، ويشاء الله عزّ وجلّ أن أجد عنوان مؤسسة الحرمين الخيريّة ، كنت أظن أنّها تساعد الفقراء والمحتاجين من خلال اسمها ، لكنّها ساعدتني فيما هو أهمّ من ذلك ، وأهمّ من العمل والمال والسفر ، لقد ساعدتني في أن أعود إلى رشدي وديني ، وتمّت توبتي على يديها ، عن طريق ما تبعثه من رسائل وكتب ، ومنها كتاب العائدون إلى الله ، وبدأت أتغيّر يوماً بعد يوم ، وأحسّت الإذاعة النصرانية بهذا التغيّر لأنّي لم أعد أراسلها ، ولا أردّ على رسائلهم ومكالماتهم الهاتفيّة ، ولكنّهم لم يتركوني في حالي ، وشنّوا عليّ الحرب عن طريق رسائلهم التي كانت تحتوي على المطبوعات النصرانيّة ، وبعض الإغراءات التي أشعر بالضعف أحياناً عند قراءتها ، لكن أنّى لهم أن يستطيعوا زعزعة إيماني وعقيدتي بالله الواحد الأحد )) . ثمّ ختم رسالته بقوله : وشكراً لك مرّة أخرى على كتابك الذي أنار لي الطريق ، وهداني بتوفيق الله ، وجزاك الله خيراً .. الأخ التائب : ع . ع |
#23
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(22) توبة فتاة من التصوير المحرّم التصوير المحرّم هو تصوير ذوا ت الأرواح من إنسان أو حيوان ، سواء باليد رسماً أو نحتاً ، أو بآلة التصوير المعروفة ، وإنّما حرّم ذلك لأمرين أحدهما : أنّ في ذلك مضاهاة لخلق الله عزّ وجل ، والثاني : أنّه قد يفضي إلى تعظيم هذه الصور والتعلّق بها ، ومن ثمّ عبادتها من دون الله كما حصل لقوم نوح عليه السلام ، وسأترك الحديث لهذه الفتاة لتروي لنا قصّتها في هذا المجال . تقول : نشأت منذ نعومة أظفاري أحبّ الرسم وأهواه ، ولقد اكتشفت ذلك من خلال دراستي الابتدائية حيث كانت المعلّمة تكلّفنا ببعض الرسومات ، فكنت الوحيدة التي أجيد الرسم و أتحصّل على أعلى العلامات في هذه المادّة . كثيرات كنّ يحسدنني على موهبتي الخارقة ، والكلّ كان يشجعني ، أمّا أنا فكنت لا أشكّ بأنّ لي مستقبلاً زاهراً في هذا المجال كما أوهموني ، واستمرّت الأحوال على هذا المنوال ، وانتقلت إلى المرحلة المتوسطة .. كنت مسرورة بهذا فلا أُرى إلاّ مزهوّة فرحة ، كيف لا وقد بهرت الجميع بموهبتي الخارقة ، وكسبت كثيراً من الصديقات والمعارف بسببها .. أصبحت معروفة من قبل الجميع حتّى صرت أتضايق من هذا .. كانوا يطالبونني كثيراً بأن أرسم لهم ، وأنا لا أستطيع أن أرضيهم جميعاً ... وذات يوم ، وفي حصّة الجغرافيا تبادلنا أطراف الحديث مع المعلّمة في موضوعات شتّى .. كانت دائماً تنصحنا لوجه الله عزّ وجلّ .. حقّاً إنّها معلّمة صالحة فاضلة .. وإذا بإحدى زميلاتي تقول للمعلّمة .. إنّ فلانة تجيد الرسم ، ولو أردتِ أن ترسمكِ فإنِها ستفعل في دقائق معدودة ، وكأنّ الصورة أنتٍ إلا أنّها لا تنطق .. ونظرت إليّ المعلّمة وابتسمت في وجهي قائلة : إذن أنتِ أليس كذلك ؟ أجبت بنوع من الغرور : بلى هو كذلك . فقالت : لي : إنّ الإسلام لا يحرّم الرسم مطلقاً ، ولكن ألم تسمعي بالأحاديث النبويّة التي تحرّم رسم ذوات الأرواح ؟ قلت : هذا غير معقول ، وإن كان كذلك فإنّي لم أطّلع على شيء منها من قبل . قالت : اعلمي إذن أنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة هو المصوّرون كما صحّ ذلك عن النبيِ صلى الله عليه وسلم ، فاتركي ذلك لما فيه من الضرر عليك ، وعصيان الله ورسوله . قلت : أجل يا معلمتي ، إنّ الحقّ معكِ ، وسأحاول إن شاء الله تعالى تركه . وتلفتّ يمنة ويسرة فإذا بزميلاتي ينظرن إليّ بخبث نظرة سخرية وتعجّب ، وخرجتُ بعد انتهاء الحصّة تائهة حائرة أمشي مطأطأة الرأس ، والأفكار تتصارع في مخيّلتي ، وإذا ببعض زميلاتي من رفيقات السوء يجتمعن إليّ ، ويقلن لي : هل صدّقتِها ، هل أنتِ جادّة في ذلك القرار ؟[!! غير معقول ، مثلك لا يفعلها ، هاتي يديك أعطيكِ ما تريدين .. وبدأن يتحدّثن ، فقائلة تقول : لو كنت مكانها لتوقفت عن الدراسة وتخصّصت في الرسم ، وأخرى تقول : إنّها معلّمة مغرورة دائماً تتدخّل فيما لا يعنيها .. لم آبه لما قلن ، ولم أعره أيّ اهتمام ، بل التفتّ إليهنّ ، وقلت لهنّ بصوت خافت ، اتركوني في حالي ، ولتمض كل واحدة في حال سبيلها ، وفي الغد قرّرت أن أستقيم وأبتعد عمّا حرّم الله عزّ وجلّ من الرسم المحرّم ، وعدت إلى المدرسة ، وأعلنت قراري بين زميلاتي ، فبعضهن قذفنني بالخوف ، وبعضهن الآخر بالتهرّب من قضاء ما وعدتهن به من الرسومات ، وبدأن يسخرن منّي وظلّ الأمر على هذه الحال لمدّة أسابيع ، حتّى زيّن لي الشيطان على لسان رفيقات السوء العودة إلى طريق العصيان ، وأنسوني كلّ ما قالته لي معلّمتي الفاضلة ، حتّى إنّها كانت تسألني مراراً : هل توقّفتِ عن رسم ذوات الأرواح ؟ فأجيبها بنفاق : نعم : فتضحك زميلاتي ، وأضحك معهنّ .. نعم ، هكذا يا نعيمة ، هي تكذب – بزعمهنّ – وأنتِ تكذبين عليها ، ثمّ نضحك من جديد .. ولكن في قرارة نفسي لم أكن راضية بما أفعله ، لذا كنت أتحاشا أن أفكّر في هذا الموضوع .. وكثر المشجعون لي والمعجبون بي ، ولكن يا للعجب ، الجميع يريد مني أن أرسم له ، ولم يفكرّ أحد في شخصي ، لذا لم تكن لي علاقات وطيدة بواحدة منهن على الرغم من كثيرة معارفي ، فقد جعلنني بطلباتهن المستمرة كآلة صمّاء ، ومهما بذلت من جهد فلن أستطيع أن أرضيهن جميعاً . هكذا كنت حتّى ضعف مستواي الدراسي بسبب هذه الأمور، فيا أسفي ، كم كنت غافلة . طالت مدّة غفلتي إلى ثلاث سنين ، ثمّ يسّر الله لي الانتقال إلى الثانوية العامّة ، فتعرّفت على صديقات جديدات ، كما تعرّفن هنّ عليّ وعلى موهبتي من خلال ملفّاتي التي كنت أحملها معي أينما ذهبت ، وكالعادة إرضاء الناس غاية لا تدرك ، إلى أن شاء الله أن يهديني ، فقد أحببت مادّة علوم الشريعة الإسلامية ، وكنت تلميذة مجتهدة ، بل ممتازة في هذه المادّة ، وتوسّعت فيها إلى قراءة الكتب الشرعية في أوقات الفراغ ، وأصبحت هذه الكتب هي شغلي الشاغل ، ولم أقتصر على الكتب ، بل تجاوزت ذلك إلى الأشرطة الإسلامية بما تحويه من دروس ومحاضرات وخطب ، وما هي إلا أيّام وجيزة حتّى كشفت القناع عن إثمي بالأدلّة القاطعة ، ندمت هذه المرّة ندماً شديداً على ما فاتني . أوّلاً ، لأنّني عصيت الله عزّ وجلّ ، ثمّ إنّي لم أعمل بالنصيحة ، وجالت بخاطري أسئلة كثيرة . بكيت على إثرها ، وبكيت حتّى تورّمت عيناي من البكاء ، ثمّ أعدت قراءة الأحاديث التي جاء فيها الوعيد للمصوّرين : (( إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المصوّرون )) ( ) . ثمّ أقول في نفسي : هل سيقبل الله توبتي ؟ ثمّ أواصل القراءة : (( ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرّة ، أو ليخلقوا حبّه ، أو ليخلقوا شعيرة )) ( ) . يا سبحان الله ، هل أستطيع أن أخلق حبّة أو ذرّة ؟ ! سبحانك ، اللهم اغفر لي .. ثمّ أقرأ : وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : (( كلّ مصوّر في النار ، يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفساً تعذّبه في جهنّم )) ( ) . .. أعوذ بالله من جهنّم ، هل سيكون مصيري إليها ؟! .. ربّاه ، اغفر لي .. اللهم اغفر لنا جميعاً يا ربّ العالمين ، اللهم إن كنتّ قد غضبتَ فلطالما عفوتَ .. اللهم لا تحرمنا عفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين .. والآن لا آبه بما يقولونه عنّي من رجعية وجنون وتخلّف .. ولقد حوّلت كلّ طاقتي إلى البحث والتجديد والتفقّه ، والحِرَف التي تناسب الفتيات .. حتّى لا أترك لنفسي مجالاً للسعي إلى المعاصي والذنوب ، وإنّي أشكر الله عزّ وجلّ على نعمته وهدايته ، والحمد لله ربّ العالمين. |
#24
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(23) توبة مُعاكِسة إنّ المعاكسات التي تحدث بين الجنسين لهي من أعظم البلايا وأخطرها على الفرد والمجتمع ، وما أكثر ضحايا هذه المعاكسات من الجنسين ، وبخاصّة النساء ، ولنستمع إلى هذه التائبة لتروي لنا تجربتها المرّة مع هذه المعاكسات .. تقول : تزوجت في سنّ مبكرة ، وكنت مخلصة لزوجي غاية الإخلاص ، حتّى كنت معه كالطفلة المدلّلة ، أفعل كلّ ما يأمرني به ، على الرغم من أنّي نشأت في أسرة ثريّة كنت فيها أُخدَم ولا أَخدِم ، كان أبي قد طلّق أمّي فتزوّجتْ بغيره ، وتزوّج هو بغيرها ، فكان من نتائج ذلك أن فقدت حنان الأمّ، كما فقدت التوجيه السليم . كان زوجي يذهب لزيارة أهله في كل أسبوعين فيمكث يومين ، فأنتهزها فرصة للذهاب إلى بيت عمّي القريب من بيتنا ، فكنت أجد من زوجة عمّي حناناً غريباً ، وعطفاً زائداً حيث كانت تعطيني كل ما أطلب ، لكنّها لم تكن مستقيمة ، فقد كانت تذهب بي إلى الأسواق ، وإلى هنا وهناك ، وتفعل أشياء مخلّة بالأدب لا ترضي الله تعالى ، فسرت على نهجها ، والصاحب ساحب كما يقولون ، ومن تلك اللحظات تغيّرت الفتاة الوديعة الغافلة إلى فتاة مستهترة متمّردة على كل من حولها ، كانت زوجة عمّي – هداها الله – دائماً تغريني بأنّ خروج المرأة من بيتها حريّة ، ورفع صوتها للحصول على مطالبها أفضل وسيلة ، فصرت أستهزئ بكل من يذكّرني بالله أو يدعوني إليه .. ألهو كما أشاء ، وألعب كما أحبّ على الرغم من أنّي زوجة ، ولي أولاد ، لكنّي لم أكن أبالي ، ولم يقف الأمر عند هذا ، بل رحت أجمع حولي صديقات سيئات الأخلاق ، كن دائماً يدعونني إلى الحفلات والأفراح ، والخروج إلى الأسواق بلا سبب يُذكر ، وبما أنّي كنت أكثرهن ذكاء وجمالاً وتمرّداً ، وأقلهن حياءً ، كنت أنا الزعيمة . وأدهى من ذلك أنّني كنت أعتقد في السحر، وأستعين بالمشعوذين مع خطورة ذلك على العقيدة. وفي يوم من الأيام جاءتني امرأة من نساء الجيران ، ولم أكن أهتمّ بمن يسكن حولي ، ولا أحبّ الاختلاط بهم ، ولكنّ هذه المرأة تعلّقت بي ، وأصّرت على زيارتي ، وبما أنّها كانت صالحة وملتزمة فقد كرهت الجلوس معها ، وكنت دائماً أحاول الهروب منها ، لكنّها كانت لا تيأس ، وتقول لي : لقد صلّيت صلاة الاستخارة ( ) . هل أنزل عندك مرّة أخرى أم لا ، فيقدّر الله لي النزول ورؤيتك . ومرّت الأيام – حوالي الشهرين – مرّة تكلّمني ، ومرّات لا تستطيع أن تقابلني ، وكانت تذهب كلّ يوم بعد العصر لتعلّم النساء القرآن في المسجد المجاور لنا ، وكلّما رآها زوجي دعا الله أن أكون مثلها ، وكانت هي تدعوني إلى الذهاب معها إلى المسجد ، ولكنّي كنت أعتذر بأعذار واهية ، حتى لا أذهب ، وكانت دائماً تقول لي : إنّي – والله – أقوم من الليل أصلي ، فأدعو الله لكِ بالهداية ، وعند ما أتقلّب في فراشي أذكرك فأدعو الله لكِ ، وذلك لما تفرّسَتْه فيّ من الذكاء ، وقوّة الحجّة ، وفصاحة اللسان ، والقدرة على جذب الناس حولي . وجاء يوم ذَهَبَتْ فيه خادمتي إلى بلدها ، وكنت بانتظار مجيء أخرى ، فجاءتني جارتي وأنا منشغلة ببعض أعمال البيت ، فاقترحت عليّ الاستغناء عن الخادمة ، وكان موعد قدومها عصر ذلك اليوم ، فقدر الله عزّ وجل أن يتأخّر قدومها أسبوعاً كاملاً ، فكانت جارتي تأتيني فتجدني في البيت ، فتساعدني في بعض الأعمال ، وتُسرّبي سروراً كبيراً ، وكنت أنا في الوقت نفسه قد أحببتها، ورأيتها امرأة مرحة، لا كما كنت أتصوّر ، فإنّ زوجي من الملتزمين ، ولكنّه كان دائماً عابس الوجه ، مقطّب الجبين ، فكنت أظن أنّ ذلك هو دأب الملتزمين جميعاً ، حتّى رأيت هذه المرأة وعاشرتها ، فتغيّرت الصورة التي كانت في ذهني عن الملتزمين . وبعد ذلك بأيام توفيت قريبة لي ، فذهبت للعزاء ، فإذا امرأة كانت تتكلّم عن الموت ، وما يجري للإنسان عند موته بدءاً من سكرات الموت وخروج الروح ، ومروراً بالقبر وما فيه من الأهوال والسؤال ، وانتهاءً بدخول الجنّة أو النار .. عندها توقفت مع نفسي قائلة .. إلى متى الغفلة ، والموت يطلبنا في كل وقت وفي كل مكان ، وفكّرت .. وفكرت ، فكانت هذه هي البداية ، وفي صباح اليوم التالي وجدت نفسي وحيدة ولأول مرة أحس بالخوف .. فقد تذكرت وحدة القبر وظلمته ووحشته ، فكنت ألجأ إلى جارتي المخلصة لتسليني ، فكانت تجيء إليّ بالكتب الوعظية النافعة ، فكنت عند ما أقرأها أحسّ وكأنّني أنا المخاطبة بما فيها ، خاصّة فيما يتعلّق بمحاسبة النفس ، وظللت أقرأ وأقرأ حتّى شرح الله صدري للهدى والحقّ ، وذقت طعم الإيمان ، عندها أحسست بالسعادة الحقيقيّة التي كنت أفتقدها من قبل ، وتغيّرت نظرتي للحياة ، فلم أعد تلك الإنسانة اللاهية العابثة المستهترة ، وابتعدت عن رفيقات السوء ، وكرهت الأسواق ، بل كرهت الخروج من المنزل إلّا لحاجة أو ضرورة ماسّة ، والتحقت بدار الذكر لتحفيظ القرآن الكريم ، وهذا كلّه بفضل الله ثمّ بفضل الصحبة الصالحة ، والدعوات المخلصة بظهر الغيب من جارتي وزوجي ، ولله الحمد والمنّة . |
#25
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(24) توبة امرأة أوشكت على الهلاك تقول هذه المرأة : نشأت في أسرة عربية مهاجرة ، مكوّنة من أب وأم وأربع بنين وبنتين ، كنت أنا أصغرهم .. وفي أحضان هذه الأسرة ترعرعت وتربيت .. أبي وأمّي يصليّان والله الحمد ، لكنّي لم أرهما يوماً ما يأمران أحداً منّا بالصلاة ، أمّا أنا فقد ألهمني ربّي – ولله الحمد- المحافظة على الصلاة وأنا في السابعة من عمري ، وأواظب عليها . وارتديت الحجاب وأنا في العاشرة من عمري ... كنت أقوم من الليل ، وأحافظ على نوافل الصلوات والصيام ، وأحيي رمضان وحدي .. ظللت على هذه الحال حتّى التحقت بالمرحلة الثانوية ، فأحسست بشيء من الفتور في العبادة ، وبخاصة النوافل ، وكذا الخشوع في الصلاة ، وتلاوة القرآن ، مع محافظتي على الفرائض .. فكنت إذا ما جنّ الليل أحاسب نفسي ، وأبكي على حالي ، فإذا ما أصبح الصباح نسيت حالي ، وألهمتني مشاغل الحياة .. وظللت على هذه الحال حتّى أنهيت المرحلة الثانوية وما بعدها .. ثمّ تقدّم لخطبتي رجل طيّب ، يعمل في أمريكا ، فوافقت عليه وتزوّجنا .. كان – ولله الحمد – خيّراً ، فكان يشجعني على لبس الحجاب حتّى ونحن في وسطٍ كافر ، على الرغم من أنّه في تلك الفترة لم يكن محافظاً على الصلاة والصيام ، وقد طلبت منه صيام شهر رمضان معي ، فصامه والله الحمد ، ودعوته إلى الصلاة فوعد خيراً ، ومع ذلك كلّه كنت متعلّقة بسماع الغناء ، والخروج إلى الأسواق ، فلم تكن صلاتي تنهاني عن كثير من المنكرات والذنوب ، فالقلب لم يزل في أسر المعاصي . وذات يوم خرجت من الحمّام بعد أن اغتسلت ، كانت الريح شديدة وقويّة ، وكانت نافذة المطبخ مفتوحة ، فاتّجهت لإغلاقها ، فأحسست بلفحة هواء ، وبعد فترة قصيرة أحسست بصداع شديد في رأسي ، فتناولت دواءً لتخفيف الصداع ، ولكن دون جدوى ، فبدأ الألم يزداد ، والحالة تتطوّر من صداع إلى حرارة ثمّ رعشة قويّة ، فلمّا حضر زوجي – وكان طبيباً – أعطاني دواء آخر فهدأ جسمي قليلاً لمدّة دقائق ، ثمّ عادت الرعشة من جديد ، فمكثت في البيت على هذه الحال خمسة أيّام مع تناول الدواء ، لكنّ الدواء لم يؤدّ مفعوله .. ثمّ تطوّرت الحال إلى الأسوأ ، حيث أصبت بتورّم في القدمين ، وعدم القدرة على الحركة إلّا قليلاً ، فقرّر زوجي نقلي إلى المستشفى ، وفي الصباح الباكر تركت أطفالي عند جارة لي مسلمة كانت لهم خير أمّ جزاها الله خيراً .. فلمّا دخلت المستشفى ، ورأى الطبيب حالتي ، أسرع بي إلى قسم الطوارئ . . لقد كنت من قبل أرى مثل هذا المنظر في التلفاز ، ولم أكن أتوقّع في يوم من الأيّام أن أكون أنا صاحبة هذا المنظر .. فترى الممرّضات يضعنني على السرير المتحرّك ، ويسرعن بي إلى غرفة الإنعاش، ثمّ تأتي أخرى فتغرز في يدي إبرة التغذية – وذلك أنّ جسمي كان قد هزل من قلّة الأكل ، لأنّني في تلك الفترة كنت كلّما أكلت شيئاً ولو يسيراً استفرغته .. وأخرى تقوم بقياس الضغط ، وثالثة تسرع لإحضار حقنة لتسحب من دمي وتفحصه .. كأنّي تماماً في مشهد تمثيلي تلفزيوني لا حقيقيّ ... كنت وقتها لا أملك إلّا نظرات شاردة ، فلساني قد ثقل عن الكلام بسبب الحرارة العالية ، والرعشة القويّة ، وقدماي قد ثقلت عن الحركة بسبب الأورام ، والأعضاء منّي قد سكنت إلّا من قلب واهن ينبض ببطء ، فلم أجد ما أعبّر به عن آلامي في تلك اللحظات إلّا بقطرات من الدموع خرجت بصعوبة بالغة ، ومع ذلك لم أستطع مسحها ، لأنّ يديّ كانتا غير قادرتين على الحركة . وفي صباح اليوم التالي قام الأطبّاء بإجراء فحوصات شاملة لسائر أعضاء الجسم للتعرّف على سبب الحرارة والعمل على خفضها ، إذ هي سبب المشكلة ، فقاموا بفحص القلب والرحم والعظام والدم ، وعمل أشعّة للدماغ والجسم كاملاً ، فكانت النتائج كلّها سليمة !! فاحتار الأطبّاء في أمري ، حيث عن عجزوا معرفة مسببات الحرارة في جسمي ، فقاموا باستدعاء أطبّاء آخرين من ولاية أخرى ، فاقترحوا أن يستمرّ فحص الدم يومياً لاحتمال وجود جرثومة فيه ، فكانوا يوميّاً يأخذون عينة من دمي ، والنتيجة : لا شيء . فأصبحت في حال لا يعلمها إلا الله .. أمّا الممرضات المشرفات على حالتي فكنّ يواسينني ، ويطمئنني ، على الرغم من علمهنّ بحالتي شبه الميؤوس منها ، فكنّ يقلن لي : إنّك سوف تخرجين ، وترين أولادك ، وتلاعبينهم .. وذلك أنّني منذ دخلت المستشفى لم أرهم ، لأنّ الزيارة كانت ممنوعة عنّي . وذات مرّة قامت رئيسة الممرّضات بغسل شعري وتسريحه ، فسرح ذهني بعيداً ، وتذكّرت هادم اللذات : الموت ، وقلت في نفسي: الآن يغسلون شعري ، وغداً يغسلون جسمي ، ويحنّطونه ، ويكفّنونه ، ويصلّون عليّ ، ويدفنوني تحت التراب ، ويفارقني الأحباب ، فأكون رهينة الحساب .. فبكيت كثيراً ، والممرّضة بجانبي لا تعلم ما يجول في خاطري ، فكانت تواسيني ، وتعدني بالشفاء والخروج من المستشفى .. وبعد أن فَرَغَتْ من تسريح شعري ، وترتيب ملابسي ، أعادتني إلى غرفتي ، وقالت : أتركك الآن لترتاحي قليلاً .. فكنت أدعو لها بالهداية ، جزاء ما فعلته بي . كان تفكيري لا يزال متعلّقاً بذكر الموت ، فقلت في نفسي : يا نفس : ها أنت تموتين رويداً رويداً ، فماذا قدّمتِ من صالح الأعمال ؟ وبدأت في محاسبة نفسي .. فتذكّرت سيّئاتي من سماع الغناء صباح مساء ، ومشاهدة التلفاز ، وما أدراك ما التلفاز وما فيه من المسلسلات والأفلام .. لدرجة أني كنت أؤدي الصلاة بسرعة حتّى لا يفوتني شيء منها .. ناهيك عن حبّ الأسواق وغيرها من الأماكن المختلطة التي كنت أخرج إليها مع زوجي .. وبكيت وبكيت ، حتّى أنّى من شدّة البكاء ومحاسبة نفسي نسيت أنّي مريضة .. وفي اليوم التالي ، وهو اليوم الحادي عشر من تاريخ دخولي المستشفى ، جاء الاطبّاء لرؤيتي ، فلم يلحظوا أيّ تحسّن ، بل لم تزدد حالتي إلا سوءاً ، وأعلن الأطبّاء يأسهم من حالتي ، وقالوا لزوجي : إن كان لزوجتك أهل وأقرباء هنا في أمريكا فليأتوا لرؤيتها ، قبل ألّا يتمكّنوا من ذلك . كنت أسمع ما يقولون وأفهمه لكنّي لا أتمكّن من الكلام ولا حتّى الحركة . ثمّ خرج الجميع من عندي ، وكانت ساعة المغرب ، فلم يزدني ذلك إلا بكاءً .. لا أبكي لأني سأفارق أولادي وزوجي ، وإنّما أبكي خوفاً من ذنوبي ، فبمَ أقابل ربّي إن أنا متّ على هذه الحال ؟ وعدت إلى محاسبة نفسي ، فقلت : هل لي من حسنات ألقى الله بها ؟ وتذكّرت ، فقلت : يا ربّ : إنّي كنت بارّة بوالديّ حتّى سافرت إلى هذه البلاد ، ومنذ سنين عديدة لم أرهم ، ورغم البعد عنهم فإنّي أدعو لهم ، وأسألك يا ربّ أن تعينني على البرّ بهم دائماً . أمّا جيراني وصديقاتي فلا أذكر أنّني آذيت أحداً منهم يوماً ما ، بل كنت بينهم محبوبة مألوفة .. فقلت في نفسي : وهل يغفر الله لي بهذا العمل ما حصل منّي من تقصير وذنوب ؟ فما زلت على هذه الحال من المحاسبة الشديدة والبكاء ، وتذكّر الجنّة والنار ، وما فيهما من النعيم ، والجحيم والأغلال ، حتّى دخل وقت صلاة الفجر ، وعيناي تذرفان الدموع ، وفي ختام هذه المحاسبة ، وبعد استسلامي لأمر الله وقضائه ، دعوت الله عزّ وجلّ بالدعاء المأثور : (( اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفّي إن كانت الوفاة خيراً لي .. )) . غبت بعدها عن الوعي، فلم أشعر بنفسي إلّا والممرّضة تضع يدها على كتفي ، لتوقظني وتدعوني لتناول الدواء ، وفتحت عيناي ، فإذا بها تنظر إليّ بدهشة بالغة ، وتخرج مسرعة إلى باب الغرفة لتتأكّد من الاسم .. فهل يعقل أن تكون هذه هي المرأة التي عجز الأطباء عن علاجها بالأمس ، بل أعلنوا يأسهم من شفائها ؟!! إنّها الآن في حال مختلف .. يا إلهي .. ما الذي حدث ، هل أنت حقّاً فلانة ؟!! ، قالت الممرضة بلهجتها الأمريكية ، فنهضتُ ، وجلستُ ، وأخذتُ منها بيدي حبّة الدواء وتناولتها ، فشربت عليها الماء ، ثمّ فتحت حقيبتي وأخرجت منها المصحف فاحتضنته بقوّة وأنا أبكي ، ثمّ قرأت منه بعض الآيات بتدبّر وخشوع .. فإذا بالممرضة تصرخ ، وتنادي الأطباء والممرّضات لينظروا إليّ ، فجاؤوا مسرعين ، وقد ظنّوا أنّي قد فارقت الحياة ، فلمّا دخلوا الغرفة ، ورأوني على تلك الحال ، أصيبوا بالدهشة ، ومن الممرّضات من لم تتمالك نفسها فأجهشت بالبكاء ، وتساءلوا جميعاً .. ماذا جرى ؟ .. وما الذي حدث ؟ .. وكيف حصل الشفاء ؟! .. فأجبتهم بأنّ الله عزّ وجلّ هو الشافي . ألم يقل سبحانه : (( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )) ( النمل : 62) . وقال سبحانه : (( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ )) . ( الأنعام : 17) . المهم هو صدق اللجوء إلى الله والتوجّه إليه سبحانه ، وعدم استعجال الشفاء مهما طالت المدّة ، مع بذل ما يمكن من الأسباب .. وبعد خروجي من المستشفى قامت إحدى الصديقات بزيارتي ، وأخبرتني عن حلقة أسبوعية لبعض الأخوات العربيات المسلمات ، يتذاكرن فيها العلم ، فوفّقني الله لحضور هذه الحلقة ، ومع أنّ مقرّها يبعد عنّا مسافة خمس وأربعين دقيقة ، إلّا أنّ زوجي كان يوصلني إليها جزاه الله خيراً .. ثمّ بدأت بالمواظبة على الحضور ، ثمّ المشاركة ببعض الموضوعات ، وبعد سنة من حضوري والتزامي انتخبوني رئيسة للحلقة .. وبعد سنتين شاء الله عزّ وجلّ أن نغادر بلاد الكفر ، إلى خير البقاع وأطهرها ، هذه البلاد الطيبة ، فقد وُفّق زوجي إلى عقد عمل مع أحد المستشفيات هنا ولله الحمد ، وقد كتب الله لنا أداء فريضة الحجّ ، والاعتمار ثلاث مرّات ولله الحمد والمنّة .. هذه قصّة هدايتي منذ بدايتها ، وقد مرّ الآن على تلك الحادثة التي أيقظتني من غفلتي ستّة أعوام ، واليوم أسأل الله عزّ وجل أن يثبتني وجميع المسلمين على الدين القويم حتى نلقاه على ذلك ، فإنّ الأعمال بالخواتيم . أختكم التائبة أم يوسف |
#26
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(25) توبة شاب مستهتر روى لي قصّته بنفسه فقال : يظلّ هذا الإنسان على مفترق طرق كلّها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما : طريق الأخيار ، وطريق الأشرار .. هذا الإنسان وإن عاش طويلاً فإنّ الأعمال كأنّها لمح بصر . فرق بين شابّ نشأ في طاعة الله ، وشابّ نشأ على المسلسلات والأفلام ، بين شابّ إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمةً من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ، وشابّ إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به ، والضحك منه . كنت في الصفّ الثاني الثانوي ، فبدأت حياتي تتغيّر إلى الأسوأ ، وتنقلب رأساً ، على عقب ، بدأت لا أصلّي ، ولا أشهد الجماعة في المسجد .. أخذت حياتي تتغيّر حتّى في مظهري الخارجي ... تلك قَصّة شعر فرنسية ، وأخرى إيطالية .. وملابسي لم تعد ثوباً وغترة ، بل أصبحت لباساً غريباً فاضحاً .. وجهي أصبح كالحاً مكفهرّاً .. وفارقت الابتسامة شفتاي . مرّت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال ، حتّى جاء اليوم الموعود .. كنت جالساً مع (( شلّة )) ( ) . لا همّ لهم إلّا الدندنة والعزف على العود ، ودقّ الطبول إلى آخر الليل .. شلّة فاسدة لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً ، بل تحثّ على المنكر ، وتأمر به . وبينما نحن في لهونا وغفلتنا ، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح ، كنت وقتها أكره الملتزمين كرهاً شديداً لا يتصوّره أحد .. أقبل أولئك النفر ، فسلّموا علينا ، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة .. كنّا عشرة ، وكنت أنا أشدّ هؤلاء العشرة في الردّ على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا ، كنت أقول لهم : أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة ، ولا كيف تدعون .. إلخ دار النقاش بيننا وبينهم لمدّة ساعة كاملة كنّا خلالها نستهزئ بهم ، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيّب .. ولمّا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي : إنّ لك شأناً عظيماً .. مرّ أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغيّر .. من معصية إلى أخرى ، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل ، بعد سهرة مع تلك الشلّة الفاسدة .. كنت متعباً ، فألقيت بنفسي على الفراش ، ورحت أغطّ في سبات عميق ، فرأيت فيما يرى النائم أنّني أمام حفرة بيضاء لم أر مثلها قط ، فسجدت لله شكراً حيث نجّاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة ، فقمت من نومي فزعاً ، فإذا بشريط حياتي الأسود يمرّ أمامي .. لا أدري ما الذي أصابني .. قلت في نفسي : لو أنّى متّ في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنّة ؟ .. هل تنفعني تلك الشلّة الفاسدة التي لا همّ إلا السهر إلى آخر الليل ، والتفكّه بأكل لحوم البشر .. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعلى تطليق تلك الشلّة الفاسدة ، ومن ترك شيئاً لله ، عوّضه الله خيراً منه . أخوكم محمد |
#27
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(26)
توبة مدمّر الأصنام إنّه شاب نيجيري ، تبدو على وجهه علامات القوّة والشكيمة ، بدأت رحلته من الإسلام الوراثي المغلوط ، إلى النصرانية المحرّفة ، ثم إلى الإسلام من جديد ، ولكنّه الإسلام الصحيح . أمّا تفاصيل رحلته فيرويها بنفسه ، يقول : تعرّفت على الإسلام منذ طفولتي المبكّرة ، وهذا أمر بدهي بحكم إسلام الأسرة الوراثي ، وبدأت تجربتي مع الإسلام تقريباً في أوّل مرحلة للتعليم ، كنت في التاسعة من العمر حين التحقت بالمدرسة الإسلامية الصغرى في نيجريا بناء على رغبة والدي الذي كان يشجعني يحدّثني عن الإسلام ، ويقول لي : إنّ الدين الإسلاميّ عُني بالحياة كلّها ، وبكلّ ما يمتدّ على أديم الأرض المضطرب ، وتشرّبتُ المعاني التي لقّنني إيّاها ، ورسخت في ذهني ، فقد تعلّمت منه أنّ الإسلام جعل لكلِّ مشكلة حلاً ، ولكلّ عملٍ صالحٍ ثواباً ، ولكلّ عملٍ سيءٍ عقاباً ، ولكلّ مستغفر وتائب أجراً ، وهذه القناعات لم تفارقني حتّى داخل الكنيسة يوم أن لبست ثوب النصرانية المحرّفة . ثمّ في عام 1390هـ التحقت بمدرسة ثانويّة حكوميّة ، وكانت تجربة مثيرة ، التقيت خلالها بالكثير من الطلاب المسلمين الذين على ديني ، وكوّنت علاقات طَوّرت معرفتي بالعبادات ، فكنّا نحيي ليالي رمضان بالقيام وتلاوة القرآن ، وننظّم برامج دينيّة ورحلات وزيارات في عيدي الفطر والأضحى ، وأدركت في تلك المرحلة أنّ الإسلام دين حنيف ، وهو دين الرحمة والقوّة والمحبّة . ربّما سألني سائل فقال : إذن ، لماذا تنصّرت ؟ فأقول : إنّ هذا السؤال يذكّرني بجملة قرأتها لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، معناها : يجب علينا أن نعبد الله بالذوق والوجدان والقلب والروح والضمير . أمّا لماذا تنصّرت ، فأقول : تنصّرت عند ما لاحظت أنّ كثيراً ممّن حولي من المسلمين لا يأبهون بدينهم من ناحية الشعائر والسلوك والمعاملات ، وأنّ كثيراً منهم يتّجهون وجهة مغايرة لدينهم ، إنّهم يتزيّون فقط بزيّ الدين ، والإسلام عندهم اسم فقط ، تبيّن أنّ أعمالهم تناقض عقيدتهم في أصولها وقواعدها ومظاهرها ، نفاق ، وحقد ، وحسد ، وإخلاف للوعد ، ونقض للعهد .. ولهذا تركت بعضهم فوراً ، وتعرّفت على زملاء نصارى في المدرسة نفسها ، وصاحبت بعضهم ، ونمت علاقاتي معهم ، وقويت جداً ، وبعد فترة شعرت أن الشباب النصراني أحسن معاملة ، وأكثر وعياً ورحابة صدر ، وانتماؤهم إلى دينهم كان أقوى من انتماء المسلمين إلى دينهم ( ) . علاوة على المساعدات الماديّة والمعنوية التي تلقّيتها منهم ( ) . ، ولذا قبلت الدعوة إلى اعتناق النصرانية المحرفة فور أن وجّهت إليّ . نعم .. لقد أخرجني سلوك المسلمين من الإسلام ، وأدخلني سلوك النصارى إلى النصرانية !! وبالطبع ، لو كنت على علم بالعقيدة الصحيحة وأصولها لكان إيماني بها قوّياً ، ولما تنصّرت . ولعلّي أذكر هنا مقولة مشهورة لأحد كبار المفكرين الذي اعتنق الإسلام مؤخّراً والتي تبيّن أثر السلوك في تحويل عقيدة الفرد ، حيث قال : (( الحمد لله الذي هداني للإسلام قبل أن أعرف سلوك المسلمين )) . لكنّي منذ أن تنصّرت وأنا مضطرب الوجدان ، ويسكن في داخلي خوف كبير ، خوف لا تحدّه حدود ، وتنتابني حالات من القلق والأرق ولا أدري كنهها .. كنت أهرب إلى الكنيسة بحثاً عن السلوى واليقين ولكن هيهات .. وضاعف هذا الخوف إحساسي بالتمرّد على والدي ، وزعزعة استقرار الأسرة ، وكلّما تذكّرت والدي انتابتني حالة من الفزع والخوف ، وعلمت أنّ والدي لم يتخلّ عنّي ، ولم ييأس ، بل كان يبحث بشتّى الطرق إمكانية إعادتي إلى الإسلام .. لقد كانت لديّ قناعة تامّة بأنّ دعاء والدي سيكون هو السبب في أن يهديني ، وأعود إلى الإسلام من جديد . وبعد خمس سنوات عشتها في ظلام النصرانية وضلالها ، أسلمت مرة ثانية ، ودرست الإسلام دراسة حقيقية وعميقة ، فعدت إليه بقوّة حتّى حصلت على لقب ( مدّمر الأصنام ) ، وذلك لجهودي التي لم تتوقّف في تدمير الأصنام في قريتي والقرى المجاورة ، وكنت أفعل ذلك بعون من الله ، ودون خوف من وثنيّات أو عرقيّات ، وبسبب ذلك بُذلت محاولات جادّة للنيل منّي ، ولكنّ الله جلّت قدرته أيّدني بنصره ، فأصبحت ظاهراً عليهم ، وأنا فخور بهذا اللقب الذي أطلقه عليّ أستاذي الجليل . ثمّ حصلت على الثانوية الإنجليزية ، وشهادة معهد اللغة العربية ، والتحقت بعد ذلك بكليّة الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض . عملت بعد ذلك في مجال الدعوة بقوّة ، فأسلم على يديّ سبعون شخصاً قبل دخولي الجامعة وبعده ، وفي العطلة الماضية فقط استطعت إقناع ثلاثة وعشرين نصرانياً بالإسلام ، فأسلموا ، وشهاداتهم معي الآن في الرياض ، ثمّ افتتحت مكتباً للدعوة الإسلامية في نيجيريا ، ومعهداً لتعليم الدراسات الإسلامية والعربية ، وأصبحنا ننظّم قوافل دعويّة بالتعاون مع الندوة العالمية للشباب الإسلاميّ ، وركّزنا جهودنا على العمل في أوساط الشباب النصرانيّ ، وكانت لنا مصادمات مع أساطين التنصير هناك ، اتّبعنا فيها أسلوب التأنّي والحكمة والموعظة الحسنة حتّى لا يتصوّر ضعاف النفوس أنّ الإسلام دين عنف وإرهاب ، ويحتاج العمل الدعوي هناك إلى زيادة عدد الدعاة ففي نيجيريا ثلاثون ولاية ، لا يتجاوز عدد الدعاة فيها جميعاً المائتي داعية . أما الكنيسة في أفريقية فلها دور بنّاء وفعّال في عملية التنصير في كلّ قارات العالم كما هو معروف ، ومن تجربتي مع النصارى أدركت أنّهم يستغّلون الكنيسة بزينتها وزخرفتها وأثاثها الفاخر في جذب قلوب الضعفاء باعتبارها مقرّ عبادة أفضل وأرقى من المسجد ، ومكان اجتماع الفقراء حيث يتلقون الهدايا والهبات ، ويمارسون الرياضات ، فيشعرونهم براحة نفسية آنية ، وسعادة كاذبة ، كما أنّهم يرسلون الصغار والشباب إلى المدارس بملابسهم الأنيقة ، على أنغام الطبول والدفوف . والكنيسة ذكية في التعامل مع المواطنين ، فهي توزّع الأموال على الفقراء ، ولا تفرّق بين الأبناء هناك من حيث اللون أو العرق أو الجنس . وبتجربتي أحسّ بأنّ لليهود دوراً كبيراً في عملية التنصير ، بدليل أنّ الكنيسة تعلّم روّادها أن يحبّوا إخوانهم اليهود ! وإذا سئلوا : لماذا ؟ قالوا : إنّ اليهود أبناء الله ، كما كان عيسى ابن الله ! وصدق الله القائل : (( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) ( المائدة : 51) . |
#28
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(27) توبة شاب يمني يقول الحق تبارك وتعالى : (( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ )) ( يوسف : 105، 106) . وصدق الله العظيم ، فإن من تأمل حال الناس اليوم ، رأى مصداق هذه الآية ماثلاً للعيان ، فما أكثر المسلمين اليوم ، وأما أقل الموحدين منهم ، ومن أراد الدليل والبرهان فليطف ببعض مساجد المسلمين ليرى العجب العجاب من التعلق بالقبور والأموات والغائبين ، وهذا من أعظم أسباب تخلف المسلمين ، وتأخرهم . فإن للتوحيد الصحيح أثراً عظيماً في بث روح العزة والأنفة في نفس صاحبه ، فلا يركع إلا لله ، ولا ينحني لغيره ، ولا يدعو إلا إياه ، ولا يدع فعل الأسباب المشروعة بحجة التوكل ، لأن توحيده الصحيح يقول له : إن التوكل الحق لا ينافي فعل الأسباب ، بل لا بنفك عنها ، وإلا صار تواكلاً لا توكلاً ، ولعل في قصة هذا الشاب اليمني أوضح مثال لما أقول : يقول هذا الشابّ : أنا شابّ من إحدى قرى اليمن ، نشأت منذ نعومة أظافري على المحافظة على الصلوات ، وحبّ المساجد ، فكنت – ولله الحمد – أقوم بالاعتناء بالمساجد وكنسها وتنظيفها .. وعلى الرغم من كثرة تردّدي عليها ، لم أجد من يقف بجانبي ، أو يعلّمني حتّى كيف أتوضّأ، فقد كنت لا أحسن الوضوء . المساجد كانت مليئة بالمصلّين ، لكنّها مليئة بالجهل والشرك والأفّاكين ، كيف وإمام المسجد الذي كنت أصلّي فيه كان من كبار الصوفية الذين يجوّزون دعاء الموتى والالتجاء إليهم في الملمّات ( ) . ، ومن الذين يقولون بأن الله – جلّ جلاله موجود في كلّ مكان بذاته العليّة – تعالى الله عن ذلك – فالله عزّ وجلّ – بنصّ القرآن وإجماع السلف – في السماء مستوٍ على العرش استواء يليق بجلاله ، من غير تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولا تعطيل : (( َيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ) الشورى : 11 ) . وكذلك كانت القرية مليئة بالسحر والشعوذة ، فمنهم من يدّعي علم الغيب ، ويستعين بالشياطين لمعرفة بعض المغيّبات الحادثة ، أمّا المستقبلية فلا سبيل إلى معرفتها ، ومنهم من يقوم بالشعوذة ورقية المرضى ، بالرقى الشركية الشيطانية ، ومنهم السحرة الذين يفرّقون بين المرء وزوجه ، ولكن ، حسبنا هذا الجزاء من الآية الكريمة :(( وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ )) ( البقرة : 102) . . نشأت وترعرعت ، والجهل مخيّم على هذه القرية ، كنّا – أنا وأفراد أسرتي – نقوم بزيارة بعض القبور المعروفة ، وكذا دأب الأسر الأخرى ، فكنّا نطلب من الأموات ما لا يقدر عليه إلا الله ، والله أعلم هل هؤلاء الموتى من أهل الجنّة أم من أهل النار ، وكنّا نأتي في كلّ عيد نسلّم على هذه الأحجار ، ونقبّلها ، وبينما أنا في هذه الحال ، أتخبط في لجج الظلام ، إذ أتى شهر رمضان المبارك من عام 1412هـ ، وكنت في قرية أخرى غير قريتي ، فدخلت أحد المساجد السلفية ، فلفت نظري دولاب صغير قد وضعت فيه بعض الكتيّبات للاستعارة ، فاستعرت بعضها ، ثمّ أعدت الكرّة ، حتّى قرأتها جميعاً في فترة وجيزة جدّاً ، وكان معظمها يتحدّث عن الشرك ، والتحذير من دعاء غير الله من الأموات والغائبين ، وبيان حقيقة التوحيد ومعنى لا إله إلا الله ، فإذا بأنوار التوحيد تحرق لجج الظلام في قلبي ، وتقتلع الشرك من جذوره ، ومنذ ذلك الحين وأنا أحرص على قراءة الكتب النافعة ، وسماع الأشرطة المفيدة ، وأعبّ منها عبّاً ، كالذي وجد الماء الزلال بعد عطش شديد كاد يودي بحياته . ثمّ بدأت أحضر حلقات العلم في المساجد ، وأتعلّم العقيدة السلفية النقيّة على يد من نذروا أنفسهم لنشر التوحيد، ومحو الشرك ، وكما جرت سنّة الله عزّ وجلّ في سائر العصور أن كلّ من دعا إلى التوحيد الخالص لا بدّ أن يؤذي ويُفترى عليه ، وتوجّه إليه التهم ، فقد أُوذينا في الله ، وواجهنا كثيراً من المصاعب ، وكانت الأعين تراقبنا ، والدعايات الكاذبة تلاحقنا من قبل أهل الأهواء والبدع ، فقد كان شغلهم الشاغل هو : ماذا يشيعون علينا من أخبار سيئة ، وافتراءات أثيمة ، فلم نأبه لهذه الافتراءات بل بدأنا – ولله الحمد – ننتشر في مساجد القرية ، ونقيم الدروس والمواعظ المختصرة بقدر ما فتح الله علينا من العلم ، وبدأ أنصار التوحيد والسنّة يتزايدون ، ثمّ بدأنا بالدعوة الفردية لأعيان البلد من أهل الشرك والشعوذة والسحر الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، فأخذتهم العزّة بالإثم ، وقابلوا النصح والتذكير بالسبّ والشتم والتهديد ، بل بعضهم هدّد بالقتل ، وهكذا وقف الجميع ، إلا من رحم الله – في وجه هذه الدعوة ، حتّى أُدخلنا السجن في بعض الفترات ، وأراد منّا من يدّعي الإصلاح أن نتأسف لمن نصحناه ، ونقبّل يده وركبته (!) ، فامتنعنا أشدّ الامتناع ، وقلنا بكلّ وضوح : لا دناءة في دين الله . ومع هذا كلّه ، فلله الحمد والشكر ، فقد أدّت هذه النصائح ثماراً طيبة ، فقد قبلها بعض الناس ، وترك ما هو فيه من ضلال وشرك . وما زلنا – ولله الحمد – ندعو إلى الله عزّ وجلّ بما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا إليه سلف الأمّة رضوان الله عليهم ، نسأل الله أن يثبتنا على دينه . أخوكم أبو عبد الله من اليمن . |
#29
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(28) توبة الممثلة سهير البابلي من الفنانات اللاتي التحقن مؤخراً بركب الإيمان ، الممثلة سهير البابلي ، تحدّثنا عن رحلتها إلى الإيمان فتقول : منذ خمس سنوات أحسست بأنّ في حياتي شيئاً خاطئاً ، ولكن حبّي لعملي كان كبيراً ، فطغى على هذه الأحاسيس في داخلي ، فكانت تطفو على السطح بين آن وآخر، ، وزادت تلك الأحاسيس عمقاً في داخلي منذ عامين ، فبدأت أغيّر أنماط حياتي بالمزيد من التقرب إلى الله ، فحاولت التعرف على كتاب الله أوّلاً ، وأخذت أقرأ ، وأستفسر ، وأعمل بقول المولى الكريم ، (( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) ( النحل : 43) . فكنت ألجأ إلى العلماء لأستفسر عمّا يستعصي عليّ فهمه من آيات وأحاديث ، فاكتشفت أنه ليس هناك ما هو أجمل ولا أفضل من التقرّب إلى الله ، وبكيت ودعوت الله أن يهديني ، ويأخذ بيدي إلى طريق الحقّ ، حتّى كان يوم من الأيّام التي لا أنساها ، كنت على موعد مع درس من دروس الإيمان من أحد الدعاة ، فإذا باللقاء يمتدّ لأكثر من ثلاث ساعات ، شعرت فيها بشعور يصعب عليّ تفسيره . وعدت إلى منزلي ، وصليت الظهر ، وبكيت كما لم أبكِ من قبل ، ودعوت الله أن يلهمني رشدي ، وأن يباعد بيني وبني الشيطان . وأمسكت بالمصحف ، وقرأت قوله تعالى : (( سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) ( النور : 1 ) فكان قرار الحجاب الذي نبع عن عقيدة وعزيمة ، بعد ما علمت بفرضيّته ، ودون مناقشة ، امتثلت لأمر الله . أما زملائي سابقاً في الوسط الفني فأقول لهم بإحساس إيماني صادق ، إنّ طريق الإيمان هو ثمرة الدنيا والآخر ، وإن طاعة الله خير من الدنيا وما فيها . وأقول لهم أنتم تعيشون في تيه وضياع ، وتعايشون الغفلة والدمار ، وإني أدعو لهم بالهداية . **** |
#30
|
||||
|
||||
: كل يوم قصة
(29) توبة الممثلة هدى رمزي . الطريق إلى الله عز وجل مفتوح أمام التائبين ، ومهما كانت الذنوب والآثام فرحمة الله قد وسعت كلّ شيء ، وهو القائل سبحانه : ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) ( الزمر : 53) . هكذا بدأت الممثلة التائبة هدى رمزي حديثها للمجلّة ، أمّا رحلتها إلى الهداية فترويها بقولها : منذ نشأتي الأولى وأنا في الوسط الفنّي ، فوالدي كان منتجاً ومخرجاً ، وشقيقي الأكبر كذلك ، وبعد تخرّجي من كليّة الإعلام – قسم الإذاعة والتلفزيون ، سلكت طريق الفنّ لعدّة سنوات ، ظللت خلالها أفكّر كثيراً في جدوى هذا العمل المليء بالذنوب . كنت في رحلة بحث متواصلة عن الفضيلة ، وتزوجت عدّة مرّات بحثاً عن تلك القيم الزائفة ، المفقودة في حياتي ، ورحت أقرأ واستمع كثيراً لشتّى الآراء والأفكار ، حتى شاهدت حديثاً لأحد المشايخ المعروفين في التلفزيون ، ومن فرط تأثّري به حاولت الاتصال بهذا الداعية الجليل .. وبالفعل أعطاني عدّة كتب ، وحدّثني كثيراً عن قيم الإسلام السامية دون أن يصرّح ، ومن تلقاء نفسي وجدت أنّ حظيرة الإسلام هي أفضل ما يمكن اللجوء إليه ، وبعد قراءات واتّصالات مع الشيخ قررّت اعتزال هذا العفن نهائياً ، وإعلان توبتي إلى الله – عزّ وجلّ- ، واكتشفت أنّ هذا التصرّف هو ضالّتي المنشودة التي كنت أبحث عنها منذ سنوات ، ثم وجدتها والحمد لله . وأنا الآن أقضي معظم وفتي في قراءة القرآن وكتب الفقه حتّى أعوّض ما فاتني من علوم الدين الضرورية التي لا يسع مسلم الجهل بها . أمّا ما أنوي عمله – إن شاء الله – فهو تأسيس دار لتشغيل الفتيات المسلمات ، وتعليمهن أصول دينهنّ ودنياهنّ أيضاً حتى يستطعن مواجهة الحياة وتربية النشء ، كما أنوي أيضاً – إن شاء الله – تأسيس دار للأيتام ورعايتهم ، لأنّ كافل اليتيم له أجر عظيم عند الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين )) وأشار بأصبعه ؛ السبّابة والتي تليها وأنا أطمع في تلك المكانة الرفيعة . أما رأيها في الفنّ بشكله الحالي ، فتقول : إنّ الوضع القائم الآن باسم الفنّ حرام بكلّ المقاييس ، ولا يمكن أن يسمّى فنّاً ، بل هو عفن وفساد ، ومجون واختلاط ، ودمار للأخلاق والمجتمعات ، فهو لا يخدم المجتمع ، ولا يقدّم قيماً ولا مثلاً للشباب ، فيكف يكون حلالاً . نحن نقول حرام بعد أن خضنا تجربته ، وعندنا الدليل والحجّة على ذلك ، فما يجري فيما يسمّى بالوسط الفنّي حالياً لا يمكن أن يمتّ للدين بصلة ، فالإسلام يحضّنا على الالتزام والصدق والنقاء والفضيلة ، والفنّ اليوم يدعو إلى ضدّ ذلك . وفي نصيحة للاتي لا زلن في ذلك الوسط تقول : أقول لهنّ : إنّ الطريق إلى الله خير وأبقى ، وهو دائماً مفتوح للتائبين ، وحين ترجعن إلى حظيرة الدين ستعلمن أنّ ما يقدّم باسم الفنّ ما هو إلا عفن ، ولا علاقة له بالدين ، بل هو من المحرّمات والفساد المنهي عنه ، لأنّه علاوة على كونه لهواً لا يفيد شيئاً فهو أيضاً يعتمد المحرّمات سبيلاً ، ويكرّس الخطيئة ، ولا يهدف إلى الصالح العام، فتبن إلى الله ، فهو توّاب رحيم . أمّا اللاتي تبن ثمّ عدن إلى غيّهن ، فأقول لهن ما قاله الله – عزّ وجلّ – في سورة التوبة : (( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) ( التوبة : 115) . فهؤلاء كان في نفوسهن مطمع ومرض ، ولما لم يمكنهن مما أردن ، عدن إلى الشيطان )) . هذا ما قالته الفنانة سابقاً هدى رمزي عما يسمى بالوسط الفني ، وهو كلام قيم يبين حقيقة ما يجري في ذلك الوسط العفن الذي تتحدث عنه كثيراً وسائل الإعلام ، وتلمع أهله !ّ! |
|