عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > منتديات عامة > شعر و أدب
مواضيع اليوم
شعر و أدب واحة من الخيال والحقيقة ونشر المشاعر النبيلة الهـادفة من شعر وخواطر وروايات

عمانيات   عمانيات
الرد على الموضوع
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 05/06/2006, 11:21 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
رواية "مزرعة الحيوان"

[align=justify]
مزرعة الحيوان لجورج أورويل

أود التنويه انه خلال ترجمتي لهذه الرواية أبحت لنفسي الحق أن أحذف جملا وفقرات ارتأيت إن حذفها لن يخل بمضمون الرواية وذلك لتكرار مقصدها أو لإسهاب الكاتب في وصف الأحداث. كما أعطيت لنفسي الحق في إعادة كتابة بعض الفقرات التي قد لا يفهما قارئ العربية لو ترجمت، وذلك لتعبيرها عن أحداث وممارسات غير مألوفة لديه. ولا أعد هذا التلخيص تطاولا على أسلوب "جورج أورول" في كتابة هذه الرواية العظيمة، فليس لمثلي القدرة على إضفاء شيء على عمل روائي عظيم كمثلِ "جورج أور ول"، وكل ما قمت به هو أني تحركت في إطار ما تبيحه لي تقاليد الترجمة في هذا النوع من النصوص.. محاولة مني لجعل قارئ الرواية أقرب إلى ما أراده المؤلف قوله، فأنا هنا لم أتقيد بالترجمة الحرفية للنص، وإنما سلكت أسلوب الترجمة بالتصرف؛ ففي ترجمة النصوص الأدبية قد تكون الترجمة بتصرف اقرب إلى ذائقة قارئ اللغة المنقول إليها النص!

عن الرواية والروائي

الرواية ـ مزرعة الحيوان: فنتازيا على لسان حيوانات لمضامين اجتماعية وسياسية.. تحكي قصة تمرد حيوانات مضطهدة ومستغلة على صاحب مزرعة تعيش فيها، وإثر نجاح ثورتها تقرر الحيوانات تدبير أعمال المزرعة وإدارتها من دون الحاجة إلى التعامل مع الإنسان أو الاستعانة بخبراته.



ومن خلال سعيها لترسيخ مبادئ "الحيوانية" تتوصل الخنازير ـ أكثر حيوانات المزرعة ذكاءً ـ إلى صياغة سبع وصايا تتلخَّص في عدم التشبه بالإنسان ورفض سلوكياته ونبذ طرائق عيشه!

وفي ظل مجتمع تسوده العدالة والمساواة تنجح الحيوانات في تشغيل المزرعة على الرغم من العداوات والمؤامرات التي تحاك ضدها داخل المزرعة وخارجها، بيد أن زعيم الثورة ـ الخنزير نابولين ـ يغدر برفاقه بعد أن يتخلص من أقوى منافسيه في قيادة الثورة بتهمة الخيانة والتعاون مع الأعداء، ويستبدل أفكار الثورة ومبادئها تدريجيا بالكذب والغش والتضليل، ويغير شعار "كل الحيوانات سواسية" بآخر أصبح من الأقوال المأثورة بين سكان المزرعة "كل الحيوانات سواسية، لكن بعض الحيوانات أكثر سواسية من غيرها"، ويبدأ بمعاونة الخنازير وحماية الكلاب، الترفع عن بقية الحيوانات شبيهة بتلك التي كان يمارسها سابقا صاحب المزرعة ورجاله، كما أمرها بتعلم المشي على قوائمها الخلفية فقط وحمل الكرابيج بين أصابع أرجلها الأمامية.

وفي آخر المطاف تجتمع الخنازير بأصحاب المزارع المجاورة على وليمة لشرب الأنخاب احتفاء بإقامة علاقات على أسس متساوية بين مزرعة الحيوان ومزارع المنطقة، فيختلط الأمر على الحيوانات الأخرى التي كانت تراقب الحديث وتجول ببصرها بين وجوه المحتفلين داخل بيت المزرعة عاجزة عن التمييز بين الرجال والخنازير.

رسم جورج أورويل في روايته " مزرعة الحيوان " صورا رائعة لسلوكيات الحيوانات تجاه الثورة، والتي تباينت بين الكذب والصدق والأنانية والتضحية والتسلط والديمقراطية والتسيُّب والالتزام والغدر والإخلاص وجسَّد هذه المعاني ودوافعها بوضوح في شخصيات الرواية.

الكاتب جورج أورويل: ولد في الهند عام 1903، حيث عمل والده في قسم الخدمة المدنية. انتقلت أسرته إلى إنجلترا عام 1907 والتحق بكلية إيتون عام 1917، حيث كتب في عدة مجلات جامعية. غادر بريطانيا عام 1921 لينضم إلى سلك الشرطة الإمبراطورية الهندية في بورما، لكن سرعان ما استقال امتعاضا من سياسة ممثلي حكومته في الشرق كما تبين روايته الأولى "أيام بورمية" 1934.

عاد إلى بريطانيا بعد ذلك حيث عاش سنوات عدة فقيرا بين الصعاليك والمتشردين وسجل مشاهداته عن تلك التجربة في روايته "صعاليك في باريس ولندن"، ثم عمل مدرسا وكاتبا غير متفرغ لبعض الدوريات ولكنه ترك العمل بسبب سوء حالته الصحته. وفي نهاية عام 1936 ذهب إلى أسبانيا للقتال إلى جانب الجمهوريين ضد قوات الدكتاتور فرانكو فأصيب بجراح. يعتبر كثيرون روايته للحرب الأهلية الأسبانية "بيعة كاليدونيا" من أعظم إنجازاته الأدبية.

انظم خلال الحرب العالمية الثانية إلى صفوف الحرس الوطني إلى جانب عمله بقسم الخدمات الشرقية بهيئة الإذاعة البريطانية. أصيب بمرض السل وأمضى الفترة ما بين عام 1947 و 1950 يتردد على المستشفيات توفي عام 1950 عن عمر يناهز السادسة والأربعين وهو في أوج عطائه.

أثار أورويل الجدل حول كثير من كتاباته، ومع أنه لم يكن فيلسوفا أو منظرا سياسيا، إلا أنه دفع الناس إلى التفكير جدياً بالعقائد والقيم التي يدعو لها الآخرون دون الرضوخ إلى المعاناة الاجتماعية والاقتصادية. كان يؤمن بقدرة الإنسان على تصحيح مسار حياته والتغلب على المصاعب من خلال سلوك راديكالي جِذْرِيِّ سهل: أن يفكر ويمارس حق التفكير وحده ولا يدع الآخرين يفكرون نيابة عنه.

صدرت لأورويل كتب عدة، ولكن شهرته ذاعت بعد نشر رواية "مزرعة الحيوان" التي رفضت بعض دور النشر إصدارها في البداية، ونفد منها، خلال الأسابيع الأولى من توزيعها، مليون نسخة. وتعززت شهرته بعد صدور روايته "ألف وتسعمائة وأربع وثمانين" وهي نبوءته بمستقبل العالم سنة 1984 التي تقع فيها أحداث القصة، وحين ينقسم العالم إلى ثلاث قوى عظمى: أورشينيا وإريشا وإستاشيا التي تخوض حربا أزلية بعضها ضد البعض الآخر. وفي أورشينيا يحكم الحزب قبضته على الدولة من خلال أربع مصالح حكومية تتمتع بسلطة مطلقة: وزارة السلام التي تتولى شؤون الحرب ووزارة الحب "المقر الرئيسي لشرطة الفكر المرعبة" التي تضطلع ببسط الأمن وتطبيق النظام ووزارة الوفرة التي تعنى بتوزيع حصص المُؤَن ووزارة الحقيقة التي تتولي الدعاية ونشر الإشاعات. وتتعاون هذه الهيئات معا على فرض مراقبة دقيقة لكل حركة وكلمة وإشارة، أو رأي. وقد بطن أورويل روايته بإطار من السخرية والتهكم اللاذعين.

وتعد القصة التي كتبها تحت وطأة المرض واحدة من أكثر القصص إثارة للعواطف التي صدرت آنذاك. قصة المواطن وينستون سميث وتمرده على الحزب.




من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #2  
قديم 06/06/2006, 07:21 AM
صورة لـ مضاوي
مضاوي
مُجتهـد
 
[align=justify]تسلم كاتبنا الكبير على هذه البداية المشوقة ونتوق الى الاستمتاع بباقي القصة
الله لا يحرم المنتدى منك ومن عطائك الغزير المعنى والفائدة
الله يعطيك العافية:90:



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #3  
قديم 06/06/2006, 02:50 PM
بدر
مُثــابر
 
إقتباس
  اقتباس من مشاركة محمد عيد العريمي
[align=justify]

فأنا هنا لم أتقيد بالترجمة الحرفية للنص، وإنما سلكت أسلوب الترجمة بالتصرف؛ ففي ترجمة النصوص الأدبية قد تكون الترجمة بتصرف اقرب إلى ذائقة قارئ اللغة المنقول إليها النص!

[/color]


أتفق معك سيدي الفاضل وأستاذي الكاتب / محمد عيد .. ولا بد أن لكل مترجم نظرته في ترجمة الاعمال الأدبية خاصة إذا ما كانت تحمل نزعة السياسة والخلافات الفكرية .. حيث أن لكل مجتمع نظرته ولكل اديب وثقافته .. وفي النهاية تتلاقح فكرة الكاتب مع تجربة المترجم مع انطباع القارئ ..


ألف شكر لك استاذي ويشرفني المرور هنا



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #4  
قديم 07/06/2006, 10:06 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
[align=justify]وصلتني الرسالة التالية من احد اعضاء المنتديات، وللامانة انقلها كما هي:

"مع احترامي الشديد لشخصك فانك لم تشر لامن بعيد او من قريب الى ان قصة مزرعة الحيوانات اصلا مترجمة منذ 20 سنة الى اللغة العربية وانا املك نسخة من هذه الترجمة وموجودة حتى في مكتبات عمان وكنت اتمنى ان تشير الى ذلك . وعدم الاشارة الى ذلك اما هو عدم معرفة منك بذلك وهذا غير منطقي باعتبارك اديب وقاص او تجاهل وهذا ظلم الى الترجمة الاولى وكان يجب الاشارة لها واتمنى ان تصحح الخطاء وتخبر مرتادي هذا المنتدى الى هذا الامر بان هناك ترجمة عربية مسبقة الى ذلك وانما انت تقوم بترجمة بالتصرف بالنص كما فعل كاتبنا الكبير المنفلوطي في جميع مؤلفاته القصصية التي ترجمها بتصرف وهي روايات عالمية لم ياخذ بالترجمة الحرفية للجملة او النص
مع شكري الكبير لك ولابداعك ولجهودك الرائعة والله يوفقك دائما."

اولا اود ان اشـكر الاخ العـزيز كاتب الرسالة على ملاحظته القيمه، وفعلا اعتذر عن عدم التنويه بوجود ترجمات اخرى لكن السبب بلا شك ليس التجاهل وانما ظنا ان الاشارة الى ذلك من البديهيات التي لا تحتاج الى ذكر.
لن أزعم أن ترجمتي لرواية "مزرعة الحيوان" أفضل أو تختلف عن سواها من ترجمات سابقة للرواية، بيد أن ما دفعني الى الاضطلاع بهذه المهمة هو الإساءة التي تعرضت لها هذه الرواية التي استطاع كاتبها بمهارة فائقة ان يجمع فيها بين قوة الموضوع وجمال الصياغة.



لقد صدرت ترجمات للرواية إلى العربية، ولكن ما وقع منها في يدي ترجمتين، وكليهما أساءا لهذا العمل الروائي العظيم أيما إساءة. وأنا هنا لا أتحدث عن مستوى الترجمة وإنما عن شكل الطباعة. فـ"دكاكين" النشر والطباعة في عالمنا العربي تفتقر إلى الحد الأدنى من المهنية ولا تلتزم بتقاليد النشر ولا تقيم وزنا لحقوق الملكية الأدبية.. المادية منها والمعنوية أيا كانت طريقة أو شكل التعبير عنه!

فخلال سعيهم لتحقيق العائد المادي تتساوى عند أصحاب هذه المطابع مواضيع النصوص، فلا فرق لديهم بين رواية "مزرعة الحيوان" أو سواها من نصوص هابطة. وكنت قد اطلعت مؤخرا على طبعة جديدة للرواية، وهالني ما رأيت! فقد طُبع النص في "كتاب" لا يختلف كثيرا في الطباعة وشكل الغلاف والورق عن كراس مدرسي زهيد الثمن.
آخرهما كان في معرض الكتاب

إن اشتغالي على ترجمة هذه الرواية لم يكن بهدف اضافة جديد الى أسمي، وان كان اقتران اسمي كمترجم باسم جورج اورول على غلاف هذه الرواية أحسبه تشريفا لي وان لم يشرفني احد به، وانما هو لاعادة الاعتبار الى هذا العمل الكبير.

فلقد اتفقت الاسبوع الماضي مع دار نشر لبنانية مرموقة لطبع الكتاب وتوزيعه بعد الانتهاء من نشره في الجريدة. وكان اختيار جهة النشر وحجم الكتاب ونوع الطباعة ونوع الورق، بل وحرصي على ان اضع فكرة الغلاف بنفسي واختيار لوحة الغلاف للفنان العماني حسين عبيد خوفا من أن يتعامل مصممو الاغلافة هناك مع غلاف "مزرعة الحيوان" من دون الاعتبار والاحترام الذي تستحفة، جاء انطلاقا من تقديري الجم لـ"جورج أورويل".. الروائي وإنسان. فسيرة حياة "جورج أورويل" تكشف عن كاتب متميز ورجل ملتزم إلى أقصى حدود الالتزام كما اشرت في مقدمة الترجمة.. اعلاه.
في الختام اكرر شكري للاخ صاحب الرسالة، وبالفعل سعدت بملاحظته وآمل ان يغدو هذا النوع من التفاعل قاعدة في المنتديات!
لا حرمت



الصور المرفقة
نوع الملف: jpg ANMAL-Fnt.JPG‏ (25.9 ك/بايت, عدد مرات التحميل : 853)
من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #5  
قديم 07/06/2006, 11:01 PM
صورة لـ سماء بلادي
سماء بلادي
خليــل
 
محمد عيد العريمي .. بارك الله مسيرتك الثقافيه .. وكم يشرفنا أن نرى


بعض من روائع ما ترجمته .. متشوقين فعلا لنرى الابداع الحقيقي ..
أسجل إعجابي بشخصك المثابر على الوصول بالادب للقمة .. وكم
أفخر وأتشرف أن يكون كاتب عماني بنفس حجم طموحك سيدي ..


:rose08:



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #6  
قديم 08/06/2006, 01:21 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
[align=justify]الفصل الأول

عاد السيد جونز، صاحب المزرعة، إلى المنزل يترنح يميناً وشمالاً بعد أن أوصد فتحات قن الدجاج، لكنه كان ثملا للغاية فنسى قفل أبواب الحظيرة. وكعادته ارتشف كأسا من البيرة وهو في طريقه إلى غرفة النوم. وهناك كانت زوجته في السرير تغط في نوم عميق.

وما كادت الأنوار في غرفته تُطفأ حتى سرى في أرجاء المزرعة دبيب خافت. فقد دار الحديث خلال ذلك النهار أن العجوز ميجر، ذكر خنزير، رأى حلما غريبا ليلة أمس، وأبدى رغبته في أن يرويه لبقية حيوانات المزرعة. اتفقت الحيوانات جميعها على اللقاء في الحظيرة الكبيرة حالما يأوي السيد جونز إلى فراشة.

كان العجوز ميجر يحظى باحترام حيوانات المزرعة على اختلاف أجناسها وألوانها، وكانت على استعداد، وعن طيب خاطر، لمنحه ساعة من وقت نومها للاستماع إلى ما يريد قوله.

في أحد جوانب الحظيرة الكبيرة وعلى منصة مرتفعة قليلا اِضْطَجَعَ العجوز ميجر على مرقده المفروش بالقش. يبلغ العجوز ميجر من العمر اثنتي عشرة سنة، وعلى الرغم من كونه سمينا ومترهل الجسد، إلا انه يتمتع بمظهر مهيب وحضور قوي.

أخذت الحيوانات تصل إلى مكان الاجتماع تباعا، واحتلت أماكنها بعد أن قامت بحركات مألوفة للقعود في أوضاع مريحة. كانت الكلاب الثلاثة: بلوبل وجسي وبنتشر أول من دخل الحظيرة، ثم تلتها الخنازير التي جلست أمام المنصة مباشرة، أما الدجاج فقد جثم على فتحات النوافذ وفعل الحمام مثله على العوارض، في حين جلست الأبقار خلف الخنازير تَجْتَرُّ الهواء بلا كلل!

بعد ذلك، وصل حصانا النقل بوكسر وكلوفر.. يمشيان سوياً على مهل. كانت كلوفر فرسا متوسطة العمر لم تحافظ على رشاقة جسدها بعد حملها الرابع، أما بوكسر فهو حيوان عظيم البنية ذو قوة تساوي قوة حصانين. وعلى الرغم من مظهره الساذج وذكائه المتواضع، إلا أن جميع حيوانات المزرعة تكن له الاحترام والتقدير لصلابة شخصيته وقوة احتماله للعمل.

وبعدهما دخلت مولي، المهرة البيضاء الجميلة.. تمشي بدلال وهي تلوك قطعة من قصب السكر، وتحرك عنقها من جانب إلى آخر لإثارة الانتباه إلى الشرائط التي تظفر عُرْفها الكث، وتبعها الحمار بنجامين: أكبر حيوانات المزرعة سناً.ً وأكثرها عصبية.. عابس الوجه.. لا يضحك إلا فيما ندر. وإذا سئل:
ـ لماذا؟
كان يرد دائما بنفس الجواب:
ـ لا أجد ما يدعو للضحك!

وعلى الرغم من طباعة الحادة، إلا أن الحمار بنجامين كان شديد الوفاء ومولعا بالحصان بوكسر. كانا يمضيان أيام الأحد معا في مزرعة الخيول يرعيان جنبا إلى جنب من دون أن يتفوها ببنت شفه.

ما كاد الحصانان يأخذان مكانيهما في الحظيرة حتى دخلها مجموعة من فراخ الإوز مزقزقا من جانب إلى آخر بحثا عن مكان آمن بعيدا عن أقدام الحيوانات الكبيرة، وما أن رأتهما الفرس كلوفر حتى صنعت من أرجلها الأربع حائطا آمنا لحمايتها، فدخلت صغار البط وسرعان ما غطت في نوم عميق استمر طوال ساعات الاجتماع.
***
عندما شعر العجوز ميجر اكتمال عدد الحضور، وقد اتخذ كل حيوان مكانه المريح، وكانوا ينتظرون حديثة بحماس تنحنح وقال:
ـ لا بد أنكم جميعا سمعتم بالحلم الغريب الذي رأيته في منامي ليلة أمس، لكن ثمة أمر مهم أود التحدث إليكم بشأنه قبل ذلك، وسآتي على قصة الحلم فيما بعد.

ثم تنحنح مرة ثانية وقال:
ـ أيها الأصدقاء.. لم يعد في العمر متسع من الوقت، ولا أظن أن الزمن سيمهلني مدة أطول بينكم قبل أن توافيني المنية، وأشعر أن من واجبي أن أترك فيكم الحكمة التي اكتسبتها من تجارب حياتي الطويلة، ويمكنني القول أني فهمت طبيعة الحياة على هذه الأرض بعد أن أمضيت الأيام الأخيرة في مربضي وحيداً أفكر في مغزاها. عن هذا الموضوع، يا أصدقائي، سأتحدث إليكم:
ـ دعونا الآن نتساءل عن معنى حياتنا هذه؟ دعونا نواجه الحقيقة؟ إن حياتنا تعيسة ومُستَغَلة وقصيرة، إننا نشقى ونعمل بجد، ونُطْعَم ما يسد الرمق ويحفظ الأرواح في الجسد ليس إلا، وحالما تنتهي الحاجة إلينا سواء بسبب العجز أو المرض نذبح بوحشية.
ثم قال وهو يهز رأسه:
ـ لا أعتقد يا أصدقاء أن هناك حيواناً يعرف للسعادة طعماً أو للرفاهية معنى.



وأضاف بعد أن تفحصت عيناه الوجوه التي غشاها الحزن أمامه:
ـ إن حياتنا بائسة، وهي ليست سوى سلسلة من العبودية والاضطهاد! هذه هي الحقيقة المرة يا أصدقاء.
ثم تساءل قائلا: "أمن أجل حياة كهذه خلقنا؟ هل حدث هذا لأن أرضنا فقيرة جدباء.. قليلة العطاء، وخيراتها لا تكفي لإطعام من يدب عليها؟! كلا يا أصدقائي كلا!

إن تراب أرضنا خصبٌ وطقس بلادنا ممطر، وأرضنا معطاءة قادرة على إنتاج كميات وافرة من الغذاء تكفي لإطعام عدد أكبر من عدد الحيوانات التي تعيش عليها، وبوسعها أن تنتج ما تحتاجه دزينة من الخيول وعشرين بقرة ومئات الخراف، ويمكن أن نعيش عليها في راحة وكرامة لا يمكن تخيلهما.

إذن لماذا تستمر هذه الأوضاع البائسة؟ ولماذا نرضى أن يسلب الإنسان نتاج عملنا ويجني ثمار تعبنا؟ ذلك، يا أصدقائي، هو الجواب عن تساؤلاتنا: الإنسان هو عدونا الوحيد.. هذا المخلوق الذي يستهلك ولا ينتج ويعيش على كد الآخرين وعرقهم! فهو لا يعطي الحليب ولا يضع البيض، ولا يستطع سحب المحراث ولا يركض بسرعة للإمساك بالأرانب، ومع ذلك فهو سيد الحيوانات يستغلها للعمل والكد ويسخرها لخدمته وراحته، وفي نهاية اليوم يرمي لها فتات طعام.. ليس حبا فيها وإنما ليبقيها حية.. قادرة على العمل في اليوم التالي.

"يا أصدقاء، إن قوتنا تحرث الأرض وروثنا يسمدها، ومع ذلك فلا أحد منا يملك أكثر من جلده". وهو ينظر إلى البقر قال:
ـ أنت أيتها الأبقار التي أراك أمامي تجترين الطعام من جوفك، كم ألف من جالونات الحليب أعطيوزت خلال العام المنصرم. أين هي.. ماذا حصل لها؟ إن كل نقطة منه ذهبت الى فم عدونا. وأنت أيها الدجاج لم تكوني أفضل حظا أيضا، وتسأل:
ـ وانتن يا دجاج كم بيضة وضعتن هذا العام؟ هل صار دجاجا؟ لا.. لقد ذهب كله الى الاسواق ليجلب المال لجونز ورجاله.

وما كاد العجوز ينطق باسم صاحب المزرعة حتى سرت همهمة خفيفة بين الحيوانات، وسرعان ما تلاشت عندما تساءل:
ـ وأنت يا كلوفر، أين أولادك الأربعة؟ كان من المفترض أن يكونوا مسرة وعون شيخوختك. لقد باع جونز كل واحد منهم قبل أن يكمل عامة الأول، ولن تكتحل عيناك برؤيتهم طوال حياتك. وماذا كانت مكافأتك على التضحية بأولادك ومقابل عملك بالحقل؟ لاشيء تماما.. لا شيء غير حصة قليلة من الطعام ومرقد قذر.

"ليس ذلك وحسب يا أصدقاء! فحتى حياتنا البائسة هذه لا يسمح لها أن تأخذ مدارها الطبيعي، فلن يفلت منا أحد من وحشية حد السكين".
وهو ينظر في عيون الخنازير التي احتشدت أمامه فاغرة أفواهها قال:
ـ وأنت أيتها الخنازير اليافعة، سوف تُنتزع أرواحكم قبل أن تكملوا عامكم الأول!

"من أجل هذا الرعب والوحشية في المعاملة، يجب أن نتحد أبقار وخنازير، ودجاج، وخراف.. وحتى الخيول والكلاب لن تكون أوفر حظا. فحياتنا متشابهة، أيها الأصدقاء، ومصيرنا واحد، فمن لم يمتْ بحد السكين سيلقى حتفه مريضا في مربضه.

وبدلا من أن ترتفع الأصوات بعد أن حبست بعض الحيوانات غضبها بانتظار أن ينهي العجوز حديثه، جاءت كلماته الأخيرة باردة لتطفئ النار التي اشتعلت داخل النفوس البائسة:
ـ أليس الأمر جلياً، يا أصدقاء، أن كل الشرور التي نعاني منها والتعاسة التي نتجرع مرارتها طوال حياتنا هي من صنع يد الإنسان؟ الإنسان أيها الأصدقاء هو مصدر شقائنا.. تخلصوا منه وحينئذ فقط سنكون أسياد أنفسنا وسيغدو نتاج عملنا لنا لا لغيرنا، وبين ليلة وضحاها ستجدون أنفسكم أحراراً وأغنياء. أعملوا ليلا ونهارا روحا وجسدا للإطاحة بالجنس البشري. هذه هي وصيتي لكم أيها الأصدقاء: الثورة على الإنسان.

أيها الأصدقاء أنا لست عرّافا ولا أضرب الودع، وليس بوسعي استشراف المستقبل. لا أعرف في الحقيقة متى ستبدأ الثورة وكيف سيكون شكلها؟! هل ستبدأ بعد أسبوع أم في غضون شهر أو سنة؟! لا أدري، ولكني على يقين تام، كرؤيتي لهذه القشة أمامي، أن الفرج آت لا محالة وأن النصر، طال الزمن أم قصر، سيكون لنا

وسيسود العدل مزرعتنا هذه، وسنصبح أحرارا وأسياد أنفسنا.
"فكروا بذلك جيدا يا أصدقاء فيما ما تبقى من حياتكم القصيرة، وأهم من ذلك كله بلغوا وصيتي هذه لمن يأتي بعدكم لكي ترفع الأجيال القادمة راية النضال حتى النصر".

وتذكروا دائما أن لا يخبو عزمكم وإصراركم على الثورة أو الموت دونها، ولا تصدقوا إذا قيل لكم أن بين الحيوان والإنسان مصالح مشتركة، وأن ازدهار أحدهما مرهون بازدهار الآخر. كلا يا أصدقاء.. كلا، هذه أكذوبة كبيرة، فالإنسان مخلوق أناني لا يحب غير نفسه. أما بينكم فأقيموا علاقات مصيرية كاملة من أجل الكفاح ضد عدوكم المشترك.

"والآن لم يبقَ لدي مما أردتُ قوله إلا القليل، وأذكركم مرة ثانية: لا تنسوا التزامكم العدواني تجاه كل وسائل معيشة الإنسان. من يمشي على رجلين فهو عدو، ومن يمشي على أربعة أو يطير فهو صديق. تذكروا أيضا، في غمار حربكم ضد الإنسان، أن لا تتشبهوا به ولا تقتبسوا رذائله حتى إذا سيطرتم عليه. لا يجب على حيوان أن يسكن منزلا أو ينام على سرير أو يرتدي ثيابا أو يشرب خمراً أو يدخن تبغا أو يلمس نقودا أو يعمل بالتجارة، فجميع عادات الإنسان سيئة، وأهم من ذلك كله أن لا يستبد حيوان بأخيه الحيوان سواء كان قويا أم ضعيفا، ذكيا أم لا.. نحن أخوة جميعنا وكلنا متساوون.

"والآن أيها الأصدقاء سأروي لكم ما شاهدته في منامي ليلة أمس، ولكن سيتعذر عليَّ وصف الحلم بتفاصيله. إنه باختصار رؤية لمستقبل الأرض خالية من جنس البشر، ولقد أعاد هذا الحلم لذاكرتي حدثا مر عليه زمن طويل.. ذكرني بأيام خلت حين كنت خنزيراً صغيرا. فقد كنت أسمع أمي وصديقاتها يترنمن بأنشودة لم يكن يَعْرِفنَ منها سوى النغم وكلماتها الثلاث الأولى. وتعلمت أن أنشد معهن تلك الكلمات غير أني لم أعد، بعد أن بلغت من العمر أرذله، أذكر شيئا منها.

"وليلة أمس راودني ذلك المشهد في منامي، وأكثر من ذلك تداعت كلمات الأغنية كلها إلى ذاكرتي، ويقيني، أيها الأصدقاء، أن الحيوانات قد أنشدت هذه الأغنية نفسها في زمن بعيد مضى".

"إنني كما تعلمون عجوز غليظ الصوت، ولكن هذا لن يحول بيني وبين التغني بها على مسامعكم لكي تسمعون لحنها وتحفظوه وستغدون قادرين على أدائها بأنفسكم. هذا النشيد، أيها الأصدقاء، يسمى "حيوانات إنجلترا".

تنحنح العجوز ميجر أكثر من مرة، وبدأ يغني. أنشد الأغنية بصوت ـ وإن كان أجشا ـ مثير للحماس:
حيوانات إنجلترا، وحيوانات أيرلندا
حيوانات كل أرض ومناخ
أصغوا إلى أخباري السـارة
عن زمن المسـتقبل الذهبي
آجلا أم عاجلا اليوم آت
ليلقى الإنسان المستبد حتفه
ولن تطأ حقول إنجلترا الخصبة غير الحيوانات
ستزول الحلقات من أنوفنا
وسنرمي السروج من على ظهورنا
وسـتصدأ المهاميز والشكائم إلى الأبد
ولن تلسـعنا السـياط القاسية بعد اليوم
وتزداد ثرواتـنا بما لا يتصـوره عقل
وسيكون القمح، والشعير، والشوفان،
والعشب، والبرسيم، والفاصوليا، والجزر ملكا لنا.

أثار غناء العجوز ميجر حماس الحيوانات المحتشدة، وما كاد ينهي كلماتها حتى أنشدتها الحيوانات كلها معه.. بطيئة الفهم منها حفظت النغم وبعض من كلماتها، بينما استطاعت الحيوانات الذكية كالخنازير والكلاب حفظ الكلمات كلها عن ظهر قلب في دقائق معدودة.

وبعد محاولات عدة، ارتفعت أصوات حيوانات المزرعة كلها متغنية بأنشودة حيوانات "إنجلترا": خارت بها الأبقار، ونبحت بها الكلاب، وثغت بها الخراف، وصهلت بها الجياد. ولشدة غبطتها تغنت بها مرات عديدة! كان بوسع الحيوانات قضاء الليل بطولة تغنى أنشودة "حيوانات إنجلترا" لو لم يقع ما كدر صفو اجتماعها وقطع عليها نشوة الغناء!

فقد استيقظ السيد جونز مذعوراً على حركة وأصوات بدت غير مألوفة له خلال تلك الساعات المتأخرة من الليل.. ظنا منه أن ثعلبا هاجم الحظيرة، فسحب بندقيته التي كانت دائما محشوة بالرصاص وموضوعة في جانب من الغرفة تحسبا لمثل هذه المواقف، وأطلق ست طلقات في الظلام باتجاه الحظيرة. وما كادت الطلقات الست تستقر في جدران المبنى، حتى سرى في أرجائه، بعد كل ذلك الصخب، هدوء مفاجئ.. هرب كل حيوان إلى مكان نومه: قفزت الطيور إلى أقنانها، وهرعت الحيوانات إلى مرابضها وجثمت بين أكوام العشب، ولم تمضِ دقائق إلا وغطت المزرعة في نوم عميق!



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #7  
قديم 15/06/2006, 11:00 PM
صورة لـ زهرة الخزامى
زهرة الخزامى
ودود
 
موضوع رائع مترجم مبدع وترجمه موفقه

مشكور
مشـ...كـــــور
مشكور......مشكور
مشكور............... مشكور
مشكور............... .. .........مشكور
مشكور.........مشكور. ............. .........مشكور...... ...مشكور
مشكور............... مشكور.......... .....مشكور.......... .....مشكور
مشكور............... ..........مشكور .................... ..........مشكور
مشكور............... ............. .................... ..........مشكور
مشكور............... ........... .................... ........مشكور
مشكور............... ........ .................... .....مشكور
مشكور............... ..... .................... مشكور
مشكور............... .. ................مشكو ر


مشكور.............. ............مشكور
مشكور........... .......مشكور
مشكور........ ...مشكور
مشكور...... .مشكور
مشـــــكـــــور
مشكور

متابعين و معانقين لأحرفك
دمت للكلمه



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #8  
قديم 15/06/2006, 11:34 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
[align=justify]مزرعة الحيوان / الفصل الثاني / جورج أورويل

بعد ثلاثة أيام من ذلك الحدث ـ وكان ذلك في أوائل شهر مارس ـ داهم الموت العجوز ميجر في فراشة، فارق الحياة بسلام ودفن في جانب من بستان الفواكه. وإن مات كبير الخنازير، إلا أن ما بشر به في ذلك اللقاء ترسخ في عقول الحيوانات الذكية وأعطى حياتها بعدا جديدا ومعنى آخر لم تكن تدركه من قبل.

لا أحد يعلم متى ستنطلق شرارة الثورة التي تنبأ بها ميجر، ولم يكن ثمة ما يحمل على الاعتقاد أنها ستتحقق خلال حياة الحيوانات التي اجتمعت واستمعت للعجوز وهو يدعوها إلى حمل وصيته وتبليغها إلى الأجيال القادمة، لكن على الرغم من ذلك، كانت الحيوانات مؤمنة أن من واجبها التحضر والإعداد للثورة.

وكان من الطبيعي أن تضطلع الخنازير بمهمة توعية وتدريس بقية الحيوانات وتنظيمها. فهي، وباعتراف الجميع، أكثرها ذكاءً. وكان من بينها خنزيران يافعان لهما شأن كبير: الأول يدعى سنوبول والآخر اسمه نابولين. كان نابولين ضخم الجثة وقبيح الطلعة.. لا يجيد الكلام، ولكنه يشتهر بطرقته "الميكيافلية" في الوصول لما يريد، فالغاية عنده دائما تبرر الوسيلة. أما سنوبول فكان خنزيرا مفعما بالحيوية وأكثر نشاطا عن نابولين، وكان طليق اللسان وسريع البديهة، وله قدرة على الابتكار، ولكن شخصيته كانت أقل عمقا من نابولين.

ومن بين الخنازير التي كانت تنتظر ذبحها واحد اسمه سكويلر... سمين الجسد وذو وجه مدور وعينين لامعتين، وكان رشيق الحركة وحاد الصوت. كان سكويلر متحدثا بارعا له قدرة رهيبة على الحوار والإقناع.. مما حدا بالحيوانات الأخرى الى القول أن باستطاعة " سكويلر" تحويل الأسود إلى ابيض!

لقد عمل الثلاثة على توسيع مضامين حديث العجوز ميجر وجعلوا منها نظاما فكريا متكاملا أطلقوا عليه اسم "الحيوانية"، وأخذوا ينظمون اجتماعات سرية لشرح أسس ومبادئ الحيوانية. يبد أن لقاءاتهم الأولى اتسمت بكثير من النقاش السطحي واللامبالاة: كانت بعض الحيوانات تطرح مسألة الولاء للسيد جونز، وكانت تشير إليه بلقب "السيد"، أو تبدي ملاحظات عفوية مثل:
ـ "السيد جونز يطعمنا وسنموت جوعا إذا غاب".
وكان بعضها الآخر يسأل: "لماذا نكترث بشأن ما سيحدث بعد موتنا؟".
أو تقول:
ـ "بما أن الثورة ستتحقق في نهاية المطاف، فما الفرق بين أن نعمل من أجل حدوثها أو لا نعمل؟".

وكانت الخنازير تؤكد لها أن كل ذلك مخالف لمبادئ الحيوانية، أما أسخف الأسئلة فكانت تطرحها مولي، المهرة البيضاء، كقولها في أحد الاجتماعات:
ـ هل سيسمح لي بتعليق الأشرطة على رقبتي؟
فأجابها سنوبول:
ـ يا صديقتي إن الأشرطة التي تغرمين بها والتي تطوق رقبتك وتظفر عرفك ليست سوى شعارٍ للعبودية، فالحرية أسمى وأغنى كثيرا!

وكان من الصعوبة بمكان على الخنازير مواجهة الأكاذيب التي يلفقها الغراب موسيس.. لاسيما أنه متحدث بارع.. يجيد الإقناع ولفت الانتباه. وقد ادعى ذات مرة وجود مكان غامض يُدعى "جبل الحلوى" تنتقل إليه الحيوانات بعد مفارقة الحياة! وعلى الرغم من أن الحيوانات تكره الغراب لتقاعسه عن العمل ولبثه الأكاذيب والإشاعات، إلا أن بعضها كان يصدق وجود "جبل الحلوى".

كان بوكسر وكلوفر أكثر الحيوانات إخلاصا وانضباطا لهذه الدعوة. ومع أنهما كانا يواجهان صعوبة في التفكير إلا أنهما شديدا الثقة بالحنازير وسريعا الاستيعاب لما تقوله. كانا حريصين على حضور الاجتماعات السرية التي تعقد في الحظيرة، وكانا أول من يتغنى بأنشودة حيوانات إنجلترا التي تنتهي بها الاجتماعات عادة.
***
يبدو أن الظروف تهيأت لقيام الثورة قبل أوانها. فقد ساءت أحوال حياة السيد جونز، في السنوات الأخيرة، كثيرا. وعلى الرغم من أنه كان فلاحا قديرا، إلا أن الأمور أخذت منحى لغير صالحة.. لاسيما بعد أن فقد مبلغا من المال في دعوى قضائية.



وأخذ يسرف في الشرب على نحو أضر بصحته، وأهمل عمله. كان يمضي أياما بساعاتها جالسا على مقعده في المطبخ يعاقر الخمرة، ويقرأ الجرائد ويرمي فتات الخبز إلى الغراب موسيس بعد أن يبللها بالبيرة.. تاركا عمل المزرعة لرجاله الذين حذوا حذوه، فامتلأت الحقول بالحشائش الضارة وتداعت أسقف بعض المباني بعد أن أهمل صاحب المزرعة صيانتها، ولم تجد الحيوانات من يعتني بها، فرجاله ليسوا أفضل حالا منه، فهم لا يحركون ساكنا أيضا.

وذات مساء صيفي ذهب السيد جونز إلى حانة المدينة لتناول الخمر ولم يعد إلى المزرعة إلا في منتصف اليوم التالي. أما رجاله فقد حلبوا الأبقار في الصباح الباكر وذهبوا لصيد الأرانب من دون أن يتجشموا عناء إطعام الحيوانات. وعاد السيد جونز إلى المزرعة.. كان متعبا من شدة السكر، فنام في مقعده والجريدة على وجهه.

دخل الليل على الحيوانات من دون طعام؛ فنفدت مقاومتها، ولم تستطع على الجوع صبرا. وكان لابدّ مما ليس منه بدّ، فحطمت إحدى البقرات بقرونها باب مخزن المؤنة وتبعتها بقية الحيوانات إلى داخل المخزن وأكل كل حيوان ما استطاع أكله.

وعلى أصوات الصخب الذي أثارته الحيوانات الجائعة استيقظ السيد جونز واستدعى رجاله على وجه السرعة، وخلال دقائق دخل مع أربعة منهم المخزن وأوسعوا الحيوانات ضربا بسياطهم وركلا بأحذيتهم الثقيلة كيفما اتفق.

وكان ذلك اكثر مما تستطيع الحيوانات الجائعة تَحَمَُله. وبالإجماع، ومن دون تخطيط مسبق، صبت الحيوانات جام غضبها على مستعبديها، ووجد السيد جونز ورجاله فجأة أنفسهم وسط حيوانات هائجة تنطحهم وترفسهم وتعضهم من كل صوب وجانب، وخرج الوضع عن نطاق سيطرتهم. فقد أصابهم التمرد المفاجئ لحيوانات اعتادوا ضربها واثارة هلعها كلما حلا لهم، بالذعر والخوف، وسركان ما كفوا الدفاع عن أنفسهم وولوا الأدبار مطلقين سيقانهم للريح على الطريق المؤدية إلى البوابة الرئيسية، والحيوانات تجري خلفهم حتى أخرجتهم إلى الطريق العام وأوصدت البوابة خلفهم.

وحينئذ ـ فقط ـ أدركت الحيوانات ما حدث: لقد قامت الثورة وكُللت بالنجاح، وطرد جونز وزوجته وأصبحت المزرعة ملكا لها.

كان الحدث عظيماً، ويصعب تصديقه! وأصاب الذهول الحيوانات كافة حتى أكثر المتفائلين بسرعة قيام الثورة. وحينما استوعبت الحيوانات الثائرة حقيقة ما جرى، أسـرعت الى تفتيش أرجاء المزرعة للتأكد من لا أثر للإنسان داخل حدودها، ثم أقفلت عائدة إلى مباني المزرعة لإزالة ما تبقى من عهد جونز المقيت، فكسرت باب مخزن العدة وأخرجت شكائم اللجام، وحلقات الأنف، والأربطة، والسكاكين المرعبة التي كانت تذبح بها الخنازير وألقت بها في البئر كافة. أما السياط فقد أضرمت فيها النار وسط فرحة الحيوانات وسعادتها الغامرة. وفي غضون دقائق، اختفى كل ما يمت بصلة لعهد جونز.

وبعد ذلك قادها سنوبول إلى بيت المؤنة، وقدم لها حصة مضاعفة من الذرة، وقرصين من البسكويت لكل كلب، وأنهت الحيوانات الليلة أولى بعد قيام الثورة بإنشاد أغنية "حيوانات إنجلترا"سبع مرات، وخلدت الى مرابضها ونامت كما لم تنم من قبل.
***
استيقظت الحيوانات عند بزوغ الفجر كعادتها، وفجأة تذكرت الحدث الرائع الذي شهدته المزرعة يوم أمس، فأسرعت إلى المرعى حيث تجمعت فوق ربوة تطل على أرجاء المزرعة كلها. ووقفت، والدهشة تكتظ بها محاجر عيونها.. تحدق في أرجاء المزرعة على ضوء الصباح الصافي. نعم.. لقد تحقق الحلم، وصدقت "نبوءة" العجوز ميجر، وأصبحت المزرعة وما فيها وكل ما تراه أمامها ملكها.

وراحت الحيوانات ـ مأخوذة بنشوة الانتصار، والفرحة بما تحقق لها ـ تقفز من مكان إلى آخر.. كل يعبر حسب طريقته عن سعادته: تدحرج بعضها في التراب المبلل بالندى، وراح بعضها يقضم العشب الطري، وأخرى أخذت تستنشق رائحة الأرض الزكية، ووقفت اخرى تبتسم وتهز رأسها زهواً بما تراه!

وفي غمرة سعادتها، راحت الحيوانات تتجول في أرجاء المزرعة، وتبدي إعجابها بكل ما تراه وكأنها ترى ذلك لاول مرة.. غير مصدقة أن كل ذلك أصبح مُلكها: أكوام العشب، وبستان الفاكهة، ومراعي الخيول الخضراء، وبركة الماء!

وأقفلت عائدة إلى مباني المزرعة. دار جونز استحالت ملكها أيضا، لكنها وقفت مترددة أمام باب الدار.. كانت خائفة من الاقتراب منها! وبعد لحظات من الصمت والرهبة، قام سنوبول ونابولين بدفع الباب بأك****ما، ودخلت الحيوانات المنزل في صف واحد وفي منتهى الحذر خوفا من إفساد محتوياته.

ثم تجولت في أرجاء المنزل من غرفة إلى أخرى.. تمشى على أطراف أصابعها ويهمس بعضها للبعض الآخر، وكانت تحدق برهبة ودهشة فيما تراه من ترف عيش ونعيم حياة: أغطية الأسرة المبطنة بالريش الناعم، والمرايا الفاخرة، والأرائك الوثيرة المبطنة بوبر الخيول، والتحف النادرة من العصر الفكتوري.

وقبل أن تغادر الحيوانات دار السيد جونز اتخذت قراراً جماعيا بالحفاظ على المنزل وتحويله إلى متحف، واتفقت على ألاّ يسكنه من الحيوانات أحد، وألاّ يستخدم ما فيه من أثاث وأدوات!
***
بعد تناول الحيوانات طعام الإفطار، دعاها سنوبول ونابولين للاجتماع من جديد.
ـ يا رفاق!
بدأ سنوبول خطابه، وقال:
ـ الساعة السادسة والنصف الآن، وبانتظارنا يوم عمل طويل؛ فاليوم سنبدأ جز الحشيش، لكن قبل ذلك ثمة أمر آخر غاية في الاهمية ينبغي الانتهاء منه.

تبين أن الخنازير أمضت الأشهر الثلاثة الأخيرة تُعَلِّم أنفسها القراءة والكتابة بالاستعانة بكتاب تَهْجِئَة قديم يخص أطفال جونز وجدته في كومة النفايات. فقد أرسل نابولين أحدهم لإحضار عبوات من الصبغ الأبيض والأسود، ثم قاد الجميع إلى البوابة الرئيسية حيث وقف سنوبول وقد أمسك بحافره فرشاة كبيرة ـ وكان أفضل من يجيد الكتابة من بين الخنازير ـ ومسح اللوحة التي كتب عليها "مزرعة جونز" وخط مكانها "مزرعة الحيوان".. معلنا عن تغيير اسم المزرعة وإشهار اسمها الجديد من الآن فصاعدا.

وانتقل الجميع في أعقاب ذلك إلى مباني المزرعة، حيث أرسل سنوبول بطلب السلم، وأمر بوضعه على جدار الحظيرة الكبيرة. وصرّح سنوبول ونابولين أن الخنازير نجحت خلال دراستها في الأشهر الثلاثة الأخيرة في اختصار مبادئ الحيوانية إلى سبع وصايا، وقال أنها ستدون على جدار الحظيرة، وستغدو، منذ اليوم، قانونا يلتزم الجميع بتطبيقه وهو غير قابل للتغيير.
وبصعوبة تسلق سنوبول السلم، وتبعه سكويلر حاملا علب الأصباغ، وكتب الوصايا على الجدار بأحرف كبيرة بيضاء يمكن قراءتها من مسافة ثلاثين ياردة، وهي كالآتي:

الوصايا السبع:
1 ـ كل من يمشي على قدمين فهو عدو.
2 ـ كل من يمشي على أربع أقدام أو له أجنحه هو صديق.
3 ـ يحظر على الحيوان ارتداء الملابس.
4 ـ يحظر على الحيوان النوم على سرير.
5 ـ يحظر على الحيوان تعاطي الخمر.
6 ـ لا يجوز لحيوان قتل حيوان آخر.
7 ـ كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات.

ما أن انتهى سنوبول من كتابة الوصايا حتى قرأها على الأميين منهم بصوت مرتفع.. الذين ظلوا يهزون رؤوسهم كلما أنهى قراءة وصية منها.. بالموافقة حينا وبالاعجاب حينا آخر في حين حفظتها الحيوانات الأكثر ذكاء عن ظهر قلب.

بث سنوبول، بعد أن ألقى الفرشاة جانبا، روح التحدي في نفوس الحيوانات قائلا:
ـ والآن أيها الرفاق هلُمَّ بنا إلى حقل العُشْب لكي نجعل من مهمة حصاده بسرعة أكبر من تلك التي يعمل بها جونز ورجاله مسألة شرف!

وفي غضون ذلك، أبدت الأبقار الثلاث انزعاجها، وعبرت عن ذلك بالخوار بصوت مرتفع بعد أن صعب عليها التحرك بسبب امتلاء أضرعها بالحليب. فقد مضى عليها أربعٌ وعشرون ساعة منذ آخر مرة أفرغت أثداءها التي كانت على وشك الانفجار، فأرسلت الخنازير لجلب دلاء حفظ الحليب وتولت حلب الأبقار بنفسها، وسرعان ما امتلأت الأدلاء بالحليب.. الأمر الذي أثار اهتمام بقية الحيوانات، فسأل أحدها:
ـ ماذا سيحدث لكل هذا الحليب؟
فردت احدى الدجاجات:
ـ كان جونز يمزج شيئاً منه في طعامنا.
فصاح نابولين:
ـ لا عليكم بشأن الحليب، سنهتم بأمره.
وأضاف وهو يرمق الدجاجة بعين بعد أن تمعن في الأدلاء:
ـ المهم الآن الحصاد. هَلُمَّ يا رفاق إلى الحقل، سيتقدمكم الرفيق سنوبول، وسألحق بكم بعد دقائق معدودة.
وهكذا انتلقت الحيوانات بهمة ونشاط الى حقل العشب لبدء الحصاد، وحين عادت مساءً بعد أن يوم عمل كامل، لم تجد للحليب أثراً!



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #9  
قديم 29/06/2006, 10:49 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
الفصل الثالث

جاءت جهود الحيوانات وعملها الشاق في الحصاد مردو طيب، فقد أعطت الحقول غلة أكبر مما توقع خير المتفائلين. وعلى الرغم من المصاعب الكثيرة التي واجهتها في استعمال الأدوات المصممة أصلا لاستخدام الإنسان، إلا أن الخنازير كانت دائما تجد الحل المناسب لكل معضلة وتزيل العقبات التي تعترض سير العمل.

ونظرا لمعرفتها بكل شبر من الأرض وطبيعة فلاحة المزرعة، ساهمت الخيول على نحو أكثر فاعلية في إنجاز العمل على أكمل وجه، والحقيقة أنها كانت أمهر من جونز ورجاله في جز العشب وتسوية التربة. وكان متوقعا أن تنأى الخنازير بنفسها عن الأعمال البدنية وتضطلع بزمام القيادة والإشراف على الآخرين لتفوقها العقلي على سائر الحيوانات وعلمها بأمور كثيرة يجهلها الآخرون!

وقد بذل بوكسر وكلوفر، خلال موسم الحصاد، جهدا إضافيا.. لاسيما على الة الجز ومعدات تقليب التراب، وعملا بإخلاص ومن دون كلل ممتثلين لأوامر الخنزير الذي كان يمشى خلفهما ويصرخ بين الفينة والأخرى: "حا يا رفيق" أو "قف يا رفيق" حسب مقتضى الحال.

أظهرت الحيوانات من دون استثناء حماسا منقطع النظير لإنجاز الحصاد قبل موعده، وسعى حتى اضعفها لتحقيق ذلك الهدف، وفي نهاية المطاف أكملت الحيوانات حصد الحقل في فتره أقل بيومين من المدة التي يستغرقها عادة جونز ورجاله وكانت الغلة أكثر من المعتاد ايضا!
* * *
سار العمل خلال فصل الصيف بانتظام ومثابرة.. شعرت خلاله الحيوانات بسعادة غامرة؛ فكل لقمة طعام تعطي آكلها مذاق الرفاهية ولذة العيش. وقد توفر الغذاء بعد طرد جونز المستبد، وغدا يفي حاجة سكان المزرعة واكثر، وعلاوة على ذلك كان للحيوانات حرية التمتع بأوقات فراغها.

كان متوقعا بسبب حداثة التجربة أن تواجه الحيوانات بعض المصاعب في ادارة عمل المزرعة وتنفيذه، ولكن بفضل حذاقة الخنازير معززة بقوة عضلات بوكسر، كانت الحيوانات تجد الحل المناسب لكل صعوبة تحول دون انجاز العمل.

غدا بوكسر محط إعجاب الجميع. لقد عُرف عنه، منذ عهد جونز، بقوة الاحتمال، بيد أنه صار بعد قيام الثورة بقوة ثلاثة خيول. وثمة أيام بدت وكأن أعمال المزرعة كلها ملقاة على كاهله.. كان يشاهد منذ الصباح وحتى المساء يسحب هنا ويدفع هناك، وكان موجوداً حيثما تستدعي الحاجة قوته الجبارة. وقد اتفق مع ديك لإيقاضة مبكرا نصف ساعة قبل الحيوانات الاخرى، وتبنى حكمة خاصة به "سأعمل بجهد أكبر".. جواباً لكل معضلة أو نكسة تواجهها الحيوانات.
* * *
لم تدخر الحيوانات جهداً في سبيل نجاح مبادئ الثورة وترسيخها، فعمل كل بحسب قدرته. فقد استطاع الدجاج والبط، على سبيل المثال، جمع خمسة "بوشلات" من الذرة التي كانت تسقط على الأرض أثناء الحصاد أو خلال نقلها الى المخازن.

ولقد تخلصت الحيوانات من عادات سيئة كانت تكثر من ممارستها إبان عهد جونز. فلا أحد يسرق أو يتذمر من طعامه، ولا يستبد حيوان بحيوان آخر أو يشعر بالغيرة منه، ولا أحد يتهاون في أداء مسؤولياته عدا المهر البيضاء مولي التي كانت آخر من يصل إلى موقع العمل وأول من ينصرف منه، كما لوحظ اختفاء القطة، التي أخذت تدور حولها الشبهات، عن الأنظار أثناء ساعات العمل، وتظهر أوقات توزيع حصص الطعام أو بعد انتهاء العمل.

بيد أن قيام الثورة وما طرأ على المزرعة من تغيير لم يبدل من سلوك الحمار بنجامين شيئا قط: ظل كما كان عليه دائما ينجز عمله ببطء وثبات.. لا يتهاون في عمل ولا يتطوع لعمل إضافي، وإذا سئل عن الثورة وما حققته فإنه لا يبدي حماسا ولا يعبر عن رأي!
* * *
يقدم الإفطار يوم الأحد ـ وهو يوم العطلة ـ متأخرا ساعة عن وقته المعتاد. وبعد تناول الإفطار تبدأ الطقوس الأسبوعية: حيث يرفع العلم أولا: وهو عبارة عن قماش أخضر رُسم عليه قرنٌ وحافرٌ.. يرمز اللون الأخضر لحقول إنجلترا، كما شرح لهم سنوبول، الذي صمم العَلَم ورسم عليه الشعار في حين يعبر القرن والحافر عن جمهورية الحيوان القادمة، وبعد رفع العلم تحتشد الحيوانات في الحظيرة للاجتماع العام الذي يجري خلاله وضع خطط عمل الأسبوع القادم.

وعلى الرغم من أن القرارات كانت تطرح للنقاش العام خلال جلسة الأحد، إلا أن الخنازير أعطت لنفسها الحق في اتخاذ ما تراه مناسبا من القرارات بعد سماع وجهات نظر الحيوانات الأخرى. وكان سنوبول ونابولين أكثر المجتمعين حضورا في تناول المسائل المطروحة وفي ابداء ووجهات نظرهما، لكن الملاحظ أنه قلما يوافق أحدهما على اقتراح يطرحه الآخر. وكعادتها في كل لقاء، تنهي الحيوانات اجتماعها بإنشاد "حيوانات إنجلترا".
* * *
اتخذت الخنازير من غرفة العدة مقراً للقيادة، وأخذت تتدرب مساءً على حرف مثل الحدادة والنجارة وبعض المهارات الأخرى الضرورية.. مستعينة بكتب عثرت عليه في بيت المزرعة.

وشغل سنوبول نفسه بتنظيم الحيوانات الأخرى في مجموعات أطلق عليها "اللجان الحيوانية"، فقد شَكَّلَ لجنة إنتاج البيض للدواجن، وجمعية الذيول النظيفة للأبقار، وجمعية تعليم الحيوانات البرية، وجمعيات أخرى مختلفة الأنشطة إلى جانب إدارة مدرسة لتعليم القراءة والكتابة.

وتبين لاحقا أن اللجان كانت غير مجدية، ولم تحقق شيئا مما كانت تستهدفه سوى تعليم القراءة والكتابة مع تفاوت مستوى التحصيل من جنس حيوان الى آخر. فقد تمكنت الخنازير من تعلم القراءة والكتابة بإتقان، وكان مستوى الكلاب متوسطا، واقتصر اهتمامها في هذا الجانب على تَعَلُّمْ قراءة الوصايا السبع.

موريل، العنزة البيضاء، كانت أفضل من الكلاب وكانت تقرأ في بعض الأمسيات قصاصات الصحف على مسامع الحيوانات الاخرى في حين أتقن الحمار بنجامين القراءة بنفس مستوى الخنازير لكنه لم يكن يبذل جهداً لممارستها اذ لا يوجد ـ حسب قوله ـ ما يستحق القراءة!

كلوفر تعلمت الحروف الأبجدية كلها وإن كان يستعصي عليها تكوين جمل كاملة، وتعذر على بوكسر تجاوز الحرف الرابع على الرغم من محاولاته المستميتة لتعلم المزيد! كان يخط الحروف التي يتعلمها بحافره الضخم على التراب ثم يقف وأذناه مشرعتان الى الخلف وعيناه على وسعهما محدقا بالحروف التي رسمها أمامه.

لم يكن بوسع الحيوانات الاخرى تجاوز الحرف الأول من الأبجدية، والأسوأ أن الغبية منها، كالخراف والدجاج والبط، عجزت عن حفظ الوصايا السبع عن ظهر قلب.. الأمر الذي دفع سنوبول ـ بعد طول تفكير ـ إلى إيجاز الوصايا السبع في شعار واحد "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين".. مؤكدا أن الشعار يلخص ما نصت عليه وصايا الثورة، ويحتوي على المبادئ الأساسية لفكرة "الحيوانية"، وكل من يستوعب فحواها سيكون بمنأى عن التشبه بالإنسان.



اعترضت الطيور على ذلك باعتبار أنها ذوات ساقين، لكن سنوبول اقنعها بعكس ذلك، إذ قال: "جناح الطيور، يا رفاق، عضو من أعضاء الحركة وليس لممارسة أي مهارات أخرى، ويعد بذلك ساقا، أما العلامة المميزة للإنسان فهي يده التي ينفذ بها أعماله الشريرة كافة.

لم تفهم الطيور ما أسهب سنوبول في شرحه، لكنها تقبلت توضيحه اقتناعا منها بصواب آرائه، وأخذت الحيوانات الاقل ذكاءً. تحفظه عن ظهر قلب. ولتسهيل الأمر عليها كُتب الشعار بخط كبير على جدار الحظيرة فوق الوصايا السبع مباشرة. أما الخراف فقد نما لديها حب كبير للشعار بعد أن حفظته، فكانت تمضي ساعات تنشد "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين" وهي مستلقية في الحقل تجتر الهواء من دون كلل أو ملل.

لم يعرْ نابولين جمعيات سنوبول اهتماما، بل كان يرى أن تعليم الأحداث أكثر أهمية. وفي هذه الأثناء ولدت الكلبتان جسي وبلوبل تسعة جِرَاء، وحالما فُطمت أخذها نابولين بحجة أنه سيتكفل بتربيتها وتعليمها، فخصص لها مكانا تحت سقف غرفة العدة يصعب الوصول إليه إلا بالسلم، فعاشت معزولة عن بقية أفراد المزرعة ولم يعد يُذكر من أمرها شيء!
* * *
لاحظت بعض الحيوانات، خلال الصيف، اختفاء حليب البقر من دون أسباب واضحة. لم يبدِ أحد اهتماما بالأمر، لكن اتضح لاحقا أن الحليب كان يخلط مع طعام الخنازير. وعندما بدأ موسم قطف التفاح، افترضت الحيوانات أنه سوف يُقَسم بينها بالتساوي، بيد أن الأوامر صدرت بجمع التفاح وتخزينه في غرفة العدة بعد أن استأثرت به الخنازير لنفسها. وعلى الرغم من تذمر الحيوانات الاخرى من ذلك، إلا أن الخنازير لم تعرْ ذلك اهتماما.. لاسيما أنها وَحَّدت موقفها في تلك القضية، حتى أن سنوبول ونابولين ـ اللذين قلما اتفقا ـ لم يختلفا بشأن ذلك الإجراء، وأبديا موقفا موحدا منه، وأُرسل سكويلر لإبداء الإيضاحات الضرورية وإزالة اللبس!

ـ أيها رفاق.
صرخ سكويلر، وهو يقفز من مكان لآخر. وقال:
ـ آمل ألا يظن أحدكم أن ما قمنا به كان بدافع حب الذات والترفع! فالحقيقة أن من بيننا نحن معشر الخنازير من يكره التفاح والحليب، وأنا شخصيا أحد هؤلاء. ولكن غايتنا الوحيدة هي الحفاظ على صحتنا، فقد أثبت العلماء أن التفاح والحليب يحتويان على مواد ضرورية للغاية لحياة الخنازير.
وأضاف قائلا:
ـ إن الخنازير، كما تعلمون، تضطلع بالمهام العقلية في المزرعة، فإدارة العمل وتنظيمه يعتمدان علينا.. نحن نسهر الليالي ولا ندخر جهدا من أجل راحتكم، لذلك السبب يا رفاق نشرب الحليب ونأكل التفاح.
وسأل بصوت هادئ، بعد ان تَفَحصَّ وجوه الحيوانات أمامه.. يبحث بعينيه اللامعتين عن مدى تأثير حديثه عليها:
ـ هل تعلمون، يا رفاق، ماذا سيحل بنا إن نحن تقاعسنا عن أداء مهامنا؟
وترك السؤال معلقا لبرهة قبل ان يجيب بصوت أعلى واكثر قوة:
ـ سيعود جونز.. أجل سيعود جونز.
ثم استدرك بصوت رخيم أراد به تجسيد حجم الكارثة التي ستحل بهم لو عجزت الخنازير عن القيام بواجبات القيادة:
ـ وطبعا لا أحد منكم يريد عودة جحونز.. أليس كذلك؟!

إذا كان ثمة شيء يحظى بإجماع الحيوانات على اختلاف أجناسها: فهو بغضها لجونز، وحين وُضع لها الأمر على هذا النحو، بات واضحاً ان مصلحة المزرعة تقتضي الحفاظ على صحة الخنازير. واتفقت الحيوانات من دون مزيد من النقاش على تخصيص محصول التفاح والحليب كله لطعام الخنازير فقط.



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #10  
قديم 29/06/2006, 10:58 PM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
الفصل الرابع

بنهاية الصيف انتشر خبر ثورة حيوانات مزرعة جونز في أرجاء كثيرة من البلاد. أما جونز فقد أمضى الفترة منذ طرده من المزرعة مترددا على حانات الخمر.. متظلما لكل أذن تسمع. يشكو حاله وما وقع له على يد حيوانات مزرعته!

وتعاطف بعض الفلاحين مع جونز ليس حبا به وإنما طمعا في استثمار وضعه السيئ، وأخذ كل واحد منهم يفكر في أفضل السبل للاستفادة مما آل إليه حاله.

ومن حسن حظ الحيوانات، كانت المزرعتان المجاورتان مهملتان: إحداها تسمى فوكسووود، يملكها رجل كسول يدعى بيلكنجتون.. يقضي معظم أيامه في صيد السمك والقنص، والأخرى تسمى "بنتشفيلد"، صاحبها رجل قاسي الطباع يدعى فريدريك عرف عنه تورطه في قضايا قانونية واشتهر بتعنته في المساومة. ولم يكن الرجلان يكنان لبعضهما من الود شيئا، ولا كانا على وفاق قط حتى للدفاع عن مصالحهما المشتركة!

لم يأخذ الرجلان في البداية ما يجري في المزرعة على محمل الجد.. ظنا أن الحيوانات ستعجز عن إدارة شؤون المزرعة، وستموت جوعا بعد أن ينشب الخلاف بينها. وبمرور الأيام، ولم يتحقق شيئا مما توقعاه، وأصبحت المزرعة مصدر إزعاج لهما، وبدأ يتسلل إلى أنفسهما الخوف من انتشار تمرد المزرعة المجاورة بين حيواناتهم، فبذلا ما في وسعيهما لمنع وصول اخبار نجاح ثورة الحيوانات.

وأخذ الرجلان يروجان أكاذيب عن الأعمال الشريرة التي تمارس في مزرعة الحيوان، وكيف تبطش الحيوانات ويأكل بعضها البعض الآخر، ويستبيح بعضها إناث البعض الآخر!

كانت هذه الروايات، في الحقيقة، ضعيفة المضمون ولا تصدق. وعلى عكس ذلك، فقد انتشر الخبر في أرجاء الريف كله عن المزرعة العجيبة التي طرد منها مزارعٌ فاسدٌ، وتدبرت حيواناتها أمر نفسها بنجاح لا يخطر على بال. فقد دأب سنوبول ونابولين طوال الوقت على إرسال أسراب من الحمام إلى المزارع المجاورة لإخبارها بتمرد الحيوانات على الإنسان وتعليمها "أنشودة حيوانات انجلترا"!


* * *
وذات يوم من أيام شهر أكتوبر عادت مجموعة من الحمام تدور في الهواء مضطربة وحطت أمام الحظيرة الكبيرة، وأعلنت أنها شاهدت جونز ورجاله ومعهم ستة من رجال فوكسوود وبنتشفيلد قادمين في طريقهم إلى المزرعة.. يحملون العصي وعلى رأسهم جونز مسلحا ببندقية نارية. كان واضحا أنهم قادمون لاستعادة المزرعة.

بيد أن الحيوانات لم تؤخذ على حين غرة، فقد توقعت ذلك منذ مدة، وأعدت العدة للتعامل معهم والتصدي لهجومهم: فسنوبول، الذي درس كتاباً عن حملة يوليوس قيصر وجده في دار جونز، كان مؤهلا لتولي الشؤون العسكرية والتخطيط للعمليات الدفاعية. وبمجرد أن أعطى الأوامر اتخذ كل حيوان موقعه المناسب.

ما كاد جونز ورجاله يقتربون من مباني المزرعة حتى دفع سنوبول بخط هجومه الأول حيث أمر الحمام، وكان عددها خمس وثلاثين، بالإغارة على الرجال من فوق رؤوسهم؛ فأحدثت ارتباكا في صفوف المهاجمين. وفيما كان الرجال يتدبرون أمر الحمام من فوقهم، إذا بالإوز تظهر فجأة من مخبئها وراء سياج الشجر وأخذت تنقر الرجال في سيقانهم بشراسة وعنف.

لم يكن ذلك التكتيك سوى مناورة لبث الفوضى في صفوف المعتدين وتشتيت قوتهم، وكان من السهل على الرجال ضرب الإوز وإبعاده بعصيهم. وفي هذا الوقت دفع سنوبول بخط هجومه الثاني حيث اندفع على رأس مجموعة من الخراف وبنجامين وميوريل نحو جونز ورجاله، وأخذوا يرفسونهم وينطحونهم من كل جانب، بيد أن الرجال، وللمرة الثانية، تغلبوا على الحيوانات بعصيهم وأحذيتهم المصفحة بالحديد والمسامير. وفجأة وبصيحة من سنوبول، التي كانت إشارة بالانسحاب، تراجعت الحيوانات هاربة نحو البوابة ومنها إلى الساحة.

تعالت صيحات الانتصار بين الرجال، فقد ظنوا أن عدوهم يفر هاربا من أرض المعركة، فاندفعوا خلفه من دون نظام. وهذا ما كان يهدف إليه سنوبول‘ إذ ما أن أصبح الرجال وسط الساحة حتى اندفعت الخيول الثلاثة والأبقار وبقية الخنازير فجأة خلفهم وقطعت عليهم الطريق. وأعطى سنوبول إشارة الهجوم.. بدأه بنفسه حيث انطلق بسرعة نحو جونز الذي سرعان ما رفع بندقيته وأطلق النار تجاه فأصابه بخدوش طفيفة في ظهره، وأصابت رصاصة أخرى أحد الخراف فأردته قتيلا. ومن دون تردد ألقى سنوبول بثقله على رجلي جونز فأطاح به وسط كومة السماد وطارت بندقيته وسقطت في بركة الطين.

ولعل أعظم وقائع المعركة إثارة وعنفا تلك التي خاضها بوكسر: كان يقف منتصبا على قائمتيه الخلفيتين ويسدد اللكمات بحوافره الحديدية وكأنه حصان يافع. وكانت أولى لكماته من نصيب صبي الإسطبل في مزرعة فوكسوود، فأصابته في رأسه وطرحته أرضا بلا حركة.

وإزاء ما واجهوه، دخل الرعب قلوب الرجال فألقوا عصيهم وولوا الأدبار، وجرت الحيوانات كلها خلفهم.. تطاردهم في دائرة حول الساحة! لم يبق حيوان إلا وانتقم لنفسه. وبعد خمس دقائق من بدء الغزو عاد الرجال يجرون ذيال الهزيمة إلى الطريق الذي قدموا منه.

فر المهاجمون جميعا إلا صبي الإسطبل.. وحين حاول بوكسر تحريكه بحافره ولم يبد الصبي حراكا، أعلن بأسف وفاته:
ـ لقد مات الصبي.. لم أقصد قتله.
وصرخ سنوبول والدماء تسيل من خدوشه:
ـ لا مجال للعواطف أيها الرفيق! الحرب حرب.. هناك إنسان واحد جيد ـ الميت فقط.
ولكن الصبي لم يكن ميتا.. كان مغمى عليه فقط، وحالما استعاد وعيه فر هاربا.

عمت الفرحة المكان، وأخذ كل حيوان يصف مآثره البطولية بأصوات عالية، وعلى الفور نظم احتفال ارتجالي بمناسبة النصر، رُفع خلاله العلم ورددت الحيوانات نشيد "حيوانات إنجلترا" مرات عدة، ثم أقيمت مراسيم دفن مهيبة للخروف المتوفى.. اختتمها سنوبول بخطاب قصير دعا فيه الحيوانات إلى الاستعداد للموت في سبيل مزرعتها إذا اقتضت الضرورة.

استحدثت الحيوانات وساماً أطلقت عليه "وسام بطل الحيوانات" من الدرجة الأولى وخُلع على سنوبول وبوكسر على أن يلبس في أيام الآحاد والأعياد. وهو عبارة عن قطعة نحاسية عثر عليها في غرفة العدة، ومنح وسام "بطل الحيوانات" من الدرجة الثانية للخروف المتوفى.

وبعد انتهاء الاحتفال بالنصر، دخلت الحيوانات في جدل طويل حول تسمية المعركة، ولكنها اتفقت في نهاية المطاف على اطلاق اسم "معركة حظيرة البقر" حيث وقعت أحداث المعركة، واُتفق على نصب بندقية جونز، التي وجدت في الوحل قرب سارية العلم، وإطلاق النار منها مرتين في العام احتفاء بمناسبتين: عيد الثورة ويوم النصر.



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #11  
قديم 01/07/2006, 01:06 AM
صورة لـ صفاء
صفاء
مُشــارك
 
أود ان اشارك خواتي واخواني واعبر عن شكري ومدى اعجابي على مايخطه قلمك المشحون بالمشاعر لنا.
الله لا يحرمنا منك ومن عطاءك المدرار




من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #12  
قديم 13/07/2006, 11:21 AM
صورة لـ سماء بلادي
سماء بلادي
خليــل
 
محمد عيد العريمي ... بارك الله فيك ..
هدية غاليه منك للمنتدى .. وفقك الله
ومنتظرين بلهفة بقية الترجمة عزيزي ...



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #13  
قديم 14/07/2006, 10:52 AM
صورة لـ محمد عيد العريمي
محمد عيد العريمي
ضيف
 
الفصل الخامس / السادس

[align=justify]الفصل الخامس

مع اقتراب فصل الشتاء، أخذت مولى تثير المزيد من المتاعب بتكاسلها الدائم وأعذارها الواهية للتهرب من أداء عملها واتصالاتها المشبوهة برجال المزارع المجاورة. وفي أحد الأيام رأتها كلوفر تتحدث مع أحد رجال مزرعة فوكسوود من وراء السياج.. وكان يداعبها ويمسح بيده على وجهها، فحذرتها، ولكن مولي نفت كل ما قالته كلوفر.

وبعد ثلاثة أيام اختفت المهرة البيضاء ولم يعرف عنها شيء. وفي وقت ما بعد ذلك قالت الحمامة أنها شاهدت مولي في الجانب الآخر من السياج.. يمتطيها أحد رجال مزرعة بيلكنجتون! ومنذئذ ذلك الوقت انقطعت أخبرها، ولم يعد يأتي أحد على ذكرها في المزرعة.
***
كان الشتاء قارصا، وغدت الأرض صلبة كالحديد؛ فتعذر على الحيوانات العمل ولم يكن في المزرعة ما يمكن القيام به، بيد أن الحيوانات استبدلت الجهد البدني بجهد ذهني، فنَظمت اجتماعات عديدة في حظيرة الخنازير التي شغلت نفسها بالتخطيط لأعمال فصل الربيع القادم.

أصبحت الخنازير الآن تضطلع بدور القيادة لما عُرف عنها من ذكاء وفطنة، فكانت تتخذ القرارات المتعلقة بشؤون المزرعة وتعرضها على الحيوانات للتصويت عليها.

وكان لهذا الوضع أن يستمر من دون عوائق لولا الخلاف المتواصل بين سنوبول ونابولين. كانا يختلفان على كل نقطة يمكن الاختلاف عليها، وحين لا يجدان ما يختلفان عليه، كانا يثيران قضايا لا لشيء غير تأكيد اختلاف وجهتي نظريهما: فإذا أقترح أحدهما تخصيص مساحة أكبر من الأرض لزراعة الشعير، سيقترح الآخر تخصيص مساحة اكبر للشوفان. وكان لكل منهما أسلوبه ومؤيدوه للحصول على التأييد الذي يتحول أحيانا إلى جدل عنيف. وغدا واضحا أن ثمة صراع خفي يدور بين الاثنين!

اشتهر سنوبول بخطبه الرائعة في الاجتماعات، وكانت تلك وسيلته للحصول على الأصوات، في حين عُرف عن نابولين قوة شخصيته لكسب أصوات المقترعين، وكان يحظى بشعبية واسعة بين الخراف، التي أخذت مؤخرا تهتف بـ"الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين".. مما يعرقل أحيانا سير الاجتماع. ولوحظ أيضا ميلها، وعن عمد، للثغاء خلال تطرق سنوبول للمسائل الحساسة في خطبه أو حين تشتد المناقشة وترتفع الأصوات.
***
غدا خلاف سنوبول ونابولين السمة البارزة والمشتركة لكل المناقشات التي تدور حول المشاريع المطروحة للنقاش في الاجتماعات، لكن أكثرها إثارة للجدل ومخيباً للآمال تلك التي برزت أثناء مناقشة موضوع بناء طاحونة الهواء. فقد اقترح سنوبول بناء طاحونة هواء لتشغيل مولد كهراء يزود المزرعة بالطاقة اللازمة لإنارة مرابض الحيوانات وتدفئتها، وتشغيل المنشار الكهربائي وآلة الحلب.

لم تسمع الحيوانات عن شيء مثل ذلك من قبل، فراحت تصغي بدهشة إلى سنوبول وهو يرسم لها صور الآلات العجيبة التي ستقوم بعملها في حين ترتع هي في الحقل أو تُحسن مستوياتها الفكرية بالقراءة أو النقاش.

أنهى سنوبول خلال أسابيع المخططات المطلوبة لإنشاء طاحونة الهواء مستعينا بثلاثة كتب علمية وجدها في مكتبة جونز لمعرفة التفاصيل الميكانيكية والإنشائية. واستفاد أيضا من حظيرة صغيرة لها أرضية خشبية لرسم المخططات وبناء المجسمات والتي نمت بعد فترة وجيزة، وأصبحت كومة من الأذرع والعجلات المسننة تغطي أكثر من نصف مساحة المكان. وعلى الرغم من أن الحيوانات الأخرى أظهرت جهلها بتلك المجسمات لكنها لم تخفِ اعجابها بذلك الإنجاز الرائع، وكانت تأتي مرة واحدة يوميا على الأقل لمشاهدة مجسمات المشروع.

أما نابولين فقد اتخذ موقفا معارضا من طاحونة الهواء منذ البداية، ودفع بمعارضته المزرعة بكأملها إلى انقسام حاد حول مسألة بنائها. لم ينكر سنوبول أن بناء الطاحونة يتطلب تضحيات جساماً، ويستدعي بذل جهود ضخمة لاقتلاع الأحجار وبناء الجدران وتثبيت المراوح، وسيحتاج إلى مولد كهرباء وأسلاك، لكنه لم يتطرق إلى مسألة توفير هذه المواد وادعى أنه يمكن إنجازها خلال سنة واحدة.

وزعم أن تشغيل الطاحونة سُيغني الحيوانات عن متاعب جمة، فلن تضطر للعمل سوى ثلاثة أيام في الأسبوع فقط. نابولين، من جهته، برر معارضته للطاحونة على أساس أن الحاجة تستدعي الآن زيادة إنتاج الطعام، وأكد إن بناء الطاحونة ليس سوى مضيعة للوقت ستفضي في نهاية الأمر إلى هلاك الحيوانات جوعا!

انقسمت الحيوانات على نفسها: انضوت فئة منها تحت شعار "صوت لسنوبول ولثلاثة أيام عمل في الأسبوع"، ورفعت أخرى شعار "صوت لنابولين وللعلف الكامل". بنجامين ـ الحمار ـ وحده عبر عن سخطه لهذا التحزب، ورفض الانحياز لأيٍ من الطرفين. لم يكن مقتنعا بالأسباب التي جعلت الحيوانات تختلف، " فلا الطعام سيكون وفيرا ولا أيام العمل ستقل".. بهذا أسر لنفسه، وحين سئل عن سبب موقفه من وجهتي النظر أجاب وفي نبرة صوته سخرية لم يخفها: "طاحونة أم من دون طاحونة، ستستمر الحياة كشأنها دائما مزرية".
***
خلاف الخنزيرين: سنوبول ونابولين لم يقتصر على طاحونة الهواء وحسب، فقد اختلفا أيضا حول أسلوب الدفاع عن المزرعة. فعلى الرغم من هزيمة جونز ورجاله في معركة حظيرة البقر كانت الحيوانات على يقين تام من أن الرجال سيعاودون الكرة في محاولة أخرى أكثر عزما وشراسة لاستعادة المزرعة وتنصيب جونز.. لا حباً فيه، وإنما خوفاً من انتشار فكرة التمرد إلى حيواناتهم التي أضحت أكثر عنادا من أي وقت مضى بعد أن تسرب إليها خبر ما جرى في مزرعة "جونز"!



وكعادتهما في كل اجتماع، اختلف سنوبول ونابولين حول كيفية اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن المزرعة، فقد اقترح نابولين الحصول على بنادق نارية وتدريب الحيوانات على استعمالها في حين دعا سنوبول إلى تصدير الثورة إلى المزارع المجاورة، واقترح إرسال الحمام إلى المزارع الأخرى لتحريض حيواناتها على التمرد، ومن ثم إلى أي مكان بوسعها الوصول إليه.

الأول أكد وجهة نظرة بأهمية امتلاك القوة المسلحة للدفاع عن النفس لتفادي الهزيمة، وقال الثاني: لا حاجة للدفاع عن النفس إذا نجحت ثورة الحيوانات في المزارع الأخرى. وظلت الحيوانات تتابع حجة كل منهما وهو يحاول إقناعها بوجهة نظره، لكنها كانت غير قادرة على ترجيح أَحدهما على الآخر لاختيار الأسلوب الأفضل لمواجهة العدو. والحقيقة أنها كانت دائما تستحسن رأي المتحدث أثناء حديثه.
***
وأخيرا جاء اليوم الذي طرحت فيه قضية بناء الطاحونة للتصويت بعد أن أكمل سنوبول مخططاته. فقد وقف أمام الحيوانات المجتمعة في الحظيرة الكبيرة مؤكدا أهمية بناء الطاحونة على الرغم من المقاطعة التي كان يثيرها ثغاء الخراف بين الحين والآخر، ثم وقف نابولين للرد عليه، فاختصر حديثه في بضعة كلمات. قال إن بناء الطاحونة غير مجد، وكرر وصفه لها بالسذاجة، ودعا الحيوانات إلى رفض فكرة بنائها، وجلس وملامح الإخفاق تبدو عليه!

وإلى هنا كانت أصوات الحيوانات متوزعة بالتساوي تقريبا، لكن سنوبول هب واقفاً وأخذ يرسم صورة زاهية لحياة الحيوانات في المزرعة عندما ترفع الأعمال المنحطة عن كاهلها؛ فالكهرباء، كما شرح للحيوانات المجتمعة، سوف يشغل محركات الدراسة، والمحاريث، وآلات الحصاد، ومعدات تسوية الأرض إلى جانب توفير الإنارة والمياه الساخنة، وأجهزة التدفئة لكل مربض. وبعد أن أنهى سنوبول حديثه وقد رجَّحت بلاغته وقوة حجته كفة بناء الطاحونة، لم يعد ثمة شك في نتيجة التصويت.

وإذ تأكد نابولين أن الهزيمة ستكون من نصيبه، وقف وعيناه يتطاير منهما الشرر وأطلق صيحة عالية لم يسمع لها مثيل من قبل.. ارتفع على إثرها خارج الحظيرة نباح مخيف، واقتحمت الحظيرة تسعة كلاب ضخمة تطوق أعناقها ياقات نحاسية، واندفعت مباشرة نحو سنوبول الذي تفادى قبضة أسنانها في الوقت المناسب.

وتدافعت الحيوانات الخائفة الى البوابة لمشاهدة المطاردة: كان سنوبول يركض عبر المرعى المرتفع الطويل المؤدي إلى الطريق العام بأقصى سرعة ممكنة لخنزير في مثل سنه، وكانت الكلاب تجري خلفه، وفجأة انزلقت قدمه فسقط، وتأكد للحيوانات التي كانت تتابع المطاردة بعيون ملؤها الدهشة أن الكلاب انقضت عليه، لكنه سرعان ما نهض ليواصل الهرب، وبذل في اللحظة الأخيرة جهدا مضاعفا لإبعاد الكلاب عن ذيله. وحين سنحت له الفرصة لم يدخر جهدا في الانسلال داخل حفرة تحت سياج المزرعة. اختفى سنوبول ولم يشاهد له أثر منذ ذلك الوقت.

تقهقرت الحيوانات إلى داخل الحظيرة بهدوء وقد تملكها رعب شديد؛ فجثمت متراصة الأجساد وبصمت أخذ بعضها يحملق في عيون البعض الآخر بحثاً عن تفسير لما كان يحدث أمام أعيونها!

لم يتعرَّف أحد في البداية على هذه المخلوقات الغريبة الشرسة التي كادت تقضي على سنوبول، ولكن سرعان ما تضح الأمر، فبعد أن هدأَ روعها تذكرت الحيوانات الجِرَاء التي أخذها نابولين من أحضان أمهاتها وتولى رعايتها بعيدا عن الأنظار! وعلى الرغم من أن نموها لم يكتمل، إلا أن أجسامها كانت ضخمة وأشكالها متوحشة كالذئاب، ولوحظ أنها كانت تهز ذيولها لنابولين مثلما كانت الكلاب الأخرى تفعل مع جونز.
* * *
اعتلى نابولين المنصة ووقفت خلفه الكلاب التسعة، وأعلن أنه لا يرى مبرراً لمواصلة عقد اجتماعات يوم الأحد، وقال إنها مجرد مضيعة للوقت. أما المسائل المتعلقة بعمل المزرعة فستبت في أمرها لجنة مختصة من الخنازير وسيضطلع هو شخصيا برئاستها ولكن من دون مناقشتها مع الحيوانات الأخرى، وستستمر مراسيم رفع العلم وإنشاد "حيوانات إنجلترا"، وستُعطى التعليمات بشأن العمل كالعادة.

وعلى الرغم من شدة الصدمة التي خلفها طرد سنوبول في نفوس الحيوانات، إلا أن إلغاء اجتماع أيام الأحد أصاب الحيوانات بالهلع، وعندما أراد بعضها الاعتراض على القرار، لم تجد الحجة المناسبة، حتى بوكسر أبدى تذمره، وحاول جاهدا حشد أفكاره غير أن عقله لم يسعفه، ولم يستطع في النهاية التعبير عن وجهة نظره، فلاذ بالصمت.

بيد أن مجموعة من الخنازير كانت أكثر وضوحا في التعبير عن انزعاجها، حين استهجنت أربعة منها يافعة القرار، فتقدمت نحو المنصة وأعلنت بصوت عال معارضتها لإلغاء الاجتماع، ولكن الكلاب المحيطة بنابولين أطلقت فجأة زمجرة توعد أرغمت الخنازير المناوئة على السكوت والعودة ذليلة إلى أماكنها. وبعد ذلك ارتفعت أصوات الخراف تهتف "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين" لمدة ربع ساعة حتى انفض الاجتماع.

وبعد أن هدأت الحيوانات واستوعبت حقيقة ما جرى، أرسل سكويلر لشرح الترتيبات الجديدة فقال:
ـ أيها الرفاق، إنني على ثقة أنكم تقدرون التضحيات إلى يبذلها الرفيق نابولين لتحمل هذا العبء الإضافي بنفسه. أرجو ألا يخطر ببال أحدكم أن الزعامة متعة بل على العكس إنها مسؤولية ثقيلة وصعبة للغاية.

وبصوت متهدج تابع حديثه:
ـ لا أحد أكثر إيمانا بمبدأ المساواة بين الحيوانات من الرفيق نابولين.. كان بوده أن يجعلكم تتدبرون شؤونكم بأنفسكم، وتتخذون ما يناسبكم من القرارات، ولكنه يخشى عليكم، فقد تتخذون قرارات خاطئة لا تصلح لكم! نفترض مثلا أنكم وافقتكم الخائن سنوبول في هذيانه لبناء الطاحونة، فإلامَ سيؤول حالٌكم؟ إنه كما تعلمون ليس سوى مجرم أراد خداعكم!
وأعترض أحد الحيوانات قائلا:
ـ لكنه قاتل بشجاعة في معركة حظيرة البقر.
ورد سكويلر:
ـ الشجاعة وحدها لا تكفي.. الولاء والطاعة أهم من ذلك. أما بالنسبة لمعركة حظيرة البقر فسيأتي الوقت المناسب للكشف عن دور سنوبول المبالغ فيه. إننا في عصر النظام يا رفاق، فالانضباط الصارم هو شعار اليوم. زلة طفيفة وسيدوس عدونا على أعناقنا، وبالتأكيد أنتم لا ترغبون في عودة جونز.

ومرة أخرى، كانت هذه الحجة كفيلة بالإجابة عن التساؤلات كافة ‘ فلا أحد من الحيوانات يحن إلى عصر العبودية والذل! ومن أجل ذلك أبدت الحيوانات استعدادها وعن طيب خاطر للتنازل عن حق المشاركة في اتخاذ القرارات. حتى بوكسر، الذي كان لديه متسع من الوقت لإعادة التفكير، عبر عن هذا التحول في الرأي قائلا: "إذا كان هذا ما يقوله الرفيق نابولين، فالرفيق نابولين دائما على حق". ومنذ ذلك الوقت اعتنق شعارا آخر "نابولين دائما على حق" إلى جانب حكمته الشهيرة ""سأعمل بجهد أكبر".
***
جاء الربيع بعد شتاء قارص شهدت خلاله المزرعة تحولات جساماً، وبدأت الحيوانات العمل في الحقل بهمة ونشاط.. كانت تجتمع كل يوم أحد الساعة العاشرة في الحظيرة لتتلقى الأوامر الأسبوعية. بيد أن طريقة جلوسها اختلفت في هذه الاجتماعات عما اعتادت عليه في المرات السابقة. فقد كان نابولين يتصدر الجلسة على منصة مرتفعة وبجانبه سكويلر، وتجلس الكلاب التسعة حولهما على شكل نصف دائرة في حين تجلس بقية الخنازير خلفهم بانتظام. أما الحيوانات الأخرى فكانت تجلس قبالتهم وسط الحظيرة. وكان نابولين يقرأ أوامر العمل بأسلوب عسكري صارم، ثم ينتهي الاجتماع بنشيد "حيوانات إنجلترا" مرة واحدة فقط.. بعده تتفرق الحيوانات كلٌ في سبيله.
***
كانت الحظيرة الصغيرة التي بنى فيها سنوبول مجسمات الطاحونة قد أغلقت بعد طرده، واعتقد الجميع أنها هُدمت، لكن نابولين فاجأ الجميع عندما أعلن، بعد ثلاثة أسابيع فقط من طرد سنوبول، أنه يجب مواصلة التخطيط لبناء طاحونة الهواء، ولم يعط سببا لتغيير رأيه غير أنه حذر الحيوانات من أن العمل الإضافي يستدعي جهدا كبيرا ومزيدا من التضحية، وربما تطلَّب تخفيض حصص الطعام أيضا.

وفي المساء جاء سكويلر، مرة أخرى، لكشف ما اكتنف الموضوع من غموض، وتوضيح ما استعصى على بعض الحيوانات فهمه، إذ قال:
ـ لم يكن الرفيق نابولين في الواقع معارضا لفكرة إنشاء طاحونة الهواء، بل على العكس كانت من بنات أفكاره وهو الذي دعا في البداية إلى إقامتها. أما المخططات التي رُسمت في الحظيرة الصغيرة فإنها سرقت من مجموعة أوراق الرفيق نابولين. فالطاحونة في الواقع هي من وحي اختراعه.
وأنبرى أحد الحيوانات متسائلا:
ـ ولكن لماذا عارض بقوة إنشاءها؟
نظر سكويلر إليه بخبث ثم نقل عينيه إلى الوجوه أمامه، ورد متباهياً:
ـ ذلك يا رفاق وجهٌ من أوجه البراعة السياسية والحنكة التي يتمتع بها الرفيق نابولين، فاعتراضه على الطاحونة ليس سوى مناورة ذكية للإطاحة بسنوبول.. ذلك المخلوق الخطير ذو التأثير السيئ.
واستطرد:
ـ والآن وقد أصبح سنوبول خارج المزرعة، ولم يعد يشكل خطراً على أحد، غدا بوسعنا متابعة تنفيذ المشروع من دون تدخله، وهذا يدعى تكتيكاً.
وأعادها عدة مرات وهو يهز ذيله ويضحك حبوراً:
ـ "تكتيك" يا رفاق "تكتيك".

هل فهمت الحيوانات التي اجتمع بها سكويلر شيئا مما كان يعنيه بتلك الكلمة؟ لا طبعا! لكن طريقته القوية للإقناع معززة بزمجرة الكلاب الثلاثة التي رافقته، كانت كفيلة بقبول إيضاحاته ـ وان لم تستوعبها الحيوانات ـ بلانقاش.




الفصل السادس

بذلت الحيوانات خلال العام الذي انقضى جهدا عظيما وشاقاً واشتغلت كالعبيد، لكنها كانت سعيدة بعملها، فلم تأسف لعطاء أو تضحية. كانت تعلم أن مردود عملها سيكون لها وسيعود بالفائدة للأجيال القادمة من بعدها، وليس لإشباع رغبات إنسان كسول لا عمل له سوى قطف ثمار كدها!

ومع أن متوسط العمل الأسبوعي ارتفع إلى ستين ساعة أسبوعيا، إلا أن نابولين طلب من الحيوانات، في شهر أغسطس، العمل بعد ظهر أيام الآحاد تطوعاً، وحذر من أنه سيصار إلى خفض حصة طعام من يعفي نفسه من ذلك العمل إلى النصف. هذا الإجراء لم يحقق الغرض منه، ومع ذلك كان من الأهمية بمكان التوقف عن مواصلة بعض أعمال المزرعة على الرغم من أن انتاج حصاد الموسم كان دون مستوى غلة العام الماضي. وغدا من السهل تكهن الحيوانات كافة بحجم المتاعب التي ستواجهها خلال الشتاء القادم.
***
بعد اتخاذ قرار بناء الطاحونة، واجهت الحيوانات مصاعب غير متوقعة. فرغم وجود مقلع حديد للحجر الجيري في المزرعة، وتوفر الرمل والإسمنت في أحد المخازن الخارجية، إلا أن قطع الصخور إلى أحجام مناسبة للبناء شكلت، في البداية، صعوبة استعصت على الحل.

فجميع المعدات الموجودة هي للاستعمال الآدمي، واستخدام العتلة والمثقاب يستدعي وقوف من يستخدمهما على رجليه الخلفيتين. وبعد أسبوع من المحاولات توصل أحدهم إلى فكرة مناسبة تقوم على الاستفادة من قوة الجاذبية الأرضية؛ فجرى بناء محجر على سفح أحد التلال لتكسير الصخور.

تفاوت عمل الحيوانات كل حسب طاقته، ولكنها اشتركت جميعها في عملية سحب الصخور الكبيرة إلى أعلى التلـة وإسقاطها ليرتطم بعضها ببعض ويتكسر إلى قطع صغيرة تستطيع الحيوانات حملها إلى موقع بناء الطاحونة. وما كاد الصيف ينتهي حتى تجمعت كمية كافية من الصخور وبدأ البناء تحت إشراف الخنازير.

كانت تلك الطريقة بطيئة ومضنية للعمل، فكثير ما كان يستغرق سحب صخرة واحدة إلى المحجر يوماً كاملاً من العمل الشاق، وأحياناً كانت لا تنكسر بعد إسقاطها من حافة المحجر. ولولا قوة بوكسر التي تكاد تساوي قوة بقية الحيوانات مجتمعة ما تحقق شيء يذكر.

كانت كلوفر تحذره، بل وتتوسل إليه ألا يلحق الأذى بنفسه بسبب ما كان يضع على عاتقه من عمل، لكنه لم يكن يصغي إلى تحذيرها ولم يعر توسلاتها اهتماماً. ويبدو أن حكمته "سأعمل بجهد أكبر" وشعاره "نابولين دائما على حق" هما الجواب الشافي لكل ما كان يعتري حياتهم من مصاعب.

وعلى الرغم من ان العمل المضني والإضافي الذي بذلته الحيوانات طوال فصل الصيف، إلا أن وضعها لم يكن أسوأ مما كان عليه، وكان الإحساس بأن كدها لم يعد يذهب لإطعام خمسة أفواه بشرية عظيما ولا يقابله شيءٌ!
***
وبمرور الصيف نفدت مؤن عديدة: كزيت الإضاءة والمسامير وبسكويت الكلاب وأحذية الخيول.. وكلها مواد لا يمكن إنتاجها في المزرعة.. فضلا عن حاجة المزرعة في المستقبل للبذور والسماد المصنع والعديد من المعدات إلى جانب آلات الطاحونة.

كيف سَتُوفر هذه المعدات والمؤن؟ لا أحد يعلم ذلك، لكن نابليون أعلن أثناء اجتماع يوم الأحد أنه قرر اعتماد سياسة جديدة: فاعتباراً من الآن فصاعدا ستدخل المزرعة في تبادل تجاري مع المزارع المجاورة. "ليس لأي غرض تجاري" برر نابولين دواعي ذلك القرار "وإنما لمجرد توفير مواد ضرورية.. والمزرعة بأشد الحاجة إليها. وأكد ذلك قائلا: "إن متطلبات الطاحونة تأتي فوق كل اعتبار".

لقد كان نابولين يعد لبيع كمية من العلف وجزء من المحصول الحالي للشعير. وإذا استدعت الحاجة، لاحقا، لمزيد من المال سيباع البيض. خاصة أنه من المواد الغذائية المطلوبة دائماً في ولينجتون، وذكَّّرَ الدجاجات أن عليها الترحيب بتلك التضحية باعتبارها مساهمة منها في بناء طاحونة الهواء".

ومرة أخرى، أبدت الحيوانات امتعاضاً بسبب غموض الأمر. "لا تعامل مع الإنسان، لا تعامل بالتجارة، لا تعامل بالمال" أليست هذه أولى قرارات الثورة بعد طرد جونز؟ أجل.. فالحيوانات جميعها تتذكر هذه اللاءات أو تعتقد في الأقل أنها تتذكرها!

رفعت الخنازير اليافعة التي اعترضت في الماضي على إلغاء الاجتماعات أصواتها محتجة، لكنها سرعان ما سكتت حين زمجرت الكلاب المحيطة بنابولين وأرغمتها على الجلوس. وكعادتها أخذت الخراف تهتف "الخير في ذوات السيقان الأربعة والشر في ذوات الساقين". وواصل نابولين حديثه بعد أن رفع حافره طالبا منها السكوت:"إن هذا لا يستدعي الاتصال بالإنسان. فقد وافق محام يدعى "ويمبر" على التوسط بين المزرعة والعالم الخارجي حيث سيزور المزرعة صباح كل يوم اثنين لتسلم التوجيهات". ثم ختم خطابه بصيحته المعتادة: "تعيش مزرعة الحيوان". وبعد التغني بـ"حيوانات إنجلترا" انصرفت الحيوانات إلى مرابضها.

وبعد الاجتماع قام سكويلر بجولته المعتادة لإقناع الحيوانات بصواب رأي نابولين، وألمح في حديثه إلى أن القرار الذي يحرم العلاقات التجارية مع الإنسان لا وجود له أصلاً وإنما هو مجرد أكاذيب من صنع خيال سنوبول.
***
في غضون ذلك، نقلت الخنازير فجأة مقر إقامتها إلى بيت المزرعة (مسكن جونز سابقاً)، وأُرسل سكويلر لإقناع الحيوانات، التي أبدت مرة أخرى استياءها، بأنَ الضرورة تحتم إقامة الخنازير، وهي العقل المدبر للمزرعة، في مكان هادئ للعمل. وليس ثمة مكان يليق بمقام "القائد" ويحفظ له كرامته أفضل من بيت المزرعة بدلاً من الزريبة القذرة التي كان يعيش فيها مع بقية الخنازير!

لوحظ في الآونة الاخيرة أن سكويلر بدأ يطلق لقب "القائد" على نابولين.

وبعد أيام آل إلى مسامع الحيوانات أن الخنازير تأكل طعامها في المطبخ وتستعمل غرف الجلوس للترفيه وأخذت تنام على الأسرة. مر الخبر على بوكسر وهو في غمرة ترديد شعاره المعهود "نابولين دائماً على حق" في حين توقفت كلوفر عن العمل حين سمعت الخبر وغشاها الذهول.. جلست تسترجع ذاكرتها إلى الأيام الأولى للثورة. أجل، إنها تتذكر قانوناً صريحاً يحظر على الحيوانات النوم على الأسرة.

ولتطمئن نفسها ذهبت إلى طرف الحظيرة لقراءة الوصايا السبع المكتوبة على الجدار, ولكن تعذر عليها قراءة أكثر من حروف منفردة، فعادت تبحث عن موريل، واصطحبتها الى حيث كتبت الوصايا، وطلبت منها قراءة الوصية الرابعة:
ـ ماذا تقول الوصية، ألا تحرم النوم على الأسرة؟!
وبصعوبة قرأت موريل الوصية: "يحظر على الحيوان النوم على سرير تفرش عليها أغطية".
يا للعجب! كلوفر لا تتذكر أن الوصية الرابعة تضمنت شيئا عن الأغطية، ولكنها موجودة على الحائط. فلِمَ العجب إذن!

وقد استطاع سكويلر، الذي صادف مروره من هناك يرافقه كلبان أو ثلاثة كلاب، توضيح المسألة ووضعها في نصابها الصحيح إذ قال:
ـ لعلكم سمعتم يا رفاق أننا معشر الخنازير ننام على أسرة بيت المزرعة؟
وفي صوته نبرة استنكار تساءل:
ـ ولِمَ لا؟ هل اعتقدتم أن ثمة قانون يحرم النوم على الأسرة؟
وأخذ يحرك رأسه من جانب لآخر قبل أن يوضح ما التبس على الحيوانات:
ـ كلا يا رفاق كلا.. فالسرير ليس سوى مكان للنوم. كومة القش في الإسطبل يمكن اعتبارها سرير، وعارضة الخشب للدجاج هي بمثابة سرير، والقانون ليس ضد الأسرة وإنما ضد الأغطية التي هي بدعة بشرية.

واستردك وهو يبتسم:
ـ لقد أزلنا الأغطية عن الأسرة وننام الآن بين البطانيات. لا شك أن الأسرة مريحة للغاية، ولكنها ليست الراحة التي تزيد عن حاجتنا، فعملنا الفكري يتطلب قدراً من الراحة، ولا أعتقد أنكم تعترضون على توفيرها لنا. فنحن الخنازير إن تعبنا لن نتمكن من أداء مهمتنا على أكمل وجه! ولا أعتقد أن أحد منكم يرغب في عودة جونز؟
وسأل وهو يتفحص بعينيه اللامعتين الوجوه أمامه:
ـ أليس هذا صحيحاً يا رفاق؟
أما وقد بدا الأمر على هذه الصور، فقد أبدت الحيوانات لسكويلر مباشرة موافقتها على هذه النقطة، ولم يأتِ أحد على مسألة نوم الخنازير على الأسرة مرة أخرى. وعندما أعلن، عصر أحد الأيام، أن الخنازير سوف تستيقظ في الصباح متأخرة ساعة واحدة عن بقية الحيوانات لم يعترض أحد على ذلك أيضاً.
***
حل شهر نوفمبر ومعه جاءت رياح جنوبية عاتية، فاضطرت الحيوانات إلى وقف أعمال البناء بسبب رطوبة الأرض واستحالة خلط الأسمنت. وفي إحدى الليالي بلغت قوة الرياح أشدها، فاهتزت لها مباني المزرعة حتى تطايرت بعض قطع قراميد من أسقفها. وعندما خرجت الحيوانات من مرابضها في صباح اليوم التالي، شاهدت سارية العلم محطمة على الأرض قطعاً، وشجرة البق في طرف البستان وقد اُقتلعت من جذورها كنبات الفجل. وفي هذه اللحظة بالذات، أطلقت حناجر الحيوانات صيحات يأس بصوت واحد من هول ما رأته، فقد أتت الريح على الطاحونة وسوت بها الأرض، وغدت أثرا بعد عين.

هرعت الحيوانات إلى موقع الطاحونة وعلى رأسها نابولين، الذي قلما كان يمشي مسرعاً، ووقفت حزينة مذهولة أمام الخسارة الفادحة غير قادرة على النطق والتفكير. فها هو شقاؤها وثمرة جهدها تذهب في مهب الريح، وها هي الصخور التي قاست الويل من أجل تكسيرها ونقلها قد تبعثرت في أرجاء المكان كله.

نابولين وحده كان يتحرك.. يذرع المكان جيئة وذهابا، وينفخ الأرض بين الحين والآخر وكان ذيله منتصبا في إشارة إلى أنه في حالة نشاط ذهني حاد، ثم توقف فجأة، وكان شيءٌ ما قد تمخض عن ذلك التفكير.
ـ أيها الرفاق..
قال بهدوء..
ـ هل تعلمون من المسؤول عن هذا؟ هل تعلمون من العدو الذي جاء ليلاً ودمر طاحونة الهواء؟
وتوقف عن ذرع المكان طولا وعرضا، ورفع خَطْمه عن الأرض الرطبة، وهدر بصوت كالرعد، قبل أن يقول:
ـ إنه سنوبول! ولا أحد سواه.. فعل ذلك بدافع الحقد والانتقام، فقد تسلل تحت جنح الظلام ودمر جهد سنة كاملة بغية إعاقة خططنا وعرقلة سير تقدمنا.

وبعد قليل:
ـ أيها الرفاق لقد ارتكب سنوبول خيانة عظمى بحق بني جنسه، وإني أعلن من هذا المكان عقوبة الإعدام بحق هذا الخائن، ومكافأة وسام الحيوان من الدرجة الثانية، ونصف بوشل من التفاح لمن يحضره أمام العدالة، وبوشلا كامل لمن يلقي القبض عليه حياً.

سرت بين الحيوانات صيحات السخط والغضب، وبدأ كل واحد منها يفكر في طريقة للقبض على سنوبول. وبعد ذلك مباشرة اكتشفت آثار أقدام خنزير على العشب بقرب الهضبة الصغيرة، فاقتفتها الحيوانات لبضع خطوات حتى اختفت في جحر داخل جنينة من الشجيرات الكثة. شم نابولين الآثار وأعلن أنها تخص سنوبول. وقال أنه ربما جاء من ناحية مزرعة فوكسوود.
ـ لا داعي للتأخير أكثر مما ينبغي لاً يا رفاق.
قال نابولين عندما انتهى من فحص آثار أقدام سنوبول، وأضاف:
ـ أمامنا عمل علينا إنجازه على أكمل وجه وفي أسرع وقت ممكن: سنبدأ هذا الصباح بإعادة بناء الطاحونة، وسوف نستمر بالعمل طوال الشتاء.. سواء كان الطقس ممطراً أم مشمساً. إلى الأمام يا رفاق، فلتحيا الطاحونة ولتحيا مزرعة الحيوان، وليعرف هذا الخائن البائس أنه لا يستطيع تحطيم عزمنا بهذه السهولة.



من مواضيعي :
الرد باقتباس
  #14  
قديم 15/07/2006, 01:16 AM
صورة لـ فارس بلا جواد
فارس بلا جواد
وفــي
 
بارك الله فيك يا اخي القدير
محمد عيد العريمي

ما اقول غير الله يجازيك بفعالك
واشكرك جزيل الشكر على هذا المجهود الجميل
المتوصل
ولك مني جزيل الشكر على المجهود المتواصل



من مواضيعي :
الرد باقتباس
الرد على الموضوع

مشاركة الموضوع:


إنتقل إلى

عناوين مشابهه
الموضوع الكاتب القسم ردود آخر مشاركة
"البرامج الشبابية..واقعٌ "يُمتِّع البصر" و"يُسطِّحُ التفكير" حسام الحق إسلاميات 5 30/04/2011 08:22 PM
""×"" أحـــــــ حييييييل ـــــــــبكم ""×"" الـعــنقـاء موضوعات عامة 6 30/04/2011 12:28 PM
"""" حكم علمية فى قمة الروعة "" أدخل وتعلم وشاركنا الرأي؟؟ زهرة الاسلام قضايا المجتمع وحقوق الإنسان 2 18/03/2011 11:47 PM


الساعة الآن: 07:23 PM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات