السياحة الربيعية في تركيا

#1 02/04/2008, 08:31 AM

السياحة الربيعية في تركيا
بين ثلوج الجبال وعيون المياه العلاجية!
عبدالإله بن سعود السعدون (*)

تتميز صناعة السياحة في تركيا بأنها مجموعة متكاملة من أصناف السياحة المختلفة عالمياً؛ فهي سياحة اصطياف وراحة في المناطق الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، ومعها منتجعات وقرى سياحية على البحر الأسود تعمل خلال موسم الصيف، وهناك أيضاً السياحة الشتوية في المناطق الجبلية حيث تمارس رياضة التزلج على الجليد، وتقام أيضاً مسابقات دولية لتنشيط هذه السياحة في منطقة جبال (ألما داغ) القريبة من العاصمة أنقرة، وأخرى بمنطقة (بولو دانج) في منتصف الطريق البري الذي يربط العاصمة أنقرة وميناء تركيا الرئيسي إسطنبول حيث تمتاز هذه المنطقة بكثرة أشجارها وانتشار الفنادق الصغيرة حول بحيرة بولو الواقعة في منتصف هذه المنطقة السياحية، ويرتادها أفواج من السياح الأوروبيين ممن يهوون رياضة التزلج على الجليد. ويربط بين قمم جبال بولو تلفريك كهربائي، ويمارس في غاباتها الصنوبرية رياضة صيد الطيور الوحشية وحيوان غزال الآيل، وتشتهر هذه المنطقة بمطاعمها الكثيرة المتخصصة بشوي الخراف والغزلان أثناء السمر على النار الموقدة في ساحة الفنادق، ويقوم نزلاء هذه الفنادق بالشواء بأنفسهم إكثاراً في الخصوصية والمتعة أثناء حفلات العشاء!

ثقافات غذائية متشابهة

ويستمر الإشغال السياحي أعلاه في منطقة (بورصة) طيلة أيام العام لاختلاف جوها في المدينة الواقعة تحت سفوح جبال (ألوداغ) العالية جداً، حيث يبلغ ارتفاعها عند القمم 1800م، وتعتبر من أبرد المناطق السياحية في تركيا، وترتبط المدينة بهذه الجبال الشاهقة بمحطة تلفريك تعمل طيلة الموسم السياحي الشتوي والصيفي، وتنتشر فيها فنادق من الدرجة الأولى والممتازة لتستقبل الأفواج السياحية القاصدة هذا المنتجع السياحي من جميع أنحاء العالم، وتفضل السياحة العربية لقرب الحياة الاجتماعية لسكان هذه المنطقة بالعادات والتقاليد العربية، وتقدم مطاعمها أكلات يفضلها السائح العربي وهي تعتمد على الخراف المشوية وأكلة (الدونر) وهي شبيهة بالشاورما الشامية، والخبز باللحم، كما تشتهر أيضاً بتقديم أصناف عديدة من الحلويات الشرقية التي تعتمد على تطعيمها بالبندق والفستق والكستناء، وتكثر فيها مصانع النسيج القطني وأنواع ممتازة من أقمشة الحرير الطبيعي لكثرة زراعة أشجار التوت في المزارع المحطية بها حيث تربى دودة القز المنتجة للخيوط الحريرية. ولتعدد عيون المياه العلاجية في هذه المنطقة فقد كثرت المراكز الصحية للعلاج الطبيعي التي يقصدها المرضى الذين يشتكون من أمراض الروماتيزم والمفاصل والظهر والتهاب غضروف الركبة تحت إشراف طبي حديث، وقد أعطت هذه النوعية من المياه المعدنية الحارة نتائج إيجابية فريدة. وقد تميزت منطقة بورصة بالفواكه المختلفة مثل التوت والتين والدراق البورصي، ولجبال (ألوداغ) ميزة طبيعية حيث تكثر فيها أشجار الكستناء والجوز والسرو، وتغطي قممها الثلوج الكثيفة المتجمدة طيلة فصول السنة!

رياضة التزلج

وتقام مسابقات رياضية على الجليد في مواسم معينة في مضمار يربط قمتي جبلين بقطار التلفريك، وتمتاز هذه الجبال بسفوحها العريضة والخالية من الأشجار؛ ما يساعد على تعلم رياضة التزلج الجليدي، وفيها فندق صغير نسبة إشغاله ترتفع في مواسم العطلات الرسمية وفي الأعياد، وقريب منها تنتشر مراكز العلاج الطبيعي حول العيون الطبية في قرية (يالوا)، ويرتاد هذه المراكز مرضى المفاصل والعظام، وأيضاً هناك منابع مائية كبريتية تعالج الأمراض الجلدية وتسمى مصح اليترمنال.

طريق الحرير

ومن أشهر مناطق السياحة الشتوية منطقة تقع في شمال شرق تركيا القريبة من جبال (كارس)، وقد أعدت حديثاً لتكون ساحة ثلجية لإقامة الأولمبياد الأوروبي، حيث تجرى على أرضها الثلجية السباقات الأولمبية الشتوية بكل أنواعها، وتشترك فيها فرق تمثل دول القارة الأوروبية، وتم افتتاح المدينة الرياضية التي تحتوي على فندق (صاري قامش توبراك هوتيل) وتصنيفه من الدرجة الممتازة (خمس نجوم) ويحتوي على 150 غرفة وجناحا مع مطعم رئيسي كبير وآخر خارجي للمشويات حيث تقام حفلات ليلية لنزلاء الفندق ويقع على حافة سفح جبال كارس المشهورة بكثافة الطبقات الثلجية واستمرار مزاولة رياضة التزلج طيلة فصلي الشتاء والربيع، وملحق بها محطة قطار ثلجي لنقل ضيوف المنطقة من هواة هذه الرياضة إلى قمم الجبال، وترتبط مع الفندق بخط للتلفريك يعمل طيلة ساعات اليوم، وترتبط هذه المنطقة السياحية بخطوط جوية وبرية تربطها بمنفذ إسطنبول، حيث يتوافد من خلالها أفواج السياح الأوروبيين، وتعتبر منطقة كارس من مراكز التاريخ السلجوقي، حيث انتشرت فيها فرق من منظمة اليونسكو لتسجيل تاريخ تركيا القديم، وحصلت على معلومات تاريخية كاملة عن العهود القديمة منذ العهد الروماني حتى إنشاء هذه المدينة في عهد تركيا الحديث، ومن أبرز هذه الآثار قصر كاترينا وقلعة كارس وبقايا قصر آني الروماني، كما أن (طريق الحرير) القديم الذي كان يربط الغرب بالشرق مروراً بشمال تركيا لازالت آثاره باقية حتى الآن في المنطقة القديمة من هذه المدينة. ويقع هذا الفندق الشتوي على بُعد خمسين كيلو متراً من مطار مدينة كارس، والغابات الكثيفة المحيطة به من أشجار السرو تشكل حدوداً جغرافية مشتركة مع جمهورية أرمينيا، وتعتبر ساحة لصيد الطيور وغزال الآيل في موسم الصيد الشتوي.

السياحة العلاجية

وبين العاصمة أنقره ومنطقة كارس تقع قرية علاجية تحتوي على العديد من العيون المائية ذات صفة علاجية نادرة في العالم.. ففي منطقة سيواس تقع هذه المراكز العلاجية التي أصبحت تعج بالمرضى والسياح من أوروبا الشمالية، حيث يمتاز ماء هذه العيون المعدنية بصفة علاجية لأمراض الصدفية والبهاق وبطريقة طبية غريبة، حيث تحتوي هذه الأحواض المائية على نوع من السمك الصغير لونه رمادي يعيش في مياه معدنية حرارتها ثابتة صيفا وشتاء (حول 36-37 درجة مئوية)، أي مماثلة لحرارة الجسم البشري، وتأكل هذه الأسماك البثور الجلدية وتنظف فقط الجروح حتى يخرج الدماء منها فتتركها فترة ثم تنظفها أخرى في اليوم التالي، ويتم شفاء هذه الأمراض الجلدية خلال أسبوع واحد. وقد أشرفت وزارة الصحة التركية على هذه المراكز العلاجية وأنشأت مجمعاً صحياً مزوداً بأطباء من جميع الاختصاصات، وتقع هذه المراكز الصحية في مدينة كانكال التابعة لولاية سيفاس، واستغلت هذه المنطقة سياحياً، حيث انتشرت فيها الفنادق والعمارات المؤثثة لاستقبال المرضى والسياح من داخل تركيا وخارجها. وبجوار هذه المنطقة العلاجية هناك مركز يعالج المرضى المصابين (بداء الفيل) بواسطة لدغات أفاعي غير سامة لامتصاص مسببات هذا الداء عن طريق اللدغ لساق المريض، ويتم شفاؤهم خلال أيام.. والذي لا يصدَّق في صفات هذه الأسماك والأفاعي أنها لا يمكن أن تعيش إلا في مياه هذه الأحواض ذات الحرارة الثابتة، وباءت كل محاولات مراكز طبية أوروبية بالفشل في محاولة لنقل هذه الأسماك لمياه مشابهة لمواصفات مياهها الأصلية، ولكنها تنفق خلال دقائق!

(*) محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية