عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > منتديات عامة > منبر السياسة
مواضيع اليوم
منبر السياسة منـبر للنقـاش والحوار الهـادف، أخبار الرأي والرأي الأخر، تحليلات، وعمق في الطرح والتحليل

عمانيات   عمانيات
 
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 28/10/2007, 01:55 PM
الفارس الاخير
مُخلــص
 
المنافسة على التظلم ..

مقالة من مقالات الأستاذ/ مـأمون فندي
بجريدة الشرق الأوسط



المنافسة على التظلم

يبرر شبابنا اليوم تفجير نفسه بالمظالم التاريخية، التي وقعت على العرب من قبل الاستعمار. ولكن مقارنة بالسود، الذين شدوا بالأغلال من أفريقيا إلى مواطن العبودية فى أميركا وأوروبا، وبالهنود الذين رزحوا تحت الاحتلال الانكليزي زمنا طويلا، ومقارنة باليابانيين الذين كانوا ضحية أول قنبلة نووية في تاريخ البشرية، مع هذه المقارنات يبدو حظ العرب أفضل من غيرهم خلال المائتي عام المنصرمة.

مظالم شعوب العالم كثيرة، ونحن ضمن هذا العالم، ولو أن المنطق يحتم أن الانتقام هو الوسيلة الوحيدة لإحقاق الحق ورفع الظلم، لكان من حق شعب هيروشيما، أو من تبقى منه، أن يبيد أميركا كلها لأنها ألقت القنبلة النووية عليه. ولو كان رد الظلم هو الدافع للعنف، لكان من حق السود في الغرب الذين جيء بهم في القيود أن يخربوا ما شاءوا ويقتلوا من شاءوا من بيض البشر، ولكان أيضا من حق الهنود تدمير بريطانيا الاستعمارية عن بكرة أبيها، ولكان من حق الإسبان أن ينتقموا من الاستعمار... (بلاش سيرة إسبانيا لأننا إحنا كنا الاستعمار هناك). هذه الشعوب التي كانت مستعمرة ومستعبدة ناضلت وقاومت لتحقيق أهدافها، فكان النضال وسيلة لا غاية، الغاية كانت أن تنهض من جديد وتبني بلدانها وتحقق التنمية الاقتصادية والرفاهية لأبنائها. وهذا لم يكن ليحدث لولا أنها قررت تجاوز مظالم الماضي من أجل بناء حاضر أفضل وبشكل عقلاني ونقدي أيضا.

«كانوا يأتون بنا إلى العالم الجديد كعبيد مقيدين بالأغلال، أما اليوم فنحن الذين نركب القوارب المهترئة من سواحل أفريقيا، مهددين بالغرق في البحر حتى نصل إلى شواطئ أوروبا»، هكذا قال لي سائق سيارة أجرة سنغالي في لندن، عندما حاولت التعاطف معه من باب أننا إخوة من العالم الثالث، رفض الرجل أن يقبل ذهنية الضحية، بل حمّل بلاده سبب نزوحه. أما نحن فما زال إعلامنا يتحدث عن «أن الجري وراء الحلم الأوروبي هو سبب غرق القوارب وموت المهاجرين الأفارقة والعرب على الشواطئ الإسبانية والإيطالية». السائق السنغالي يطرح الأسئلة الصعبة على نفسه ولا يستسهل الأمر، يرى سخرية القدر في ما يحدث اليوم! فالعبيد الذين كانوا يأتون إلى العالم الجديد مساقين بالسياط والظلم الخارجي، يأتي أحفادهم اليوم إلى أوروبا طواعية وبأعداد أكبر وتكبد مخاطر تصل حد الموت مدفوعين بالظلم الداخلي.

في أحد المؤتمرات القومية الشهيرة، التي تعقد في بيروت، قرر بعض العرب النابهين أن يقطعوا علاقاتهم بالغرب والتوجه شرقا نحو اليابان. الحجة لم تكن التقدم الاقتصادي والتقني الياباني، وإنما كانت بدعوى أن «اليابان ليس لها ماض استعماري». وكأن احتلال اقليم منشوريا الصيني من قبل اليابان عام 1931 لم يحدث. في ذهن هؤلاء، بما أن اليابان لم تحتل بلادنا، إذن ليس لها ماض استعماري، ولا يهم أنها احتلت بلاد غيرنا، أي أنهم لا يرون من المظالم التاريخية إلا ما قد وقع عليهم هم.. منطق لا يستقيم لأحد خارج حدودنا.

لا بد أن نعي أن المجتمع الدولي اليوم يعاني مما أسميه «المنافسة على التظلم». بمعنى أن هذه الكرة الأرضية تعج بصراعات ومنازعات وقضايا إنسانية ملحة جدا، من وجهة نظر أصحابها، وقضيتنا كعرب ما هي إلا واحدة من هذه القضايا. هناك سبعة وثلاثون صراعا ساخنا اليوم في هذا الكون، يلجأ كافة الأطراف في هذه الصراعات إلى الدول الكبرى والمؤثرة متظلمين ومدعين أن قضاياهم في ذيل قائمة اهتمام المجتمع الدولي، وباذلين كل جهدهم لكسب تأييد وتعاطف هذه الدول الكبرى معهم. إذن، ترى مع من من هذه المظالم ستنحاز مراكز ثقل القرار العالمي؟ نحن كعرب نتصور أن قضيتنا عادلة وواضحة وضوح الشمس، ولا داعي أن نتنافس على آذان قادة الدول الكبرى حتى نكسب تأييدهم.. ابتداء من القضية الفلسطينية إلى العراق إلى السودان مرورا بالمعونات، نحن لا نرى داعيا لتوضيح وجهة نظرنا. الحقيقة هي أن وجهة نظرنا واضحة لنا، ولكن هناك الكثير غيرنا ممن لا يفهم لماذا نحن غاضبون. المطلوب اليوم هو أن ندخل حلبة المنافسة على التظلم، ونبذل كل جهدنا لتوصيل وجهة نظرنا، وكفانا إرسال رسائل لأنفسنا في المرآة.

كما أنه لا بد لنا أن ندرك أن القضية الفلسطينية، بما لها من كبير تأثير في العالم العربي تمر اليوم بأدق مراحلها. فرغم ما كان قائما قبل انشطار الكيان الفلسطيني الى قسمين أحدهما في الضفة والآخر في غزة، إلا أن الوضع الإقليمي كان مستقرا. ففي الصراع المنظم حالة من الاستقرار، وهذا ما كان عليه الوضع العالمي عندما كانت هناك حرب باردة بين روسيا وأميركا. نسميه في علم السياسة الدولية، الاستقرار السلبي، لكنه استقرار على كل حال. الصراع العربي الإسرائيلي كان استقرارا رغم سلبيته. أما اليوم وقد اضطربت نواة الصراع في فلسطين، فمعنى ذلك هو حالة إرباك لكل الأطراف واختلال لصيغة الاستقرار السلبي وإدخال المنطقة في دوامة الفوضى المدمرة لا الخلاقة. وهنا يجب على العرب أن يتحسبوا من هذه اللحظة.

الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، وهنا أشدد على كلمة اجتماع لا مؤتمر دولي كما فهم البعض، في أسوأ حالاته قد يوصل إلى الاستقرار السلبي، الذي كان قبل تفجر الوضع في الأراضي الفلسطينية. وفي أحسن حالاته، وإذا ما تخلينا عن إلقاء دروس التاريخ في هذه اللقاءات، قد يؤدي إلى حل للمشكلة. فقط نحن نحتاج إلى ابتلاع المرارة التي استطاع الهنود والسود واليابانيون ابتلاعها، وكذلك أن ندرك أن أولوية المظالم في المجتمع الدولي هي أمر خاضع لقوانين المنافسة وأن هناك من يسعون لوضع مظالمهم في المقام الأول دوليا. وأن نتذكر أنه لا يوجد سلام في العالم قائم على العدل، كما يتصور الحالمون منا. تاريخ صفقات السلام، لكل من درس ويدرس، دائما مبني على تفاوض بعد حروب كان فيها غالب ومغلوب. الأساس في العالم ليس السلام القائم على العدل وإنما السلام القائم على الظلم. أو في أحسن الحالات السلام القائم على درجة من الظلم يمكن التعايش معها.




من مواضيعي :
الرد باقتباس
 

مشاركة الموضوع:


إنتقل إلى


الساعة الآن: 09:36 PM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات