عمانيات عمانيات
عودة   عمانيات > إيمانيات > إسلاميات
مواضيع اليوم
إسلاميات يهتم بكل ما يتعلق بالشريعة الاسلامية والفقه و المفاهيم الإسلامية الصحيحة

عمانيات   عمانيات
الرد على الموضوع
 
خيارات الموضوع ابحث بهذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 05/10/2010, 12:18 AM
صورة لـ عمرم
عمرم
مسافر
مسافر
 
روائع أحمد بن حنبل


من أنا حتى أكتب عن أحمد .. روائع أحمد بن حنبل
د . إسلام المازنى





الحمد لله رب العالمين
اللهم صل على محمد
و على آله و صحبه و سلم .
من أنت يا ابن حنبل ؟
أرجل مثل بقية الرجال ؟ أم أشباه الرجال ؟
أشيخ عاش ثم قضى نحبه ؟

أحمد يا إخوان لم يكن هملا , بل كان عالما , كان بطلا ...كان آية .. كان فذا
إذا المكارم فى الدنيا أشيد بها*** كانت كتاباً ، وكنا نحن عنواناً
إن الحياة نهار أو سحابته *** فعش نهارك من دنياك إنساناً

لم يكن قلبه يهوى قسمات أنثى يراها البداية و النهاية , و لم يكن صدره يتزلزل بنبْـض سوى الحق , كان عقلا مفكرا يدرك أين شاطئ النجاة , فصار شمعة لا مثيل لها فى روعة الضوء , و حلق كعُصْفُـور أخضر يجمع السنة من كل روض مزهر و يدون لمن يأتى بعده , لنا ....
ليترك أربعين ألف حديث شريف , كأنها الجَـنَّـات و النهر , فى موسوعة لمن طلب أطيب الخبر , بلا حقوق نشر و لا ربحية !

تحلى أحمد بطهر الوجدان و حب الخير , فلم يكْـرَه سوى الباطل و المبطلين , فكانت حياته قصة وعـبْـرة تروى كفاح إنسان حمل فى أعْمَاق صَدْره طهر حب ربه , نحسبه و الله حسيبه ....
لم يعرف الصمت , حين نادى الحق لبى , فانطلقت المعانى كالدرر تنير الأرْضَ المستديرة كلها رغم المشقة ...
أحمد بن حنبل هو رجل المائة الثالثة ، شهد له الجميع بأنه عالم ثقة إمام ورع , أمة وحده , سيد فى الثبات و الصبر .
مولده و نسبه:
ولد الإمام أحمد عام 164 هجرية في بغداد التى ينتقم منها الحاقدون لأنها كانت منارة للسنة ..
فبعثروا كتبها و أحرقوا تراثها و مخطوطاتها , بعد أن اغتصبوا مالها و افترسوا أهلها ...
و توفي الإمام أحمد عام 241 هجرية ......
كان عمره عندما مات الشافعي - رحمهما الله – يقارب الأربعين ، كأن الله تعالى تركه للأمة من بعده بعد أن بلغ أشده و استوى !
حيث كان الشافعي يكبره بأربعة عشر عاما رحمهما الله تعالى .
شيخنا أحمد عربي من شيبان .....
يلتقي نسبه مع الرسول عليه الصلاة و السلام , عند الجد نزار بن معد .
فهو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد ..إلى مازن بن ذهل بن شيبان .
تيتم صغيرا ليصير مثلا كبيرا !
و يمسى حجة على من يتذرع باليتم و الضعف و الفقر , ليعيش الخور و الكسل و العجز ...
و تولت أمه الطيبة تربيته الفريدة المثال
فكانت نعم الأم , و نعم المربية و نعم السيدة الفاضلة ...
لم تنتظر من ينير لها الطريق , كان منيراً بيقينها و ذكائها ، لم تكن حالمة ترى الحياة شوقا لرجل يمتطي صهوة الخيال , بل كانت تسبح فى الغسق وتشعل الدجى ترانيما حسنة ، كان حب الله يحدوها و هى تهب ابنها الفتى اليتيم لله تعالى ..
و المدد لم يكن مالا و لا متاعا , بل كانا فقيرين , و لم يحدوها حلم ببذلة تحتويه و شهادة يوم يتخرج كما المثاليات فى زمن التلفاز

بل كان البيع لخير من ذلك ,
كانت تصنع منه آية !
يقف وسط الوحوش صامدا فى المحنة , لا تتبعثر نفسه بين الرغبات و الرهبات ..

فهى سيدة من زمن القمم , لم تلتزم نهجنا و ذات السلوك الرتيب , و لم تتعب نفسها فى حفظ أبجدية التساوى مع الرجل و التنافس مع الذكر كأنما خلقنا للتناطح كالكباش !

... و لا تسعى لخروجها مكشوفة ليقال حرة !
و لم تر تربية الأبناء ليست عملا ... فيقال لمن خرجت عاملة و لمن جلست أين عمل المرأة !
بل كانت تعمل ... و انظر إلى عملها و عملنا !

هى ربت أحمد !
و خرج ليسطع فى الدنيا حتى الليلة !

نحن عالة على كتبه ....حفظ لنا السنة و الفقه

و تحمل ليصلنا الدين نقيا

تحمل الجوع و البرد والسوط و السيف !

كانت أمه معه يوما بيوم , تصنع الرجل القادم ... فجر النور , و لم تعش الجنون كطائشات القوم

تمنت أن ترتقى و ارتقت , و جدير بها أن تسعد لأنها رأت أحمد نورا للدنيا , يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم , فيصمت الخلق انبهارا من الحديث و المحدث و من المتحدث عنه !

حتى و هو صبى كان سلوكه يدل على نعمة الله بمثل تلك الأم المسلمة ...
* قال أبو سراج بن خزيمة – وهو ممن كان
مع أحمد بن حنبل في الكتّاب صغيرا - إن أبي جعل يعجب من أدب أحمد

وحسن طريقته, فقال لنا ذات يوم :
أنا أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين على أن يتأدبوا، فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم ، انظر كيف يخرج ؟
و جعل يعجب .

* وكان الهيثم بن جميل بفراسته يقول عن أحمد :

أحسب هذا الفتى – إن عاش - يكون حجة على أهل زمانه

**************************

و يكبر الصبى النابه ...
ها هو أحمد فى المسجد , لا يتكلم بل يسكت ,
فتعمر القلوب بالنظر لسمته , و ينساب الهدوء بين الحنايا مع دمعته الرقيقة الخاشعة

**************************
فكيف لو تكلم ....أرأيتم الأم المربية حين تنتج جيلا مسلما ! رحمها الله رحمة واسعة و رضى عنها ...تحملت الفقر و ضحت بالشباب لتكون متفرغة لابنها النابغة , و لم تعش أرملة ميتة على أشلاء أمل قديم .
و كان أحمد وفيا لأمه , لدرجة أنه خشى أن تزعجها سيدة أخرى بأى منغصات, فلم يتزوج حتى توفيت , و هو فى الثلاثين من عمره .
كانت البداية بزرع الورد الذى لا يذبل
بالكتاب المقدس المكرم المطهر
فأعانته أمه المثالية على تعلم القرآن المكرم , تلاوة و حفظا , حتى لبسا تاج البهاء ... و وعى ابنها الذكر فى صدره و ختم القرءان حفظا ..
و فى الخامسة عشرة دخل حلقات العلماء ليشرب من نهر السنة العذب السلسبيل
فجلس فى مجالس الحديث الشريف
حتى سمع ما ببغداد كله !
فقرر أن يجوب الدنيا , و يركب البحر و يشرب الصبر ليجمع كل كلمة قالها الحبيب صلى الله عليه سلم , و يحققها ( سندا و متنا ) , فيتأكد من صدق ناقليها عدلا , و يسمعها بنفسه منهم بلا واسطة , فيعلو به النقل و التوثيق العلمى التاريخى , فلا يكون بينه و بين النبى صلى الله عليه وسلم إلا أقل عدد ممكن , كى لا تشوب النقل شوائب !
لا يهم الوقت
لا يهم الجهد
لا يهم التعب
لا يهم البرد
لا يهم المطر
فى سبيل الله نحيا
مع الحب نحلق
نشرب العلم نديا
قشعريرة السعادة فيها الدفء المطلوب ...
يرحل الشاب المجتهد المناضل في سبيل السنة الشريفة , حتى يذهب إلى شتى أركان دولة الخلافة الكبرى ...
إلى الشامات والسواحل ..
ومكة والمدينة
و باقى الحجاز واليمن
لفارس و خراسان
صعد الجبال , و وصل الأطراف , ثم زار الثغور فى مرمى العدو ..
كى لا يترك إرثا طاهرا عبقا , و لا رجلا فاضلا معه خير دون أن يلقاه و يدون و ينقح ..
جولة حول العالم من أجل الحق , و الحق وحده يا أحمد ...
للحق قمت , تعب اختيارى !
بقرار حر شجاع , ثم صمود لا يلين مع الريح ,
و لا تبدده الشهوات و التباريح , و لا يغرقه بحر الكسل الفسيح ....
شهد له الكل و كتب عنه الجميع
فلم يكن أسطورة و لا مبالغة , بل ترك أثرا ماديا , و خلف صحبا كراما زكوه فى كل مصر طاف به ...
من شيوخه الفضلاء :
ممن التقى بهم في الري الإمام عليّ بن مجاهد حيث رحل أحمد إليه عام 182 هـ، وهي أول سنة رحل فيها في طلب العلم ، وسمع من الإمام جرير بن عبد الحميد في الري أيضا , رحمهم الله جميعا .

ورحل إلى البصرة عام 186هـ في طلب الحديث ، وخرج إلى الكوفة في طلب الحديث
فأصابته حمى فعاد إلى بغداد.!
لا
لم يقرر الكف بسبب المرض , و قد تعلم من علمين فحق له أن يجلس ليفتى و يدرس فى المسجد و لا داعى لمزيد من السفر و الأمراض ... لا , بل نحتسب و نكمل المسيرة
طهور يا أحمد
طهور إن شاء الله ...

و قال أحمد بن حنبل :
دخلت عبدان سنة 186 هـ.

و دخلت البصرة خمس دخلات ! و ذلك ليسمع من محدثيها ، فلم تكن سفرة سياحة المعصية و لا تجارة دنيوية ...

و حضر فيضان دجلة الكبير عام 186 هـ في أيام الرشيد الذي اضطر الرشيد بسببه إلى النزول بأهله إلى السفن. ومنع والي بغداد ( السندى بن شاهك ) الناس من العبور إشفاقاً عليهم ( والى يخاف على الرعية ....! ) ، فأقام أحمد بن حنبل - تلك الفترة فقط - لا يستطيع الرحلة من أجل العلم ! لم يمنعه إلا الفيضان .... تلك هى الأعذار المقبولة يا أحباب .

* لقى أحمد الشافعي في أول رحلة , و فى أطهر بقعة , فى الحرم بمكة المكرمة ، و علم أحمد قدر الرجل , و تلقى عنه الفقه و هو معرفة الأحكام المفصلة لكل جزئية , و أصول الفقه و هى قواعد فهم الدليل و استنباط الحكم الشرعى , و كان أحمد ابن حنبل وفيا للشافعى رحمه الله , حتى روى عنه أنه مكث أربعين سنة ما بات ليلة إلا ويدعو فيها للشافعي.

و كان يقول
إنَّ الله يبعث على رأس كل أمَّة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها...
لقد أرسل الله تعالى عمر بن عبد العزيز على رأس المئة الثانية , وآمل أن يكون الشافعي على رأس المائة الثالثة.!
و رشحه الشافعي عند الرشيد لقضاء اليمن فأبى أحمد و قال له :
جئتُ إليك لأقتبس منك العلم
وكان ذلك في آخر أيام الرشيد.
ورشح الشافعيُّ الإمام ثانية لقضاء اليمن عند
الخليفة الأمين العباسي فأبى أحمد ، وكان ذلك عام 195 هـ.
فهو لا يريد منصبا و لا شيئا يشغله عن مهمة حفظ العلم و بثه ... و ليس لا هثا ليكون مستشارا له راتب ..

و قال فيه الإمام الشافعي :
" خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل".
وقال عنه الأمام الشافعى أيضا :

أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً *** وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ

وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً *** فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ
و لم تتيسر لأحمد بن حنبل فرصة لقاء عالم المدينة النبوية مالك بن أنس
فكان يقول : لقد حُرِمتُ لقاء مالك فعوَّضني الله عز وجل عنه سفيان بن عيينة !
فأحمد بن حنبل يتحسر , لا على دنيانا و فومها و عدسها , بل على عالم علم جهبذ لم يره , و يسلى نفسه و يعزيها فى الخسارة , لا بالنوم و الأمانى و التناسى و تخدير النفس , بل بعالم آخر رزقه الله لقياه !
أرأيتم التربية ؟
و عرف الشافعي رحمه الله فضل أحمد فى الحديث , فكان يكثر من زيارته ، فيزداد كل منهما من علم أخيه الرائع
ولما سئل عن ذلك قال الشافعى , و هو شاعر فذ و لغوى أصيل :
قالوا يزورك أحمد و تــــزوره*** قلتُ الفضائل لا تبارح منزلـه
إن زارني فبفضله أو زرته فلفضـله *** فالفضل فـي الحالـيـن لــه
و ورد فى كتاب طبقات الحنابلة رحمهم الله :
قال الشافعي لإمامنا أحمد يوماً :
أنتم أعلم بالحديث والرجال , فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني , إن شاء يكون كوفياً أو شاء شامياً حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً.
وهذا من دين الشافعي حيث سلم هذا العلم لأهله .
و قال عبد الوهاب الوراق :
ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ,
قالوا له :
وإيش الذي بان لك من علمه وفضله على سائر من رأيت ؟
قال : رجل سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال أخبرنا وحدثنا ! .. .
هكذا يا أحباب يكون البحث النافع فى ذاكرة الأمة ..
و قال أبو زرعة الرازي :
حزرنا حفظ أحمد بن حنبل بالمذاكرة على سبعمائة ألف حديث !
قيل له وما يدريك قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب......

و هو إمام في القرآن كما قال أبو يعلى رحمه الله :
قال أبو الحسين بن المنادي صنف أحمد في القرآن التفسير , و هو مائة ألف وعشرون ألفاً يعني حديثا , والناسخ والمنسوخ , و المقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى , وجواب القرآن وغير ذلك.

و لم تكن الصلة بالقرءان صلة بحث فقط , فالقرءان حديقة غناء , قال عبد الله بن أحمد : كان أبي يقرأ القرآن في كل أسبوع ختمتين إحداهما بالليل والأخرى بالنهار.

الله ...سبحان الله
خرج أحمد البطل إلى اليمن مستكملا رحلته المباركة الميمونة , للعلامة عبد الرزاق بن الهمام اليمني , صاحب الموسوعة الحديثية المسماة بالمصنف ..
و هناك حاول الإمام الكريم عبد الرزاق أن يساعد طالب العلم , ابن السبيل أحمد بن حنبل بمال من معه , فأبى إمام أهل السنة , و أصر أن يتكسب عيشه من عمل يده لينفق على نفسه فى رحلته , فنعم النفس العيوفة العفيفة , و هى رسالة لكل عالم و طالب علم ( و مفكر ) ...
و سافر أحمد متقصيا أثر علامة زمانه عبد الله ابن المبارك , ليتعلم منه العلم و الخلق و السلوك ... فقد كان ابن المبارك آية عالما عطر السيرة ...
و أشفق ابن المبارك على الداعية الرحال المناضل , و أراد أن يساعده أيضا بمال , كما حاول قبله العلامة عبد الرزاق , و لكن الإمام أحمد اعتذر عن قبول المساعدة ...
و قال :
أنا ألزمك لفقهك وعلمك لا لمالك.
حج الإمام أحمد خمس مرات إلى بيت الله تعالى ، منها ثلاث مرات ماشيا !
لقلة ذات اليد .....
فسبحان الله على النشاط و الجلد و الجدية فى العبادة , كما هى فى طلب العلم ....
فليسمع من كبرت بطونهم و ترهلت أجسادهم من كثرة النوم و الأكل و الكسل ,
و ممن وهنت عظامهم قبل أن يخوضوا غمار
رحلة ربانية واحدة , ممن يأكلون الطرى و يشربون شرب الهيم ... عودوا أنفسكم الخشونة و الرجولة .. و أمامكم الطريق
كما قال شوقى :
هل علمتم أمة فى جهلها *** ظهرت فى المجد حسناء الرداء ؟
باطن الأمة من ظاهرها *** إنما السائل من لون الإناء
فخذوا العلم على أعلامه *** واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واقرؤوا تاريخكم ، واحتفظوا *** بفصيح جاءكم من فصحاء
أنزل الله على ألسنتهم*** وحيه فى أعصر الوحى الوضاء
واحكموا الدنيا بسلطان فما *** خلقت نضرتها للضعفاء
عرف المعاصرون أحمد ابن حنبل بأنه محدث متمكن يروى الحديث و يحققه
و بابن حنبل صحيح السند *** و كل شهم فى الورى مجتهد
بما لنا قد أوضحوا من مسلك *** يرقى بساليكه أوج الفلك
لكن أحمد كان أيضا فقيها نابها ....
وما ميز فقهه أنه لم يكن يعمل بالقياس إلا نادرا , لأنه تيسر له من الأحاديث ما لم يجتمع لغيره , فلم يكن هناك ما يدعوه ليقيس و يبحث , و ليفتش عن تشابه حكم ليقيس عليه ،حيث انتقى كتابه ( المسند) من بين سبعمائة وخمسين ألف حديث عرفها ، بل كان يجمع ما أثر من قول الصحابة أو من قول تلاميذ الصحابة , و هم التابعين , فهم من تعلم من الصحابة تلاميذ النبى صلى الله عليه وسلم , فقولهم أولى و فهمهم أقرب ...
من روضة العلم الصحيح *** وربوة الأدب السليم
العاشقين العلم لا ***يألونه طلب الغريم
المعرضين عن الصغائر *** و السعاية والنميم
و لو لم يجد فى المسألة قولا للتابعين اجتهد و قاس ,
و قد ترك مذهبا ثريا و كتب عنه طلابه آلاف المسائل الفقهية قيل بلغت ستين ألفا مدونة .
و كان الإمام أحمد يتحرج من الفتوى فى أول الأمر حتى اجتمعت لديه ثروة كبيرة من نصوص السنة، وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم. و لم يتصدر للحديث والفتوى إلا بعد أن بلغ سن الأربعين، وذلك عام (204 هـ) !

و من شيوخه أيضا و أئمة عصره الذين أخذ عنهم العلم النافع ممن حفظ عن التابعين و الصحابة كل نصيحة العلم العلامة سليمان بن حرب بالبصرة سنة 194 هـ، و الإمام أبي النعمان عارم في تلك السنة،
و من الإمام أبي عمر الحوضي أيضاً ، و الإمام علي بن هاشم بن البريد
و العلم الفاضل الثقة سفيان بن عيينة وإسماعيل ابن علية.
و الإمام عبد المؤمن العبسي سمع منه سنة 182 هـ.
والإمام عبد الرحمن بن مهدي ، والعالم البطل أبو بكر بن عياش .

وممن حدث عنهن أحمد بن حنبل
من النساء !!
الفاضلة أم عمر بنت حسان بن زيد الثقفي. فلم يكن ديننا متعصبا متحيزا و لم يمنع امرأة أن تصير محدثة !
و دونك كتاب الزيانب لإبن حجر حيث جمع فيه جمعا طريفا فيه كل من اسمها زينب من الفاضلات المعلمات .... فالمرأة الفاضلة يزيدها الحق فضلا ... و لا يكبت طموحها ...

هاهم أصحابه يقولون له , و هم يرونه دوما يطلب المزيد من العلم و دوما يحمل محبرته و أوراقه و لا يكل , كالنحلة تجنى الرحيق بلا ملل ..!

يقولون كما فى السير :
يا أبا عبد الله ، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، حتى متى مع المحبرة ؟

فقال: مع المحبرة إلى المقبرة.

* و في مكة سُرِق متاعه وهو خارج البيت يطلب الحديث، و لما عاد قيل له ذلك، فلم يسأل عن شيء من المتاع ، وإنما بادر بالسؤال عن الألواح التي كتب فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطمئن إلا بعد أن وجدها.

فلم يسخط مع الإختبار الربانى , و لم يتبرم ...
و لم يشفق على الضائع من الفانية ... فأثبت أن الثمرة أينعت .. و أن الحديث ليس باللسان فقط .
ها هو عبد الله بن الإمام أحمد يقول :

خرج أبي إلى طرسوس ماشياً، وخرج إلى اليمن ماشياً.!

وصف المعاصرون مجلسه فكأنما البركة تحيط و العناية تظلل , كان كثير التواضع له هيبة ووقار , و سكينة لا تفارق المكان أثناء الدرس ....

***************

فحين تحضر الألوف التى تسمع الرجل الأمة
يشرق الإحساس فى تلك القلوب التى تختلف عن قلوبنا , فلم تسلم القياد لإعلام و تعليم و ثقافة غبية ملحة تافهة .. و لم تكن تفكر بذات الطريقة التى يمليها عليها غيرها ...
فكانت الأوعية تختلف , فتتفتح منسابة لتسرى المعانى إلى القلب بيسر لا حد له ... من هنا نرى حالنا , حيث كثر القراء و قل العلماء ..

فلا يتسع الأفق إلا لسماء ملبدة بالحزن , و يبقى الأمل و الحنين فى قلة ترتوي الأن من ذات المعين و تنادي الله تعالى وتسأله سبحانه ,
و هم على قلة عددهم و رقة حالهم فهم ورود , تفوح منها رائحة الأمل الموعود , لتزكى الهواء كله ...
فترى صغيرهم و كبيرهم رغم العناء و اللأواء يحمل قلباً باسماً .....

رحمك الله يا أحمد

قالوا :
نظرة إليه تذكر الناس و تعظهم قبل أن يتكلم لسانه ...
و كان أحمد بن حنبل مع تلك السكينة رجلا مبتسما مؤدبا بشوشا .
فقيل فيه أيضا :
يلقى الناس مبتسما و يقدمهم عليه فى المشى .
و فى قراءته للقرءان يجتنب الظهور و الشهرة فإذا قرأ القرآن ودخل عليه الناس سكت صيانة لقلبه من المديح ودخول الرياء.
محنته :
عاش الإمام أحمد في عصر الخليفة المأمون ثم المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل .
في هذا الوقت ، كانت فتنة المعتزلة خاصة في عصر المأمون. وكان المأمون تلميذاً لأبي هذيل العلام من المعتزلة ، و ووقع فى براثن الفلسفة اليونانية .
وعين المأمون أحمد ابن أبي ذؤاد المعتزلي وزيراً خاصاً له .
و كان الصدام بين خرافة القول بخلق القرآن ... أي أنَّ القرآن حادث مخلوق و بين الحق الذى مثله أهل السنة متبعين فيه التابعين و الصحابة فى فهمهم و تعاملهم مع الدليل
و أن القرءان هو كلام الله تعالى الأزلي القديم
و لم يكن أهل السنة يسلمون أنفسهم لفلسفة الوثنيين , و لا يخضعون لها الشرع و لا يشغلون أرواحهم

و لا يرهقون أنفاسهم خلف بشر يعمل عقله و هلاوسه من عبدة أساطير جبل الأوليمب !

بل تخفق قلوبهم مع الأثر عن النبى صلى الله عليه وسلم و صحبه الكرام الطاهرين , ففى كلامهم تحضر موارد الإيمان ،
و يتبين أهل الشقاء من أهل الحرمان
حسب التأسي بما يقال ، حتى لو جاءت الفتنة و المحنة , فزادهم هو اليقين بكريم الإرادة الربانية , إرادة الرحمن سبحانه التى تدخر الفوز لهم , فيجعلهم من الصابرين انتظارا لحسن المآل

و حين اعتنق المأمون هذه البدعة أراد تعميمها و نشرها ..ففي عام 218 هـ أرسل كتاباً إلى نائبه في بغداد وهو إسحاق ابن إبراهيم كتبه وزيره المعتزلى لكنه بختم المأمون يفرض فيه بدعته و شبهاتها الداحضة الواهية
و أمر المأمون أن تقطع نفقة كل عالم لا يقر بما طلب و رفض العلماء التهديد , فطلب المأمون أن يرسل إليه كل معارض مقيداً بالأغلال .
وكان الإمام أحمد من بين الكوكبة التي رفضت أن تقر , و لم تتراجع تحت تهديد السيف ، فقُيِّدوا جميعاً بالأغلال وذُهِبَ بهم إلى طرطوس. وفي الطريق تراجع البعض خوف البطش ومات البعض الآخر .... منهم العالم العلامة محمد بن نوح العجلي و كان آنذاك مريضا يرصف في الأغلال , و توفي ودفن في الرحلة كأول بطل لقى نحبه في تلك المحنة ، ولم يبق إلا أحمد الذي وصله الكلام صريحا من خادم المأمون قائلا له:
إنَّ المأمون أقسم على قتلك إن لم تجبه.
و لكن أحمد رفض التراجع عن الحق و بينما هو في الطريق لا يفصله عن المأمون إلا أميال ، إذ جثى على ركبتيه و رمق بطرفه إلى السماء ودعا الله تعالى أن ينجيه , فتوفي المأمون قبل أن يصل أحمد إلى طرطوس بسويعات !
و أُعيد الإمام أحمد وأودع السجن ريثما تستقر الأمور.
وقال : ظهر لي في الطريق رجل بدوي ، فقلت من هذا ؟ قالوا : شاعر ربيعة جابر بن عامر , فأمسك بزمام ناقته وقال : إيه ما بالك يا إمام ؟ ما عليك أن تقتل في سـبيل الله فإنه ليس إلا القتل هاهنا والجنة ها هنا !
وعظه هذه الموعظة ، يقول الأمام أحمد فشــدت كلمته في قلبي أيما شد وثبتتني ، و يشاء الله أن تكون المحنة بعدها , لما فى كل محنة من منح و عبر و حكم و خير آجل ....
وجاء بعد ذلك المعتصم و استدعى الإمام أحمد مكبلا , و حول الخليفة عدد من المعتزلة على رأسهم ابن أبي ذؤاد الذي ظهر من سيرته أنه مع بدعته يكن حقدا و حسدا للإمام أحمد ،
و ناقشوا الإمام أحمد
و كان واضحا فقال
القرءان كلام الله ...القرآن من علم الله و من قال إنَّ علم الله حادث أى مخلوق فقد كفر !
و طلب المعتصم أن يناقشوه وكاد أن يقتنع بقول أحمد رحمه الله , ولكن سطوة البدعة و أهلها
و وسوستهم غلبت ...
و عرض عليه المال والعطايا , و لكن الإمام أحمد قال له:
أرني شيئاً من كتاب الله أعتمد عليه (أي أعطني دليلاً على ما تزعم من كتاب الله تعالى). وحذَّر المعتزلة المعتصم إن هو أطلق سراحه أن يُقال إنَّ هذا الرجل تغلب على خليفتين اثنين...
فتركه المعتصم للضرب والتعذيب و السجن الطويل المؤلم .
فكان يُضرَب ضرباً مبرحاً حتى يغشى عليه ثم يأتون به في اليوم التالى و يرفض الخنوع .
وقال الإمام أحمد ضربت بالسياط أول يوم فطفقت أعد سبعة عشر ســوطا ثم أغمى علي ولم أدري ما كان من
بعد...!! ومن حضر غُسْل الإمام أحمد بعد موته رحمه الله -مع أنه مات من بعد هذه الحادثة بأكثر من عشرين عاما- شـاهد آثار السـياط هذه في ظهره ، حيث أن الإمام مات ســنة مائتين وواحد وأربعين هجرية والحادثة ســنة مائتان وتسعة عشر هجرية !
و قال الإمام أحمد :
علقت بالسـقف من رجلي وبيني وبين الأرض مسـافة ذراع فكانوا يعذبونني على هذه الشاكلة فإنقطع الحبل بي فدكت عنقي بالأرض فأغمي علي ولم أدري ما وراء ذلك ، وجيئ به في اليوم الثالث فلف في حصـيرة وظلوا يدوسـون عليه حتى أغمي عليه وفي كل ذلك يقولون له قل بقولنا بأن القرآن مخلوق وهو يأبى ، فتركه المعتصم لعله يلين ولعله و لعله ، في تلك الفترة وهو في قصر المعتصم يجيئه بعض تلاميذه الذين يترخصــون ، أحد تلامذته اسمه ابن أبي زهير يقول له أيها الإمام ما عليك أن تجيب ..... فإن لك عيال ولك أولاد ولك كذا فلو أجبتهم والنية عند الله ، فنظر له الإمام أحمد نظرة ملية وقال له يا أبا سعيد إن كان هذا عقلك فقد إسترحت ، فالإمام يدرك أن صموده نصرة للحق ....
ويجيئه آخر من تلامذته ويقول أيها الإمام ما عليك أن تجيب فيقول له نعم انظر من خـلال الشرفة وأخبرني ماذا ترى فينظر فيقول إني أرى أهل بغداد قد اجتمعوا كل معه القرطاس والقلم ينتظرون ما تقول به, قال: أف ...أنجو بنفسي وأضل جميع هؤلاء !!!.
وقال بشر بن الحارث الحافي الزاهد العابد المشهور رحمه الله في تلك الأيام وكان مهابا من الجميع ، كان في تلك الأيام يجمع العامة حول القصر ويجعلهم على حب أحمد ويقول وهو يمد رجله ما أقبح هذه الساق ألا يكون فيها القيد نصرة لهذا الرجل ، نصرة للإمام أحمد بن حنبل .
و بتلك الصرامة و الحساسية المرهفة و الصمود
زرعت المعانى . فأثمرت تقوى فى قلوب المؤمنين من ثبات الإمام أحمد و من معه من الثابتين الذين سبقوه و قضوا نحبهم فى سبيل العقيدة ....
و منهم نعيم بن حماد الـخـزاعي إمام الحديث بمصر مات فى السجن ساعتها رافضا التنازل , و البويضي الفقيه بمصر مات فى الطريق أيضا
كلاهما قضى نحبه ...
و كان هناك علم آخر صمد لا يصح أن ننساه
لكنه لم يعذب لكبر سنه , هو ( أبي نعيم الفضل بن زكين ) شيخ البخاري ومن أئمة الـحديث بالكوفة .,جيئ به إلى المعتصم , و كان شيخا مسنا تجاوز السـبعين فقال له المعتصم أقْطَعُ عطائك أى راتبك الخارج من بيت المال , ، فمد يده إلى ذر ثوبه فَسَلَّهُ أي قطعه ثم وضعه بين أصبعين من أصابعه ثم رماه على المعتصـم قائلا له والله ما دنياك عندي إلا أهون من ذر قميصي هذا ، فهاب المعتصم أن يفعل به شيئا لسنه الكبير و لشهرته ....
و أقبل أحمد على الناس في السجن يعلِّمهم ويهديهم.
فأمر ابن أبي ذؤاد بنقله إلى سجن خاص حيث ضاعفوا له القيود
وأقاموا عليه سجانين أغلظ و أشد ،
وكان ينخس بالسيف فتسيل دماؤه الزكية لكنه يصر على الصمود !
ولو كلفه ذلك حياته .
صبرت للحق حين النفس جازعة *** والله بالصبر عند الحق موصيها
و تستمر المحنة و يستمر الصبر
و تكون العاقبة العاجلة و الآجلة , فالعامة لم يضلوا , بل ازدادوا ثقة بالحق لصمود الإمام الحق ... بعد مرور عامين ونصف على هذه المعاناة ، و قد احترقت قلوب الناس و أوشكت الثورة أن تشتعل في بغداد نقمة على الخليفة المعتصم و وزيره ، حيث وقف الفقهاء على باب المعتصم يصرخون: أيُضرَب سيدنا ! أيضرب سيدنا ! أيضرب سيدنا ! فلم يجد المعتصم بداً من إطلاق سراحه وأعيد إلى بيته يعالج جراحه.

من الأشعار وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة *** من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه *** فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ *** لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة ***وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه *** رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ

فكانت شخصيته رمزاً للصمود والثبات على الحق ورفض تحريف العقيدة و دحض الأفكار الدخيلة على الإسلام و الهلاوس التى تلوث العقيدة .
ثم تولى الواثق الحكم و هو على نفس النهج البدعى و قتل العلم العلامة أحمد بن نصر الخزاعي ، و كان قد خرج بأهل بغداد متحديا و مالت القلوب إليه ، فَأُمْسـِكَ به وقال له الواثــق دع ما أخذناك له وقل القرآن مخلوق.. ..أقوم فأفك قيودك بيدي وأعفو عنك وأجعلك من خاصتي ، فأبى فقال له الواثق إذن لا يقتلك غيري فقام الواثق وقتله بســيفه رحــمه و لم يتحرش الواثق بالإمام أحمد ساعتها خشية الفتنة.
ثم مات الواثق وتولى المتوكل خليفة للمسلمين و هو من أهل السنة الميامين , و انتهت المحنة و اعتقل الظَلَمَة فأُعْتُقِلوا
وبعدما استتب الأمر جاء المتوكل إلى الإمام أحمد وكان هذا سنة مائتان وستة وثلاثون هجرية فأخرج له أدراج الدولة و دوواين الحكم , وقال له أيها الإمام ادرس هذه الأدراج فثبت من شــئت واترك من شــئت واصلح أمر الدولة ، فلبث الإمام أحمد مدة يفتش في الأســماء فما من قاضٍ ضال مبتدع أو عامل مبتدع أو والي ظالم إلا وعزله وعين مكانه من أهل السنة والجماعة ، ولبث الأمر هكذا في عز ومنعة حتى مات المتوكل ومن هنا قال الإمام أحمد... إنما مثل المتوكل في بني العباس كمثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية .
و حاول المتوكل أن يعطى الإمام أحمد مالا ليعوضه لكنه رفض شاكراً !
وروى أن المعتصم ندم على ما وقع منه , و أنه كان يرسل له كل يوم من يطمئن على حاله ،
بينما ابتلي الوزير الضال ابن أبي ذؤاد بالشلل الذي أقعده أربع سنوات , و صادر المتوكل كل أمواله لبيت المال ......

* أرأيتم عاقبة الصبر ! و لم كان أحمد مثار عجب الناس ! صبر وعلم ودأب .
والحر لايكتفى من نيل مكرمة *** حتى يروم التى من دونها العطب
يسعى به أمل من دونه أجل *** إن كفه رهب يستدعه رغب

قال أحد العلماء:
مرّ أحمد بن حنبل عليناً قادماً من الكوفة، وبيده خريطة فيها كتب، فأخذتُ بيده، فقلت: مرة إلى الكوفة، ومرة إلى البصرة ! إلى متى؟

إذا كتب الرجلُ ثلاثين ألف حديث لم يكف ؟ فسكت أحمد، ثم قلت: ستين ألف؟ فسكتَ . فقلت : مئة ألف ؟
فقال أحمد : حينئذ يعرف شيئاً !!!!
فنظرنا فإذا أحمد قد كتب ثلاث مئة ألف حديث.
و كما قال أبو يعلى رحمه الله
أحمد إمام في الزهد و حاله في ذلك أظهر وأشهر , أتته الدنيا فأباها والرياسة فنفاها عرضت عليه الأموال و فرضت عليه الأحوال وهو يرد ذلك بتعفف وتعلل وتقلل !
و يقول :
إنما هى أيام قلائل .
ونهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة فاعتذروا بالحاجة فهجرهم شهراً لأخذ العطاء

وقال إسحاق عم أحمد
كانت تأتينا في كل يوم مائدة أمر بها المتوكل فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك فما نظر إليها أبو عبد الله ولا ذاق منها شيئاً ,و كانت نفقة المائدة في كل يوم مائة وعشرين درهماً
فما نظر إليها أبو عبد الله
وصرف المتوكل لولده وأهله أربعة آلاف درهم في كل شهر , فبعث إليه أحمد بن حنبل رافضا قائلا :
إنهم في كفاية .... يعنى ليسوا بحاجة ..
فبعث إليه المتوكل : إنما هذا لولدك , مالك ولهذا ؟
يعنى ما شأنك ليس لبيتك بل لبيت ابنك !
فقال له أحمد :
يا عم ما بقي من أعمارنا , كأنك بالأمر قد نزل ...يعنى تذكر أن الموت قريب ..
فالله الله فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا , و إنما هي أيام قلائل لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر صبر قليل وثواب طويل إنما هذه فتنة......
ورب مجاهد شيخ مبجل *** ترجلت الجبال وما ترجل

و لما توفي أحمد أرسلت الأكفان من طرف الخليفة , فردت عليه !
وقال عم أحمد للرسول :
قل له أحمد لم يدع خادمى يروحه ( يعنى يهوى عليه و هو مريض مسن ) خشية أن أكون اشتريته من مال الخليفة !
فكيف نكفنه بمالك....
وقال أبو يعلى عن الإمام أحمد :
هو إمام السنة فلا يختلف العلماء الأوئل والأواخر أنه في السنة الإمام الفاخر والبحر الزاخر , أوذي في الله عز وجل فصبر و لكتابه نصر ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتصر , أفصح الله فيها لسانه وأوضح بيانه وأرجح ميزانه , لا رهب ما حذر ولا جبن حين أنذر , أبان حقاً وقال صدقاً , و زان نطقاً و سبقاً , ظهر على العلماء وقهر العظماء , ففي الصادقين ما أوجهه وبالسابقين ما أشبهه , وعن الدنيا وأسبابها ما كان أنزهه , جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين , فهو للسنة كما قال الله في كتابه المبين "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين". .

فتسابق الأقوام وابتدروا لها *** كتسابق الفرسان يوم رهان
وأخو الهوينا في الديار مخلف *** مع شكله يا خيبة الكسلان
قال علي بن المديني ( شيخ الإمام البخارى )
أيد الله هذا الدين برجلين , أبو بكر الصديق يوم الردة , و أحمد بن حنبل في يوم المحنة.
و قال : حدثني صدقة المقابري :
قال كان في نفسي على أحمد بن حنبل قال فرأيت في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في طريق وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان على تؤدة ورفق وأنا خلفهما أجهد نفسي في أن ألحق بهما فما أقدر فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي ثم رأيت بعد كأني ألحق بهما فما أقدر فلما استيقظت ذهب مناد الصلاة جامعة فاجتمع الناس فنادى يؤمكم أحمد بن حنبل فإذا أحمد بن حنبل فصلى بالناس وكنت بعد إذا سئلت عن شيء قلت: عليكم بالإمام يعني أحمد بن حنبل .
نور النبوة فى ميمون غرته *** تكاد ترشفه الأجفان فرقانا
* ومن هيبته بعد موته نتيجة صموده و صبره بفضل ربه سبحانه :
لما ذكر أصحاب أحمد بسوء للخليفة جعفر المتوكل بعد موت الإمام أحمد غفر الله لنا وله قال لصاحب الخبر : لا ترفع إلي من خبرهم شيئاً وشد على أيديهم فإنهم وصاحبهم من سادات أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

ونشر له بعد مماته من المناقب ورفع له بذلك العلم بين سائر الأمم فتنافس حين موته في الصلاة عليه العلماء والكبراء والأغنياء والفقراء والصلحاء والأولياء لأنه توفي في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع سبعون سنة فقال المتوكل على الله لمحمد بن عبد الله بن طاهر طوبى لك , صليت على أحمد ابن حنبل . !



و قال الإمام قتيبة :
لولا الثوري لمات الورع و لولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين
قلت: لقتيبة تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين فقال إلى كبار التابعين.

مُسند الإمام أحمد :
هو موسوعته القيمة التى جمعها ابنه عبد الله من بعده , به أربعين ألف حديث شريف ... حيث تروى المصادر أنها خلاصة رحلة عمره التى طاف فيها بالدنيا مرتين ليجمعها وينقحها ... فيسأل عن الرجال و يحدد مصداقيتهم و قوة حفظهم و صحة روايتهم ... و يكتب الأثر و يضبط لفظه ...
و قد بدأ بجمع مسنده منذ أن كان عمره ستة عشر سنة، فكان يسجل الأحاديث بأسانيدها، في أوراق منثورة وظل على هذه الحال إلى أن قارب الوفاة .
ولما شعر بدنو أجله بدأ يجمعها ويحذف منها ... وأملى هذه الأحاديث كلها على أولاده وأهل بيته و بدأ ابنه العالم العلم الفاضل النجيب عبد الله بن أحمد بن حنبل ...
بجمع هذه الأحاديث وتنسيقها من بعده فجمعها عبد الله بطريق السند ..
فكان يرتب الأحاديث المختلفة , حسب الراوى من الصحابة , فيبدأ بالأحاديث المروية عن أبي بكر ثم عن عمر و هكذا... و لك أن تتخيل مشقة جمع عشرات الآلاف من الأحاديث ثم ترتيبها بدون أجهزة حاسوب , و لا أوراق حديثة و لا إضاءة مريحة و لا أدوات كتابة سريعة ....
نِمتم ثم تطلبون المعالى *** والمعالى على النيام حرام
شر عيش الرجال ما كان حلماً *** قد تسيغ المنية الأحلام

و أما عن صحة أحاديث مسند الإمام أحمد
فقد كانت طريقته هى اشتراط الصحة التامة فى أحاديث العقيدة و الأحكام الفقهية ، أما إن كانت تتعلق بفضائل الأعمال و لها ما يؤيدها من الكتاب أو السنة الصحيحة فلا بأس أن تكون ضعيفة , و لكن ليست شديدة الضعف و لا موضوعة .
وإن كان الحديث يعارضه نص آخر أقوى منه لا يمكن الجمع بينهما، حذف الأضعف.

و ألف أيضا : الناسخ والمنسوخ .
- العلل .
- السنن في الفقه .

من أقواله:
- إذا أردتَ أن يدوم لك الله كما تحب فكن كما يحب.

من تلامذته :
روى عنه الحديث خلق كثير، منهم عدد من مشايخه من مثل: عبد الرزاق بن همّام الصنعاني، و إسماعيل ابن عُلية، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، ومحمد بن إدريس الشافعي، ومعروف الكرخي، وعلي ابن المديني ، و روى عنه غيرهم الكثير.

منهم: أبناؤه و منهم أيضاً:
البخاري، والترمذي، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر الطبراني.

وممن روى عنه من النساء : حُسن جاريتُه، وخديجة أم محمد، وريحانة بنت عمه , و زوجته أم عبد الله ، وعباسة بنت الفضل زوج أحمد وأم ابنه صالح ، ومخة أخت الزاهد بشر الحافي.

وفاته
توفي الإمام يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين للهجرة ، وله من العمر سبع وسبعون سنة. وقد اجتمع الناس يوم جنازته حتى ملأوا الشوارع ، غير من كان في الطرق وعلى الأسطح.
*******
صبروا قليلا فاستراحوا دائما *** يا عزة التوفيق للانسان
وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل فى بغداد. وقيل أسلم يوم مماته الكثير من اليهود والنصارى والمجوس تأثرا !
وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه، وأنه كانت له كرامات كثيرة وواضحة.
و الحمد لله رب العالمين و على رسولنا صلوات الله وسلامه حيا محمودا وميتا مفقودا أفضل صلوات وأنماها وعلى إخوانه من النبيين وآله أجمعين.
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو امكان
لكنها حجبت بكل كريهة *** ليصد عنها المبطل المتواني
وتنالها الهمم التي تسمو الى *** رب العلا بمشيئة الرحمن
يا رب هم الغرباء قد *** لجأوا اليك وأنت ذو الاحسان
ورضوا ولايتك التي من نالها *** نال الأمان ونال كل اماني
ورضوا بوحيك من سواه وما ار *** تضوا بسواه من آراء ذي الهذيان
يا رب ثبتهم على الايمان واجـ *** ـعلهم هداة التائه الحيران
ولك المحامد كلها حمدا كما *** يرضيك لا يفنى على الأزمان
مما تشاء وراء ذلك كله *** حمدا بغير نهاية بزمان
وعلى رسولك أفضل الصلوات والتـ***ـسليم منك وأكمل الرضوان
وعلى صحابته جميعا والألى *** تبعوهم من بعد بالاحسان

من المراجع الكثيرة التي تلألأت بسيرته :

سير أعلام النبلاء للذهبى
تذكرة الحفاظ للذهبى
جامع بيان العلم و فضله لابن عبد البر
الانتقاء لابن عبد البر
حلية الأولياء لأبى نعيم
البداية و النهاية لابن كثير
رحمهم الله جميعا




من مواضيعي :
الرد باقتباس
الرد على الموضوع

مشاركة الموضوع:


إنتقل إلى

عناوين مشابهه
الموضوع الكاتب القسم ردود آخر مشاركة
الخباز و أبن حنبل fatenfouad إسلاميات 2 25/06/2012 11:18 AM
روائع Mogahed شعر و أدب 2 03/12/2011 01:42 AM
روائع دعاء موضوعات عامة 5 15/06/2011 07:07 AM
روائع الحياة عصفور الشرق موضوعات عامة 4 21/12/2010 10:52 PM


الساعة الآن: 01:28 PM

vBulletin ©2000 - 2024
 
 
عمانيات  مراسلة الإدارة  تصفح سريع منتديات