الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَسورة يس الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلنَا , وَكُفْرهمْ بِآيَاتِنَا مِنْ الْقُرُون الْخَالِيَة { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ } يَقُول : أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكِرْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22285 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَلَمْ يَرَوْا كُمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ } قَالَ : عَاد وَثَمُود , وَقُرُون بَيْن ذَلِكَ كَثِير و " كَمْ " مِنْ قَوْله : { كَمْ أَهْلَكْنَا } فِي مَوْضِع نَصْب إِنْ شِئْت بِوُقُوعِ يَرَوْا عَلَيْهَا . وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " أَلَمْ يَرَوْا مَنْ أَهْلَكْنَا " وَإِنْ شِئْت بِوُقُوعِ أَهْلَكْنَا عَلَيْهَا ; وَأَمَّا " أَنَّهُمْ " , فَإِنَّ الْأَلِف مِنْهَا فُتِحَتْ بِوُقُوعِ يَرَوْا عَلَيْهَا . وَذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كُسِرَ الْأَلِف مِنْهَا عَلَى وَجْه الِاسْتِئْنَاف بِهَا , وَتُرِكَ إِعْمَال " يَرَوْا " فِيهَا.
وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَسورة يس الآية رقم 32
وَقَوْله : { وَإِنْ كُلّ لَمَّا جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ كُلّ هَذِهِ الْقُرُون الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا وَاَلَّذِينَ لَمْ نُهْلِكهُمْ وَغَيْرهمْ عِنْدنَا يَوْم الْقِيَامَة جَمِيعهمْ مُحْضَرُونَ , كَمَا : 22286 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة { وَإِنْ كُلّ لَهَا جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } أَيْ هُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " وَإِنْ كُلّ لَمَّا " بِالتَّخْفِيفِ تَوْجِيهًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ " مَا " أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا اللَّام الَّتِي تَدْخُل جَوَابًا لِأَنْ وَأَنْ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِنْ كُلّ لَجَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { لَمَّا } بِتَشْدِيدِ الْمِيم . وَلِتَشْدِيدِهِمْ ذَلِكَ عِنْدنَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْكَلَام عِنْدهمْ كَانَ مُرَادًا بِهِ : وَإِنْ كُلّ لَمَّا جَمِيع , ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى الْمِيمَات لَمَّا كَثُرَتْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : غَدَاة طَفَتْ عُلَمَاء بَكْر بْن وَائِل وَعُجْنَا صُدُور الْخَيْل نَحْو تَمِيم وَالْآخَر : أَنْ يَكُونُوا أَرَادُوا أَنْ تَكُون { لَمَّا } بِمَعْنَى إِلَّا , مَعَ إِنَّ خَاصَّة فَتَكُون نَظِيرَة إِنَّمَا إِذَا وُضِعَتْ مَوْضِع " إِلَّا " . وَقَدْ كَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : كَأَنَّهَا " لَمْ " ضُمَّتْ إِلَيْهَا " مَا " , فَصَارَتَا جَمِيعًا اِسْتِثْنَاء , وَخَرَجَتَا مِنْ حَدِّ الْجَحْد . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : لَا أَعْرِف وَجْه " لَمَّا " بِالتَّشْدِيدِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَسورة يس الآية رقم 33
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآيَة لَهُمْ الْأَرْض الْمَيْتَة أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَدَلَالَة لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قُدْرَة اللَّه عَلَى مَا يَشَاء , وَعَلَى إِحْيَائِهِ مَنْ مَاتَ مِنْ خَلْقه وَإِعَادَته بَعْد فَنَائِهِ , كَهَيْئَتِهِ قَبْل مَمَاته إِحْيَاؤُهُ الْأَرْض الْمَيْتَة , الَّتِي لَا نَبْت فِيهَا وَلَا زَرْع بِالْغَيْثِ الَّذِي يُنَزِّلهُ مِنْ السَّمَاء حَتَّى يَخْرُج زَرْعهَا , ثُمَّ إِخْرَاجه مِنْهَا الْحَبّ الَّذِي هُوَ قُوت لَهُمْ وَغِذَاء , فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ .
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِسورة يس الآية رقم 34
وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْض الَّتِي أَحْيَيْنَاهَا بَعْد مَوْتهَا بَسَاتِين مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب { وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُون } يَقُول : وَأَنْبَعْنَا فِيهَا مِنْ عُيُون الْمَاء .
لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَسورة يس الآية رقم 35
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَنْشَأْنَا هَذِهِ الْجَنَّات فِي هَذِهِ الْأَرْض لِيَأْكُل عِبَادِي مِنْ ثَمَره , وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهمْ يَقُول : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَر الْجَنَّات الَّتِي أَنْشَأْنَا لَهُمْ , وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهمْ مِمَّا غَرَسُوا هُمْ وَزَرَعُوا . و " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ } فِي مَوْضِع خَفْض عَطْفًا عَلَى الثَّمَر , بِمَعْنَى : وَمِنْ الَّذِي عَمِلَتْ ; وَهِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِيمَا ذُكِرَ : " وَمِمَّا عَمِلَتْهُ " بِالْهَاءِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ; فَالْهَاء فِي قِرَاءَتنَا مُضْمَرَة , لِأَنَّ الْعَرَب تُضْمِرهَا أَحْيَانًا , وَتُظْهِرهَا فِي صِلَات : مَنْ , وَمَا , وَاَلَّذِي . وَلَوْ قِيلَ : " مَا " بِمَعْنَى الْمَصْدَر كَانَ مَذْهَبًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْ عَمَل أَيْدِيهمْ . وَلَوْ قِيلَ : إِنَّهَا بِمَعْنَى الْجَحْد وَلَا مَوْضِع لَهَا كَانَ أَيْضًا مَذْهَبًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره وَلَمْ تَعْمَلهُ أَيْدِيهمْ. وَقَوْله : { أَفَلَا يَشْكُرُونَ } يَقُول : أَفَلَا يَشْكُر هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ رَزَقْنَاهُمْ هَذَا الرِّزْق مِنْ هَذِهِ الْأَرْض الْمَيْتَة الَّتِي أَحْيَيْنَاهَا لَهُمْ مِنْ رِزْقهمْ ذَلِكَ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ ؟ .
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَسورة يس الآية رقم 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُبْحَان الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاج كُلّهَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض وَمِنْ أَنْفُسهمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَنْزِيهًا وَتَبْرِئَة لِلَّذِي خَلَقَ الْأَلْوَان الْمُخْتَلِفَة كُلّهَا مِنْ نَبَات الْأَرْض , وَمِنْ أَنْفُسهمْ , يَقُول : وَخَلَقَ مِنْ أَوْلَادهمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا , وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ أَيْضًا مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي لَمْ يُطْلِعهُمْ عَلَيْهَا , خَلَقَ كَذَلِكَ أَزْوَاجًا مِمَّا يُضِيف إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , وَيَصِفُونَهُ بِهِ مِنْ الشُّرَكَاء وَغَيْر ذَلِكَ .
وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَسورة يس الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَدَلِيل لَهُمْ أَيْضًا عَلَى قُدْرَة اللَّه عَلَى فِعْل كُلّ مَا شَاءَ { اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار } يَقُول : نَنْزِع عَنْهُ النَّهَار . وَمَعْنَى " مِنْهُ " فِي هَذَا الْمَوْضِع : عَنْهُ , كَأَنَّهُ قِيلَ : نَسْلَخ عَنْهُ النَّهَار , فَنَأْتِي بِالظُّلْمَةِ وَنَذْهَب بِالنَّهَارِ . وَمِنْهُ قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } 7 175 : أَيْ خَرَجَ مِنْهَا وَتَرَكَهَا , فَكَذَلِكَ اِنْسِلَاخ اللَّيْل مِنْ النَّهَار . وَقَوْله : { فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } يَقُول : فَإِذَا هُمْ قَدْ صَارُوا فِي ظُلْمَة بِمَجِيءِ اللَّيْل . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ مَا : 22287 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } قَالَ : يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار , وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي , مِنْ مَعْنَى سَلْخ النَّهَار مِنْ اللَّيْل , بَعِيد ; وَذَلِكَ أَنَّ إِيلَاج اللَّيْل فِي النَّهَار , إِنَّمَا هُوَ زِيَادَة مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَات هَذَا فِي سَاعَات الْآخَر , وَلَيْسَ السَّلْخ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْء , لِأَنَّ النَّهَار يُسْلَخ مِنْ اللَّيْل كُلّه , وَكَذَلِكَ اللَّيْل مِنْ النَّهَار كُلّه , وَلَيْسَ يُولِج كُلّ اللَّيْل فِي كُلّ النَّهَار , وَلَا كُلّ النَّهَار فِي كُلّ اللَّيْل .
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِسورة يس الآية رقم 38
وَقَوْله : { وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالشَّمْس تَجْرِي لِمَوْضِعِ قَرَارهَا , بِمَعْنَى : إِلَى مَوْضِع قَرَارهَا ; وَبِذَلِكَ جَاءَ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 22288 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ , قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد , فَلَمَّا غَرُبَتْ الشَّمْس , قَالَ : " وَيَا أَبَا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب الشَّمْس ؟ " قُلْت : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : " فَإِنَّهَا تَذْهَب فَتَسْجُد بَيْن يَدَيْ رَبّهَا , ثُمَّ تَسْتَأْذِن بِالرُّجُوعِ فَيُؤْذَن لَهَا , وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت , فَتَطْلُع مِنْ مَكَانهَا , وَذَلِكَ مُسْتَقَرّهَا " وَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ بِمَا : 22289 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرّ لَهَا } قَالَ : وَقْت وَاحِد لَا تَعْدُوهُ وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَجْرِي لِمَجْرًى لَهَا إِلَى مَقَادِير مَوَاضِعهَا , بِمَعْنَى : أَنَّهَا تَجْرِي إِلَى أَبْعَد مَنَازِلهَا فِي الْغُرُوب , ثُمَّ تَرْجِع وَلَا تُجَاوِزهُ. قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَزَال تَتَقَدَّم كُلّ لَيْلَة حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى أَبْعَد مَغَارِبهَا ثُمَّ تَرْجِع .


وَقَوْله : { ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ جَرْي الشَّمْس لِمُسْتَقَرّ لَهَا , تَقْدِير الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَعْدَائِهِ , الْعَلِيم بِمَصَالِح خَلْقه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة .
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِسورة يس الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل } فَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " وَالْقَمَرُ " رَفْعًا عَطْفًا بِهَا عَلَى الشَّمْس , إِذْ كَانَتْ الشَّمْس مَعْطُوفَة عَلَى اللَّيْل , فَأَتْبَعُوا الْقَمَر أَيْضًا الشَّمْس فِي الْإِعْرَاب , لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ الْآيَات , كَمَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَانِ , فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة تَأْوِيل الْكَلَام : وَآيَة لَهُمْ الْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ , وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة نَصْبًا : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ } بِمَعْنَى : وَقَدَّرْنَا الْقَمَر مَنَازِل , كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِالشَّمْسِ , فَرَدُّوهُ عَلَى الْهَاء مِنْ الشَّمْس فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْوَاو الَّتِي فِيهَا لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّر . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَآيَة لَهُمْ , تَقْدِيرنَا الْقَمَر مَنَازِل لِلنُّقْصَانِ بَعْد تَنَاهِيهِ وَتَمَامه وَاسْتِوَائِهِ , حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم ; وَالْعُرْجُون : مِنْ الْعِذْق مِنْ الْمَوْضِع النَّابِت فِي النَّخْلَة إِلَى مَوْضِع الشَّمَارِيخ ; وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْعُرْجُونِ الْقَدِيم , وَالْقَدِيم هُوَ الْيَابِس , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعِذْق , لَا يَكَاد يُوجَد إِلَّا مُتَقَوِّسًا مُنْحَنِيًا إِذَا قَدِمَ وَيَبِسَ , وَلَا يَكَاد أَنْ يُصَاب مُسْتَوِيًا مُعْتَدِلًا , كَأَغْصَانِ سَائِر الْأَشْجَار وَفُرُوعهَا , فَكَذَلِكَ الْقَمَر إِذَا كَانَ فِي آخِر الشَّهْر قَبْل اِسْتِسْرَاره , صَارَ فِي اِنْحِنَائِهِ وَتَقَوُّسه نَظِير ذَلِكَ الْعُرْجُون. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22290 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } يَقُول : أَصْل الْعِذْق الْعَتِيق * -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } يَعْنِي بِالْعُرْجُونِ : الْعِذْق الْيَابِس 22291 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : كَعِذْقِ النَّخْلَة إِذَا قَدُمَ فَانْحَنَى 22292 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو يَزِيد الْخَرَّاز , يَعْنِي خَالِد بْن حَيَّان الرَّقِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ فِي قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : عِذْق النَّخْلَة إِذَا قَدُمَ اِنْحَنَى 22293 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن عُبَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : النَّخْلَة الْقَدِيمَة 22294 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِد { كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : الْعِذْق الْيَابِس 22295 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ الْمُقَدَّمِيّ وَابْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم وَالْمُقَدَّمِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَاصِم يَقُول : سَمِعْت سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِي قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : الْعِذْق 22296 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : قَدَّرَهُ اللَّه مَنَازِل , فَجَعَلَ يَنْقُص حَتَّى كَانَ مِثْل عِذْق النَّخْلَة , شَبَّهَهُ بِعِذْقِ النَّخْلَة
لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَسورة يس الآية رقم 40
وَقَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا الشَّمْس يَصْلُح لَهَا إِدْرَاك الْقَمَر , فَيَذْهَب ضَوْءُهَا بِضَوْئِهِ , فَتَكُون الْأَوْقَات كُلّهَا نَهَارًا لَا لَيْل فِيهَا { وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا اللَّيْل بِفَائِتِ النَّهَار حَتَّى تَذْهَب ظُلْمَته بِضِيَائِهِ , فَتَكُون الْأَوْقَات كُلّهَا لَيْلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي أَلْفَاظهمْ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّ مَعَانِي عَامَّتهمْ الَّذِي قُلْنَاهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22297 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } قَالَ : لَا يُشْبِه ضَوْءُهَا ضَوْء الْآخَر , لَا يَنْبَغِي لَهَا ذَلِكَ 22298 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } قَالَ : لَا يُشْبِه ضَوْء أَحَدهمَا ضَوْء الْآخَر , وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَهُمَا


وَفِي قَوْله : { وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } قَالَ : يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ يَنْسَلِخ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر . 22299 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } قَالَ : لَا يُدْرِك هَذَا ضَوْء هَذَا وَلَا هَذَا ضَوْء هَذَا 22300 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } وَهَذَا فِي ضَوْء الْقَمَر وَضَوْء الشَّمْس , إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس لَمْ يَكُنْ لِلْقَمَرِ ضَوْء , وَإِذَا طَلَعَ الْقَمَر بِضَوْئِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّمْسِ ضَوْء { وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } قَالَ : فِي قَضَاء اللَّه وَعِلْمه أَنْ لَا يَفُوت اللَّيْل النَّهَار حَتَّى يُدْرِكهُ , فَيَذْهَب ظُلْمَته , وَفِي قَضَاء اللَّه أَنْ لَا يَفُوت النَّهَار اللَّيْل حَتَّى يُدْرِكهُ , فَيَذْهَب بِضَوْئِهِ 22301 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } وَلِكُلٍّ حَدّ وَعِلْم لَا يَعْدُوهُ , وَلَا يَقْصُر دُونه ; إِذَا جَاءَ سُلْطَان هَذَا , ذَهَبَ سُلْطَان هَذَا , وَإِذَا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذَهَبَ سُلْطَان هَذَا وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 22302 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } يَقُول : إِذَا اِجْتَمَعَا فِي السَّمَاء كَانَ أَحَدهمَا بَيْن يَدَيْ الْآخَر , فَإِذَا غَابَا غَابَ أَحَدهمَا بَيْن يَدَيْ الْآخَر وَأَنَّ مِنْ قَوْله : { أَنْ تُدْرِك } فِي مَوْضِع رَفْع بِقَوْلِهِ : يَنْبَغِي .


وَقَوْله : { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } يَقُول : وَكُلّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار فِي فَلَك يَجْرُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22303- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : فِي فَلَك كَفَلَك الْمِغْزَل *- حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله. 22304 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَجْرَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا , يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار , فِي فَلَك يَسْبَحُونَ : يَجْرُونَ 22305 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } : أَيْ فِي فَلَك السَّمَاء يَسْبَحُونَ 22306 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } دَوَرَانًا , يَقُول : دَوَرَانًا يَسْبَحُونَ ; يَقُول : يَجْرُونَ 22307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } يَعْنِي : كُلّ فِي فَلَك فِي السَّمَوَات
وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِسورة يس الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَدَلِيل لَهُمْ أَيْضًا , وَعَلَامَة عَلَى قُدْرَتنَا عَلَى كُلّ مَا نَشَاء , حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ , يَعْنِي مَنْ نَجَا مِنْ وَلَد آدَم فِي سَفِينَة نُوح , وَإِيَّاهَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْفُلْكِ الْمَشْحُون ; وَالْفُلْك : هِيَ السَّفِينَة , وَالْمَشْحُون : الْمَمْلُوء الْمُوَقَّر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22308 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } يَقُول : الْمُمْتَلِئ 22309 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } يَعْنِي الْمُثَقَّل 22310 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد { الْفُلْك الْمَشْحُون } قَالَ : الْمُوَقَّر 22311 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { الْمَشْحُون } قَالَ : الْمَحْمُول 22312- حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } يَعْنِي : سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام 22313 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } الْمُوَقَّر , يَعْنِي سَفِينَة نُوح 22314 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { الْفُلْك الْمَشْحُون } قَالَ : الْفُلْك الْمَشْحُون : الْمَرْكَب الَّذِي كَانَ فِيهِ نُوح , وَالذُّرِّيَّة الَّتِي كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْمَرْكَب ; قَالَ : وَالْمَشْحُون : الَّذِي قَدْ شُحِنَ , الَّذِي قَدْ جَعَلَ فِيهِ لِيَرْكَبهُ أَهْله , جَعَلُوا فِيهِ مَا يُرِيدُونَ , فَرُبَّمَا اِمْتَلَأَ , وَرُبَّمَا لَمْ يَمْتَلِئ * - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْفُلْك الْمَشْحُون ؟ قُلْنَا : لَا , قَالَ : هُوَ الْمُوَقَّر 22315 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { الْفُلْك الْمَشْحُون } قَالَ : الْمُوَقَّر
وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَسورة يس الآية رقم 42
وَقَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَخَلَقْنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِيكَ يَا مُحَمَّد , تَفَضُّلًا مِنَّا عَلَيْهِمْ , مِنْ مِثْل ذَلِكَ الْفُلْك الَّذِي كُنَّا حَمَلْنَا مِنْ ذُرِّيَّة آدَم مَنْ حَمَلْنَا فِيهِ الَّذِي يَرْكَبُونَهُ مِنْ الْمَرَاكِب . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَى بِقَوْلِهِ : { مَا يَرْكَبُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ السُّفُن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22316 -حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : تَدْرُونَ مَا { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } ؟ قُلْنَا : لَا . قَالَ : هِيَ السُّفُن جُعِلَتْ مِنْ بَعْد سَفِينَة نُوح عَلَى مِثْلهَا 22317 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار * - قَالَ : ثنا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار , أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } 22318- حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور بْن زَاذَان , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار 22319 - حَدَّثَنَا حَاتِم بْن بَكْر الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار 22320 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } يَعْنِي : السُّفُن الَّتِي اُتُّخِذَتْ بَعْدهَا , يَعْنِي بَعْد سَفِينَة نُوح 22321 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : هِيَ السُّفُن الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا 22322 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : وَهِيَ هَذِهِ الْفُلْك * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : نَعَمْ مِنْ مِثْل سَفِينَة وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْإِبِل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22323 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } يَعْنِي : الْإِبِل , خَلَقَهَا اللَّه كَمَا رَأَيْت , فَهِيَ سُفُن الْبَرّ , يُحْمَلُونَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبُونَهَا 22324 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , عَنْ عِكْرِمَة { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : الْإِبِل 22325 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } هِيَ الْإِبِل 22326 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : مِنْ الْأَنْعَام 22327 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : هِيَ الْإِبِل وَأَشْبَهَ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ السُّفُن , وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْله : { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَق مَعْلُوم أَنْ لَا يَكُون إِلَّا فِي الْمَاء , وَلَا غَرَق فِي الْبَرّ .
وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَسورة يس الآية رقم 43
وَقَوْله : { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِق هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا رَكِبُوا الْفُلْك فِي الْبَحْر { فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } يَقُول : فَلَا مُغِيث لَهُمْ إِذَا نَحْنُ غَرَّقْنَاهُمْ يُغِيثهُمْ , فَيُنَجِّيهِمْ مِنْ الْغَرَق , كَمَا : 22328 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } : أَيْ لَا مُغِيث

وَقَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْقِذُونَ } يَقُول : وَلَا هُوَ يُنْقِذهُمْ مِنْ الْغَرَق شَيْء إِنْ نَحْنُ أَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْبَحْر , إِلَّا أَنْ نُنْقِذهُمْ نَحْنُ رَحْمَة مِنَّا لَهُمْ , فَنُنْجِيهِمْ مِنْهُ .
إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍسورة يس الآية رقم 44
إِنْ نَحْنُ أَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْبَحْر , إِلَّا أَنْ نُنْقِذهُمْ نَحْنُ رَحْمَة مِنَّا لَهُمْ , فَنُنْجِيهِمْ مِنْهُ . وَقَوْله : { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } يَقُول : وَلِنُمَتِّعهُمْ إِلَى أَجَل هُمْ بَالِغُوهُ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا هُمْ يُنْقِذُونَ , إِلَّا أَنْ نَرْحَمهُمْ فَنُمَتِّعهُمْ إِلَى أَجَل وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22329 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَتَاعًا إِلَى حِين } : أَيْ إِلَى الْمَوْت
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَسورة يس الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ , الْمُكَذِّبِينَ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِحْذَرُوا مَا مَضَى بَيْن أَيْدِيكُمْ مِنْ نَقْم اللَّه وَمَثُلَاته بِمَنْ حَلَّ ذَلِكَ بِهِ مِنْ الْأُمَم قَبْلكُمْ أَنْ يَحِلّ مِثْله بِكُمْ بِشِرْكِكُمْ وَتَكْذِيبكُمْ رَسُوله . { وَمَا خَلْفكُمْ } يَقُول : وَمَا بَعْد هَلَاككُمْ مِمَّا أَنْتُمْ لَاقُوهُ إِنْ هَلَكْتُمْ عَلَى كُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول : لِيَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ إِنْ أَنْتُمْ حَذَّرْتُمْ ذَلِكَ , وَاتَّقَيْتُمُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْككُمْ وَالْإِيمَان بِهِ , وَلُزُوم طَاعَته فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22330 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ } : وَقَائِع اللَّه فِيمَنْ خَلَا قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم وَمَا خَلْفهمْ مِنْ أَمْر السَّاعَة . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 22331 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ } قَالَ : مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبهمْ وَهَذَا الْقَوْل قَرِيب الْمَعْنَى مِنْ الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : اِتَّقُوا عُقُوبَة مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ , وَمَا خَلْفكُمْ مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ الذُّنُوب وَلَمْ تَعْمَلُوهُ بَعْد , فَذَلِكَ بَعْد تَخْوِيف لَهُمْ الْعِقَاب عَلَى كُفْرهمْ .
وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَسورة يس الآية رقم 46
وَقَوْله : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا تَجِيء هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش آيَة , يَعْنِي حُجَّة مِنْ حُجَج اللَّه , وَعَلَامَة مِنْ عَلَامَاته عَلَى حَقِيقَة تَوْحِيده , وَتَصْدِيق رَسُوله , إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ , لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا , وَلَا يَتَدَبَّرُونَهَا , فَيَعْلَمُوا بِهَا مَا اِحْتَجَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيْنَ جَوَاب قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ } ؟ قِيلَ : جَوَابه وَجَوَاب قَوْله { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ } . . قَوْله : { إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } لِأَنَّ الْإِعْرَاض مِنْهُمْ كَانَ عَنْ كُلّ آيَة لِلَّهِ , فَاكْتَفَى بِالْجَوَابِ عَنْ قَوْله : { اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ } وَعَنْ قَوْله : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة } بِالْخَبَرِ عَنْ إِعْرَاضهمْ عَنْهَا لِذَلِكَ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ أَعْرَضُوا , وَإِذَا أَتَتْهُمْ آيَة أَعْرَضُوا .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍسورة يس الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ : أَنْفِقُوا مِنْ رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَكُمْ , فَأَدُّوا مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِيهِ لِأَهْلِ حَاجَتكُمْ وَمَسْكَنَتكُمْ , قَالَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَعَبَدُوا مِنْ دُونه لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله : أَنُطْعِمُ أَمْوَالنَا وَطَعَامنَا مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ ؟ ! .''

وَفِي قَوْله : { إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَال مُبِين } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مِنْ قِيل الْكُفَّار لِلْمُؤْمِنِينَ , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : مَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم فِي قِيلكُمْ لَنَا : أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه عَلَى مَسَاكِينكُمْ , إِلَّا فِي ذَهَاب عَنْ الْحَقّ , وَجَوْر عَنْ الرُّشْد مُبِين لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ , أَنَّهُ فِي ضَلَال ; وَهَذَا أَوْلَى وَجْهَيْهِ بِتَأْوِيلِهِ . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ قِيل اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : مَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْكَافِرُونَ فِي قِيلكُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ : أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ , إِلَّا فِي ضَلَال مُبِين , عَنْ أَنَّ قِيلكُمْ ذَلِكَ لَهُمْ ضَلَال .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة يس الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ وَعِيد اللَّه , وَالْبَعْث بَعْد الْمَمَات , يَسْتَعْجِلُونَ رَبّهمْ بِالْعَذَابِ { مَتَى هَذَا الْوَعْد } : أَيْ الْوَعْد بِقِيَامِ السَّاعَة { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيّهَا الْقَوْم , وَهَذَا قَوْلهمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله .
مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَسورة يس الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْتَعْجِلُونَ بِوَعِيدِ اللَّه إِيَّاهُمْ , إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ , وَذَلِكَ نَفْخَة الْفَزَع عِنْد قِيَام السَّاعَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَجَاءَتْ الْآثَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَثَر : 22332 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَا : ثنا عَوْف بْن أَبِي جَمِيلَة عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة الْقَوَّاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : لَيُنْفَخَنَّ فِي الصُّور , وَالنَّاس فِي طُرُقهمْ وَأَسْوَاقهمْ وَمَجَالِسهمْ , حَتَّى إِنَّ الثَّوْب لَيَكُون بَيْن الرَّجُلَيْنِ يَتَسَاوَمَانِ , فَمَا يُرْسِلهُ أَحَدهمَا مِنْ يَده حَتَّى يُنْفَخ فِي الصُّور , وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُل لَيَغْدُو مِنْ بَيْته فَلَا يَرْجِع حَتَّى يُنْفَخ فِي الصُّور , وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } . . الْآيَة 22333 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " تَهِيج السَّاعَة بِالنَّاسِ وَالرَّجُل يَسْقِي مَاشِيَته , وَالرَّجُل يُصْلِح حَوْضه , وَالرَّجُل يُقِيم سِلْعَته فِي سُوقه وَالرَّجُل يَخْفِض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ , وَتَهِيج بِهِمْ وَهُمْ كَذَلِكَ , فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ " 22334 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة } قَالَ : النَّفْخَة نَفْخَة وَاحِدَة 22335 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّ اللَّه لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض خَلَقَ الصُّور , فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيل , فَهُوَ وَاضِعه عَلَى فِيهِ شَاخِص بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْش يَنْتَظِر مَتَى يُؤْمَر " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَا رَسُول اللَّه : وَمَا الصُّور ؟ قَالَ : " قَرْن " قَالَ : وَكَيْفَ هُوَ ؟ قَالَ : " قَرْن عَظِيم يُنْفَخ فِيهِ ثَلَاث نَفَخَات , الْأُولَى نَفْخَة الْفَزَع , وَالثَّانِيَة نَفْخَة الصَّعْق , وَالثَّالِثَة نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ , يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع , فَيَفْزَع أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , وَيَأْمُرهُ اللَّه فَيُدِيمهَا وَيُطَوِّلهَا , فَلَا يَفْتُر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } 38 15 ثُمَّ يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِنَفْخَةِ الصَّعْق , فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الصَّعْق , فَيَصْعَق أَهْل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ , ثُمَّ يُمِيت مَنْ بَقِيَ , فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الصَّمَد , بَدَّلَ الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَوَات , فَيَبْسُطهَا وَيَسْطَحهَا , وَيَمُدّهَا مَدّ الْأَدِيم الْعُكَاظِيّ , لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا , ثُمَّ يَزْجُر اللَّه الْخَلْق زَجْرَة , فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَة فِي مِثْل مَوَاضِعهمْ مِنْ الْأُولَى مَا كَانَ فِي بَطْنهَا كَانَ فِي بَطْنهَا , وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرهَا كَانَ عَلَى ظَهْرهَا " . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة : " وَهُمْ يَخْصِّمُونَ " بِسُكُونِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , فَجَمَعَ بَيْن السَّاكِنَيْنِ , بِمَعْنَى : يَخْتَصِمُونَ , ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاء فِي الصَّاد فَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَة , وَتَرَكَ الْخَاء عَلَى سُكُونهَا فِي الْأَصْل. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : " وَهُمْ يَخَصِّمُونَ " بِفَتْحِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد بِمَعْنَى : يَخْتَصِمُونَ , غَيْر أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَة التَّاء وَهِيَ الْفَتْحَة الَّتِي فِي يَفْتَعِلُونَ إِلَى الْخَاء مِنْهَا , فَحَرَّكُوهَا بِتَحْرِيكِهَا , وَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد وَشَدَّدُوهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : { يَخِصِّمُونَ } بِكَسْرِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , فَكَسَرُوا الْخَاء بِكَسْرِ الصَّاد وَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد وَشَدَّدُوهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : " يَخْصِمُونَ " بِسُكُونِ الْخَاء وَتَخْفِيف الصَّاد , بِمَعْنَى " يَفْعَلُونَ " مِنْ الْخُصُومَة , وَكَأَنَّ مَعْنَى قَارِئ ذَلِكَ كَذَلِكَ : كَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ , أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ عِنْده : كَانَ وَهُمْ عِنْد أَنْفُسهمْ يَخْصِمُونَ مِنْ وَعْدهمْ مَجِيء السَّاعَة , وَقِيَام الْقِيَامَة , وَيَغْلِبُونَهُ بِالْجَدَلِ فِي ذَلِكَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ هَذِهِ قِرَاءَات مَشْهُورَات مَعْرُوفَات فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب.
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَسورة يس الآية رقم 50
وَقَوْله : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عِنْد النَّفْخ فِي الصُّور أَنْ يُوصُوا فِي أَمْوَالهمْ أَحَدًا { وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : وَلَا يَسْتَطِيع مَنْ كَانَ مِنْهُمْ خَارِجًا عَنْ أَهْله أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ , لِأَنَّهُمْ لَا يُمْهِلُونَ بِذَلِكَ . وَلَكِنْ يُعَجِّلُونَ بِالْهَلَاكِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22336 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } : أَيْ فِيمَا فِي أَيْدِيهمْ { وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : أُعْجِلُوا عَنْ ذَلِكَ 22337 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة } .. الْآيَة , قَالَ : هَذَا مُبْتَدَأ يَوْم الْقِيَامَة , وَقَرَأَ : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } حَتَّى بَلَغَ { إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ }
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَسورة يس الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنُفِخَ فِي الصُّور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَنُفِخَ فِي الصُّور } وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَيُعْنَى بِهَذِهِ النَّفْخَة , نَفْخَة الْبَعْث .

وَقَوْله : { فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاث } يَعْنِي مِنْ أَجْدَاثهمْ , وَهِيَ قُبُورهمْ , وَاحِدهَا جَدَث , وَفِيهَا لُغَتَانِ , فَأَمَّا أَهْل الْعَالِيَة , فَتَقُولهُ بِالثَّاءِ : جَدَث , وَأَمَّا أَهْل السَّافِلَة فَتَقُولهُ بِالْفَاءِ جَدَف . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22338- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مِنْ الْأَجْدَاث إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } يَقُول : مِنْ الْقُبُور 22339 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاث } : أَيْ مِنْ الْقُبُور

وَقَوْله : { إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } يَقُول : إِلَى رَبّهمْ يَخْرُجُونَ سِرَاعًا , وَالنَّسْلَانِ : الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22340 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَنْسِلُونَ } يَقُول : يَخْرُجُونَ 22341 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } : أَيْ يَخْرُجُونَ
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَسورة يس الآية رقم 52
وَقَوْله : { قَالُوا يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَمَّا نُفِخَ فِي الصُّور نَفْخَة الْبَعْث لِمَوْقِفِ الْقِيَامَة فَرُدَّتْ أَرْوَاحهمْ إِلَى أَجْسَامهمْ , وَذَلِكَ بَعْد نَوْمَة نَامُوهَا : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ نَوْمَة بَيْن النَّفْخَتَيْنِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22342 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ الْحَسَن , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : { يَا وَيْلنَا مِنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } قَالَ : نَامُوا نَوْمَة قَبْل الْبَعْث 22343 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ خَيْثَمَة فِي قَوْله : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } قَالَ : يَنَامُونَ نَوْمَة قَبْل الْبَعْث 22344 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَالُوا يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } هَذَا قَوْل أَهْل الضَّلَالَة . وَالرَّقْدَة : مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ 22345 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا } قَالَ : الْكَافِرُونَ يَقُولُونَهُ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا } مَنْ أَيْقَظَنَا مِنْ مَنَامنَا , وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : بَعَثَ فُلَان نَاقَته فَانْبَعَثَتْ , إِذَا أَثَارَهَا فَثَارَتْ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " مَنْ أَهَبَّنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا " . وَفِي قَوْله : { هَذَا } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون إِشَارَة إِلَى " مَا " , وَيَكُون ذَلِكَ كَلَامًا مُبْتَدَأ بَعْد تَنَاهِي الْخَبَر الْأَوَّل بِقَوْلِهِ : { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } فَتَكُون " مَا " حِينَئِذٍ مَرْفُوعَة بِهَذَا , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : هَذَا وَعْد الرَّحْمَن وَصِدْق الْمُرْسَلُونَ . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ تَكُون مِنْ صِفَة الْمَرْقَد , وَتَكُون خَفْضًا وَرَدًّا عَلَى الْمَرْقَد , وَعِنْد تَمَام الْخَبَر عَنْ الْأَوَّل , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا , ثُمَّ يَبْتَدِئ الْكَلَام فَيُقَال : مَا وَعَدَ الرَّحْمَن , بِمَعْنَى : بَعَثَكُمْ وَعْد الرَّحْمَن , فَتَكُون " مَا " حِينَئِذٍ رَفْعًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي يَقُول حِينَئِذٍ : هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَقُول ذَلِكَ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22346 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن } مِمَّا سَرَّ الْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ هَذَا حِين الْبَعْث 22347 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } قَالَ : قَالَ أَهْل الْهُدَى : هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الَمُرْسَلُونَ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ , أَعْنِي { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } مِنْ قَوْل الْكُفَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22348 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } ثُمَّ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } كَانُوا أَخْبَرُونَا أَنَّا نُبْعَث بَعْد الْمَوْت , وَنُحَاسَب وَنُجَازَى وَالْقَوْل الْأَوَّل أَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , وَهُوَ أَنْ يَكُون مِنْ كَلَام الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّ الْكُفَّار فِي قِيلهمْ : { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا بِمَنْ بَعَثَهُمْ مِنْ مَرْقَدهمْ جُهَّالًا , وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلهمْ اِسْتَثْبَتُوا , وَمُحَال أَنْ يَكُونُوا اِسْتَثْبَتُوا ذَلِكَ إِلَّا مِنْ غَيْرهمْ , مِمَّنْ خَالَفَتْ صِفَته صِفَتهمْ فِي ذَلِكَ .
إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَسورة يس الآية رقم 53
وَقَوْله : { إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ كَانَتْ إِعَادَتهمْ أَحْيَاء بَعْد مَمَاتهمْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة , وَهِيَ النَّفْخَة الثَّالِثَة فِي الصُّور { فَإِذَا هُمْ جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يَقُول : فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ لَدَيْنَا قَدْ أُحْضِرُوا , فَأُشْهِدُوا مَوْقِف الْعَرْض وَالْحِسَاب , لَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَد . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَتهمْ { إِلَّا صَيْحَة } بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة يس الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالْيَوْم لَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَالْيَوْم } يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة { لَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا } كَذَلِكَ رَبّنَا لَا يَظْلِم نَفْسًا شَيْئًا , فَلَا يُوَفِّيهَا جَزَاء عَمَلهَا الصَّالِح , وَلَا يَحْمِل عَلَيْهَا وِزْر غَيْرهَا , وَلَكِنَّهُ يُوَفِّي كُلّ نَفْس أَجْر مَا عَمِلَتْ مِنْ صَالِح , وَلَا يُعَاقِبهَا إِلَّا بِمَا اِجْتَرَمَتْ وَاكْتَسَبَتْ مِنْ شَيْء { وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول : وَلَا تُكَافِئُونَ إِلَّا مُكَافَأَة أَعْمَالكُمْ الَّتِي كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا .
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَسورة يس الآية رقم 55
وَقَوْله : { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة الْيَوْم فِي شُغُل فَاكِهُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الشَّغْل الَّذِي وَصَفَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَاب الْجَنَّة أَنَّهُمْ فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ اِفْتِضَاض الْعَذَارَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22349 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , عَنْ شَقِيق بْن سَلَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة الْيَوْم فِي شُغُل فَاكِهُونَ } قَالَ : شَغَلَهُمْ اِفْتِضَاض الْعَذَارَى 22350 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة الْيَوْم فِي شُغُل فَاكِهُونَ } قَالَ : اِفْتِضَاض الْأَبْكَار * حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة الْيَوْم فِي شُغُل فَاكِهُونَ } قَالَ : اِفْتِضَاض الْأَبْكَار * حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن زُرَيْق الطُّهَوِيّ , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 22351- حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو النَّضْر , عَنْ الْأَشْجَعِيّ , عَنْ وَائِل بْن دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة الْيَوْم فِي شُغُل فَاكِهُونَ } قَالَ : فِي اِفْتِضَاض الْعَذَارَى وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ فِي نِعْمَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22352 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة الْيَوْم فِي شُغُل } قَالَ : فِي نِعْمَة 22353 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ أَبِي سَهْل , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة } . . الْآيَة , قَالَ : شَغَلَهُمْ النَّعِيم عَمَّا فِيهِ أَهْل النَّار مِنْ الْعَذَاب وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ فِي شُغُل عَمَّا فِيهِ أَهْل النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22354 -حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة } . . الْآيَة , قَالَ : فِي شُغُل عَمَّا يَلْقَى أَهْل النَّار وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ { إِنَّ أَصْحَاب الْجَنَّة } وَهُمْ أَهْلهَا { فِي شُغُل فَاكِهُونَ } بِنِعَمٍ تَأْتِيهِمْ فِي شُغُل , وَذَلِكَ الشَّغْل الَّذِي هُمْ فِيهِ نِعْمَة , وَافْتِضَاض أَبْكَار , وَلَهْو وَلَذَّة , وَشَغْل عَمَّا يَلْقَى أَهْل النَّار . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فِي شُغُل } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ : " وَفِي شُغْل " بِضَمِّ الشِّين وَتَسْكِين الْغَيْن . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو الضَّمّ فِي الشِّين وَالتَّسْكِين فِي الْغَيْن , وَالْفَتْح فِي الشِّين وَالْغَيْن جَمِيعًا فِي شَغَل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة { فِي شُغُل } بِضَمِّ الشِّين وَالْغَيْن . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَته بِضَمِّ الشِّين وَالْغَيْن , أَوْ بِضَمِّ الشِّين وَسُكُون الْغَيْن , بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَهُ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة فِي قُرَّاء الْأَمْصَار مَعَ تَقَارُب مَعْنَيَيْهِمَا . وَأَمَّا قِرَاءَته بِفَتْح الشِّين وَالْغَيْن , فَغَيْر جَائِزَة عِنْدِي , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافهَا . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَاكِهُونَ } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { فَاكِهُونَ } بِالْأَلِفِ . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " فَكِهُونَ " بِغَيْرِ أَلِف . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْأَلِفِ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَرِحُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22355 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فِي شُغُل فَاكِهُونَ } يَقُول : فَرِحُونَ وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : عَجِبُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22356 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَاكِهُونَ } قَالَ : عَجِبُونَ * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَاكِهُونَ } قَالَ : عَجِبُونَ وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : مِنْهُمْ الْفَكِه الَّذِي يَتَفَكَّه . وَقَالَ : تَقُول الْعَرَب لِلرَّجُلِ الَّذِي يَتَفَكَّه بِالطَّعَامِ أَوْ بِالْفَاكِهَةِ , أَوْ بِأَعْرَاضِ النَّاس : إِنَّ فُلَانًا لَفَكِه بِأَعْرَاضِ النَّاس , قَالَ : وَمَنْ قَرَأَهَا { فَاكِهُونَ } جَعَلَهُ كَثِير الْفَوَاكِه صَاحِب فَاكِهَة , وَاسْتُشْهِدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ الْحَطِيئَة : وَدَعَوْتنِي وَزَعَمْت أَنَّك لَابِن بِالصَّيْفِ تَامِر أَيْ عِنْده لَبَن كَثِير , وَتَمْر كَثِير , وَكَذَلِكَ عَاسِل , وَلَاحِم , وَشَاحِم. وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ حَاذِرُونِ وَحَذِرُونَ , وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي أَشْبَه بِالْكَلِمَةِ .
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَسورة يس الآية رقم 56
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُمْ وَأَزْوَاجهمْ فِي ظِلَال } يَعْنِي تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { هُمْ } أَصْحَاب الْجَنَّة { وَأَزْوَاجهمْ } مِنْ أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , كَمَا : 22357 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { هُمْ وَأَزْوَاجهمْ فِي ظِلَال } قَالَ : حَلَائِلهمْ فِي ظُلَل وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " وَفِي ظُلَل " بِمَعْنَى : جَمْع ظُلَّة , كَمَا تُجْمَع الْحُلَّة حُلَلًا . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : { فِي ظِلَال } ; وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ جَمْع الظُّلَل الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْكِنّ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلِمَة حِينَئِذٍ : هُمْ وَأَزْوَاجهمْ فِي كِنّ لَا يُضَحُّونَ لِشَمْسٍ كَمَا يُضَحِّي لَهَا أَهْل الدُّنْيَا , لِأَنَّهُ لَا شَمْس فِيهَا . وَالْآخَر : أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ جَمْع ظُلَّة , فَيَكُون وَجْه جَمْعهَا كَذَلِكَ نَظِير جَمْعهمْ الْخُلَّة فِي الْكَثْرَة : الْخِلَال , وَالْقُلَّة : قِلَال'

وَقَوْله : { عَلَى الْأَرَائِك مُتَّكِئُونَ } وَالْأَرَائِك : هِيَ الْحِجَال فِيهَا السُّرَر وَالْفُرُش : وَاحِدَتهَا أَرِيكَة , وَكَانَ بَعْضهمْ يَزْعُم أَنَّ كُلّ فِرَاش فَأَرِيكَة , وَيُسْتَشْهَد لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ ذِي الرِّمَّة : كَأَنَّمَا يُبَاشِرْنَ بِالْمَعْزَاءِ مَسَّ الْأَرَائِك وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22358 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { عَلَى الْأَرَائِك مُتَّكِئُونَ } قَالَ : هِيَ السُّرُر فِي الْحِجَال 22359 -حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { عَلَى الْأَرَائِك مُتَّكِئُونَ } قَالَ : الْأَرَائِك : السُّرُر عَلَيْهَا الْحِجَال * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مُتَّكِئِينَ عَلَى الْأَرَائِك } قَالَ : الْأَرَائِك : السُّرُر فِي الْحِجَال * - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { عَلَى الْأَرَائِك } قَالَ : سُرُر عَلَيْهَا الْحِجَال 22360 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ مُحَمَّد أَنَّ عِكْرِمَة قَالَ : الْأَرَائِك : السُّرُر فِي الْحِجَال 22361 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , وَسَأَلَهُ رَجُل عَنْ الْأَرَائِك قَالَ : هِيَ الْحِجَال . أَهْل الْيَمَن يَقُولُونَ : أَرِيكَة فُلَان . وَسَمِعْت عِكْرِمَة وَسُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : هِيَ الْحِجَال عَلَى السُّرُر 22362 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { عَلَى الْأَرَائِك مُتَّكِئُونَ } قَالَ : هِيَ الْحِجَال فِيهَا السُّرُر
.
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَسورة يس الآية رقم 57
وَقَوْله : { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَة } يَقُول لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة فَاكِهَة { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } يَقُول : وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَتَمَنَّوْنَ . وَذُكِرَ عَنْ الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول : دَعْ عَلَيَّ مَا شِئْت : أَيْ تَمَنَّ عَلَيَّ مَا شِئْت .
سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍسورة يس الآية رقم 58
وَقَوْله : { سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم } فِي رَفْع سَلَام وَجْهَانِ فِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون خَبَرًا لِمَا يَدَّعُونَ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ مُسْلِم لَهُمْ خَالِص . وَإِذَا وَجْه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى ذَلِكَ كَانَ الْقَوْل حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا تَوْكِيدًا خَارِجًا مِنْ السَّلَام , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَدْعُونَ مُسْلِم خَالِص حَقًّا , كَأَنَّهُ قِيلَ : قَالَهُ قَوْلًا . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ يَكُون قَوْله : { سَلَام } مَرْفُوعًا عَلَى الْمَدْح , بِمَعْنَى : هُوَ سَلَام لَهُمْ قَوْلًا مِنْ اللَّه . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " سَلَامًا قَوْلًا " عَلَى أَنَّ الْخَبَر مَتْنَاهُ عِنْد قَوْله : { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } ثُمَّ نُصِبَ سَلَامًا عَلَى التَّوْكِيد , بِمَعْنَى : مُسْلِمًا قَوْلًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : اُنْتُصِبَ قَوْلًا عَلَى الْبَدَل مِنْ اللَّفْظ بِالْفِعْلِ , كَأَنَّهُ قَالَ : أَقُول ذَلِكَ قَوْلًا . قَالَ : وَمَنْ نَصَبَهَا نَصَبَهَا عَلَى خَبَر الْمَعْرِفَة عَلَى قَوْله : { لَهُمْ } فِيهَا { مَا يَدَّعُونَ } وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَر عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , أَنْ يَكُون { سَلَام } خَبَرًا لِقَوْلِهِ : { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } فَيَكُون مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَهُمْ فِيهَا مَا يَدَّعُونَ , وَذَلِكَ هُوَ سَلَام مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ , بِمَعْنَى : تَسْلِيم مِنْ اللَّه , وَيَكُون سَلَام تَرْجَمَة مَا يَدَّعُونَ , وَيَكُون الْقَوْل خَارِجًا مِنْ قَوْله : سَلَام . وَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا : 22363 - حَدَّثَنَا بِهِ إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِيّ عَنْ حَرْمَلَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن حُمَيْد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب , يُحَدِّث عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : إِذَا فَرَغَ اللَّه مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار , أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة , فَيَقِف عَلَى أَوَّل أَهْل دَرَجَة , فَيُسَلِّم عَلَيْهِمْ , فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلَام , وَهُوَ فِي الْقُرْآن : { سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم } فَيَقُول : سَلُوا , فَيَقُولُونَ : مَا نَسْأَلك وَعِزَّتك وَجَلَالك , لَوْ أَنَّك قَسَمْت بَيْننَا أَرْزَاق الثَّقَلَيْنِ لَأَطْعَمْنَاهُمْ وَسَقَيْنَاهُمْ وَكَسَوْنَاهُمْ , فَيَقُول : سَلُوا , فَيَقُولُونَ : نَسْأَلك رِضَاك , فَيَقُول : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَار كَرَامَتِي , فَيَفْعَل ذَلِكَ بِأَهْلِ كُلّ دَرَجَة حَتَّى يَنْتَهِي , قَالَ : وَلَوْ أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ الْحُور الْعِين طَلَعَتْ لَأَطْفَأَ ضَوْء سِوَارَيْهَا الشَّمْس وَالْقَمَر , فَكَيْفَ بِالْمُسَوَّرَةِ * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا حَرْمَلَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن حُمَيْد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يُحَدِّث عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : إِذْ فَرَغَ اللَّه مِنْ أَهْل الْجَنَّة النَّار , أَقْبَلَ فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة , قَالَ : فَيُسَلِّم عَلَى أَهْل الْجَنَّة , فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَ الْقُرَظِيّ : وَهَذَا فِي كِتَاب اللَّه : { سَلَام قَوْلًا مِنْ رَبّ رَحِيم } ؟ فَيَقُول : سَلُونِي , فَيَقُولُونَ : مَاذَا نَسْأَلك , أَيْ رَبّ ؟ قَالَ : بَلْ سَلُونِي قَالُوا : نَسْأَلك أَيْ رَبّ رِضَاك , قَالَ : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَار كَرَامَتِي , قَالُوا : يَا رَبّ وَمَا الَّذِي نَسْأَلك ! فَوَعِزَّتِك وَجَلَالك , وَارْتِفَاع مَكَانك , لَوْ قَسَمْت عَلَيْنَا رِزْق الثَّقَلَيْنِ لَأَطْعَمْنَاهُمْ , وَلَأَسْقَيْنَاهُمْ , وَلَأَلْبَسْنَاهُمْ وَلَأَخْدَمْنَاهُمْ , لَا يَنْقُصنَا ذَلِكَ شَيْئًا , قَالَ : إِنَّ لَدَيَّ مَزِيدًا , قَالَ : فَيَفْعَل اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ فِي دَرَجهمْ حَتَّى يَسْتَوِي فِي مَجْلِسه , قَالَ : ثُمَّ تَأْتِيهِمْ التُّحَف مِنْ اللَّه تَحْمِلهَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه * - حَدَّثَنَا اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَرْمَلَة , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حُمَيْد , أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يُحَدِّث عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : إِذَا فَرَغَ اللَّه مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار , أَقْبَلَ يَمْشِي فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَيَقِف , قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَيَقُولُونَ : فَمَاذَا نَسْأَلك يَا رَبّ , فَوَعِزَّتِك وَجَلَالك وَارْتِفَاع مَكَانك , لَوْ أَنَّك قَسَمْت عَلَيْنَا أَرْزَاق الثَّقَلَيْنِ , الْجِنّ وَالْإِنْس , لَأَطْعَمْنَاهُمْ , وَلَسَقَيْنَاهُمْ , وَلَأَخْدَمْنَاهُمْ , مِنْ غَيْر أَنْ يُنْتَقَص ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عِنْدنَا , قَالَ : بَلَى فَسَلُونِي , قَالُوا : نَسْأَلك رِضَاك , قَالَ : رِضَائِي أَحَلَّكُمْ دَار كَرَامَتِي , فَيَفْعَل هَذَا بِأَهْلِ كُلّ دَرَجَة , حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مَجْلِسه . وَسَائِر الْحَدِيث مِثْله فَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُحَمَّد بْن كَعْب , يُنْبِئ عَنْ أَنَّ " سَلَام " بَيَان عَنْ قَوْله : { مَا يَدَّعُونَ } وَأَنَّ الْقَوْل خَارِج مِنْ السَّلَام. وَقَوْله : { مِنْ رَبّ رَحِيم } يَعْنِي : رَحِيم بِهِمْ إِذْ لَمْ يُعَاقِبهُمْ بِمَا سَلَفَ لَهُمْ مِنْ جُرْم فِي الدُّنْيَا .
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَسورة يس الآية رقم 59
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَامْتَازُوا الْيَوْم أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَامْتَازُوا } : تَمَيَّزُوا ; وَهِيَ اِفْتَعَلُوا , مِنْ مَازَ يَمِيز , فَعَلَ يَفْعَل مِنْهُ : اِمْتَازَ يَمْتَاز اِمْتِيَازًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22364- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَامْتَازُوا الْيَوْم أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ } قَالَ : عُزِلُوا عَنْ كُلّ خَيْر 22365- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَمَرَ اللَّه جَهَنَّم فَيَخْرُج مِنْهَا عُنُق سَاطِع مُظْلِم , ثُمَّ يَقُول : { أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان } . . الْآيَة , إِلَى قَوْله : { هَذِهِ جَهَنَّم الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ -وَامْتَازُوا الْيَوْم أَيّهَا الْمُجْرِمُونَ } فَيَتَمَيَّز النَّاس وَيَجْثُونَ , وَهِيَ قَوْل اللَّه : { وَتَرَى كُلّ أُمَّة } 45 28 فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَتَمَيَّزُوا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْم أَيّهَا الْكَافِرُونَ بِاَللَّهِ , فَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ غَيْر مَوْرِدهمْ , دَاخِلُونَ غَيْر مَدْخَلهمْ .
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌسورة يس الآية رقم 60
وَقَوْل : { أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ مِنْهُ , وَهُوَ : ثُمَّ يُقَال : أَلَمْ أَعْهَد إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَم , يَقُول : أَلَمْ أُوصِكُمْ وَآمُركُمْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَان فَتُطِيعُوهُ فِي مَعْصِيَة اللَّه { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } يَقُول : وَأَقُول لَكُمْ : إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوّ مُبِين , قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عَدَاوَته بِامْتِنَاعِهِ مِنْ السُّجُود , لِأَبِيكُمْ آدَم , حَسَدًا مِنْهُ لَهُ , عَلَى مَا كَانَ اللَّه أَعْطَاهُ مِنْ الْكَرَامَة , وَغُرُوره إِيَّاهُ , حَتَّى أَخْرَجَهُ وَزَوْجَته مِنْ الْجَنَّة .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3