الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًاسورة النساء الآية رقم 61
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْت الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْك صُدُودًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ الْمُنَافِقِينَ , وَإِلَى الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك مِنْ أَهْل الْكِتَاب , يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوت , { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : تَعَالَوْا هَلُمُّوا إِلَى حُكْم اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كِتَابه , { وَإِلَى الرَّسُول } لِيَحْكُم بَيْننَا , { رَأَيْت الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْك } يَعْنِي بِذَلِكَ : يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْمَصِير إِلَيْك لِتَحْكُم بَيْنهمْ , وَيَمْنَعُونَ مِنْ الْمَصِير إِلَيْك كَذَلِكَ غَيْرهمْ صُدُودًا . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج فِي ذَلِكَ بِمَا : 7826 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُول } قَالَ : دَعَا الْمُسْلِمُ الْمُنَافِقَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْكُم , قَالَ : رَأَيْت الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْك صُدُودًا . وَأَمَّا عَلَى تَأْوِيل قَوْل مَنْ جَعَلَ الدَّاعِي إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيّ وَالْمَدْعُوّ إِلَيْهِ الْمُنَافِق عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ أَقْوَال مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك } فَإِنَّهُ عَلَى مَا بَيَّنْت قَبْل.
فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًاسورة النساء الآية رقم 62
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوت , وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك

يَعْنِي : إِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ نِقْمَة مِنْ اللَّه ,

يَعْنِي : بِذُنُوبِهِمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ ,

يَقُول : ثُمَّ جَاءُوك يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ كَذِبًا وَزُورًا ,

وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَرْدَعهُمْ عَنْ النِّفَاق الْعِبَر وَالنِّقَم , وَأَنَّهُمْ وَإِنْ تَأْتِهِمْ عُقُوبَة مِنْ اللَّه عَلَى تَحَاكُمهمْ إِلَى الطَّاغُوت , لَمْ يُنِيبُوا وَلَمْ يَتُوبُوا , وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ كَذِبًا وَجُرْأَة عَلَى اللَّه مَا أَرَدْنَا بِاحْتِكَامِنَا إِلَيْهِ إِلَّا الْإِحْسَان مِنْ بَعْضنَا إِلَى بَعْض , وَالصَّوَاب فِيمَا اِحْتَكَمْنَا فِيهِ إِلَيْهِ .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًاسورة النساء الآية رقم 63
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَم اللَّه مَا فِي قُلُوبهمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفْت لَك يَا مُحَمَّد صِفَتهمْ , يَعْلَم اللَّه مَا فِي قُلُوبهمْ - فِي اِحْتِكَامهمْ إِلَى الطَّاغُوت , وَتَرْكهمْ الِاحْتِكَام إِلَيْك , وَصُدُودهمْ عَنْك - مِنْ النِّفَاق وَالزَّيْغ , وَإِنْ حَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ,

يَقُول : فَدَعْهُمْ فَلَا تُعَاقِبهمْ فِي أَبْدَانهمْ وَأَجْسَامهمْ , وَلَكِنْ عِظْهُمْ بِتَخْوِيفِك إِيَّاهُمْ بَأْس اللَّه أَنْ يَحِلّ بِهِمْ , وَعُقُوبَته أَنْ تَنْزِل بِدَارِهِمْ , وَحَذِّرْهُمْ مِنْ مَكْرُوه مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشَّكّ فِي أَمْر اللَّه وَأَمْر رَسُوله .

يَقُول : مُرْهُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّه وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَوَعْده وَوَعِيده.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًاسورة النساء الآية رقم 64
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَمْ نُرْسِل يَا مُحَمَّد رَسُولًا إِلَّا فَرَضْت طَاعَته عَلَى مَنْ أَرْسَلْته إِلَيْهِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْتَ يَا مُحَمَّد مِنْ الرُّسُل الَّذِينَ فَرَضْت طَاعَتهمْ عَلَى مَنْ أَرْسَلْته إِلَيْهِ . وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ اللَّه تَوْبِيخ لِلْمُحْتَكِمِينَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا اِخْتَصَمُوا فِيهِ إِلَى الطَّاغُوت , صُدُودًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : مَا أَرْسَلْت رَسُولًا إِلَّا فَرَضْت طَاعَته عَلَى مَنْ أَرْسَلْته إِلَيْهِ , فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُولَئِكَ الرُّسُل , فَمَنْ تَرَكَ طَاعَته وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ وَاحْتَكَمَ إِلَى الطَّاغُوت , فَقَدْ خَالَفَ أَمْرِي وَضَيَّعَ فَرْضِي . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَنْ أَطَاعَ رُسُله , فَإِنَّمَا يُطِيعهُمْ بِإِذْنِهِ , يَعْنِي بِتَقْدِيرِهِ ذَلِكَ وَقَضَائِهِ السَّابِق فِي عِلْمه وَمَشِيئَته . كَمَا : 7827 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه } وَاجِب لَهُمْ أَنْ يُطِيعهُ مَنْ شَاءَ اللَّه , وَلَا يُطِيعهُمْ أَحَد إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَإِنَّمَا هَذَا تَعْرِيض مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ تَرْكهمْ طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ , إِنَّمَا هُوَ لِلسَّابِقِ لَهُمْ مِنْ خِذْلَانه وَغَلَبَة الشَّقَاء عَلَيْهِمْ , وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانُوا مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّضَا بِحُكْمِهِ وَالْمُسَارَعَة إِلَى طَاعَته .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّه وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُول } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , الَّذِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى حُكْم اللَّه وَحُكْم رَسُوله صَدُّوا صُدُودًا , إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ بِاكْتِسَابِهِمْ إِيَّاهَا الْعَظِيم مِنْ الْإِثْم فِي اِحْتِكَامهمْ إِلَى الطَّاغُوت وَصُدُودهمْ عَنْ كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُوله , إِذَا دُعُوا إِلَيْهَا جَاءُوك يَا مُحَمَّد حِين فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ مَصِيرهمْ إِلَى الطَّاغُوت رَاضِينَ بِحُكْمِهِ دُون حُكْمك , جَاءُوك تَائِبِينَ مُنِيبِينَ , فَسَأَلُوا اللَّه أَنْ يَصْفَح لَهُمْ عَنْ عُقُوبَة ذَنْبهمْ بِتَغْطِيَتِهِ عَلَيْهِمْ , وَسَأَلَ لَهُمْ اللَّهَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْل ذَلِكَ . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { فَاسْتَغْفَرُوا اللَّه وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُول } . وَقَالَ مُجَاهِد : عُنِيَ بِذَلِكَ : الْيَهُودِيّ وَالْمُسْلِم اللَّذَانِ تَحَاكَمَا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف . 7828 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } . .. إِلَى قَوْله : { وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } قَالَ : إِنَّ هَذَا فِي الرَّجُل الْيَهُودِيّ وَالرَّجُل الْمُسْلِم اللَّذَيْنِ تَحَاكَمَا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف .

وَأَمَّا قَوْله : { لَوَجَدُوا اللَّه تَوَّابًا رَحِيمًا } فَإِنَّهُ يَقُول : لَوْ كَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ فَتَابُوا مِنْ ذُنُوبهمْ لَوَجَدُوا اللَّه تَوَّابًا , يَقُول : رَاجِعًا لَهُمْ مِمَّا يَكْرَهُونَ إِلَى مَا يُحِبُّونَ , رَحِيمًا بِهِمْ فِي تَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَى ذَنْبهمْ الَّذِي تَابُوا مِنْهُ.
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاسورة النساء الآية رقم 65
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَلَا } فَلَيْسَ الْأَمْر كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك , وَهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوت , وَيَصُدُّونَ عَنْك إِذَا دُعُوا إِلَيْك يَا مُحَمَّد . وَاسْتَأْنَفَ الْقَسَم جَلَّ ذِكْره , فَقَالَ : { وَرَبّك } يَا مُحَمَّد { لَا يُؤْمِنُونَ } أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ بِي وَبِك , وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك , { حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ } يَقُول : حَتَّى يَجْعَلُوك حَكَمًا بَيْنهمْ فِيمَا اِخْتَلَطَ بَيْنهمْ مِنْ أُمُورهمْ , فَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ حُكْمه , يُقَال : شَجَرَ يَشْجُر شُجُورًا وَشَجَرًا , وَتَشَاجَرَ الْقَوْم إِذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْكَلَام وَالْأَمْر مُشَاجَرَة وَشِجَارًا { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت } يَقُول : لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ ضِيقًا مِمَّا قَضَيْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : ثُمَّ لَا تَحْرَج أَنْفُسهمْ مِمَّا قَضَيْت : أَيْ لَا تَأْثَم بِإِنْكَارِهَا مَا قَضَيْت وَشَكِّهَا فِي طَاعَتك وَأَنَّ الَّذِي قَضَيْت بِهِ بَيْنهمْ حَقّ لَا يَجُوز لَهُمْ خِلَافه . كَمَا : 7829 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت } قَالَ : شَكًّا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت } يَقُول : شَكًّا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 7830 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت } قَالَ : إِثْمًا { وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } يَقُول : وَيُسَلِّمُوا لِقَضَائِك وَحُكْمك , إِذْعَانًا مِنْهُمْ بِالطَّاعَةِ , وَإِقْرَارًا لَك بِالنُّبُوَّةِ تَسْلِيمًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة وَفِيمَنْ نَزَلَتْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَخَصْم لَهُ مِنْ الْأَنْصَار , اِخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض الْأُمُور . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 7831 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس وَاللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ اِبْن شِهَاب , أَنَّ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر حَدَّثَهُ , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر حَدَّثَهُ , عَنْ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام : أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاج مِنْ الْحَرَّة كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا النَّخْل , فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : سَرِّحْ الْمَاء يَمُرّ ! فَأَبَى عَلَيْهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِسْقِ يَا زُبَيْر ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاء إِلَى جَارك ! " فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيّ وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَنْ كَانَ اِبْن عَمَّتك ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : " اِسْقِ يَا زُبَيْر ثُمَّ اِحْبِسْ الْمَاء حَتَّى يَرْجِع إِلَى الْجَدْر ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاء إِلَى جَارك ! " وَاسْتَوْعَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ حَقّه قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب : " اِسْتَوْعَبَ " . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْر بِرَأْيٍ أَرَادَ فِيهِ الشَّفَقَة لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ , فَلَمَّا أَحْفَظَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارِيّ اِسْتَوْعَبَ لِلزُّبَيْرِ حَقّه فِي صَرِيح الْحُكْم . قَالَ : فَقَالَ الزُّبَيْر : مَا أَحْسَب هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ } . .. الْآيَة . 7832 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , قَالَ : خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَار فِي شَرْج مِنْ شِرَاج الْحَرَّة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا زُبَيْر , اِشْرَبْ ثُمَّ خَلِّ سَبِيل الْمَاء ! " فَقَالَ الَّذِي مِنْ الْأَنْصَار : اِعْدِلْ يَا نَبِيّ اللَّه وَإِنْ كَانَ اِبْن عَمَّتك ! قَالَ : فَتَغَيَّرَ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ أَنْ قَدْ سَاءَهُ مَا قَالَ , ثُمَّ قَالَ : " يَا زُبَيْر اِحْبِسْ الْمَاء إِلَى الْجَدْر أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ , ثُمَّ خَلِّ سَبِيل الْمَاء ! " , قَالَ : وَنَزَلَتْ : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ } . 7833 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عُمَيْر الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَلَمَة رَجُل مِنْ وَلَد أُمّ سَلَمَة , عَنْ أُمّ سَلَمَة : أَنَّ الزُّبَيْر خَاصَمَ رَجُلًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَضَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ , فَقَالَ الرَّجُل لَمَّا قَضَى لِلزُّبَيْرِ : أَنْ كَانَ اِبْن عَمَّتك ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُنَافِق وَالْيَهُودِيّ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمَا فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوت } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7834 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } قَالَ : هَذَا الرَّجُل الْيَهُودِيّ وَالرَّجُل الْمُسْلِم اللَّذَانِ تَحَاكَمَا إِلَى كَعْب بْن الْأَشْرَف . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 7835 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : إِلَى الْكَاهِن . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل - أَعْنِي قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ الْمُحْتَكِمَانِ إِلَى الطَّاغُوت اللَّذَانِ وَصَفَ اللَّه شَأْنهمَا فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } - أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ قَوْله : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ } فِي سِيَاق قِصَّة الَّذِينَ اِبْتَدَأَ اللَّه الْخَبَر عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك } , وَلَا دَلَالَة تَدُلّ عَلَى اِنْقِطَاع قِصَّتهمْ , فَإِلْحَاق بَعْض ذَلِكَ بِبَعْضٍ مَا لَمْ تَأْتِ دَلَالَة عَلَى اِنْقِطَاعه أَوْلَى . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ فِي الَّذِي رُوِيَ عَنْ الزُّبَيْر وَابْن الزُّبَيْر مِنْ قِصَّته وَقِصَّة الْأَنْصَارِيّ فِي شِرَاج الْحَرَّة , وَقَوْل مَنْ قَالَ فِي خَبَرهمَا , فَنَزَلَتْ : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ } مَا يُنْبِئ عَنْ اِنْقِطَاع حُكْم هَذِهِ الْآيَة وَقِصَّتهَا مِنْ قِصَّة الْآيَات قَبْلهَا , فَإِنَّهُ غَيْر مُسْتَحِيل أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي حِصَّة الْمُحْتَكِمِينَ إِلَى الطَّاغُوت , وَيَكُون فِيهَا بَيَان مَا اِحْتَكَمَ فِيهِ الزُّبَيْر وَصَاحِبه الْأَنْصَارِيّ , إِذْ كَانَتْ الْآيَة دَالَّة عَلَى ذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَحِيل , كَانَ إِلْحَاق مَعْنَى بَعْض ذَلِكَ بِبَعْضٍ أَوْلَى مَا دَامَ الْكَلَام مُتَّسِقَة مَعَانِيهِ عَلَى سِيَاق وَاحِد , إِلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَة عَلَى اِنْقِطَاع بَعْض ذَلِكَ مِنْ بَعْض , فَيُعْدَل بِهِ عَنْ مَعْنَى مَا قَبْله . وَأَمَّا قَوْله : { وَيُسَلِّمُوا } فَإِنَّهُ مَنْصُوب عَطْفًا عَلَى قَوْله : { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ } . وَقَوْله : { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسهمْ } نُصِبَ عَطْفًا عَلَى قَوْله : { حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ } .
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًاسورة النساء الآية رقم 66
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } : وَلَوْ أَنَّا فَرَضْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك الْمُحْتَكِمِينَ إِلَى الطَّاغُوت أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسهمْ , وَأَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ , أَوْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارهمْ مُهَاجِرِينَ مِنْهَا إِلَى دَار أُخْرَى سِوَاهَا مَا فَعَلُوهُ , يَقُول : مَا قَتَلُوا أَنْفُسهمْ بِأَيْدِيهِمْ , وَلَا هَاجَرُوا مِنْ دِيَارهمْ فَيَخْرُجُوا عَنْهَا إِلَى اللَّه وَرَسُوله طَاعَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7836 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } هُمْ يَهُود يَعْنِي : وَالْعَرَب - كَمَا أَمَرَ أَصْحَاب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ } كَمَا أُمِرَ أَصْحَاب مُوسَى أَنْ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا بِالْخَنَاجِرِ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ . 7837 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ } اِفْتَخَرَ ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس وَرَجُل مِنْ يَهُود , فَقَالَ الْيَهُودِيّ : وَاَللَّه لَقَدْ كَتَبَ اللَّه عَلَيْنَا أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ , فَقَتَلْنَا أَنْفُسنَا ! فَقَالَ ثَابِت : وَاَللَّه لَوْ كُتِبَ عَلَيْنَا أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ لَقَتَلْنَا أَنْفُسنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي هَذَا : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا } . 8738 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ } قَالَ رَجُل : لَوْ أُمِرْنَا لَفَعَلْنَا , وَالْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَان أَثْبَت فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْجِبَال الرَّوَاسِي " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه الرَّفْع فِي قَوْله : { إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ } فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَزْعُم أَنَّهُ رُفِعَ " قَلِيل " لِأَنَّهُ جُعِلَ بَدَلًا مِنْ الْأَسْمَاء الْمُضْمَرَة فِي قَوْله : { مَا فَعَلُوهُ } لِأَنَّ الْفِعْل لَهُمْ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّمَا رُفِعَ عَلَى نِيَّة التَّكْرِير , كَأَنَّ مَعْنَاهُ : مَا فَعَلُوهُ مَا فَعَلَهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ , كَمَا قَالَ عَمْرو بْن مَعْدِيَكْرِبَ : وَكُلّ أَخ مُفَارِقه أَخُوهُ لَعَمْر أَبِيك إِلَّا الْفَرْقَدَانِ وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : رُفِعَ " الْقَلِيل " بِالْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله : { مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلَهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ . فَقِيلَ : " مَا فَعَلُوهُ " عَلَى الْخَبَر عَنْ الَّذِينَ مَضَى ذِكْرهمْ فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلك } , ثُمَّ اِسْتُثْنِيَ الْقَلِيل , فَرُفِعَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا , إِذْ كَانَ الْفِعْل مَنْفِيًّا عَنْهُ . وَهِيَ فِي مَصَاحِف أَهْل الشَّام : " مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ " . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ , فَلَا مَرَدّ بِهِ عَلَى قَارِئِهِ فِي إِعْرَابه , لِأَنَّهُ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب , إِذْ كَانَ الْفِعْل مَشْغُولًا بِمَا فِيهِ كِنَايَة مَنْ قَدْ جَرَى ذِكْره , ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُمْ الْقَلِيل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك وَهُمْ يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوت , وَيَصُدُّونَ عَنْك صُدُودًا , { فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ } يَعْنِي : مَا يُذَكَّرُونَ بِهِ مِنْ طَاعَة اللَّه وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِهِ , { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ وَآجِل مَعَادهمْ , { وَأَشَدّ تَثْبِيتًا } وَأَثْبَت لَهُمْ فِي أُمُورهمْ , وَأَقْوَم لَهُمْ عَلَيْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِق يَعْمَل عَلَى شَكّ , فَعَمَله يَذْهَب بَاطِلًا , وَغَنَاؤُهُ يَضْمَحِلّ فَيَصِير هَبَاء , وَهُوَ بِشَكِّهِ يَعْمَل عَلَى وَنَاءٍ وَضَعْف , وَلَوْ عَمِلَ عَلَى بَصِيرَة لَاكْتَسَبَ بِعَمَلِهِ أَجْرًا وَلَكَانَ لَهُ عِنْد اللَّه ذُخْرًا وَكَانَ عَلَى عَمَله الَّذِي يَعْمَل أَقْوَى لِنَفْسِهِ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا لِإِيمَانِهِ بِوَعْدِ اللَّه عَلَى طَاعَته وَعَمَله الَّذِي يَعْمَلهُ . وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَأَشَدّ تَثْبِيتًا } : تَصْدِيقًا . كَمَا : 7839 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًا } قَالَ : تَصْدِيقًا , لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُصَدِّقًا كَانَ لِنَفْسِهِ أَشَدّ تَثْبِيتًا وَلِعَزْمِهِ فِيهِ أَشَدّ تَصْحِيحًا . وَهُوَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } 2 265 وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَان ذَلِكَ فِي مَوْضِعه بِمَا فِيهِ كِفَايَة مِنْ إِعَادَته.
وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء الآية رقم 67
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } لِإِيتَائِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى فِعْلهمْ مَا وُعِظُوا بِهِ مِنْ طَاعَتنَا وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرنَا { أَجْرًا } يَعْنِي : جَزَاء وَثَوَابًا عَظِيمًا , وَأَشَدّ تَثْبِيتًا لِعَزَائِمِهِمْ وَآرَائِهِمْ , وَأَقْوَى لَهُمْ عَلَى أَعْمَالهمْ لِهِدَايَتِنَا إِيَّاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا , يَعْنِي : طَرِيقًا لَا اِعْوِجَاج فِيهِ , وَهُوَ دِين اللَّه الْقَوِيم الَّذِي اِخْتَارَهُ لِعِبَادِهِ وَشَرَعَهُ لَهُمْ , وَذَلِكَ الْإِسْلَام .
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًاسورة النساء الآية رقم 68
وَمَعْنَى قَوْله : { وَلَهَدَيْنَاهُمْ } وَلَوَفَّقْنَاهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيم . ثُمَّ ذَكَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا وَعَدَ أَهْل طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْ الْكَرَامَة الدَّائِمَة لَدَيْهِ وَالْمَنَازِل الرَّفِيعَة عِنْده . فَقَالَ : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ } ... الْآيَة .
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًاسورة النساء الآية رقم 69
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول بِالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِمَا , وَإِخْلَاص الرِّضَا بِحُكْمِهِمَا , وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرهمَا , وَالِانْزِجَار عَمَّا نُهِيَا عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه , فَهُوَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهِدَايَتِهِ وَالتَّوْفِيق لِطَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَفِي الْآخِرَة إِذَا دَخَلَ الْجَنَّة . { وَالصِّدِّيقِينَ } وَهُمْ جَمْع صِدِّيق . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الصِّدِّيقِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الصِّدِّيقُونَ : تُبَّاع الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ وَاتَّبَعُوا مِنْهَاجهمْ بَعْدهمْ حَتَّى لَحِقُوا بِهِمْ . فَكَأَنَّ " الصِّدِّيق فِعِّيل " عَلَى مَذْهَب قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ الصِّدْق , كَمَا يُقَال رَجُل سِكِّير مِنْ السُّكْر , إِذَا كَانَ مُدْمِنًا عَلَى ذَلِكَ , وَشِرِّيب وَخِمِّير . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ فِعِّيل مِنْ الصَّدَقَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه بِنَحْوِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; وَهُوَ مَا : 7840 - حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , عَنْ مُوسَى بْن يَعْقُوب , قَالَ : أَخْبَرَتْنِي عَمَّتِي قَرِيبَة بِنْت عَبْد اللَّه بْن وَهْب بْن زَمْعَة , عَنْ أُمّهَا كَرِيمَة بِنْت الْمِقْدَاد , عَنْ ضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر , وَكَانَتْ تَحْت الْمِقْدَاد عَنْ الْمِقْدَاد , قَالَ : قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَيْء سَمِعْته مِنْك شَكَكْت فِيهِ ! قَالَ : " إِذَا شَكَّ أَحَدكُمْ فِي الْأَمْر فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ ! " قَالَ : قُلْت قَوْلك فِي أَزْوَاجك : إِنِّي لَأَرْجُو لَهُنَّ مِنْ بَعْدِي الصِّدِّيقِينَ ؟ قَالَ : " مَنْ تَعْنُونَ الصِّدِّيقِينَ ؟ " قُلْت : أَوْلَادنَا الَّذِينَ يَهْلِكُونَ صِغَارًا . قَالَ : " لَا , وَلَكِنَّ الصِّدِّيقِينَ هُمْ الْمُصَدِّقُونَ " . وَهَذَا خَبَر لَوْ كَانَ إِسْنَاده صَحِيحًا لَمْ نَسْتَجِز أَنْ نَعْدُوَهُ إِلَى غَيْره , وَلَوْ كَانَ فِي إِسْنَاده بَعْض مَا فِيهِ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصِّدِّيقِ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ الْمُصَدِّق قَوْله بِفِعْلِهِ , إِذْ كَانَ الْفِعِّيل فِي كَلَام الْعَرَب إِنَّمَا يَأْتِي إِذَا كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ الْفِعْل بِمَعْنَى الْمُبَالَغَة , إِمَّا فِي الْمَدْح وَإِمَّا فِي الذَّمّ , وَمِنْهُ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَة مَرْيَم : { وَأُمّه صِدِّيقَة } 5 75 وَإِذَا كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا , كَانَ دَاخِلًا مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِمَا قُلْنَا فِي صِفَة الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقِينَ ; { وَالشُّهَدَاء } وَهُمْ جَمْع شَهِيد : وَهُوَ الْمَقْتُول فِي سَبِيل اللَّه , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِيَامِهِ بِشَهَادَةِ الْحَقّ فِي جَنْب اللَّه حَتَّى قُتِلَ . { وَالصَّالِحِينَ } وَهُمْ جَمْع صَالِح : وَهُوَ كُلّ مَنْ صَلُحَتْ سَرِيرَته وَعَلَانِيَته . وَأَمَّا قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَحَسُنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ وَوَصَفَهُمْ رُفَقَاء فِي الْجَنَّة . وَالرَّفِيق فِي لَفْظ الْوَاحِد بِمَعْنَى الْجَمِيع , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : نَصَبْنَ الْهَوَى ثُمَّ اِرْتَمَيْنَ قُلُوبنَا بَأْسهمْ أَعْدَاء وَهُنَّ صَدِيق بِمَعْنَى : وَهُنَّ صَدَائِق . وَأَمَّا نَصْب " الرَّفِيق " فَإِنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة مُخْتَلِفُونَ فِيهِ , فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوب عَلَى الْحَال , وَيَقُول : هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُل : كَرُمَ زَيْد رَجُلًا , وَيَعْدِل بِهِ عَنْ مَعْنَى : نِعْمَ الرَّجُل , وَيَقُول : إِنَّ نِعْمَ لَا تَقَع إِلَّا عَلَى اِسْم فِيهِ أَلِف وَلَام أَوْ عَلَى نَكِرَة . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوب عَلَى التَّفْسِير وَيُنْكِر أَنْ يَكُون حَالًا , وَيَسْتَشْهِد عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : كَرُمَ زَيْد مِنْ رَجُل , وَحَسُنَ أُولَئِكَ مِنْ رُفَقَاء ; وَأَنَّ دُخُول " مِنْ " دَلَالَة عَلَى أَنَّ الرَّفِيق مُفَسِّرَة . قَالَ : وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْعَرَب : نَعِمْتُمْ رِجَالًا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَظِير قَوْله : وَحَسُنْتُمْ رُفَقَاء . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِقَائِلِيهِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ لِأَنَّ قَوْمًا حَزِنُوا عَلَى فَقْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَرًا أَنْ لَا يَرَوْهُ فِي الْآخِرَة . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 7841 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : جَاءَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَحْزُون , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا فُلَان مَالِي أَرَاك مَحْزُونًا " ؟ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه شَيْء فَكَّرْت فِيهِ . فَقَالَ : " مَا هُوَ ؟ " قَالَ : نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْك وَنَرُوح , نَنْظُر فِي وَجْهك وَنُجَالِسك , غَدًا تُرْفَع مَعَ النَّبِيِّينَ فَلَا نَصِل إِلَيْك ! فَلَمْ يَرُدّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا . فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرَهُ . 7842 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَالَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُول اللَّه مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقك فِي الدُّنْيَا , فَإِنَّك لَوْ قَدْ مُتّ رُفِعْت فَوْقنَا فَلَمْ نَرَك ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول } . .. الْآيَة . 7843 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا قَالُوا : هَذَا نَبِيّ اللَّه نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا , فَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَيُرْفَع فَلَا نَرَاهُ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول } . .. إِلَى قَوْله : { رَفِيقًا } . 7844 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : قَالَ نَاس مِنْ الْأَنْصَار : يَا رَسُول اللَّه , إِذَا أَدْخَلَك اللَّه الْجَنَّة فَكُنْت فِي أَعْلَاهَا وَنَحْنُ نَشْتَاق إِلَيْك , فَكَيْفَ نَصْنَع ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول } . 7845 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّه وَالرَّسُول } . .. الْآيَة , قَالَ : إِنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَضْل عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ فِي دَرَجَات الْجَنَّة مِمَّنْ اِتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ , فَكَيْفَ لَهُمْ إِذَا اِجْتَمَعُوا فِي الْجَنَّة أَنْ يَرَى بَعْضهمْ بَعْضًا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الْأَعْلَيْنَ يَنْحَدِرُونَ إِلَى مَنْ هُمْ أَسْفَل فَيَجْتَمِعُونَ فِي رِيَاضهَا , فَيَذْكُرُونَ مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَيُثْنُونَ عَلَيْهِ , وَيَنْزِل لَهُمْ أَهْل الدَّرَجَات , فَيَسْعَوْنَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَشْتَهُونَ وَمَا يَدْعُونَ بِهِ , فَهُمْ فِي رَوْضَة يُحْبَرُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ فِيهِ .
ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًاسورة النساء الآية رقم 70
وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ الْفَضْل مِنْ اللَّه } فَإِنَّهُ يَقُول : كَوْن مَنْ أَطَاعَ اللَّه وَالرَّسُول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ , { الْفَضْل مِنْ اللَّه } يَقُول ذَلِكَ عَطَاء اللَّه إِيَّاهُمْ وَفَضْله عَلَيْهِمْ , لَا بِاسْتِيجَابِهِمْ ذَلِكَ لِسَابِقَةٍ سَبَقَتْ لَهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ بِالطَّاعَةِ وَصَلُوا إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ فَضْله ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِفَضْلِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَهَدَاهُمْ بِهِ لِطَاعَتِهِ , فِعْل ذَلِكَ فَضْل مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره .

وَقَوْله : { وَكَفَى بِاَللَّهِ عَلِيمًا } يَقُول : وَحَسْب الْعِبَاد بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ عَلِيمًا بِطَاعَةِ الْمُطِيع مِنْهُمْ وَمَعْصِيَة الْعَاصِي , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُحْصِيه عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظهُ حَتَّى يُجَازِي جَمِيعهمْ , فَيَجْزِي الْمُحْسِن مِنْهُمْ بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء مِنْهُمْ بِالْإِسَاءَةِ , وَيَعْفُو عَمَّنْ شَاءَ مِنْ أَهْل التَّوْحِيد.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًاسورة النساء الآية رقم 71
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ فَانْفِرُوا ثُبَات أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , { خُذُوا حِذْركُمْ } : خُذُوا جُنَّتكُمْ وَأَسْلِحَتكُمْ الَّتِي تَتَّقُونَ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ لِغَزْوِهِمْ وَحَرْبهمْ . { فَانْفِرُوا } إِلَيْهِمْ { ثُبَات } وَهِيَ جَمْع ثُبَة , وَالثُّبَة : الْعُصْبَة ; وَمَعْنَى الْكَلَام : فَانْفِرُوا إِلَى عَدُوّكُمْ جَمَاعَة بَعْد جَمَاعَة مُتَسَلِّحِينَ , وَمِنْ الثُّبَة قَوْل زُهَيْر : وَقَدْ أَغْدُوا عَلَى ثُبَةٍ كَرَامٍ نَشَاوَى وَاجِدِينَ لِمَا نَشَاء وَقَدْ تُجْمَع الثُّبَة عَلَى ثُبِينَ . { أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا } يَقُول : أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا مَعَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقِتَالِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7846 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { خُذُوا حِذْركُمْ فَانْفِرُوا ثُبَات } يَقُول : عُصَبًا , يَعْنِي : سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ , { أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا } يَعْنِي كُلّكُمْ . 7847 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { فَانْفِرُوا ثُبَات } قَالَ : فِرَقًا قَلِيلًا قَلِيلًا . 7848 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَانْفِرُوا ثُبَات } قَالَ : الثُّبَات : الْفِرَق . * - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 7849 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَانْفِرُوا ثُبَات } فَهِيَ الْعُصْبَة , وَهِيَ الثُّبَة . { أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا } مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 7850 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَانْفِرُوا ثُبَات } يَعْنِي : عُصَبًا مُتَفَرِّقِينَ .
وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًاسورة النساء الآية رقم 72
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا } وَهَذَا نَعْت مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْمُنَافِقِينَ , نَعَتَهُمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ , فَقَالَ : { وَإِنَّ مِنْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , يَعْنِي : مِنْ عِدَادكُمْ وَقَوْمكُمْ وَمَنْ يَتَشَبَّه بِكُمْ وَيُظْهِر أَنَّهُ مِنْ أَهْل دَعْوَتكُمْ وَمِلَّتكُمْ , وَهُوَ مُنَافِق يُبَطِّئ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْكُمْ عَنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ وَقِتَالهمْ إِذَا أَنْتُمْ نَفَرْتُمْ إِلَيْهِمْ . { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة } يَقُول : فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ هَزِيمَة , أَوْ نَالَكُمْ قَتْل أَوْ جِرَاح مِنْ عَدُوّكُمْ , قَالَ : قَدْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا , فَيُصِيبنِي جِرَاح أَوْ أَلَم أَوْ قَتْل , وَسَرَّهُ تَخَلُّفهُ عَنْكُمْ شَمَاتَة بِكُمْ , لِأَنَّهُ مِنْ أَهْل الشَّكّ فِي وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا نَالَهُمْ فِي سَبِيله مِنْ الْأَجْر وَالثَّوَاب وَفِي وَعِيده , فَهُوَ غَيْر رَاجٍ ثَوَابًا وَلَا خَائِف عِقَابًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7851 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة } . .. إِلَى قَوْله : { فَسَوْفَ نُؤْتِيه أَجْرًا عَظِيمًا } مَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمُنَافِقِينَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 7852 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ } عَنْ الْجِهَاد وَالْغَزْو فِي سَبِيل اللَّه . { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا } قَالَ : هَذَا قَوْل مُكَذَّب . 7853 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْمُنَافِق يُبَطِّئ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , قَالَ اللَّه : { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة } قَالَ : بِقَتْلِ الْعَدُوّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , { قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا } قَالَ : هَذَا قَوْل الشَّامِت . 7854 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة } قَالَ : هَزِيمَة . وَدَخَلَتْ اللَّام فِي قَوْله { لَمَنْ } وَفُتِحَتْ لِأَنَّهَا اللَّام الَّتِي تَدْخُل تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ مَعَ " إِنَّ " , كَقَوْلِ الْقَائِل : إِنَّ فِي الدَّار لَمَنْ يُكْرِمك , وَأَمَّا اللَّام الثَّانِيَة الَّتِي فِي : { لَيُبَطِّئَنَّ } فَدَخَلَتْ لِجَوَابِ الْقَسَم , كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِنَّ مِنْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم لَمَنْ وَاَللَّه لَيُبَطِّئَنَّ .
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّه لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة النساء الآية رقم 73
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْل مِنْ اللَّه لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنكُمْ وَبَيْنه مَوَدَّة يَا لَيْتَنِي كُنْت مَعَهُمْ فَأَفُوز فَوْزًا عَظِيمًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْل مِنْ اللَّه } : وَلَئِنْ أَظْفَرَكُمْ اللَّه بِعَدُوِّكُمْ , فَأَصَبْتُمْ مِنْهُمْ غَنِيمَة ; { لَيَقُولَنَّ } هَذَا الْمُبَطِّئ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْجِهَاد مَعَكُمْ فِي سَبِيل اللَّه الْمُنَافِق { كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنكُمْ وَبَيْنه مَوَدَّة يَا لَيْتَنِي كُنْت مَعَهُمْ فَأَفُوز } بِمَا أُصِيب مَعَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَة { فَوْزًا عَظِيمًا } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّ شُهُودهمْ الْحَرْب مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِنْ شَهِدُوهَا لِطَلَبِ الْغَنِيمَة , وَإِنْ تَخَلَّفُوا عَنْهَا فَلِلشَّكِّ الَّذِي فِي قُلُوبهمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ لِحُضُورِهَا ثَوَابًا وَلَا يَخَافُونَ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهَا مِنْ اللَّه عِقَابًا . وَكَانَ قَتَادَة وَابْن جُرَيْج يَقُولَانِ : إِنَّمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِذَا كَانَ الظَّفَر لِلْمُسْلِمِينَ : يَا لَيْتَنِي كُنْت مَعَهُمْ , حَسَدًا مِنْهُمْ لَهُمْ . 7855 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْل مِنْ اللَّه لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنكُمْ وَبَيْنه مَوَدَّة يَا لَيْتَنِي كُنْت مَعَهُمْ فَأَفُوز فَوْزًا عَظِيمًا } قَالَ : قَوْل حَاسِد . 7856 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْل مِنْ اللَّه } قَالَ : ظُهُور الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَدُوّهُمْ , فَأَصَابُوا الْغَنِيمَة { لِيَقُولَنَّ } { يَا لَيْتَنِي كُنْت مَعَهُمْ فَأَفُوز فَوْزًا عَظِيمًا } قَالَ : قَوْل الْحَاسِد .
فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء الآية رقم 74
وَهَذَا حَضّ مِنْ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَاد عَدُوِّهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ عَلَى أَحَايِينهمْ غَالِبِينَ كَانُوا أَوْ مَغْلُوبِينَ , وَالتَّهَاوُن بِأَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ فِي جِهَاد مَنْ جَاهَدُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَقَعَ جِهَادهمْ إِيَّاهُمْ مَغْلُوبِينَ كَانُوا أَوْ غَالِبِينَ ; مَنْزِلَة مِنْ اللَّه رَفِيعَة . يَقُول اللَّه لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي : فِي دِين اللَّه وَالدُّعَاء إِلَيْهِ وَالدُّخُول فِيمَا أَمَرَ بِهِ أَهْل الْكُفْر بِهِ ,
{ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } يَعْنِي : الَّذِينَ يَبِيعُونَ حَيَاتهمْ الدُّنْيَا بِثَوَابِ الْآخِرَة وَمَا وَعَدَ اللَّه أَهْل طَاعَته فِيهَا . وَبَيْعهمْ إِيَّاهَا بِهَا , إِنْفَاقهمْ أَمْوَالهمْ فِي طَلَب رِضَا اللَّه , كَجِهَادِ مَنْ أُمِرَ بِجِهَادِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاء دِينه , وَبَذْلهمْ مُهَجهمْ لَهُ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْأَغْلَب عَلَى مَعْنَى " شَرَيْت " فِي كَلَام الْعَرَب " بِعْت " بِمَا أَغْنَى . وَقَدْ : 7857 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } يَقُول : يَبِيعُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ . 7858 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { يَشْرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } فَيَشْرِي : يَبِيع , وَيَشْرِي : يَأْخُذ , وَإِنَّ الْحَمْقَى بَاعُوا الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ .

أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِذَا فَعَلُوهُ , فَقَالَ : { وَمَنْ يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه فَيُقْتَل أَوْ يَغْلِب فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } يَقُول : وَمَنْ يُقَاتِل فِي طَلَب إِقَامَة دِين اللَّه وَإِعْلَاء كَلِمَة اللَّه أَعْدَاء اللَّه , فَيُقْتَل , يَقُول : فَيَقْتُلهُ أَعْدَاء اللَّه أَوْ يَغْلِبهُمْ , فَيَظْفَر بِهِمْ .

يَقُول : فَسَوْفَ نُعْطِيه فِي الْآخِرَة ثَوَابًا وَأَجْرًا عَظِيمًا . وَلَيْسَ لِمَا سَمَّى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَظِيمًا مِقْدَار يَعْرِف مَبْلَغه عِبَاد اللَّه.
وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًاسورة النساء الآية رقم 75
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه , وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ , يَقُول : عَنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْكُمْ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان . فَأَمَّا مِنْ الرِّجَال فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا بِمَكَّة , فَغَلَبَتْهُمْ عَشَائِرهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْقَهْرِ لَهُمْ وَآذَوْهُمْ وَنَالُوهُمْ بِالْعَذَابِ وَالْمَكَارِه فِي أَبْدَانهمْ , لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينهمْ . فَحَضَّ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ عَلَى اِسْتِنْقَاذهمْ مِنْ أَيْدِي مَنْ قَدْ غَلَبَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ الْكُفَّار , فَقَالَ لَهُمْ : وَمَا شَأْنكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَعَنْ مُسْتَضْعَفِي أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ الَّذِينَ قَدْ اِسْتَضْعَفَهُمْ الْكُفَّار فَاسْتَذَلُّوهُمْ اِبْتِغَاء فِتْنَتهمْ وَصَدّهمْ عَنْ دِينهمْ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء ؟ وَالْوِلْدَان جَمْع وَلَد : وَهُمْ الصِّبْيَان . { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ رَبّهمْ بِأَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنْ فِتْنَة مَنْ قَدْ اِسْتَضْعَفَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ : يَا رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا - وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ مَدِينَة قَرْيَة - يَعْنِي : الَّتِي قَدْ ظَلَمَتْنَا وَأَنْفُسهَا أَهْلهَا . وَهِيَ فِي هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا فَسَّرَ أَهْل التَّأْوِيل مَكَّة وَخُفِضَ الظَّالِم , لِأَنَّهُ مِنْ صِفَة الْأَهْل , وَقَدْ عَادَتْ الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِيهِ عَلَى الْقَرْيَة , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب إِذَا تَقَدَّمَتْ صِفَة الِاسْم الَّذِي مَعَهُ عَائِد لِاسْمٍ قَبْلهَا أَتْبَعَتْ إِعْرَابهَا إِعْرَاب الِاسْم الَّذِي قَبْلهَا كَأَنَّهَا صِفَة لَهُ , فَتَقُول : مَرَرْت بِالرَّجُلِ الْكَرِيم أَبُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7859 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } قَالَ : أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْ مُسْتَضْعَفِي الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } الصِّبْيَان { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } مَكَّة , أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا عَنْ مُسْتَضْعَفِينَ مُؤْمِنِينَ كَانُوا بِمَكَّة . 7860 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } يَقُول : وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ , وَأَمَّا الْقَرْيَة : فَمَكَّة . 7861 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك , عَنْ عُثْمَان بْن عَطَاء , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ } قَالَ : وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ . 7862 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن شِهَاب يَقُول : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } قَالَ : فِي سَبِيل اللَّه وَسَبِيل الْمُسْتَضْعَفِينَ . 7863 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , فِي قَوْله : { أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } قَالَا : خَرَجَ رَجُل مِنْ الْقَرْيَة الظَّالِمَة إِلَى الْقَرْيَة الصَّالِحَة , فَأَدْرَكَهُ الْمَوْت فِي الطَّرِيق , فَنَأَى بِصَدْرِهِ إِلَى الْقَرْيَة الصَّالِحَة , فَاحْتَجَّتْ فِيهِ مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَمَلَائِكَة الْعَذَاب , فَأُمِرُوا أَنْ يُقَدِّرُوا أَقْرَب الْقَرْيَتَيْنِ إِلَيْهِ , فَوَجَدُوهُ أَقْرَب إِلَى الْقَرْيَة الصَّالِحَة بِشِبْرٍ . وَقَالَ بَعْضهمْ : قَرَّبَ اللَّه إِلَيْهِ الْقَرْيَة الصَّالِحَة , فَتَوَفَّتْهُ مَلَائِكَة الرَّحْمَة . 7864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان } هُمْ أُنَاس مُسْلِمُونَ كَانُوا بِمَكَّة لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا لِيُهَاجِرُوا , فَعَذَرَهُمْ اللَّه , وَفِيهِمْ نَزَلَ قَوْله : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } فَهِيَ مَكَّة . 7865 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا } قَالَ : وَمَا لَكُمْ لَا تَفْعَلُونَ , تُقَاتِلُونَ لِهَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء الْمَسَاكِين الَّذِينَ يَدْعُونَ اللَّه بِأَنْ يُخْرِجهُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا , فَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قُوَّة ؟ فَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ حَتَّى يَسْلَم لِلَّهِ هَؤُلَاءِ وَدِينهمْ ؟ قَالَ : وَالْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا : مَكَّة .

{ وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْك وَلِيًّا } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا فِي دُعَائِهِمْ : يَا رَبّنَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ عِنْدك وَلِيًّا , يَلِي أَمَرْنَا بِالْكِفَايَةِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ فِتْنَة أَهْل الْكُفْر بِك .

{ وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْك نَصِيرًا } يَقُولُونَ : وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ عِنْدك مَنْ يَنْصُرنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا مِنْ أَهْل هَذِهِ الْقَرْيَة الظَّالِم أَهْلهَا , بِصَدِّهِمْ إِيَّانَا عَنْ سَبِيلك , حَتَّى تُظْفِرنَا بِهِمْ وَنُعْلِي دِينك .
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًاسورة النساء الآية رقم 76
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله وَأَيْقَنُوا بِمَوْعُودِ اللَّه لِأَهْلِ الْإِيمَان بِهِ , { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : فِي طَاعَة اللَّه وَمِنْهَاج دِينه وَشَرِيعَته الَّتِي شَرَعَهَا لِعِبَادِهِ .

{ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الطَّاغُوت } يَقُول : وَاَلَّذِينَ جَحَدُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه وَكَذَّبُوا رَسُوله وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الطَّاغُوت } يَعْنِي : فِي طَاعَة الشَّيْطَان وَطَرِيقه وَمِنْهَاجه الَّذِي شَرَعَهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ . يَقُول اللَّه مُقَوِّيًا عَزْم الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمُحَرِّضهمْ عَلَى أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاء دِينه مِنْ أَهْل الشِّرْك بِهِ .

{ فَقَاتِلُوا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ

{ أَوْلِيَاء الشَّيْطَان } يَعْنِي بِذَلِكَ : الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُطِيعُونَ أَمْره فِي خِلَاف طَاعَة اللَّه وَالتَّكْذِيب بِهِ , وَيَنْصُرُونَهُ

{ إِنَّ كَيْد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفًا } يَعْنِي بِكَيْدِهِ : مَا كَادَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ تَحْزِيبه أَوْلِيَاءَهُ مِنْ الْكُفَّار بِاَللَّهِ عَلَى رَسُوله وَأَوْلِيَائِهِ أَهْل الْإِيمَان بِهِ . يَقُول : فَلَا تَهَابُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان , فَإِنَّمَا هُمْ حِزْبه وَأَنْصَاره , وَحِزْب الشَّيْطَان أَهْل وَهْن وَضَعْف . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالضَّعْفِ , لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ رَجَاء ثَوَاب , وَلَا يَتْرُكُونَ الْقِتَال خَوْف عِقَاب , وَإِنَّمَا يُقَاتِلُونَ حَمِيَّة أَوْ حَسَدًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , وَالْمُؤْمِنُونَ يُقَاتِل مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ رَجَاء الْعَظِيم مِنْ ثَوَاب اللَّه , وَيَتْرُك الْقِتَال إِنْ تَرَكَهُ عَلَى خَوْف مِنْ وَعِيد اللَّه فِي تَرْكه , فَهُوَ يُقَاتِل عَلَى بَصِيرَة بِمَا لَهُ عِنْد اللَّه إِنْ قُتِلَ , وَبِمَا لَهُ مِنْ الْغَنِيمَة وَالظَّفَر إِنْ سَلِمَ . وَالْكَافِر يُقَاتِل عَلَى حَذَر مِنْ الْقَتْل , وَإِيَاس مِنْ مَعَاد , فَهُوَ ذُو ضَعْف وَخَوْف .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاًسورة النساء الآية رقم 77
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاس كَخَشْيَةِ اللَّه أَوْ أَشَدّ خَشْيَة } ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ قَبْل أَنْ يُفْرَض عَلَيْهِمْ الْجِهَاد , وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالزَّكَاة , وَكَانُوا يَسْأَلُونَ اللَّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِمْ الْقِتَال , فَلَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَالُوا مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي كِتَابه . فَتَأْوِيل قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } : أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِك يَا مُحَمَّد فَتَعْلَم إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ مِنْ أَصْحَابك حِين سَأَلُوك أَنْ تَسْأَل رَبّك أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِمْ الْقِتَال : كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ , فَأَمْسِكُوهَا عَنْ قِتَال الْمُشْرِكِينَ وَحَرْبهمْ . { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } يَقُول : وَأَدُّوا الصَّلَاة الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه عَلَيْكُمْ بِحُدُودِهَا . { وَآتُوا الزَّكَاة } يَقُول : وَأَعْطُوا الزَّكَاة أَهْلهَا , الَّذِينَ جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ , تَطْهِيرًا لِأَبْدَانِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ ; كَرِهُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ كَفّ الْأَيْدِي عَنْ قِتَال الْمُشْرِكِينَ , وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال } يَقُول : فَلَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال الَّذِي كَانُوا سَأَلُوا أَنْ يُفْرَض عَلَيْهِمْ , { إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ } يَعْنِي : جَمَاعَة مِنْهُمْ { يَخْشَوْنَ النَّاس } يَقُول : يَخَافُونَ النَّاس أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ , { كَخَشْيَةِ اللَّه أَوْ أَشَدّ خَشْيَة } أَوْ أَشَدّ خَوْفًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر الْآثَار بِذَلِكَ , وَالرِّوَايَة عَمَّنْ قَالَهُ : 7866 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , كُنَّا فِي عِزّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ , فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّة ! فَقَالَ : " إِنِّي أُمِرْت بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا " فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّه إِلَى الْمَدِينَة أُمِرَ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } . .. الْآيَة . 7867 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } عَنْ النَّاس , { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ } نَزَلَتْ فِي أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَوْله : { وَقَالُوا رَبّنَا لِمَ كَتَبْت عَلَيْنَا الْقِتَال لَوْلَا أَخَّرْتنَا إِلَى أَجَل قَرِيب } قَالَ : إِلَى أَنْ نَمُوت مَوْتًا هُوَ الْأَجَل الْقَرِيب . 7868 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { إِلَى أَجَل قَرِيب } قَالَ : كَانَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة قَبْل الْهِجْرَة , تَسَرَّعُوا إِلَى الْقِتَال , فَقَالُوا لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَرْنَا نَتَّخِذ مَعَاوِل فَنُقَاتِل بِهَا الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة ! فَنَهَاهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , قَالَ : " لَمْ أُؤْمَر بِذَلِكَ " . فَلَمَّا كَانَتْ الْهِجْرَة وَأُمِرَ بِالْقِتَالِ , كَرِهَ الْقَوْم ذَلِكَ , فَصَنَعُوا فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ , فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { قُلْ مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل وَالْآخِرَة خَيْر لِمَنْ اِتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } . 7869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة } قَالَ : هُمْ قَوْم أَسْلَمُوا قَبْل أَنْ يُفْرَض عَلَيْهِمْ الْقِتَال , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ إِلَّا الصَّلَاة وَالزَّكَاة , فَسَأَلُوا اللَّه أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِمْ الْقِتَال ; { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاس كَخَشْيَةِ اللَّه أَوْ أَشَدّ خَشْيَة } . .. الْآيَة , إِلَى : { إِلَى أَجَل قَرِيب } وَهُوَ الْمَوْت , قَالَ اللَّه : { قُلْ مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل وَالْآخِرَة خَيْر لِمَنْ اِتَّقَى } . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ وَآيَات بَعْدهَا فِي الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7870 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } . .. إِلَى قَوْله : { لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا } مَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْيَهُود . 7871 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { لِمَ كَتَبْت عَلَيْنَا الْقِتَال } : نَهَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْ يَصْنَعُوا صَنِيعهمْ .

{ وَقَالُوا } جَزَعًا مِنْ الْقِتَال الَّذِي فَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ : { لِمَ كَتَبْت عَلَيْنَا الْقِتَال } : لِمَ فَرَضْت عَلَيْنَا الْقِتَال , رُكُونًا مِنْهُمْ إِلَى الدُّنْيَا , وَإِيثَارًا لِلدَّعَةِ فِيهَا وَالْخَفْض , عَلَى مَكْرُوه لِقَاء الْعَدُوّ , وَمَشَقَّة حَرْبهمْ وَقِتَالهمْ . { لَوْلَا أَخَّرْتنَا } يُخْبِر عَنْهُمْ , قَالُوا : هَلَّا أَخَّرْتنَا { إِلَى أَجَل قَرِيب } يَعْنِي : إِلَى أَنْ يَمُوتُوا عَلَى فُرُشهمْ وَفِي مَنَازِلهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قُلْ مَتَاع الدُّنْيَا قَلِيل } : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ قَالُوا { رَبّنَا لِمَ كَتَبْت عَلَيْنَا الْقِتَال لَوْلَا أَخَّرْتنَا إِلَى أَجَل قَرِيب } عَيْشكُمْ فِي الدُّنْيَا وَتَمَتُّعكُمْ بِهَا قَلِيل , لِأَنَّهَا فَانِيَة , وَمَا فِيهَا فَانٍ ,

{ وَالْآخِرَة خَيْر } يَعْنِي : وَنَعِيم الْآخِرَة خَيْر , لِأَنَّهَا بَاقِيَة , وَنَعِيمهَا بَاقٍ دَائِم . وَإِنَّمَا قِيلَ : وَالْآخِرَة خَيْر وَمَعْنَى الْكَلَام مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ نَعِيمهَا , لِدَلَالَةِ ذِكْر الْآخِرَة بِاَلَّذِي ذَكَرْت بِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَاد مِنْهُ

{ لِمَنْ اِتَّقَى } يَعْنِي : لِمَنْ اِتَّقَى اللَّه بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , فَأَطَاعَهُ فِي كُلّ ذَلِكَ .

{ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا } يَعْنِي : وَلَا يَنْقُصكُمْ اللَّه مِنْ أُجُور أَعْمَالكُمْ فَتِيلًا ; وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَتِيل فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا.
أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًاسورة النساء الآية رقم 78
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُمْ الْمَوْت وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَيْثُمَا تَكُونُوا يَنَلْكُمْ الْمَوْت فَتَمُوتُوا , { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } يَقُول : لَا تَجْزَعُوا مِنْ الْمَوْت وَلَا تَهْرُبُوا مِنْ الْقِتَال وَتَضْعُفُوا عَنْ لِقَاء عَدُوّكُمْ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْمَوْت , فَإِنَّ الْمَوْت بِإِزَائِكُمْ أَيْنَ كُنْتُمْ , وَوَاصِل إِلَى أَنْفُسكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ وَلَوْ تَحَصَّنْتُمْ مِنْهُ بِالْحُصُونِ الْمَنِيعَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : يُعْنَى بِهِ : قُصُور مُحَصَّنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7872 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } يَقُول : فِي قُصُور مُحَصَّنَة . 7873 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا أَبُو هَمَّام , قَالَ : ثنا كَثِير أَبُو الْفَضْل , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ فِيمَنْ قَبْلكُمْ اِمْرَأَة , وَكَانَ لَهَا أَجِير , فَوَلَدَتْ جَارِيَة فَقَالَتْ لِأَجِيرِهَا : اِقْتَبِسْ لَنَا نَارًا ! فَخَرَجَ فَوَجَدَ بِالْبَابِ رَجُلًا , فَقَالَ لَهُ الرَّجُل : مَا وَلَدَتْ هَذِهِ الْمَرْأَة ؟ قَالَ : جَارِيَة , قَالَ : أَمَا إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَة لَا تَمُوت حَتَّى تَبْغِي بِمِائَةٍ , وَيَتَزَوَّجهَا أَجِيرهَا , وَيَكُون مَوْتهَا بِالْعَنْكَبُوتِ . قَالَ : فَقَالَ الْأَجِير فِي نَفْسه : فَأَنَا أُرِيد هَذِهِ بَعْد أَنْ تَفْجُر بِمِائَةٍ . فَأَخَذَ شَفْرَة فَدَخَلَ , فَشَقَّ بَطْن الصَّبِيَّة . وَعُولِجَتْ فَبَرِئَتْ , فَشَبَّتْ , وَكَانَتْ تَبْغِي , فَأَتَتْ سَاحِلًا مِنْ سَوَاحِل الْبَحْر , فَأَقَامَتْ عَلَيْهِ تَبْغِي . وَلَبِثَ الرَّجُل مَا شَاءَ اللَّه , ثُمَّ قَدِمَ ذَلِكَ السَّاحِل وَمَعَهُ مَال كَثِير , فَقَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْل السَّاحِل : أَبْغِينِي اِمْرَأَة مِنْ أَجْمَل اِمْرَأَة فِي الْقَرْيَة أَتَزَوَّجهَا ! فَقَالَتْ : هَهُنَا اِمْرَأَة مِنْ أَجْمَل النَّاس , وَلَكِنَّهَا تَبْغِي . قَالَ : اِئْتِنِي بِهَا ! فَأَتَتْهَا فَقَالَتْ : قَدْ قَدِمَ رَجُل لَهُ مَال كَثِير , وَقَدْ قَالَ لِي كَذَا , فَقُلْت لَهُ كَذَا . فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ تَرَكْت الْبِغَاء , وَلَكِنْ إِنْ أَرَادَ تَزَوَّجْته . قَالَ : فَتَزَوَّجَهَا , فَوَقَعَتْ مِنْهُ مَوْقِعًا , فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عِنْدهَا , إِذْ أَخْبَرَهَا بِأَمْرِهِ , فَقَالَتْ : أَنَا تِلْكَ الْجَارِيَة - وَأَرَتْهُ الشَّقّ فِي بَطْنهَا - وَقَدْ كُنْت أَبْغِي , فَمَا أَدْرِي بِمِائَةٍ أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر ; قَالَ : فَإِنَّهُ قَالَ لِي : يَكُون مَوْتهَا بِالْعَنْكَبُوتِ . قَالَ : فَبَنَى لَهَا بُرْجًا بِالصَّحْرَاءِ وَشَيَّدَهُ . فَبَيْنَمَا هُمَا يَوْمًا فِي ذَلِكَ الْبُرْج , إِذَا عَنْكَبُوت فِي السَّقْف فَقَالَتْ : هَذَا يَقْتُلنِي ؟ لَا يَقْتُلهُ أَحَد غَيْرِي ! فَحَرَّكَتْهُ فَسَقَطَ , فَأَتَتْهُ فَوَضَعَتْ إِبْهَام رِجْلهَا عَلَيْهِ فَشَدَخَتْهُ , وَسَاحَ سُمّه بَيْن ظُفْرهَا وَاللَّحْم , فَاسْوَدَّتْ رِجْلهَا فَمَاتَتْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُمْ الْمَوْت وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } . 7874 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } قَالَ : قُصُور مُشَيَّدَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قُصُور بِأَعْيَانِهَا فِي السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7875 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُمْ الْمَوْت وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } وهِيَ قُصُور بِيض فِي سَمَاء الدُّنْيَا مَبْنِيَّة . 7876 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُمْ الْمَوْت وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوج مُشَيَّدَة } يَقُول : وَلَوْ كُنْتُمْ فِي قُصُور فِي السَّمَاء . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى الْمُشَيَّدَة , فَقَالَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة مِنْهُمْ : الْمُشَيَّدَة : الطَّوِيلَة . قَالَ : وَأَمَّا الْمَشِيد بِالتَّخْفِيفِ , فَإِنَّهُ الْمُزَيَّن . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ نَحْو ذَلِكَ الْقَوْل , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : الْمَشِيد بِالتَّخْفِيفِ : الْمَعْمُول بِالشِّيدِ , وَالشِّيد : الْجِصّ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة : الْمَشِيد وَالْمُشَيَّد أَصْلهمَا وَاحِد , غَيْر أَنَّ مَا شُدِّدَ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُشَدَّد لِتَرَدُّدِ الْفِعْل فِيهِ فِي جَمْع مِثْل قَوْلهمْ : هَذِهِ ثِيَاب مُصَبَّغَة , وَغَنَم مُذَبَّحَة , فَشُدِّدَ لِأَنَّهَا جَمْع يُفَرَّق فِيهَا الْفِعْل , وَكَذَلِكَ مِثْله قُصُور مُشَيَّدَة , لِأَنَّ الْقُصُور كَثِيرَة تَرَدَّدَ فِيهَا التَّشْيِيد , وَلِذَلِكَ قِيلَ : بُرُوج مُشَيَّدَة , وَمِنْهُ قَوْله : { وَغَلَّقَتْ الْأَبْوَاب } 12 23 وَكَمَا يُقَال : كَسَّرْت الْعُود : إِذَا جَعَلْتهُ قِطَعًا , أَيْ قِطْعَة بَعْد قِطْعَة . وَقَدْ يَجُوز فِي ذَلِكَ التَّخْفِيف , فَإِذَا أُفْرِدَ مِنْ ذَلِكَ الْوَاحِد , فَكَانَ الْفِعْل يَتَرَدَّد فِيهِ وَيَكْثُر تَرَدُّده فِي جَمْع مِنْهُ , جَازَ التَّشْدِيد عِنْدهمْ وَالتَّخْفِيف , فَيُقَال مِنْهُ : هَذَا ثَوْب مُخَرَّق وَجِلْد مُقَطَّع , لِتَرَدُّدِ الْفِعْل فِيهِ وَكَثْرَته بِالْقَطْعِ وَالْخَرْق . وَإِنْ كَانَ الْفِعْل لَا يَكْثُر فِيهِ وَلَا يَتَرَدَّد لَمْ يُجِيزُوهُ إِلَّا بِالتَّخْفِيفِ , وَذَلِكَ نَحْو قَوْلهمْ : رَأَيْت كَبْشًا مَذْبُوحًا , وَلَا يُجِيزُونَ فِيهِ " مُذَبَّحًا " , لِأَنَّ الذَّبْح لَا يَتَرَدَّد فِيهِ تَرَدُّد التَّخَرُّق فِي الثَّوْب . وَقَالُوا : فَلِهَذَا قِيلَ : قَصْر مَشِيد , لِأَنَّهُ وَاحِد , فَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلهمْ : كَبْش مَذْبُوح . وَقَالُوا : جَائِز فِي الْقَصْر أَنْ يُقَال قَصْر مُشَيَّد بِالتَّشْدِيدِ , لِتَرَدُّدِ الْبِنَاء فِيهِ وَالتَّشْيِيد , وَلَا يَجُوز ذَلِكَ فِي " كَبْش مَذْبُوح " لِمَا ذَكَرْنَا.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدك } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه } : وَإِنْ يَنَلْهُمْ رَخَاء وَظَفَر وَفَتْح وَيُصِيبُوا غَنِيمَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه وَمِنْ تَقْدِيره , وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة , يَقُول : وَإِنْ تَنَلْهُمْ شِدَّة مِنْ عَيْش وَهَزِيمَة مِنْ عَدُوّ وَجِرَاح وَأَلَم , يَقُولُوا لَك يَا مُحَمَّد : هَذِهِ مِنْ عِنْدك بِخَطَئِك التَّدْبِير . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ لِنَبِيِّهِ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7877 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد وَابْن أَبِي جَعْفَر قَالَا : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدك } قَالَ : هَذِهِ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة مِثْله . 7878 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدك } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا } 4 79 قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَات نَزَلَتْ فِي شَأْن الْحَرْب . فَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ فَانْفِرُوا ثُبَات أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا } 4 71 فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِهِ } مِنْ عِنْد مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , أَسَاءَ التَّدْبِير وَأَسَاءَ النَّظَر , مَا أَحْسَن التَّدْبِير وَلَا النَّظَر.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه } قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ حَسَنَة هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ سَيِّئَة هَذِهِ مِنْ عِنْدك : كُلّ ذَلِكَ مِنْ عِنْد اللَّه دُونِي وَدُون غَيْرِي , مِنْ عِنْده الرَّخَاء وَالشِّدَّة , وَمِنْهُ النَّصْر وَالظَّفَر , وَمِنْ عِنْده الْقَتْل وَالْهَزِيمَة. كَمَا : 7879 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه } النِّعَم وَالْمَصَائِب. 7880 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه } النَّصْر وَالْهَزِيمَة . 7881 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه فَمَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } يَقُول : الْحَسَنَة وَالسَّيِّئَة مِنْ عِنْد اللَّه , أَمَّا الْحَسَنَة فَأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْك , وَأَمَّا السَّيِّئَة فَابْتَلَاك بِهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم } فَمَا شَأْن هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدك , { لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } يَقُول : لَا يَكَادُونَ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة مَا تُخْبِرهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّ كُلّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ أَوْ ضَرّ وَشِدَّة أَوْ رَخَاء , فَمِنْ عِنْد اللَّه , لَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ غَيْره , وَلَا يُصِيب أَحَدًا سَيِّئَة إِلَّا بِتَقْدِيرِهِ , وَلَا يَنَال رَخَاء وَنِعْمَة إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ. وَهَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه عِبَاده أَنَّ مَفَاتِح الْأَشْيَاء كُلّهَا بِيَدِهِ , لَا يَمْلِك شَيْئًا مِنْهَا أَحَد غَيْره .
مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًاسورة النساء الآية رقم 79
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } مَا يُصِيبك يَا مُحَمَّد مِنْ رَخَاء وَنِعْمَة وَعَافِيَة وَسَلَامَة , فَمِنْ فَضْل اللَّه عَلَيْك يَتَفَضَّل بِهِ عَلَيْك إِحْسَانًا مِنْهُ إِلَيْك. وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } يَعْنِي : وَمَا أَصَابَك مِنْ شِدَّة وَمَشَقَّة وَأَذًى وَمَكْرُوه , فَمِنْ نَفْسك , يَعْنِي : بِذَنْبٍ اِسْتَوْجَبَتْهَا بِهِ اِكْتَسَبَتْهُ نَفْسك . كَمَا : 7882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } أَمَّا مِنْ نَفْسك , فَيَقُول : مِنْ ذَنْبك . 7883 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } عُقُوبَة يَا اِبْن آدَم بِذَنْبِك . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا يُصِيب رَجُلًا خَدْش عُود وَلَا عَثْرَة قَدَم وَلَا اِخْتِلَاج عِرْق إِلَّا بِذَنْبٍ , وَمَا يَعْفُو اللَّه أَكْثَر " . 7884 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } يَقُول : الْحَسَنَة : مَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ يَوْم بَدْر وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْغَنِيمَة وَالْفَتْح , وَالسَّيِّئَة : مَا أَصَابَهُ يَوْم أُحُد أَنْ شُجَّ فِي وَجْهه وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته . 7885 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } يَقُول : بِذَنْبِك . ثُمَّ قَالَ : { كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه } النِّعَم وَالْمُصِيبَات . 7886 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد وَابْن أَبِي جَعْفَر , قَالَا : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } قَالَ : هَذِهِ فِي الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة مِثْله . 7887 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } قَالَ : عُقُوبَة بِذَنْبِك . 7888 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } بِذَنْبِك , كَمَا قَالَ لِأَهْلِ أُحُد : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } 3 165 بِذُنُوبِكُمْ . 7889 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } قَالَ : بِذَنْبِك , وَأَنَا قَدَّرْتهَا عَلَيْك. * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة فَمِنْ اللَّه وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسك } وَأَنَا الَّذِي قَدَّرْتهَا عَلَيْك . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : حَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد عَنْ أَبِي صَالِح , بِمِثْلِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول " مِنْ " فِي قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة } و { مِنْ سَيِّئَة } ؟ قِيلَ : اِخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْل الْعَرَبِيَّة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُدْخِلَتْ " مِنْ " , لِأَنَّ " مِنْ " تَحْسُن مَعَ النَّفْي , مِثْل : مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد. قَالَ : وَدُخُول الْخَبَر بِالْفَاءِ لَازِمًا بِمَنْزِلَةِ " مَنْ " . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : أُدْخِلَتْ " مِنْ " مَعَ " مَا " , كَمَا تَدْخُل عَلَى " إِنْ " فِي الْجَزَاء لِأَنَّهُمَا حَرْفَا جَزَاء , وَكَذَلِكَ تَدْخُل مَعَ " مَنْ " إِذَا كَانَتْ جَزَاء , فَتَقُول الْعَرَب : مَنْ يَزُرْك مِنْ أَحَد فَتُكْرِمهُ , كَمَا تَقُول : إِنْ يَزُرْك مِنْ أَحَد فَتُكْرِمهُ . قَالَ : وَأَدْخَلُوهَا مَعَ " مَا " و " مَنْ " , لِيُعْلَم بِدُخُولِهَا مَعَهُمَا أَنَّهُمَا جَزَاء . قَالُوا : وَإِذَا دَخَلَتْ مَعَهُمَا لَمْ تُحْذَف , لِأَنَّهَا إِذَا حُذِفَتْ صَارَ الْفِعْل رَافِعًا شَيْئَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّ " مَا " فِي قَوْله : { مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَة } رُفِعَ بِقَوْلِهِ : { أَصَابَك } فَلَوْ حُذِفَتْ " مِنْ " رَفَعَ قَوْله : { أَصَابَك } السَّيِّئَة , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : إِنْ تُصِبْك سَيِّئَة , فَلَمْ يَجُزْ حَذْف " مِنْ " لِذَلِكَ , لِأَنَّ الْفِعْل الَّذِي هُوَ عَلَى فَعَلَ أَوْ يَفْعَل لَا يَرْفَع شَيْئَيْنِ , وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ " مَنْ " , لِأَنَّهَا تَشْتَبِه بِالصِّفَاتِ , وَهِيَ فِي مَوْضِع اِسْم , فَأَمَّا " إِنْ " , فَإِنَّ " مِنْ " تَدْخُل مَعَهَا وَتَخْرُج , وَلَا تَخْرُج مَعَ " أَيّ " لِأَنَّهَا تُعْرَب فَيَبِين فِيهَا الْإِعْرَاب , وَدَخَلَتْ مَعَ " مَا " لِأَنَّ الْإِعْرَاب لَا يَظْهَر فِيهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا } : إِنَّمَا جَعَلْنَاك يَا مُحَمَّد رَسُولًا بَيْننَا وَبَيْن الْخَلْق تُبَلِّغهُمْ مَا أَرْسَلْنَاك بِهِ مِنْ رِسَالَة , وَلَيْسَ عَلَيْك غَيْر الْبَلَاغ وَأَدَاء الرِّسَالَة إِلَى مَنْ أُرْسِلْت , فَإِنْ قَبِلُوا مَا أُرْسِلْت بِهِ فَلِأَنْفُسِهِمْ , وَإِنْ رَدُّوا فَعَلَيْهَا .

{ وَكَفَى بِاَللَّهِ } عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ { شَهِيدًا } يَقُول : حَسْبك اللَّه تَعَالَى ذِكْره شَاهِدًا عَلَيْك فِي بَلَاغك مَا أَمَرْتُك بِبَلَاغِهِ مِنْ رِسَالَته وَوَحْيه , وَعَلَى مَنْ أُرْسِلْت إِلَيْهِ فِي قَبُولهمْ مِنْك مَا أُرْسِلْت بِهِ إِلَيْهِمْ , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْرك وَأَمْرهمْ , وَهُوَ مُجَازِيك بِبَلَاغِك مَا وَعَدَك , وَمُجَازِيهمْ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْر وَشَرّ جَزَاء الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ.
مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًاسورة النساء الآية رقم 80
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } وَهَذَا إِعْذَار مِنْ اللَّه إِلَى خَلْقه فِي نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : مَنْ يُطِعْ مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس مُحَمَّدًا , فَقَدْ أَطَاعَنِي بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ , فَاسْمَعُوا قَوْله , وَأَطِيعُوا أَمْره , فَإِنَّهُ مَهْمَا يَأْمُركُمْ بِهِ مِنْ شَيْء فَمِنْ أَمْرِي يَأْمُركُمْ , وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ شَيْء فَمِنْ نَهْيِي , فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدكُمْ : إِنَّمَا مُحَمَّد بَشَر مِثْلنَا يُرِيد أَنْ يَتَفَضَّل عَلَيْنَا ! ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ : وَمَنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَتك يَا مُحَمَّد , فَأَعْرِض عَنْهُ , فَإِنَّا لَمْ نُرْسِلك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا , يَعْنِي حَافِظًا لِمَا يَعْمَلُونَ مُحَاسِبًا , بَلْ إِنَّمَا أَرْسَلْنَاك لِتُبَيِّنَ لَهُمْ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ , وَكَفَى بِنَا حَافِظِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ عَلَيْهَا مُحَاسِبِينَ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيمَا ذُكِرَ قَبْل أَنْ يُؤْمَر بِالْجِهَادِ. كَمَا : 7890 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت اِبْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } قَالَ : هَذَا أَوَّل مَا بَعَثَهُ , قَالَ : { إِنْ عَلَيْك إِلَّا الْبَلَاغ } 42 48 قَالَ : ثُمَّ جَاءَ بَعْد هَذَا يَأْمُرهُ بِجِهَادِهِمْ وَالْغِلْظَة حَتَّى يُسْلِمُوا .
وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاًسورة النساء الآية رقم 81
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول وَاَللَّه يَكْتُب مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيَقُولُونَ طَاعَة } يَعْنِي : الْفَرِيق الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال , خَشُوا النَّاس كَخَشْيَةِ اللَّه وَأَشَدّ خَشْيَة , يَقُولُونَ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ : أَمْرك طَاعَة , وَلَك مِنَّا طَاعَة فِيمَا تَأْمُرنَا بِهِ وَتَنْهَانَا عَنْهُ ! { فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك } يَقُول : فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدك يَا مُحَمَّد { بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : غَيَّرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَيْلًا الَّذِي تَقُول لَهُمْ . وَكُلّ عَمَل عُمِلَ لَيْلًا فَقَدْ بُيِّتَ , وَمِنْ ذَلِكَ بَيَّتَ الْعَدُوّ وَهُوَ الْوُقُوع بِهِمْ لَيْلًا , وَمِنْهُ قَوْل عُبَيْدَة بْن هَمَّام : أَتَوْنِي فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا وَكَانُوا أَتَوْنِي بِشَيْءٍ نُكُر لِأُنْكِح أَيِّمهمْ مُنْذِرًا وَهَلْ يُنْكِح الْعَبْد حُرّ لِحُرّ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا لَيْلًا " : أَيْ مَا أَبْرَمُوهُ لَيْلًا وَعَزَمُوا عَلَيْهِ . وَمِنْهُ قَوْل النَّمِر بْن تَوْلَب الْعُكْلِيّ : هَبَّتْ لِتَعْذُلنِي بِلَيْلٍ اسْمَعِ ! سَفَهًا تُبَيِّتُك الْمَلَامَة فَاهْجَعِي يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه يَكْتُب مَا يُبَيِّتُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه يَكْتُب مَا يُغَيِّرُونَ مِنْ قَوْلك لَيْلًا فِي كُتُب أَعْمَالهمْ الَّتِي تَكْتُبهَا حَفَظَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7891 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } قَالَ : يُغَيِّرُونَ مَا عَهِدَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 7892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } قَالَ : غَيَّرَ أُولَئِكَ مَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 7893 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } قَالَ : غَيَّرَ أُولَئِكَ مَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول وَاَللَّه يَكْتُب مَا يُبَيِّتُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِذَا حَضَرُوا النُّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ قَالُوا : طَاعَة , فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْده غَيَّرَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَا يَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَاَللَّه يَكْتُب مَا يُبَيِّتُونَ } يَقُول : مَا يَقُولُونَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } قَالَ : يُغَيِّرُونَ مَا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 7894 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَيَقُولُونَ طَاعَة فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } وَهُمْ نَاس كَانُوا يَقُولُونَ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَرَسُوله لِيَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ , فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفُوا إِلَى غَيْر مَا قَالُوا عِنْده ; فَعَابَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } يَقُول : يُغَيِّرُونَ مَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 7895 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول } : هُمْ أَهْل النِّفَاق. وَأَمَّا رَفْع " طَاعَة " فَإِنَّهُ بِالْمَتْرُوكِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر مِنْ الْقَوْل , وَهُوَ : أَمْرك طَاعَة , أَوْ مِنَّا طَاعَة . وَأَمَّا قَوْله : { بَيَّتَ طَائِفَة } فَإِنَّ التَّاء مِنْ بَيَّتَ تُحَرِّكهَا بِالْفَتْحِ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْعِرَاق وَسَائِر الْقُرَّاء , لِأَنَّهَا لَام فِعْل . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء الْعِرَاق يُسَكِّنهَا ثُمَّ يُدْغِمهَا فِي الطَّاء لِمُقَارَبَتِهَا فِي الْمَخْرَج . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ , تَرْك الْإِدْغَام , لِأَنَّهَا - أَعْنِي التَّاء وَالطَّاء - مِنْ حَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ; وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ تَرْك الْإِدْغَام أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ عِنْد الْعَرَب , وَاللُّغَة الْأُخْرَى جَائِزَة - أَعْنِي الْإِدْغَام فِي ذَلِكَ - مَحْكِيَّة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاَللَّهِ وَكِيلًا } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَعْرِضْ يَا مُحَمَّد عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَك فِيمَا تَأْمُرهُمْ : أَمْرك طَاعَة , فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدك خَالَفُوا مَا أَمَرْتهمْ بِهِ وَغَيَّرُوهُ إِلَى مَا نَهَيْتهمْ عَنْهُ , وَخَلِّهِمْ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة , وَارْضَ لَهُمْ بِي مُنْتَقِمًا مِنْهُمْ , وَتَوَكَّلْ أَنْتَ يَا مُحَمَّد عَلَى اللَّه. يَقُول : أَيْ وَحَسْبك بِاَللَّهِ وَكِيلًا : أَيْ فِيمَا يَأْمُرك , وَوَلِيًّا لَهَا , وَدَافِعًا عَنْك وَنَاصِرًا .
أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًاسورة النساء الآية رقم 82
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن } أَفَلَا يَتَدَبَّر الْمُبَيِّتُونَ غَيْر الَّذِي تَقُول لَهُمْ يَا مُحَمَّد كِتَاب اللَّه , فَيَعْلَمُوا حُجَّة اللَّه عَلَيْهِمْ فِي طَاعَتك وَاتِّبَاع أَمْرك , وَأَنَّ الَّذِي أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ التَّنْزِيل مِنْ عِنْد رَبّهمْ , لِاتِّسَاقِ مَعَانِيه وَائْتِلَاف أَحْكَامه وَتَأْيِيد بَعْضه بَعْضًا بِالتَّصْدِيقِ , وَشَهَادَة بَعْضه لِبَعْضٍ بِالتَّحْقِيقِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَاخْتَلَفَتْ أَحْكَامه وَتَنَاقَضَتْ مَعَانِيه وَأَبَانَ بَعْضه عَنْ فَسَاد بَعْض . كَمَا : 7896 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا } أَيْ قَوْل اللَّه لَا يَخْتَلِف , وَهُوَ حَقّ لَيْسَ فِيهِ بَاطِل , وَإِنَّ قَوْل النَّاس يَخْتَلِف. 7897 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : إِنَّ الْقُرْآن لَا يُكَذِّب بَعْضه بَعْضًا , وَلَا يَنْقُض بَعْضه بَعْضًا , مَا جَهِلَ النَّاس مِنْ أَمْره فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَقْصِير عُقُولهمْ وَجَهَالَتهمْ . وَقَرَأَ : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا } قَالَ : فَحَقّ عَلَى الْمُؤْمِن أَنْ يَقُول : كُلّ مِنْ عِنْد اللَّه , وَيُؤْمِن بِالْمُتَشَابِهِ , وَلَا يَضْرِب بَعْضه بِبَعْضٍ ; وَإِذَا جَهِلَ أَمْرًا وَلَمْ يَعْرِف أَنْ يَقُول : الَّذِي قَالَ اللَّه حَقّ , وَيَعْرِف أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَقُلْ قَوْلًا وَيَنْقُضهُ , يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمِن بِحَقِّيَّةِ مَا جَاءَ مِنْ اللَّه . 7898 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن } قَالَ : يَتَدَبَّرُونَ النَّظَر فِيهِ .
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاًسورة النساء الآية رقم 83
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } وَإِذَا جَاءَ هَذِهِ الطَّائِفَة الْمُبَيِّتَة غَيْر الَّذِي يَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْر مِنْ الْأَمْن . فَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { وَإِذَا جَاءَهُمْ } مِنْ ذِكْر الطَّائِفَة الْمُبَيِّتَة . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِذَا جَاءَهُمْ خَبَر عَنْ سَرِيَّة لِلْمُسْلِمِينَ غَازِيَة بِأَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا مِنْ عَدُوّهُمْ بِغَلَبَتِهِمْ إِيَّاهُمْ { أَوْ الْخَوْف } يَقُول : أَوْ تَخَوُّفهمْ مِنْ عَدُوّهُمْ بِإِصَابَةِ عَدُوّهُمْ مِنْهُمْ { أَذَاعُوا بِهِ } يَقُول : أَفْشَوْهُ وَبَثُّوهُ فِي النَّاس قَبْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبْل أُمَرَاء سَرَايَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْهَاء فِي قَوْله : { أَذَاعُوا بِهِ } مِنْ ذِكْر الْأَمْر وَتَأْوِيله : أَذَاعُوا بِالْأَمْرِ مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف الَّذِي جَاءَهُمْ , يُقَال مِنْهُ أَذَاعَ فُلَان بِهَذَا الْخَبَر وَأَذَاعَهُ , وَمِنْهُ قَوْل أَبِي الْأَسْوَد : أَذَاعَ بِهِ فِي النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُ بِعَلْيَاء نَار أُوقِدَتْ بِثَقُوبِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7899 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } يَقُول : سَارَعُوا بِهِ وَأَفْشَوْهُ. 7900 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } يَقُول : إِذَا جَاءَهُمْ أَمْر أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا مِنْ عَدُوّهُمْ , أَوْ أَنَّهُمْ خَائِفُونَ مِنْهُمْ , أَذَاعُوا بِالْحَدِيثِ حَتَّى يَبْلُغ عَدُوّهُمْ أَمْرهمْ . 7901 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } يَقُول : أَفْشَوْهُ وَشَنَّعُوا بِهِ . 7902 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } قَالَ : هَذَا فِي الْأَخْبَار إِذَا غَزَتْ سَرِيَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ خُبِّرَ النَّاس عَنْهَا , فَقَالُوا : أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَدُوّهُمْ كَذَا وَكَذَا , وَأَصَابَ الْعَدُوّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَذَا وَكَذَا . فَأَفْشَوْهُ بَيْنهمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُخْبِرهُمْ بِهِ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله { أَذَاعُوا بِهِ } قَالَ : أَعْلَنُوهُ وَأَفْشَوْهُ . 7903 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَذَاعُوا بِهِ } قَالَ : نَشَرُوهُ. قَالَ : وَاَلَّذِينَ أَذَاعُوا بِهِ قَوْم , إِمَّا مُنَافِقُونَ , وَإِمَّا آخَرُونَ ضُعَفَاء . 7904 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَفْشَوْهُ وَشَنَّعُوا بِهِ , وَهُمْ أَهْل النِّفَاق .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : وَلَوْ رَدُّوهُ : الْأَمْر الَّذِي نَالَهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ وَالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِلَى أُولِي أَمْرهمْ , يَعْنِي : وَإِلَى أُمَرَائِهِمْ , وَسَكَتُوا فَلَمْ يُذِيعُوا مَا جَاءَهُمْ مِنْ الْخَبَر , حَتَّى يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ذَوُو أَمْرهمْ هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَبَر عَنْ ذَلِكَ , بَعْد أَنْ ثَبَتَتْ عِنْدهمْ صِحَّته أَوْ بِطُولِهِ , فَيُصَحِّحُوهُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا , أَوْ يُبْطِلُوهُ إِنْ كَانَ بَاطِلًا . { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } يَقُول : لِعِلْمِ حَقِيقَة ذَلِكَ الْخَبَر الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْهُ , وَيَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْهُمْ , يَعْنِي : أُولِي الْأَمْر . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { مِنْهُمْ } مِنْ ذِكْر أُولِي الْأَمْر. يَقُول : لِعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ أُولِي الْأَمْر مَنْ يَسْتَنْبِطهُ . وَكُلّ مُسْتَخْرِج شَيْئًا كَانَ مُسْتَتِرًا عَنْ أَبْصَار الْعُيُون أَوْ عَنْ مَعَارِف الْقُلُوب , فَهُوَ لَهُ مُسْتَنْبِط , يُقَال : اِسْتَنْبَطْت الرَّكِيَّة : إِذَا اِسْتَخْرَجْت مَاءَهَا , وَنَبَطْتهَا أَنْبِطهَا , وَالنَّبَط : الْمَاء الْمُسْتَنْبَط مِنْ الْأَرْض , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : قَرِيب ثَرَاهُ مَا يَنَال عَدُوّهُ لَهُ نَبَطًا آبِي الْهَوَان قَطُوب يَعْنِي بِالنَّبَطِ : الْمَاء الْمُسْتَنْبَط . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7905 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ } يَقُول : وَلَوْ سَكَتُوا وَرَدُّوا الْحَدِيث إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أُولِي أَمْرهمْ حَتَّى يَتَكَلَّم هُوَ بِهِ , { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ } يَعْنِي عَنْ الْأَخْبَار , وَهُمْ الَّذِينَ يُنَقِّرُونَ عَنْ الْأَخْبَار. 7906 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ } يَقُول : إِلَى عُلَمَائِهِمْ , { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَفْحَصُونَ عَنْهُ , وَيُهِمّهُمْ ذَلِكَ . 7907 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول } حَتَّى يَكُون هُوَ الَّذِي يُخْبِرهُمْ , { وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ } : أُولِي الْفِقْه فِي الدِّين وَالْعَقْل . 7908 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } : يَتَتَبَّعُونَهُ وَيَتَحَسَّسُونَهُ. 7909 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } قَالَ : الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْهُ وَيَتَحَسَّسُونَهُ . 7910 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَسْتَنْبِطُونَهُ } قَالَ : قَوْلهمْ : مَا كَانَ ؟ مَاذَا سَمِعْتُمْ ؟ * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ } قَالَ : يَتَحَسَّسُونَهُ. 7911 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } يَقُول : لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَتَحَسَّسُونَهُ مِنْهُمْ. 7912 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } قَالَ : يَتَتَبَّعُونَهُ . 7913 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } . .. حَتَّى بَلَغَ : { وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ } قَالَ : الْوُلَاة الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْحَرْب عَلَيْهِمْ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فَيَنْظُرُونَ لِمَا جَاءَهُمْ مِنْ الْخَبَر أَصِدْق أَمْ كَذِب ؟ أَبَاطِل فَيُبْطِلُونَهُ , أَوْ حَقّ فَيُحِقُّونَهُ ؟ قَالَ : وَهَذَا فِي الْحَرْب , وَقَرَأَ : { أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ } فَعَلُوا غَيْر هَذَا و { رَدُّوهُ } إِلَى اللَّه و { إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ } . .. الْآيَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَوْلَا إِنْعَام اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِفَضْلِهِ وَتَوْفِيقه وَرَحْمَته , فَأَنْقَذَكُمْ مِمَّا اِبْتَلَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِهِ , الَّذِينَ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ : طَاعَة , فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْده بَيَّتَ طَائِفَة مِنْهُمْ غَيْر الَّذِي تَقُول , لَكُنْتُمْ مِثْلهمْ , فَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا , كَمَا اِتَّبَعَهُ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . وَخَاطَبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان } الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ فَانْفِرُوا ثُبَات أَوْ اِنْفِرُوا جَمِيعًا } 4 71 . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَلِيل الَّذِي اِسْتَثْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , مَنْ هُمْ , وَمِنْ أَيّ شَيْء مِنْ الصِّفَات اِسْتَثْنَاهُمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْمُسْتَنْبِطُونَ مِنْ أُولِي الْأَمْر , اِسْتَثْنَاهُمْ مِنْ قَوْله : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } وَنَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَعْلَمُوا بِالِاسْتِنْبَاطِ مَا يَعْلَم بِهِ غَيْرهمْ مِنْ الْمُسْتَنْبِطِينَ مِنْ الْخَبَر الْوَارِد عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7914 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : إِنَّمَا هُوَ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ , إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان. 7915 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا } يَقُول : لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان كُلّكُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا } فَهُوَ كَقَوْلِهِ : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } إِلَّا قَلِيلًا. * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك قِرَاءَة عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : يَقُول : لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان كُلّكُمْ ; وَأَمَّا { إِلَّا قَلِيلًا } فَهُوَ كَقَوْلِهِ : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ . .. إِلَّا قَلِيلًا } . 7916 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج نَحْوه , يَعْنِي نَحْو قَوْل قَتَادَة , وَقَالَ : لَعَلِمُوهُ إِلَّا قَلِيلًا. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ الطَّائِفَة الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَة , فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْده بَيَّتُوا غَيْر الَّذِي قَالُوا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ , إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7917 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان } فَانْقَطَعَ الْكَلَام , وَقَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا } فَهُوَ فِي أَوَّل الْآيَة يُخْبِر عَنْ الْمُنَافِقِينَ , قَالَ : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ } إِلَّا قَلِيلًا , يَعْنِي بِالْقَلِيلِ الْمُؤْمِنِينَ , يَقُول الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَاب عَدْلًا قَيِّمًا , وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا . 7918 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : هَذِهِ الْآيَة مُقَدَّمَة وَمُؤَخَّرَة , إِنَّمَا هِيَ : أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَمْ يَنْجُ قَلِيل وَلَا كَثِير . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ اِسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان } وَقَالُوا : الَّذِينَ اسْتُثْنُوا هُمْ قَوْم لَمْ يَكُونُوا هَمُّوا بِمَا كَانَ الْآخَرُونَ هَمُّوا بِهِ مِنْ اِتِّبَاع الشَّيْطَان , فَعَرَفَ اللَّه الَّذِينَ أَنْقَذَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَوْقِع نِعْمَته مِنْهُمْ , وَاسْتَثْنَى الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْآخَرِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7919 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَانُوا حَدَّثُوا أَنْفُسهمْ بِأُمُورٍ مِنْ أُمُور الشَّيْطَان , إِلَّا طَائِفَة مِنْهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان جَمِيعًا . قَالُوا : وَقَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا } خَرَجَ مَخْرَج الِاسْتِثْنَاء فِي اللَّفْظ , وَهُوَ دَلِيل عَلَى الْجَمِيع وَالْإِحَاطَة , وَأَنَّهُ لَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَحْمَته لَمْ يَنْجُ أَحَد مِنْ الضَّلَالَة , فَجَعَلَ قَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا } دَلِيلًا عَلَى الْإِحَاطَة . وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الطِّرِمَّاح بْن حَكِيم فِي مَدْح يَزِيد بْن الْمُهَلَّب : أَشَمّ كَثِير يَدِيّ النَّوَال قَلِيل الْمَثَالِب وَالْقَادِحَهْ قَالُوا : فَظَاهِر هَذَا الْقَوْل وَصْف الْمَمْدُوح بِأَنَّ فِيهِ الْمَثَالِب وَالْمَعَايِب , وَمَعْلُوم أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَا مَثَالِب فِيهِ وَلَا مَعَايِب ; لِأَنَّ مَنْ وَصَفَ رَجُلًا بِأَنَّ فِيهِ مَعَايِب وَإِنْ وَصَفَ الَّذِي فِيهِ الْمَعَايِب بِالْقِلَّةِ , فَإِنَّمَا ذَمَّهُ وَلَمْ يَمْدَحهُ , وَلَكِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ نَفْي جَمِيع الْمَعَايِب عَنْهُ. قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان إِلَّا قَلِيلًا } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَاتَّبَعْتُمْ جَمِيعكُمْ الشَّيْطَان. وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِاسْتِثْنَاءِ الْقَلِيل مِنْ الْإِذَاعَة ; وَقَالَ : مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قَلِيلًا , وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَوْل فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَد الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَا , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل : { لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان } لِأَنَّ مَنْ تَفَضَّلَ اللَّه عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَته فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ تُبَّاع الشَّيْطَان , وَغَيْر جَائِز أَنْ نَحْمِل مَعَانِيَ كِتَاب اللَّه عَلَى غَيْر الْأَغْلَب الْمَفْهُوم بِالظَّاهِرِ مِنْ الْخِطَاب فِي كَلَام الْعَرَب , وَلَنَا إِلَى حَمْل ذَلِكَ عَلَى الْأَغْلَب مِنْ كَلَام الْعَرَب سَبِيل فَنُوَجِّههُ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَجَّهَهُ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَان جَمِيعًا , ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ قَوْله : { إِلَّا قَلِيلًا } دَلِيل عَلَى الْإِحَاطَة بِالْجَمِيعِ . هَذَا مَعَ خُرُوجه مِنْ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل لَا وَجْه لَهُ , وَكَذَلِكَ لَا وَجْه لِتَوْجِيهِ ذَلِكَ إِلَى الِاسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } لِأَنَّ عِلْم ذَلِكَ إِذَا رُدَّ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الْأَمْر مِنْهُمْ , فَبَيَّنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُولُو الْأَمْر مِنْهُمْ بَعْد وُضُوحه لَهُمْ , اِسْتَوَى فِي عِلْم ذَلِكَ كُلّ مُسْتَنْبِط حَقِيقَة , فَلَا وَجْه لِاسْتِثْنَاءِ بَعْض الْمُسْتَنْبِطِينَ مِنْهُمْ وَخُصُوص بَعْضهمْ بِعِلْمِهِ مَعَ اِسْتِوَاء جَمِيعهمْ فِي عِلْمه . وَإِذْ كَانَ لَا قَوْل فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا قُلْنَا , وَدَخَلَ هَذِهِ الْأَقْوَال الثَّلَاثَة مَا بَيَّنَّا مِنْ الْخَلَل , فَبُيِّنَ أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ هُوَ الرَّابِع , وَهُوَ الْقَوْل الَّذِي قَضَيْنَا لَهُ بِالصَّوَابِ مِنْ الِاسْتِثْنَاء مِنْ الْإِذَاعَة.
فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاًسورة النساء الآية رقم 84
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه لَا تُكَلَّف إِلَّا نَفْسك } : فَجَاهِد يَا مُحَمَّد أَعْدَاء اللَّه مِنْ أَهْل الشِّرْك بِهِ فِي سَبِيل اللَّه , يَعْنِي : فِي دِينه الَّذِي شَرَعَهُ لَك , وَهُوَ الْإِسْلَام , وَقَاتِلهمْ فِيهِ بِنَفْسِك .

فَأَمَّا قَوْله : { لَا تُكَلَّف إِلَّا نَفْسك } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَا يُكَلِّفك اللَّه فِيمَا فَرَضَ عَلَيْك مِنْ جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّك , إِلَّا مَا حَمَلَك مِنْ ذَلِكَ دُون مَا حَمَلَ غَيْرك مِنْهُ : أَيْ إِنَّك إِنَّمَا تُتَّبَع بِمَا اِكْتَسَبْته دُون مَا اِكْتَسَبَهُ غَيْرك , وَإِنَّمَا عَلَيْك مَا كُلِّفْته دُون مَا كُلِّفَهُ غَيْرك .

ثُمَّ قَالَ لَهُ : { وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي : وَحُضَّهُمْ عَلَى قِتَال مَنْ أَمَرْتُك بِقِتَالِهِمْ مَعَك .

{ عَسَى اللَّه أَنْ يَكُفّ بَأْس الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول : لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَكُفّ قِتَال مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَجَحَدَ وَحْدَانِيّته , وَأَنْكَرَ رِسَالَتك عَنْك وَعَنْهُمْ وَنِكَايَتهمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ " عَسَى " مِنْ اللَّه وَاجِبَة بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

{ وَاَللَّه أَشَدّ بَأْسًا وَأَشَدّ تَنْكِيلًا } يَقُول : وَاَللَّه أَشَدّ نِكَايَة فِي عَدُوّهُ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْهُمْ فِيك يَا مُحَمَّد وَفِي أَصْحَابك , فَلَا تَنْكُلَنَّ عَنْ قِتَالهمْ , فَإِنِّي رَاصِدهمْ بِالْبَأْسِ وَالنِّكَايَة وَالتَّنْكِيل وَالْعُقُوبَة , لِأُوهِن كَيْدهمْ وَأُضْعِف بَأْسهمْ وَأُعْلِيَ الْحَقّ عَلَيْهِمْ. وَالتَّنْكِيل مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَكَّلْت بِفُلَانٍ , فَأَنَا أُنَكِّل بِهِ تَنْكِيلًا : إِذَا أَوْجَعْته عُقُوبَة . كَمَا : 7920 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَشَدّ تَنْكِيلًا } : أَيْ عُقُوبَة .
مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًاسورة النساء الآية رقم 85
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَع شَفَاعَة سَيِّئَة يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا } مَنْ يَصِرْ يَا مُحَمَّد شَفْعًا لِوِتْرِ أَصْحَابك , فَيَشْفَعهُمْ فِي جِهَاد عَدُوّهُمْ وَقِتَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه ; وَهُوَ الشَّفَاعَة الْحَسَنَة { يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا } يَقُولهُ : يَكُنْ لَهُ مِنْ شَفَاعَته تِلْكَ نَصِيب , وَهُوَ الْحَظّ مِنْ ثَوَاب اللَّه , وَجَزِيل كَرَامَته . { وَمَنْ يَشْفَع شَفَاعَة سَيِّئَة } يَقُول : وَمَنْ يَشْفَع وِتْر أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَيُقَاتِلهُمْ مَعَهُمْ , وَذَلِكَ هُوَ الشَّفَاعَة السَّيِّئَة { يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا } يَعْنِي بِالْكِفْلِ النَّصِيب وَالْحَظّ مِنْ الْوِزْر وَالْإِثْم . وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ كِفْل الْبَعِير وَالْمَرْكَب , وَهُوَ الْكِسَاء أَوْ الشَّيْء يُهَيَّأ عَلَيْهِ شَبِيه بِالسَّرْجِ عَلَى الدَّابَّة , يُقَال مِنْهُ : جَاءَ فُلَان مُكْتَفِلًا : إِذَا جَاءَ عَلَى مَرْكَب قَدْ وُطِّئَ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لِرُكُوبِهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا } . .. الْآيَة , شَفَاعَة النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَغَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا , ثُمَّ عَمَّ بِذَلِكَ كُلّ شَافِع بِخَيْرٍ أَوْ شَرّ . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا مَا قُلْنَا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي سِيَاق الْآيَة الَّتِي أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِحَضِّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال , فَكَانَ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ لِمَنْ أَجَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْوَعِيد لِمَنْ أَبَى إِجَابَته أَشْبَهَ مِنْهُ مِنْ الْحَثّ عَلَى شَفَاعَة النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ الَّتِي لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر قَبْل وَلَا لَهَا ذِكْر بَعْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي شَفَاعَة النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : 7921 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَع شَفَاعَة سَيِّئَة } قَالَ : شَفَاعَة بَعْض النَّاس لِبَعْضٍ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 7922 - حُدِّثْت عَنْ اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرَانِ , وَلِأَنَّ اللَّه يَقُول : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا } وَلَمْ يَقُلْ : يُشَفَّع . 7923 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة كُتِبَ لَهُ أَجْرهَا مَا جَرَتْ مَنْفَعَتهَا. 7924 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سُئِلَ اِبْن زَيْد , عَنْ قَوْل اللَّه : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا } قَالَ : الشَّفَاعَة الصَّالِحَة الَّتِي يَشْفَع فِيهَا وَعَمِلَ بِهَا هِيَ بَيْنك وَبَيْنه هُمَا فِيهَا شَرِيكَانِ . { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة سَيِّئَة يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا } قَالَ : هُمَا شَرِيكَانِ فِيهَا كَمَا كَانَ أَهْلهَا شَرِيكَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ الْكِفْل النَّصِيب : 7925 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة حَسَنَة يَكُنْ لَهُ نَصِيب مِنْهَا } : أَيْ حَظّ مِنْهَا . { مَنْ يَشْفَع شَفَاعَة سَيِّئَة يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا } وَالْكِفْل : هُوَ الْإِثْم . 7926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا } أَمَّا الْكِفْل : فَالْحَظّ . 7927 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { يَكُنْ لَهُ كِفْل مِنْهَا } قَالَ : حَظّ مِنْهَا , فَبِئْسَ الْحَظّ . 7928 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْكِفْل وَالنَّصِيب وَاحِد . وَقَرَأَ : { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَته } 57 28

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء حَفِيظًا وَشَهِيدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7929 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } يَقُول : حَفِيظًا. 7930 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مُقِيتًا } شَهِيدًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل اِسْمه مُجَاهِد , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 7931 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { مُقِيتًا } قَالَ : شَهِيدًا , حَسِيبًا , حَفِيظًا. 7932 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عُثْمَان بْن حَكِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن شَرِيك , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد أَبِي الْحَجَّاج : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } قَالَ : الْمُقِيت : الْحَسِيب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : الْقَائِم عَلَى كُلّ شَيْء بِالتَّدْبِيرِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7933 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } قَالَ : الْمُقِيت : الْوَاصِب . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْقَدِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7934 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } أَمَّا الْمُقِيت : فَالْقَدِير. 7935 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء مُقِيتًا } قَالَ : عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرًا. الْمُقِيت : الْقَدِير . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْمُقِيت : الْقَدِير , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يُذْكَر كَذَلِكَ بِلُغَةِ قُرَيْش , وَيُنْشَد لِلزُّبَيْرِ بْن عَبْد الْمُطَّلِب عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَذِي ضِغْن كَفَفْت النَّفْس عَنْهُ وَكُنْت عَلَى مَسَاءَته مُقِيتَا أَيْ قَدِيرًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّع مَنْ يُقِيت " فِي رِوَايَة مَنْ رَوَاهَا : " يُقِيت " : يَعْنِي مَنْ هُوَ تَحْت يَدَيْهِ فِي سُلْطَانه مِنْ أَهْله وَعِيَاله , فَيُقَدِّر لَهُ قُوته . يُقَال مِنْهُ : أَقَاتَ فُلَان الشَّيْء يُقِيته إِقَاتَة , وَقَاتَهُ يَقُوتهُ قِيَاتَة وَقَوْتًا , وَالْقُوت الِاسْم . وَأَمَّا الْمُقِيت فِي بَيْت الْيَهُودِيّ الَّذِي يَقُول فِيهِ : لَيْتَ شِعْرِي وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا قَرَّبُوهَا مَنْشُورَة وَدُعِيت أَلِيَ الْفَضْل أَمْ عَلَيَّ إِذَا حُو سِبْت إِنِّي عَلَى الْحِسَاب مُقِيت فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنِّي عَلَى الْحِسَاب مَوْقُوف , وَهُوَ مِنْ غَيْر هَذَا الْمَعْنَى .
وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًاسورة النساء الآية رقم 86
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ } : إِذَا دُعِيَ لَكُمْ بِطُولِ الْحَيَاة وَالْبَقَاء وَالسَّلَامَة . { فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } يَقُول : فَادْعُوا لِمَنْ دَعَا لَكُمْ بِذَلِكَ بِأَحْسَن مِمَّا دَعَا لَكُمْ , { أَوْ رُدُّوهَا } يَقُول : أَوْ رُدُّوا التَّحِيَّة. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة التَّحِيَّة الَّتِي هِيَ أَحْسَن مِمَّا حَيَّا بِهِ الْمُحَيِّي , وَاَلَّتِي هِيَ مِثْلهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّتِي هِيَ أَحْسَن مِنْهَا أَنْ يَقُول الْمُسْلِم عَلَيْهِ إِذَا قِيلَ : " السَّلَام عَلَيْكُمْ " : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه , وَيَزِيد عَلَى دُعَاء الدَّاعِي لَهُ ; وَالرَّدّ أَنْ يَقُول : السَّلَام عَلَيْكُمْ مِثْلهَا , كَمَا قِيلَ لَهُ , أَوْ يَقُول : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام , فَيَدْعُو لِلدَّاعِي لَهُ مِثْل الَّذِي دَعَا لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7936 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } يَقُول : إِذَا سَلَّمَ عَلَيْك أَحَد , فَقُلْ أَنْتَ : " وَعَلَيْك السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه " , أَوْ تَقْطَع إِلَى " السَّلَام عَلَيْك " , كَمَا قَالَ لَك . 7937 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَوْله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } قَالَ : فِي أَهْل الْإِسْلَام . 7938 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : فِي أَهْل الْإِسْلَام . 7939 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ شُرَيْح : أَنَّهُ كَانَ يَرُدّ : " السَّلَام عَلَيْكُمْ " , كَمَا يُسَلَّم عَلَيْهِ . 7940 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن عَوْن وَإِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ كَانَ يَرُدّ : السَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه. 7941 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَرُدّ : وَعَلَيْكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَهْل الْإِسْلَام , أَوْ رُدُّوهَا عَلَى أَهْل الْكُفْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7942 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَنْ سَلَّمَ عَلَيْك مِنْ خَلْق اللَّه , فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } . 7943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَالِم بْن نُوح , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا } لِلْمُسْلِمِينَ , { أَوْ رُدُّوهَا } عَلَى أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا } لِلْمُسْلِمِينَ , { أَوْ رُدُّوهَا } عَلَى أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا } يَقُول : حَيُّوا أَحْسَن مِنْهَا : أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ { أَوْ رُدُّوهَا } . أَيْ عَلَى أَهْل الْكِتَاب . 7944 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رَدُّوهَا } قَالَ : قَالَ أَبِي : حَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم حُيِّيَ بِتَحِيَّةٍ أَنْ يُحَيِّيَ بِأَحْسَن مِنْهَا , وَإِذَا حَيَّاهُ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ مِثْل مَا قَالَ , قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَهْل الْإِسْلَام , وَوُجِّهَ مَعْنَاهُ إِلَى أَنَّهُ يَرُدّ السَّلَام عَلَى الْمُسْلِم إِذَا حَيَّاهُ تَحِيَّة أَحْسَن مِنْ تَحِيَّته أَوْ مِثْلهَا. وَذَلِكَ أَنَّ الصِّحَاح مِنْ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَاجِب عَلَى كُلّ مُسْلِم رَدّ تَحِيَّة كُلّ كَافِر أَحْسَن مِنْ تَحِيَّته , وَقَدْ أَمَرَ اللَّه بِرَدّ الْأَحْسَن ; وَالْمِثْل فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ غَيْر تَمْيِيز مِنْهُ بَيْن الْمُسْتَوْجِب رَدّ الْأَحْسَن مِنْ تَحِيَّته عَلَيْهِ وَالْمَرْدُود عَلَيْهِ مِثْلهَا بِدَلَالَةٍ يُعْلَم بِهَا صِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِرَدِّ الْأَحْسَن الْمُسْلِم , وَبِرَدِّ الْمِثْل : أَهْل الْكُفْر. وَالصَّوَاب إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلَالَة عَلَى صِحَّة ذَلِكَ وَلَا بِصِحَّتِهِ أَثَر لَازِم عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْ يَكُون الْخِيَار فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُسْلِم عَلَيْهِ بَيْن رَدّ الْأَحْسَن أَوْ الْمِثْل إِلَّا فِي الْمَوْضِع الَّذِي خَصَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سُنَّة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَكُون مُسَلَّمًا لَهَا . وَقَدْ خَصَّتْ السُّنَّة أَهْل الْكُفْر بِالنَّهْيِ عَنْ رَدّ الْأَحْسَن مِنْ تَحِيَّتهمْ عَلَيْهِمْ أَوْ مِثْلهَا , إِلَّا بِأَنْ يُقَال : " وَعَلَيْكُمْ " , فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا حَدَّ فِي ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَمَّا أَهْل الْإِسْلَام , فَإِنَّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ فِي الرَّدّ مِنْ الْخِيَار مَا جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا خَبَر ; وَذَلِكَ مَا : 7945 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن السَّرِيّ الْأَنْطَاكِيّ , قَالَ : ثنا هِشَام بْن لَاحِق , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه ! فَقَالَ : " وَعَلَيْك وَرَحْمَة اللَّه ! " . ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه وَرَحْمَة اللَّه ! فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه : " وَعَلَيْك وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته ! " . ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا رَسُول اللَّه وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته ! فَقَالَ لَهُ : " وَعَلَيْك ! " فَقَالَ لَهُ الرَّجُل : يَا نَبِيّ اللَّه بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي , أَتَاك فُلَان وَفُلَان فَسَلَّمَا عَلَيْك فَرَدَدْت عَلَيْهِمَا أَكْثَر مِمَّا رَدَدْت عَلَيَّ ؟ فَقَالَ : " إِنَّك لَمْ تَدَع لَنَا شَيْئًا , قَالَ اللَّه { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } فَرَدَدْنَاهَا عَلَيْك " . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَوَاجِب رَدّ التَّحِيَّة عَلَى مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ فِي كِتَابه ؟ قِيلَ : نَعَمْ , وَبِهِ كَانَ يَقُول جَمَاعَة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7946 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : مَا رَأَيْته إِلَّا يُوجِبهُ قَوْله : { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } . 7947 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : السَّلَام : تَطَوُّع , وَالرَّدّ فَرِيضَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَى كُلّ شَيْء حَسِيبًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَى كُلّ شَيْء مِمَّا تَعْمَلُونَ أَيّهَا النَّاس مِنْ الْأَعْمَال مِنْ طَاعَة وَمَعْصِيَة حَفِيظًا عَلَيْكُمْ , حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهَا جَزَاءَهُ . كَمَا : 7948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : حَسِيبًا , قَالَ : حَفِيظًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَصْل الْحَسِيب فِي هَذَا الْمَوْضِع عِنْدِي فَعِيل مِنْ الْحِسَاب الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْإِحْصَاء , يُقَال مِنْهُ : حَاسَبْت فُلَانًا عَلَى كَذَا وَكَذَا , وَفُلَان حَاسَبَهُ عَلَى كَذَا وَهُوَ حَسِيبه , وَذَلِكَ إِذَا كَانَ صَاحِب حِسَابه. وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْبَصْرَة مِنْ أَهْل اللُّغَة أَنَّ مَعْنَى الْحَسِيب فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْكَافِي , يُقَال مِنْهُ : أَحْسَبَنِي الشَّيْء يُحْسِبنِي إِحْسَابًا , بِمَعْنَى : كَفَانِي , مِنْ قَوْلهمْ : حَسْبِي كَذَا وَكَذَا . وَهَذَا غَلَط مِنْ الْقَوْل وَخَطَأ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقَال فِي أَحْسَبْت الشَّيْء : أَحْسَبْت عَلَى الشَّيْء فَهُوَ حَسِيب عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا يُقَال : هُوَ حَسْبه وَحَسِيبه , وَاَللَّه يَقُول : { إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَى كُلّ شَيْء حَسِيبًا } .
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًاسورة النساء الآية رقم 87
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } الْمَعْبُود الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعُبُودِيَّة إِلَّا لَهُ هُوَ , الَّذِي لَهُ عِبَادَة كُلّ شَيْء وَطَاعَة كُلّ طَائِع .

وَقَوْله : { لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : لَيَبْعَثَنَّكُمْ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , وَلَيَحْشُرَنَّكُمْ جَمِيعًا إِلَى مَوْقِف الْحِسَاب الَّذِي يُجَازِي النَّاس فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ , وَيَقْضِي فِيهِ بَيْن أَهْل طَاعَته وَمَعْصِيَته وَأَهْل الْإِيمَان بِهِ وَالْكُفْر .

{ لَا رَيْب فِيهِ } يَقُول : لَا شَكّ فِي حَقِيقَة مَا أَقُول لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأُخْبِركُمْ مِنْ خَبَرِي : أَنِّي جَامِعكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بَعْد مَمَاتكُمْ .

{ وَمَنْ أَصْدَق مِنْ اللَّه حَدِيثًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاعْلَمُوا حَقِيقَة مَا أُخْبِركُمْ مِنْ الْخَبَر , فَإِنِّي جَامِعكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِلْجَزَاءِ وَالْعَرْض وَالْحِسَاب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب يَقِينًا , فَلَا تَشُكُّوا فِي صِحَّته , وَلَا تَمْتَرُوا فِي حَقِّيَّته , فَإِنَّ قَوْلِي الصِّدْق الَّذِي لَا كَذِب فِيهِ , وَوَعْدِي الصِّدْق الَّذِي لَا خُلْف لَهُ . { وَمَنْ أَصْدَق مِنْ اللَّه حَدِيثًا } يَقُول : وَأَيّ نَاطِق أَصْدَق مِنْ اللَّه حَدِيثًا ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَاذِب إِنَّمَا يَكْذِب لِيَجْتَلِب بِكَذِبِهِ إِلَى نَفْسه نَفْعًا أَوْ يَدْفَع بِهِ عَنْهَا ضُرًّا , وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره خَالِق الضُّرّ وَالنَّفْع , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْهُ كَذِب , لِأَنَّهُ لَا يَدْعُوهُ إِلَى اِجْتِلَاب نَفْع إِلَى نَفْسه , أَوْ دَفْع ضُرّ عَنْهَا سِوَاهُ تَعَالَى ذِكْره , فَيَجُوز أَنْ يَكُون لَهُ فِي اِسْتِحَالَة الْكَذِب مِنْهُ نَظِيرًا , وَمَنْ أَصْدَق مِنْ اللَّه حَدِيثًا وَخَبَرًا .
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاًسورة النساء الآية رقم 88
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } فَمَا شَأْنكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَهْل النِّفَاق فِئَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي اِخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَقَالُوا لِرَسُولِ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِأَصْحَابِهِ : { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } 3 167 . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7949 - حَدَّثَنِي الْفَضْل بْن زِيَاد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن يَزِيد الْأَنْصَارِيّ يُحَدِّث عَنْ زَيْد بْن ثَابِت : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى أُحُد , رَجَعَتْ طَائِفَة مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ , فَكَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ , فِرْقَة تَقُول : نَقْتُلهُمْ , وَفِرْقَة تَقُول : لَا . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا } . .. الْآيَة , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَة : " إِنَّهَا طَيِّبَة وَإِنَّهَا تَنْفِي خَبَثهَا كَمَا تَنْفِي النَّار خَبَث الْفِضَّة " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي زُرَيْق بْن السخت , قَالَ : ثنا شَبَابَة , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ذَكَرُوا الْمُنَافِقِينَ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ فَرِيق : نَقْتُلهُمْ , وَقَالَ فَرِيق : لَا نَقْتُلهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي اِخْتِلَاف كَانَ بَيْن أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْم كَانُوا قَدِمُوا الْمَدِينَة مِنْ مَكَّة , فَأَظْهَرُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ , ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَكَّة وَأَظْهَرُوا لَهُمْ الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7950 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } قَالَ : قَوْم خَرَجُوا مِنْ مَكَّة حَتَّى أَتَوْا الْمَدِينَة يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُهَاجِرُونَ , ثُمَّ اِرْتَدُّوا بَعْد ذَلِكَ , فَاسْتَأْذَنُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة لِيَأْتُوا بِبَضَائِع لَهُمْ يَتَّجِرُونَ فِيهَا . فَاخْتَلَفَ فِيهِمْ الْمُؤْمِنُونَ , فَقَائِل يَقُول : هُمْ مُنَافِقُونَ , وَقَائِل يَقُول : هُمْ مُؤْمِنُونَ. فَبَيَّنَ اللَّه نِفَاقهمْ , فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ . فَجَاءُوا بِبَضَائِعِهِمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَة , فَلَقِيَهُمْ هِلَال بْن عُوَيْمِر الْأَسْلَمِيّ , وَبَيْنه وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْف , وَهُوَ الَّذِي حُصِرَ صَدْره أَنْ يُقَاتِل الْمُؤْمِنِينَ أَوْ يُقَاتِل قَوْمه , فَدَفَعَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ هِلَالًا , وَبَيْنه وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : فَبَيَّنَ اللَّه نِفَاقهمْ , وَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوا يَوْمئِذٍ , فَجَاءُوا بِبَضَائِعِهِمْ يُرِيدُونَ هِلَال بْن عُوَيْمِر الْأَسْلَمِيّ , وَبَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِلْف . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ اِخْتِلَافهمْ فِي قَوْم مِنْ أَهْل الشِّرْك كَانُوا أَظْهَرُوا الْإِسْلَام بِمَكَّة , وَكَانُوا يُعِينُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7951 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا بِمَكَّة قَدْ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ , وَكَانُوا يُظَاهِرُونَ الْمُشْرِكِينَ , فَخَرَجُوا مِنْ مَكَّة يَطْلُبُونَ حَاجَة لَهُمْ , فَقَالُوا : إِنْ لَقِيَنَا أَصْحَاب مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , فَلَيْسَ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بَأْس ! وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّة , قَالَتْ فِئَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : اِرْكَبُوا إِلَى الْخُبَثَاء فَاقْتُلُوهُمْ , فَإِنَّهُمْ يُظَاهِرُونَ عَلَيْكُمْ عَدُوّكُمْ ! وَقَالَتْ فِئَة أُخْرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : سُبْحَان اللَّه - أَوْ كَمَا قَالُوا - أَتَقْتُلُونَ قَوْمًا قَدْ تَكَلَّمُوا بِمِثْلِ مَا تَكَلَّمْتُمْ بِهِ ؟ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَمْ يُهَاجِرُوا وَيَتْرُكُوا دِيَارهمْ تُسْتَحَلّ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ لِذَلِكَ ! فَكَانُوا كَذَلِكَ فِئَتَيْنِ , وَالرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عِنْدهمْ لَا يَنْهَى وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَنْ شَيْء ; فَنَزَلَتْ : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّه }... الْآيَة . 7952 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } . .. الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا كَانَا رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْش كَانَا مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّة , وَكَانَا قَدْ تَكَلَّمَا بِالْإِسْلَامِ , وَلَمْ يُهَاجِرَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَقِيَهُمَا نَاس مِنْ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه وَهُمَا مُقْبِلَانِ إِلَى مَكَّة , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّ دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالهمَا حَلَال , وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا تَحِلّ لَكُمْ . فَتَشَاجَرُوا فِيهِمَا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } حَتَّى بَلَغَ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } . 7953 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر بْن رَاشِد , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْل مَكَّة كَتَبُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا , وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَذِبًا. فَلَقُوهُمْ , فَاخْتَلَفَ فِيهِمْ الْمُسْلِمُونَ , فَقَالَتْ طَائِفَة : دِمَاؤُهُمْ حَلَال , وَقَالَتْ طَائِفَة : دِمَاؤُهُمْ حَرَام ; فَأَنْزَلَ اللَّه : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } . 7954 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } هُمْ نَاس تَخَلَّفُوا عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَقَامُوا بِمَكَّة , وَأَعْلَنُوا الْإِيمَان , وَلَمْ يُهَاجِرُوا . فَاخْتَلَفَ فِيهِمْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَوَلَّاهُمْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَبَرَّأَ مِنْ وِلَايَتهمْ آخَرُونَ , وَقَالُوا : تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُهَاجِرُوا . فَسَمَّاهُمْ اللَّه مُنَافِقِينَ , وَبَرَّأَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وِلَايَتهمْ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَوَلَّوْهُمْ حَتَّى يُهَاجِرُوا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ اِخْتِلَافهمْ فِي قَوْم كَانُوا بِالْمَدِينَةِ أَرَادُوا الْخُرُوج عَنْهَا نِفَاقًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7955 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْمَدِينَة , فَقَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ : إِنَّا قَدْ أَصَابَنَا أَوْجَاع فِي الْمَدِينَة وَاتَّخَمْنَاهَا , فَلَعَلَّنَا أَنْ نَخْرُج إِلَى الظَّهْر حَتَّى نَتَمَاثَل ثُمَّ نَرْجِع , فَإِنَّا كُنَّا أَصْحَاب بَرِّيَّة . فَانْطَلَقُوا ; وَاخْتَلَفَ فِيهِمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ طَائِفَة : أَعْدَاء اللَّه الْمُنَافِقُونَ , وَدِدْنَا أَنَّ رَسُول اللَّه أَذِنَ لَنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ ! وَقَالَتْ طَائِفَة : لَا , بَلْ إِخْوَاننَا تَخِمَتْهُمْ الْمَدِينَة فَاتَّخَمُوهَا . فَخَرَجُوا إِلَى الظَّهْر يَتَنَزَّهُونَ , فَإِذَا بَرَءُوا رَجَعُوا . فَقَالَ اللَّه : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } يَقُول : مَا لَكُمْ تَكُونُونَ فِيهِمْ فِئَتَيْنِ { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي اِخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْر أَهْل الْإِفْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7956 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } حَتَّى بَلَغَ : { فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : هَذَا فِي شَأْن اِبْن أُبَيّ حِين تَكَلَّمَ فِي عَائِشَة بِمَا تَكَلَّمَ . فَقَالَ سَعْد بْن مُعَاذ : فَإِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه وَإِلَى رَسُوله مِنْهُ ! يُرِيد عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي اِخْتِلَاف أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْم كَانُوا اِرْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَام بَعْد إِسْلَامهمْ مِنْ أَهْل مَكَّة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اِخْتِلَاف أَهْل ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ : التَّأْوِيل فِي أَحَدهمَا أَنَّهُمْ قَوْم كَانُوا مِنْ أَهْل مَكَّة عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْهُمْ , وَالْآخَر أَنَّهُمْ قَوْم كَانُوا مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , وَفِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّى يُهَاجِرُوا } أَوْضَحَ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ غَيْر أَهْل الْمَدِينَة لِأَنَّ الْهِجْرَة كَانَتْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دَاره وَمَدِينَته مِنْ سَائِر أَرْض الْكُفْر , فَأَمَّا مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَار الْهِجْرَة مُقِيمًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الشِّرْك , فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْض هِجْرَة , لِأَنَّهُ فِي دَار الْهِجْرَة كَانَ وَطَنه وَمُقَامه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي نَصْب قَوْله : { فِئَتَيْنِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى الْحَال , كَمَا تَقُول : مَا لَك قَائِمًا , يَعْنِي مَا لَك فِي حَال الْقِيَام . وَهَذَا قَوْل بَعْض الْبَصْرِيِّينَ ; وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : هُوَ مَنْصُوب عَلَى فِعْل " مَا لَك " , قَالَ : وَلَا يُبَالِي كَانَ الْمَنْصُوب فِي مَا لَك مَعْرِفَة أَوْ نَكِرَة . قَالَ : وَيَجُوز فِي الْكَلَام أَنْ يَقُول : مَا لَك السَّائِر مَعَنَا , لِأَنَّهُ كَالْفِعْلِ الَّذِي يُنْصَب بِكَانَ وَأَظُنّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا . قَالَ : وَكُلّ مَوْضِع صَلُحَتْ فِيهِ " فَعَلَ " و " يَفْعَل " مِنْ الْمَنْصُوب جَازَ نَصْب الْمَعْرِفَة مِنْهُ وَالنَّكِرَة , كَمَا يَنْصِب كَانَ وَأَظُنّ لِأَنَّهُنَّ نَوَاقِص فِي الْمَعْنَى وَإِنْ ظَنَنْت أَنَّهُنَّ تَامَّات . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , لِأَنَّ الْمَطْلُوب فِي قَوْل الْقَائِل : " مَا لَك قَائِمًا " الْقِيَام , فَهُوَ فِي مَذْهَب كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَأَظُنّ وَصَوَاحِبَاتهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَللَّه رَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَام أَهْل الشِّرْك فِي إِبَاحَة دِمَائِهِمْ وَسَبْي ذَرَارِيّهمْ . وَالْإِرْكَاس : الرَّدّ , وَمِنْهُ قَوْل أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت : فَأُرْكِسُوا فِي حَمِيم النَّار إِنَّهُمُ كَانُوا عُصَاة وَقَالُوا الْإِفْك وَالزَّوْرَا يُقَال مِنْهُ : أَرْكَسَهُمْ وَرَكَسَهُمْ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه وَأُبَيّ : " وَاَللَّه رَكَسَهُمْ " بِغَيْرِ أَلِف . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : رَدَّهُمْ ; كَمَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7957 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } رَدَّهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاَللَّه أَوْقَعَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7958 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } يَقُول : أَوْقَعَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَضَلَّهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7959 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ } قَالَ : أَهْلَكَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } أَهْلَكَهُمْ بِمَا عَمِلُوا. 7960 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاَللَّه أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا } أَهْلَكَهُمْ . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ مَعْنَى ذَلِكَ قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّه } أَتُرِيدُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَهْدُوا إِلَى الْإِسْلَام , فَتُوَفِّقُوا لِلْإِقْرَارِ بِهِ وَالدُّخُول فِيهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّه عَنْهُ , يَعْنِي بِذَلِكَ : مَنْ خَذَلَهُ اللَّه عَنْهُ فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِلْإِقْرَارِ بِهِ . وَإِنَّمَا هَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْفِئَةِ الَّتِي دَافَعَتْ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَتَبْغُونَ هِدَايَة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ اللَّه فَخَذَلَهُمْ عَنْ الْحَقّ وَاتِّبَاع الْإِسْلَام بِمُدَافَعَتِكُمْ عَنْ قِتَالهمْ مَنْ أَرَادَ قِتَالهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ؟

{ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلًا } يَقُولهُ : وَمَنْ خَذَلَهُ عَنْ دِينه وَاتِّبَاع مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ الْإِقْرَار بِهِ وَبِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْده , فَأَضَلَّهُ عَنْهُ , فَلَنْ تَجِد لَهُ يَا مُحَمَّد سَبِيلًا , يَقُول : فَلَنْ تَجِد لَهُ طَرِيقًا تَهْدِيه فِيهَا إِلَى إِدْرَاك مَا خَذَلَهُ اللَّه [ عَنْهُ ] , وَلَا مَنْهَجًا يَصِل مِنْهُ إِلَى الْأَمْر الَّذِي قَدْ حَرَمَهُ الْوُصُول إِلَيْهِ .
وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًاسورة النساء الآية رقم 89
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } تَمَنَّى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيهِمْ فِئَتَانِ أَنْ تَكْفُرُوا فَتَجْحَدُوا وَحْدَانِيَّة رَبّكُمْ وَتَصْدِيق نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

يَقُول : كَمَا جَحَدُوا هُمْ ذَلِكَ .

يَقُول : فَتَكُونُونَ كُفَّارًا مِثْلهمْ , وَتَسْتَوُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ فِي الشِّرْك بِاَللَّهِ .

يَقُول : حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَار الشِّرْك وَيُفَارِقُوا أَهْلهَا الَّذِينَ هُمْ بِاَللَّهِ مُشْرِكُونَ إِلَى دَار الْإِسْلَام وَأَهْلهَا .

يَعْنِي فِي اِبْتِغَاء دِين اللَّه , وَهُوَ سَبِيله , فَيَصِيرُوا عِنْد ذَلِكَ مِثْلكُمْ , وَيَكُون لَهُمْ حِينَئِذٍ حُكْمكُمْ. كَمَا : 7961 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّى يُهَاجِرُوا } يَقُول : حَتَّى يَصْنَعُوا كَمَا صَنَعْتُمْ , يَعْنِي : الْهِجْرَة فِي سَبِيل اللَّه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ عَنْ الْإِقْرَار بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَتَوَلَّوْا عَنْ الْهِجْرَة مِنْ دَار الشِّرْك إِلَى دَار الْإِسْلَام , وَمِنْ الْكُفْر إِلَى الْإِسْلَام , فَخُذُوهُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ مِنْ بِلَادهمْ وَغَيْر بِلَادهمْ , أَيْنَ أَصَبْتُمُوهُمْ مِنْ أَرْض اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7962 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ } فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنْ الْهِجْرَة فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ . 7963 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } يَقُول : إِذَا أَظْهَرُوا كُفْرهمْ فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .

{ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا } يَقُول : وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ خَلِيلًا يُوَالِيكُمْ عَلَى أُمُوركُمْ , وَلَا نَاصِرًا يَنْصُركُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ , فَإِنَّهُمْ كُفَّار لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا , وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ . وَهَذَا الْخَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِبَانَة عَنْ صِحَّة نِفَاق الَّذِينَ اِخْتَلَفَ الْمُؤْمِنُونَ فِي أَمْرهمْ , وَتَحْذِير لِمَنْ دَافَعَ عَنْهُمْ عَنْ الْمُدَافَعَة عَنْهُمْ .
إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاًسورة النساء الآية رقم 90
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } فَإِنْ تَوَلَّى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِمْ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَأَبَوْا الْهِجْرَة , فَلَمْ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيل اللَّه , فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ , سِوَى مَنْ وَصَلَ مِنْهُمْ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مُوَادَعَة وَعَهْد وَمِيثَاق , فَدَخَلُوا فِيهِمْ وَصَارُوا مِنْهُمْ وَرَضُوا بِحُكْمِهِمْ , فَإِنَّ لِمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَدَخَلَ فِيهِمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك رَاضِيًا بِحُكْمِهِمْ فِي حَقْن دِمَائِهِمْ بِدُخُولِهِ فِيهِمْ , أَنْ لَا تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيّهمْ , وَلَا تُغْنَم أَمْوَالهمْ. كَمَا : 7964 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَقُول : إِذَا أَظْهَرُوا كُفْرهمْ فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ , فَإِنْ أَحَد مِنْهُمْ دَخَلَ فِي قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , فَأَجْرُوا عَلَيْهِ مِثْل مَا تُجْرُونَ عَلَى أَهْل الذِّمَّة . 7966 - حَدَّثَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } يَصِلُونَ إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق مِنْ الْقَوْم , لَهُمْ مِنْ الْأَمَان مِثْل مَا لِهَؤُلَاءِ. 7966 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } قَالَ : نَزَلَتْ فِي هِلَال بْن عُوَيْمِر الْأَسْلَمِيّ وَسُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم وَخُزَيْمَة بْن عَامِر بْن عَبْد مَنَاف . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم } إِلَّا الَّذِينَ يَتَّصِلُونَ فِي أَنْسَابهمْ لِقَوْمٍ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق ; مِنْ قَوْلهمْ : اِتَّصَلَ الرَّجُل , بِمَعْنَى : اِنْتَمَى وَانْتَسَبَ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى فِي صِفَة اِمْرَأَة اِنْتَسَبَتْ إِلَى قَوْم : إِذَا اِتَّصَلَتْ قَالَتْ أَبَكْر بْن وَائِل وَبَكْر سَبَتْهَا وَالْأُنُوف رَوَاغِم يَعْنِي بِقَوْلِهِ : اِتَّصَلَتْ : اِنْتَسَبَتْ . وَلَا وَجْه لِهَذَا التَّأْوِيل فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّ الِانْتِسَاب إِلَى قَوْم مِنْ أَهْل الْمُوَادَعَة أَوْ الْعَهْد لَوْ كَانَ يُوجِب لِلْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمْ مَا لَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ الْعَهْد وَالْأَمَان مَا لَهُمْ , لَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَاتِل قُرَيْشًا , وَهُمْ أَنْسِبَاء السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ . وَلِأَهْلِ الْإِيمَان مِنْ الْحَقّ بِإِيمَانِهِمْ أَكْثَر مِمَّا لِأَهْلِ الْعَهْد بِعَهْدِهِمْ , وَفِي قِتَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكِي قُرَيْش بِتَرْكِهَا الدُّخُول فِيمَا دَخَلَ فِيهِ أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ , مَعَ قُرْب أَنْسَابهمْ مِنْ أَنْسَاب الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ , الدَّلِيل الْوَاضِح أَنَّ اِنْتِسَاب مَنْ لَا عَهْد لَهُ إِلَى ذِي الْعَهْد مِنْهُمْ , لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لَهُ مِنْ الْعَهْد مَا لِذِي الْعَهْد مِنْ اِنْتِسَابه. فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَة أَنَّ قِتَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَاتَلَ مِنْ أَنْسِبَاء الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش إِنَّمَا كَانَ بَعْد مَا نُسِخَ قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَسْخ قِرَاءَة نَزَلَتْ بَعْد فَتْح مَكَّة وَدُخُول قُرَيْش فِي الْإِسْلَام .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمهمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمهمْ } فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ , إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , أَوْ : إِلَّا الَّذِينَ جَاءُوكُمْ مِنْهُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ عَنْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمهمْ فَدَخَلُوا فِيكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { حَصِرَتْ صُدُورهمْ } ضَاقَتْ صُدُورهمْ عَنْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ أَنْ يُقَاتِلُوا قَوْمهمْ , وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَنْ ضَاقَتْ نَفْسه عَنْ شَيْء مِنْ فِعْل أَوْ كَلَام قَدْ حَصِرَ , وَمِنْهُ الْحَصْر فِي الْقِرَاءَة. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ } يَقُول : ضَاقَتْ صُدُورهمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمهمْ. وَفِي قَوْله : { أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمهمْ } مَتْرُوك تُرِكَ ذِكْره لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَوْ جَاءُوكُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ , فَتُرِكَ ذِكْر " قَدْ " لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب فِعْل مِثْل ذَلِكَ , تَقُول : أَتَانِي فُلَان ذَهَبَ عَقْله , بِمَعْنَى : قَدْ ذَهَبَ عَقْله ; وَمَسْمُوع مِنْهُمْ : أَصْبَحْت نَظَرْت إِلَى ذَات التَّنَانِير , بِمَعْنَى : قَدْ نَظَرْت . وَلِإِضْمَارِ " قَدْ " مَعَ الْمَاضِي جَازَ وَضْع الْمَاضِي مِنْ الْأَفْعَال فِي مَوْضِع الْحَال , لِأَنَّ قَدْ إِذَا دَخَلَتْ مَعَهُ أَدْنَتْهُ مِنْ الْحَال وَأَشْبَهَ الْأَسْمَاء . وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة , أَعْنِي : { حَصِرَتْ } قَرَأَ الْقُرَّاء فِي جَمِيع الْأَمْصَار , وَبِهَا يُقْرَأ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَيْهَا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ " نَصْبًا , وَهِيَ صَحِيحَة فِي الْعَرَبِيَّة فَصِيحَة , غَيْر أَنَّهُ غَيْر جَائِز الْقِرَاءَة بِهَا عِنْدِي لِشُذُوذِهَا وَخُرُوجهَا عَنْ قِرَاءَة قُرَّاء الْإِسْلَام.

الْقَوْل فِي تَوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اِعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَم فَمَا جَعَلَ اللَّه لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَسَلَّطَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , فَيَدْخُلُونَ فِي جِوَارهمْ وَذِمَّتهمْ , وَاَلَّذِينَ يَجِيئُونَكُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ عَنْ قِتَالكُمْ وَقِتَال قَوْمهمْ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَقَاتَلُوكُمْ مَعَ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَلَكِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَفَّهُمْ عَنْكُمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَأَطِيعُوا الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِكَفِّهِمْ عَنْكُمْ مَعَ سَائِر مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الْكَفّ عَنْهُمْ إِذَا وَصَلُوا إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق , أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورهمْ عَنْ قِتَالكُمْ وَقِتَال قَوْمهمْ . ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِنْ اِعْتَزَلُوكُمْ } يَقُول : فَإِنْ اِعْتَزَلَكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِدُخُولِهِمْ فِي أَهْل عَهْدكُمْ أَوْ مَصِيرهمْ إِلَيْكُمْ . حَصِرَتْ صُدُورهمْ عَنْ قِتَالكُمْ وَقِتَال قَوْمهمْ , فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ , { وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَم } يَقُول : وَصَالَحُوكُمْ . وَالسَّلَم : هُوَ الِاسْتِسْلَام , وَإِنَّمَا هَذَا مَثَل كَمَا يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : أَعْطَيْتُك قِيَادِي وَأَلْقَيْت إِلَيْك خِطَامِي , إِذَا اِسْتَسْلَمَ لَهُ وَانْقَادَ لِأَمْرِهِ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَم } إِنَّمَا هُوَ : أَلْقَوْا إِلَيْكُمْ قِيَادهمْ وَاسْتَسْلَمُوا لَكُمْ صُلْحًا مِنْهُمْ لَكُمْ وَسَلَمًا . وَمِنْ السَّلَم قَوْل الطِّرِمَّاح : ش وَذَاكَ أَنَّ تَمِيمًا غَادَرَتْ سَلَمًا /و لِلْأُسْدِ كُلّ حَصَان وَعْثَة اللِّبَد يَعْنِي بِقَوْلِهِ سَلَمًا : اِسْتِسْلَامًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 7968 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَإِنْ اِعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَم } قَالَ : الصُّلْح . وَأَمَّا قَوْله : { فَمَا جَعَلَ اللَّه لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } فَإِنَّهُ يَقُول : إِذَا اِسْتَسْلَمَ لَكُمْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ صُلْحًا مِنْهُمْ لَكُمْ , فَمَا جَعَلَ اللَّه لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا : أَيْ فَلَمْ يَجْعَل اللَّه لَكُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ وَذَرَارِيّهمْ وَنِسَائِهِمْ طَرِيقًا إِلَى قَتْل أَوْ سِبَاء أَوْ غَنِيمَة , بِإِبَاحَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ لَكُمْ وَلَا إِذْن , فَلَا تَعْرِضُوا لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا سَبِيل خَيْر . ثُمَّ نَسَخَ اللَّه جَمِيع حُكْم هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } . .. إِلَى قَوْله : { فَخَلُّوا سَبِيلهمْ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } 9 5 ذِكْر مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مِثْل الَّذِي قُلْنَا : 7969 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن , قَالَا : قَالَ : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . .. إِلَى قَوْله : { وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } . وَقَالَ فِي الْمُمْتَحَنَة : { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } 60 8 وَقَالَ فِيهَا : { إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّين وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } . .. إِلَى : { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } 60 9 . فَنَسَخَ هَؤُلَاءِ الْآيَات الْأَرْبَعَة فِي شَأْن الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ : { بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه وَأَنَّ اللَّه مُخْزِي الْكَافِرِينَ } 9 1 - 2 فَحَمَلَ لَهُمْ أَرْبَعَة أَشْهُر يَسِيحُونَ فِي الْأَرْض , وَأَبْطَلَ مَا كَانَ قَبْل ذَلِكَ . وَقَالَ فِي الَّتِي تَلِيهَا : { فَإِذَا اِنْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد } 9 5 ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة } ... إِلَى قَوْله : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه } 9 5 - 6 . 7970 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَإِنْ اِعْتَزَلُوكُمْ } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 7971 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يَقُول فِي قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . .. إِلَى قَوْله : { فَمَا جَعَلَ اللَّه لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بَعْد فِي بَرَاءَة , وَأَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِل الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد } 9 5 . 7972 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق } . .. الْآيَة , قَالَ : نُسِخَ هَذَا كُلّه أَجْمَع , نَسَخَهُ الْجِهَاد , ضُرِبَ لَهُمْ أَجَل أَرْبَعَة أَشْهُر , إِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ يَكُون الْجِهَاد .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6