الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَسورة آل عمران الآية رقم 91
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب أَلِيم وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ جَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ أَهْل كُلّ مِلَّة يَهُودِهَا وَنَصَارَاهَا وَمَجُوسهَا وَغَيْرهمْ . { وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار } يَعْنِي : وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ جُحُود نُبُوَّته , وَجُحُود مَا جَاءَ بِهِ . { فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } يَقُول : فَلَنْ يُقْبَل مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَة فِي الْآخِرَة جَزَاء وَلَا رِشْوَة عَلَى تَرْك عُقُوبَته عَلَى كُفْره , وَلَا جَعْل عَلَى الْعَفْو عَنْهُ , وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الذَّهَب قَدْر مَا يَمْلَأ الْأَرْض مِنْ مَشْرِقهَا إِلَى مَغْرِبهَا , فَرَشَا وَجَزَى عَلَى تَرْك عُقُوبَته وَفِي الْعَفْو عَنْهُ عَلَى كُفْره عِوَضًا مِمَّا اللَّه مُحِلّ بِهِ مِنْ عَذَابه , لِأَنَّ الرِّشَا إِنَّمَا يَقْبَلهَا مَنْ كَانَ ذَا حَاجَة إِلَى مَا رُشِيَ , فَأَمَّا مَنْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَكَيْفَ يَقْبَل الْفِدْيَة , وَهُوَ خَلَّاق كُلّ فِدْيَة اِفْتَدَى بِهَا مُفْتَدٍ عَنْ نَفْسه أَوْ غَيْره ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْفِدْيَة ; الْعِوَض وَالْجَزَاء مِنْ الْمُفْتَدَى مِنْهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا لَهُمْ عِنْده , فَقَالَ : { أُولَئِكَ } يَعْنِي : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار , { لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي الْآخِرَة عَذَاب مُوجِع , { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يَعْنِي : وَمَا لَهُمْ مِنْ قَرِيب وَلَا حَمِيم وَلَا صَدِيق يَنْصُرهُ , فَيَسْتَنْقِذهُ مِنْ اللَّه وَمِنْ عَذَابه , كَمَا كَانُوا يَنْصُرُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ حَاوَلَ أَذَاهُ وَمَكْرُوهه . وَقَدْ : 5833 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " يُجَاء بِالْكَافِرِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا , أَكُنْت مُفْتَدِيًا بِهِ ؟ فَيَقُول نَعَمْ , قَالَ : فَيُقَال لَقَدْ سُئِلْت مَا هُوَ أَيْسَر مِنْ ذَلِكَ " , فَذَلِكَ قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } 5834 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا } قَالَ : هُوَ كُلّ كَافِر . وَنُصِبَ قَوْله " ذَهَبًا " عَلَى الْخُرُوج مِنْ الْمِقْدَار الَّذِي قَبْله وَالتَّفْسِير مِنْهُ , وَهُوَ قَوْله : " مِلْء الْأَرْض " , كَقَوْلِ الْقَائِل : عِنْدِي قَدْر زِقّ سَمْنًا وَقَدْر رِطْل عَسَلًا , فَالْعَسَل مُبَيَّن بِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِقْدَار , وَهُوَ نَكِرَة مَنْصُوبَة عَلَى التَّفْسِير لِلْمِقْدَارِ وَالْخُرُوج مِنْهُ . وَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَة , فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ نُصِبَ الذَّهَب لِاشْتِغَالِ الْمِلْء بِالْأَرْضِ , وَمَجِيء الذَّهَب بَعْدهمَا , فَصَارَ نَصْبهَا نَظِير نَصْب الْحَال , وَذَلِكَ أَنَّ الْحَال يَجِيء بَعْد فِعْل قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ فَيُنْصَب , كَمَا يُنْصَب الْمَفْعُول الَّذِي يَأْتِي بَعْد الْفِعْل الَّذِي قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ , قَالُوا : وَنَظِير قَوْله : { مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا } فِي نَصْب الذَّهَب فِي الْكَلَام : لِي مِثْلك رَجُلًا , بِمَعْنَى : لِي مِثْلك مِنْ الرِّجَال . وَزَعَمُوا أَنَّ نَصْب الرَّجُل لِاشْتِغَالِ الْإِضَافَة بِالِاسْمِ , فَنُصِبَ كَمَا يُنْصَب الْمَفْعُول بِهِ لِاشْتِغَالِ الْفِعْل بِالْفَاعِلِ , وَأُدْخِلَتْ كَالْوَاوِ فِي قَوْله : { وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } لِمَحْذُوفٍ مِنْ الْكَلَام بَعْده دَلَّ عَلَيْهِ دُخُول الْوَاو , كَالْوَاوِ فِي قَوْله : { وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ } . 6 75 وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ , أَرَيْنَاهُ مَلَكُوت السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ } , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام وَاو , لَكَانَ الْكَلَام صَحِيحًا , وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَتْرُوك وَكَانَ : فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا لَوْ اِفْتَدَى بِهِ .
لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 92
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَنْ تُدْرِكُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْبِرّ , وَهُوَ الْبِرّ مِنْ اللَّه الَّذِي يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتهمْ لَهُ , وَيَرْجُونَهُ مِنْهُ , وَذَلِكَ تَفَضُّله عَلَيْهِمْ بِإِدْخَالِهِ جَنَّته , وَصَرْف عَذَابه عَنْهُمْ ; وَلِذَلِكَ قَالَ كَثِير مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : الْبِرّ : الْجَنَّة , لِأَنَّ بِرّ الرَّبّ بِعَبْدِهِ فِي الْآخِرَة وَإِكْرَامه إِيَّاهُ بِإِدْخَالِهِ الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 5835 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون فِي قَوْله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ } قَالَ : الْجَنَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون فِي قَوْله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ } قَالَ : الْبِرّ : الْجَنَّة . 5836 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ } أَمَّا الْبِرّ . فَالْجَنَّة . فَتَأْوِيل الْكَلَام : لَنْ تَنَالُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ جَنَّة رَبّكُمْ , حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ , يَقُول : حَتَّى تَتَصَدَّقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَتَهْوُونَ أَنْ يَكُون لَكُمْ مِنْ نَفِيس أَمْوَالكُمْ . كَمَا : 5837 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } يَقُول : لَنْ تَنَالُوا بِرّ رَبّكُمْ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا يُعْجِبكُمْ وَمِمَّا تَهْوُونَ مِنْ أَمْوَالكُمْ . 5838 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَالَ : مِنْ الْمَال . وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَمَهْمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَتَتَصَدَّقُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالكُمْ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِمَا يَتَصَدَّق بِهِ الْمُتَصَدِّق مِنْكُمْ , فَيُنْفِقهُ مِمَّا يُحِبّ مِنْ مَاله فِي سَبِيل اللَّه , وَغَيْر ذَلِكَ عَلِيم , يَقُول : هُوَ ذُو عِلْم بِذَلِكَ كُلّه , لَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء مِنْهُ حَتَّى يُجَازِي صَاحِبه عَلَيْهِ جَزَاءَهُ فِي الْآخِرَة . كَمَا : 5839 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فَإِنَّ اللَّه بِهِ عَلِيم } يَقُول : مَحْفُوظ لَكُمْ ذَلِكَ اللَّه بِهِ عَلِيم شَاكِر لَهُ . وَبِنَحْوِ التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَة جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5840 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَالَ : كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنْ يَبْتَاع لَهُ جَارِيَة مِنْ جَلُولَاء يَوْم فُتِحَتْ مَدَائِن كِسْرَى فِي قِتَال سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , فَدَعَا بِهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } فَأَعْتَقَهَا عُمَر . وَهِيَ مِثْل قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام عَلَى حُبّه مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } 76 8 { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة } 59 9 * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله سَوَاء . 5841 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } أَوْ هَذِهِ الْآيَة : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } 2 245 قَالَ أَبُو طَلْحَة : يَا رَسُول اللَّه حَائِطِي الَّذِي بِكَذَا وَكَذَا صَدَقَة , وَلَوْ اِسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلهُ سِرًّا لَمْ أَجْعَلهُ عَلَانِيَة . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِجْعَلْهَا فِي فُقَرَاء أَهْلِك " . 5842 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَالَ أَبُو طَلْحَة : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ اللَّه يَسْأَلنَا مِنْ أَمْوَالنَا , اِشْهَدْ أَنِّي قَدْ جَعَلْت أَرْضِيّ بِأَرِيحَا لِلَّهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِجْعَلْهَا فِي قَرَابَتك " . فَجَعَلَهَا بَيْن حَسَّان بْن ثَابِت وَأُبَيّ بْن كَعْب . 5843 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا ذَرّ أَيّ الْأَعْمَال أَفْضَل ؟ قَالَ : الصَّلَاة عِمَاد الْإِسْلَام , وَالْجِهَاد : سَنَام الْعَمَل , وَالصَّدَقَة شَيْء عَجِيب . فَقَالَ : يَا أَبَا ذَرّ لَقَدْ تَرَكْت شَيْئًا هُوَ أَوْثَق عَمَلِي فِي نَفْسِي لَا أَرَاك ذَكَرْته ! فَقَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : الصِّيَام , فَقَالَ : قُرْبَة , وَلَيْسَ هُنَاكَ ! وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } . 5844 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي دَاوُد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حُسَيْن , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } جَاءَ زَيْد بِفَرَسٍ لَهُ يُقَال لَهَا : " سَبَل " إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذِهِ يَا رَسُول اللَّه ! فَأَعْطَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنَة أُسَامَة بْن زَيْد بْن حَارِثَة , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا أَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّق بِهِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ قُبِلَتْ صَدَقَتك " . 5845 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب وَغَيْره : أَنَّهَا حِين نَزَلَتْ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } جَاءَ زَيْد بْن حَارِثَة بِفَرَسٍ لَهُ كَانَ يُحِبّهَا , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه هَذِهِ فِي سَبِيل اللَّه ! فَحَمَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا أُسَامَة بْن زَيْد , فَكَأَنَّ زَيْدًا وَجَدَ فِي نَفْسه , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَمَا إِنَّ اللَّه قَدْ قَبِلَهَا " .
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة آل عمران الآية رقم 93
{ كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل - وَهُمْ وَلَد يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن - شَيْئًا مِنْ الْأَطْعِمَة مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , بَلْ كَانَ ذَلِكَ كُلّه لَهُمْ حَلَالًا , إِلَّا مَا كَانَ يَعْقُوب حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسه , فَإِنَّ وَلَده حَرَّمُوهُ اِسْتِنَانًا بِأَبِيهِمْ يَعْقُوب , مِنْ غَيْر تَحْرِيم اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي وَحْي وَلَا تَنْزِيل وَلَا عَلَى لِسَان رَسُول لَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ قَبْل نُزُول التَّوْرَاة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَحْرِيم ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , هَلْ نَزَلَ فِي التَّوْرَاة أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ التَّوْرَاة , حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ قَبْل نُزُولهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5846 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّمَا نُحَرِّم مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه , وَإِنَّمَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل الْعُرُوق , كَانَ يَأْخُذهُ عِرْق النَّسَا , كَانَ يَأْخُذهُ بِاللَّيْلِ وَيَتْرُكهُ بِالنَّهَارِ , فَحَلَفَ لَئِنْ اللَّه عَافَاهُ مِنْهُ لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , فَحَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } : مَا حَرَّمَ هَذَا عَلَيْكُمْ غَيْرِي بِبَغْيِكُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَات أُحِلَّتْ لَهُمْ } 4 160 فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَإِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسه فِي التَّوْرَاة , بِبَغْيِهِمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَظُلْمهمْ لَهَا . قُلْ يَا مُحَمَّد : فَأْتُوا أَيّهَا الْيَهُود إِنْ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ بِالتَّوْرَاةِ , فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ اللَّه لَمْ يُحَرِّم ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاة , وَأَنَّكُمْ إِنَّمَا تُحَرِّمُونَهُ لِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيل إِيَّاهُ عَلَى نَفْسه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَا كَانَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَرَامًا , لَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة , وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسهمْ اِتِّبَاعًا لِأَبِيهِمْ , ثُمَّ أَضَافُوا تَحْرِيمه إِلَى اللَّه . فَكَذَّبَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي إِضَافَتهمْ ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ , فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا , حَتَّى نَنْظُر هَلْ ذَلِكَ فِيهَا , أَمْ لَا ؟ لِيَتَبَيَّن كَذِبهمْ لِمَنْ يَجْهَل أَمْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5847 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } إِسْرَائِيل : هُوَ يَعْقُوب , أَخَذَهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ لَا يَثْبُت اللَّيْل مِنْ وَجَعه , وَكَانَ لَا يُؤْذِيه بِالنَّهَارِ . فَحَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , وَذَلِكَ قَبْل نُزُول التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى . فَسَأَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود مَا هَذَا الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه ؟ فَقَالُوا : نَزَلَتْ التَّوْرَاة بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل فَقَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } . .. إِلَى قَوْله : { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } وَكَذَّبُوا وَافْتَرَوْا , لَمْ تَنْزِل التَّوْرَاة بِذَلِكَ . وَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة وَبَعْد نُزُولهَا , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , بِمَعْنَى : لَكِنْ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة بَعْض ذَلِكَ . وَكَأَنَّ الضَّحَّاك وَجَّهَ قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } إِلَى الِاسْتِثْنَاء الَّذِي يُسَمِّيه النَّحْوِيُّونَ : الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع . وَقَالَ آخَرُونَ تَأْوِيل ذَلِكَ : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَام عَلَى وَلَده بِتَحْرِيمِ إِسْرَائِيل إِيَّاهُ عَلَى وَلَده , مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون اللَّه حَرَّمَهُ عَلَى إِسْرَائِيل وَلَا عَلَى وَلَده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5848 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } فَإِنَّهُ حَرَّمَ عَلَى نَفْسه الْعُرُوق , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي عِرْق النَّسَا , فَكَانَ لَا يَنَام اللَّيْل , فَقَالَ : وَاَللَّه لَئِنْ عَافَانِي اللَّه مِنْهُ لَا يَأْكُلهُ لِي وَلَد ! وَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة . وَسَأَلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرًا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَقَالَ " مَا شَأْن هَذَا حَرَامًا ؟ " فَقَالُوا : هُوَ حَرَام عَلَيْنَا مِنْ قَبْل الْكِتَاب . فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل } . .. إِلَى : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذَهُ - يَعْنِي إِسْرَائِيل - عِرْق النَّسَا , فَكَانَ لَا يَثْبُت بِاللَّيْلِ مِنْ شِدَّة الْوَجَع , وَكَانَ لَا يُؤْذِيه بِالنَّهَارِ , فَحَلَفَ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَقَالَ الْيَهُود لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَزَلَتْ التَّوْرَاة بِتَحْرِيمِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه . قَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَكَذَبُوا , لَيْسَ فِي التَّوْرَاة قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ غَيْر تَحْرِيم اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيمِ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيل ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , مِنْ غَيْر أَنْ يُحَرِّمهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي تَنْزِيل وَلَا بِوَحْيٍ قَبْل التَّوْرَاة , حَتَّى نَزَلَتْ التَّوْرَاة , فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا شَاءَ , وَأَحَلَّ لَهُمْ فِيهَا مَا أَحَبَّ . وَهَذَا قَوْل قَالَتْهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَهُوَ مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5849 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة } وَإِسْرَائِيل : هُوَ يَعْقُوب . { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة . إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه , فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّه التَّوْرَاة حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِيهَا مَا شَاءَ . وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا شَاءَ . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة بِنَحْوِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسه , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الَّذِي حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه الْعُرُوق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5850 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ يُوسُف بْن مَاهِك , قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيّ إِلَى اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : إِنَّهُ جَعَلَ اِمْرَأَته عَلَيْهِ حَرَامًا . قَالَ : لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ قَالَ : فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَلِمَ وَاَللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } ؟ قَالَ : فَضَحِكَ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ : وَمَا يُدْرِيك مَا كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه ؟ قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْم يُحَدِّثهُمْ , فَقَالَ : إِسْرَائِيل عَرَضَتْ لَهُ الْأَنْسَاء فَأَضْنَتْهُ , فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ شَفَاهُ اللَّه مِنْهَا لَا يَطْعَم عِرْقًا . قَالَ : فَلِذَلِكَ الْيَهُود تَنْزِع الْعُرُوق مِنْ اللَّحْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : سَمِعْت يُوسُف بْن مَاهِك يُحَدِّث : أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى اِبْن عَبَّاس , فَذَكَرَ رَجُلًا حَرَّمَ اِمْرَأَته , فَقَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } ؟ فَقَالَ : إِنَّ إِسْرَائِيل كَانَ بِهِ عِرْق النَّسَا , فَحَلَفَ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّه أَنْ لَا يَأْكُل الْعُرُوق مِنْ اللَّحْم , وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ . 5851 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز فِي قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : إِنَّ يَعْقُوب أَخَذَهُ وَجَع عِرْق النَّسَا , فَجَعَلَ اللَّه عَلَيْهِ - أَوْ أَقْسَمَ , أَوْ قَالَ - لَا يَأْكُلهُ مِنْ الدَّوَابّ . قَالَ : وَالْعُرُوق كُلّهَا تَبَع لِذَلِكَ الْعِرْق . 5852 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه , أَنَّ الْأَنْسَاء أَخَذَتْهُ ذَات لَيْلَة , فَأَسْهَرَتْهُ , فَتَأَلَّى إِنْ اللَّه شَفَاهُ لَا يَطْعَم نَسًا أَبَدًا فَتَتَبَّعَتْ بَنُوهُ الْعُرُوق بَعْد ذَلِكَ يُخْرِجُونَهَا مِنْ اللَّحْم . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : قَالَ : فَتَأَلَّى لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه لَا يَأْكُل عِرْقًا أَبَدًا , فَجَعَلَ بَنُوهُ بَعْد ذَلِكَ يَتَتَبَّعُونَ الْعُرُوق , فَيُخْرِجُونَهَا مِنْ اللَّحْم , وَكَانَ الَّذِي حَرَّمَ عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة الْعُرُوق . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : اِشْتَكَى إِسْرَائِيل عِرْق النَّسَا , فَقَالَ : إِنْ اللَّه شَفَانِي لَأُحَرِّمَنَّ الْعُرُوق , فَحَرَّمَهَا . 5853 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ إِسْرَائِيل أَخَذَهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ يَبِيت وَلَهُ زُقَاء , فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ شَفَاهُ أَنْ لَا يَأْكُل الْعُرُوق . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ سُفْيَان : لَهُ زُقَاء : يَعْنِي صِيَاح . 5854 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : كَانَ يَشْتَكِي عِرْق النَّسَا , فَحَرَّمَ الْعُرُوق . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة } قَالَ : كَانَ إِسْرَائِيل يَأْخُذهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ يَبِيت وَلَهُ زُقَاء , فَحَرَّمَ عَلَى نَفْسه أَنْ يَأْكُل عِرْقًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه : لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5855 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّهُ اِشْتَكَى شَكْوًى , فَقَالُوا : إِنَّهُ عِرْق النَّسَا , فَقَالَ : رَبّ إِنَّ أَحَبّ الطَّعَام إِلَيَّ لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا , فَإِنْ شَفَيْتنِي فَإِنِّي أُحَرِّمهَا عَلَيَّ ! قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل . 5856 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل } قَالَ : كَانَ إِسْرَائِيل حَرَّمَ عَلَى نَفْسه لُحُوم الْإِبِل , وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة تَحْرِيم إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه لُحُوم الْإِبِل , وَإِنَّمَا كَانَ حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه لُحُوم الْإِبِل قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة , فَقَالَ اللَّه : { فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَقَالَ : لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة تَحْرِيم إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه إِلَّا لَحْم الْإِبِل . 5857 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان قَالَ : ثنا حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ إِسْرَائِيل أَخَذَهُ عِرْق النَّسَا , فَكَانَ يَبِيت بِاللَّيْلِ لَهُ زُقَاء - يَعْنِي صِيَاح - قَالَ : فَجَعَلَ عَلَى نَفْسه لَئِنْ شَفَاهُ اللَّه مِنْهُ لَا يَأْكُلهُ - يَعْنِي لُحُوم الْإِبِل - قَالَ : فَحَرَّمَهُ الْيَهُود . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ : إِنَّ هَذَا قَبْل التَّوْرَاة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : حَرَّمَ الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل . قَالَ : كَانَ بِهِ عِرْق النَّسَا , فَأَكَلَ مِنْ لُحُومهَا فَبَاتَ بِلَيْلَةٍ يَزْقُو , فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلهُ أَبَدًا . 5858 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه } قَالَ : حَرَّمَ لُحُوم الْأَنْعَام . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ , قَوْل اِبْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ الْأَعْمَش , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد , عَنْهُ , أَنَّ ذَلِكَ الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل , لِأَنَّ الْيَهُود مُجْمِعَة إِلَى الْيَوْم عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمهَا , كَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَوَائِلهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ خَبَر , وَهُوَ مَا : 5859 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ عِصَابَة مِنْ الْيَهُود حَضَرَتْ رَسُول اللَّه , فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم أَخْبِرْنَا أَيّ الطَّعَام حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه مِنْ قَبْل أَنْ تُنَزَّل التَّوْرَاة ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْشُدكُمْ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاة عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيل يَعْقُوب مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا , فَطَالَ سَقَمه مِنْهُ , فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ عَافَاهُ اللَّه مِنْ سَقَمه لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبّ الطَّعَام وَالشَّرَاب إِلَيْهِ , وَكَانَ أَحَبّ الطَّعَام إِلَيْهِ لُحْمَان الْإِبِل , وَأَحَبّ الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلْبَانهَا ؟ " فَقَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ . وَأَمَّا قَوْله : { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلزَّاعِمِينَ مِنْ الْيَهُود أَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا , اِئْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا ! يَقُول : قُلْ لَهُمْ : جِيئُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا , حَتَّى يَتَبَيَّن لِمَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ كَذِبهمْ وَقِيلهمْ الْبَاطِل عَلَى اللَّه مِنْ أَمْرهمْ , أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا أَنْزَلَتْهُ فِي التَّوْرَاة { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } , يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّ اللَّه أَنْزَلَ تَحْرِيم ذَلِكَ فِي التَّوْرَاة , فَأَتُونَا بِهَا , فَاتْلُوَا تَحْرِيم ذَلِكَ عَلَيْنَا مِنْهَا . وَإِنَّمَا ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ كَذِبهمْ , لِأَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ بِذَلِكَ أَبَدًا عَلَى صِحَّته , فَأَعْلَمَ اللَّه بِكَذِبِهِمْ عَلَيْهِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَعَلَ إِعْلَامه إِيَّاهُ ذَلِكَ حُجَّة لَهُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَخْفَى عَلَى كَثِير مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ , فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أُمِّيّ مِنْ غَيْر مِلَّتهمْ , لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَعْلَمَهُ ذَلِكَ بِوَحْيٍ مِنْ عِنْده , كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يَعْلَمهُ . فَكَانَ فِي ذَلِكَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَار أَوَائِلهمْ كَانَ مِنْ خَفِيّ عُلُومهمْ الَّذِي لَا يَعْلَمهُ غَيْر خَاصَّة مِنْهُمْ , إِلَّا مَنْ أَعْلَمَهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة مِنْ نَبِيّ أَوْ رَسُول , أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّه عَلَى عِلْمه مِمَّنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه .
فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة آل عمران الآية رقم 94
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب مِنْ بَعْد ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : فَمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّه مِنَّا وَمِنْكُمْ مِنْ بَعْد مَجِيئِكُمْ بِالتَّوْرَاةِ , وَتِلَاوَتكُمْ إِيَّاهَا , وَعَدَمكُمْ مَا اِدَّعَيْتُمْ مِنْ تَحْرِيم اللَّه الْعُرُوق وَلُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا فِيهَا , { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ { فَأُولَئِكَ } يَعْنِي فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ , { هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي فَهُمْ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل . كَمَا : 5860 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ : { فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود .
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة آل عمران الآية رقم 95
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ صَدَقَ اللَّه فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد : صَدَقَ اللَّه فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ قَوْله : { كُلّ الطَّعَام كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيل } وَأَنَّ اللَّه لَمْ يُحَرِّم عَلَى إِسْرَائِيل وَلَا عَلَى وَلَده الْعُرُوق وَلَا لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا . وَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ شَيْئًا حَرَّمَهُ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسه وَوَلَده بِغَيْرِ تَحْرِيم اللَّه إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة , وَفِي كُلّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عِبَاده مِنْ خَبَر دُونكُمْ وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود الْكَذَبَة فِي إِضَافَتكُمْ تَحْرِيم ذَلِكَ إِلَى اللَّه عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاة ,

الْمُفْتَرِيَة عَلَى اللَّه الْبَاطِل فِي دَعْوَاكُمْ عَلَيْهِ غَيْر الْحَقّ { فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : فَإِنْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْيَهُود مُحِقِّينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّكُمْ عَلَى الدِّين الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , فَاتَّبِعُوا مِلَّة إِبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه , فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ الَّذِي اِرْتَضَاهُ اللَّه مِنْ خَلْقه دِينًا , اِلْبَكْ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ , وَذَلِكَ الْحَنِيفِيَّة , يَعْنِي الِاسْتِقَامَة عَلَى الْإِسْلَام وَشَرَائِعه , دُون الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة وَالْمُشْرِكَة .

وَقَوْله : { وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : لَمْ يَكُنْ يُشْرِك فِي عِبَادَته أَحَدًا مِنْ خَلْقه , فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا أَيّهَا الْيَهُود , فَلَا يَتَّخِذ بَعْضكُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه , تُطِيعُونَهُمْ كَطَاعَةِ إِبْرَاهِيم رَبّه . وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَر عَبَدَة الْأَوْثَان , فَلَا تَتَّخِذُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام أَرْبَابًا , وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا مِنْ دُون اللَّه . فَإِنَّ إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ دِينه إِخْلَاص الْعِبَادَة لِرَبِّهِ وَحْده , مِنْ غَيْر إِشْرَاك أَحَد مَعَهُ فِيهِ , فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا , فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ فِي الْعِبَادَة أَحَدًا , فَإِنَّ جَمِيعكُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ عَلَى حَقّ وَهُدًى مُسْتَقِيم , فَاتَّبِعُوا مَا قَدْ أَجْمَعَ جَمِيعكُمْ عَلَى تَصْوِيبه مِنْ مِلَّته الْحَنِيفِيَّة , وَدَعُوا مَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ سَائِر الْمِلَل غَيْرهَا أَيّهَا الْأَحْزَاب . فَإِنَّهَا بِدَع أَبْدَعْتُمُوهَا إِلَى مَا قَدْ أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَقّ , فَإِنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَوَاب وَحَقّ مِنْ مِلَّة إِبْرَاهِيم هُوَ الْحَقّ الَّذِي اِرْتَضَيْته وَابْتَعَثْتُ بِهِ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي وَسَائِر ذَلِكَ هُوَ الْبَاطِل الَّذِي لَا أَقْبَلهُ مِنْ أَحَد مِنْ خَلْقِي جَاءَنِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَعْنِي بِهِ : وَمَا كَانَ مِنْ عَدَدهمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض فِي التَّظَاهُر عَلَى كُفْرهمْ , وَنُصْرَة بَعْضهمْ بَعْضًا , فَبَرَّأَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيله أَنْ يَكُون مِنْهُمْ أَوْ مِنْ نُصَرَائِهِمْ وَأَهْل وِلَايَتهمْ . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْمُشْرِكِينَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَسَائِر الْأَدْيَان غَيْر الْحَنِيفِيَّة , قَالَ : لَمْ يَكُنْ إِبْرَاهِيم مِنْ أَهْل هَذِهِ الْأَدْيَان الْمُشْرِكَة , وَلَكِنَّهُ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا .
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَسورة آل عمران الآية رقم 96
الْقَوْل مِنْ تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمَيْنِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ يُعْبَد اللَّه فِيهِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ , الَّذِي بِبَكَّةَ . قَالُوا : وَلَيْسَ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَتْ قَبْله بُيُوت كَثِيرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5861 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عَرْعَرَة , قَالَ : قَامَ رَجُل إِلَى عَلِيّ , فَقَالَ : أَلَا تُخْبِرنِي عَنْ الْبَيْت , أَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَالَ : لَا , وَلَكِنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْبَرَكَة مَقَام إِبْرَاهِيم , وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : سَمِعْت خَالِد بْن عَرْعَرَة قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا , وَقِيلَ لَهُ : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } هُوَ أَوَّل بَيْت كَانَ فِي الْأَرْض ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَأَيْنَ كَانَ قَوْم نُوح ؟ وَأَيْنَ كَانَ قَوْم هُود ؟ قَالَ : وَلَكِنَّهُ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى . 5862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَأَلَ حَفْص الْحَسَن وَأَنَا أَسْمَع , عَنْ قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : هُوَ أَوَّل مَسْجِد عُبِدَ اللَّهُ فِيهِ فِي الْأَرْض . 5863 - حَدَّثَنَا عَبْد الْجَبَّار بْن يَحْيَى الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا ضَمْرَة , عَنْ اِبْن شَوْذَب , عَنْ مَطَر فِي قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ } قَالَ : قَدْ كَانَتْ قَبْله بُيُوت , وَلَكِنَّهُ أَوَّل بَيْت

وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ . 5864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ } يُعْبَد اللَّه فِيهِ { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } 5865 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : وُضِعَ لِلْعِبَادَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي صِفَة وَضْعه أَوَّل , فَقَالَ بَعْضهمْ : خُلِقَ قَبْل جَمِيع الْأَرَضِينَ , ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرَضُونَ مِنْ تَحْته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5866 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَيْبَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : خَلَقَ اللَّه الْبَيْت قَبْل الْأَرْض بِأَلْفَيْ سَنَة , وَكَانَ إِذَا كَانَ عَرْشه عَلَى الْمَاء , زُبْدَة بَيْضَاء , فَدُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْته . 5867 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : إِنَّ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه الْكَعْبَة , ثُمَّ دَحَى الْأَرْض مِنْ تَحْتهَا . 5868 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو : قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ } كَقَوْلِهِ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } 3 110 5869 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ } أَمَّا أَوَّل بَيْت , فَإِنَّهُ يَوْم كَانَتْ الْأَرْض مَاء , وَكَانَ زُبْدَة عَلَى الْأَرْض , فَلَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَرْض , خَلَقَ الْبَيْت مَعَهَا , فَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض . 5870 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : أَوَّل بَيْت وَضَعَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَطَافَ بِهِ آدَم وَمَنْ بَعْده . وَقَالَ آخَرُونَ مَوْضِع الْكَعْبَة , مَوْضِع أَوَّل بَيْت وَضَعَهُ اللَّه فِي الْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5871 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْبَيْت هَبَطَ مَعَ آدَم حِين هَبَطَ , قَالَ : اِهْبِطْ مَعَك بَيْتِي يُطَاف حَوْله كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي . فَطَافَ حَوْله آدَم وَمَنْ كَانَ بَعْده مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَن الطُّوفَان زَمَن أَغْرَقَ اللَّه قَوْم نُوح رَفَعَهُ اللَّه وَطَهَّرَهُ مِنْ أَنْ يُصِيبهُ عُقُوبَة أَهْل الْأَرْض , فَصَارَ مَعْمُورًا فِي السَّمَاء . ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيم تَتَبَّعَ مِنْهُ أَثَرًا بَعْد ذَلِكَ , فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاس قَدِيم كَانَ قَبْله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : مَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ : إِنَّ أَوَّل بَيْت مُبَارَك وَهُدًى وُضِعَ لِلنَّاسِ , لَلَّذِي بِبَكَّةَ . وَمَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ : أَيْ لِعِبَادَةِ اللَّه فِيهِ مُبَارَكًا وَهُدًى , يَعْنِي بِذَلِكَ وَمَآبًا لِنُسُكِ النَّاسِكِينَ وَطَوَاف الطَّائِفِينَ , تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَإِجْلَالًا لَهُ ; لَلَّذِي بِبَكَّةَ ; لِصِحَّةِ الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ مَا : 5872 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي ذَرّ , قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , أَيّ مَسْجِد وُضِعَ أَوَّل ؟ قَالَ : " الْمَسْجِد الْحَرَام " قَالَ : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : " الْمَسْجِد الْأَقْصَى " قَالَ : كَمْ بَيْنهمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَة " . فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام هُوَ أَوَّل مَسْجِد وَضَعَهُ اللَّه فِي الْأَرْض عَلَى مَا قُلْنَا , فَأَمَّا فِي وَضْعه بَيْتًا بِغَيْرِ مَعْنَى بَيْت لِلْعِبَادَةِ وَالْهُدَى وَالْبَرَكَة , فَفِيهِ مِنْ الِاخْتِلَاف مَا قَدْ ذَكَرْت بَعْضه فِي هَذَا الْمَوْضِع وَبَعْضه فِي سُورَة الْبَقَرَة وَغَيْرهَا مِنْ سُوَر الْقُرْآن وَبَيَّنْت الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي لَلْبَيْت الَّذِي بِمُزْدَحَمِ النَّاس لِطَوَافِهِمْ فِي حَجّهمْ وَعُمَرهمْ . وَأَصْل الْبَكّ : الزَّحْم , يُقَال مِنْهُ : بَكَّ فُلَان فُلَانًا : إِذَا زَحَمَهُ وَصَدَمَهُ , فَهُوَ . يَبُكّهُ بَكًّا , وَهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهِ : يَعْنِي بِهِ : يَتَزَاحَمُونَ وَيَتَصَادَمُونَ فِيهِ , فَكَانَ بَكَّة : " فَعْلَة " مِنْ بَكَّ فُلَان فُلَانًا : زَحَمَهُ , سُمِّيَتْ الْبُقْعَة بِفِعْلِ الْمُزْدَحِمِينَ بِهَا . فَإِذَا كَانَتْ بَكَّة مَا وَصَفْنَا , وَكَانَ مَوْضِع اِزْدِحَام النَّاس حَوْل الْبَيْت , وَكَانَ لَا طَوَاف يَجُوز خَارِج الْمَسْجِد , كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُون مَا حَوْل الْكَعْبَة مِنْ دَاخِل الْمَسْجِد , وَأَنَّ مَا كَانَ خَارِج الْمَسْجِد فَمَكَّة لَا بَكَّة ; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى خَارِجه يُوجِب عَلَى النَّاس التَّبَاكّ فِيهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيْنًا بِذَلِكَ فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ بَكَّة : اِسْم لِبَطْنِ مَكَّة , وَمَكَّة : اِسْم لِلْحَرَمِ . ذِكْر مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا , مِنْ أَنَّ بَكَّة - مَوْضِع مُزْدَحَم النَّاس لِلطَّوَافِ : 5873 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك الْغِفَارِيّ فِي قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } قَالَ : بَكَّة : مَوْضِع الْبَيْت , وَمَكَّة : مَا سِوَى ذَلِكَ . 5874 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم مِثْله . 5875 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ أَبِي جَعْفَر قَالَ : مَرَّتْ اِمْرَأَة بَيْن يَدَيْ رَجُل وَهُوَ يُصَلِّي , وَهِيَ تَطُوف بِالْبَيْتِ , فَدَفَعَهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : إِنَّهَا بَكَّة يَبُكّ بَعْضهَا بَعْضًا . 5876 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّة , لِأَنَّ النَّاس يَتَبَاكُّونَ فِيهَا , الرِّجَال وَالنِّسَاء . 5877 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد , قَالَ : قُلْت أَيّ شَيْء سُمِّيَتْ بَكَّة ؟ قَالَ : لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكَوْن فِيهَا , قَالَ : يَعْنِي يَتَزَاحَمُونَ . 5878 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَسْوَد بْن قَيْس , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ بَكَّة لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَهَا حُجَّاجًا . 5879 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } فَإِنَّ اللَّه بَكَّ بِهِ النَّاس جَمِيعًا , فَيُصَلِّي النِّسَاء قُدَّام الرِّجَال , وَلَا يَصْلُح بِبَلَدٍ غَيْره . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : " بَكَّة " : بَكَّ النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا , الرِّجَال وَالنِّسَاء يُصَلِّي بَعْضهمْ بَيْن يَدَيْ بَعْض , لَا يَصْلُح ذَلِكَ إِلَّا بِمَكَّةَ . 5880 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , قَالَ : " بَكَّة " : مَوْضِع الْبَيْت , وَ " مَكَّة " : مَا حَوْلهَا . 5881 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَزْهَر , عَنْ غَالِب بْن عُبَيْد اللَّه أَنَّهُ سَأَلَ اِبْن شِهَاب عَنْ بَكَّة . قَالَ : " بَكَّة " الْبَيْت وَالْمَسْجِد . وَسَأَلَهُ عَنْ مَكَّة . فَقَالَ اِبْن شِهَاب : " مَكَّة " : الْحَرَم كُلّه . 5882 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن . قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج . عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد , قَالَا " بَكَّة " : بَكَّ فِيهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء . 5883 - حَدَّثَنِي عَبْد الْجَبَّار بْن يَحْيَى الرَّمْلِيّ . قَالَ : قَالَ ضَمْرَة بْن رَبِيعه " بَكَّة " : الْمَسْجِد . وَ " مَكَّة " : الْبُيُوت . وَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 5884 - حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب . قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ } قَالَ : هِيَ مَكَّة . وَقِيلَ : { مُبَارَكًا } لِأَنَّ الطَّوَاف بِهِ مَغْفِرَة لِلذُّنُوبِ , فَأَمَّا نَصْب قَوْله : { مُبَارَكًا } فَإِنَّهُ عَلَى الْخُرُوج مِنْ قَوْله : { وُضِعَ } ; لِأَنَّ فِي " وُضِعَ " ذِكْرًا مِنْ الْبَيْت هُوَ بِهِ مَشْغُول وَهُوَ مَعْرِفَة , وَ " مُبَارَك " نَكِرَة لَا يَصْلُح أَنْ يَتْبَعهُ فِي الْإِعْرَاب . وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله , فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله : { لَلَّذِي بِبَكَّةَ } ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْلهمْ : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ , الْبَيْت بِبَكَّةَ مُبَارَكًا . فَالْبَيْت عِنْدهمْ مِنْ صِفَته " الَّذِي بِبَكَّةَ " , وَ " الَّذِي " بِصِلَتِهِ مَعْرِفَة , وَ " الْمُبَارَك " نَكِرَة ; فَنُصِبَ عَلَى الْقَطْع مِنْهُ فِي قَوْل بَعْضهمْ . وَعَلَى الْحَال فِي قَوْل بَعْضهمْ . وَ " هُدًى " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْعَطْف عَلَى قَوْله " مُبَارَكًا " .
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَسورة آل عمران الآية رقم 97
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } عَلَى جِمَاع آيَة , بِمَعْنَى : فِيهِ عَلَامَات بَيِّنَات . وَقَرَأَ ذَلِكَ اِبْن عَبَّاس . " فِيهِ آيَة بَيِّنَة " يَعْنِي بِهَا : مَقَام إِبْرَاهِيم , يُرَاد بِهَا عَلَامَة وَاحِدَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } وَمَا تِلْكَ الْآيَات . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَقَام إِبْرَاهِيم وَالْمَشْعَر الْحَرَام , وَنَحْو ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5885 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } : مَقَام إِبْرَاهِيم , وَالْمَشْعَر . 5886 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَمُجَاهِد : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم } قَالَا : مَقَام إِبْرَاهِيم مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات . وَقَالَ آخَرُونَ : الْآيَات الْبَيِّنَات { مَقَام إِبْرَاهِيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5887 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } قَالَ : { مَقَام إِبْرَاهِيم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } وَقَالَ آخَرُونَ : الْآيَات الْبَيِّنَات : هُوَ مَقَام إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5888 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم } أَمَّا الْآيَات الْبَيِّنَات : فَمَقَام إِبْرَاهِيم . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ : " فِيهِ آيَة بَيِّنَة " عَلَى التَّوْحِيد , فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِالْآيَةِ الْبَيِّنَة : مَقَام إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5889 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } قَالَ : قَدَمَاهُ فِي الْمَقَام آيَة بَيِّنَة . يَقُول : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ : هَذَا شَيْء آخَر . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد " فِيهِ آيَة بَيِّنَة مَقَام إِبْرَاهِيم " قَالَ : أَثَر قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَام آيَة بَيِّنَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الْآيَات الْبَيِّنَات مِنْهُنَّ مَقَام إِبْرَاهِيم , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة وَمُجَاهِد الَّذِي رَوَاهُ مَعْمَر عَنْهُمَا , فَيَكُون الْكَلَام مُرَادًا فِيهِنَّ " مِنْهُنَّ " , فَتَرَكَ ذِكْره اِكْتِفَاء بِدَلَالِهِ الْكَلَام عَلَيْهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَذَا الْمَقَام مِنْ الْآيَات الْبَيِّنَات , فَمَا سَائِر الْآيَات الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ : { آيَات بَيِّنَات } ؟ قِيلَ : مِنْهُنَّ : الْمَقَام , وَمِنْهُنَّ الْحِجْر , وَمِنْهُنَّ الْحَطِيم , وَأَصَحّ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { فِيهِ آيَات بَيِّنَات } عَلَى الْجِمَاع , لِإِجْمَاع قُرَّاء أَمْصَار الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة دُون غَيْرهَا . وَأَمَّا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل : { مَقَام إِبْرَاهِيم } فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَة الْبَقَرَة , وَبَيَّنَّا أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِيهِ هُنَالِكَ وَأَنَّهُ عِنْدنَا : الْمَقَام الْمَعْرُوف بِهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ , لَلَّذِي بِبَكَّةَ , فِيهِ عَلَامَات مِنْ قُدْرَة اللَّه وَآثَار خَلِيله إِبْرَاهِيم مِنْهُنَّ أَثَر قَدَم خَلِيله إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجَر الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله الْخَبَر عَنْ أَنَّ كُلّ مَنْ جَرَّ فِي الْجَاهِلِيَّة جَرِيرَة ثُمَّ عَاذَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَأْخُوذًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5890 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } وَهَذَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , كَانَ الرَّجُل لَوْ جَرَّ كُلّ جَرِيرَة عَلَى نَفْسه ثُمَّ أَلْجَأَ إِلَى حَرَم اللَّه , لَمْ يُتَنَاوَل وَلَمْ يُطْلَب ; فَأَمَّا فِي الْإِسْلَام , فَإِنَّهُ لَا يَمْنَع مِنْ حُدُود اللَّه , مَنْ سَرَقَ فِيهِ قُطِعَ , وَمَنْ زَنَى فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ , مَنْ قَتَلَ فِيهِ قُتِلَ , وَعَنْ قَتَادَة أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول : إِنَّ الْحَرَم لَا يَمْنَع مِنْ حُدُود اللَّه , لَوْ أَصَابَ حَدًّا فِي غَيْر الْحَرَم فَلَجَأَ إِلَى الْحَرَم لَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , وَرَأَى قَتَادَة مَا قَالَهُ الْحَسَن . 5891 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَأَمَّا الْيَوْم فَإِنْ سَرَقَ فِيهِ أَحَد قُطِعَ , وَإِنْ قَتَلَ فِيهِ قُتِلَ , وَلَوْ قُدِرَ فِيهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قُتِلُوا . 5892 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : ثنا خُصَيْف عَنْ مُجَاهِد فِي الرَّجُل يَقْتُل , ثُمَّ يَدْخُل الْحَرَم , قَالَ : يُؤْخَذ فَيُخْرَج مِنْ الْحَرَم , ثُمَّ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ . يَقُول : الْقَتْل . 5893 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , مِثْل قَوْل مُجَاهِد . 5894 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ الْحَسَن وَعَطَاء فِي الرَّجُل يُصِيب الْحَدّ , وَيَلْجَأ إِلَى الْحَرَم : يُخْرَج مِنْ الْحَرَم فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ : فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم , وَاَلَّذِي دَخَلَهُ مِنْ النَّاس كَانَ آمِنًا بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ يَدْخُلهُ يَكُنْ آمِنًا بِهَا , بِمَعْنَى الْجَزَاء , كَنَحْوِ قَوْل الْقَائِل . مَنْ قَامَ لِي أَكْرَمْته : بِمَعْنَى مَنْ يَقُمْ لِي أُكْرِمهُ . وَقَالُوا : هَذَا أَمْر كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , كَانَ الْحَرَم مَفْزَع كُلّ خَائِف , وَمَلْجَأ كُلّ جَانٍ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُهَاج لَهُ ذُو جَرِيرَة , وَلَا يَعْرِض الرَّجُل فِيهِ لِقَاتِلِ أَبِيهِ وَابْنه بِسُوءٍ . قَالُوا : وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْإِسْلَام زَادَهُ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5895 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ ثنا مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا أَصَابَ الرَّجُل الْحَدّ قَتَلَ أَوْ سَرَقَ , فَدَخَلَ الْحَرَم , وَلَمْ يُبَايَع وَلَمْ يُؤْوَ حَتَّى يَتَبَرَّم فَيُخْرَج مِنْ الْحَرَم , فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ . قَالَ . فَقُلْت لِابْنِ عَبَّاس : وَلَكِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ , أَرَى أَنْ يُؤْخَذ بِرُمَّتِهِ , ثُمَّ يُخْرَج مِنْ الْحَرَم , فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , فَإِنَّ الْحَرَم لَا يَزِيدهُ إِلَّا شِدَّة . 5896 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : أَخَذَ اِبْن الزُّبَيْر سَعْدًا مَوْلَى مُعَاوِيَة , وَكَانَ فِي قَلْعَة بِالطَّائِفِ , فَأَرْسَلَ إِلَى اِبْن عَبَّاس مَنْ يُشَاوِرهُ فِيهِمْ , إِنَّهُمْ لَنَا عَيْن , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : لَوْ وَجَدْت قَاتِل أَبِي لَمْ أَعْرِض لَهُ . قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن الزُّبَيْر : أَلَا نُخْرِجهُمْ مِنْ الْحَرَم ؟ قَالَ : فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : أَفَلَا قَبْل أَنْ تُدْخِلهُمْ الْحَرَم ؟ زَادَ أَبُو السَّائِب فِي حَدِيثه فَأَخْرَجَهُمْ فَصَلَبَهُمْ , وَلَمْ يُصْغِ إِلَى قَوْل اِبْن عَبَّاس . 5897 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي غَيْر الْحَرَم ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَم وَلَمْ يُعْرَض لَهُ وَلَمْ يُبَايَع وَلَمْ يَكَلَّم وَلَمْ يُؤْوَ حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم , فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَم أُخِذَ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ . قَالَ : وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الْحَرَم حَدَثًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل بْن نَصْر السُّلَمِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي حَبِيبَة , عَنْ دَاوُد بْن حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا ثُمَّ اِسْتَجَارَ بِالْبَيْتِ فَهُوَ آمِن , وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَاقِبُوهُ عَلَى شَيْء إِلَى أَنْ يَخْرُج , فَإِذَا خَرَجَ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدّ . 5898 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : لَوْ وَجَدْت قَاتِل عُمَر فِي الْحَرَم مَا هِجْتُهُ . 5899 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ عَطَاء : أَنَّ الْوَلِيد بْن عُتْبَة أَرَادَ أَنْ يُقِيم الْحَدّ فِي الْحَرَم , فَقَالَ لَهُ عُبَيْد بْن عُمَيْر : لَا تُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدّ فِي الْحَرَم إِلَّا أَنْ يَكُون أَصَابَهُ فِيهِ . 5900 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف , عَنْ عَامِر , قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْحَدّ , ثُمَّ هَرَبَ إِلَى الْحَرَم , فَقَدْ أَمِنَ , فَإِذَا أَصَابَهُ فِي الْحَرَم أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ فِي الْحَرَم . 5901 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ فِرَاس , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : مَنْ أَصَابَ حَدًّا فِي الْحَرَم وَمَنْ أَصَابَهُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَم ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَم , لَمْ يَكَلَّم وَلَمْ يُبَايَع حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم , فَيُقَام عَلَيْهِ 5902 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , وَعَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح فِي الرَّجُل يَقْتُل , ثُمَّ يَدْخُل الْحَرَم , قَالَ : لَا يَبِيعهُ أَهْل مَكَّة , وَلَا يَشْتَرُونَ مِنْهُ , وَلَا يَسْقُونَهُ وَلَا يُطْعِمُونَهُ , وَلَا يُؤْوُونَهُ - عَدَّ أَشْيَاء كَثِيرَة - حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم , فَيُؤْخَذ بِذَنْبِهِ . 5903 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ الرَّجُل إِذَا أَصَابَ حَدًّا ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَم أَنَّهُ لَا يُطْعَم , وَلَا يُسْقَى , وَلَا يُؤْوَى , وَلَا يُكَلَّم , وَلَا يُنْكَح , وَلَا يُبَايَع , فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَحْدَثَ الرَّجُل حَدَثًا , ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَم , لَمْ يُؤْوَ , وَلَمْ يُجَالَس , وَلَمْ يُبَايَع , وَلَمْ يُطْعَم , وَلَمْ يُسْقَ , حَتَّى يَخْرُج مِنْ الْحَرَم . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 5904 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا قَوْله : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } : فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا , ثُمَّ أَتَى الْكَعْبَة فَعَاذَ بِهَا , ثُمَّ لَقِيَهُ أَخُو الْمَقْتُول لَمْ يَحِلّ لَهُ أَبَدًا أَنْ يَقْتُلهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ دَخَلَهُ يَكُنْ آمِنًا مِنْ النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5905 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا رُزَيْق بْن مُسْلِم الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : ثنا زِيَاد بْن أَبِي عِيَاض , عَنْ يَحْيَى بْن جَعْدَة , فِي قَوْله : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } قَالَ : آمِنًا مِنْ النَّار . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل اِبْن الزُّبَيْر وَمُجَاهِد وَالْحَسَن , وَمَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ دَخَلَهُ مِنْ غَيْره مِمَّنْ لَجَأَ إِلَيْهِ عَائِذًا بِهِ كَانَ آمِنًا مَا كَانَ فِيهِ , وَلَكِنَّهُ يُخْرَج مِنْهُ فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ إِنْ كَانَ أَصَابَ مَا يَسْتَوْجِبهُ فِي غَيْره ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ فِيهِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : فِيهِ آيَات بَيِّنَات مَقَام إِبْرَاهِيم , وَمَنْ يَدْخُلهُ مِنْ النَّاس مُسْتَجِيرًا بِهِ يَكُنْ آمِنًا مِمَّا اِسْتَجَارَ مِنْهُ مَا كَانَ فِيهِ , حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا مَنَعَك مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ فِيهِ ؟ قِيلَ : لِاتِّفَاقِ جَمِيع السَّلَف عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَتْ جَرِيرَته فِي غَيْره ثُمَّ عَاذَ بِهِ , فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ بِجَرِيرَتِهِ فِيهِ . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة إِخْرَاجه مِنْهُ لِأَخْذِهِ بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : صِفَة ذَلِكَ مَنْعه الْمَعَانِي الَّتِي يُضْطَرّ مَعَ مَنْعه وَفَقْده إِلَى الْخُرُوج مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا صِفَة لِذَلِكَ غَيْر إِخْرَاجه مِنْهُ بِمَا أَمْكَنَ إِخْرَاجه مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تُوَصِّل إِلَى إِقَامَة حَدّ اللَّه مَعَهَا , فَلِذَلِكَ قُلْنَا : غَيْر جَائِز إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا بَعْد إِخْرَاجه مِنْهُ . فَأَمَّا مَنْ أَصَابَ الْحَدّ فِيهِ , فَإِنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع فِي أَنَّهُ يُقَام عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدّ , فَكِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ أَصْل مُجْمَع عَلَى حُكْمهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا دَلَالَتك عَلَى أَنَّ إِخْرَاج الْعَائِذ بِالْبَيْتِ إِذَا أَتَاهُ مُسْتَجِيرًا بِهِ مِنْ جَرِيرَة جَرَّهَا أَوْ مِنْ حَدّ أَصَابَهُ مِنْ الْحَرَم جَائِز لِإِقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْهِ وَأَخْذه بِالْجَرِيرَةِ , وَقَدْ أَقْرَرْت بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَ مَنْ دَخَلَهُ آمِنًا , وَمَعْنَى الْآمِن غَيْر مَعْنَى الْخَائِف , فِيمَا هُمَا فِيهِ مُخْتَلِفَانِ ؟ قِيلَ : قُلْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاء الْأُمَّة , عَلَى أَنَّ إِخْرَاج الْعَائِذ بِهِ مِنْ جَرِيرَة أَصَابَهَا أَوْ فَاحِشَة أَتَاهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِهِ عُقُوبَة مِنْهُ بِبَعْضِ مَعَانِي الْإِخْرَاج لِأَخْذِهِ بِمَا لَزِمَهُ , وَاجِب عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْإِسْلَام مَعَهُ . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي يُخْرَج بِهِ مِنْهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : السَّبَب الَّذِي يَجُوز إِخْرَاجه بِهِ مِنْهُ تَرْك جَمِيع الْمُسْلِمِينَ مُبَايَعَته وَإِطْعَامه وَسَقْيه وَإِيوَاءَهُ وَكَلَامه وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا قَرَار لِلْعَائِذِ بِهِ فِيهِ مَعَ بَعْضهَا , فَكَيْفَ مَعَ جَمِيعهَا ؟ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ إِخْرَاجه لِإِقَامَةِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْعُقُوبَة وَاجِب بِكُلِّ مَعَانِي الْإِخْرَاج . فَلَمَّا كَانَ إِجْمَاعًا مِنْ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ حُكْم اللَّه - فِيمَنْ عَاذَ بِالْبَيْتِ مِنْ حَدّ أَصَابَهُ أَوْ جَرِيرَة جَرَّهَا - إِخْرَاجه مِنْهُ لِإِقَامَةِ مَا فَرَضَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِقَامَته عَلَيْهِ , ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي يَجُوز إِخْرَاجه بِهِ مِنْهُ كَانَ اللَّازِم لَهُمْ وَلِإِمَامِهِمْ إِخْرَاجه مِنْهُ بِأَيِّ مَعْنًى أَمْكَنَهُمْ إِخْرَاجه مِنْهُ حَتَّى يُقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدّ الَّذِي لَزِمَهُ خَارِجًا مِنْهُ إِذَا كَانَ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ خَارِج عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل . وَبَعْد : فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَع حَدًّا مِنْ حُدُوده عَنْ أَحَد مِنْ خَلْقه مِنْ أَجْل بُقْعَة وَمَوْضِع صَارَ إِلَيْهَا مَنْ لَزِمَهُ ذَلِكَ . وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيم مَكَّة " . وَلَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْأُمَّة أَنَّ عَائِذًا لَوْ عَاذَ مِنْ عُقُوبَة لَزِمَتْهُ بِحَرَمِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَاخَذ بِالْعُقُوبَةِ فِيهِ . وَلَوْلَا مَا ذَكَرْت مِنْ إِجْمَاع السَّلَف عَلَى أَنَّ حَرَم إِبْرَاهِيم لَا يُقَام فِيهِ عَلَى مَنْ عَاذَ بِهِ مِنْ عُقُوبَة لَزِمَتْهُ حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ مَا لَزِمَهُ , لَكَانَ أَحَقّ الْبِقَاع أَنْ تُؤَدَّى فِيهِ فَرَائِض اللَّه الَّتِي أَلْزَمَهَا عِبَاده مِنْ قَتْل أَوْ غَيْره , أَعْظَم الْبِقَاع إِلَى اللَّه كَحَرَمِ اللَّه وَحَرَم رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّا أُمِرْنَا بِإِخْرَاجِ مَنْ أَمَرْنَا بِإِخْرَاجِهِ مِنْ حَرَم اللَّه لِإِقَامَةِ الْحَدّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْل الْأُمَّة ذَلِكَ وِرَاثَة . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا مَا كَانَ فِيهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْ عُقُوبَة لَزِمَتْهُ عَائِذًا بِهِ , فَهُوَ آمِن مَا كَانَ بِهِ حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ . وَإِنَّمَا يَصِير إِلَى الْخَوْف بَعْد الْخُرُوج أَوْ الْإِخْرَاج مِنْهُ , فَحِينَئِذٍ هُوَ غَيْر دَاخِله , وَلَا هُوَ فِيهِ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَفَرْض وَاجِب لِلَّهِ عَلَى مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيف السَّبِيل إِلَى حَجّ بَيْته الْحَرَام الْحَجّ إِلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْحَجّ وَدَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَاهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } , وَمَا السَّبِيل الَّتِي يَجِب مَعَ اِسْتَطَاعَتِهَا فَرْض الْحَجّ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الزَّاد وَالرَّاحِلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . 5907 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَمْرو بْن دِينَار : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . 5908 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي جَنَاب , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالْبَعِير . 5909 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } وَالسَّبِيل : أَنْ يَصِحّ بَدَن الْعَبْد , وَيَكُون لَهُ ثَمَن زَاد وَرَاحِلَة مِنْ غَيْر أَنْ يُجْحَف بِهِ . 5910 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْله : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ مَلَكَ ثَلَثمِائَةِ دِرْهَم , فَهُوَ السَّبِيل إِلَيْهِ . 5911 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ إِسْحَاق بْن عُثْمَان , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : السَّبِيل : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . 5912 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا , فَإِنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : السَّبِيل : رَاحِلَة وَزَاد . 5913 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , وَأَحْمَد بْن حَازِم , قَالَا : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . 5914 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الرَّبِيع بْن صَبِيح , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة . 5915 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : " الزَّاد وَالرَّاحِلَة " . وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة بِأَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 5916 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد الْخُوزِيّ , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر , يُحَدِّث عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : قَامَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : مَا السَّبِيل ؟ قَالَ : " الزَّاد وَالرَّاحِلَة " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِبْرَاهِيم الْخُوزِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد , عَنْ اِبْن عُمَر , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : " السَّبِيل إِلَى الْحَجّ الزَّاد وَالرَّاحِلَة " . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا يُونُس , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل ؟ قَالَ . " الزَّاد وَالرَّاحِلَة " . 5917 - حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَان الْمُقَدِّمِيّ , وَالْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هِلَال بْن عُبَيْد اللَّه مَوْلَى رَبِيعَة بْن عَمْرو بْن مُسْلِم الْبَاهِلِيّ , قَالَ . ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ الْحَرْث , عَنْ عَلِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَة تُبَلِّغهُ إِلَى بَيْت اللَّه فَلَمْ يَحُجّ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوت يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول فِي كِتَابه : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } . .. " الْآيَة . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لَهُ قَائِل , أَوْ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل إِلَيْهِ ؟ قَالَ : " مَنْ وَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَة " . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن التِّرْمِذِيّ , قَالَ : ثنا شَاذّ بْن فَيَّاض الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا هِلَال بْن هِشَام , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَة فَلَمْ يَحُجّ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } . .. " الْآيَة . * - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ قَتَادَة وَحُمَيْد , عَنْ الْحَسَن , أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَا السَّبِيل إِلَيْهِ ؟ قَالَ : " الزَّاد وَالرَّاحِلَة " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّبِيل الَّتِي إِذَا اِسْتَطَاعَهَا الْمَرْء كَانَ عَلَيْهِ الْحَجّ : الطَّاقَة لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ . قَالَ : وَذَلِكَ قَدْ يَكُون بِالْمَشْيِ وَبِالرُّكُوبِ , وَقَدْ يَكُون مَعَ وُجُودهمَا الْعَجْز عَنْ الْوُصُول إِلَيْهِ , بِامْتِنَاعِ الطَّرِيق مِنْ الْعَدُوّ الْحَائِل , وَبِقِلَّةِ الْمَاء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . قَالُوا : فَلَا بَيَان فِي ذَلِكَ أَبْيَن مِمَّا بَيَّنَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَكُون مُسْتَطِيعًا إِلَيْهِ السَّبِيل , وَذَلِكَ الْوُصُول إِلَيْهِ بِغَيْرِ مَانِع وَلَا حَائِل بَيْنه وَبَيْنه , وَذَلِكَ قَدْ يَكُون بِالْمَشْيِ وَحْده , وَإِنْ أَعْوَزَهُ الْمَرْكَب , وَقَدْ يَكُون بِالْمَرْكَبِ وَغَيْر ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5918 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ خَالِد بْن أَبِي كَرِيمَة , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر , قَوْله : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : عَلَى قَدْر الْقُوَّة . 5919 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : الزَّاد وَالرَّاحِلَة , فَإِنْ كَانَ شَابًّا صَحِيحًا لَيْسَ لَهُ مَال , فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِر نَفْسه بِأَكْلِهِ وَعَقِبه حَتَّى يَقْضِي حَجَّته . فَقَالَ لَهُ قَائِل : كَلَّفَ اللَّه النَّاس أَنْ يَمْشُوا إِلَى الْبَيْت ؟ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ لِبَعْضِهِمْ مِيرَاثًا بِمَكَّةَ أَكَانَ تَارِكه ؟ وَاَللَّه لَانْطَلَقَ إِلَيْهِ وَلَوْ حَبْوًا ! كَذَلِكَ يَجِب عَلَيْهِ الْحَجّ . 5920 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : مَنْ وَجَدَ شَيْئًا يُبَلِّغهُ فَقَدْ وَجَدَ سَبِيلًا , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } 5921 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , قَالَ : سُئِلَ عَامِر عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : السَّبِيل : مَا يَسَّرَهُ اللَّه . 5922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : مَنْ وَجَدَ شَيْئًا يُبَلِّغهُ فَقَدْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّبِيل إِلَى ذَلِكَ : الصِّحَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5923 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَمُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم وَالْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم , قَالُوا : حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِي , قَالَ : ثنا حَيْوَة بْن شُرَيْح وَابْن لَهِيعَة , قَالَا : أَخْبَرَنَا شُرَحْبِيل بْن شَرِيك الْمَعَافِرِيّ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : السَّبِيل : الصِّحَّة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 5924 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : مَنْ وَجَدَ قُوَّة فِي النَّفَقَة وَالْجَسَد وَالْحُمْلَان , قَالَ : وَإِنْ كَانَ فِي جَسَده مَا لَا يَسْتَطِيع الْحَجّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْحَجّ , وَإِنْ كَانَ لَهُ قُوَّة فِي مَال , كَمَا إِذَا كَانَ صَحِيح الْجَسَد وَلَا يَجِد مَالًا وَلَا قُوَّة , يَقُولُونَ : لَا يُكَلَّف أَنْ يَمْشِي . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ بِقَوْلِ اِبْن الزُّبَيْر وَعَطَاء , إِنَّ ذَلِكَ عَلَى قَدْر الطَّاقَة , لِأَنَّ السَّبِيل فِي كَلَام الْعَرَب : الطَّرِيق , فَمَنْ كَانَ وَاجِدًا طَرِيقًا إِلَى الْحَجّ لَا مَانِع لَهُ مِنْهُ مِنْ زَمَانَة , أَوْ عَجْز , أَوْ عَدُوّ , أَوْ قِلَّة مَاء فِي طَرِيقه , أَوْ زَاد , وَضَعُفَ عَنْ الْمَشْي , فَعَلَيْهِ فَرْض الْحَجّ لَا يَجْزِيه إِلَّا أَدَاؤُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِدًا سَبِيلًا , أَعْنِي بِذَلِكَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطِيقًا الْحَجّ بِتَعَذُّرِ بَعْض هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْنَاهَا عَلَيْهِ , فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِد إِلَيْهِ طَرِيقًا , وَلَا يَسْتَطِيعهُ , لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَة إِلَى ذَلِكَ هُوَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ , وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ بِبَعْضِ الْأَسْبَاب الَّتِي ذَكَرْنَا أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ , فَهُوَ غَيْر مُطِيق وَلَا مُسْتَطِيع إِلَيْهِ السَّبِيل . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذِهِ الْمَقَالَة أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا خَالَفَهَا , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُخَصِّص إِذْ أَلْزَمَ النَّاس فَرْض الْحَجّ بَعْض مُسْتَطِيعِي السَّبِيل إِلَيْهِ بِسُقُوطِ فَرْض ذَلِكَ عَنْهُ فَذَلِكَ عَلَى كُلّ مُسْتَطِيع إِلَيْهِ سَبِيلًا بِعُمُومِ الْآيَة . فَأَمَّا الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ الزَّاد وَالرَّاحِلَة , فَإِنَّهَا أَخْبَار فِي أَسَانِيدهَا نَظَر , لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِمِثْلِهَا فِي الدِّين . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة الْحَجّ , فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْعِرَاق بِالْكَسْرِ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت } , وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة أُخَر مِنْهُمْ بِالْفَتْحِ : " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حَجّ الْبَيْت " وَهُمَا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لِلْعَرَبِ , فَالْكَسْر لُغَة أَهْل نَجْد , وَالْفَتْح لُغَة أَهْل الْعَالِيَة , وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة اِدَّعَى فَرْقًا بَيْنهمَا فِي مَعْنًى وَلَا غَيْره غَيْر مَا ذَكَرْنَا مِنْ اِخْتِلَاف اللُّغَتَيْنِ , إِلَّا مَا : 5925 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : قَالَ حُسَيْن الْجُعْفِيّ : الْحَجّ مَفْتُوح : اِسْم , وَالْحَجّ مَكْسُور : عَمَل . وَهَذَا قَوْل لَمْ أَرَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَاتِ الْعَرَب وَمَعَانِي كَلَامهمْ يَعْرِفُونَهُ , بَلْ رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد . وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , أَنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِذْ كَانَتَا مُسْتَفِيضَتَيْنِ فِي قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام , وَلَا اِخْتِلَاف بَيْنهمَا فِي مَعْنًى وَلَا غَيْره , فَهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ جَاءَتَا مَجِيء الْحُجَّة , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ - أَعْنِي بِكَسْرِ الْحَاء مِنْ الْحَجّ أَوْ فَتْحهَا - قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي قِرَاءَته . وَأَمَّا " مَنْ " الَّتِي مَعَ قَوْله : { مَنْ اِسْتَطَاعَ } فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْإِبْدَال مِنْ النَّاس , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلِلَّهِ عَلَى مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْ النَّاس سَبِيلًا إِلَى حَجّ الْبَيْت حَجَّهُ ; فَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْر النَّاس قَبْل " مَنْ " بَيَّنَ بِقَوْلِهِ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } , الَّذِي عَلَيْهِ فَرْض ذَلِكَ مِنْهُمْ , لِأَنَّ فَرْض ذَلِكَ عَلَى بَعْض النَّاس دُون جَمِيعهمْ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَنْ جَحَدَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّه مِنْ فَرْض حَجّ بَيْته , فَأَنْكَرَهُ وَكَفَرَ بِهِ , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْهُ , وَعَنْ حَجّه وَعَمَله , وَعَنْ سَائِر خَلْقه مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس . كَمَا : 5926 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي الْمُجَالِد , قَالَ : سَمِعْت مِقْسَمًا , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ . 5927 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء وَجُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَا : مَنْ جَحَدَ الْحَجّ وَكَفَرَ بِهِ . 5928 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَنْ جَحَدَ بِهِ . 5929 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عِمْرَان الْقَطَّان , يَقُول : مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَجّ لَيْسَ عَلَيْهِ . 5930 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ أَنْكَرَهُ , وَلَا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَقًّا , فَذَلِكَ كُفْر . 5931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ كَفَرَ بِاَللَّهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ لَمْ يَرَهُ عَلَيْهِ وَاجِبًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ بِالْحَجِّ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ لَا يَكُون مُعْتَقِدًا فِي حَجّه أَنَّ لَهُ الْأَجْر عَلَيْهِ , وَلَا أَنَّ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ إِثْمًا وَلَا عُقُوبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5932 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : هُوَ مَا إِنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَرَهُ مَأْثَمًا . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ مَا إِنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا , وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَرَهُ مَأْثَمًا . 5933 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا مَطَر , عَنْ أَبِي دَاوُد نُفَيْع , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } " فَقَامَ رَجُل مِنْ هُذَيْل , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ تَرَكَهُ كَفَرَ ؟ قَالَ : " مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يَخَاف عُقُوبَته , وَمَنْ حَجَّ وَلَا يَرْجُو ثَوَابه , فَهُوَ ذَاكَ " . 5934 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول : مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ , فَلَمْ يَرَ حَجّه بِرًّا , وَلَا تَرْكه مَأْثَمًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5935 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سَأَلْته عَنْ قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } مَا هَذَا الْكُفْر ؟ قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . 5936 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْحَجّ جَمَعَ رَسُول اللَّه أَهْل الْأَدْيَان كُلّهمْ , فَقَالَ : " يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ فَحُجُّوا ! " فَآمَنَتْ بِهِ مِلَّة وَاحِدَة , وَهِيَ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهِ , وَكَفَرَتْ بِهِ خَمْس مِلَل , قَالُوا : لَا نُؤْمِن بِهِ , وَلَا نُصَلِّي إِلَيْهِ , وَلَا نَسْتَقْبِلهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } 5937 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو هَانِئ , قَالَ : سُئِلَ عَامِر , عَنْ قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ مِنْ الْخَلْق , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْهُ . 5938 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : " مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " . 5939 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا } 3 85 فَقَالَتْ الْمِلَل : نَحْنُ مُسْلِمُونَ ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } فَحَجَّ الْمُؤْمِنُونَ , وَقَعَدَ الْكُفَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ الْآيَات الَّتِي فِي مَقَام إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5940 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } . فَقَرَأَ { إِنَّ أَوَّل بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ الْآيَات , { فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } . لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ : إِذَا لَمْ يَحُجّ وَكَانَ غَنِيًّا وَكَانَتْ لَهُ قُوَّة فَقَدْ كَفَرَ بِهَا . وَقَالَ قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ : فَإِنَّا نَكْفُر بِهَا وَلَا نَفْعَل , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 5941 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر الضَّرِير , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي بَقِيَّة , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالْبَيْتِ . وَقَالَ آخَرُونَ : كُفْره بِهِ : تَرْكه إِيَّاهُ حَتَّى يَمُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5942 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , أَمَّا مَنْ كَفَرَ فَمَنْ وَجَدَ مَا يَحُجّ بِهِ ثُمَّ لَا يَحُجّ , فَهُوَ كَافِر . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى { وَمَنْ كَفَرَ } : وَمَنْ جَحَدَ فَرْض ذَلِكَ وَأَنْكَرَ وُجُوبه , فَإِنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْهُ وَعَنْ حَجّه وَعَنْ الْعَالَمِينَ جَمِيعًا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِهِ , لِأَنَّ قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ } بِعَقِبِ قَوْله : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ الْكَافِر بِالْحَجِّ , أَحَقّ مِنْهُ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ غَيْره , مَعَ أَنَّ الْكَافِر بِفَرْضِ الْحَجّ عَلَى مَنْ فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ بِاَللَّهِ كَافِر , وَإِنَّ الْكُفْر أَصْله الْجُحُود , وَمَنْ كَانَ لَهُ جَاحِدًا وَلِفَرْضِهِ مُنْكِرًا , فَلَا شَكّ إِنْ حَجَّ لَمْ يَرْجُ بِحَجِّهِ بِرًّا , وَإِنْ تَرَكَهُ فَلَمْ يَحُجَّ لَمْ يَرَهُ مَأْثَمًا . فَهَذِهِ التَّأْوِيلَات وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ الْعِبَارَات بِهَا فَمُتَقَارِبَات الْمَعَانِي .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَسورة آل عمران الآية رقم 98
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِنْ سَائِر مَنْ يَنْتَحِل الدَّيَّانَة بِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُتُبه , مِمَّنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَحَدَ نُبُوَّته ; لِمَ تَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّه ؟ يَقُول : لِمَ تَجْحَدُونَ حُجَج اللَّه الَّتِي آتَاهَا مُحَمَّدًا فِي كُتُبكُمْ

وَغَيْرهَا , الَّتِي قَدْ ثَبَتَتْ عَلَيْكُمْ بِصِدْقِهِ وَنُبُوَّته وَحُجَّته . " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " , يَقُول : لِمَ تَجْحَدُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْره , وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقه . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مُتَعَمِّدُونَ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , عَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَمَعْرِفَة مِنْ كُفْرهمْ . وَقَدْ : 5943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } أَمَّا آيَات اللَّه : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 5944 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَسورة آل عمران الآية رقم 99
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ مِمَّنْ يَنْتَحِل التَّصْدِيق بِكُتُبِ اللَّه , { لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : لِمَ تَضِلُّونَ عَنْ طَرِيق اللَّه وَمَحَجَّته الَّتِي شَرَعَهَا لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل الْإِيمَان { مَنْ آمَنَ } يَقُول : مَنْ صَدَّقَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه { تَبْغُونَهَا عِوَجًا } يَعْنِي تَبْغُونَ لَهَا عِوَجًا وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله : { تَبْغُونَهَا } عَائِدَتَانِ عَلَى السَّبِيل , وَأَنَّثَهَا لِتَأْنِيثِ السَّبِيل . وَمَعْنَى قَوْله : تَبْغُونَ لَهَا عِوَجًا , مِنْ قَوْل الشَّاعِر , وَهُوَ سُحَيْم عَبْد بَنِي الْحَسَّاس : بَغَاك وَمَا تَبْغِيه حَتَّى وَجَدْته كَأَنَّك قَدْ وَاعَدْته أَمْسِ مَوْعِدًا يَعْنِي طَلَبَك وَمَا تَطْلُبهُ . يُقَال : اِبْغِنِي كَذَا ; يُرَاد : اِبْتَغِهِ لِي , فَإِذَا أَرَادُوا : أَعِنِّي عَلَى طَلَبه , وَابْتَغِهِ مَعِي قَالُوا : أَبْغِنِي بِفَتْحِ الْأَلِف , وَكَذَلِكَ يُقَال : احْلُبْنِي , بِمَعْنَى : اِكْفِنِي الْحَلْب وَأَحْلِبْنِي : أَعِنِّي عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا النَّوْع فَعَلَى هَذَا . وَأَمَّا الْعِوَج : فَهُوَ الْأَوَد وَالْمَيْل , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الضَّلَال عَنْ الْهُدَى يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِمَ تَصُدُّونَ } عَنْ دِين اللَّه مَنْ صَدَّقَ اللَّه وَرَسُوله , تَبْغُونَ دِين اللَّه اِعْوِجَاجًا عَنْ سُنَنه وَاسْتِقَامَته وَخَرَجَ الْكَلَام عَلَى السَّبِيل , وَالْمَعْنَى لِأَهْلِهِ , كَأَنَّ الْمَعْنَى : تَبْغُونَ لِأَهْلِ دِين اللَّه , وَلِمَنْ هُوَ عَلَى سَبِيل الْحَقّ عِوَجًا , يَقُول : ضَلَالًا عَنْ الْحَقّ وَزَيْغًا عَنْ الِاسْتِقَامَة عَلَى الْهُدَى وَالْمَحَجَّة . وَالْعِوَج بِكَسْرِ أَوَّله : الْأَوَد فِي الدِّين وَالْكَلَام , وَالْعَوَج بِفَتْحِ أَوَّله : الْمَيْل فِي الْحَائِط وَالْقَنَاة وَكُلّ شَيْء مُنْتَصِب قَائِم . وَأَمَّا قَوْله : { وَأَنْتُمْ شُهَدَاء } فَإِنَّهُ يَعْنِي : شُهَدَاء عَلَى أَنَّ الَّذِي تَصُدُّونَ عَنْهُ مِنْ السَّبِيل حَقّ تَعْلَمُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كُتُبكُمْ . { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } يَقُول : لَيْسَ اللَّه بِغَافِلٍ عَنْ أَعْمَالكُمْ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا مِمَّا لَا يَرْضَاهُ لِعِبَادِهِ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالكُمْ حَتَّى يُعَاجِلكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا مُعَجَّلَة , أَوْ يُؤَخِّر ذَلِكَ لَكُمْ , حَتَّى تَلْقَوْهُ , فَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } وَالْآيَات بَعْدهمَا إِلَى قَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْيَهُود حَاوَلَ الْإِغْرَاء بَيْن الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْد الْإِسْلَام , لِيُرَاجِعُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , فَعَنَّفَهُ اللَّه بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَقَبَّحَ لَهُ مَا فَعَلَ وَوَبَّخَهُ عَلَيْهِ , وَوَعَظَ أَيْضًا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاق وَالِاخْتِلَاف , وَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِلَاف . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 5945 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الثِّقَة , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم , قَالَ : مَرَّ شَاس بْن قَيْس , وَكَانَ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيَّة , عَظِيم الْكُفْر , شَدِيد الضِّغْن عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَدِيد الْحَسَد لَهُمْ , عَلَى نَفَر مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه - مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي مَجْلِس قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ . فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ جَمَاعَتهمْ وَأُلْقَتهمْ وَصَلَاح ذَات بَيْنهمْ عَلَى الْإِسْلَام بَعْد الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقَالَ : قَدْ اِجْتَمَعَ مَلَأ بَنِي قَيْلَة بِهَذِهِ الْبِلَاد , وَاَللَّه مَا لَنَا مَعَهُمْ إِذَا اِجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَار فَأَمَرَ فَتًى شَابًّا مِنْ الْيَهُود وَكَانَ مَعَهُ , فَقَالَ : اِعْمِدْ إِلَيْهِمْ , فَاجْلِسْ مَعَهُمْ وَذَكِّرْهُمْ يَوْم بُعَاث وَمَا كَانَ قَبْله , وَأَنْشِدْهُمْ بَعْض مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الْأَشْعَار . وَكَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا اِقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَكَانَ الظَّفَر فِيهِ لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَج . فَفَعَلَ , فَتَكَلَّمَ الْقَوْم عِنْد ذَلِكَ , فَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكَب أَوْس بْن قَيْظِيّ أَحَد بَنِي حَارِثَة بْن الْحَارِث مِنْ الْأَوْس وَجَبَّار بْن صَخْر أَحَد بَنِي سَلِمَة مِنْ الْخَزْرَج , فَتَقَاوَلَا , ثُمَّ قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : إِنْ شِئْتُمْ وَاَللَّه رَدَدْنَاهَا الْآن جَذَعَة وَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ , وَقَالُوا : قَدْ فَعَلْنَا السِّلَاح السِّلَاح مَوْعِدكُمْ الظَّاهِرَة - وَالظَّاهِرَة : الْحَرَّة - فَخَرَجُوا إِلَيْهَا وَتَحَاوُر النَّاس , فَانْضَمَّتْ الْأَوْس بَعْضهَا إِلَى بَعْض , وَالْخَزْرَج بَعْضهَا إِلَى بَعْض عَلَى دَعْوَاهُمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة . فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابه حَتَّى جَاءَهُمْ , فَقَالَ : " يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ اللَّه اللَّه , أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَأَنَا بَيْن أَظْهُركُمْ بَعْد إِذْ هَدَاكُمْ اللَّه إِلَى الْإِسْلَام , . وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ , وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة , وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْر وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ تَرْجِعُونَ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كُفَّارًا " فَعَرَفَ الْقَوْم أَنَّهَا نَزْعَة مِنْ الشَّيْطَان , وَكَيْد مِنْ عَدُوّهُمْ , فَأَلْقَوْا السِّلَاح مِنْ أَيْدِيهمْ , وَبَكَوْا , وَعَانَقَ الرِّجَال مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَعْضهمْ بَعْضًا . ثُمَّ اِنْصَرَفُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ , قَدْ أَطْفَأَ اللَّه عَنْهُمْ كَيْد عَدُوّ اللَّه شَاس بْن قَيْس وَمَا صَنَعَ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي شَاس بْن قَيْس وَمَا صَنَعَ { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه شَهِيد عَلَى مَا تَفْعَلُونَ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا } . .. الْآيَة وَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوْس بْن قَيْظِيّ وَجَبَّار بْن صَخْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمهمَا الَّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا مِمَّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَاس بْن قَيْس مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } إِلَى قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } وَقِيلَ : إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } جَمَاعَة يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن أَظْهُر مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات وَالنَّصَارَى , وَأَنَّ صَدّهمْ عَنْ سَبِيل اللَّه كَانَ بِإِخْبَارِهِمْ مَنْ سَأَلَهُمْ عَنْ أَمْر نَبِيّ اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , هَلْ يَجِدُونَ ذِكْره فِي كُتُبهمْ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ نَعْته فِي كُتُبهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا } كَانُوا إِذَا سَأَلَهُمْ أَحَد : هَلْ تَجِدُونَ مُحَمَّدًا ؟ قَالُوا : لَا ! فَصَدُّوا عَنْهُ النَّاس , وَبَغَوْا مُحَمَّدًا عِوَجًا : هَلَاكًا . 5947 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } يَقُول : لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ الْإِسْلَام , وَعَنْ نَبِيّ اللَّه وَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ , وَأَنْتُمْ شُهَدَاء فِيمَا تَقْرَءُونَ مِنْ كِتَاب اللَّه أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , وَأَنَّ الْإِسْلَام دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل غَيْره وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ , تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 5948 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , نَحْوه . 5949 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , نَهَاهُمْ أَنْ يَصُدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ سَبِيل اللَّه , وَيُرِيدُونَ أَنْ يَعْدِلُوا النَّاس إِلَى الضَّلَالَة . فَتَأْوِيل الْآيَة مَا قَالَهُ السُّدِّيّ : يَا مَعْشَر الْيَهُود لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ مُحَمَّد , وَتَمْنَعُونَ مِنْ اِتِّبَاعه الْمُؤْمِنِينَ بِكِتْمَانِكُمْ صِفَته الَّتِي تَجِدُونَهَا فِي كُتُبكُمْ . وَمُحَمَّد عَلَى هَذَا الْقَوْل : هُوَ السَّبِيل { تَبْغُونَهَا عِوَجًا } : تَبْغُونَ مُحَمَّدًا هَلَاكًا . وَأَمَّا سَائِر الرِّوَايَات غَيْره وَالْأَقْوَال فِي ذَلِكَ , فَإِنَّهُ نَحْو التَّأْوِيل الَّذِي بَيَّنَّاهُ قَبْل , مِنْ أَنَّ مَعْنَى السَّبِيل الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع الْإِسْلَام وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْد اللَّه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَسورة آل عمران الآية رقم 100
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَبِاَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب : شَاس بْن قَيْس الْيَهُودِيّ , عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ خَبَره عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم . وَقَالَ آخَرُونَ : فِيمَنْ عُنِيَ بِاَلَّذِينَ آمَنُوا , مِثْل قَوْل زَيْد بْن أَسْلَم , غَيْر أَنَّهُمْ قَالُوا : الَّذِي جَرَى الْكَلَام بَيْنه وَبَيْن غَيْره مِنْ الْأَنْصَار حَتَّى هَمُّوا بِالْقِتَالِ وَوَجَدَ الْيَهُودِيّ بِهِ مَغْمَزًا فِيهِمْ ثَعْلَبَة بْن عَنْمَة الْأَنْصَارِيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5950 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَة بْن عَنْمَة الْأَنْصَارِيّ , كَانَ بَيْنه وَبَيْن أُنَاس مِنْ الْأَنْصَار كَلَام , فَمَشَى بَيْنهمْ يَهُودِيّ مِنْ قَيْنُقَاع , فَحَمَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض حَتَّى هَمَّتْ الطَّائِفَتَانِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج أَنْ يَحْمِلُوا السِّلَاح فَيُقَاتِلُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } يَقُول : إِنْ حَمَلْتُمْ السِّلَاح فَاقْتَتَلْتُمْ كَفَرْتُمْ . 5951 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } قَالَ : كَانَ جِمَاع قَبَائِل الْأَنْصَار بَطْنَيْنِ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , وَكَانَ بَيْنهمَا فِي الْجَاهِلِيَّة حَرْب . وَدِمَاء وَشَنَآن , حَتَّى مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَبِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَطْفَأَ اللَّه الْحَرْب الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , وَأَلَّفَ بَيْنهمْ بِالْإِسْلَامِ قَالَ : فَبَيْنَا رَجُل مِنْ الْأَوْس وَرَجُل مِنْ الْخَزْرَج قَاعِدَانِ يَتَحَدَّثَانِ , وَمَعَهُمَا يَهُودِيّ جَالِس , فَلَمْ يَزَلْ يُذَكِّرهُمَا أَيَّامهمَا وَالْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , حَتَّى اِسْتَبَّا , ثُمَّ اِقْتَتَلَا . قَالَ : فَنَادَى هَذَا قَوْمه , وَهَذَا قَوْمه , فَخَرَجُوا بِالسِّلَاحِ , وَصَفَّ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . قَالَ : وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِد يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ , فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي بَيْنهمْ إِلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَى هَؤُلَاءِ لِيُسَكِّنهُمْ , حَتَّى رَجَعُوا وَوَضَعُوا السِّلَاح , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآن فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } إِلَى قَوْله : { عَذَاب عَظِيم } فَتَأْوِيل الْآيَة : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه , إِنْ تُطِيعُوا جَمَاعَة مِمَّنْ يَنْتَحِل الْكِتَاب مِنْ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , فَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ مَا يَأْمُرُونَكُمْ بِهِ , يُضِلُّوكُمْ فَيَرُدُّوكُمْ بَعْد تَصْدِيقكُمْ رَسُول رَبّكُمْ وَبَعْد إِقْرَاركُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ كَافِرِينَ ; يَقُول : جَاحِدِينَ لِمَا قَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ مِنْ الْحَقّ الَّذِي جَاءَكُمْ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ . فَنَهَاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَنْتَصِحُوهُمْ , وَيَقْبَلُوا مِنْهُمْ رَأْيًا أَوْ مَشُورَة , وَيُعَلِّمهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمْ لَهُمْ مُنْطَوُونَ عَلَى غِلّ وَغِشّ وَحَسَد وَبُغْض . كَمَا : 5952 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب يَرُدُّوكُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ كَافِرِينَ } : قَدْ تَقَدَّمَ اللَّه إِلَيْكُمْ فِيهِمْ كَمَا تَسْمَعُونَ , وَحَذَّرَكُمْ وَأَنْبَأَكُمْ بِضَلَالَتِهِمْ , فَلَا تَأْمَنُوهُمْ عَلَى دِينكُمْ وَلَا تَنْتَصِحُوهُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ , فَإِنَّهُمْ الْأَعْدَاء الْحَسَدَة الضُّلَّال . كَيْفَ تَأْتَمِنُونَ قَوْمًا كَفَرُوا بِكِتَابِهِمْ , وَقَتَلُوا رُسُلهمْ , وَتَحَيَّرُوا فِي دِينهمْ , وَعَجَزُوا عَنْ أَنْفُسهمْ ؟ أُولَئِكَ وَاَللَّه هُمْ أَهْل التُّهْمَة وَالْعَدَاوَة ! 5953 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍسورة آل عمران الآية رقم 101
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْد إِيمَانكُمْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , فَتَرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابكُمْ { وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه } يَعْنِي : حُجَج اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِي كِتَابه عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَفِيكُمْ رَسُولًا } حُجَّة أُخْرَى عَلَيْكُمْ لِلَّهِ , مَعَ آي كِتَابه , يَدْعُوكُمْ جَمِيع ذَلِكَ إِلَى الْحَقّ , وَيُبَصِّركُمْ الْهُدَى وَالرَّشَاد , وَيَنْهَاكُمْ عَنْ الْغَيّ وَالضَّلَال . يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : فَمَا وَجْه عُذْركُمْ عِنْد رَبّكُمْ فِي جُحُودكُمْ نُبُوَّة نَبِيّكُمْ , وَارْتِدَادكُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ , وَرُجُوعكُمْ إِلَى أَمْر جَاهِلِيَّتكُمْ , إِنْ

أَنْتُمْ رَاجَعْتُمْ ذَلِكَ وَكَفَرْتُمْ , وَفِيهِ هَذِهِ الْحُجَج الْوَاضِحَة , وَالْآيَات الْبَيِّنَة , عَلَى خَطَأ فِعْلكُمْ ذَلِكَ إِنْ فَعَلْتُمُوهُ . كَمَا : 5954 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه } . . . الْآيَة , عَلَمَانِ بَيِّنَانِ : وِجْدَان نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكِتَاب اللَّه ; فَأَمَّا نَبِيّ اللَّه فَمَضَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَأَمَّا كِتَاب اللَّه , فَأَبْقَاهُ اللَّه بَيْن أَظْهُركُمْ رَحْمَة مِنْ اللَّه وَنِعْمَة , فِيهِ حَلَاله وَحَرَامه , وَطَاعَته وَمَعْصِيَته .

وَأَمَّا قَوْله : { مَنْ يَعْتَصِم بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَمَنْ يَتَعَلَّق بِأَسْبَابِ اللَّه , وَيَتَمَسَّك بِدِينِهِ وَطَاعَته , { فَقَدْ هُدِيَ } يَقُول : فَقَدْ وُفِّقَ لِطَرِيقٍ وَاضِح وَمَحَجَّة مُسْتَقِيمَة غَيْر مُعْوَجَّة , فَيَسْتَقِيم بِهِ إِلَى رِضَا اللَّه وَإِلَى النَّجَاة مِنْ عَذَاب اللَّه وَالْفَوْز بِجَنَّتِهِ . كَمَا : 5955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمَنْ يَعْتَصِم بِاَللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ } قَالَ : يُؤْمِن بِاَللَّهِ . وَأَصْل الْعَصْم : الْمَنْع , فَكُلّ مَانِع شَيْئًا فَهُوَ عَاصِمه , وَالْمُمْتَنِع بِهِ مُعْتَصِم بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق : أَنَا اِبْن الْعَاصِمِينَ بَنِي تَمِيم إِذَا مَا أَعْظَم الْحَدَثَانِ نَابَا وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْحَبْلِ : عِصَام , وَلِلسَّبَبِ الَّذِي يَتَسَبَّب بِهِ الرَّجُل إِلَى حَاجَته : عِصَام , وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : إِلَى الْمَرْء قَيْس أُطِيل السُّرَى وَآخُذ مِنْ كُلّ حَيّ عُصُم يَعْنِي بِالْعُصُمِ : الْأَسْبَاب , أَسْبَاب الذِّمَّة وَالْأَمَان , يُقَال مِنْهُ : اِعْتَصَمْت بِحَبْلٍ مِنْ فُلَان , وَاعْتَصَمْت حَبْلًا مِنْهُ , وَاعْتَصَمْت بِهِ وَاعْتَصَمَهُ . وَأَفْصَح اللُّغَتَيْنِ : إِدْخَال الْبَاء , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } 3 103 وَقَدْ جَاءَ " اِعْتَصَمْته " , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِذَا أَنْتَ جَازَيْت الْإِخَاء بِمِثْلِهِ وَآسَيْتنِي ثُمَّ اِعْتَصَمْت حِبَالِيَا فَقَالَ : " اِعْتَصَمْت حِبَالِيَا " , وَلَمْ يُدْخِل الْبَاء , وَذَلِكَ نَظِير قَوْلهمْ : تَنَاوَلْت الْخِطَام وَتَنَاوَلَتْ بِالْخِطَامِ , وَتَعَلَّقْت بِهِ وَتَعَلَّقْته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : تَعَلَّقْت هِنْدًا نَاشِئًا ذَات مِئْزَر وَأَنْتَ وَقَدْ فَارَقْت لَمْ تَدْرِ مَا الْحِلْم وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْهُدَى وَالصِّرَاط وَأَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ

الْإِسْلَام فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِدِهِ , فَكَرِهْنَا إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي سَبَب تَجَاوُز الْقَبِيلَتَيْنِ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , كَانَ مِنْهُ قَوْله : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5956 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ الْأَغَرّ بْن الصَّبَّاح , عَنْ خَلِيفَة بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي نَصْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج بَيْنهمْ حَرْب فِي الْجَاهِلِيَّة كُلّ شَهْر , فَبَيْنَمَا هُمْ جُلُوس إِذْ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنهمْ حَتَّى غَضِبُوا , فَقَامَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض بِالسِّلَاحِ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَات اللَّه وَفِيكُمْ رَسُوله } . . إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ , { وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } . .. إِلَى آخِر الْآيَة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران الآية رقم 102
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا مَعْشَر مَنْ صَدَّقَ اللَّه وَرَسُوله , { اِتَّقُوا اللَّه } خَافُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ بِطَاعَتِهِ , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , { حَقّ تُقَاته } حَقّ خَوْفه , وَهُوَ أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5957 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة بْن شَرَاحِيل الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ زُبَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ زُبَيْد الْإِيَامِيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 5958 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , نَحْوه . 5959 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم , قَالَ : أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت مُرَّة الْهَمْدَانِيّ يُحَدِّث عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } فَذَكَرَ نَحْوه . 5960 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ طَاوُس : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى . 5961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : حَقّ تُقَاته أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى . 5962 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ , يَعْنِي إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَنْصَار , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أَمَّا حَقّ تُقَاته : يُطَاع فَلَا يُعْصَى , وَيُذْكَر فَلَا يُنْسَى , وَيُشْكَر فَلَا يُكْفَر . 5963 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } أَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى , قَالَ : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ كَمَا : 5964 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : حَقّ تُقَاته أَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيل اللَّه حَقّ جِهَاده , وَلَا يَأْخُذهُمْ فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم , وَيَقُومُوا لِلَّهِ بِالْقِسْطِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسهمْ وَآبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَذِهِ الْآيَة , هَلْ هِيَ مَنْسُوخَة أَمْ لَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } إِنَّهَا لَمْ تُنْسَخ , وَلَكِنْ حَقّ تُقَاته أَنْ تُجَاهِد فِي اللَّه حَقّ جِهَاده . ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيله الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ آنِفًا . 5966 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ طَاوُس : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا , { فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ طَاوُس , قَوْله : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } يَقُول : إِنْ لَمْ تَتَّقُوهُ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَنْسُوخَة , نَسَخَهَا قَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5967 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ثُمَّ أَنْزَلَ التَّخْفِيف وَالْيُسْر , وَعَادَ بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَته عَلَى مَا يَعْلَم مِنْ ضَعْف خَلْقه , فَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَخْفِيف وَعَافِيَة وَيُسْر . 5968 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال الْأَنْمَاطِيّ , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : نَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي التَّغَابُن { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا } وَعَلَيْهَا بَايَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة فِيمَا اِسْتَطَاعُوا . 5969 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } ثُمَّ نَزَلَ بَعْدهَا : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } 64 16 فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي آل عِمْرَان . 5970 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَلَمْ يُطِقْ النَّاس هَذَا , فَنَسَخَهُ اللَّه عَنْهُمْ , فَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } 64 16 5971 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه حَقّ تُقَاته } قَالَ : جَاءَ أَمْر شَدِيد , قَالُوا : وَمَنْ يَعْرِف قَدْر هَذَا أَوْ يَبْلُغهُ ؟ فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ اِشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , نَسَخَهَا عَنْهُمْ , وَجَاءَ بِهَذِهِ الْأُخْرَى , فَقَالَ : { فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ } 64 16 فَنَسَخَهَا .

{ وَلَا تَمُوتُنَّ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , { إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } لِرَبِّكُمْ , مُذْعِنُونَ لَهُ بِالطَّاعَةِ , مُخْلِصُونَ لَهُ الْأُلُوهِيَّة وَالْعِبَادَة . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِنَّ
تَأْوِيله

كَمَا : 5972 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ طَاوُس : { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ : عَلَى الْإِسْلَام وَعَلَى حُرْمَة الْإِسْلَام .
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَسورة آل عمران الآية رقم 103
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَتَعَلَّقُوا بِأَسْبَابِ اللَّه جَمِيعًا . يُرِيد بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ , وَعَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابه إِلَيْكُمْ مِنْ الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع عَلَى كَلِمَة الْحَقّ وَالتَّسْلِيم لِأَمْرِ اللَّه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الِاعْتِصَام وَأَمَّا الْحَبْل , فَإِنَّهُ السَّبَب الَّذِي يُوصَل بِهِ إِلَى الْبُغْيَة وَالْحَاجَة , وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَمَان حَبْلًا , لِأَنَّهُ سَبَب يُوصَل بِهِ إِلَى زَوَال الْخَوْف وَالنَّجَاة مِنْ الْجَزَع وَالذُّعْر , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : وَإِذْ تُجَوِّزهَا حِبَال قَبِيلَة أَخَذْت مِنْ الْأُخْرَى إِلَيْك حِبَالهَا وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } 3 112 وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5973 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْجَمَاعَة . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى ,

قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : حَبْل اللَّه : الْجَمَاعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُرْآن , وَالْعَهْد الَّذِي عَهِدَ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5974 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } حَبْل اللَّه الْمَتِين الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْتَصَم بِهِ : هَذَا الْقُرْآن . 5975 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : بِعَهْدِ اللَّه وَأَمْره . 5976 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ شَقِيق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إِنَّ الصِّرَاط مُحْتَضَر تَحْضُرهُ الشَّيَاطِين , يُنَادُونَ : يَا عَبْد اللَّه هَلُمَّ هَذَا الطَّرِيق ! لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه . فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه , فَإِنَّ حَبْل اللَّه هُوَ كِتَاب اللَّه . 5977 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } أَمَّا حَبْل اللَّه : فَكِتَاب اللَّه . 5978 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِحَبْلِ اللَّه } : بِعَهْدِ اللَّه . 5979 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { بِحَبْلِ اللَّه } قَالَ : الْعَهْد . 5980 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : حَبْل اللَّه : الْقُرْآن . 5981 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْقُرْآن . 5982 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كِتَاب اللَّه , هُوَ حَبْل اللَّه الْمَمْدُود مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ إِخْلَاص التَّوْحِيد لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5983 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } يَقُول : اِعْتَصِمُوا بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْده 5984 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا } قَالَ : الْحَبْل : الْإِسْلَام . وَقَرَأَ { وَلَا تَفَرَّقُوا }

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَفَرَّقُوا } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَفَرَّقُوا } : وَلَا تَتَفَرَّقُوا عَنْ دِين اللَّه وَعَهْده الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابه مِنْ الِائْتِلَاف وَالِاجْتِمَاع عَلَى طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره . كَمَا : 5985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ } أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ كَرِهَ لَكُمْ الْفُرْقَة وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِيهَا , وَحَذَّرَكُمُوهَا , وَنَهَاكُمْ عَنْهَا , وَرَضِيَ لَكُمْ السَّمْع وَالطَّاعَة وَالْأُلْفَة وَالْجَمَاعَة , فَارْضُوا لِأَنْفُسِكُمْ مَا رَضِيَ اللَّه لَكُمْ إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ , وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ . 5986 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ
أَبِيهِ

, عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبَى الْعَالِيَة : { وَلَا تَفَرَّقُوا } : لَا تُعَادُوا عَلَيْهِ , يَقُول : عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ , وَكُونُوا عَلَيْهِ إِخْوَانًا . 5987 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , أَنَّ الْأَوْزَاعِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّ يَزِيد الرَّقَاشِيّ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل اِفْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة , وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى اِثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلّهمْ فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة " . قَالَ : فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه , وَمَا هَذِهِ الْوَاحِدَة ؟ قَالَ : فَقَبَضَ يَده وَقَالَ : " الْجَمَاعَة " { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } * - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ يُحَدِّث عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . 5988 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ ثَابِت بْن قطنة المري , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُمَا حَبْل اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ , وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَة وَالطَّاعَة هُوَ خَيْر مِمَّا تَسْتَحِبُّونَ فِي الْفُرْقَة . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْيَشْكُرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ ثَابِت بْن قطنة , قَالَ : سَمِعْت اِبْن مَسْعُود وَهُوَ يَخْطُب , وَهُوَ يَقُول : يَا أَيّهَا النَّاس , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ عَامِر , عَنْ ثَابِت بْن قطنة المري , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَة , فَإِنَّهَا حَبْل اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } : وَاذْكُرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأُلْفَة وَالِاجْتِمَاع عَلَى الْإِسْلَام . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي قَوْله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة فِي ذَلِكَ : اِنْقَطَعَ الْكَلَام عِنْد قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } , ثُمَّ فُسِّرَ بِقَوْلِهِ : { فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } وَأَخْبَرَ بِاَلَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْل التَّأْلِيف , كَمَا تَقُول : أَمْسَكَ الْحَائِط أَنْ يَمِيل . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : قَوْله { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } تَابِع قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } غَيْر مُنْقَطِعَة مِنْهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ قَوْله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ } غَيْر مُنْقَطِع عَنْهُ . وَتَأْوِيل ذَلِكَ : وَاذْكُرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ نِعْمَة اللَّه عَلَيْكُمْ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ حِين كُنْتُمْ أَعْدَاء : أَيْ بِشِرْكِكُمْ , بِقَتْلِ بَعْضكُمْ بَعْضًا , عَصَبِيَّة فِي غَيْر طَاعَة اللَّه وَلَا طَاعَة رَسُوله , فَأَلَّفَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ بَيْن قُلُوبكُمْ , فَجَعَلَ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ إِخْوَانًا بَعْد إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء تَتَوَاصَلُونَ بِأُلْفَةِ الْإِسْلَام وَاجْتِمَاع كَلِمَتكُمْ عَلَيْهِ . كَمَا : 5989 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ


: ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } كُنْتُمْ تَذَّابَحُونَ فِيهَا , يَأْكُل شَدِيدكُمْ ضَعِيفكُمْ حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَآخَى بِهِ بَيْنكُمْ , وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ . أَمَا وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , إِنَّ الْأُلْفَة لَرَحْمَة , وَإِنَّ الْفُرْقَة لَعَذَاب ! 5990 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } : يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَيَأْكُل شَدِيدكُمْ ضَعِيفكُمْ , حَتَّى جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , فَأَلَّفَ بِهِ بَيْنكُمْ , وَجَمَعَ جَمْعكُمْ عَلَيْهِ , وَجَعَلَكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَانًا . فَالنِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه عَلَى الْأَنْصَار الَّتِي أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَذْكُرُوهَا هِيَ أُلْفَة الْإِسْلَام وَاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ عَلَيْهَا , وَالْعَدَاوَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ , الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } فَإِنَّهَا عَدَاوَة الْحُرُوب الَّتِي كَانَتْ بَيْن الْحَيَّيْنِ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي الْجَاهِلِيَّة قَبْل الْإِسْلَام , يَزْعُم الْعُلَمَاء بِأَيَّامِ الْعَرَب , أَنَّهَا تَطَاوَلَتْ بَيْنهمْ عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة . كَمَا : 5991 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانَتْ الْحَرْب بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة , حَتَّى قَامَ الْإِسْلَام وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَكَانَتْ حَرْبهمْ بَيْنهمْ وَهُمْ أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمّ , فَلَمْ يُسْمَع بِقَوْمٍ كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْحَرْب مَا كَانَ بَيْنهمْ . ثُمَّ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَطْفَأَ ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ , وَأَلَّفَ بَيْنهمْ بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَذَكَّرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذْ وَعَظَهُمْ عَظِيم مَا كَانُوا فِيهِ فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ الْبَلَاء وَالشَّقَاء بِمُعَادَاةِ بَعْضهمْ بَعْضًا وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَخَوْف بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَمَا صَارُوا إِلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَاتِّبَاع الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَان بِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ الِائْتِلَاف وَالِاجْتِمَاع , وَأَمِنَ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَمَصِير بَعْضهمْ لِبَعْضٍ إِخْوَانًا . وَكَأَنَّ سَبَب ذَلِكَ مَا : 5992 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة الْمَدَنِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْ قَوْمه , قَالُوا : قَدِمَ سُوَيْد بْن صَامِت أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف مَكَّة حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا . قَالَ : وَكَانَ سُوَيْد إِنَّمَا يُسَمِّيه قَوْمه فِيهِمْ الْكَامِل لِجَلَدِهِ وَشِعْره وَنَسَبه وَشَرَفه . قَالَ : فَتَصَدَّى لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَمِعَ بِهِ , فَدَعَاهُ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَام , قَالَ : فَقَالَ لَهُ سُوَيْد : فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَك مِثْل الَّذِي مَعِي ! قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا الَّذِي مَعَك ؟ " قَالَ مَجَلَّة لُقْمَان - يَعْنِي حِكْمَة لُقْمَان - فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِعْرِضْهَا بِهَا عَلَيَّ ! " فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ , فَقَالَ : " إِنَّ هَذَا الْكَلَام حَسَن , مَعِي أَفْضَل مِنْ هَذَا , قُرْآن أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيَّ هُدًى وَنُور " . قَالَ : فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن وَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَام , فَلَمْ يَبْعُد مِنْهُ , وَقَالَ : إِنَّ هَذَا الْقَوْل حَسَن ثُمَّ اِنْصَرَفَ عَنْهُ , وَقَدِمَ الْمَدِينَة , فَلَمْ يَلْبَث أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَج , فَإِنْ كَانَ قَوْمه لَيَقُولُونَ : قَدْ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِم , وَكَانَ قَتْله قَبْل يَوْم بُعَاث . حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ أَحَد بَنِي عَبْد الْأَشْهَل : أَنَّ مَحْمُود بْن أَسَد أَحَد بَنِي عَبْد الْأَشْهَل , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْجَيْش أَنَس بْن رَافِع مَكَّة , وَمَعَهُ فِتْيَة مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل فِيهِمْ إِيَاس بْن مُعَاذ , يَلْتَمِسُونَ الْحِلْف مِنْ قُرَيْش عَلَى قَوْم مِنْ الْخَزْرَج , سَمِعَ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ " هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْر مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ ؟ " قَالُوا : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : " أَنَا رَسُول اللَّه بَعَثَنِي إِلَى الْعِبَاد أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه أَنْ يَعْبُدُوا اللَّه وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْكِتَاب " . ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ الْإِسْلَام , وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن , فَقَالَ إِيَاس بْن مُعَاذ , وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا : أَيْ قَوْم , هَذَا وَاَللَّه خَيْر مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ ! قَالَ : فَأَخَذَ أَبُو الْجَيْش أَنَس بْن رَافِع حَفْنَة مِنْ الْبَطْحَاء فَضَرَبَ بِهَا وَجْه إِيَاس بْن مُعَاذ , وَقَالَ : دَعْنَا مِنْك , فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا ! قَالَ : فَصَمَتَ إِيَاس بْن مُعَاذ , وَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ , وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَكَانَتْ وَقْعَة بُعَاث بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج . قَالَ . ثُمَّ لَمْ يَلْبَث إِيَاس بْن مُعَاذ أَنْ هَلَكَ قَالَ : فَلَمَّا أَرَادَ اللَّه إِظْهَار دِينه , وَإِعْزَاز نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْجَاز مَوْعِده لَهُ , خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْسِم الَّذِي لَقِيَ فِيهِ النَّفَر مِنْ الْأَنْصَار يَعْرِض نَفْسه عَلَى قَبَائِل الْعَرَب كَمَا كَانَ يَصْنَع فِي كُلّ مَوْسِم . فَبَيْنَا هُوَ عِنْد الْعَقَبَة , إِذْ لَقِيَ رَهْطًا مِنْ الْخَزْرَج أَرَادَ اللَّه لَهُمْ خَيْرًا . قَالَ اِبْن حُمَيْد : قَالَ سَلَمَة : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : فَحَدَّثَنِي عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , عَنْ أَشْيَاخ مِنْ قَوْمه , قَالُوا : لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : " مَنْ أَنْتُمْ ؟ " قَالُوا : نَفَر مِنْ الْخَزْرَج , قَالَ : " أَمِنْ مَوَالِي يَهُود ؟ " قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : " أَفَلَا تَجْلِسُونَ حَتَّى أُكَلِّمكُمْ ؟ " قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَجَلَسُوا مَعَهُ , فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَام , وَتَلَا عَلَيْهِمْ الْقُرْآن . قَالَ : وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّه لَهُمْ بِهِ فِي الْإِسْلَام أَنَّ يَهُود كَانُوا مَعَهُمْ بِبِلَادِهِمْ , وَكَانُوا أَهْل كِتَاب وَعِلْم , وَكَانُوا أَهْل شِرْك , أَصْحَاب أَوْثَان , وَكَانُوا قَدْ غَزَوْهُمْ بِبِلَادِهِمْ , فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنهمْ شَيْء , قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ نَبِيًّا الْآنَ مَبْعُوث قَدْ أَظَلَّ زَمَانه , نَتَّبِعهُ وَنَقْتُلكُمْ مَعَهُ قَتْل عَادَ وَإِرَم . فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَر , وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : يَا قَوْم تَعْلَمُوا وَاَللَّه إِنَّهُ لَلنَّبِيّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُود , وَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ ! فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ , وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْإِسْلَام , وَقَالُوا لَهُ : إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمنَا , وَلَا قَوْم بَيْنهمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالشَّرّ مَا بَيْنهمْ , وَعَسَى أَنْ يَجْمَعهُمْ اللَّه بِك , وَسَنَقْدُمُ عَلَيْهِمْ , فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرك , وَنَعْرِض عَلَيْهِمْ الَّذِي أَجَبْنَاك إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّين , فَإِنْ يَجْمَعهُمْ اللَّه عَلَيْهِ , فَلَا رَجُل أَعَزّ مِنْك ! ثُمَّ اِنْصَرَفُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادهمْ , قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا , وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سِتَّة نَفَر . قَالَ : فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَة عَلَى قَوْمهمْ , ذَكَرُوا لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَام , حَتَّى فَشَا فِيهِمْ , فَلَمْ يَبْقَ دَار مِنْ دُور الْأَنْصَار إِلَّا وَفِيهَا ذِكْر مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل , وَافَى الْمَوْسِم مِنْ الْأَنْصَار اِثْنَا عَشَر رَجُلًا , فَلَقَوْهُ بِالْعَقَبَةِ , وَهِيَ الْعَقَبَة الْأُولَى , فَبَايَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَيْعَة النِّسَاء , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ تُفْتَرَض عَلَيْهِمْ الْحَرْب . 5993 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة نَفَر مِنْ الْأَنْصَار , فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ , فَأَرَادَ أَنْ يَذْهَب مَعَهُمْ , فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , إِنَّ بَيْن قَوْمنَا حَرْبًا , وَإِنَّا نَخَاف إِنْ جِئْت عَلَى حَالك هَذِهِ أَنْ لَا يَتَهَيَّأ الَّذِي تُرِيد . فَوَعَدُوهُ الْعَام الْمُقْبِل , وَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه نَذْهَب , فَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصْلِح تِلْكَ الْحَرْب ! قَالَ : فَذَهَبُوا فَفَعَلُوا , فَأَصْلَحَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تِلْكَ الْحَرْب , وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا لَا تُصْلَح ; وَهُوَ يَوْم بُعَاث فَلَقَوْهُ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل سَبْعِينَ رَجُلًا قَدْ آمَنُوا , فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ النُّقَبَاء اِثْنَيْ عَشَر نَقِيبًا , فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } 5994 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } فَفِي حَرْب { فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ } بِالْإِسْلَامِ . 5995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْر عَائِشَة مَا كَانَ , فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَوْعِدكُمْ الْحَرَّة ! فَخَرَجُوا إِلَيْهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاذْكُرُوا نِعْمَت اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } . .. الْآيَة , فَأَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَزَلْ يَتْلُوهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى اِعْتَنَقَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَحَتَّى إِنَّ لَهُمْ لَخَنِينًا , يَعْنِي الْبُكَاء . وَسُمَيْر الَّذِي زَعَمَ السُّدِّيّ أَنَّ قَوْله { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاء } عَنَى بِهِ حَرْبه , هُوَ سُمَيْر بْن زَيْد بْن مَالِك أَحَد بَنِي عَمْرو بْن عَوْف الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِك بْن الْعَجْلَان فِي قَوْله : إِنَّ سُمَيْرًا أَرَى عَشِيرَته قَدْ حَدِبُوا دُونه وَقَدْ أَنِفُوا إِنْ يَكُنْ الظَّنّ صَادِقِي بِبَنِي النَّ جَّار لَمْ يَطْعَمُوا الَّذِي عُلِفُوا وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاء الْأَنْصَار أَنَّ مَبْدَأ الْعَدَاوَة الَّتِي هَيَّجَتْ الْحُرُوب الَّتِي كَانَتْ بَيْن قَبِيلَتَيْهَا الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَأَوَّلهَا كَانَ بِسَبَبِ قَتْل مَوْلًى لِمَالِكِ بْن الْعَجْلَان الْخَزْرَجِيّ , يُقَال لَهُ : الْحُرّ بْن سُمَيْر , مِنْ مُزَيْنَة , وَكَانَ حَلِيفًا لِمَالِكِ بْن الْعَجْلَان , ثُمَّ اِتَّصَلَتْ تِلْكَ الْعَدَاوَة بَيْنهمْ إِلَى أَنْ أَطْفَأَهَا اللَّه بِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل السُّدِّيّ : حَرْب اِبْن سُمَيْر .

وَأَمَّا قَوْله : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَأَصْبَحْتُمْ بِتَأْلِيفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْنكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَكَلِمَة الْحَقّ وَالتَّعَاوُن عَلَى نُصْرَة أَهْل الْإِيمَان , وَالتَّآزُر عَلَى مَنْ خَالَفَكُمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , إِخْوَانًا مُتَصَادِقِينَ لَا ضَغَائِن بَيْنكُمْ , وَلَا تَحَاسُد .


كَمَا : 5996 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ مَسْعُود : كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ ؟ قَالَ : أَصْبَحْنَا بِنِعْمَةِ اللَّه إِخْوَانًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار } : وَكُنْتُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج عَلَى حَرْف حُفْرَة مِنْ النَّار , وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَثَل لِكُفْرِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَهْدِيهِمْ اللَّه لِلْإِسْلَامِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكُنْتُمْ عَلَى طَرَف جَهَنَّم بِكُفْرِكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ , قَبْل أَنْ يُنْعِم اللَّه عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ , فَتَصِيرُوا بِائْتِلَافِكُمْ عَلَيْهِ إِخْوَانًا , لَيْسَ بَيْنكُمْ وَبَيْن الْوُقُوع فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُفْركُمْ , فَتَكُونُوا مِنْ الْخَالِدِينَ فِيهَا , فَأَنْقَذَكُمْ اللَّه مِنْهَا بِالْإِيمَانِ الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ . وَشَفَا الْحُفْرَة : طَرَفهَا وَحَرْفهَا , مِثْل شَفَا الرَّكِيَّة وَالْبِئْر , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : نَحْنُ حَفَرْنَا لِلْحَجِيجِ سَجْلَهْ نَابِتَة فَوْق شَفَاهَا بَقْلَهْ يَعْنِي فَوْق حَرْفهَا , يُقَال : هَذَا شَفَا هَذِهِ الرَّكِيَّة مَقْصُور , وَهُمَا شَفَوَاهَا . وَقَالَ : { فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } : يَعْنِي فَأَنْقَذَكُمْ مِنْ الْحُفْرَة , فَرَدَّ الْخَبَر إِلَى الْحُفْرَة , وَقَدْ اِبْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ الشَّفَا , لِأَنَّ الشَّفَا مِنْ الْحُفْرَة , فَجَازَ ذَلِكَ , إِذْ كَانَ الْخَبَر عَنْ الشَّفَا عَلَى السَّبِيل الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة خَبَرًا عَنْ الْحُفْرَة , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : رَأَتْ مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مِنِّي كَمَا أَخَذَ السِّرَار مِنْ الْهِلَال فَذَكَرَ مَرَّ السِّنِينَ , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَبَر عَنْ السِّنِينَ . وَكَمَا قَالَ الْعَجَّاج : طُول اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي طَوَيْنَ طُولِي وَطَوَيْنَ عَرْضِي وَقَدْ بَيَّنْت الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل .

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5997 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته } كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب أَذَلَّ النَّاس ذُلًّا , وَأَشْقَاهُ عَيْشًا , وَأَبْيَنه ضَلَالَة , وَأَعْرَاهُ جُلُودًا , وَأَجْوَعه بُطُونًا , مَكْعُومِينَ عَلَى رَأْس حَجَر بَيْن الْأَسَدَيْنِ : فَارِس , وَالرُّوم , لَا وَاَللَّه مَا فِي بِلَادهمْ يَوْمئِذٍ مِنْ شَيْء يُحْسَدُونَ عَلَيْهِ , مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَاشَ شَقِيًّا وَمَنْ مَاتَ رُدِّيَ فِي النَّار , يُؤْكَلُونَ وَلَا يَأْكُلُونَ , وَاَللَّه مَا نَعْلَم قَبِيلًا يَوْمئِذٍ مِنْ حَاضِر الْأَرْض , كَانُوا فِيهَا أَصْغَر حَظًّا , وَأَدَقّ فِيهَا شَأْنًا مِنْهُمْ , حَتَّى جَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالْإِسْلَامِ , فَوَرَّثَكُمْ بِهِ الْكِتَاب , وَأَحَلَّ لَكُمْ بِهِ دَار الْجِهَاد , وَوَضَعَ لَكُمْ بِهِ مِنْ الرِّزْق , وَجَعَلَكُمْ بِهِ مُلُوكًا عَلَى رِقَاب النَّاس , وَبِالْإِسْلَامِ أَعْطَى اللَّه مَا رَأَيْتُمْ , فَاشْكُرُوا نِعَمه , فَإِنَّ رَبّكُمْ مُنْعِم يُحِبّ الشَّاكِرِينَ , وَإِنَّ أَهْل الشُّكْر فِي مَزِيد اللَّه , فَتَعَالَى رَبّنَا وَتَبَارَكَ . 5998 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَوْله : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار } يَقُول : كُنْتُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , { فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } : مِنْ ذَلِكَ , وَهَدَاكُمْ إِلَى الْإِسْلَام . 5999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : كُنْتُمْ عَلَى طَرَف النَّار مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ أُوبِقَ فِي النَّار , فَبَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْحُفْرَة . 6000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا حَسَن بْن حَيّ : { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْ النَّار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } قَالَ : عَصَبِيَّة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبّكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج , مِنْ غِلّ الْيَهُود , الَّذِي يُضْمِرُونَهُ لَكُمْ , وَغِشّهمْ لَكُمْ , وَأَمْره إِيَّاكُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فِيهَا , وَنَهْيه لَكُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَالْحَال الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا فِي جَاهِلِيَّتكُمْ , وَاَلَّتِي صِرْتُمْ إِلَيْهَا

فِي إِسْلَامكُمْ , يُعَرِّفكُمْ فِي كُلّ ذَلِكَ مَوَاقِع نِعَمه قِبَلكُمْ , وَصَنَائِعه لَدَيْكُمْ , فَكَذَلِكَ يُبَيِّن سَائِر حُجَجه لَكُمْ فِي تَنْزِيله , وَعَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي : لِتَهْتَدُوا إِلَى سَبِيل الرَّشَاد , وَتَسْلُكُوهَا فَلَا تَضِلُّوا عَنْهَا .
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَسورة آل عمران الآية رقم 104
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , { أُمَّة } يَقُول : جَمَاعَة { يَدْعُونَ } النَّاس { إِلَى الْخَيْر } يَعْنِي إِلَى الْإِسْلَام وَشَرَائِعه الَّتِي شَرَعَهَا اللَّه لِعِبَادِهِ , { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } يَقُول : يَأْمُرُونَ النَّاس بِاتِّبَاعِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدِينه الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , { وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } : يَعْنِي وَيَنْهَوْنَ عَنْ
الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَالتَّكْذِيب بِمُحَمَّدٍ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه بِجِهَادِهِمْ بِالْأَيْدِي وَالْجَوَارِح , حَتَّى يَنْقَادُوا لَكُمْ بِالطَّاعَةِ . وَقَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَعْنِي : الْمُنْجِحُونَ عِنْد اللَّه , الْبَاقُونَ فِي جَنَّاته وَنَعِيمه . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْإِفْلَاح فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَهُنَا . 6001 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن عُمَر الْقَارِئ , عَنْ أَبِي عَوْن الثَّقَفِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ صُبَيْحًا , قَالَ : سَمِعْت عُثْمَان يَقْرَأ : " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَيَسْتَعِينُونَ اللَّه عَلَى مَا أَصَابَهُمْ " . 6002 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت اِبْن الزُّبَيْر يَقْرَأ , فَذَكَرَ مِثْل قِرَاءَة عُثْمَان الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْل سَوَاء . 6003 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : هُمْ خَاصَّة أَصْحَاب رَسُول اللَّه , وَهُمْ خَاصَّة الرُّوَاة .
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 105
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا تَكُونُوا يَا مَعْشَر الَّذِينَ آمَنُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَاخْتَلَفُوا فِي دِين اللَّه وَأَمْره وَنَهْيه , مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات , مِنْ حُجَج اللَّه , فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ , وَعَلِمُوا الْحَقّ فِيهِ , فَتَعَمَّدُوا خِلَافه , وَخَالَفُوا أَمْر اللَّه , وَنَقَضُوا عَهْده وَمِيثَاقه , جَرَاءَة عَلَى اللَّه , وَأُولَئِكَ لَهُمْ : يَعْنِي وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا , وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَهْل الْكِتَاب , مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ عَذَاب مِنْ عِنْد اللَّه عَظِيم . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلَا تَفَرَّقُوا يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ فِي دِينكُمْ تَفَرُّق هَؤُلَاءِ فِي دِينهمْ , وَلَا تَفْعَلُوا فِعْلهمْ , وَتَسْتَنُّوا فِي دِينكُمْ بِسُنَّتِهِمْ , فَيَكُون لَكُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه الْعَظِيم مِثْل الَّذِي لَهُمْ . كَمَا : 6004 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدَمَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , نَهَى اللَّه أَهْل الْإِسْلَام أَنْ يَتَفَرَّقُوا وَيَخْتَلِفُوا , كَمَا تَفَرَّقَ وَاخْتَلَفَ أَهْل الْكِتَاب , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } 6005 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا } وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ , فَنَهَاهُمْ عَنْ الِاخْتِلَاف وَالْفُرْقَة , وَأَخْبَرَهُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلهمْ بِالْمِرَاءِ وَالْخُصُومَات فِي دِين اللَّه . 6006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } قَالَ هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى .
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَسورة آل عمران الآية رقم 106
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم فِي يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه . وَأَمَّا قَوْله : { فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ , فَيُقَال لَهُمْ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } . وَلَا بُدّ لِ " أَمَّا " مِنْ جَوَاب بِالْفَاءِ , فَلَمَّا أُسْقِطَ الْجَوَاب سَقَطَتْ الْفَاء مَعَهُ , وَإِنَّمَا جَازَ تَرْك ذِكْر " فَيُقَال " لِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيمَنْ عُنِيَ بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ أَهْل قِبْلَتنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6007 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده , قَوْله : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه } . .. الْآيَة , لَقَدْ كَفَرَ أَقْوَام بَعْد إِيمَانهمْ كَمَا تَسْمَعُونَ , وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ , لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْض مِمَّنْ صَحِبَنِي أَقْوَام , حَتَّى إِذَا رُفِعُوا إِلَيَّ وَرَأَيْتهمْ اخْتُلِجُوا دُونِي , فَلَأَقُولَنَّ رَبّ أَصْحَابِي أَصْحَابِي , فَلَيُقَالَنَّ إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدك " . وَقَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوههمْ فَفِي رَحْمَة اللَّه } هَؤُلَاءِ أَهْل طَاعَة اللَّه وَالْوَفَاء بِعَهْدِ اللَّه , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَفِي رَحْمَة اللَّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } 6008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَهَذَا مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْل الْقِبْلَة حِين اِقْتَتَلُوا 6009 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة وَالرَّبِيع بْن صُبَيْح , عَنْ أَبِي مُجَالِد , عَنْ أَبِي أُمَامَة : { فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } قَالَ : هُمْ الْخَوَارِج . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ كُلّ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ بَعْد الْإِيمَان الَّذِي آمَنَ حِين أَخَذَ اللَّه مِنْ صُلْب آدَم ذُرِّيَّته وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَا بَيَّنَ فِي كِتَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6010 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْهَيْثَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه } قَالَ : صَارُوا يَوْم الْقِيَامَة فَرِيقَيْنِ , فَقَالَ لِمَنْ اِسْوَدَّ وَجْهه وَغَيْرهمْ . { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قَالَ : هُوَ الْإِيمَان الَّذِي كَانَ قَبْل الِاخْتِلَاف فِي زَمَان آدَم , حِين أَخَذَ مِنْهُمْ عَهْدهمْ وَمِيثَاقهمْ , وَأَقَرُّوا كُلّهمْ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَفَطَرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَام , فَكَانُوا أُمَّة وَاحِدَة مُسْلِمِينَ , يَقُول : أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ , يَقُول بَعْد ذَلِكَ الَّذِي كَانَ فِي زَمَان آدَم , وَقَالَ فِي الْآخَرِينَ : الَّذِينَ اِسْتَقَامُوا عَلَى إِيمَانهمْ ذَلِكَ , فَأَخْلَصُوا لَهُ الدِّين وَالْعَمَل , فَبَيَّضَ اللَّه وُجُوههمْ , وَأَدْخَلَهُمْ فِي رِضْوَانه وَجَنَّته . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } : الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6011 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن : { يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه وَتَسْوَدّ وُجُوه } . .. الْآيَة , قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا أَعْطَوْا كَلِمَة الْإِيمَان بِأَلْسِنَتِهِمْ , وَأَنْكَرُوهَا بِقُلُوبِهِمْ وَأَعْمَالهمْ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ جَمِيع الْكُفَّار , وَأَنَّ الْإِيمَان الَّذِي يُوَبَّخُونَ عَلَى اِرْتِدَادهمْ عَنْهُ , هُوَ الْإِيمَان الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ يَوْم قِيلَ لَهُمْ : { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } 3 172 وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ جَمِيع أَهْل الْآخِرَة فَرِيقَيْنِ : أَحَدهمَا سَوْدَاء وُجُوهه , وَالْآخَر بَيْضَاء وُجُوهه , فَمَعْلُوم إِذْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إِلَّا هَذَانِ الْفَرِيقَانِ أَنَّ جَمِيع الْكُفَّار دَاخِلُونَ فِي فَرِيق مَنْ سُوِّدَ وَجْهه , وَأَنَّ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ دَاخِلُونَ فِي فَرِيق مَنْ بُيِّضَ وَجْهه , فَلَا وَجْه إِذًا لِقَوْلِ قَائِل عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَكَفَرْتُمْ بَعْد إِيمَانكُمْ } بَعْض الْكُفَّار دُون بَعْض , وَقَدْ عَمَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَنْهُمْ جَمِيعهمْ , وَإِذَا دَخَلَ جَمِيعهمْ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لِجَمِيعِهِمْ حَالَة آمَنُوا فِيهَا , ثُمَّ اِرْتَدُّوا كَافِرِينَ بَعْد إِلَّا حَالَة وَاحِدَة , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهَا الْمُرَادَة بِذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم فِي يَوْم تَبْيَضّ وُجُوه قَوْم , وَتَسْوَدّ وُجُوه آخَرِينَ ; فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوههمْ , فَيُقَال : أَجَحَدْتُمْ تَوْحِيد اللَّه وَعَهْده وَمِيثَاقه الَّذِي وَاثَقْتُمُوهُ عَلَيْهِ , بِأَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة بَعْد إِيمَانكُمْ , يَعْنِي : بَعْد تَصْدِيقكُمْ بِهِ , { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَقُول : بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَ فِي الدُّنْيَا مَا كَانَ اللَّه قَدْ أَخَذَ مِيثَاقكُمْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ وَالتَّصْدِيق .
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَسورة آل عمران الآية رقم 107
وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوههمْ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى عَهْد اللَّه وَمِيثَاقه , فَلَمْ يُبَدِّل دِينه , وَلَمْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ بَعْد الْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ , وَالشَّهَادَة لِرَبِّهِ بِالْأُلُوهَةِ , وَأَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره { فَفِي رَحْمَة اللَّه } يَقُول : فَهُمْ فِي رَحْمَة اللَّه , يَعْنِي فِي جَنَّته وَنَعِيمهَا , وَمَا أَعَدَّ اللَّه لِأَهْلِهَا فِيهَا , { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ بَاقُونَ فِيهَا أَبَدًا بِغَيْرِ نِهَايَة وَلَا غَايَة .
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَسورة آل عمران الآية رقم 108
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ آيَات اللَّه نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقِّ وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { تِلْكَ آيَات اللَّه } : هَذِهِ آيَات اللَّه وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفَ وَضَعَتْ الْعَرَب " تِلْكَ " وَ " ذَلِكَ " مَكَان " هَذَا " وَ " هَذِهِ " فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَوْله : { آيَات اللَّه } يَعْنِي : مَوَاعِظ اللَّه , وَعِبَره وَحُجَجه . { نَتْلُوهَا عَلَيْك } نَقْرَؤُهَا عَلَيْك وَنَقُصّهَا . { بِالْحَقِّ } يَعْنِي : بِالصِّدْقِ وَالْيَقِين وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ آيَات اللَّه } هَذِهِ الْآيَات الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أُمُور الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْصَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُور يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل وَأَهْل الْكِتَاب , وَمَا هُوَ فَاعِل بِأَهْلِ الْوَفَاء بِعَهْدِهِ وَبِالْمُبَدِّلِينَ دِينه وَالنَّاقِضِينَ عَهْده بَعْد الْإِقْرَار بِهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَتْلُو ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ مَنْ عَاقَبَهُ مِنْ خَلْقه بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُعَاقِبه مِنْ تَسْوِيد وَجْهه وَتَخْلِيده فِي أَلِيم عَذَابه وَعَظِيم عِقَابه وَمَنْ جَازَاهُ مِنْهُمْ بِمَا جَازَاهُ مِنْ تَبْيِيض وَجْهه وَتَكْرِيمه وَتَشْرِيف مَنْزِلَته لَدَيْهِ بِتَخْلِيدِهِ فِي دَائِم نَعِيمه فَبِغَيْرِ ظُلْم مِنْهُ لِفَرِيقٍ مِنْهُمْ بَلْ لِحَقٍّ اِسْتَوْجَبُوهُ وَأَعْمَال لَهُمْ سَلَفَتْ , جَازَاهُمْ عَلَيْهَا , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِتَسْوِيدِ وُجُوه هَؤُلَاءِ , وَإِذَاقَتهمْ الْعَذَاب الْعَظِيم ; وَتَبْيِيض وُجُوه هَؤُلَاءِ , وَتَنْعِيمه إِيَّاهُمْ فِي جَنَّته , طَالِبًا وَضْع شَيْء مِمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِعه الَّذِي هُوَ مَوْضِعه , إِعْلَامًا بِذَلِكَ عِبَاده , أَنَّهُ لَنْ يَصْلُح فِي حِكْمَته بِخَلْقِهِ , غَيْر مَا وَعَدَ أَهْل طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ , وَغَيْر مَا أَوْعَدَ أَهْل مَعْصِيَته وَالْكُفْر بِهِ , وَإِنْذَارًا مِنْهُ هَؤُلَاءِ وَتَبْشِيرًا مِنْهُ هَؤُلَاءِ .
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُسورة آل عمران الآية رقم 109
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ يُعَاقِب الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْد إِيمَانهمْ بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُ مُعَاقِبهمْ بِهِ مِنْ الْعَذَاب الْعَظِيم , وَتَسْوِيد الْوُجُوه , وَيُثِيب أَهْل الْإِيمَان بِهِ , الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى التَّصْدِيق وَالْوَفَاء بِعُهُودِهِمْ الَّتِي عَاهَدُوا عَلَيْهَا , بِمَا وَصَفَ أَنَّهُ مُثِيبهمْ بِهِ , مِنْ الْخُلُود فِي جَنَّاته , مِنْ غَيْر ظُلْم مِنْهُ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا فَعَلَ , لِأَنَّهُ لَا حَاجَة بِهِ إِلَى الظُّلْم , وَذَلِكَ أَنَّ الظَّالِم إِنَّمَا يَظْلِم غَيْره لِيَزْدَادَ إِلَى عِزَّته عِزَّة بِظُلْمِهِ إِيَّاهُ , وَإِلَى سُلْطَانه سُلْطَانًا , وَإِلَى مُلْكه مُلْكًا , لِنُقْصَانٍ فِي بَعْض أَسْبَابه , يُتَمِّم بِمَا ظَلَمَ غَيْره فِيهِ مَا كَانَ نَاقِصًا مِنْ أَسْبَابه عَنْ التَّمَام , فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ جَمِيع مَا بَيْن أَقْطَار الْمَشَارِق وَالْمَغَارِب , وَمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَلَا مَعْنًى لِظُلْمِهِ أَحَدًا فَيَجُوز أَنْ يَظْلِم شَيْئًا , لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابه شَيْء نَاقِص يَحْتَاج إِلَى تَمَام , فَيُتِمّ ذَلِكَ بِظُلْمِ غَيْره , تَعَالَى اللَّه عُلُوًّا كَبِيرًا ; وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَقِيب قَوْله : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَكْرِير اللَّه تَعَالَى ذِكْره اِسْمه مَعَ قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } ظَاهِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ اِسْمه ظَاهِرًا مَعَ قَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } فَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة : ذَلِكَ نَظِير قَوْل الْعَرَب : أَمَّا زَيْد فَذَهَبَ زَيْد , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَا أَرَى الْمَوْت يَسْبِق الْمَوْت شَيْء نَغَّصَ الْمَوْت ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا فَأَظْهَرَ فِي مَوْضِع الْإِضْمَار . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : لَيْسَ ذَلِكَ نَظِير هَذَا الْبَيْت , لِأَنَّ مَوْضِع الْمَوْت الثَّانِي فِي الْبَيْت مَوْضِع كِنَايَة , لِأَنَّهُ كَلِمَة وَاحِدَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْآيَة , لِأَنَّ قَوْله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } خَبَر لَيْسَ مِنْ قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } فِي شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ وَاحِدَة مِنْ الْقِصَّتَيْنِ مُفَارِق مَعْنَاهَا مَعْنَى الْأُخْرَى , مُكْتَفِيَة كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا بِنَفْسِهَا , غَيْر مُحْتَاجَة إِلَى الْأُخْرَى , وَمَا قَالَ الشَّاعِر : " لَا أَرَى " الْمَوْت مُحْتَاج إِلَى تَمَام الْخَبَر عَنْهُ . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي عِنْدنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُؤْخَذ مَعَانِيه , وَمَا فِيهِ مِنْ الْبَيَان إِلَى الشَّوَاذّ مِنْ الْكَلَام وَالْمَعَانِي وَلَهُ فِي الْفَصِيح مِنْ الْمَنْطِق وَالظَّاهِر مِنْ الْمَعَانِي الْمَفْهُوم وَجْه صَحِيح مَوْجُود .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : إِلَى اللَّه مَصِير أَمْر جَمِيع خَلْقه الصَّالِح مِنْهُمْ , وَالطَّالِح وَالْمُحْسِن وَالْمُسِيء , فَيُجَازِي كُلًّا عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ مِنْهُ الْجَزَاء بِغَيْرِ ظُلْم مِنْهُ أَحَدًا مِنْهُمْ .
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَسورة آل عمران الآية رقم 110
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , وَخَاصَّة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6012 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ سِمَاك , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ فِي : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ مَكَّة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , عَنْ قَيْس , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة . 6013 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَوْ شَاءَ اللَّه لَقَالَ " أَنْتُمْ " , فَكُنَّا كُلّنَا , وَلَكِنْ قَالَ : { كُنْتُمْ } فِي خَاصَّة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ صَنَعَ مِثْل صَنِيعهمْ , كَانُوا خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر . 6014 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عِكْرِمَة : نَزَلَتْ فِي اِبْن مَسْعُود , وَسَالِمِ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة , وَأُبَيّ بْن كَعْب , وَمُعَاذ بْن جَبَل . 6015 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , قَالَ عُمَر : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : تَكُون لِأَوَّلِنَا , وَلَا تَكُون لِآخِرِنَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة . 6016 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ فِي حَجَّة حَجَّهَا : وَرَأَى مِنْ النَّاس رِعَة سَيِّئَة , فَقَرَأَ هَذِهِ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } . .. الْآيَة , ثُمَّ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس , مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُون مِنْ تِلْكَ الْأُمَّة , فَلْيُؤَدِّ شَرْط اللَّه مِنْهَا . 6017 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , يَعْنِي وَكَانُوا هُمْ الرُّوَاة الدُّعَاة الَّذِينَ أَمَرَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ بِطَاعَتِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , إِذْ كُنْتُمْ بِهَذِهِ الشُّرُوط الَّتِي وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَا . فَكَانَ تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدهمْ : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر , وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ أُخْرِجُوا لِلنَّاسِ فِي زَمَانكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6018 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يَقُول : عَلَى هَذَا الشَّرْط أَنْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , وَتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ , يَقُول : لِمَنْ أَنْتُمْ بَيْن ظَهْرَانَيْهِ , كَقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ اِخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } 44 32 * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : يَقُول : كُنْتُمْ خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ , عَلَى هَذَا الشَّرْط , أَنْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , وَتُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ , يَقُول لِمَنْ بَيْن ظَهْرَيْهِ كَقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ اِخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى الْعَالَمِينَ } 6019 - وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَيْسَرَة , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : كُنْتُمْ خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ , تَجِيئُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِل , تُدْخِلُونَهُمْ فِي الْإِسْلَام . 6020 - حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن أَسْبَاط , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : خَيْر النَّاس لِلنَّاسِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا قِيلَ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } لِأَنَّهُمْ أَكْثَر الْأُمَم اِسْتِجَابَة لِلْإِسْلَامِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6021 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : لَمْ تَكُنْ أُمَّة أَكْثَر اِسْتِجَابَة فِي الْإِسْلَام مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , فَمِنْ ثَمَّ قَالَ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6022 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } قَالَ : قَدْ كَانَ مَا تَسْمَع مِنْ الْخَيْر فِي هَذِهِ الْأُمَّة 6023 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعْد عَنْ قَتَادَة قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : نَحْنُ آخِرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَ الْحَسَن , وَذَلِكَ أَنَّ : 6024 - يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنِي قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَلَا إِنَّكُمْ وَفَّيْتُمْ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ آخِرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه " . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قَالَ : " أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ خَيْرهَا وَأَكْرَمهَا عَلَى اللَّه " . 6025 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَات يَوْم , وَهُوَ مُسْنِد ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَة : " نَحْنُ نُكْمِل يَوْم الْقِيَامَة سَبْعِينَ أُمَّة نَحْنُ آخِرهَا وَخَيْرهَا " . وَأَمَّا قَوْله : { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : تَأْمُرُونَ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَالْعَمَل بِشَرَائِعِهِ , { وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } يَعْنِي : وَتَنْهَوْنَ عَنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيب رَسُوله , وَعَنْ الْعَمَل بِمَا نَهَى عَنْهُ . كَمَا : 6026 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يَقُول : تَأْمُرُونَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْإِقْرَار بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَتُقَاتِلُونَهُمْ عَلَيْهِ , وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه هُوَ أَعْظَم الْمَعْرُوف , وَتَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر , وَالْمُنْكَر : هُوَ التَّكْذِيب , وَهُوَ أَنْكَر الْمُنْكَر . وَأَصْل الْمَعْرُوف : كُلّ مَا كَانَ مَعْرُوفًا فَفِعْله جَمِيل مُسْتَحْسَن غَيْر مُسْتَقْبَح فِي أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ طَاعَة اللَّه مَعْرُوفًا , لِأَنَّهُ مِمَّا يَعْرِفهُ أَهْل الْإِيمَان وَلَا يَسْتَنْكِرُونَ فِعْله . وَأَصْل الْمُنْكَر مَا أَنْكَرَهُ اللَّه , وَرَأَوْهُ قَبِيحًا فِعْله , وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَعْصِيَة اللَّه مُنْكَرًا , لِأَنَّ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ يَسْتَنْكِرُونَ فِعْلهَا , وَيَسْتَعْظِمُونَ رُكُوبهَا . وَقَوْله : { وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } يَعْنِي : تُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ , فَتُخْلِصُونَ لَهُ التَّوْحِيد وَالْعِبَادَة . فَإِنْ سَأَلَ سَائِل فَقَالَ : وَكَيْفَ قِيلَ : { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة } وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّة خَيْر الْأُمَم الَّتِي مَضَتْ , وَإِنَّمَا يُقَال : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة , لِقَوْمٍ كَانُوا خِيَارًا فَتَغَيَّرُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَنْتُمْ خَيْر أُمَّة , كَمَا قِيلَ : { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيل } 8 26 وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ } 7 86 فَإِدْخَال " كَانَ " فِي مِثْل هَذَا وَإِسْقَاطهَا بِمَعْنًى وَاحِد , لِأَنَّ الْكَلَام مَعْرُوف مَعْنَاهُ . وَلَوْ قَالَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ قَائِل : كُنْتُمْ بِمَعْنَى التَّمَام , كَانَ تَأْوِيله : خُلِقْتُمْ خَيْر أُمَّة , أَوْ وُجِدْتُمْ خَيْر أُمَّة , كَانَ مَعْنًى صَحِيحًا , وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة عِنْد اللَّه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ , وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ اللَّذَانِ قُلْنَا , أَشْبَه بِمَعْنَى الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْل . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ : كُنْتُمْ خَيْر أَهْل طَرِيقَة , وَقَالَ : الْأُمَّة : الطَّرِيقَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ صَدَّقَ أَهْل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي عَاجِل دُنْيَاهُمْ , وَآجِل آخِرَتهمْ . { مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ } يَعْنِي مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , الْمُؤْمِنُونَ الْمُصَدِّقُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَهُمْ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَأَخُوهُ , وَثَعْلَبَة بْن سُعَيَّة وَأَخُوهُ , وَأَشْبَاههمْ مِمَّنْ آمَنُوا بِاَللَّهِ , وَصَدَّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . { وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } يَعْنِي : الْخَارِجُونَ عَنْ دِينهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ دِين الْيَهُود اِتِّبَاع مَا فِي التَّوْرَاة , وَالتَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْ دِين النَّصَارَى اِتِّبَاع مَا فِي الْإِنْجِيل , وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِمَا فِي التَّوْرَاة , وَفِي كِلَا الْكِتَابَيْنِ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته , وَمَبْعَثه , وَأَنَّهُ نَبِيّ اللَّه , وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ , أَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى مُكَذِّبَة , فَذَلِكَ فِسْقهمْ وَخُرُوجهمْ عَنْ دِينهمْ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِهِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } . وَقَالَ قَتَادَة بِمَا : 6027 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } : ذَمَّ اللَّه أَكْثَر النَّاس .
لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَسورة آل عمران الآية رقم 111
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَنْ يَضُرّكُمْ يَا أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , هَؤُلَاءِ الْفَاسِقُونَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب بِكُفْرِهِمْ , وَتَكْذِيبهمْ نَبِيّكُمْ مُحَمَّدًا شَيْئًا إِلَّا أَذًى , يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ يُؤْذُونَكُمْ بِشِرْكِهِمْ , وَإِسْمَاعكُمْ كُفْرهمْ , وَقَوْلهمْ فِي عِيسَى وَأُمّه وَعُزَيْر , وَدُعَائِهِمْ إِيَّاكُمْ إِلَى الضَّلَالَة , وَلَا يَضُرُّونَكُمْ بِذَلِكَ , وَهَذَا مِنْ الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع , الَّذِي هُوَ مُخَالِف مَعْنَى مَا قَبْله , كَمَا قِيلَ مَا اِشْتَكَى شَيْئًا إِلَّا خَيْرًا , وَهَذِهِ كَلِمَة مَحْكِيَّة عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6028 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } يَقُول : لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى تَسْمَعُونَهُ مِنْهُمْ . 6029 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } قَالَ : أَذًى تَسْمَعُونَهُ مِنْهُمْ . 6030 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } قَالَ : إِشْرَاكهمْ فِي عُزَيْر وَعِيسَى وَالصَّلِيب . 6031 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , عَنْ عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى } . .. الْآيَة , قَالَ : تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ كَذِبًا عَلَى اللَّه , يَدْعُونَكُمْ إِلَى الضَّلَالَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ يُقَاتِلكُمْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , يُهْزَمُوا عَنْكُمْ , فَيُوَلُّوكُمْ أَدْبَارهمْ اِنْهِزَامًا , فَقَوْله : { يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار } كِنَايَة عَنْ اِنْهِزَامهمْ , لِأَنَّ الْمُنْهَزِم يُحَوِّل ظَهْره إِلَى جِهَة الطَّالِب هَرَبًا إِلَى مَلْجَأ , وَمَوْئِل يَئِل إِلَيْهِ مِنْهُ , خَوْفًا عَلَى نَفْسه , وَالطَّالِب فِي أَثَره , فَدبر الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ يَكُون مُحَاذِي وَجْه الطَّالِب الْهَازِمَة . { ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } يَعْنِي : ثُمَّ لَا يَنْصُرهُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْكُمْ لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَإِيمَانكُمْ بِمَا آتَاكُمْ نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَلْقَى الرُّعْب فِي قُلُوب كَائِدكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِكُمْ . وَهَذَا وَعْد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل الْإِيمَان نَصْرهمْ عَلَى الْكَفَرَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَإِنَّمَا رُفِعَ قَوْله : { ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } وَقَدْ جُزِمَ قَوْله : { يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَار } عَلَى جَوَاب الْجَزَاء اِئْتِنَافًا لِلْكَلَامِ , لِأَنَّ رُءُوس الْآيَات قَبْلهَا بِالنُّونِ , فَأُلْحِقَ هَذِهِ بِهَا , كَمَا قَالَ : { وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } 77 36 رَفْعًا , وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } 35 36 إِذْ لَمْ يَكُنْ رَأْس آيَة .
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَسورة آل عمران الآية رقم 112
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة } أُلْزِمُوا الذِّلَّة , وَالذِّلَّة : الْفِعْلَة مِنْ الذُّلّ , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . { أَيْنَمَا ثُقِفُوا } يَعْنِي : حَيْثُمَا لَقُوا . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أُلْزِمَ الْيَهُود الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذِّلَّة أَيْنَمَا كَانُوا مِنْ الْأَرْض , وَبِأَيِّ مَكَان كَانُوا مِنْ بِقَاعِهَا مِنْ بِلَاد الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ , إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه , وَحَبْل مِنْ النَّاس كَمَا : 6032 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة } قَالَ : أَدْرَكَتْهُمْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَإِنَّ الْمَجُوس لَتَجْبِيهِمْ الْجِزْيَة . 6033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْحَنَفِيّ , قُلْ : ثنا عَبَّاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : أَذَلَّهُمْ اللَّه فَلَا مَنَعَة لَهُمْ وَجَعَلَهُمْ اللَّه تَحْت أَقْدَام الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا الْحَبْل الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَإِنَّهُ السَّبَب الَّذِي يَأْمَنُونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلَى أَمْوَالهمْ وَذَرَارِيّهمْ مِنْ عَهْد وَأَمَان تَقَدَّمَ لَهُمْ عَقْده قَبْل أَنْ يُثْقَفُوا فِي بِلَاد الْإِسْلَام . كَمَا : 6034 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : بِعَهْدٍ , { وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : بِعَهْدِهِمْ . 6035 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : إِلَّا بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 6036 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , قَالَ عِكْرِمَة : يَقُول : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . 6037 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : إِلَّا بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . 6038 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : إِلَّا بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . 6039 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } فَهُوَ عَهْد مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس , كَمَا يَقُول الرَّجُل : ذِمَّة اللَّه , وَذِمَّة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَهُوَ الْمِيثَاق . 6040 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس لَهُمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج وَقَالَ عَطَاء : الْعَهْد : حَبْل اللَّه . 6041 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } قَالَ : إِلَّا بِعَهْدٍ وَهُمْ يَهُود , قَالَ : وَالْحَبْل : الْعَهْد . قَالَ : وَذَلِكَ قَوْل أَبِي الْهَيْثَم بْن التَّيْهَان لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أَتَتْهُ الْأَنْصَار فِي الْعَقَبَة : أَيّهَا الرَّجُل إِنَّا قَاطِعُونَ فِيك حِبَالًا بَيْننَا وَبَيْن النَّاس , يَقُول : عُهُودًا . قَالَ : وَالْيَهُود لَا يَأْمَنُونَ فِي أَرْض مِنْ أَرْض اللَّه إِلَّا بِهَذَا الْحَبْل الَّذِي لِلَّهِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَرَأَ : { وَجَاعِل الَّذِينَ اِتَّبَعُوك فَوْق الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } 3 55 قَالَ : فَلَيْسَ بَلَد فِيهِ أَحَد مِنْ النَّصَارَى إِلَّا وَهُمْ فَوْق يَهُود فِي شَرْق وَلَا غَرْب هُمْ فِي الْبُلْدَان كُلّهَا مُسْتَذَلُّونَ , قَالَ اللَّه : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } 7 168 يَهُود . 6042 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك فِي قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } يَقُول : بِعَهْدٍ مِنْ اللَّه , وَعَهْد مِنْ النَّاس . * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَلَبَ الْبَاء فِي قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : الَّذِي جَلَبَ الْبَاء فِي قَوْله : { بِحَبْلٍ } فِعْل مُضْمَر قَدْ تُرِكَ ذِكْره . قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا , إِلَّا أَنْ يَعْتَصِمُوا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه , فَأَضْمَرَ ذَلِكَ . وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مَخَافَة وَفِي الْحَبْل رَوْعَاء الْفُؤَاد فَرُوق وَقَالَ : أَرَادَ : أَقْبَلَتْ بِحَبْلَيْهَا . وَبِقَوْلِ الْآخَر : حَنَتْنِي حَانِيَات الدَّهْر حَتَّى كَأَنِّي خَاتِل أَحْنُو لِصَيْدِ فَأَوْجَبَ إِعْمَال فِعْل مَحْذُوف وَإِظْهَار صِلَته وَهُوَ مَتْرُوك , وَذَلِكَ فِي مَذَاهِب الْعَرَبِيَّة ضَعِيف , وَمِنْ كَلَام الْعَرَب بَعِيد . وَأَمَّا مَا اِسْتَشْهَدَ بِهِ لِقَوْلِهِ مِنْ الْأَبْيَات , فَغَيْر دَالّ عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ , لِأَنَّ فِي قَوْل الشَّاعِر : " رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا " , دَلَالَة بَيِّنَة فِي أَنَّهَا رَأَتْهُ بِالْحَبْلِ مُمْسِكًا , فَفِي إِخْبَاره عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْهُ بِحَبْلَيْهَا إِخْبَار مِنْهُ أَنَّهَا رَأَتْهُ مُمْسِكًا بِالْحَبْلَيْنِ , فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام مُسْتَغْنًى عَنْ ذِكْر الْإِمْسَاك , وَكَانَتْ الْبَاء صِلَة لِقَوْلِهِ : " رَأَتْنِي " , كَمَا فِي قَوْل الْقَائِل : أَنَا بِاَللَّهِ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ , وَمَعْرِفَة السَّامِع مَعْنَاهُ أَنْ تَكُون الْبَاء مُحْتَاجَة إِلَى كَلَام يَكُون لَهَا جَالِبًا غَيْر الَّذِي ظَهَرَ , وَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَا بِاَللَّهِ مُسْتَعِين . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } اِسْتِثْنَاء خَارِج مِنْ أَوَّل الْكَلَام , قَالَ : وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَشَدَّ مِنْ قَوْله : { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا } 19 62 وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة : هُوَ اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل . وَالْمَعْنَى : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا : أَيْ بِكُلِّ مَكَان , إِلَّا بِمَوْضِعِ حَبْل مِنْ اللَّه , كَمَا تَقُول : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة فِي الْأَمْكِنَة إِلَّا فِي هَذَا الْمَكَان , وَهَذَا أَيْضًا طَلَب الْحَقّ , فَأَخْطَأَ الْمُفَصِّل , وَذَلِكَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ اِسْتِثْنَاء مُتَّصِل , وَلَوْ كَانَ مُتَّصِلًا كَمَا زَعَمَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْقَوْم إِذَا ثُقِفُوا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس غَيْر مَضْرُوبَة عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَة الْيَهُود لِأَنَّهُمْ أَيْنَمَا ثُقِفُوا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس , أَوْ بِغَيْرِ حَبْل مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَغَيْر حَبْل مِنْ النَّاس , فَالذِّلَّة مَضْرُوبَة عَلَيْهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَهْل التَّأْوِيل قَبْل . فَلَوْ كَانَ قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } اِسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْقَوْم إِذَا ثُقِفُوا بِعَهْدٍ وَذِمَّة , أَنْ لَا تَكُون الذِّلَّة مَضْرُوبَة عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ خِلَاف مَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ صِفَتهمْ , وَخِلَاف مَا هُمْ بِهِ مِنْ الصِّفَة , فَقَدْ تَبَيَّنَ أَيْضًا بِذَلِكَ فَسَاد قَوْل هَذَا الْقَائِل أَيْضًا . وَلَكِنَّ الْقَوْل عِنْدنَا أَنَّ الْبَاء فِي قَوْله : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } أُدْخِلَتْ لِأَنَّ الْكَلَام الَّذِي قَبْل الِاسْتِثْنَاء مُقْتَضٍ فِي الْمَعْنَى الْبَاء , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلهمْ : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا } : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة بِكُلِّ مَكَان ثُقِفُوا , ثُمَّ قَالَ : { إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس } عَلَى غَيْر وَجْه الِاتِّصَال بِالْأَوَّلِ , وَلَكِنَّهُ عَلَى الِانْقِطَاع عَنْهُ , وَمَعْنَاهُ : وَلَكِنْ يُثْقَفُونَ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه وَحَبْل مِنْ النَّاس , كَمَا قِيلَ : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأ } 4 92 فَالْخَطَأ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوبًا بِمَا عَمِلَ فِيمَا قَبْل الِاسْتِثْنَاء , فَلَيْسَ قَوْله بِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِل بِالْأَوَّلِ بِمَعْنَى إِلَّا خَطَأ , فَإِنَّ لَهُ قَتْله كَذَلِكَ , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ : وَلَكِنْ قَدْ يَقْتُلهُ خَطَأ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنْ اللَّه } وَإِنْ كَانَ الَّذِي جَلَبَ الْبَاء الَّتِي بَعْد إِلَّا الْفِعْل الَّذِي يَقْتَضِيهَا قَبْل إِلَّا , فَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاء بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِل بِاَلَّذِي قَبْله بِمَعْنَى أَنَّ الْقَوْم إِذَا لُقُوا , فَالذِّلَّة زَائِلَة عَنْهُمْ , بَلْ الذِّلَّة ثَابِتَة بِكُلِّ حَال , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ مَا بَيَّنَّا آنِفًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَة ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } : وَتَحَمَّلُوا غَضَب اللَّه , فَانْصَرَفُوا بِهِ مُسْتَحِقِّيهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْل ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ , وَمَعْنَى الْمَسْكَنَة , وَأَنَّهَا ذُلّ الْفَاقَة وَالْفَقْر وَخُشُوعهمَا , وَمَعْنَى الْغَضَب مِنْ اللَّه فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ : أَيْ بَوَّءُوهُمْ الَّذِي بَاءُوا بِهِ مِنْ غَضَب اللَّه , وَضَرَبَ الذِّلَّة عَلَيْهِمْ , بَدَل مِمَّا كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه , يَقُول : مِمَّا كَانُوا يَجْحَدُونَ أَعْلَام اللَّه وَأَدِلَّته عَلَى صِدْق أَنْبِيَائِهِ , وَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضه . { وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يَقُول : وَبِمَا كَانُوا يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَهُمْ وَرُسُل اللَّه إِلَيْهِمْ , اِعْتِدَاء عَلَى اللَّه , وَجَرَاءَة عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ , وَبِغَيْرِ حَقّ اِسْتَحَقُّوا مِنْهُمْ الْقَتْل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : أُلْزِمُوا الذِّلَّة بِأَيِّ مَكَان لُقُوا , إِلَّا بِذِمَّةٍ مِنْ اللَّه وَذِمَّة مِنْ النَّاس , وَانْصَرَفُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه مُتَحَمِّلِيهِ , وَأُلْزِمُوا ذُلّ الْفَاقَة , وَخُشُوع الْفَقْر , بَدَلًا مِمَّا كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّه , وَأَدِلَّته وَحُجَجه , وَيَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَهُ بِغَيْرِ حَقّ ظُلْمًا وَاعْتِدَاء .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ , وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء , وَمَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ , وَاعْتِدَائِهِمْ أَمْر رَبّهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاعْتِدَاء فِي غَيْر مَوْضِع فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إِعَادَته . فَأَعْلَمَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده , مَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب , مِنْ إِحْلَال الذِّلَّة وَالْخِزْي بِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , مَعَ مَا اِدَّخَرَ لَهُمْ فِي الْأَجَل مِنْ الْعُقُوبَة وَالنَّكَال , وَأَلِيم الْعَذَاب , إِذْ تَعَدَّوْا حُدُود اللَّه , وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمه , تَذْكِيرًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ , وَتَنْبِيهًا عَلَى مَوْضِع الْبَلَاء الَّذِي مِنْ قِبَله أُتُوا لِيُنِيبُوا وَيَذَّكَّرُوا , وَعِظَة مِنْهُ لِأُمَّتِنَا , أَنْ لَا يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ , وَيَرْكَبُوا مِنْهَاجهمْ , فَيَسْلُك بِهِمْ مَسَالِكهمْ , وَيَحِلّ بِهِمْ مِنْ نِقَم اللَّه وَمَثُلَاته مَا أَحَلَّ بِهِمْ . كَمَا : 6043 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } اِجْتَنِبُوا الْمَعْصِيَة وَالْعُدْوَان , فَإِنَّ بِهِمَا أُهْلِكَ مَنْ أُهْلِكَ قَبْلكُمْ مِنْ النَّاس
لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَسورة آل عمران الآية رقم 113
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَيْسُوا سَوَاء } لَيْسَ فَرِيقَا أَهْل الْكِتَاب , أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ وَالْكُفْر سَوَاء , يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ غَيْر مُتَسَاوِينَ , يَقُول : لَيْسُوا مُتَعَادِلِينَ , وَلَكِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الصَّلَاح وَالْفَسَاد وَالْخَيْر وَالشَّرّ . وَإِنَّمَا قِيلَ : لَيْسُوا سَوَاء , لِأَنَّ فِيهِ ذِكْر الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي قَوْله : { وَلَوْ آمَنَ أَهْل الْكِتَاب لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهمْ الْفَاسِقُونَ } 3 110 ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ حَال الْفَرِيقَيْنِ عِنْده , الْمُؤْمِنَة مِنْهُمَا وَالْكَافِرَة , فَقَالَ : { لَيْسُوا سَوَاء } : أَيْ لَيْسَ هَؤُلَاءِ سَوَاء , الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ وَالْكَافِرُونَ . ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ صِفَة الْفِرْقَة الْمُؤْمِنَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَمَدَحَهُمْ , وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بَعْد مَا وَصَفَ الْفِرْقَة الْفَاسِقَة مِنْهُمْ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ مِنْ الْهَلَع وَنَخْب الْجَنَان , وَمُحَالَفَة الذُّلّ وَالصَّغَار , وَمُلَازَمَة الْفَاقَة وَالْمَسْكَنَة , وَتَحَمُّل خِزْي الدُّنْيَا وَفَضِيحَة الْآخِرَة , فَقَالَ : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه أَنَاءَ اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } . .. الْآيَات الثَّلَاث , إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم بِالْمُتَّقِينَ } فَقَوْله : " أُمَّة قَائِمَة " مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : " مِنْ أَهْل الْكِتَاب " . وَقَدْ تَوَهَّمَ جَمَاعَة مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَالْمُقَدَّمِينَ مِنْهُمْ فِي صِنَاعَتهمْ , أَنَّ مَا بَعْد سَوَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ قَوْله : { أُمَّة قَائِمَة } تَرْجَمَة عَنْ سَوَاء , وَتَفْسِير عَنْهُ بِمَعْنَى : لَا يَسْتَوِي مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل , وَأُخْرَى كَافِرَة , وَزَعَمُوا أَنَّ ذِكْر الْفِرْقَة الْأُخْرَى تُرِكَ اِكْتِفَاء بِذِكْرِ إِحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ , وَهِيَ الْأُمَّة الْقَائِمَة , وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ أَبِي ذُئَيْب : عَصَيْت إِلَيْهَا الْقَلْب إِنِّي لِأَمْرِهَا سَمِيع فَمَا أَدْرِي أَرُشْد طِلَابهَا وَلَمْ يَقُلْ : " أَمْ غَيْر رُشْد " اِكْتِفَاء بِقَوْلِهِ : " أَرُشْد " مِنْ ذِكْر " أَمْ غَيْر رُشْد " . وَبِقَوْلِ الْآخَر : أَزَال فَلَا أَدْرِي أَهَمّ هَمَمْته وَذُو الْهَمّ قِدْمًا خَاشِع مُتَضَائِل وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عِنْدهمْ خَطَأ قَوْل الْقَائِل الْمَرِيد أَنْ يَقُول : سَوَاء أَقَمْت أَمْ قَعَدْت , سَوَاء أَقُمْت حَتَّى يَقُول أَمْ قَعَدْت , وَإِنَّمَا يُجِيزُونَ حَذْف الثَّانِي فِيمَا كَانَ مِنْ الْكَلَام مُكْتَفِيًا بِوَاحِدٍ دُون مَا كَانَ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ , وَذَلِكَ نَحْو مَا أُبَالِي أَوْ مَا أَدْرِي , فَأَجَازُوا فِي ذَلِكَ مَا أُبَالِي أَقُمْت , وَهُمْ يُرِيدُونَ : مَا أُبَالِي أَقُمْت أَمْ قَعَدْت , لِاكْتِفَاءِ مَا أُبَالِي بِوَاحِدٍ , وَكَذَلِكَ فِي مَا أَدْرِي , وَأَبَوْا الْإِجَازَة فِي سَوَاء مِنْ أَجْل نُقْصَانه , وَأَنَّهُ غَيْر مُكْتَفٍ بِوَاحِدٍ , فَأَغْفَلُوا فِي تَوْجِيههمْ قَوْله : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ إِلَى مَا وَجَّهُوهُ إِلَيْهِ مَذَاهِبهمْ فِي الْعَرَبِيَّة , إِذْ أَجَازُوا فِيهِ مِنْ الْحَذْف مَا هُوَ غَيْر جَائِز عِنْدهمْ فِي الْكَلَام مَعَ سَوَاء , وَأَخْطَئُوا تَأْوِيل الْآيَة , فَسَوَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى التَّمَام وَالِاكْتِفَاء , لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْله . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ قَوْله : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . .. الْآيَات الثَّلَاث , نَزَلَتْ فِي جَمَاعَة مِنْ الْيَهُود أَسْلَمُوا , فَحَسُنَ إِسْلَامهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6044 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا أَسْلَمَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَثَعْلَبَة بْن سَعْيَة , وَأَسِيد بْن سُعَيَّة , وَأَسَد بْن عُبَيْد , وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُود مَعَهُمْ , فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَام وَمَنَحُوا فِيهِ , قَالَتْ : أَحْبَار يَهُود وَأَهْل الْكُفْر مِنْهُمْ : مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ وَلَا تَبِعَهُ إِلَّا أَشْرَارنَا , وَلَوْ كَانُوا مِنْ خِيَارنَا مَا تَرَكُوا دِين آبَائِهِمْ , وَذَهَبُوا إِلَى غَيْره , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمًا يَتْلُونَ آيَات اللَّه } إِلَى قَوْله : { وَأُولَئِكَ مِنْ الصَّالِحِينَ } * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . 6045 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . .. الْآيَة , يَقُول : لَيْسَ كُلّ الْقَوْم هُلَّك , قَدْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ بَقِيَّة . 6046 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { أُمَّة قَائِمَة } : عَبْد اللَّه بْن سَلَام , وَثَعْلَبَة بْن سَلَام أَخُوهُ , وَسُعَيَّة وَمُبَشِّر , وَأَسِيد وَأَسَد اِبْنَا كَعْب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ أَهْل الْكِتَاب وَأُمَّة مُحَمَّد الْقَائِمَة بِحَقِّ اللَّه سَوَاء عِنْد اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6047 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ الْحَسَن بْن يَزِيد الْعِجْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَمَّة قَائِمَة } قَالَ : لَا يَسْتَوِي أَهْل الْكِتَاب , وَأُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6048 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . .. الْآيَة , يَقُول : لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَمِثْلِ هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي هِيَ قَائِمَة . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : قَدْ تَمَّتْ الْقِصَّة عِنْد قَوْله : { لَيْسُوا سَوَاء } عَنْ إِخْبَار اللَّه يَأْمُر مُؤْمِنِي أَهْل الْكِتَاب , وَأَهْل الْكُفْر مِنْهُمْ , وَأَنَّ قَوْله : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } . خَبَر مُبْتَدَأ عَنْ مَدْح مُؤْمِنِيهِمْ , وَوَصْفهمْ بِصِفَتِهِمْ , عَلَى مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَابْن جُرَيْج . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُمَّة قَائِمَة } : جَمَاعَة ثَابِتَة عَلَى الْحَقّ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْأُمَّة فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَأَمَّا الْقَائِمَة , فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهَا : الْعَادِلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6049 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أُمَّة قَائِمَة } مَنْ قَالَ : عَادِلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا قَائِمَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَمَا أَمَرَ بِهِ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6050 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { أُمَّة قَائِمَة } يَقُول : قَائِمَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَفَرَائِضه وَحُدُوده . 6051 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { أُمَّة قَائِمَة } يَقُول . قَائِمَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَحُدُوده وَفَرَائِضه . 6052 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة } يَقُول : أُمَّة مُهْتَدِيَة قَائِمَة عَلَى أَمْر اللَّه , لَمْ تَنْزِع عَنْهُ وَتَتْرُكهُ كَمَا تَرَكَهُ الْآخَرُونَ وَضَيَّعُوهُ . وَقَالَ آخَرُونَ . بَلْ مَعْنَى قَائِمَة : مُطِيعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6053 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أُمَّة قَائِمَة } الْآيَة , يَقُول : لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود , كَمِثْلِ هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي هِيَ قَانِتَة لِلَّهِ وَالْقَانِتَة . الْمُطِيعَة . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة , وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُمْ , وَإِنْ كَانَ سَائِر الْأَقْوَال الْأُخَر مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة فِي ذَلِكَ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { قَائِمَة } مُسْتَقِيمَة عَلَى الْهُدَى , وَكِتَاب اللَّه وَفَرَائِضه , وَشَرَائِع دِينه , بِالْعَدْلِ وَالطَّاعَة , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَسْبَاب الْخَيْر مِنْ صِفَة أَهْل الِاسْتِقَامَة عَلَى كِتَاب اللَّه وَسُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَنَظِير ذَلِكَ الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ النُّعْمَان بْن بَشِير , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَثَل الْقَائِم عَلَى حُدُود اللَّه وَالْوَاقِع فِيهَا , كَمَثَلِ قَوْم رَكِبُوا سَفِينَة , ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا " فَالْقَائِم عَلَى حُدُود اللَّه هُوَ الثَّابِت عَلَى التَّمَسُّك بِمَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : مِنْ أَهْل الْكِتَاب جَمَاعَة مُعْتَصِمَة بِكِتَابِ اللَّه , مُتَمَسِّكَة بِهِ , ثَابِتَة عَلَى الْعَمَل بِمَا فِيهِ , وَمَا سَنَّ لَهُ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه } : يَقْرَءُونَ كِتَاب اللَّه آنَاء اللَّيْل , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { آيَات اللَّه } : مَا أَنْزَلَ فِي كِتَابه مِنْ الْعِبَر وَالْمَوَاعِظ , يَقُول : يَتْلُونَ ذَلِكَ آنَاء اللَّيْل , يَقُول : فِي سَاعَات اللَّيْل , فَيَتَدَبَّرُونَهُ وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهِ . وَأَمَّا { آنَاء اللَّيْل } : فَسَاعَات اللَّيْل , وَاحِدهَا : إِنْي , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حُلْو وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْح مِرَّته فِي كُلّ إنْي قُضَاة اللَّيْل يَنْتَعِل وَقَدْ قِيلَ إِنَّ وَاحِد الْآنَاء : إِنًى مَقْصُور , كَمَا وَاحِد الْأَمْعَاء : مِعًى . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : سَاعَات اللَّيْل , كَمَا قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6054 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل } : أَيْ سَاعَات اللَّيْل . 6055 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : { آنَاء اللَّيْل } : سَاعَات اللَّيْل . 6056 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : سَمِعْنَا الْعَرَب تَقُول : { آنَاء اللَّيْل } : سَاعَات اللَّيْل . وَقَالَ آخَرُونَ { أَنَاءَ اللَّيْل } : جَوْف اللَّيْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل } أَمَّا آنَاء اللَّيْل : فَجَوْف اللَّيْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا يُصَلُّونَ الْعِشَاء الْأَخِيرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6058 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ الْحَسَن بْن يَزِيد الْعِجْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْله : { يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل } : صَلَاة الْعَتَمَة , هُمْ يُصَلُّونَهَا , وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَا يُصَلِّيهَا . 6059 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن أَيُّوب , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن زَحْر , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : اِحْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة كَانَ عِنْد بَعْض أَهْله وَنِسَائِهِ , فَلَمْ يَأْتِنَا لِصَلَاةِ الْعِشَاء حَتَّى ذَهَبَ لَيْل , فَجَاءَ وَمِنَّا الْمُصَلِّي وَمِنَّا الْمُضْطَجِع , فَبَشَّرَنَا وَقَالَ : " إِنَّهُ لَا يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاة أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب " , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } 6060 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ أَبِي يَحْيَى الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ نَصْر بْن طَرِيف , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَنْتَظِر الْعِشَاء - يُرِيد الْعَتَمَة - فَقَالَ لَنَا : " مَا عَلَى الْأَرْض أَحَد مِنْ أَهْل الْأَدْيَان يَنْتَظِر هَذِهِ الصَّلَاة فِي هَذَا الْوَقْت غَيْركُمْ " قَالَ : فَنَزَلَتْ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6061 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ : { لَيْسُوا سَوَاء مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } فِيمَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْتهَا عَلَى اِخْتِلَافهَا مُتَقَارِبَة الْمَعَانِي , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم , بِأَنَّهُمْ يَتْلُونَ آيَات اللَّه فِي سَاعَات اللَّيْل , وَهِيَ آنَاؤُهُ , وَقَدْ يَكُون تَالِيهَا فِي صَلَاة الْعِشَاء تَالِيًا لَهَا آنَاء اللَّيْل , وَكَذَلِكَ مَنْ تَلَاهَا فِيمَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء , وَمَنْ تَلَاهَا جَوْف اللَّيْل , فَكُلّ تَالٍ لَهُ سَاعَات اللَّيْل . غَيْر أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : تِلَاوَة الْقُرْآن فِي صَلَاة الْعِشَاء , لِأَنَّهَا صَلَاة لَا يُصَلِّيهَا أَحَد مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَوَصَفَ اللَّه أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا دُون أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } فَإِنَّ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى السُّجُود فِي هَذَا الْمَوْضِع اِسْم الصَّلَاة لَا السُّجُود , لِأَنَّ التِّلَاوَة لَا تَكُون فِي السُّجُود وَلَا فِي الرُّكُوع , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل وَهُمْ يُصَلُّونَ , وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : مِنْ أَهْل الْكِتَاب أُمَّة قَائِمَة , يَتْلُونَ آيَات اللَّه آنَاء اللَّيْل فِي صَلَاتهمْ , وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْجُدُونَ فِيهَا , فَالسُّجُود هُوَ السُّجُود الْمَعْرُوف فِي الصَّلَاة .
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَسورة آل عمران الآية رقم 114
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } : يُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ , وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه مُجَازِيهمْ بِأَعْمَالِهِمْ ; وَلَيْسُوا كَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْره , وَيُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَيُنْكِرُونَ الْمُجَازَاة عَلَى الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب .

وَقَوْله : { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } يَقُول : يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَتَصْدِيق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ .

{ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر } يَقُول : وَيَنْهَوْنَ النَّاس عَنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيب مُحَمَّد , وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه : يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى , الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْكُفْرِ , وَتَكْذِيب مُحَمَّد فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ , وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمَعْرُوف مِنْ الْأَعْمَال , وَهُوَ تَصْدِيق مُحَمَّد فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه .

{ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَات } يَقُول : وَيَبْتَدِرُونَ فِعْل الْخَيْرَات خَشْيَة أَنْ يَفُوتهُمْ ذَلِكَ قَبْل مُعَاجَلَتهمْ مَنَايَاهُمْ . ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب هُمْ مِنْ عِدَاد الصَّالِحِينَ , لِأَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَاسِقًا قَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه , لِكُفْرِهِ بِاَللَّهِ وَآيَاته , وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ , وَعِصْيَانه رَبّه , وَاعْتِدَائِهِ فِي حُدُوده .
وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَسورة آل عمران الآية رقم 115
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَفْعَلُونَ مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } جَمِيعًا , رَدًّا عَلَى صِفَة الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة بِالتَّاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا : " وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ تُكْفَرُوهُ " بِمَعْنَى : وَمَا تَفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ خَيْر فَلَنْ يَكْفُرَكُمُوهُ رَبّكُمْ . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة يَرَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِي الْحَرْفَيْنِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } بِالْيَاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا , يَعْنِي بِذَلِكَ الْخَبَر عَنْ الْأُمَّة الْقَائِمَة , التَّالِيَة آيَات اللَّه . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا ذَلِكَ , لِأَنَّ مَا قَبْل هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْآيَات خَبَر عَنْهُمْ , فَإِلْحَاق هَذِهِ الْآيَة إِذْ كَانَ لَا دَلَالَة فِيهَا تَدُلّ عَلَى الِانْصِرَاف عَنْ صِفَتهمْ بِمَعَانِي الْآيَات قَبْلهَا أَوْلَى مِنْ صَرْفهَا عَنْ مَعَانِي مَا قَبْلهَا . وَبِاَلَّذِي اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ . 6062 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا جَمِيعًا بِالْيَاءِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا عَلَى مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة : وَمَا تَفْعَل هَذِهِ الْأُمَّة مِنْ خَيْر , وَتَعْمَل مِنْ عَمَل لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَلَنْ يَكْفُرهُمْ اللَّه ذَلِكَ ; يَعْنِي بِذَلِكَ : فَلَنْ يُبْطِل اللَّه ثَوَاب عَمَلهمْ ذَلِكَ , وَلَا يَدَعهُمْ بِغَيْرِ جَزَاء مِنْهُ لَهُمْ عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ يُجْزِل لَهُمْ الثَّوَاب عَلَيْهِ , وَيُسْنِي لَهُمْ الْكَرَامَة وَالْجَزَاء . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْكُفْر فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِدِهِ , وَأَنَّ أَصْله تَغْطِيَة الشَّيْء فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } : فَلَنْ يُغَطِّي عَلَى مَا فَعَلُوا مِنْ خَيْر , فَيُتْرَكُوا بِغَيْرِ مُجَازَاة , وَلَكِنَّهُمْ يُشْكَرُونَ عَلَى مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ , فَيُجْزَل لَهُمْ الثَّوَاب فِيهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل تَأَوَّلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6063 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : " وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فَلَنْ تُكْفَرُوهُ " يَقُول : لَنْ يَضِلّ عَنْكُمْ . 6064 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِمِثْلِهِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه عَلِيم بِالْمُتَّقِينَ } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ اِتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , وَحَافِظ أَعْمَالَهُمْ الصَّالِحَة حَتَّى يُثِيبهُمْ عَلَيْهَا , وَيُجَازِيهِمْ بِهَا تَبْشِيرًا مِنْهُ لَهُمْ جَلَّ ذِكْره فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَحَضًّا لَهُمْ عَلَى التَّمَسُّك بِاَلَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ صَالِح الْأَخْلَاق الَّتِي اِرْتَضَاهَا لَهُمْ .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَسورة آل عمران الآية رقم 116
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا } وَهَذَا وَعِيد مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْأُمَّةِ الْأُخْرَى الْفَاسِقَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب , الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ وَأَنَّهُمْ قَدْ بَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْهُ , وَلِمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه . بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَّبُوا بِهِ , وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه ; { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا } يَعْنِي : لَنْ تَدْفَع أَمْوَاله الَّتِي جَمَعَهَا فِي الدُّنْيَا وَأَوْلَاده الَّذِينَ رَبَّاهُمْ فِيهَا شَيْئًا مِنْ عُقُوبَة اللَّه يَوْم الْقِيَامَة إِنْ أَخَّرَهَا لَهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَلَا فِي الدُّنْيَا إِنْ عَجَّلَهَا لَهُمْ فِيهَا . وَإِنَّمَا خَصَّ أَوْلَاده وَأَمْوَاله , لِأَنَّ أَوْلَاد الرَّجُل أَقْرَب أَنْسِبَائِهِ إِلَيْهِ , وَهُوَ عَلَى مَاله أَقْرَب مِنْهُ عَلَى مَال غَيْره , وَأَمْره فِيهِ أَجْوَز مِنْ أَمْره فِي مَال غَيْره , فَإِذَا لَمْ يُغْنِ عَنْهُ وَلَده لِصُلْبِهِ وَمَاله الَّذِي هُوَ نَافِذ الْأَمْر فِيهِ , فَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَسَائِر أَنْسِبَائِهِ وَأَمْوَالهمْ أَبْعَد مِنْ أَنْ تُغْنِي عَنْهُ مِنْ اللَّه شَيْئًا .

ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ هُمْ أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا بِقَوْلِهِ : { وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار } ; وَإِنَّمَا هُمْ أَصْحَابهَا , لِأَنَّهُمْ أَهْلهَا الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُفَارِقُونَهَا , كَصَاحِبِ الرَّجُل الَّذِي لَا يُفَارِقهُ وَقَرِينه الَّذِي لَا يُزَايِلهُ . ثُمَّ وَكَّدَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ , صُحْبَتهمْ إِيَّاهَا صُحْبَة لَا اِنْقِطَاع لَهَا , إِذْ كَانَ مِنْ الْأَشْيَاء مَا يُفَارِق صَاحِبه فِي بَعْض الْأَحْوَال وَيُزَايِلهُ فِي بَعْض الْأَوْقَات , وَلَيْسَ كَذَلِكَ صُحْبَة الَّذِينَ كَفَرُوا النَّار الَّتِي أُصْلُوهَا , وَلَكِنَّهَا صُحْبَة دَائِمَة لَا نِهَايَة لَهَا وَلَا اِنْقِطَاع , نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْهَا وَمِمَّا قَرَّبَ مِنْهَا مِنْ قَوْل وَعَمَل .
مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَسورة آل عمران الآية رقم 117
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَثَل مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ أَصَابَتْ حَرْث قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه وَلَكِنْ أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : شَبَه مَا يُنْفِق الَّذِينَ كَفَرُوا : أَيْ شَبَه مَا يَتَصَدَّق بِهِ الْكَافِر مِنْ مَاله , فَيُعْطِيه مَنْ يُعْطِيه عَلَى وَجْه الْقُرْبَة إِلَى رَبّه , وَهُوَ لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه جَاحِد وَلِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَذِّب فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْر نَافِع مَعَ كُفْره , وَأَنَّهُ مُضْمَحِلّ عِنْد حَاجَته إِلَيْهِ ذَاهِب بَعْد الَّذِي كَانَ يَرْجُوَا مِنْ عَائِدَة نَفْعه عَلَيْهِ , كَشَبَهِ رِيح فِيهَا بَرْد شَدِيد { أَصَابَتْ } هَذِهِ الرِّيح الَّتِي فِيهَا الْبَرْد الشَّدِيد { حَرْث قَوْم } يَعْنِي زَرْع قَوْم , قَدْ أَمَّلُوا إِدْرَاكه , وَرَجَوْا رِيعه وَعَائِدَة نَفْعه , { ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ } يَعْنِي أَصْحَاب الزَّرْع , عَصَوْا اللَّه , وَتَعَدَّوْا حُدُوده { فَأَهْلَكَتْهُ } يَعْنِي فَأَهْلَكَتْ الرِّيح الَّتِي فِيهَا الصِّرّ زَرْعهمْ ذَلِكَ , بَعْد الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَمَل , وَرَجَاء عَائِدَة نَفْعه عَلَيْهِمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَذَلِكَ فَعَلَ اللَّه بِنَفَقَةِ الْكَافِر وَصَدَقَته فِي حَيَاته حِين يَلْقَاهُ يُبْطِل ثَوَابهَا , وَيَقُول رَجَاءَهُ مِنْهَا . وَخَرَجَ الْمَثَل لِلنَّفَقَةِ , وَالْمُرَاد بِالْمَثَلِ : صَنِيع اللَّه بِالنَّفَقَةِ , فَبَيَّنَ ذَلِكَ قَوْله : { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } فَهُوَ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي مِثْله مِنْ قَوْله : { مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ نَارًا } 2 17 وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : مَثَل إِبْطَال اللَّه أَجْر مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , كَمَثَلِ رِيح صِرّ . وَإِنَّمَا جَازَ تَرْك ذِكْر إِبْطَال اللَّه أَجْر ذَلِكَ لِدَلَالَةِ آخِر الْكَلَام عَلَيْهِ , وَهُوَ قَوْله : { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } وَلِمَعْرِفَةِ السَّامِع ذَلِكَ مَعْنَاهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى النَّفَقَة الَّتِي ذَكَرَهَا فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ النَّفَقَة الْمَعْرُوفَة فِي النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6065 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { مَثَل مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : نَفَقَة الْكَافِر فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ قَوْله الَّذِي يَقُولهُ بِلِسَانِهِ مِمَّا لَا يُصَدِّقهُ بِقَلْبِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6066 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَثَل مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ أَصَابَتْ حَرْث قَوْم ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَأَهْلَكَتْهُ } يَقُول : مَثَل مَا يَقُول فَلَا يُقْبَل مِنْهُ كَمَثَلِ هَذَا الزَّرْع إِذَا زَرَعَهُ الْقَوْم الظَّالِمُونَ , فَأَصَابَهُ رِيح فِيهَا صِرّ أَصَابَته فَأَهْلَكَتْهُ . فَكَذَلِكَ أَنْفَقُوا فَأَهْلَكَهُمْ شِرْكهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْل . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا تَأْوِيل الْحَيَاة الدُّنْيَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا الصِّرّ , فَإِنَّهُ شِدَّة الْبَرْد , وَذَلِكَ بِعُصُوفٍ مِنْ الشَّمَال فِي إِعْصَار الطَّلّ وَالْأَنْدَاء فِي صَبِيحَة مُعْتِمَة بِعَقِبِ لَيْلَة مُصْحِيَة . كَمَا : 6067 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : بَرْد شَدِيد . 6068 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : بَرْد شَدِيد وَزَمْهَرِير . 6069 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { رِيح فِيهَا صِرّ } يَقُول : بَرْد . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : الصِّرّ : الْبَرْد . 6070 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } : أَيْ بَرْد شَدِيد . 6071 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 6072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي الصِّرّ : الْبَرْد الشَّدِيد . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { كَمَثَلِ رِيح فِيهَا صِرّ } يَقُول : رِيح فِيهَا بَرْد . 6073 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : صِرّ بَارِدَة أَهْلَكَتْ حَرْثهمْ . قَالَ : وَالْعَرَب تَدْعُوهَا الضَّرِيب : تَأْتِي الرِّيح بَارِدَة فَتُصْبِح ضَرِيبًا قَدْ أَحْرَقَ الزَّرْع , تَقُول : " قَدْ ضُرِبَ اللَّيْلَة " أَصَابَهُ ضَرِيب تِلْكَ الصِّرّ الَّتِي أَصَابَتْهُ . 6074 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { رِيح فِيهَا صِرّ } قَالَ : رِيح فِيهَا بَرْد . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا فَعَلَ اللَّه بِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار مَا فَعَلَ بِهِمْ , مِنْ إِحْبَاطه ثَوَاب أَعْمَالهمْ , وَإِبْطَاله أُجُورهَا ظُلْمًا مِنْهُ لَهُمْ , يَعْنِي : وَضْعًا مِنْهُ لِمَا فَعَلَ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِعه وَعِنْد غَيْر أَهْله , بَلْ وَضَعَ فِعْله ذَلِكَ فِي مَوْضِعه , وَفَعَلَ بِهِمْ مَا هُمْ أَهْله , لِأَنَّ عَمَلهمْ الَّذِي عَمِلُوهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ , وَهُمْ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ دَائِنُونَ وَلِأَمْرِهِ مُتَّبِعُونَ , وَلِرُسُلِهِ مُصَدِّقُونَ . بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَهُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ , وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفُونَ , وَلِرُسُلِهِ مُكَذِّبُونَ , بَعْد تَقَدُّم مِنْهُ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا مِنْ عَامِل إِلَّا مَعَ إِخْلَاص التَّوْحِيد لَهُ , وَالْإِقْرَار بِنُبُوَّةِ أَنْبِيَائِهِ , وَتَصْدِيق مَا جَاءُوهُمْ بِهِ , وَتَوْكِيده الْحُجَج بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ . فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ مَا فَعَلَ بِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَخَالَفَ أَمْره فِي ذَلِكَ بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِ مِنْ إِحْبَاط وَافِر عَمَله لَهُ ظَالِمًا , بَلْ الْكَافِر هُوَ الظَّالِم نَفْسه لِإِكْسَابِهَا مِنْ مَعْصِيَة اللَّه وَخِلَاف أَمْره مَا أَوْرَدَهَا بِهِ نَار جَهَنَّم وَأَصْلَاهَا بِهِ سَعِير سَقَر .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَسورة آل عمران الآية رقم 118
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ مِنْ عِنْد رَبّهمْ , { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } يَقُول : لَا تَتَّخِذُوا أَوْلِيَاء وَأَصْدِقَاء لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ دُونكُمْ , يَقُول : مِنْ دُون أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ , يَعْنِي مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ . وَإِنَّمَا جَعَلَ الْبِطَانَة مَثَلًا لِخَلِيلِ الرَّجُل فَشَبَّهَهُ بِمَا وَلِيَ بَطْنه مِنْ ثِيَابه لِحُلُولِهِ مِنْهُ فِي اِطِّلَاعه عَلَى أَسْرَاره , وَمَا يَطْوِيه عَنْ أَبَاعِده وَكَثِير مِنْ أَقَارِبه , مَحَلّ مَا وَلِيَ جَسَده مِنْ ثِيَابه , فَنَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ الْكُفَّار بِهِ أَخِلَّاء وَأَصْفِيَاء ثُمَّ عَرَّفَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُمْ مُنْطَوُونَ مِنْ الْغِشّ وَالْخِيَانَة , وَبَغْيهمْ إِيَّاهُمْ الْغَوَائِل , فَحَذَّرَهُمْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ عَنْ مُخَالَّتهمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } يَعْنِي لَا يَسْتَطِيعُونَ شَرًّا , مِنْ أَلَوْت أَلْوًا , يُقَال : مَا أَلَا فُلَان كَذَا , أَيْ مَا اِسْتَطَاعَ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : جَهْرَاء لَا تَأْلُو إِذَا هِيَ أَظْهَرَتْ بَصَرًا وَلَا مِنْ عَيْلَة تُغْنِينِي يَعْنِي لَا تَسْتَطِيع عِنْد الظُّهْر إِبْصَارًا . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } الْبِطَانَة الَّتِي نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ اِتِّخَاذهَا مِنْ دُونهمْ , فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْبِطَانَة لَا تَتْرُككُمْ طَاقَتهَا خَبَالًا : أَيْ لَا تَدَع جَهْدهَا فِيمَا أَوْرَثَكُمْ الْخَبَال . وَأَصْل الْخَبَال وَالْخَبَال : الْفَسَاد , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي مَعَادِن كَثِيرَة يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أُصِيبَ بِخَبَلٍ - أَوْ جِرَاح " . وَأَمَّا قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَدُّوا عَنَتكُمْ , يَقُول : يَتَمَنَّوْنَ لَكُمْ الْعَنَت وَالشَّرّ فِي دِينكُمْ وَمَا يَسُوءكُمْ وَلَا يَسُرّكُمْ . ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا حُلَفَاءَهُمْ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل النِّفَاق مِنْهُمْ , وَيُصَادِفُونَهُمْ الْمَوَدَّة بِالْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ فِي جَاهِلِيَّتهمْ قَبْل الْإِسْلَام , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ وَأَنْ يَسْتَنْصِحُوهُمْ فِي شَيْء مِنْ أُمُورهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6075 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُود لِمَا كَانَ بَيْنهمْ مِنْ الْجِوَار وَالْحِلْف فِي الْجَاهِلِيَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ , فَنَهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ تَخَوُّفَ الْفِتْنَة عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } إِلَى قَوْله : { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } 6076 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } فِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة , نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَوَلَّوْهُمْ . 6077 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَدْخِلُوا الْمُنَافِقِينَ أَوْ يُؤَاخُوهُمْ , أَيْ يَتَوَلَّوْهُمْ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . 6078 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } هُمْ الْمُنَافِقُونَ . 6079 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار . قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } يَقُول : لَا تَسْتَدْخِلُوا الْمُنَافِقِينَ , تَتَوَلَّوْهُمْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . 6080 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ الْأَزْهَر بْن رَاشِد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْل الشِّرْك , وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمكُمْ عَرَبِيًّا " قَالَ : فَلَمْ نَدْرِ مَا ذَلِكَ حَتَّى أَتَوْا الْحَسَن فَسَأَلُوهُ , فَقَالَ : نَعَمْ , أَمَّا قَوْله : " لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمكُمْ عَرَبِيًّا " , فَإِنَّهُ يَقُول : لَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمكُمْ " مُحَمَّد " ; وَأَمَّا قَوْله : " وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْل الشِّرْك " , فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ , يَقُول : لَا تَسْتَشِيرُوهُمْ فِي شَيْء مِنْ أُمُوركُمْ . قَالَ : قَالَ الْحَسَن : وَتَصْدِيق ذَلِكَ فِي كِتَاب اللَّه , ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } . 6081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } أَمَّا الْبِطَانَة : فَهُمْ الْمُنَافِقُونَ . 6082 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : لَا يَسْتَدْخِل الْمُؤْمِن الْمُنَافِق دُون أَخِيهِ . 6083 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ } . .. الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , وَقَرَأَ قَوْله : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } . .. الْآيَة . وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهُ : وَدُّوا مَا ضَلَلْتُمْ عَنْ دِينكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ . : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } يَقُول : مَا ضَلَلْتُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 6085 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } يَقُول فِي دِينكُمْ , يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ أَنْ تَعْنَتُوا فِي دِينكُمْ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } فَجَاءَ بِالْخَبَرِ عَنْ الْبِطَانَة بِلَفْظِ الْمَاضِي فِي مَحَلّ الْحَال وَالْقَطْع بَعْد تَمَام الْخَبَر , وَالْحَالَات الَّتِي لَا تَكُون إِلَّا بِصُوَرِ الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال الْمُسْتَقْبَلَة دُون الْمَاضِيَة مِنْهَا ؟ قِيلَ : لَيْسَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ظَنَنْت مِنْ أَنَّ قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } حَال مِنْ الْبِطَانَة , وَإِنَّمَا هُوَ خَبَر عَنْهُمْ ثَانٍ , مُنْقَطِع عَنْ الْأَوَّل غَيْر مُتَّصِل بِهِ . وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة صِفَتهمْ كَذَا صِفَتهمْ كَذَا . فَالْخَبَر عَنْ الصِّفَة الثَّانِيَة غَيْر مُتَّصِل بِالصِّفَةِ الْأُولَى , وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ صِفَة شَخْص وَاحِد . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } مِنْ صِلَة الْبِطَانَة , وَقَدْ وُصِلَتْ بِقَوْلِهِ : { لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } فَلَا وَجْه لِصِلَةٍ أُخْرَى بَعْد تَمَام الْبِطَانَة بِصِلَتِهِ , وَلَكِنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّا قَبْل مِنْ أَنَّ قَوْله : { وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ } خَبَر مُبْتَدَأ عَنْ الْبِطَانَة غَيْر الْخَبَر الْأَوَّل , وَغَيْر حَال مِنْ الْبِطَانَة وَلَا قُطِعَ مِنْهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ بَدَتْ بَغْضَاء هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ لَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ , يَعْنِي بِأَلْسِنَتِهِمْ . وَاَلَّذِي بَدَا لَهُمْ مِنْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ إِقَامَتهمْ عَلَى كُفْرهمْ , وَعَدَاوَتهمْ مَنْ خَالَفَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الضَّلَالَة , فَذَلِكَ مِنْ أَوْكَد الْأَسْبَاب مِنْ مُعَادَاتهمْ أَهْل الْإِيمَان , لِأَنَّ ذَلِكَ عَدَاوَة عَلَى الدِّين , وَالْعَدَاوَة عَلَى الدِّين , الْعَدَاوَة الَّتِي لَا زَوَال لَهَا إِلَّا بِانْتِقَالِ أَحَد الْمُتَعَادِيَيْنِ إِلَى مِلَّة الْآخَر مِنْهُمَا , وَذَلِكَ اِنْتِقَال مِنْ هُدًى إِلَّا ضَلَالَة كَانَتْ عِنْد الْمُنْتَقِل إِلَيْهَا ضَلَالَة قَبْل ذَلِكَ , فَكَانَ فِي إِبْدَائِهِمْ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُقَامهمْ عَلَيْهِ أَبْيَن الدَّلَالَة لِأَهْلِ الْإِيمَان عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبَغْضَاء وَالْعَدَاوَة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْله : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } قَدْ بَدَتْ بَغْضَاؤُهُمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الْكُفْر بِإِطْلَاعِ بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ . وَزَعَمَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة : أَهْل النِّفَاق , دُون مَنْ كَانَ مُصَرِّحًا بِالْكُفْرِ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ 6086 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } يَقُول : قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاه الْمُنَافِقِينَ إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ الْكُفَّار , مِنْ غِشّهمْ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله وَبُغْضهمْ إِيَّاهُمْ . 6087 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ } يَقُول : مِنْ أَفْوَاه الْمُنَافِقِينَ . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَتَادَة قَوْل لَا مَعْنًى لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا بِطَانَة مِمَّنْ قَدْ عُرِفُوهُ بِالْغِشِّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله , وَالْبَغْضَاء إِمَّا بِأَدِلَّةِ ظَاهِرَة دَالَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَتهمْ , وَإِمَّا بِإِظْهَارِ الْمَوْصُوفِينَ بِذَلِكَ الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن وَالْمُنَاصَبَة لَهُمْ . فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتُوهُ مَعْرِفَة أَنَّهُ الَّذِي نَهَاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُخَالَّته وَمُبَاطَنَتِهِ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُونُوا نَهَوْا عَنْ مُخَالَّته وَمُصَادَقَته إِلَّا بَعْد تَعْرِيفهمْ إِيَّاهُمْ , إِمَّا بِأَعْيَانِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ , وَإِمَّا بِصِفَاتٍ قَدْ عَرَفُوهُمْ بِهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ إِبْدَاء الْمُنَافِقِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا فِي قُلُوبهمْ مِنْ بَغْضَاء الْمُؤْمِنِينَ إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ الْكُفَّار , غَيْر مُدْرِك بِهِ الْمُؤْمِنُونَ مَعْرِفَة مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُمْ مَعَ إِظْهَارهمْ الْإِيمَان بِأَلْسِنَتِهِمْ لَهُمْ وَالتَّوَدُّد إِلَيْهِمْ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنُونَ عَنْ اِتِّخَاذهمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِطَانَة دُونهمْ , هُمْ الَّذِينَ قَدْ ظَهَرَتْ لَهُمْ بَغْضَاؤُهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَلَى مَا وَصَفَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ , فَعَرَفَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ بِالصِّفَةِ الَّتِي نَعَتَهُمْ اللَّه بِهَا , وَأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُمْ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ ذِمَّة وَعَهْد مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ أَهْل الْكِتَاب , لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا الْمُنَافِقِينَ لَكَانَ الْأَمْر فِيهِمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا , وَلَوْ كَانُوا الْكُفَّار مِمَّنْ قَدْ نَاصَبَ الْمُؤْمِنِينَ الْحَرْب , لَمْ يَكُنْ الْمُؤْمِنُونَ مُتَّخِذِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِطَانَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ مَعَ اِخْتِلَاف بِلَادهمْ وَافْتِرَاق أَمْصَارهمْ , وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن أَظْهُر الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِمَّنْ كَانَ لَهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد وَعَقْد مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل . وَالْبَغْضَاء : مَصْدَر , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : " قَدْ بَدَا الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ " , عَلَى وَجْه التَّذْكِير , وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ وَلَفْظه لَفْظ الْمُؤَنَّث , لِأَنَّ الْمَصَادِر تَأْنِيثهَا لَيْسَ بِالتَّأْنِيثِ اللَّازِم , فَيَجُوز تَذْكِير مَا خَرَجَ مِنْهَا عَلَى لَفْظ الْمُؤَنَّث وَتَأْنِيثه , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة } 11 67 وَكَمَا قَالَ : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ } 6 157 وَفِي مَوْضِع آخَر : { وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة } 11 94 { وَجَاءَتْكُمْ بَيِّنَة مِنْ رَبّكُمْ } 7 73 , 85 وَقَالَ : { مِنْ أَفْوَاههمْ } وَإِنَّمَا بَدَا مَا بَدَا مِنْ الْبَغْضَاء بِأَلْسِنَتِهِمْ , لِأَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِ الْكَلَام الَّذِي ظَهَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مِنْ أَفْوَاههمْ , فَقَالَ : قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاههمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَلَّذِي تُخْفِي صُدُورهمْ , يَعْنِي صُدُور هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَاهُمْ عَنْ اِتِّخَاذهمْ بِطَانَة فَتُخْفِيه عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَكْبَر , يَقُول : أَكْبَر مِمَّا قَدْ بَدَا لَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ أَفْوَاههمْ مِنْ الْبَغْضَاء وَأَعْظَم . كَمَا : 6088 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر } يَقُول : وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر مِمَّا قَدْ أَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ . 6089 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { وَمَا تُخْفِي صُدُورهمْ أَكْبَر } يَقُول : مَا تُكِنّ صُدُورهمْ أَكْبَر مِمَّا قَدْ أَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْآيَات , يَعْنِي بِالْآيَاتِ : الْعِبَر , قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ مِنْ أَمْر هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ نَهَيْنَاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ مَا تَعْتَبِرُونَ وَتَتَّعِظُونَ بِهِ مِنْ أَمْرهمْ , { إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } يَعْنِي : إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه مَوَاعِظه وَأَمْره وَنَهْيه , وَتَعْرِفُونَ مَوَاقِع نَفْع ذَلِكَ مِنْكُمْ وَمَبْلَغ عَائِدَته عَلَيْكُمْ .
هَاأَنتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِسورة آل عمران الآية رقم 119
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ , يَقُول : تُحِبُّونَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ اِتِّخَاذهمْ بِطَانَة مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , فَتَوَدُّونَهُمْ وَتُوَاصِلُونَهُمْ , وَهُمْ لَا يُحِبُّونَكُمْ , بَلْ يَنْتَظِرُونَ لَكُمْ الْعَدَاوَة وَالْغِشّ , وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه . وَمَعْنَى الْكِتَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع , مَعْنَى الْجَمْع , كَمَا يُقَال : أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس , بِمَعْنَى الدَّرَاهِم , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } , إِنَّمَا مَعْنَاهُ : بِالْكُتُبِ كُلّهَا كِتَابكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ , وَكِتَابهمْ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه عَلَى عِبَاده . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ تُؤْمِنُونَ بِالْكُتُبِ كُلّهَا , وَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ , كُفَّار بِذَلِكَ كُلّه , بِجُحُودِهِمْ ذَلِكَ كُلّه مِنْ عُهُود اللَّه إِلَيْهِمْ , وَتَبْدِيلهمْ مَا فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , أَوْلَى بِعَدَاوَتِكُمْ إِيَّاهُمْ , وَبَغْضَائِهِمْ وَغِشّهمْ مِنْهُمْ بِعَدَاوَتِكُمْ وَبَغْضَائِكُمْ مَعَ جُحُودهمْ بَعْض الْكُتُب وَتَكْذِيبهمْ بِبَعْضِهَا . كَمَا : 6090 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } : أَيْ بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابهمْ , وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُب قَبْل ذَلِكَ , وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ , فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُمْ . وَقَالَ : { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ } وَلَمْ يَقُلْ : " هَؤُلَاءِ أَنْتُمْ " , فَفَرْق بَيْن " هَا وَ " أُولَاءِ " بِكِنَايَةِ اِسْم الْمُخَاطَبِينَ , لِأَنَّ الْعَرَب كَذَلِكَ تَفْعَل فِي هَذَا إِذَا أَرَادَتْ بِهِ التَّقْرِيب وَمَذْهَب النُّقْصَان لِلَّذِي يَحْتَاج إِلَى تَمَام الْخَبَر , وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يُقَال لِبَعْضِهِمْ : أَيْنَ أَنْتَ ؟ فَيُجِيب الْمَقُول ذَلِكَ لَهُ . هَا أَنَا ذَا , فَيُفَرِّق بَيْن التَّنْبِيه وَ " ذَا " بِمَكْنِيِّ اِسْم نَفْسه , وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ : هَذَا أَنَا , ثُمَّ يُثَنِّي وَيَجْمَع عَلَى ذَلِكَ , وَرُبَّمَا أَعَادُوا حَرْف التَّنْبِيه مَعَ ذَا , فَقَالُوا : هَا أَنَا هَذَا وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا كَانَ تَقْرِيبًا , فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى غَيْر التَّقْرِيب وَالنُّقْصَان , قَالُوا : هَذَا هُوَ , وَهَذَا أَنْتَ , وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ مَعَ الْأَسْمَاء الظَّاهِرَة , يَقُولُونَ : هَذَا عَمْرو قَائِمًا , إِنْ كَانَ هَذَا تَقْرِيبًا . وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْمَكْنِيّ مَعَ التَّقْرِيب تَفْرِقَة بَيْن هَذَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى النَّاقِص الَّذِي يَحْتَاج إِلَى تَمَام , وَبَيْنه وَبَيْن مَا إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الِاسْم الصَّحِيح . وَقَوْله : { تُحِبُّونَهُمْ } خَبَر لِلتَّقْرِيبِ . وَفِي هَذِهِ الْآيَة إِبَانَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ حَال الْفَرِيقَيْنِ , أَعْنِي لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ , وَرَحْمَة أَهْل الْإِيمَان وَرَأْفَتهمْ بِأَهْلِ الْخِلَاف لَهُمْ , وَقَسَاوَة قُلُوب أَهْل الْكُفْر وَغِلْظَتهمْ عَلَى أَهْل الْإِيمَان . كَمَا : 6091 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّه } فَوَاَللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِن لَيُحِبّ الْمُنَافِق وَيَأْوِي لَهُ وَيَرْحَمهُ , وَلَوْ أَنَّ الْمُنَافِق يَقْدِر عَلَى مَا يَقْدِر عَلَيْهِ الْمُؤْمِن مِنْهُ لَأَبَادَ خَضْرَاءَهُ . 6092 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : الْمُؤْمِن خَيْر لِلْمُنَافِقِ مِنْ الْمُنَافِق لِلْمُؤْمِنِ يَرْحَمهُ , وَلَوْ يَقْدِر الْمُنَافِق مِنْ الْمُؤْمِن عَلَى مِثْل مَا يَقْدِر الْمُؤْمِن عَلَيْهِ مِنْهُ لَأَبَادَ خَضْرَاءَهُ . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُنَافِقِينَ . 6093 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوهُمْ بِطَانَة مِنْ دُونهمْ , وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَعْطَوْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَقِيَّة , حَذَرًا عَلَى أَنْفُسهمْ مِنْهُمْ , فَقَالُوا لَهُمْ : قَدْ آمَنَّا وَصَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِذَا هُمْ خَلَوْا فَصَارُوا فِي خَلَاء حَيْثُ لَا يَرَاهُمْ الْمُؤْمِنُونَ , عَضُّوا عَلَى مَا يَرَوْنَ مِنْ اِئْتِلَاف الْمُؤْمِنِينَ , وَاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ , وَصَلَاح ذَات بَيْنهمْ , { أَنَامِلهمْ } وَهِيَ أَطْرَاف أَصَابِعهمْ , تَغَيُّظًا مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْمَوْجِدَة عَلَيْهِمْ , وَأَسَى عَلَى ظَهْر يُسْنِدُونَ إِلَيْهِ لِمُكَاشَفَتِهِمْ الْعَدَاوَة وَمُنَاجَزَتهمْ الْمُحَارَبَة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6094 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } : إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا آمَنَّا لَيْسَ بِهِمْ إِلَّا مَخَافَة عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ , فَصَانَعُوهُمْ بِذَلِكَ . { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } يَقُول : مِمَّا يَجِدُونَ فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْغَيْظ وَالْكَرَاهَة لِمَا هُمْ عَلَيْهِ لَوْ يَجِدُونَ رِيحًا لَكَانُوا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَهُمْ كَمَا نَعَتَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . 6095 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : مِنْ الْغَيْظ لِكَرَاهَتِهِمْ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقُلْ : لَوْ يَجِدُونَ رِيحًا وَمَا بَعْده . 6096 - حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُسْلِم , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن عَمْرو بْن مَالِك الْبَكْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : كَانَ أَبُو الْجَوْزَاء إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } قَالَ : هُمْ الْإِبَاضِيَّة . وَالْأَنَامِل : جَمْع أَنْمُلَة , وَيُقَال أُنْمُلَة , وَرُبَّمَا جُمِعَتْ أَنْمُلًا , قَالَ الشَّاعِر : أَوَدُّكُمَا مَا بَلَّ حَلْقِي رِيقَتِي وَمَا حَمَلَتْ كَفَّايَ أَنْمُلِي الْعَشْرَا وَهِيَ أَطْرَاف الْأَصَابِع ; كَمَا : 6097 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده , الْأَنَامِل : أَطْرَاف الْأَصَابِع . 6098 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِمِثْلِهِ . 6099 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل } : الْأَصَابِع . 6100 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَوْله : { عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ } قَالَ : عَضُّوا عَلَى أَصَابِعهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ , وَأَخْبَرْتُك أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا أَصْحَابك , قَالُوا آمَنَّا , وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِل مِنْ الْغَيْظ . مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ الَّذِي بِكُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , لِاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ , وَائْتِلَاف جَمَاعَتهمْ . وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر , وَهُوَ دُعَاء مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكهُمْ اللَّه كَمَدًا مِمَّا بِهِمْ مِنْ الْغَيْظ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , قَبْل أَنْ يَرَوْا فِيهِمْ مَا يَتَمَنَّوْنَ لَهُمْ مِنْ الْعَنَت فِي دِينهمْ , وَالضَّلَالَة بَعْد هُدَاهُمْ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد , أَهْلِكُوا بِغَيْظِكُمْ , إِنَّ اللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور , يَعْنِي بِذَلِكَ : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِاَلَّذِي فِي صُدُور هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ , قَالُوا : آمَنَّا , وَمَا يَنْطَوُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْغِلّ وَالْغَمّ , وَيَعْتَقِدُونَ لَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء , وَبِمَا فِي صُدُور جَمِيع خَلْقه , حَافِظ عَلَى جَمِيعهمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُنْطَوٍ مِنْ خَيْر وَشَرّ , حَتَّى يُجَازِي جَمِيعهمْ عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ خَيْر وَشَرّ , وَاعْتَقَدَ مِنْ إِيمَان وَكُفْر , وَانْطَوَى عَلَيْهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصِيحَة أَوْ غِلّ وَغِمْر .
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌسورة آل عمران الآية رقم 120
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِيبكُمْ سَيِّئَة يَفْرَحُوا بِهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ } إِنْ تَنَالُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ سُرُورًا بِظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَتَتَابُع النَّاس فِي الدُّخُول فِي دِينكُمْ , وَتَصْدِيق نَبِيّكُمْ , وَمُعَاوَنَتكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ , يَسُؤْهُمْ . وَإِنْ تَنَلْكُمْ مَسَاءَة بِإِخْفَاقِ سَرِيَّة لَكُمْ , أَوْ بِإِصَابَةِ عَدُوّ لَكُمْ مِنْكُمْ , أَوْ اِخْتِلَاف يَكُون بَيْن جَمَاعَتكُمْ يَفْرَحُوا بِهَا . كَمَا : 6101 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنْ تَمَسَسكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَة يَفْرَحُوا بِهَا } , فَإِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام أُلْفَة وَجَمَاعَة وَظُهُورًا عَلَى عَدُوّهُمْ , غَاظَهُمْ ذَلِكَ وَسَاءَهُمْ , وَإِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فُرْقَة وَاخْتِلَافًا أَوْ أُصِيبَ طَرَف مِنْ أَطْرَاف الْمُسْلِمِينَ سَرَّهُمْ ذَلِكَ وَأُعْجِبُوا بِهِ وَابْتَهَجُوا بِهِ , فَهُمْ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْن أَكْذَبَ اللَّه أُحْدُوثَته وَأَوْطَأَ مَحَلَّته , وَأَبْطَلَ حُجَّته , وَأَظْهَرَ عَوْرَته , فَذَاكَ قَضَاء اللَّه فِيمَنْ مَضَى مِنْهُمْ وَفِيمَنْ بَقِيَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 6102 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَة يَفْرَحُوا بِهَا } قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ إِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام جَمَاعَة وَظُهُورًا عَلَى عَدُوّهُمْ , غَاظَهُمْ ذَلِكَ غَيْظًا شَدِيدًا وَسَاءَهُمْ , وَإِذَا رَأَوْا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام فُرْقَة وَاخْتِلَافًا , أَوْ أُصِيب طَرَف مِنْ أَطْرَاف الْمُسْلِمِينَ , سَرَّهُمْ ذَلِكَ وَأُعْجِبُوا بِهِ ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } 6103 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنْ تَمَسّكُمْ حَسَنه تَسُؤْهُمْ } قَالَ : إِذَا رَأَوْا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ جَمَاعَة وَأُلْفَة سَاءَهُمْ ذَلِكَ , وَإِذَا رَأَوْا مِنْهُمْ فُرْقَة وَاخْتِلَافًا فَرِحُوا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنْ تَصْبِرُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَاتِّبَاع أَمْره فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَاجْتِنَاب مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , مِنْ اِتِّخَاذ بِطَانَة لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سَائِر مَا نَهَاكُمْ , وَتَتَّقُوا رَبّكُمْ , فَتَخَافُوا التَّقَدُّم بَيْن يَدَيْهِ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ , وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقّه وَحَقّ رَسُوله , لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا : أَيْ كَيْد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ . وَيَعْنِي بِكَيْدِهِمْ : غَوَائِلهمْ الَّتِي يَبْتَغُونَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَمَكْرهمْ بِهِمْ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْ الْهُدَى وَسَبِيل الْحَقّ . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " لَا يَضِرْكُمْ " مُخَفَّفَة بِكَسْرِ الضَّاد مِنْ قَوْل الْقَائِل : ضَارَنِي فُلَان فَهُوَ يَضِيرنِي ضَيْرًا , وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب : مَا يَنْفَعنِي وَلَا يَضُورنِي . فَلَوْ كَانَتْ قُرِئَتْ عَلَى هَذِهِ اللُّغَة لَقِيلَ : لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا , وَلَكِنِّي لَا أَعْلَم أَحَدًا قَرَأَ بِهِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا } بِضَمِّ الضَّاد وَتَشْدِيد الرَّاء مِنْ قَوْل الْقَائِل : ضَرَّنِي فُلَان فَهُوَ يَضُرّنِي ضَرًّا . وَأَمَّا الرَّفْع فِي قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ } فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا عَلَى إِتْبَاع الرَّاء فِي حَرَكَتهَا , إِذْ كَانَ الْأَصْل فِيهَا الْجَزْم , وَلَمْ يُمْكِن جَزْمهَا لِتَشْدِيدِهَا أَقْرَب حَرَكَات الْحُرُوف الَّتِي قَبْلهَا , وَذَلِكَ حَرَكَة الضَّاد , وَهِيَ الضَّمَّة , فَأُلْحِقَتْ بِهَا حَرَكَة الرَّاء لِقُرْبِهَا مِنْهَا , كَمَا قَالُوا : مُدَّ يَا هَذَا . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْ وَجْهَيْ الرَّفْع فِي ذَلِكَ : أَنْ تَكُون مَرْفُوعَة عَلَى صِحَّة , وَتَكُون " لَا " بِمَعْنَى " لَيْسَ " , وَتَكُون الْفَاء الَّتِي هِيَ جَوَاب الْجَزَاء مَتْرُوكَة لِعِلْمِ السَّامِع بِمَوْضِعِهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , كَانَ تَأْوِيل الْكَلَام : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَلَيْسَ يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ شَيْئًا , ثُمَّ تُرِكَتْ الْفَاء مِنْ قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ كَيْدهمْ } وَوُجِّهَتْ " لَا " إِلَى مَعْنَى " لَيْسَ " , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَإِنْ كَانَ لَا يُرْضِيك حَتَّى تَرُدّنِي إِلَى قَطَرِيّ لَا إِخَالُكَ رَاضِيًا وَلَوْ كَانَتْ الرَّاء مُحَرَّكَة إِلَى النَّصْب وَالْخَفْض كَانَ جَائِزًا , كَمَا قِيلَ : مُدَّ يَا هَذَا , وَمُدَّ .

وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الْكُفَّار فِي عِبَاده وَبِلَاده مِنْ الْفَسَاد وَالصَّدّ عَنْ سَبِيله وَالْعَدَاوَة لِأَهْلِ دِينه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه , مُحِيط بِجَمِيعِهِ , حَافِظ لَهُ لَا يَعْزُب عَنْهُ شَيْء مِنْهُ , حَتَّى يُوَفِّيهِمْ جَزَاءَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّه وَيُذِيقهُمْ عُقُوبَته عَلَيْهِ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7