الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَسورة آل عمران الآية رقم 151
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : سَيُلْقِي اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ , وَجَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ حَارَبَكُمْ بِأُحُدٍ الرُّعْب , وَهُوَ الْجَزَع وَالْهَلَع بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ , يَعْنِي بِشِرْكِهِمْ بِاَللَّهِ وَعِبَادَتهمْ الْأَصْنَام , وَطَاعَتهمْ الشَّيْطَان الَّتِي لَمْ أَجْعَل لَهُمْ بِهَا حُجَّة , وَهِيَ السُّلْطَان الَّتِي أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَمْ يُنَزِّلهُ بِكُفْرِهِمْ وَشِرْكهمْ , وَهَذَا وَعْد مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ , وَالْفَلَج عَلَيْهِمْ مَا اِسْتَقَامُوا عَلَى عَهْده , وَتَمَسَّكُوا بِطَاعَتِهِ , ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ مَا هُوَ فَاعِل بِأَعْدَائِهِمْ بَعْد مَصِيرهمْ إِلَيْهِ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَأْوَاهُمْ النَّار } يَعْنِي : وَمَرْجِعهمْ الَّذِي يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة النَّار { وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَبِئْسَ مَقَام الظَّالِمِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ بِاكْتِسَابِهِمْ مَا أَوْجَبَ لَهَا عِقَاب اللَّه النَّار . كَمَا : 6354 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّار وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ } إِنِّي سَأُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب الَّذِي بِهِ كُنْت أَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ , بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَل لَهُمْ بِهِ حُجَّة , أَيْ فَلَا تَظُنُّوا أَنَّ لَهُمْ عَاقِبَة نَصْر , وَلَا ظُهُور عَلَيْكُمْ مَا اِعْتَصَمْتُمْ وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي , لِلْمُصِيبَةِ الَّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدَّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ , خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي , وَعَصَيْتُمْ فِيهَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6355 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا اِرْتَحَلَ أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ يَوْم أُحُد مُتَوَجِّهِينَ نَحْو مَكَّة , اِنْطَلَقَ أَبُو سُفْيَان حَتَّى بَلَغَ بَعْض الطَّرِيق , ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا فَقَالُوا : بِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ , إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشِّرِّير تَرَكْتُمُوهُمْ , اِرْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ , فَقَذَفَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , فَانْهَزَمُوا , فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا , فَجَعَلُوا لَهُ جُعْلًا , وَقَالُوا لَهُ : إِنْ لَقِيت مُحَمَّدًا فَأَخْبِرْهُ بِمَا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ ! فَأَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ , فَذَكَرَ أَبَا سُفْيَان حِين أَرَادَ أَنْ يَرْجِع إِلَى النَّبِيّ صَلَّى وَمَا قُذِفَ فِي قَلْبه مِنْ الرُّعْب , قَالَ : { سَنُلْقِي فِي قُلُوب الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب بِمَا أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ }
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَسورة آل عمران الآية رقم 152
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُحُدٍ وَعْده الَّذِي وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْوَعْد الَّذِي كَانَ وَعَدَهُمْ عَلَى لِسَانه بِأُحُدٍ قَوْله لِلرُّمَاةِ : " اُثْبُتُوا مَكَانكُمْ وَلَا تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نَزَال غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانكُمْ " وَكَانَ وَعَدَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّصْر يَوْمئِذٍ إِنْ اِنْتَهَوْا إِلَى أَمْره ; كَاَلَّذِي : 6356 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا بَرَزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ , أَمَرَ الرُّمَاة , فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَل فِي وُجُوه خَيْل الْمُشْرِكِينَ , وَقَالَ : " لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نَزَال غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانكُمْ " وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا خَوَّات بْن جُبَيْر , ثُمَّ إِنَّ طَلْحَة بْن عُثْمَان صَاحِب لِوَاء الْمُشْرِكِينَ قَامَ فَقَالَ : يَا مَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد , إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه يُعَجِّلنَا بِسُيُوفِكُمْ إِلَى النَّار , وَيُعَجِّلكُمْ بِسُيُوفِنَا إِلَى الْجَنَّة , فَهَلْ مِنْكُمْ أَحَد يُعَجِّلهُ اللَّه بِسَيْفِي إِلَى الْجَنَّة , أَوْ يُعَجِّلنِي بِسَيْفِهِ إِلَى النَّار ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَا أُفَارِقك حَتَّى يُعَجِّلك اللَّه بِسَيْفِي إِلَى النَّار , أَوْ يُعَجِّلنِي بِسَيْفِك إِلَى الْجَنَّة ! فَضَرَبَهُ عَلِيّ , فَقَطَعَ رِجْله فَسَقَطَ , فَانْكَشَفَتْ عَوْرَته , فَقَالَ : أَنْشُدك اللَّه وَالرَّحِم يَا اِبْن عَمّ ! فَكَبَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَصْحَابه : مَا مَنَعَك أَنْ تُجْهِز عَلَيْهِ ؟ قَالَ : إِنَّ اِبْن عَمِّي نَاشَدَنِي حِين اِنْكَشَفَتْ عَوْرَته فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ . ثُمَّ شَدَّ الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام وَالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد عَلَى الْمُشْرِكِينَ , فَهَزَمَاهُمْ , وَحَمَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَصْحَابه , فَهَزَمُوا أَبَا سُفْيَان , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ خَالِد بْن الْوَلِيد وَهُوَ عَلَى خَيْل الْمُشْرِكِينَ حَمَلَ , فَرَمَتْهُ الرُّمَاة , فَانْقَمَعَ ; فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي جَوْف عَسْكَر الْمُشْرِكِينَ يَنْهَبُونَهُ , بَادَرُوا الْغَنِيمَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نَتْرُك أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَانْطَلَقَ عَامَّتهمْ , فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ ; فَلَمَّا رَأَى خَالِد قِلَّة الرُّمَاة , صَاحَ فِي خَيْله , ثُمَّ حَمَلَ فَقَتَلَ الرُّمَاة , ثُمَّ حَمَلَ عَلَى أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلهمْ تُقَاتِل , تَنَادَوْا , فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ . 6357 - حَدَّثَنَا هَارُون بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد وَلَقِينَا الْمُشْرِكِينَ , أَجْلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا بِإِزَاءِ الرُّمَاة , وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا خَوَّات بْن جُبَيْر , وَقَالَ لَهُمْ : " لَا تَبْرَحُوا مَكَانكُمْ ! إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا , وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا " فَلَمَّا اِلْتَقَى الْقَوْم , هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ حَتَّى رَأَيْت النِّسَاء قَدْ رَفَعْنَ عَنْ سُوقهنَّ , وَبَدَتْ خَلَاخِلهنَّ , فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : الْغَنِيمَة الْغَنِيمَة ! قَالَ عَبْد اللَّه : مَهْلًا , أَمَا عَلِمْتُمْ مَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَبَوْا , فَانْطَلَقُوا , فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صَرَفَ اللَّه وُجُوههمْ , فَأُصِيبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ قَتِيلًا . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , بِنَحْوِهِ . 6358 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } فَإِنَّ أَبَا سُفْيَان أَقْبَلَ فِي ثَلَاث لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّال , حَتَّى نَزَلَ أُحُدًا , وَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى , فَأَذَّنَ فِي النَّاس , فَاجْتَمَعُوا , وَأَمَّرَ عَلَى الْخَيْل الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام , وَمَعَهُ يَوْمئِذٍ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد الْكِنْدِيّ , وَأَعْطَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّوَاء رَجُلًا مِنْ قُرَيْش يُقَال لَهُ مُصْعَب بْن عُمَيْر , وَخَرَجَ حَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب بِالْحُسَّرِ , وَبَعَثَ حَمْزَة بَيْن يَدَيْهِ , وَأَقْبَلَ خَالِد بْن الْوَلِيد عَلَى خَيْل الْمُشْرِكِينَ وَمَعَهُ عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْر , وَقَالَ : " اِسْتَقْبِلْ خَالِد بْن الْوَلِيد فَكُنْ بِإِزَائِهِ حَتَّى أُوذِنَك ! " وَأَمَرَ بِخَيْلٍ أُخْرَى , فَكَانُوا مِنْ جَانِب آخَر , فَقَالَ : " لَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُوذِنَكُمْ ! " وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان يَحْمِل اللَّاتَ وَالْعُزَّى , فَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الزُّبَيْر أَنْ يَحْمِل , فَحَمَلَ عَلَى خَالِد بْن الْوَلِيد , فَهَزَمَهُ وَمَنْ مَعَهُ , كَمَا قَالَ : { لَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ اللَّه وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرهُمْ , وَأَنَّهُ مَعَهُمْ . 6359 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه الزُّهْرِيّ , أَنَّ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فِي قِصَّة ذَكَرَهَا عَنْ أُحُد , ذَكَرَ أَنَّ كُلّهمْ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِهَا , وَأَنَّ حَدِيثهمْ اِجْتَمَعَ فِيمَا سَاقَ مِنْ الْحَدِيث , فَكَانَ فِيمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ الشِّعْب مِنْ أُحُد فِي عُدْوَة الْوَادِي إِلَى الْجَبَل , فَجَعَلَ ظَهْره وَعَسْكَره إِلَى أُحُد , وَقَالَ : " لَا تُقَاتِلُوا حَتَّى نَأْمُر بِالْقِتَالِ " , وَقَدْ سَرَّحَتْ قُرَيْش الظَّهْر وَالْكُرَاع فِي زُرُوع كَانَتْ بِالصَّمْغَةِ مِنْ قَنَاة لِلْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار حِين نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقِتَال : أَتُرْعَى زُرُوع بَنِي قَيْلَة وَلَمَّا نُضَارِب ! وَصَفَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ , وَهُوَ فِي سَبْعمِائَةِ رَجُل , وَتَصَافَّ قُرَيْش وَهُمْ ثَلَاثَة آلَاف , وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَس قَدْ جَنَّبُوهَا , فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَة الْخَيْل خَالِد بْن الْوَلِيد , وَعَلَى مَيْسَرَتهَا عِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل . وَأَمَّرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاة عَبْد اللَّه بْن جُبَيْر أَخَا بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُعَلَّم بِثِيَابٍ بِيض , وَالرُّمَاة خَمْسُونَ رَجُلًا , وَقَالَ : " اِنْضَحْ عَنَّا الْخَيْل بِالنَّبْلِ لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفنَا ! إِنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا فَاثْبُتْ مَكَانَك , لَا نُؤْتَيَنَّ مِنْ قِبَلَك ! " فَلَمَّا اِلْتَقَى النَّاس , وَدَنَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , وَاقْتَتَلُوا حَتَّى حَمِيَتْ الْحَرْب , وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَة حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاس , وَحَمْزَة بْن عَبْد الْمُطَّلِب , وَعَلِيّ بْن أَبَى طَالِب فِي رِجَال مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَصْره , وَصَدَقَهُمْ وَعْده , فَحَسُّوهُمْ بِالسُّيُوفِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ , وَكَانَتْ الْهَزِيمَة لَا شَكّ فِيهَا . 6360 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ يَحْيَى اِبْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : قَالَ الزُّبَيْر : وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُر إِلَى خَدَم هِنْد بِنْت عُتْبَة وَصَوَاحِبهَا مُشَمِّرَات هَوَازِم , مَا دُون إِحْدَاهُنَّ قَلِيل وَلَا كَثِير , إِذْ مَالَتْ الرُّمَاة إِلَى الْعَسْكَر حِين كَشَفْنَا الْقَوْم عَنْهُ , يُرِيدُونَ النَّهْب , وَخَلَّوْا ظُهُورنَا لِلْخَيْلِ , فَأُتِينَا مِنْ أَدْبَارنَا , وَصَرَخَ صَارِخ : أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ! فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْم بَعْد أَنْ هَزَمْنَا أَصْحَاب اللِّوَاء , حَتَّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَد مِنْ الْقَوْم . 6361 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِي قَوْله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } أَيْ لَقَدْ وَفَّيْت لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى عَدُوّكُمْ . 6362 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , قَالَ لَهُمْ : " إِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ فَلَا تَأْخُذُوا مَا أَصَبْتُمْ مِنْ غَنَائِمهمْ شَيْئًا حَتَّى تَفْرُغُوا " فَتَرَكُوا أَمْر نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَصَوْا , وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِم , وَنَسَوْا عَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ , وَخَالَفُوا إِلَى غَيْر مَا أَمَرَهُمْ بِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلَقَدْ وَفَّى اللَّه لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى عَدُوّكُمْ بِأُحُدٍ , حِين تَحُسُّونَهُمْ , يَعْنِي : حِين تَقْتُلُونَهُمْ . يُقَال مِنْهُ : حَسَّهُ يَحُسّهُ حَسًّا : إِذَا قَتَلَهُ . كَمَا : 6363 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن عِيسَى , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز بْن عِمْرَان بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي قَوْله : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } قَالَ : الْحَسّ : الْقَتْل . 6364 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَمِعْت عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه يَقُول فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } قَالَ : الْقَتْل . 6365 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } قَالَ : تَقْتُلُونَهُمْ . 6366 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } أَيْ قَتْلًا بِإِذْنِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } يَقُول : إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ . 6367 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } وَالْحَسّ الْقَتْل . 6368 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَقُول : تَقْتُلُونَهُمْ . 6369 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } بِالسُّيُوفِ : أَيْ بِالْقَتْلِ . 6370 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَعْنِي : الْقَتْل . 6371 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِية , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } يَقُول : تَقْتُلُونَهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { بِإِذْنِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بِحُكْمِي وَقَضَائِي لَكُمْ بِذَلِكَ وَتَسْلِيطِي إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 6372 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ , وَكَفِّي أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } حَتَّى إِذَا جَبُنْتُمْ وَضَعُفْتُمْ , { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } بِقَوْلٍ : وَاخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْر اللَّه ; يَقُول : وَعَصَيْتُمْ وَخَالَفْتُمْ نَبِيّكُمْ , فَتَرَكْتُمْ أَمْره , وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاة الَّذِينَ كَانَ أَمَرَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ مَرْكَزهمْ وَمَقْعَدهمْ مِنْ فَم الشِّعْب بِأُحُدٍ , بِإِزَاءِ خَالِد بْن الْوَلِيد وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ فُرْسَان الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْل أَمْرهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : مِنْ بَعْد الَّذِي أَرَاكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ مِنْ النَّصْر وَالظَّفَر بِالْمُشْرِكِينَ , وَذَلِكَ هُوَ الْهَزِيمَة الَّتِي كَانُوا هَزَمُوهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ قَبْل تَرْك الرُّمَاة مَقَاعِدهمْ الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْعَدَهُمْ فِيهَا , وَقَبْل خُرُوج خَيْل الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَقَدْ مَضَى ذِكْر بَعْض مَنْ قَالَ , وَسَنَذْكُرُ قَوْل بَعْض مَنْ لَمْ يَذْكُر قَوْله فِيمَا مَضَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6373 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } أَيْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي الْأَمْر , { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وَذَاكُمْ يَوْم أُحُد , عَهِدَ إِلَيْهِمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ , فَنَسَوْا الْعَهْد وَجَاوَزُوا وَخَالَفُوا مَا أَمَرَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْصَرَفَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ بَعْد مَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ مَا يُحِبُّونَ . 6374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ نَاسًا مِنْ النَّاس - يَعْنِي : يَوْم أُحُد - فَكَانُوا مِنْ وَرَائِهِمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُونُوا هَهُنَا فَرُدُّوا وَجْه مَنْ قَدِمَنَا , وَكُونُوا حَرَسًا لَنَا مِنْ قِبَل ظُهُورنَا " وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَزَمَ الْقَوْم هُوَ وَأَصْحَابه , اِخْتَلَفَ الَّذِينَ كَانُوا جَعَلُوا مِنْ وَرَائِهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ لَمَّا رَأَوْا النِّسَاء مُصْعِدَات فِي الْجَبَل , وَرَأَوْا الْغَنَائِم , قَالُوا : اِنْطَلِقُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى فَأَدْرِكُوا الْغَنِيمَة قَبْل أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهَا ! وَقَالَتْ طَائِفَة أُخْرَى : بَلْ نُطِيع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَثْبُت مَكَاننَا . فَذَلِكَ قَوْله : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } لِلَّذِينَ أَرَادُوا الْغَنِيمَة , { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } لِلَّذِينَ قَالُوا : نُطِيع رَسُول اللَّه وَنَثْبُت مَكَاننَا . فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فَشَلًا حِين تَنَازَعُوا بَيْنهمْ ; يَقُول : { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } كَانُوا قَدْ رَأَوْا الْفَتْح وَالْغَنِيمَة . 6375 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } يَقُولَا : جَبُنْتُمْ عَنْ عَدُوّكُمْ , { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } يَقُول : اِخْتَلَفْتُمْ وَعَصَيْتُمْ , { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , قَالَ لَهُمْ : " إِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ غَنَائِمهمْ شَيْئًا حَتَّى تَفْرُغُوا " فَتَرَكُوا أَمْر نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَوْا , وَوَقَعُوا فِي الْغَنَائِم , وَنَسَوْا عَهْده الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ , وَخَالَفُوا إِلَى غَيْر مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , فَانْصَرَفَ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاهُمْ فِيهِمْ مَا يُحِبُّونَ . 6376 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : الْفَشَل : الْجُبْن . 6377 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } مِنْ الْفَتْح . 6378 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ , { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } أَيْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي , { وَعَصَيْتُمْ } أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْر نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَهِدَ إِلَيْكُمْ , يَعْنِي : الرُّمَاة . { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } أَيْ الْفَتْح لَا شَكّ فِيهِ , وَهَزِيمَة الْقَوْم عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ . 6379 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } يَعْنِي : مِنْ الْفَتْح . وَقِيلَ : مَعْنَى قَوْله : { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } حَتَّى إِذَا تَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر فَشِلْتُمْ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ أَنَّهُ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , وَإِنَّ الْوَاو دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ , وَمَعْنَاهَا : السُّقُوط كَمَا قُلْنَا فِي : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ } 37 103 : 104 مَعْنَاهُ : نَادَيْنَاهُ , وَهَذَا مَقُول فِي " حَتَّى إِذَا " وَفِي " فَلَمَّا أَنْ " , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوج وَمَأْجُوج } ثُمَّ قَالَ : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ } 21 96 : 97 وَمَعْنَاهُ : اِقْتَرَبَ , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَتَّى إِذَا قَمِلَتْ بُطُونكُمْ وَرَأَيْتُمْ أَبْنَاءَكُمْ شَبُّوا وَقَلَبْتُمْ ظَهْر الْمِجَنّ لَنَا إِنَّ اللَّئِيم الْعَاجِز الْخَبّ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } الَّذِينَ تَرَكُوا مَقْعَدهمْ الَّذِي أَقْعَدَهُمْ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب مِنْ أُحُد لِخَيْلِ الْمُشْرِكِينَ , وَلَحِقُوا بِمُعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ طَلَب النَّهْب إِذْ رَأَوْا هَزِيمَة الْمُشْرِكِينَ { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } يَعْنِي بِذَلِكَ : الَّذِينَ ثَبَتُوا مِنْ الرُّمَاة فِي مَقَاعِدهمْ الَّتِي أَقْعَدَهُمْ فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعُوا أَمْره , مُحَافَظَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَابْتِغَاء مَا عِنْد اللَّه مِنْ الثَّوَاب بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ , وَالدَّار الْآخِرَة . كَمَا : 6380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } فَاَلَّذِينَ اِنْطَلَقُوا يُرِيدُونَ الْغَنِيمَة , هُمْ أَصْحَاب الدُّنْيَا وَاَلَّذِينَ بَقَوْا , وَقَالُوا : لَا نُخَالِف قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادُوا الْآخِرَة . 6381 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس مِثْله . 6382 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } فَإِنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْم أُحُد طَائِفَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ : " كُونُوا مَسْلَحَة لِلنَّاسِ " بِمَنْزِلَةِ أَمْرهمْ أَنْ يَثْبُتُوا بِهَا , وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مَكَانهمْ حَتَّى يَأْذَن لَهُمْ , فَلَمَّا لَقِيَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , هَزَمَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَمَّا رَأَى الْمَسْلَحَة أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَزَمَ الْمُشْرِكِينَ , اِنْطَلَقَ بَعْضهمْ وَهُمْ يَتَنَادَوْنَ : الْغَنِيمَة الْغَنِيمَة لَا تَفُتْكُمْ ! وَثَبَتَ بَعْضهمْ مَكَانهمْ , وَقَالُوا : لَا نَرِيم مَوْضِعنَا حَتَّى يَأْذَن لَنَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَفِي ذَلِكَ نَزَلَ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } فَكَانَ اِبْن مَسْعُود يَقُول : مَا شَعُرْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وَعَرَضهَا حَتَّى كَانَ يَوْم أُحُد . 6383 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا هَزَمَ اللَّه الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد , قَالَ الرُّمَاة : أَدْرَكُوا النَّاس وَنَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْبِقُوكُمْ إِلَى الْغَنَائِم فَتَكُون لَهُمْ دُونكُمْ ! وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا نَرِيم حَتَّى يَأْذَن لَنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن مَسْعُود : مَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وَعَرَضهَا حَتَّى كَانَ يَوْمئِذٍ . 6384 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحُوزُونَ الْغَنَائِم , { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } الَّذِينَ يَتْبَعُونَهُمْ يَقْتُلُونَهُمْ . 6385 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ عَنْ عَبْد خَيْر , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد الدُّنْيَا , حَتَّى نَزَلَ فِينَا يَوْم أُحُد : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَبْد خَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : مَا كُنْت أَظُنّ أَنَّ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ أَحَدًا يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى قَالَ اللَّه مَا قَالَ . 6386 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود لَمَّا رَآهُمْ وَقَعُوا فِي الْغَنَائِم : مَا كُنْت أَحْسَب أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيد الدُّنْيَا حَتَّى كَانَ الْيَوْم . 6387 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ اِبْن مَسْعُود يَقُول : مَا شَعَرْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا وَعَرَضهَا حَتَّى كَانَ يَوْمئِذٍ . 6388 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الدُّنْيَا } أَيْ الَّذِينَ أَرَادُوا النَّهْب رَغْبَة فِي الدُّنْيَا وَتَرْك مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطَّاعَة الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَاب الْآخِرَة , { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيد الْآخِرَة } أَيْ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللَّه لَمْ يُخَالِفُوا إِلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا رَغْبَة فِي رَجَاء مَا عِنْد اللَّه مِنْ حُسْن ثَوَابه فِي الْآخِرَة .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ صَرَفَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ بَعْد مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ فِيهِمْ , وَفِي أَنْفُسكُمْ مِنْ هَزِيمَتكُمْ إِيَّاهُمْ , وَظُهُوركُمْ عَلَيْهِمْ , فَرَدَّ وُجُوهكُمْ عَنْهُمْ لِمَعْصِيَتِكُمْ أَمْر رَسُولِي , وَمُخَالَفَتكُمْ طَاعَته , وَإِيثَاركُمْ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة , عُقُوبَة لَكُمْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ , لِيَبْتَلِيَكُمْ , يَقُول : لِيَخْتَبِركُمْ , فَيَتَمَيَّز الْمُنَافِق مِنْكُمْ مِنْ الْمُخْلِص , الصَّادِق فِي إِيمَانه مِنْكُمْ . كَمَا : 6389 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ثُمَّ ذَكَرَ حِين مَالَ عَلَيْهِمْ خَالِد بْن الْوَلِيد : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } 6390 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } قَالَ : صَرَفَ الْقَوْم عَنْهُمْ , فَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِعِدَّةِ مَنْ أَسَرُوا يَوْم بَدْر , وَقُتِلَ عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ فِي وَجْهه , وَكَانَ يَمْسَح الدَّم عَنْ وَجْهه , وَيَقُول : " كَيْفَ يُفْلِح قَوْم فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبّهمْ ؟ " ; فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْر شَيْء } . .. 3 128 الْآيَة , فَقَالُوا : أَلَيْسَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنَا النَّصْر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّه وَعْده } إِلَى قَوْله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } 6391 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } أَيْ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ , وَذَلِكَ بِبَعْضِ ذُنُوبكُمْ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } وَلَقَدْ عَفَا اللَّه أَيّهَا الْمُخَالِفُونَ أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالتَّارِكُونَ طَاعَته , فِيمَا تَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ مِنْ لُزُوم الْمَوْضِع الَّذِي أَمَرَكُمْ بِلُزُومِهِ عَنْكُمْ , فَصَفَحَ لَكُمْ مِنْ عُقُوبَة ذَنْبكُمْ الَّذِي أَتَيْتُمُوهُ عَمَّا هُوَ أَعْظَم مِمَّا عَاقَبَكُمْ بِهِ مِنْ هَزِيمَة أَعْدَائِكُمْ إِيَّاكُمْ , وَصَرْف وُجُوهكُمْ عَنْهُمْ إِذْ لَمْ يَسْتَأْصِل جَمْعكُمْ . كَمَا : 6392 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ : وَكَيْفَ عَفَا عَنْهُمْ وَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ , وَقُتِلَ عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ فِي وَجْهه ؟ قَالَ : ثُمَّ يَقُول : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ عَفَوْت عَنْكُمْ إِذْ عَصَيْتُمُونِي أَنْ لَا أَكُون اِسْتَأْصَلْتُكُمْ . قَالَ : ثُمَّ يَقُول الْحَسَن : هَؤُلَاءِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي سَبِيل اللَّه غِضَاب لِلَّهِ , يُقَاتِلُونَ أَعْدَاء اللَّه , نَهَوْا عَنْ شَيْء فَصَنَعُوهُ , فَوَاَللَّهِ مَا تَرَكُوا حَتَّى غُمُّوا بِهَذَا الْغَمّ , فَأَفْسَق الْفَاسِقِينَ الْيَوْم يَتَجَرَّأ عَلَى كُلّ كَبِيرَة , وَيَرْكَب كُلّ دَاهِيَة , وَيَسْحَب عَلَيْهَا ثِيَابه , وَيَزْعُم أَنْ لَا بَأْس عَلَيْهِ , فَسَوْفَ يَعْلَم . 6393 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } قَالَ : لَمْ يَسْتَأْصِلكُمْ . 6394 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْ عَظِيم ذَلِكَ لَمْ يُهْلِككُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَة نَبِيّكُمْ , وَلَكِنْ عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو طَوْل عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْ كَثِير مَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْعُقُوبَة عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبهمْ , فَإِنَّ عَاقَبَهُمْ عَلَى بَعْض ذَلِكَ , فَذُو إِحْسَان إِلَيْهِمْ بِجَمِيلِ أَيَادِيه عِنْدهمْ . كَمَا : 6395 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَكَذَلِكَ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ عَاقَبَهُمْ بِبَعْضِ الذُّنُوب فِي عَاجِل الدُّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَة , فَإِنَّهُ غَيْر مُسْتَأْصِل لِكُلِّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ , لِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَته , رَحْمَة لَهُمْ , وَعَائِدَة عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَان .
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَسورة آل عمران الآية رقم 153
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِذْ لَمْ يَسْتَأْصِلكُمْ , إِهْلَاكًا مِنْهُ جَمْعكُمْ بِذُنُوبِكُمْ , وَهَرَبكُمْ ; { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام سِوَى الْحَسَن الْبَصْرِيّ : { إِذْ تُصْعِدُونَ } بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن , وَبِهِ الْقِرَاءَة عِنْدنَا لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى الْقِرَاءَة بِهِ , وَاسْتِنْكَارهمْ مَا خَالَفَهُ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " إِذْ تَصْعَدُونَ " بِفَتْحِ التَّاء وَالْعَيْن . 6396 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا : { تُصْعِدُونَ } بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْقَوْم حِين اِنْهَزَمُوا عَنْ عَدُوّهُمْ أَخَذُوا فِي الْوَادِي هَارِبِينَ . وَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " إِذْ تُصْعِدُونَ فِي الْوَادِي " . 6397 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا أَبُو عُبَيْد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون . قَالُوا : الْهَرَب فِي مُسْتَوَى الْأَرْض , وَبُطُون الْأَوْدِيَة وَالشِّعَاب , إِصْعَاد لَا صُعُود , قَالُوا وَإِنَّمَا يَكُون الصُّعُود عَلَى الْجِبَال وَالسَّلَالِيم وَالدَّرَج , لِأَنَّ مَعْنَى الصُّعُود : الِارْتِقَاء وَالِارْتِفَاع عَلَى الشَّيْء عُلُوًّا . قَالُوا : فَأَمَّا الْأَخْذ فِي مُسْتَوَى الْأَرْض الْهُبُوط , فَإِنَّمَا هُوَ إِصْعَاد , كَمَا يُقَال : أَصْعَدْنَا مِنْ مَكَّة , إِذَا اِبْتَدَأْت فِي السَّفَر مِنْهَا وَالْخُرُوج , وَأَصْعَدْنَا مِنْ الْكُوفَة إِلَى خُرَاسَان , بِمَعْنَى خَرَجْنَا مِنْهَا سَفَرًا إِلَيْهَا , وَابْتَدَأْنَا مِنْهَا الْخُرُوج إِلَيْهَا . قَالُوا : وَإِنَّمَا جَاءَ تَأْوِيل أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل بِأَنَّ الْقَوْم أَخَذُوا عِنْد اِنْهِزَامهمْ عَنْ عَدُوّهُمْ فِي بَطْن الْوَادِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6398 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } ذَاكُمْ يَوْم أُحُد أَصْعَدُوا فِي الْوَادِي فِرَارًا , وَنَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ , قَالَ : " إِلَى عِبَاد اللَّه , إِلَى عِبَاد اللَّه " . وَأَمَّا الْحَسَن فَإِنِّي أَرَاهُ ذَهَبَ فِي قِرَاءَته : " إِذْ تَصْعَدُونَ " بِفَتْحِ التَّاء وَالْعَيْن إِلَى أَنَّ الْقَوْم حِين اِنْهَزَمُوا عَنْ الْمُشْرِكِينَ صَعِدُوا الْجَبَل . وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ عَدَد مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6399 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا شَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ فَهَزَمُوهُمْ , دَخَلَ بَعْضهمْ الْمَدِينَة , وَانْطَلَقَ بَعْضهمْ فَوْق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة , فَقَامُوا عَلَيْهَا , وَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاس : " إِلَيَّ عِبَاد اللَّه , إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! " فَذَكَرَ اللَّه صُعُودهمْ عَلَى الْجَبَل , ثُمَّ ذَكَرَ دُعَاء نَبِيّ اللَّه إِيَّاهُمْ , فَقَالَ : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } 6400 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : اِنْحَازُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى , فَجَعَلُوا يَصْعَدُونَ فِي الْجَبَل , وَالرَّسُول يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ . * -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6401 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } قَالَ : صَعِدُوا فِي أُحُد فِرَارًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { إِذْ تُصْعِدُونَ } بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْعَيْن , بِمَعْنَى السَّبْق وَالْهَرَب فِي مُسْتَوَى الْأَرْض , أَوْ فِي الْمَهَابِط , لِإِجْمَاع الْحُجَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة . فَفِي إِجْمَاعهَا عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : اِصْعَدُوا فِي الْوَادِي , وَمَضَوْا فِيهِ , دُون قَوْل مَنْ قَالَ : صَعِدُوا عَلَى الْجَبَل . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا تَعْطِفُونَ عَلَى أَحَد مِنْكُمْ , وَلَا يَلْتَفِت بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض هَرَبًا مِنْ عَدُوّكُمْ مُصْعِدِينَ فِي الْوَادِي . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ أَصْحَابه فِي أُخْرَاكُمْ , يَعْنِي أَنَّهُ يُنَادِيكُمْ مِنْ خَلْفكُمْ : " إِلَيَّ عِبَاد اللَّه , إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! " . كَمَا : 6402 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } إِلَيَّ عِبَاد اللَّه اِرْجِعُوا , إِلَيَّ عِبَاد اللَّه اِرْجِعُوا ! . 6403 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } رَأَوْا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ : إِلَيَّ عِبَاد اللَّه ! 6404 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , مِثْله . 6405 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَنَّبَهُمْ اللَّه بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ يَدْعُوهُمْ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ , فَقَالَ : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } 6406 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } هَذَا يَوْم أُحُد حِين اِنْكَشَفَ النَّاس عَنْهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَثَابكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } يَعْنِي : فَجَازَاكُمْ بِفِرَارِكُمْ عَنْ نَبِيّكُمْ , وَفَشَلكُمْ عَنْ عَدُوّكُمْ , وَمَعْصِيَتكُمْ رَبّكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , يَقُول : غَمًّا عَلَى غَمّ . وَسَمَّى الْعُقُوبَة الَّتِي عَاقَبَهُمْ بِهَا مِنْ تَسْلِيط عَدُوّهُمْ عَلَيْهِمْ حَتَّى نَالَ مِنْهُمْ مَا نَالَ ثَوَابًا , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلهمْ الَّذِي سَخِطَهُ وَلَمْ يَرْضَهُ مِنْهُمْ , فَدَلَّ بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ كُلّ عِوَض كَالْمُعَوَّضِ مِنْ شَيْء مِنْ الْعَمَل , خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا , أَوْ الْعِوَض الَّذِي بَذَلَهُ رَجُل لِرَجُلٍ أَوْ يَد سَلَفَتْ لَهُ إِلَيْهِ , فَإِنَّهُ مُسْتَحِقّ اِسْم ثَوَاب كَانَ ذَلِكَ الْعِوَض تَكْرِمَة أَوْ عُقُوبَة , وَنَظِير ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَخَاف زِيَادًا أَنْ يَكُون عَطَاؤُهُ أَدَاهِم سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَة سُمْرًا فَجَعَلَ الْعَطَاء الْعُقُوبَة , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل لِآخَرَ سَلَفَ إِلَيْهِ مِنْهُ مَكْرُوه : لَأُجَازِيَنَّكَ عَلَى فِعْلك , وَلَأُثِيبَنَّكَ ثَوَابك . وَأَمَّا قَوْله : { غَمًّا بِغَمٍّ } فَإِنَّهُ قِيلَ : غَمًّا بِغَمٍّ , مَعْنَاهُ : غَمًّا عَلَى غَمّ , كَمَا قِيلَ : { وَلَأُصَلِّبَنَّكم فِي جُذُوع النَّخْل } 20 71 بِمَعْنَى : وَلَأُصَلِّبَنَّكم عَلَى جُذُوع النَّخْل . وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ , لِأَنَّ مَعْنَى قَوْل الْقَائِل : أَثَابَك اللَّه غَمًّا عَلَى غَمّ : جَزَاك اللَّه غَمًّا بَعْد غَمّ تَقَدَّمَهُ , فَكَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى : فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَجَزَاكُمْ اللَّه غَمًّا بِعَقِبِ غَمّ تَقَدَّمَهُ , وَهُوَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : نَزَلَتْ بِبَنِي فُلَان , وَنَزَلَتْ عَلَى بَنِي فُلَان , وَضَرَبْته بِالسَّيْفِ , وَعَلَى السَّيْف . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْغَمّ الَّذِي أُثِيبَ الْقَوْم عَلَى الْغَمّ , وَمَا كَانَ غَمّهمْ الْأَوَّل وَالثَّانِي , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَّا الْغَمّ الْأَوَّل , فَكَانَ مَا تَحَدَّثَ بِهِ الْقَوْم أَنَّ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ . وَأَمَّا الْغَمّ الْآخَر , فَإِنَّهُ كَانَ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6407 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } كَانُوا تَحَدَّثُوا يَوْمئِذٍ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصِيبَ , وَكَانَ الْغَمّ الْآخَر قَتْل أَصْحَابهمْ وَالْجِرَاحَات الَّتِي أَصَابَتْهُمْ ; قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمئِذٍ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّة وَسِتُّونَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار , وَأَرْبَعَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . وَقَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } يَقُول : مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنِيمَة الْقَوْم , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاحَات . 6408 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ : فَرَّة بَعْد فَرَّة , الْأُولَى : حِين سَمِعُوا الصَّوْت أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ; وَالثَّانِيَة : حِين رَجَعَ الْكُفَّار فَضَرَبُوهُمْ مُدْبِرِينَ , حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا , ثُمَّ اِنْحَازُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلُوا يَصْعَدُونَ فِي الْجَبَل , وَالرَّسُول يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ غَمّهمْ الْأَوَّل كَانَ قَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ , وَجَرْح مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ ; وَالْغَمّ الثَّانِي : كَانَ مِنْ سَمَاعهمْ صَوْت الْقَائِل : قُتِلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6409 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ : الْغَمّ الْأَوَّل : الْجِرَاح وَالْقَتْل ; وَالْغَمّ الثَّانِي : حِين سَمِعُوا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ . فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الْآخَر مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْجِرَاح وَالْقَتْل وَمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ الْغَنِيمَة , وَذَلِكَ حِين يَقُول : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } 6410 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ : الْغَمّ الْأَوَّل : الْجِرَاح وَالْقَتْل ; وَالْغَمّ الْآخَر : حِين سَمِعُوا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ . فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الْآخَر مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْجِرَاح وَالْقَتْل , وَمَا كَانُوا يَرْجُونَ مِنْ الْغَنِيمَة , وَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْغَمّ الْأَوَّل مَا كَانَ فَاتَهُمْ مِنْ الْفَتْح وَالْغَنِيمَة ; وَالثَّانِي إِشْرَاف أَبِي سُفْيَان عَلَيْهِمْ فِي الشِّعْب . وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان فِيمَا زَعَمَ بَعْض أَهْل السِّيَر لَمَّا أَصَابَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَ , وَهَرَبَ الْمُسْلِمُونَ , جَاءَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِعْب أُحُد الَّذِي كَانُوا وَلَّوْا إِلَيْهِ عِنْد الْهَزِيمَة , فَخَافُوا أَنْ يَصْطَلِمَهُمْ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه. ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 6411 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : اِنْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ يَدْعُو النَّاس حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى أَصْحَاب الصَّخْرَة , فَلَمَّا رَأَوْهُ , وَضَعَ رَجُل سَهْمًا فِي قَوْسه , فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيه , فَقَالَ : " أَنَا رَسُول اللَّه " فَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِين وَجَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا , وَفَرِحَ رَسُول اللَّه حِين رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابه مَنْ يَمْتَنِع . فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَهَبَ عَنْهُمْ الْحُزْن , فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْح وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ , وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابهمْ الَّذِينَ قُتِلُوا . فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ ; فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ , نَسُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ , وَهَمَّهُمْ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا , اللَّهُمَّ إِنْ تُقْتَل هَذِهِ الْعِصَابَة لَا تُعْبَد " ثُمَّ نَدَبَ أَصْحَابه فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَنْزَلُوهُمْ , فَقَالَ أَبُو سُفْيَان يَوْمئِذٍ : اُعْلُ هُبَل ! حَنْظَلَة بِحَنْظَلَةَ , وَيَوْم بِيَوْمِ بَدْر . وَقَتَلُوا يَوْمئِذٍ حَنْظَلَة بْن الرَّاهِب وَكَانَ جُنُبًا فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَة , وَكَانَ حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان قُتِلَ يَوْم بَدْر ; قَالَ أَبُو سُفْيَان : لَنَا الْعُزَّى , وَلَا عُزَّى لَكُمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : " قُلْ اللَّه مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ " . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : فِيكُمْ مُحَمَّد ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : أَمَا إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ فِيكُمْ مُثْلَة , مَا أَمَرْت بِهَا , وَلَا نَهَيْت عَنْهَا , وَلَا سَرَّتْنِي , وَلَا سَاءَتْنِي . فَذَكَرَ اللَّه إِشْرَاف أَبِي سُفْيَان عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } الْغَمّ الْأَوَّل : مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَة وَالْفَتْح ; وَالْغَمّ الثَّانِي : إِشْرَاف الْعَدُوّ عَلَيْهِمْ , لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ الْغَنِيمَة , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ الْقَتْل حِين تَذْكُرُونَ , فَشَغَلَهُمْ أَبُو سُفْيَان . 6412 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ , وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ , وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ حَدِيث أُحُد , قَالُوا : كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِمَا أَصَابَهُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة الْبَلَاء أَثْلَاثًا : ثُلُث قَتِيل , وَثُلُث جَرِيح , وَثُلُث مُنْهَزِم , وَقَدْ بَلَغَتْهُ الْحَرْب حَتَّى مَا يَدْرِي مَا يَصْنَع , وَحَتَّى خَلَصَ الْعَدُوّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُثَّ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى وَقَعَ لِشِقِّهِ , وَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَته , وَشُجَّ فِي وَجْهه , وَكُلِمَتْ شَفَته , وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص . وَقَاتَلَ مُصْعَب بْن عُمَيْر دُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ لِوَاؤُهُ حَتَّى قُتِلَ , وَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ اِبْن قَمِئَة اللَّيْثِيّ , وَهُوَ يَظُنّ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْش فَقَالَ : قَتَلْت مُحَمَّدًا . 6413 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : فَكَانَ أَوَّل مَنْ عَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْهَزِيمَة , وَقَوْل النَّاس : قُتِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني اِبْن شِهَاب الزُّهْرِيّ عَنْ كَعْب بْن مَالِك أَخِي بَنِي سَلِمَة , قَالَ : عَرَفْت عَيْنَيْهِ تُزْهِرَانِ تَحْت الْمِغْفَر , فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا , هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُول اللَّه أَنْ أَنْصِتْ . فَلَمَّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ نَحْو الشِّعْب مَعَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي قُحَافَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب , وَطَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه , وَالزُّبَيْر بْن الْعَوَّام , وَالْحَارِث بْن الصَّامِت فِي رَهْط مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ : فَبَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْب وَمَعَهُ أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ أَصْحَابه , إِذْ عَلَتْ عَالِيَة مِنْ قُرَيْش الْجَبَل , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا " فَقَاتَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَرَهْط مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ , حَتَّى أَهْبَطُوهُمْ عَنْ الْجَبَل . وَنَهَضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى صَخْرَة مِنْ الْجَبَل لِيَعْلُوَهَا , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَدَّنَ , فَظَاهَرَ بَيْن دِرْعَيْنِ , فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْهَض , فَلَمْ يَسْتَطِعْ , جَلَسَ تَحْته طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه , فَنَهَضَ حَتَّى اِسْتَوَى عَلَيْهَا ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَان حِين أَرَادَ الِانْصِرَاف , أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَل , ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْته أَنْعَمْت فَعَالِ , إِنَّ الْحَرْب سِجَال , يَوْم بِيَوْمِ بَدْر , اُعْلُ هُبَل ! أَيْ أَظْهِرْ دِينك . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : " قُمْ فَأَجِبْهُ فَقُلْ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ , لَا سَوَاء , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار " فَلَمَّا أَجَابَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَبَا سُفْيَان , قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان : هَلُمَّ إِلَيَّ يَا عُمَر ! فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِئْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنه ! " فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَان : أَنْشُدك اللَّه يَا عُمَر , أَقَتَلْنَا مُحَمَّدًا ؟ فَقَالَ عُمَر : اللَّهُمَّ لَا , وَإِنَّهُ لَيَسْمَع كَلَامك الْآن . فَقَالَ : أَنْتَ أَصْدَق عِنْدِي مِنْ اِبْن قَمِئَة , وَأَشَارَ لِقَوْلِ اِبْن قَمِئَة لَهُمْ : إِنِّي قَتَلْت مُحَمَّدًا . ثُمَّ نَادَى أَبُو سُفْيَان , فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ . مُثْلَة , وَاَللَّه مَا رَضِيت , وَلَا سَخِطْت , وَلَا نَهَيْت , وَلَا أَمَرْت . 6414 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْد كَرْب قُتِلَ مَنْ قُتِلَ . مِنْ إِخْوَانكُمْ , وَعُلُوّ عَدُوّكُمْ عَلَيْكُمْ , وَمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ : قُتِلَ نَبِيّكُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ ظُهُوركُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ بَعْد أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مِنْ قَتْل إِخْوَانكُمْ ; حَتَّى فَرَّجْت بِذَلِكَ الْكَرْب عَنْكُمْ , وَاَللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ . وَكَانَ الَّذِي فَرَّجَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْب وَالْغَمّ الَّذِي أَصَابَهُمْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ رَدَّ عَنْهُمْ كَذْبَة الشَّيْطَان بِقَتْلِ نَبِيّهمْ , فَلَمَّا رَأَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا بَيْن أَظْهُرهمْ , هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْم , فَهَانَ الظُّهُور عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إِخْوَانهمْ , حِين صَرَفَ اللَّه الْقَتْل عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6415 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : أَصَابَ النَّاس حُزْن وَغَمّ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ فِي أَصْحَابهمْ الَّذِينَ قُتِلُوا , فَلَمَّا تَوَلَّجُوا فِي الشِّعْب يَتَصَافُّونَ وَقَفَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه بِبَابِ الشِّعْب , فَظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ سَوْفَ يَمِيلُونَ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ أَيْضًا , فَأَصَابَهُمْ حُزْن فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَنْسَاهُمْ حُزْنهمْ فِي أَصْحَابهمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { عَلَى مَا فَاتَكُمْ } يَقُول : عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ غَنَائِم الْقَوْم { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } فِي أَنْفُسكُمْ . 6416 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : جَاءَ أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب , وَمَنْ مَعَهُ , حَتَّى وَقَفَ بِالشِّعْبِ , ثُمَّ نَادَى : أَفِي الْقَوْم اِبْن أَبِي كَبْشَة ؟ فَسَكَتُوا , فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : قُتِلَ وَرَبّ الْكَعْبَة , ثُمَّ قَالَ : أَفِي الْقَوْم اِبْن أَبِي قُحَافَة ؟ فَسَكَتُوا , فَقَالَ : قُتِلَ وَرَبّ الْكَعْبَة ! ثُمَّ قَالَ : أَفِي الْقَوْم عُمَر بْن الْخَطَّاب ؟ فَسَكَتُوا , فَقَالَ : قُتِلَ وَرَبّ الْكَعْبَة ! ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَان : اُعْلُ هُبَل , يَوْم بِيَوْمِ بَدْر , وَحَنْظَلَة بِحَنْظَلَة , وَأَنْتُمْ وَاجِدُونَ فِي الْقَوْم مُثُلًا لَمْ يَكُنْ عَنْ رَأْي سَرَاتنَا وَخِيَارنَا , وَلَمْ نَكْرَههُ حِين رَأَيْنَاهُ ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَر بْن الْخَطَّاب : " قُمْ فَنَادِ فَقُلْ : اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ , نَعَمْ هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا أَبُو بَكْر , وَهَا أَنَا ذَا ; لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجَنَّة , أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ الْفَائِزُونَ , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّة , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّار " . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 6417 -حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } فَرَجَعُوا فَقَالُوا : وَاَللَّه لَنَأْتِيَنَّهُمْ , ثُمَّ لَنَقْتُلَنَّهُمْ , قَدْ خَرَجُوا مِنَّا فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَهْلًا فَإِنَّمَا أَصَابَكُمْ الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْل أَنَّكُمْ عَصَيْتُمُونِي " . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ أَتَاهُمْ الْقَوْم , قَدْ أَنِسُوا , وَقَدْ اخْتَرَطُوا سُيُوفهمْ , فَكَانَ غَمّ الْهَزِيمَة وَغَمّهمْ حِين أَتَوْهُمْ ; { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } مِنْ الْقَتْل { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ الْجِرَاحَة { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا } . .. الْآيَة , وَهُوَ يَوْم أُحُد . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِحِرْمَانِ اللَّه إِيَّاكُمْ غَنِيمَة الْمُشْرِكِينَ , وَالظَّفَر بِهِمْ , وَالنَّصْر عَلَيْهِمْ , وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ الْقَتْل وَالْجِرَاح يَوْمئِذٍ بَعْد الَّذِي كَانَ قَدْ أَرَاكُمْ فِي كُلّ ذَلِكَ مَا تُحِبُّونَ بِمَعْصِيَتِكُمْ رَبّكُمْ , وَخِلَافكُمْ أَمْر نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , غَمّ ظَنّكُمْ أَنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ , وَمَيْل الْعَدُوّ عَلَيْكُمْ بَعْد فُلُولكُمْ مِنْهُمْ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِمَّا خَالَفَهُ , قَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } وَالْفَائِت لَا شَكّ أَنَّهُ هُوَ مَا كَانُوا رَجَوْا الْوُصُول إِلَيْهِ مِنْ غَيْرهمْ , إِمَّا مِنْ ظُهُور عَلَيْهِمْ بِغَلَبِهِمْ , وَإِمَّا مِنْ غَنِيمَة يَحْتَازُونَهَا , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } هُوَ مَا أَصَابَهُمْ إِمَّا فِي أَبْدَانهمْ , وَإِمَّا فِي إِخْوَانهمْ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الْغَمّ الثَّانِي هُوَ مَعْنًى غَيْر هَذَيْنِ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ ثَابَهُمْ غَمًّا بِغَمٍّ , لِئَلَّا يُحْزِنهُمْ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْغَمّ النَّاشِئ عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ , وَلَا مَا أَصَابَهُمْ قَبْل ذَلِكَ فِي أَنْفُسهمْ , وَهُوَ الْغَمّ الْأَوَّل عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْل . وَأَمَّا قَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } فَإِنَّ تَأْوِيله عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت مِنْ أَنَّهُ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ فَلَمْ تُدْرِكُوهُ مِمَّا كُنْتُمْ تَرْجُونَ إِدْرَاكه مِنْ عَدُوّكُمْ بِالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَالظُّهُور وَحِيَازَة غَنَائِمهمْ , وَلَا مَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ جَرْح مَنْ جُرِحَ وَقَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْ إِخْوَانكُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ قَبْل عَلَى السَّبِيل الَّتِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ , كَمَا : 6418 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } قَالَ : عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ الْغَنِيمَة الَّتِي كُنْتُمْ تَرْجُونَ , { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ الْهَزِيمَة .

وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه بِاَلَّذِي تَعْمَلُونَ - أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ إِصْعَادكُمْ فِي الْوَادِي هَرَبًا مِنْ عَدُوّكُمْ , وَانْهِزَامكُمْ مِنْهُمْ , وَتَرْككُمْ نَبِيّكُمْ وَهُوَ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ , وَحُزْنكُمْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ , وَمَا أَصَابَكُمْ فِي أَنْفُسهمْ - ذُو خِبْرَة وَعِلْم , وَهُوَ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , أَوْ يَعْفُو عَنْهُ .
ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِسورة آل عمران الآية رقم 154
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْد الْغَمّ الَّذِي أَثَابَكُمْ رَبّكُمْ بَعْد غَمّ يَقْدُمهُ قَبْله أَمَنَة , وَهِيَ الْأَمَان عَلَى أَهْل الْإِخْلَاص مِنْكُمْ وَالْيَقِين , دُون أَهْل النِّفَاق وَالشَّكّ . ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ الْأَمَنَة الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ مَا هِيَ ؟ فَقَالَ : نُعَاسًا , بِنَصْبِ النُّعَاس عَلَى الْإِبْدَال مِنْ الْأَمَنَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَغْشَى } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ بِالتَّذْكِيرِ بِالْيَاءِ : { يَغْشَى } وَقَرَأَ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ بِالتَّأْنِيثِ : " تَغْشَى " بِالتَّاءِ وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّذْكِيرِ إِلَى أَنَّ النُّعَاس هُوَ الَّذِي يَغْشَى الطَّائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دُون الْأَمَنَة , فَذَكَّرَهُ بِتَذْكِيرِ النُّعَاس . وَذَهَبَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَى أَنَّ الْأَمَنَة هِيَ الَّتِي تَغْشَاهُمْ , فَأَنَّثُوهُ لِتَأْنِيثِ الْأَمَنَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي مَعْنًى وَلَا غَيْره , لِأَنَّ الْأَمَنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع هِيَ النُّعَاس , وَالنُّعَاس : هُوَ الْأَمَنَة . وَسَوَاء ذَلِكَ , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَهُوَ مُصِيب الْحَقّ فِي قِرَاءَته , وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن مِنْ نَظَائِره مِنْ نَحْو قَوْله : { إِنَّ شَجَرَة الزَّقُّوم طَعَام الْأَثِيم كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُون } 44 43 : 45 وَ { أَلَمْ يَكُ نُطْفَة مِنْ مِنِّي يُمْنَى } 75 37 { وَهُزِّي إِلَيْك بِجِذْع النَّخْلَة تُسَاقِط } 19 25 فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله اِفْتَرَقَتْ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا اِفْتَرَقَتَا فِيهِ مِنْ صِفَتهمَا , فَآمَنَتْ إِحْدَاهُمَا بِنَفْسِهَا حَتَّى نَعَسَتْ , وَأَهَمَّتْ الْأُخْرَى نَفْسهَا حَتَّى ظَنَّتْ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة ؟ قِيلَ : كَانَ سَبَب ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , كَمَا : 6419 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ اِنْصَرَفُوا يَوْم أُحُد بَعْد الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرهمْ وَأَمْر الْمُسْلِمِينَ ; فَوَاعَدُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا مِنْ قَابِل , فَقَالَ لَهُمْ : " نَعَمْ " فَتَخَوَّفَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَنْزِلُوا الْمَدِينَة , فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا , فَقَالَ : " اُنْظُرْ فَإِنْ رَأَيْتهمْ قَعَدُوا عَلَى أَثْقَالهمْ وَجَنَبُوا خُيُولهمْ , فَإِنَّ الْقَوْم ذَاهِبُونَ , وَإِنْ رَأَيْتهمْ قَدْ قَعَدُوا عَلَى خُيُولهمْ وَجَنَبُوا عَلَى أَثْقَالهمْ , فَإِنَّ الْقَوْم يَنْزِلُونَ الْمَدِينَة , فَاتَّقُوا اللَّه وَاصْبِرُوا ! " وَوَطَّنَهُمْ عَلَى الْقِتَال ; فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ الرَّسُول تَعَدَّوْا عَلَى الْأَثْقَال سِرَاعًا عِجَالًا , نَادَى بِأَعْلَى صَوْته بِذَهَابِهِمْ ; فَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ صَدَّقُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَامُوا , وَبَقِيَ أُنَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ الْقَوْم يَأْتُونَهُمْ , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ يَذْكُر حِين أَخْبَرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانُوا رَكِبُوا الْأَثْقَال فَإِنَّهُمْ مُنْطَلِقُونَ فَنَامُوا : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } 6420 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمَّنَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِنُعَاسٍ غَشَاهُمْ , وَإِنَّمَا يَنْعُس مَنْ يَأْمَن ; { يَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } 6421 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ حُمَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ أَبِي طَلْحَة , قَالَ : كُنْت فِيمَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِ النُّعَاس يَوْم أُحُد أَمَنَة , حَتَّى سَقَطَ مِنْ يَدِي مِرَارًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي : سَوْطه , أَوْ سَيْفه . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت , عَنْ أَنَس , عَنْ أَبِي طَلْحَة , قَالَ : رَفَعْت رَأْسِي يَوْم أُحُد , فَجَعَلْت مَا أَرَى أَحَدًا مِنْ الْقَوْم إِلَّا تَحْت حَجَفَته يَمِيد مِنْ النُّعَاس . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا عِمْرَان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , عَنْ أَبِي طَلْحَة قَالَ : كُنْت فِيمَنْ صُبَّ عَلَيْهِ النُّعَاس يَوْم أُحُد . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَنَس بْن مَالِك , عَنْ أَبِي طَلْحَة : أَنَّهُ كَانَ يَوْمئِذٍ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاس , قَالَ : كَانَ السَّيْف يَسْقُط مِنْ يَدِي ثُمَّ آخُذهُ مِنْ النُّعَاس . 6422 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم عَنْ أَنَس أَنَّ أَبَا طَلْحَة حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمئِذٍ مِمَّنْ غَشِيَهُ النُّعَاس , قَالَ : فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُط مِنْ يَدِي وَآخُذهُ , وَيَسْقُط وَآخُذهُ وَيَسْقُط , وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى : الْمُنَافِقُونَ , لَيْسَ لَهُمْ هِمَّة إِلَّا أَنْفُسهمْ { يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } . .. الْآيَة كُلّهَا . 6423 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن التِّرْمِذِيّ , قَالَ : ثنا ضِرَار بْن صُرَد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْت عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أُلْقِيَ عَلَيْنَا النَّوْم يَوْم أُحُد . 6424 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } . .. الْآيَة , وَذَاكُمْ يَوْم أُحُد , كَانُوا يَوْمئِذٍ فَرِيقَيْنِ ; فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَغَشَاهُمْ اللَّه النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ وَرَحْمَة . 6425 -حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , نَحْوه . - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ النُّعَاس , فَكَانَ ذَلِكَ أَمَنَة لَهُمْ . 6426 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : النُّعَاس فِي الْقِتَال أَمَنَة , وَالنُّعَاس فِي الصَّلَاة مِنْ الشَّيْطَان . 6427 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أُنْزِلَ النُّعَاس أَمَنَة مِنْهُ عَلَى أَهْل الْيَقِين بِهِ , فَهُمْ نِيَام لَا يَخَافُونَ . 6428 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَمَنَة نُعَاسًا } قَالَ : أَلْقَى اللَّه عَلَيْهِمْ النُّعَاس , فَكَانَ أَمَنَة لَهُمْ . وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا طَلْحَة قَالَ : أُلْقِيَ عَلَيَّ النُّعَاس يَوْمئِذٍ , فَكُنْت أَنْعَس حَتَّى يَسْقُط سَيْفِي مِنْ يَدِي . 6429 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا ثَابِت , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , عَنْ أَبِي طَلْحَة , وَهِشَام بْن عُرْوَة بْن الزُّبَيْر أَنَّهُمَا قَالَا : لَقَدْ رَفَعْنَا رُءُوسنَا يَوْم أُحُد , فَجَعَلْنَا نَنْظُر , فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَد إِلَّا وَهُوَ يَمِيل بِجَنْبِ حَجَفَته قَالَ : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْد الْغَمّ أَمَنَة نُعَاسًا } الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَطَائِفَة مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ , يَقُول : هُمْ الْمُنَافِقُونَ لَا هَمّ لَهُمْ غَيْر أَنْفُسهمْ , فَهُمْ مِنْ حَذَر الْقَتْل عَلَى أَنْفُسهمْ , وَخَوْف الْمَنِيَّة عَلَيْهَا فِي شُغْل , قَدْ طَارَ عَنْ أَعْيُنهمْ الْكَرَى , يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ الظُّنُون الْكَاذِبَة , ظَنّ الْجَاهِلِيَّة مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ , شَكًّا فِي أَمْر اللَّه , وَتَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَحْسَبَةً مِنْهُمْ أَنَّ اللَّه خَاذِل نَبِيّه , وَمُعْلٍ عَلَيْهِ أَهْل الْكُفْر بِهِ , يَقُولُونَ : هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء . كَاَلَّذِي : 6430 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى : الْمُنَافِقُونَ , لَيْسَ لَهُمْ هَمّ إِلَّا أَنْفُسهمْ , أَجْبَن قَوْم وَأَرْعَبُهُ , وَأَخْذَله لِلْحَقِّ , يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظُنُونًا كَاذِبَة , إِنَّمَا هُمْ أَهْل شَكّ وَرِيبَة فِي أَمْر اللَّه , يَقُولُونَ : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } 6431 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى : الْمُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ هِمَّة إِلَّا أَنْفُسهمْ , يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيَّة , يَقُولُونَ : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا } قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } . .. الْآيَة . 6432 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : أَهْل النِّفَاق قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ تَخَوُّف الْقَتْل , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَة . 6433 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَطَائِفَة قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ . وَأَمَّا قَوْله : { ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَهْل الشِّرْك . كَاَلَّذِي : 6434 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } قَالَ : ظَنّ أَهْل الشِّرْك . 6435 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { ظَنّ الْجَاهِلِيَّة } قَالَ : ظَنّ أَهْل الشِّرْك . وَفِي رَفْع قَوْله : { وَطَائِفَة } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ تَكُون مَرْفُوعَة بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْرهَا فِي قَوْله : { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ } , وَالْآخَر بِقَوْلِهِ : { يَظُنُّونَ بِاَللَّهِ غَيْر الْحَقّ } وَلَوْ كَانَتْ مَنْصُوبَة كَانَ جَائِزًا , وَكَانَتْ الْوَاو فِي قَوْله : { وَطَائِفَة } ظَرْفًا لِلْفِعْلِ , بِمَعْنَى : وَأَهَمَّتْ طَائِفَة أَنْفُسهمْ , كَمَا قَالَ : { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ } 51 47

الْقَوْل فِي
تَأْوِيل

قَوْله تَعَالَى : { يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسهمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَك يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا } يَعْنِي بِذَلِكَ : الطَّائِفَة الْمُنَافِقَة الَّتِي قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسهمْ , يَقُولُونَ : لَيْسَ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء , قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ , وَلَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا خَرَجْنَا لِقِتَالِ مَنْ قَاتَلْنَا فَقَتَلُونَا . كَمَا : 6436 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قِيلَ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ : قُتِلَ بَنُو الْخَزْرَج الْيَوْم ! قَالَ : وَهَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء ؟ قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ . وَهَذَا أَمْر مُبْتَدَأ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ , يُصَرِّفهُ كَيْفَ يَشَاء وَيُدَبِّرهُ كَيْفَ يُحِبّ , ثُمَّ عَادَ إِلَى الْخَبَر عَنْ ذِكْر نِفَاق الْمُنَافِقِينَ , فَقَالَ : { يُخْفُونَ فِي أَنْفُسهمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَك } يَقُول : يُخْفِي يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ فِي أَنْفُسهمْ مِنْ الْكُفْر وَالشَّكّ فِي اللَّه مَا لَا يُبْدُونَ لَك , ثُمَّ أَظْهَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا كَانُوا يُخْفُونَهُ بَيْنهمْ مِنْ نِفَاقهمْ , وَالْحَسْرَة الَّتِي أَصَابَتْهُمْ عَلَى حُضُورهمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَشْهَدهمْ بِأُحُدٍ , فَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ قِيلهمْ الْكُفْر , وَإِعْلَانهمْ النِّفَاق بَيْنهمْ , يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ الْخُرُوج إِلَى حَرْب مَنْ خَرَجْنَا لِحَرْبِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْنَا , مَا خَرَجْنَا إِلَيْهِمْ , وَلَا قُتِلَ مِنَّا أَحَد فِي الْمَوْضِع الَّذِي قُتِلُوا فِيهِ بِأُحُدٍ . وَذُكِرَ أَنَّ مِمَّنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل مُعَتِّب بْن قُشَيْر أَخُو بَنِي عَمْرو بْن عَوْف . ذِكْر الْخَبَر بِذَلِكَ : 6437 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثني يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ الزُّبَيْر , قَالَ : وَاَللَّه إِنِّي لَأَسْمَع قَوْل مُعَتِّب بْن قُشَيْر أَخِي بَنِي عَمْرو بْن عَوْف , وَالنُّعَاس يَغْشَانِي مَا أَسْمَعهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ حِين قَالَ : لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْر شَيْء مَا قُتِلْنَا هَهُنَا . * - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , بِمِثْلِهِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه } بِنَصْبِ الْكُلّ عَلَى وَجْه النَّعْت لِلْأَمْرِ وَالصِّفَة لَهُ . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْبَصْرَة : " قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ " بِرَفْع الْكُلّ عَلَى تَوْجِيه الْكُلّ إِلَى أَنَّهُ اِسْم , وَقَوْله " لِلَّهِ " خَبَره , كَقَوْلِ الْقَائِل : إِنَّ الْأَمْر بَعْضه لِعَبْدِ اللَّه . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْكُلّ فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالنَّصْبِ مَنْصُوبًا عَلَى الْبَدَل . وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ الْقِرَاءَة عِنْدنَا النَّصْب فِي الْكُلّ لِإِجْمَاع أَكْثَر الْقُرَّاء عَلَيْهِ , مِنْ غَيْر أَنْ تَكُون الْقِرَاءَة الْأُخْرَى خَطَأ فِي مَعْنًى أَوْ عَرَبِيَّة . وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة بِالرَّفْع فِي ذَلِكَ مُسْتَفِيضَة فِي الْقُرَّاء , لَكَانَتْ سَوَاء عِنْدِي الْقِرَاءَة بِأَيِّ ذَلِكَ قُرِئَ لِاتِّفَاقِ مَعَانِي ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهَيْهِ قُرِئَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل

قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ وَلِيُمَحِّص مَا فِي قُلُوبكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ وَصَفْت لَك صِفَتهمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ : لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَمْ تَشْهَدُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْهَدهمْ , وَلَمْ تَحْضُرُوا مَعَهُمْ حَرْب أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَيَظْهَر لِلْمُؤْمِنِينَ مَا كُنْتُمْ تُخْفُونَهُ مِنْ نِفَاقكُمْ , وَتَكْتُمُونَهُ مِنْ شِرْككُمْ فِي دِينكُمْ , لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل , يَقُول : لَظَهَرَ لِلْمَوْضِع الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ مَصْرَعه فِيهِ مَنْ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهِ الْقَتْل مِنْهُمْ , وَيَخْرُج مِنْ بَيْته إِلَيْهِ , حَتَّى يُصْرَع فِي الْمَوْضِع الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصْرَع فِيهِ . وَأَمَّا قَوْله : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ كُنْتُمْ تَبْرُزُونَ مِنْ بُيُوتكُمْ إِلَى مَضَاجِعكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُوركُمْ } وَلِيُخْتَبَرَ اللَّه الَّذِي فِي صُدُوركُمْ مِنْ الشَّكّ , فَيُمَيِّزكُمْ بِمَا يُظْهِرهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِفَاقكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعَانِي نَظَائِر قَوْله : { لِيَبْتَلِيَ اللَّه } { وَلِيَعْلَمَ اللَّه } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِر الْكَلَام مُضَافًا إِلَى اللَّه الْوَصْف بِهِ , فَمُرَاد بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَهْل طَاعَته ; وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلِيُخْتَبَر أَوْلِيَاء اللَّه , وَأَهْل طَاعَته , الَّذِي فِي صُدُوركُمْ مِنْ الشَّكّ وَالْمَرَض , فَيَعْرِفُوكُمْ مِنْ أَهْل الْإِخْلَاص وَالْيَقِين . { وَلِيُمَحِّص مَا فِي قُلُوبكُمْ } يَقُول : وَلِيَتَبَيَّنُوا مَا فِي قُلُوبكُمْ مِنْ الِاعْتِقَاد لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَدَاوَة أَوْ الْوِلَايَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ اِبْن إِسْحَاق يَقُول . 6438 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة . عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ذَكَرَ اللَّه تَلَاوُمهمْ , يَعْنِي : تَلَاوُم الْمُنَافِقِينَ وَحَسْرَتهمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْضِع الَّذِي أَظْهَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِركُمْ , لَأَخْرَجَ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَوْطِن غَيْره يُصْرَعُونَ فِيهِ , حَتَّى يَبْتَلِي بِهِ مَا فِي صُدُوركُمْ ; وَلِيُمَحِّص مَا فِي قُلُوبكُمْ , وَاَللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور , أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا فِي صُدُورهمْ مِمَّا اِسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ . 6439 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا الْحَارِث بْن مُسْلِم , عَنْ بَحْر السَّقَّاء , عَنْ عَمْرو بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : سُئِلَ عَنْ قَوْله : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْل إِلَى مَضَاجِعهمْ } قَالَ : كَتَبَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيله , وَلَيْسَ كُلّ مَنْ يُقَاتِل يُقْتَل , وَلَكِنْ يُقْتَل مَنْ كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِ الْقَتْل .

{ وَاَللَّه عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِاَلَّذِي فِي صُدُور خَلْقه مِنْ خَيْر وَشَرّ وَإِيمَان وَكُفْر , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُورهمْ , سَرَائِرهَا وَعَلَانِيَتهَا , وَهُوَ لِجَمِيع ذَلِكَ حَافِظ , حَتَّى يُجَازِي جَمِيعهمْ جَزَاءَهُمْ عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ .
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 155
الْقَوْل فِي تَأْوِيل

قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الَّذِينَ وَلَّوْا عَنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد وَانْهَزَمُوا عَنْهُمْ , وَقَوْله : { تَوَلَّوْا } تَفَعَّلُوا , مِنْ قَوْلهمْ : وَلَّى فُلَان ظَهْره . وَقَوْله : { يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَعْنِي : يَوْم اِلْتَقَى جَمْع الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ بِأُحُدٍ , { إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان } أَيْ إِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى الزَّلَّة الشَّيْطَان . وَقَوْله اِسْتَزَلَّ : اِسْتَفْعَلَ , مِنْ الزَّلَّة , وَالزَّلَّة : هِيَ الْخَطِيئَة . { بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } يَعْنِي : بِبَعْضِ مَا عَمِلُوا مِنْ الذُّنُوب . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَعْيَان الْقَوْم الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا كُلّ مَنْ وَلَّى الدُّبُر عَنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6440 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن كُلَيْب , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : خَطَبَ عُمَر يَوْم الْجُمُعَة , فَقَرَأَ آل عِمْرَان , وَكَانَ يُعْجِبهُ إِذَا خَطَبَ أَنْ يَقْرَأهَا , فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد هَزَمْنَاهُمْ , فَفَرَرْت حَتَّى صَعِدْت الْجَبَل , فَلَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْزُو كَأَنَّنِي أَرْوَى , وَالنَّاس يَقُولُونَ : قُتِلَ مُحَمَّد ! فَقُلْت : لَا أَجِد أَحَدًا يَقُول قُتِلَ مُحَمَّد إِلَّا قَتَلْته . حَتَّى اِجْتَمَعْنَا عَلَى الْجَبَل , فَنَزَلَتْ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة كُلّهَا . 6441 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد , نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَلَّوْا عَنْ الْقِتَال وَعَنْ نَبِيّ اللَّه يَوْمئِذٍ , وكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْر الشَّيْطَان وَتَخْوِيفه , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا تَسْمَعُونَ أَنَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ , وَعَفَا عَنْهُمْ . 1 6442 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْو قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنِّي بِذَلِكَ خَاصّ مِمَّنْ وَلَّى الدُّبُر يَوْمئِذٍ , قَالُوا : وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الَّذِينَ لَحِقُوا بِالْمَدِينَةِ مِنْهُمْ دُون غَيْرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6443 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا اِنْهَزَمُوا يَوْمئِذٍ تَفَرَّقَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه , فَدَخَلَ بَعْضهمْ الْمَدِينَة , وَانْطَلَقَ بَعْضهمْ فَوْق الْجَبَل إِلَى الصَّخْرَة , فَقَامُوا عَلَيْهَا , فَذَكَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ اِنْهَزَمُوا , فَدَخَلُوا الْمَدِينَة , فَقَالَ : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } . .. الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي رِجَال بِأَعْيَانِهِمْ مَعْرُوفِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6444 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَافِع بْن الْمُعَلَّى وَغَيْره مِنْ الْأَنْصَار وَأَبِي حُذَيْفَة بْن عُتْبَة , وَرَجُل آخَر . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَوْله : { إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } إِذْ لَمْ يُعَاقِبهُمْ . 6445 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : فَرَّ عُثْمَان بْن عَفَّانَ , وَعُقْبَة بْن عُثْمَان , وَسَعْد بْن عُثْمَان - رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَار - حَتَّى بَلَغُوا الْجَلَعْب , جَبَل بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي الْأَعْوَص . فَأَقَامُوا بِهِ ثَلَاثًا , ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ : " لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَة " . 6446 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } . .. الْآيَة , وَاَلَّذِينَ اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان : عُثْمَان بْن عَفَّانَ , وَسَعْد بْن عُثْمَان , وَعُقْبَة بْن عُثْمَان الْأَنْصَارِيَّانِ , ثُمَّ الزُّرَقِيَّانِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } يَقُول : وَلَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّه عَنْ عُقُوبَة ذُنُوبهمْ فَصَفَّحَ لَهُمْ عَنْهُ . مَعْنَاهُ : وَلَقَدْ تَجَاوَزَ اللَّه عَنْ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ , أَنْ يُعَاقِبهُمْ , بِتَوَلِّيهِمْ عَنْ عَدُوّهُمْ . كَمَا : 6447 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } يَقُول : وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ إِذْ لَمْ يُعَاقِبهُمْ . 6448 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله فِي تُوَلِّيهِمْ يَوْم أُحُد : { وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ } فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ الْعَفْو عَنْ تِلْكَ الْعِصَابَة , أَمْ عَفْو عَنْ الْمُسْلِمِينَ كُلّهمْ .

{ إِنَّ اللَّه غَفُور } يَعْنِي بِهِ : مُغَطٍّ عَلَى ذُنُوب مَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ رَسُوله بِعَفْوِهِ عَنْ عُقُوبَته إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا . { حَلِيم } يَعْنِي : أَنَّهُ ذُو أَنَاة , لَا يَعْجَل عَلَى مَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره بِالنِّقْمَةِ . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ اللَّه غَفُور حَلِيم } فِيمَا مَضَى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌسورة آل عمران الآية رقم 156
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَل اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد مِنْ عِنْد اللَّه , لَا تَكُونُوا كَمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , فَجَحَدَ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } فَخَرَجُوا مِنْ بِلَادهمْ سَفْرًا فِي تِجَارَة , { أَوْ كَانُوا غُزًّى } يَقُول : أَوْ كَانَ خُرُوجهمْ مِنْ بِلَادهمْ غَزَاة , فَهَلَكُوا فَمَاتُوا فِي سَفَرهمْ , أَوْ قُتِلُوا فِي غَزْوهمْ , { لَوْ كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا } يُخْبِر بِذَلِكَ عَنْ قَوْل هَؤُلَاءِ الْكُفَّار , أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِمَنْ غَزَا مِنْهُمْ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فِي سَفَر خَرَجَ فِيهِ فِي طَاعَة اللَّه أَوْ تِجَارَة : لَوْ لَمْ يَكُونُوا خَرَجُوا مِنْ عِنْدنَا , وَكَانُوا أَقَامُوا فِي بِلَادهمْ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا . { لِيَجْعَلَ اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } يَعْنِي : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ , كَيْ يَجْعَل اللَّه قَوْلهمْ ذَلِكَ حُزْنًا فِي قُلُوبهمْ وَغَمًّا , وَيَجْهَلُونَ أَنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَبِيَدِهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ نَهَى اللَّه الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ سُوء الْيَقِين بِاَللَّهِ , هُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَأَصْحَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6449 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُو لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } . .. الْآيَة . قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . 6450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض أَوْ كَانُوا غُزًّى } قَوْل الْمُنَافِق عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ : هُمْ جَمِيع الْمُنَافِقِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6451 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد . قَالَ : ثنا مَسْلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } . .. الْآيَة : أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِي يَنْهَوْنَ إِخْوَانهمْ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَالضَّرْب فِي الْأَرْض فِي طَاعَة اللَّه , وَطَاعَة رَسُوله , وَيَقُولُونَ إِذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا , وَمَا قُتِلُوا . وَأَمَّا قَوْله : { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ السَّفَر فِي التِّجَارَة , وَالسَّيْر فِي الْأَرْض لِطَلَبِ الْمَعِيشَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6452 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } وَهِيَ التِّجَارَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ السَّيْر فِي طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6453 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } الضَّرْب فِي الْأَرْض فِي طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله . وَأَصْل الضَّرْب فِي الْأَرْض : الْإِبْعَاد فِيهَا سَيْرًا . وَأَمَّا قَوْله : { أَوْ كَانُوا غُزًّى } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَوْ كَانُوا غُزَاة فِي سَبِيل اللَّه . وَالْغُزَّى : جَمْع غَازٍ , جُمِع عَلَى فُعَّل كَمَا يُجْمَع شَاهِد : شُهَّد , وَقَائِل : قُوَّل . وَقَدْ يُنْشَد بَيْت رُؤْبَة : فَالْيَوْم قَدْ نَهْنَهَنِي تَنَهْنُهِي وَأَوَّل حِلْم لَيْسَ بِالْمُسَفِّهِ وَقُوَّل إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ وَيُنْشَد أَيْضًا : وَقَوْلهمْ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ وَإِنَّمَا قِيلَ : { لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض أَوْ كَانُوا غُزًّى } بِإِصْحَابِ مَاضِي الْفِعْل الْحَرْف الَّذِي لَا يُصْحَب مَعَ الْمَاضِي مِنْهُ إِلَّا الْمُسْتَقْبَل , فَقِيلَ : وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ ثُمَّ قِيلَ : إِذَا ضَرَبُوا . وَإِنَّمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أَكْرَمْتُك إِذْ زُرْتنِي , وَلَا يُقَال : أَكْرَمْتُك إِذَا زُرْتنِي , لِأَنَّ الْقَوْل الَّذِي فِي قَوْله : { وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظ الْمَاضِي فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَل , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَذْهَب بِاَلَّذِينَ مَذْهَب الْجَزَاء , وَتُعَامِلهَا فِي ذَلِكَ مُعَامَلَة " مَنْ " وَ " مَا " , لِتَقَارُبِ مَعَانِي ذَلِكَ فِي كَثِير مِنْ الْأَشْيَاء , وَإِنْ جَمَعَهُنَّ أَشْيَاء مَجْهُولَات غَيْر مُؤَقَّتَات تَوْقِيت عَمْرو وَزَيْد . فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ صَحِيحًا فِي الْكَلَام فَصِيحًا أَنْ يُقَال لِلرِّجَالِ : أَكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَك , وَأَكْرِمْ كُلّ رَجُل أَكْرَمَك , فَيَكُون الْكَلَام خَارِجًا بِلَفْظِ الْمَاضِي مَعَ مَنْ وَكُلّ مَجْهُول , وَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال , إِذْ كَانَ الْمَوْصُوف بِالْفِعْلِ غَيْر مُوَقِّت , وَكَانَ " الَّذِينَ " فِي قَوْله : { لَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض } غَيْر مُوَقَّتَيْنِ , أُجْرِيَتْ مَجْرَى " مَنْ " وَ " مَا " فِي تَرْجَمَتهَا الَّتِي تَذْهَب مَذْهَب الْجَزَاء وَإِخْرَاج صِلَاتهَا بِأَلْفَاظِ الْمَاضِي مِنْ الْأَفْعَال وَهِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , كَمَا قَالَ الشَّاعِر فِي " مَا " : وَإِنِّي لَآتِيكُمْ تَشَكُّر مَا مَضَى مِنْ الْأَمْر وَاسْتِيجَاب مَا كَانَ فِي غَد فَقَالَ : مَا كَانَ فِي غَد , وَهُوَ يُرِيد : مَا يَكُون فِي غَد , وَلَوْ كَانَ أَرَادَ الْمَاضِي لَقَالَ : مَا كَانَ فِي أَمْس , وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقُول : مَا كَانَ فِي غَد . وَلَوْ كَانَ الَّذِي مُوَقَّتًا , لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال : ذَلِكَ خَطَأ أَنْ يُقَال لَك : مَنْ هَذَا الَّذِي أَكْرَمَك إِذَا زُرْته ؟ لِأَنَّ الَّذِي هَهُنَا مُوَقَّت , فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَعْنَى الْجَزَاء , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام هَذَا , لَكَانَ جَائِزًا فَصِيحًا , لِأَنَّ الَّذِي يَصِير حِينَئِذٍ مَجْهُولًا غَيْر مُوَقَّت , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } 22 25 فَرُدَّ " يَصُدُّونَ " عَلَى " كَفَرُوا " , لِأَنَّ " الَّذِينَ " غَيْر مُوَقَّتَة , فَقَوْله : { كَفَرُوا } وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظ مَاضٍ , فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَال , وَكَذَلِكَ قَوْله : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } 19 60 وَقَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } مَعْنَاهُ : إِلَّا الَّذِينَ يَتُوبُونَ مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ , وَإِلَّا مَنْ يَتُوب وَيُؤْمِن , وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام كَثِير ; وَالْعِلَّة فِي كُلّ ذَلِكَ وَاحِدَة . وَأَمَّا قَوْله : { لِيَجْعَل اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : حُزْنًا فِي قُلُوبهمْ . كَمَا : 6454 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فِي قُلُوبهمْ } قَالَ : يُحْزِنهُمْ قَوْلهمْ لَا يَنْفَعهُمْ شَيْئًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 6455 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { لِيَجْعَلَ اللَّه ذَلِكَ حَسْرَة فِي قُلُوبهمْ } لِقِلَّةِ الْيَقِين بِرَبِّهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى

: { وَاَللَّه يُحْيِي وَيُمِيت } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه يُحْيِي وَيُمِيت } وَاَللَّه الْمُعَجِّل الْمَوْت لِمَنْ يَشَاء مِنْ حَيْثُ يَشَاء , وَالْمُمِيت مَنْ يَشَاء كُلَّمَا شَاءَ دُون غَيْره مِنْ سَائِر خَلْقه . وَهَذَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَرْغِيب لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى جِهَاد عَدُوّهُ , وَالصَّبْر عَلَى قِتَالهمْ , وَإِخْرَاج هَيْبَتهمْ مِنْ صُدُورهمْ , وَإِنْ قَلَّ عَدَدهمْ , وَكَثُرَ عَدَد أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَاء اللَّه , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ الْإِمَاتَة وَالْإِحْيَاء بِيَدِهِ , وَأَنَّهُ لَنْ يَمُوت أَحَد وَلَا يُقْتَل إِلَّا بَعْد فَنَاء أَجَله الَّذِي كُتِبَ لَهُ , وَنَهْي مِنْهُ لَهُمْ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ أَنْ يَجْزَعُوا لِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أَوْ قَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي حَرْب الْمُشْرِكِينَ .

ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه يَرَى مَا تَعْمَلُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَاتَّقُوهُ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَإِنَّهُ مُحْصٍ ذَلِكَ كُلّه , حَتَّى يُجَازِي كُلّ عَامِل بِعَمَلِهِ عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 6456 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاَللَّه يُحْيِي وَيُمِيت } أَيْ يُعَجِّل مَا يَشَاء وَيُؤَخِّر مَا يَشَاء مِنْ آجَالهمْ بِقُدْرَتِهِ .
وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَسورة آل عمران الآية رقم 157
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } يُخَاطِب جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ يَقُول لَهُمْ : لَا تَكُونُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي شَكّ مِنْ أَنَّ الْأُمُور كُلّهَا بِيَدِ اللَّه , وَأَنَّ إِلَيْهِ الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة , كَمَا شَكّ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ , وَلَكِنْ جَاهِدُوا فِي سَبِيل اللَّه , وَقَاتِلُوا أَعْدَاء اللَّه عَلَى يَقِين مِنْكُمْ بِأَنَّهُ لَا يُقْتَل فِي حَرْب , وَلَا يَمُوت فِي سَفَر إِلَّا مَنْ بَلَغَ أَجَله وَحَانَتْ وَفَاته . ثُمَّ وَعَدَهُمْ عَلَى جِهَادهمْ فِي سَبِيله الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَوْتًا فِي سَبِيل اللَّه وَقَتْلًا فِي اللَّه خَيْر لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ حُطَامهَا وَرَغِيد عَيْشهَا الَّذِي مِنْ أَجْله يَتَثَاقَلُونَ عَنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَيَتَأَخَّرُونَ عَنْ لِقَاء الْعَدُوّ . كَمَا : 6457 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إِنَّ الْمَوْت كَائِن لَا بُدّ مِنْهُ , فَمَوْت فِي سَبِيل اللَّه أَوْ قَتْل خَيْر لَوْ عَلِمُوا فَأَيْقَنُوا مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي لَهَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْ الْجِهَاد , تَخَوُّفًا مِنْ الْمَوْت وَالْقَتْل لَمَا جَمَعُوا مِنْ زَهِيد الدُّنْيَا وَزَهَادَة فِي الْآخِرَة . وَإِنَّمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } وَابْتَدَأَ الْكَلَام : " وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ " بِحَذْفِ جَزَاء " لَئِنْ " لِأَنَّ فِي قَوْله : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } مَعْنَى جَوَاز لِلْجَزَاءِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ وَعْد خَرَجَ مَخْرَج الْخَبَر . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ , لَيَغْفِرَنَّ اللَّه لَكُمْ وَلَيَرْحَمَنَّكُم , فَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } وَجَمَعَ مَعَ الدَّلَالَة بِهِ عَلَيْهِ الْخَبَر عَنْ فَضْل ذَلِكَ عَلَى مَا يُؤْثِرُونَهُ مِنْ الدُّنْيَا , وَمَا يَجْمَعُونَ فِيهَا . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّهُ إِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَكُون : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة } جَوَابًا لِقَوْلِهِ : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيل اللَّه أَوْ مُتُّمْ } فَإِنَّ الْقَوْل فِيهِ أَنْ يُقَال فِيهِ : كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ , فَذَكَرَ لَهُمْ رَحْمَة مِنْ اللَّه وَمَغْفِرَة , إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّبِيل , فَقَالَ : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه وَرَحْمَة } يَقُول : لِذَلِكَ { خَيْر مِمَّا تَجْمَعُونَ } يَعْنِي لَتِلْكَ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة خَيْر مِمَّا تَجْمَعُونَ . وَدَخَلَتْ اللَّام فِي قَوْله : { لَمَغْفِرَة مِنْ اللَّه } لِدُخُولِهَا فِي قَوْله : " وَلَئِنْ " , كَمَا قِيلَ : { وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار } 59 12
وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَسورة آل عمران الآية رقم 158
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لِإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَإِنَّ إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ وَمَحْشَركُمْ , فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ , فَآثِرُوا مَا يُقَرِّبكُمْ مِنْ اللَّه , وَيُوجِب لَكُمْ رِضَاهُ , وَيُقَرِّبكُمْ مِنْ الْجَنَّة , مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ عَلَى الرُّكُون إِلَى . الدُّنْيَا , وَمَا تَجْمَعُونَ فِيهَا مِنْ حُطَامهَا الَّذِي هُوَ غَيْر بَاقٍ لَكُمْ , بَلْ هُوَ زَائِل عَنْكُمْ , وَعَلَى تَرْك طَاعَة اللَّه وَالْجِهَاد , فَإِنَّ ذَلِكَ يُبْعِدكُمْ عَنْ رَبّكُمْ , وَيُوجِب لَكُمْ سَخَطه , وَيُقَرِّبكُمْ مِنْ النَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 6458 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } أَيّ ذَلِكَ كَانَ , { لِإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ } أَيْ أَنَّ إِلَى اللَّه الْمَرْجِع , فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا , وَلْيَكُنْ الْجِهَاد وَمَا رَغَّبَكُمْ اللَّه فِيهِ مِنْهُ آثَر عِنْدكُمْ مِنْهَا . وَأُدْخِلَتْ اللَّام فِي قَوْله : { لِإِلَى اللَّه تُحْشَرُونَ } لِدُخُولِهَا فِي قَوْله " وَلَئِنْ " , وَلَوْ كَانَتْ اللَّام مُؤَخَّرَة , إِلَى قَوْله : " تُحْشَرُونَ " , لَأَحْدَثَتْ النُّون الثَّقِيلَة فِيهِ , كَمَا تَقُول فِي الْكَلَام : لَئِنْ أَحْسَنْت إِلَيَّ لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْك , بِنُونٍ مُثَقَّلَة , فَكَانَ كَذَلِكَ قَوْله : " وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَتُحْشَرُنَّ إِلَى اللَّه " , وَلَكِنْ لَمَّا حِيزَ بَيْن اللَّام وَبَيْن تُحْشَرُونَ بِالصِّفَةِ أُدْخِلَتْ فِي الصِّفَة , وَسَلِمَتْ " تُحْشَرُونَ " , فَلَمْ تَدْخُلهَا النُّون الثَّقِيلَة , كَمَا تَقُول فِي الْكَلَام : لَئِنْ أَحْسَنْت إِلَيَّ لِإِلَيْك أُحْسِن , بِغَيْرِ نُون مُثَقَّلَة .
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَسورة آل عمران الآية رقم 159
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه } فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه وَ " مَا " صِلَة , وَقَدْ بَيَّنْت وَجْه دُخُولهَا فِي الْكَلَام فِي قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } 2 26 وَالْعَرَب تَجْعَل " مَا " صِلَة فِي الْمَعْرِفَة وَالنَّكِرَة , كَمَا قَالَ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } 4 155 وَالْمَعْنَى : فَبِنَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ . وَهَذَا فِي الْمَعْرِفَة , وَقَالَ فِي النَّكِرَة : { عَمَّا قَلِيل لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ } 23 40 وَالْمَعْنَى : عَنْ قَلِيل . وَرُبَّمَا جُعِلَتْ اِسْمًا وَهِيَ فِي مَذْهَب صِلَة , فَيُرْفَع مَا بَعْدهَا أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الصِّلَة , وَيُخْفَض عَلَى إِتْبَاع الصِّلَة مَا قَبْلهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرنَا حُبّ النَّبِيّ مُحَمَّد إِيَّانَا إِذَا جُعِلَتْ غَيْر صِلَة رُفِعَتْ بِإِضْمَارِ هُوَ , وَإِنْ خُفِضَتْ أُتْبِعَتْ مِنْ فَأَعْرَبَتْهُ , فَذَلِكَ حُكْمه عَلَى مَا وَصَفْنَا مَعَ النَّكِرَات , فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ الصِّلَة مَعْرِفَة , كَانَ الْفَصِيح مِنْ الْكَلَام الْإِتْبَاع , كَمَا قِيلَ : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقهمْ } 4 155 وَالرَّفْع جَائِز فِي الْعَرَبِيَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْله : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6459 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } يَقُول : فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْفَظِّ : الْجَافِي , وَبِالْغَلِيظِ الْقَلْب : الْقَاسِي الْقَلْب غَيْر ذِي رَحْمَة وَلَا رَأْفَة , وَكَذَلِكَ صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا وَصَفَهُ اللَّه : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف رَحِيم } 9 128 فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَبِرَحْمَةِ اللَّه يَا مُحَمَّد وَرَأْفَته بِك , وَبِمَنْ آمَنَ بِك مِنْ أَصْحَابك , لِنْت لَهُمْ لِتُبَّاعِك وَأَصْحَابك فَسَهَّلْت لَهُمْ خَلَائِقك , وَحَسَّنْت لَهُمْ أَخْلَاقك , حَتَّى اِحْتَمَلْت أَذَى مَنْ نَالَك مِنْهُمْ أَذَاهُ , وَعَفَوْت عَنْ ذِي الْجُرْم مِنْهُمْ جُرْمه , وَأَغْضَبْت عَنْ كَثِير مِمَّنْ لَوْ جَفَوْت بِهِ , وَأَغْلَظْت عَلَيْهِ , لَتَرَكَك فَفَارَقَك , وَلَمْ يَتَّبِعك , وَلَا مَا بُعِثْت بِهِ مِنْ الرَّحْمَة , وَلَكِنَّ اللَّه رَحِمَهُمْ وَرَحِمَك مَعَهُمْ , فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ . كَمَا : 6460 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } إِي وَاَللَّه , لَطَهَّرَهُ اللَّه مِنْ الْفَظَاظَة وَالْغِلْظَة , وَجَعَلَهُ قَرِيبًا رَحِيمًا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة : " لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ وَلَا صَخُوب فِي الْأَسْوَاق , وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا , وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح " . 6461 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , بِنَحْوِهِ . 6462 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق فِي قَوْله : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْب لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } قَالَ : ذَكَرَ لِينَهُ لَهُمْ , وَصَبْره عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ , وَقِلَّة صَبْرهمْ عَلَى الْغِلْظَة لَوْ كَانَتْ مِنْهُ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا فِيهِ مِمَّا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَة نَبِيّهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَتَفَرَّقُوا عَنْك . كَمَا : 6463 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِيج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } قَالَ : اِنْصَرَفُوا عَنْك . 6464 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلك } أَيْ لَتَرَكُوك .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } فَتَجَاوَزْ يَا مُحَمَّد عَنْ تُبَّاعك وَأَصْحَابك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِك , وَبِمَا جِئْت بِهِ مِنْ عِنْدِي , مَا نَالَك مِنْ أَذَاهُمْ وَمَكْرُوه فِي نَفْسك . { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } وَادْعُ رَبّك لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا أَتَوْا مِنْ جُرْم , وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ عُقُوبَة مِنْهُ . كَمَا : 6465 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } : أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ , { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ذُنُوب مَنْ فَارَقَ مِنْ أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله أَمَرَ تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرهُمْ , وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرهُمْ فِيهِ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابه فِي مَكَايِد الْحَرْب وَعِنْد لِقَاء الْعَدُوّ , تَطْيِيبًا مِنْهُ بِذَلِكَ أَنْفُسهمْ , وَتَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَلِيَرَوْا أَنَّهُ يَسْمَع مِنْهُمْ وَيَسْتَعِين بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَغْنَاهُ بِتَدْبِيرِهِ لَهُ أُمُوره وَسِيَاسَته إِيَّاهُ وَتَقْوِيمه أَسْبَابه عَنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6466 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ } أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِر أَصْحَابه فِي الْأُمُور , وَهُوَ يَأْتِيه وَحْي السَّمَاء , لِأَنَّهُ أَطْيَب لِأَنْفُسِ الْقَوْم , وَإِنَّ الْقَوْم إِذَا شَاوَرَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَرَادُوا بِذَلِكَ وَجْه اللَّه عَزَمَ لَهُمْ عَلَى أَرْشَده . 6467 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } قَالَ : أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى أَنْ يُشَاوِر أَصْحَابه فِي الْأُمُور , وَهُوَ يَأْتِيه الْوَحْي مِنْ السَّمَاء لِأَنَّهُ أَطْيَب لِأَنْفُسِهِمْ . 6468 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } أَيْ لِتُرِيهِمْ أَنَّك تَسْمَع مِنْهُمْ وَتَسْتَعِين بِهِمْ وإِنْ كُنْت عَنْهُمْ غَنِيًّا , تُؤَلِّفهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ لَهُ الرَّأْي وَأَصْوَب الْأُمُور فِي التَّدْبِير , لِمَا عَلِمَ فِي الْمَشُورَة تَعَالَى ذِكْره مِنْ الْفَضْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6469 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَوْله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } قَالَ : مَا أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَشُورَةِ إِلَّا لِمَا عَلِمَ فِيهَا مِنْ الْفَضْل . 6470 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ إِيَاس بْن دَغْفَل , عَنْ الْحَسَن : مَا شَاوَرَ قَوْم قَطُّ , إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أُمُورهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّه بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابه فِيمَا أَمَرَهُ بِمُشَاوَرَتِهِمْ فِيهِ , مَعَ إِغْنَائِهِ بِتَقْوِيمِهِ إِيَّاهُ , وَتَدْبِيره أَسْبَابه عَنْ آرَائِهِمْ , لِيَتَّبِعَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ بَعْده , فِيمَا حَزَبَهُمْ مِنْ أَمْر دِينهمْ , وَيَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ , وَيَحْتَذُوا الْمِثَال الَّذِي رَأَوْهُ يَفْعَلهُ فِي حَيَاته مِنْ مُشَاوَرَته فِي أُمُوره مَعَ الْمَنْزِلَة الَّتِي هُوَ بِهَا مِنْ اللَّه أَصْحَابه وَتُبَّاعه فِي الْأَمْر , يَنْزِل بِهِمْ مِنْ أَمْر دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ , فَيَتَشَاوَرُوا بَيْنهمْ , ثُمَّ يُصْدِرُوا عَمَّا اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَلَؤُهُمْ ; لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا تَشَاوَرُوا فِي أُمُور دِينهمْ مُتَّبِعِينَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ , لَمْ يُخَلِّهِمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ لُطْفه , وَتَوْفِيقه لِلصَّوَابِ مِنْ الرَّأْي وَالْقَوْل فِيهِ . قَالُوا : وَذَلِكَ نَظِير قَوْله عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي مَدَحَ بِهِ أَهْل الْإِيمَان : { وَأَمْرهمْ شُورَى بَيْنهمْ } 42 38 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6471 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة فِي قَوْله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر } قَالَ : هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَشَاوَرُوا فِيمَا لَمْ يَأْتِهِمْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَثَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُشَاوَرَةِ أَصْحَابه , فِيمَا حَزَبَهُ مِنْ أَمْر عَدُوّهُ وَمَكَايِد حَرْبه , تَأَلُّفًا مِنْهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ تَكُنْ بَصِيرَته بِالْإِسْلَامِ الْبَصِيرَة الَّتِي يُؤْمَن عَلَيْهِ مَعَهَا فِتْنَة الشَّيْطَان , وَتَعْرِيفًا مِنْهُ أُمَّته مَا فِي الْأُمُور الَّتِي تَحْزُبهُمْ مِنْ بَعْده وَمَطْلَبهَا , لِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ عِنْد النَّوَازِل الَّتِي تَنْزِل بِهِمْ , فَيَتَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنهمْ , كَمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي حَيَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ . فَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّ اللَّه كَانَ يُعَرِّفهُ مَطَالِب وُجُوه مَا حَزَبَهُ مِنْ الْأُمُور بِوَحْيِهِ أَوْ إِلْهَامه إِيَّاهُ صَوَاب ذَلِكَ . وَأَمَّا أُمَّته , فَإِنَّهُمْ إِذَا تَشَاوَرُوا مُسْتَنِّينَ بِفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى تَصَادُق وَتَأَخٍّ لِلْحَقِّ وَإِرَادَة جَمِيعهمْ لِلصَّوَابِ , مِنْ غَيْر مَيْل إِلَى هَوًى , وَلَا حَيْد عَنْ هُدًى ; فَاَللَّه مُسَدِّدهمْ وَمُوَفِّقهمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَإِذَا صَحَّ عَزْمك بِتَثْبِيتِنَا إِيَّاكَ وَتَسْدِيدنَا لَك فِيمَا نَابَك وَحَزَبَك مِنْ أَمْر دِينك وَدُنْيَاك , فَامْضِ لِمَا أَمَرْنَاك بِهِ عَلَى مَا أَمَرْنَاك بِهِ , وَافَقَ ذَلِكَ آرَاء أَصْحَابك وَمَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْك أَوْ خَالَفَهَا , وَتَوَكَّلْ فِيمَا تَأْتِي مِنْ أُمُورك وَتَدَع وَتُحَاوِل أَوْ تُزَاوِل عَلَى رَبّك , فَثِقْ بِهِ فِي كُلّ ذَلِكَ , وَارْضَ بِقَضَائِهِ فِي جَمِيعه دُون آرَاء سَائِر خَلْقه وَمَعُونَتهمْ , فَإِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ , وَهُمْ الرَّاضُونَ بِقَضَائِهِ , وَالْمُسْتَسْلِمُونَ لِحُكْمِهِ فِيهِمْ , وَافَقَ ذَلِكَ مِنْهُمْ هَوًى أَوْ خَالَفَهُ . كَمَا : 6472 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ } فَإِذَا عَزَمْت : أَيْ عَلَى أَمْر جَاءَك مِنِّي , أَوْ أَمْر مِنْ دِينك فِي جِهَاد عَدُوّك , لَا يُصْلِحك وَلَا يُصْلِحهُمْ إِلَّا ذَلِكَ , فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ , عَلَى خِلَاف مَنْ خَالَفَك , وَمُوَافَقَة مَنْ وَافَقَك , وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه : أَيْ اِرْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَاد , إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَوَكِّلِينَ . 6473 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْر أَنْ يَمْضِي فِيهِ , وَيَسْتَقِيم عَلَى أَمْر اللَّه , وَيَتَوَكَّل عَلَى اللَّه . 6474 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : { فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه } . .. الْآيَة , أَمَرَهُ اللَّه إِذَا عَزَمَ عَلَى أَمْر أَنْ يَمْضِي فِيهِ وَيَتَوَكَّل عَلَيْهِ .
إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَسورة آل عمران الآية رقم 160
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ يَنْصُركُمْ اللَّه فَلَا غَالِب لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إِنْ يَنْصُركُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , عَلَى مَنْ نَاوَأَكُمْ وَعَادَاكُمْ مِنْ أَعْدَائِهِ , وَالْكَافِرِينَ بِهِ , فَلَا غَالِب لَكُمْ مِنْ النَّاس , يَقُول : فَلَنْ يَغْلِبكُمْ مَعَ نَصْره إِيَّاكُمْ أَحَد , وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَيْن أَقْطَارهَا مِنْ خَلْقه , فَلَا تَهَابُوا أَعْدَاء اللَّه لِقِلَّةِ عَدَدكُمْ , وَكَثْرَة عَدَدهمْ , مَا كُنْتُمْ عَلَى أَمْره , وَاسْتَقَمْتُمْ عَلَى طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله , فَإِنَّ الْغَلَبَة لَكُمْ وَالظَّفَر دُونهمْ . { وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده } يَعْنِي : إِنْ يَخْذُلكُمْ رَبّكُمْ , بِخِلَافِكُمْ أَمْره , وَتَرْككُمْ طَاعَته وَطَاعَة رَسُوله , فَيَكِلكُمْ إِلَى أَنْفُسكُمْ , فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده , يَقُول : فَأْيِسُوا مِنْ نُصْرَة النَّاس , فَإِنَّكُمْ لَا تَجِدُونَ أَمْرًا مِنْ بَعْد خِذْلَان اللَّه إِيَّاكُمْ إِنْ خَذَلَكُمْ , يَقُول : فَلَا تَتْرُكُوا أَمْرِي , وَطَاعَتِي وَطَاعَة رَسُولِي , فَتَهْلِكُوا بِخِذْلَانِي إِيَّاكُمْ . { وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } يَعْنِي : وَلَكِنْ عَلَى رَبّكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَتَوَكَّلُوا دُون سَائِر خَلْقه , وَبِهِ فَارْضَوْا مِنْ جَمِيع مَنْ دُونه , وَلِقَضَائِهِ فَاسْتَسْلِمُوا , وَجَاهِدُوا فِيهِ أَعْدَاءَهُ , يَكْفِكُمْ بِعَوْنِهِ , وَيُمْدِدْكُمْ بِنَصْرِهِ . كَمَا : 6475 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِنْ يَنْصُركُمْ اللَّه فَلَا غَالِب لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده وَعَلَى اللَّه فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ إِنْ يَنْصُرك اللَّه فَلَا غَالِب لَك مِنْ النَّاس , لَنْ يَضُرّك خِذْلَان مَنْ خَذَلَك , وَإِنْ يَخْذُلك , فَلَنْ يَنْصُرك النَّاس , فَمَنْ الَّذِي يَنْصُركُمْ مِنْ بَعْده : أَيْ لَا تَتْرُك أَمْرِي لِلنَّاسِ , وَارْفُضْ ( أَمْر ) النَّاس لِأَمْرِي { وَعَلَى اللَّه } ( لَا عَلَى النَّاس ) { فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ }
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَسورة آل عمران الآية رقم 161
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } بِمَعْنَى : أَنْ يَخُون أَصْحَابه فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَال أَعْدَائِهِمْ . وَاحْتَجَّ بَعْض قَارِئِي هَذِهِ الْقِرَاءَة , أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَطِيفَة فُقِدَتْ مِنْ مَغَانِم الْقَوْم يَوْم بَدْر , فَقَالَ بَعْض مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَعَلَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا . وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَات . فَمِنْهَا مَا : 6476 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : ثنا مِقْسَم , قَالَ : ثني اِبْن عَبَّاس , أَنَّ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } نَزَلَتْ فِي قَطِيفَة حَمْرَاء فُقِدَتْ يَوْم بَدْر , قَالَ : فَقَالَ بَعْض النَّاس : أَخَذَهَا ! قَالَ : فَأَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } 6477 - حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر : كَيْفَ تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } أَوَ يَغُلّ ؟ قَالَ : لَا , بَلْ يَغُلّ , فَقَدْ كَانَ النَّبِيّ وَاَللَّه يَغُلّ وَيَقْتُل . 6478 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي قَطِيفَة حَمْرَاء فُقِدَتْ فِي غَزْوَة بَدْر , فَقَالَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى : فَلَعَلَّ النَّبِيّ أَخَذَهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ سَعِيد : بَلْ وَاَللَّه إِنَّ النَّبِيّ لَيَغُلّ وَيَقْتُل . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَلَّاد , عَنْ زُهَيْر , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ قَطِيفَة فُقِدَتْ يَوْم بَدْر , فَقَالُوا : أَخَذَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا زُهَيْر , قَالَ : ثنا خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَا : يَغُلّ , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة أَوْ غَيْره , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ قَطِيفَة فُقِدَتْ يَوْم بَدْر , فَقَالُوا : أَخَذَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } 6479 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ 0 ثنا قَزَعَة بْن سُوَيْد الْبَاهِلِيّ , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } فِي قَطِيفَة حَمْرَاء فُقِدَتْ يَوْم بَدْر مِنْ الْغَنِيمَة . 6480 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سُلَيْمَان الْأَعْمَش , قَالَ : كَانَ اِبْن مَسْعُود يَقْرَأ : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ " فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : بَلَى , وَيَقْتُل . قَالَ : فَذَكَرَ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي قَطِيفَة , قَالُوا : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , غَلَّهَا يَوْم بَدْر , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْغَيْن : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي طَلَائِع كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجْههمْ فِي وَجْه , ثُمَّ غَنِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَقْسِم لِلطَّلَائِع , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يُعْلِمهُ فِيهَا أَنَّ فِعْله الَّذِي فَعَلَهُ خَطَأ , وَأَنَّ الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي الْحُكْم أَنْ يَقْسِم لِلطَّلَائِعِ مِثْل مَا قَسَمَ لِغَيْرِهِمْ , وَيَعْرِفهُ الْوَاجِب عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْم فِيمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ الْغَنَائِم , وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخُصّ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحَدًا مِمَّنْ شَهِدَ الْوَقْعَة أَوْ مِمَّنْ كَانَ رِدْءًا لَهُمْ فِي غَزْوهمْ دُون أَحَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6481 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَقْسِم لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَتْرُك طَائِفَة وَيَجُور فِي الْقَسْم , وَلَكِنْ يَقْسِم بِالْعَدْلِ , وَيَأْخُذ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّه , وَيَحْكُم فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه . يَقُول : مَا كَانَ اللَّه لِيَجْعَلَ نَبِيًّا يَغُلّ مِنْ أَصْحَابه , فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اِسْتَنُّوا بِهِ . 6482 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : أَنْ يُعْطِي بَعْضًا , وَيَتْرُك بَعْضًا , إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا . 6483 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَائِع , فَغَنِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمْ يَقْسِم لِلطَّلَائِع , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } يَقُول : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْسِم لِطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابه , وَيَتْرُك طَائِفَة , وَلَكِنْ يَعْدِل , وَيَأْخُذ فِي ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَيَحْكُم فِيهِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه . * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : مَا كَانَ لَهُ إِذَا أَصَابَ مَغْنَمًا أَنْ يَقْسِم لِبَعْضِ أَصْحَابه وَيَدَع بَعْضًا , وَلَكِنْ يَقْسِم بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّ الْغَيْن : إِنَّمَا أُنْزِلَ ذَلِكَ تَعْرِيفًا لِلنَّاسِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا يَكْتُم مِنْ وَحْي اللَّه شَيْئًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6484 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُم النَّاس مَا بَعَثَهُ اللَّه بِهِ إِلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَة مِنْ النَّاس وَلَا رَغْبَة , وَمَنْ يَعْمَل ذَلِكَ يَأْتِ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة . فَتَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُون غَالًّا , بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَال الْأَنْبِيَاء خِيَانَة أُمَمهمْ . يُقَال مِنْهُ : غَلَّ الرَّجُل فَهُوَ يَغُلّ , إِذَا خَانَ , غُلُولًا , وَيُقَال أَيْضًا مِنْهُ : أَغَلَّ الرَّجُل فَهُوَ يُغِلّ إِغْلَالًا , كَمَا قَالَ شُرَيْح : لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِير غَيْر الْمُغَلّ ضَمَان , يَعْنِي : غَيْر الْخَائِن ; وَيُقَال مِنْهُ : أَغَلَّ الْجَازِر : إِذَا سَرَقَ مِنْ اللَّحْم شَيْئًا مَعَ الْجِلْد . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } يَقُول : مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُون , فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُون فَلَا تَخُونُوا . 6486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } قَالَ : أَنْ يَخُون . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْغَيْن , وَهِيَ قِرَاءَة عُظْم قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة . وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه . ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَصْحَاب , فَبَقِيَ الْفِعْل غَيْر مُسَمَّى فَاعِله ; وَتَأْوِيله : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُخَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6487 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ " قَالَ عَوْف : قَالَ الْحَسَن : أَنْ يُخَان . 6488 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ " يَقُول : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه الَّذِينَ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , وَقَدْ غَلَّ طَوَائِف مِنْ أَصْحَابه . 6489 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ " قَالَ : أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه . 6490 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَوْله : " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ " قَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس , يَقُول : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه الَّذِينَ مَعَهُ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر , وَقَدْ غَلَّ طَوَائِف مِنْ أَصْحَابه . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُتَّهَم بِالْغُلُولِ فَيَخُون وَيَسْرِق . وَكَأَنَّ مُتَأَوِّلِي ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَّهُوا قَوْله : " وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلّ " إِلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهِ يُغَلَّل , ثُمَّ خُفِّفَتْ الْعَيْن مِنْ يُفَعَّل فَصَارَتْ يُفْعَل , كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ قَوْله : " فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَك " 6 33 بِتَأَوُّلِ يُكَذِّبُونَك . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } بِمَعْنَى : مَا الْغُلُول مِنْ صِفَات الْأَنْبِيَاء , وَلَا يَكُون نَبِيًّا مَنْ غَلَّ . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا ذَلِكَ , لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْعَدَ عَقِيبَ قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } أَهْل الْغُلُول , فَقَالَ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } . .. الْآيَة , وَاَلَّتِي بَعْدهَا , فَكَانَ فِي وَعِيده عَقِيبَ ذَلِكَ أَهْل الْغُلُول , الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ عَنْ الْغُلُول , وَأَخْبَرَ عِبَاده أَنَّ الْغُلُول لَيْسَ مِنْ صِفَات أَنْبِيَائِهِ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِنَّمَا نَهَى بِذَلِكَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّهِمُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُلُولِ , لَعَقَّبَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى التُّهْمَة , وَسُوء الظَّنّ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُول , وَفِي تَعْقِيبه ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُول بَيَان بَيِّن , أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَّفَ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرهمْ مِنْ عِبَاده أَنَّ الْغُلُول مُنْتَفٍ مِنْ صِفَة الْأَنْبِيَاء وَأَخْلَاقهمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ جُرْم عَظِيم , وَالْأَنْبِيَاء لَا تَأْتِي مِثْله . فَإِنْ قَالَ قَائِل مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : فَأَوْلَى مِنْهُ : وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونهُ أَصْحَابه إِنَّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْت , وَلَمْ يُعَقِّب اللَّه قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ } إِلَّا بِالْوَعِيدِ عَلَى الْغُلُول , وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ الْحُكْم بِالصِّحَّةِ لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : " يُغَلّ " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْغَيْن , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَغُلّهُ أَصْحَابه , فَيَخُونُوهُ فِي الْغَنَائِم ; قِيلَ لَهُ : أَفَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَغُلُّوا غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخُونُوهُ , حَتَّى خُصُّوا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , خَرَجُوا مِنْ قَوْل أَهْل الْإِسْلَام , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يُبِحْ خِيَانَة أَحَد فِي قَوْل أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام قَطُّ . إِنْ قَالَ قَائِل : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فِي نَبِيّ وَلَا غَيْره ؟ قِيلَ : فَمَا وَجْه خُصُوصهمْ إِذَا بِالنَّهْيِ عَنْ خِيَانَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغُلُوله وَغُلُول بَعْض الْيَهُود , بِمَنْزِلَةٍ فِيمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَى الْغَالّ مِنْ أَمْوَالهمَا , وَمَا يَلْزَم الْمُؤْمِن مِنْ أَدَاء الْأَمَانَة إِلَيْهِمَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَفَى بِذَلِكَ أَنْ يَكُون الْغُلُول وَالْخِيَانَة مِنْ صِفَات أَنْبِيَائِهِ , نَاهِيًا بِذَلِكَ عِبَاده عَنْ الْغُلُول , وَآمِرًا لَهُمْ 0 بِالِاسْتِنَانِ بِمِنْهَاجِ نَبِيّهمْ , كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ رِوَايَة عَطِيَّة ثُمَّ عَقَّبَ تَعَالَى ذِكْره نَهْيهمْ عَنْ الْغُلُول بِالْوَعِيدِ عَلَيْهِ , فَقَالَ : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة }... الْآيَتَيْنِ مَعًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَخُنْ مِنْ غَنَائِم الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا , وَفَيْئِهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ , يَأْتِ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْمَحْشَر . كَمَا : 6491 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَبِي حَيَّان , عَنْ أَبِي زُرْعَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ قَامَ خَطِيبًا , فَوَعَظَ وَذَكَّرَ , ثُمَّ قَالَ : " أَلَا عَسَى رَجُل مِنْ مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته شَاة لَهَا ثُغَاء , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا , قَدْ أَبْلَغْتُك أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته فَرَس لَهَا حَمْحَمَة , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك . أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته صَامِت , فَيَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك . أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته بَقَرَة لَهَا خُوَار , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك أَلَا هَلْ عَسَى رَجُل مِنْكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته رِقَاع تَخْفِق , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي , فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُك " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي حَيَّان , عَنْ أَبَى زُرْعَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْل هَذَا , زَادَ فِيهِ : " عَلَى رَقَبَته بَعِير لَهُ رُغَاء , لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدكُمْ عَلَى رَقَبَته نَفْس لَهَا صِيَاح " . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَبُو حَيَّان , عَنْ أَبِي زُرْعَة , عَنْ عَمْرو بْن جَرِير , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا يَوْمًا , فَذَكَرَ الْغُلُول , فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْره , فَقَالَ : " لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدكُمْ يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رَقَبَته بَعِير لَهُ رُغَاء , يَقُول : يَا رَسُول اللَّه أَغِثْنِي " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث أَبِي كُرَيْب , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن . 6492 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن بِشْر , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل شَاة لَهَا ثُغَاء , يُنَادِي : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل جَمَلًا لَا رُغَاء , يَقُول : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَة , يُنَادِي : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك وَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدكُمْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل قِشْعًا مِنْ أَدَم يُنَادِي : يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : لَا أَمْلِك لَك مِنْ اللَّه شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُك " . 6493 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن ذَكْوَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِي حُمَيْد , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا , فَجَاءَ بِسَوَادٍ كَثِير , قَالَ : فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَقْبِضهُ مِنْهُ ; فَلَمَّا أَتَوْهُ , جَعَلَ يَقُول : هَذَا لِي , وَهَذَا لَكُمْ ; قَالَ : فَقَالُوا : مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا ؟ قَالَ : أُهْدِيَ إِلَيَّ , فَأَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ , فَخَرَجَ فَخَطَبَ , فَقَالَ : " أَيّهَا النَّاس , مَا بَالِي أَبْعَث قَوْمًا إِلَى الصَّدَقَة , فَيَجِيء أَحَدهمْ بِالسَّوَادِ الْكَثِير , فَإِذَا بَعَثْت مَنْ يَقْبِضهُ قَالَ : هَذَا لِي , وَهَذَا لَكُمْ ! فَإِنْ كَانَ صَادِقًا أَفَلَا أُهْدِيَ لَهُ وَهُوَ فِي بَيْت أَبِيهِ , أَوْ فِي بَيْت أُمّه ؟ " ثُمَّ قَالَ : " أَيّهَا النَّاس , مَنْ بَعَثْنَاهُ عَلَى عَمَل فَغَلَّ شَيْئًا , جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه يَحْمِلهُ , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ يَأْتِي أَحَدكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه بَعِير لَهُ رُغَاء , أَوْ بَقَرَة تَخُور , أَوْ شَاة تَثْغُو " . 6494 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَابْن نُمَيْر وَعَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي حُمَيْد السَّاعِدِيّ , قَالَ : اِسْتَعْمَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْد , يُقَال لَهُ اِبْن الْأُتْبِيَّة عَلَى صَدَقَات بَنِي سُلَيْم ; فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : هَذَا لَكُمْ , وَهَذَا هَدِيَّة أُهْدِيَتْ لِي . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفَلَا يَجْلِس أَحَدكُمْ فِي بَيْته فَتَأْتِيه هَدِيَّتُهُ ! " ثُمَّ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْد فَإِنِّي أَسْتَعْمِل رِجَالًا مِنْكُمْ عَلَى أُمُور مِمَّا وَلَّانِي اللَّه , فَيَقُول أَحَدهمْ : هَذَا الَّذِي لَكُمْ , وَهَذَا هَدِيَّة أُهْدِيَتْ إِلَيَّ أَفَلَا يَجْلِس فِي بَيْت أَبِيهِ أَوْ بَيْت أُمّه فَتَأْتِيه هَدِيَّته ! وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَا يَأْخُذ أَحَدكُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِلهُ عَلَى عُنُقه , فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ رَجُل يَحْمِل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء , أَوْ بَقَرَة لَهَا خُوَار , أَوْ شَاة تَثْغُو " . ثُمَّ رَفَعَ يَده فَقَالَ : " أَلَا هَلْ بَلَّغْت " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي حُمَيْد , حَدَّثَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث , قَالَ : " أَفَلَا جَلَسْت فِي بَيْت أَبِيك وَأُمّك حَتَّى تَأْتِيك هَدِيَّتك ؟ " ثُمَّ رَفَعَ يَده حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُر إِلَى بَيَاض إِبْطَيْهِ , ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ بَلَّغْت " قَالَ أَبُو حُمَيْد : بَصُرَ عَيْنِي , وَسَمِعَ أُذُنِي . 6495 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ مُوسَى بْن جُبَيْر , حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحُبَاب الْأَنْصَارِيّ , حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس حَدَّثَهُ : أَنَّهُ تَذَاكَرَ هُوَ وَعُمَر يَوْمًا الصَّدَقَة , فَقَالَ : أَلَمْ تَسْمَع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين ذَكَرَ غُلُول الصَّدَقَة : " مَنْ غَلَّ مِنْهَا بَعِيرًا أَوْ شَاة فَإِنَّهُ يَحْمِلهُ يَوْم الْقِيَامَة " ؟ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس : بَلَى . * - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَعْد بْن عُبَادَة مُصَدِّقًا , فَقَالَ : " إِيَّاكَ يَا سَعْد أَنْ تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة بِبَعِيرٍ تَحْمِلهُ لَهُ رُغَاء ! " قَالَ : لَا آخُذهُ وَلَا أَجِئْ بِهِ فَأَعْفَاهُ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة الْحِمْصِيّ أَبُو حُمَيْد , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن رَوْح , قَالَ : ثنا اِبْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن حَفْص , عَنْ نَافِع مَوْلَى اِبْن عُمَر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ اِسْتَعْمَلَ سَعْد بْن عُبَادَة , فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِيَّاكَ يَا سَعْد أَنْ تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة تَحْمِل عَلَى عُنُقك بَعِيرًا لَهُ رُغَاء ! " فَقَالَ سَعْد : فَإِنْ فَعَلْت يَا رَسُول اللَّه إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِن ؟ قَالَ : " نَعَمْ " , قَالَ سَعْد : قَدْ عَلِمْت يَا رَسُول اللَّه أَنِّي أُسْأَل فَأُعْطِي , فَأَعْفِنِي ! فَأَعْفَاهُ . 6496 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حِبَّان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث , قَالَ : ثني جَدِّي عُبَيْد بْن أَبِي عُبَيْد , وَكَانَ أَوَّل مَوْلُود بِالْمَدِينَةِ , قَالَ : اُسْتُعْمِلْت عَلَى صَدَقَة دَوْس , فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَة فِي الْيَوْم الَّذِي خَرَجْت فِيهِ , فَسَلَّمَ , فَخَرَجْت إِلَيْهِ , فَسَلَّمْت عَلَيْهِ , فَقَالَ : كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَعِير ؟ كَيْفَ أَنْتَ وَالْبَقَر ؟ كَيْفَ أَنْتَ وَالْغَنَم ؟ ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت حِبِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَخَذَ بَعِيرًا بِغَيْرِ حَقّه جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة لَهُ رُغَاء , وَمَنْ أَخَذَ بَقَرَة بِغَيْرِ حَقّهَا جَاءَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة لَهَا خُوَار , وَمَنْ أَخَذَ شَاة بِغَيْرِ حَقّهَا جَاءَ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه لَهَا ثُغَاء فَإِيَّاكَ وَالْبَقَر فَإِنَّهَا أَحَدُّ قُرُونًا وَأَشَدُّ أَظْلَافًا ! " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثني مُحَمَّد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث , عَنْ جَدّه عُبَيْد بْن أَبِي عُبَيْد , قَالَ : اُسْتُعْمِلْت عَلَى صَدَقَة دَوْس ; فَلَمَّا قَضَيْت الْعَمَل قَدِمْت , فَجَاءَنِي أَبُو هُرَيْرَة فَسَلَّمَ عَلَيَّ , فَقَالَ : أَخْبِرْنِي كَيْفَ أَنْتَ وَالْإِبِل ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيثه عَنْ زَيْد , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " جَاءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى عُنُقه لَهُ رُغَاء " . 6497 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ قَتَادَة : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا غَنِمَ مَغْنَمًا , بَعَثَ مُنَادِيًا : " أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُل مِخْيَطًا فَمَا دُونه ! أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُل بَعِيرًا فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْره يَوْم الْقِيَامَة لَهُ رُغَاء ! أَلَا لَا يَغُلَّنَّ رَجُل فَرَسًا , فَيَأْتِي بِهِ عَلَى ظَهْره يَوْم الْقِيَامَة لَهُ حَمْحَمَة ! " .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس } ثُمَّ تُعْطَى كُلّ نَفْس جَزَاء مَا كَسَبَتْ بِكَسْبِهَا وَافِيًا غَيْر مَنْقُوص مَا اِسْتَحَقَّهُ وَاسْتَوْجَبَهُ مِنْ ذَلِكَ : { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } يَقُول : لَا يَفْعَل بِهِمْ إِلَّا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَل بِهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَعْتَدِي عَلَيْهِمْ , فَيُنْقَصُوا عَمَّا اِسْتَحَقُّوهُ . كَمَا : 6498 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { ثُمَّ تُوَفَّى كُلّ نَفْس مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } ثُمَّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْر مَظْلُوم وَلَا مُعْتَدَى عَلَيْهِ .
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاء بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُسورة آل عمران الآية رقم 162
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه وَمَأْوَاهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه فِي تَرْك الْغُلُول كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه بِغُلُولِهِ مَا غَلَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6499 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ طَرِيف , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه } قَالَ : مَنْ لَمْ يَغُلّ . { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } كَمَنْ غَلَّ . 6500 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ مُطَرِّف بْن مُطَرِّف , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه } قَالَ : مَنْ أَدَّى الْخَمْس . { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } فَاسْتَوْجَبَ سَخَطًا مِنْ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 6501 - حَدَّثَنِي بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه } عَلَى مَا أَحَبَّ النَّاس وَسَخِطُوا , { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } لِرِضَا النَّاس وَسَخَطهمْ ؟ يَقُول : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي , فَثَوَابه الْجَنَّة وَرِضْوَان مِنْ رَبّه , كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه , فَاسْتَوْجَبَ غَضَبه , وَكَانَ مَأْوَاهُ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير ؟ أَسْوَأ الْمَثَلَانِ ؟ أَيْ فَاعْرِفُوا . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي , قَوْل الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ وَعِيد اللَّه عَلَى الْغُلُول وَنَهْيه عِبَاده عَنْهُ , ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْد نَهْيه عَنْ ذَلِكَ وَوَعِيده , أَسَوَاء الْمُطِيع لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ , وَالْعَاصِي لَهُ فِي ذَلِكَ : أَيْ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ وَلَا تَسْتَوِي حَالَتَاهُمَا عِنْده , لِأَنَّ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّه فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ : الْجَنَّة , وَلِمَنْ عَصَاهُ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ : النَّار . فَمَعْنَى قَوْله : { أَفَمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } إِذا : أَفَمَنْ تَرَكَ الْغُلُول وَمَا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ عَنْ مَعَاصِيه وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه فِي تَرْكه ذَلِكَ وَفِي غَيْره مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ مِنْ فَرَائِضه , مُتَّبِعًا فِي كُلّ ذَلِكَ رِضَا اللَّه , وَمُجْتَنِبًا سَخَطه , { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي : كَمَنْ اِنْصَرَفَ مُتَحَمِّلًا سَخَط اللَّه وَغَضَبه , فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ سُكْنَى جَهَنَّم , يَقُول : لَيْسَا سَوَاء . وَأَمَّا قَوْله : { وَبِئْسَ الْمَصِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَبِئْسَ الْمَصِير الَّذِي يَصِير إِلَيْهِ وَيَئُوب إِلَيْهِ مَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه جَهَنَّم .
هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَسورة آل عمران الآية رقم 163
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَنَّ مَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه , وَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه مُخْتَلِفُو الْمَنَازِل عِنْد اللَّه , فَلِمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه الْكَرَامَة وَالثَّوَاب الْجَزِيل , وَلِمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه الْمَهَانَة وَالْعِقَاب الْأَلِيم . كَمَا : 6502 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ } أَيْ لِكُلٍّ دَرَجَات مِمَّا عَمِلُوا فِي الْجَنَّة وَالنَّار , إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْل طَاعَته مِنْ أَهْل مَعْصِيَته . 6503 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } يَقُول : بِأَعْمَالِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ لَهُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه , يَعْنِي : لِمَنْ اِتَّبَعَ رِضْوَان اللَّه مَنَازِل عِنْد اللَّه كَرِيمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6504 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } قَالَ : هِيَ كَقَوْلِهِ لَهُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه . 6505 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه } يَقُول : لَهُمْ دَرَجَات عِنْد اللَّه . وَقِيلَ قَوْله : { هُمْ دَرَجَات } كَقَوْلِ الْقَائِل : هُمْ طَبَقَات , كَمَا قَالَ اِبْن هَرْمَة : إِنْ حُمَّ الْمَنُون يَكُون قَوْم لِرَيْبِ الدَّهْر أَمْ دَرَج السُّيُول

وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَا يَعْمَل أَهْل طَاعَته وَمَعْصِيَته , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالهمْ شَيْء , يُحْصِي عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَعْمَالهمْ , حَتَّى تُوَفَّى كُلّ نَفْس مِنْهُمْ جَزَاء مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْر وَشَرّ . كَمَا : 6506 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْل طَاعَته مِنْ أَهْل مَعْصِيَته .
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍسورة آل عمران الآية رقم 164
{ لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَقَدْ تَطَوَّلَ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا , حِين أَرْسَلَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ , نَبِيًّا مِنْ أَهْل لِسَانهمْ , وَلَمْ يَجْعَلهُ مِنْ غَيْر أَهْل لِسَانهمْ فَلَا يَفْقَهُوا عَنْهُ مَا يَقُول { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاته } يَقُول : يَقْرَأ عَلَيْهِمْ آيَ كِتَابه وَتَنْزِيله . { وَيُزَكِّيهِمْ } يَعْنِي : يُطَهِّرهُمْ مِنْ ذُنُوبهمْ بِاتِّبَاعِهِمْ إِيَّاهُ , وَطَاعَتهمْ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ { وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } يَعْنِي : وَيُعَلِّمهُمْ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ , وَيُبَيِّن لَهُمْ تَأْوِيله وَمَعَانِيه , وَالْحِكْمَة وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ : السُّنَّة الَّتِي سَنَّهَا اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى لِسَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانه لَهُمْ { وَإِذْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } يَعْنِي : إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل أَنْ يَمُنّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِهِ رَسُوله الَّذِي هَذِهِ صِفَته , لَفِي ضَلَال مُبِين , يَقُول : فِي جَهَالَة جَهْلَاء , وَفِي حَيْرَة عَنْ الْهُدَى عَمْيَاء , لَا يَعْرِفُونَ حَقًّا , وَلَا يُبْطِلُونَ بَاطِلًا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْل الضَّلَالَة فِيمَا مَضَى , وَأَنَّهُ الْأَخْذ عَلَى غَيْر هُدًى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع وَالْمُبِين : الَّذِي يُبَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلِهِ وَتَدَبَّرَهُ بِفَهْمِهِ أَنَّهُ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة وَلَا هُدًى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6507 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ } مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْر دَعْوَة وَلَا رَغْبَة مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , جَعَلَهُ اللَّه رَحْمَة لَهُمْ , لِيُخْرِجَهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور , وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم قَوْله : { وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } الْحِكْمَة : السُّنَّة . { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } لَيْسَ وَاَللَّه كَمَا تَقُول أَهْل حَرُورَاء : مِحْنَة غَالِبَة مَنْ أَخْطَأَهَا أُهْرِيقَ دَمه , وَلَكِنَّ اللَّه بَعَثَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْم لَا يَعْلَمُونَ فَعَلَّمَهُمْ , وَإِلَى قَوْم لَا أَدَب لَهُمْ فَأَدَّبَهُمْ . 6508 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : { لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } إِلَى قَوْله { لَفِي ضَلَال مُبِين } أَيْ لَقَدْ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ يَا أَهْل الْإِيمَان إِذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسكُمْ , يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاته , وَيُزَكِّيكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ , وَفِيمَا عَلِمْتُمْ , وَيُعَلِّمكُمْ الْخَيْر وَالشَّرّ , لِتَعْرِفُوا الْخَيْر فَتَعْمَلُوا بِهِ , وَالشَّرّ فَتَتَّقُوهُ , وَيُخْبِركُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إِذْ أَطَعْتُمُوهُ , لِتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَته , وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَته , فَتَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَته , وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابه مِنْ جَنَّته . { وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل لَفِي ضَلَال مُبِين } أَيْ فِي عَمْيَاء مِنْ الْجَاهِلِيَّة لَا تَعْرِفُونَ حَسَنَة , وَلَا تَسْتَغِيثُونَ مِنْ سَيِّئَة , صُمّ عَنْ الْحَقّ , عُمْي عَنْ الْهُدَى .
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة آل عمران الآية رقم 165
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَوَ حِين أَصَابَتْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مُصِيبَة , وَهِيَ الْقَتْلَى الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ يَوْم أُحُد , وَالْجَرْحَى الَّذِينَ جُرِحُوا مِنْهُمْ بِأُحُدٍ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَتَلُوا مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ نَفَرًا . { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُول : قَدْ أَصَبْتُمْ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْ هَذِهِ الْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابُوا هُمْ مِنْكُمْ , وَهِيَ الْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابَهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } يَعْنِي : قُلْتُمْ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَتكُمْ بِأُحُدٍ : { أَنَّى هَذَا } مِنْ أَيّ وَجْه هَذَا , وَمِنْ أَيْنَ أَصَابَنَا هَذَا الَّذِي أَصَابَنَا , وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ , وَهُمْ مُشْرِكُونَ , وَفِينَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَأْتِيه الْوَحْي مِنْ السَّمَاء , وَعَدُوّنَا أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَشِرْك ؟ قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْمُؤْمِنِينَ بِك مِنْ أَصْحَابك : { هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ : أَصَابَكُمْ هَذَا الَّذِي أَصَابَكُمْ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ , بِخِلَافِكُمْ أَمْرِي , وَتَرْككُمْ طَاعَتِي , لَا مِنْ عِنْد غَيْركُمْ , وَلَا مِنْ قِبَل أَحَد سِوَاكُمْ . { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى جَمِيع مَا أَرَادَ بِخَلْقِهِ مِنْ عَفْو وَعُقُوبَة وَتَفَضُّل وَانْتِقَام قَدِير , يَعْنِي : ذُو قُدْرَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } بَعْد إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيل سَائِر الْآيَة عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ , بِخِلَافِكُمْ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذْ أَشَارَ عَلَيْكُمْ بِتَرْكِ الْخُرُوج إِلَى عَدُوّكُمْ وَالْإِصْحَار لَهُمْ , حَتَّى يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ مَدِينَتكُمْ , وَيَصِيرُوا بَيْن آطَامكُمْ , فَأَبَيْتُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَقُلْتُمْ : اُخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نُصْحِر لَهُمْ فَنُقَاتِلهُمْ خَارِج الْمَدِينَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6509 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } أُصِيبُوا يَوْم أُحُد , قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ يَوْمئِذٍ , وَأَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْم بَدْر , قَتَلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم أُحُد حِين قَدِمَ أَبُو سُفْيَان وَالْمُشْرِكُونَ , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " إِنَّا فِي جُنَّة حَصِينَة " - يَعْنِي بِذَلِكَ : الْمَدِينَة - " فَدَعُوا الْقَوْم أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْنَا نُقَاتِلهُمْ " فَقَالَ نَاس لَهُ مِنْ أَصْحَابه مِنْ الْأَنْصَار : يَا نَبِيّ اللَّه : إِنَّا نَكْرَه أَنْ نَقْتُل فِي طُرُق الْمَدِينَة , وَقَدْ كُنَّا نَمْتَنِع فِي الْغَزْو فِي الْجَاهِلِيَّة , فَبِالْإِسْلَامِ أَحَقّ أَنْ نَمْتَنِع فِيهِ , فَابْرُزْ بِنَا إِلَى الْقَوْم ! فَانْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَبِسَ لَأْمَته , فَتَلَاوَمَ الْقَوْم , فَقَالُوا عَرَّضَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ , وَعَرَّضْتُمْ بِغَيْرِهِ , اِذْهَبْ يَا حَمْزَة فَقُلْ لِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْرنَا لِأَمْرِك تَبَع ! فَأَتَى حَمْزَة فَقَالَ لَهُ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّ الْقَوْم قَدْ تَلَاوَمُوا , وَقَالُوا : أَمْرنَا لِأَمْرِك تَبَع . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَته أَنْ يَضَعهَا حَتَّى يُنَاجِز , وَإِنَّهُ سَتَكُونُ فِيكُمْ مُصِيبه " قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه خَاصَّة أَوْ عَامَّة ؟ قَالَ : " سَتَرَوْنَهَا " . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَام أَنَّ بَقَرًا تُنْحَر , فَتَأَوَّلَهَا قَتْلًا فِي أَصْحَابه . وَرَأَى أَنَّ سَيْفه ذَا الْفَقَار اِنْقَصَمَ , فَكَانَ قَتْل عَمّه حَمْزَة , قُتِلَ يَوْمئِذٍ , وَكَانَ يُقَال لَهُ أَسَد اللَّه . وَرَأَى أَنَّ كَبْشًا عُتِرَ , فَتَأَوَّلَهُ كَبْش الْكَتِيبَة عُثْمَان بْن أَبِي طَلْحَة أُصِيبَ يَوْمئِذٍ , وَكَانَ مَعَهُ لِوَاء الْمُشْرِكِينَ . 6510 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُول : مِثْلَيْ مَا أُصِيبَ مِنْكُمْ , { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } يَقُول : بِمَا عَصَيْتُمْ . 6511 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ يَوْم أُحُد مُصِيبَة , وَكَانُوا قَدْ أَصَابُوا مِثْلَيْهَا يَوْم بَدْر مِمَّنْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } 6512 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عُمَر بْن عَطَاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر سَبْعِينَ , وَأَسَرُوا سَبْعِينَ ; وَقَتَلَ الْمُشْرِكُونَ يَوْم أُحُد مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ , فَذَلِكَ قَوْله : { قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } إِذْ نَحْنُ مُسْلِمُونَ نُقَاتِل غَضَبًا لِلَّهِ , وَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ ; { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } عُقُوبَة لَكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين قَالَ مَا قَالَ . 6513 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { أَوَلَمَّاأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } قَالُوا : فَإِنَّمَا أَصَابَنَا هَذَا , لِأَنَّا قَبِلْنَا الْفِدَاء يَوْم بَدْر مِنْ الْأُسَارَى , وَعَصَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد , فَمَنْ قُتِلَ مِنَّا كَانَ شَهِيدًا , وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا كَانَ مُطَهَّرًا , رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا . 6514 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن وَابْن جُرَيْج , قَالَا : مَعْصِيَتهمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : لَا تَتَّبِعُوهُمْ يَوْم أُحُد فَاتَّبَعُوهُمْ . 6515 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , ثُمَّ ذَكَرَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , يَعْنِي بِأُحُدٍ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ إِنْسَانًا ; { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } كَانُوا يَوْم بَدْر أَسَرُوا سَبْعِينَ رَجُلًا وَقَتَلُوا سَبْعِينَ . { قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا } أَيْ مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ { قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } أَنَّكُمْ عَصَيْتُمْ . 6516 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُول : إِنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْم أُحُد . 6517 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصِيبَة الَّتِي أَصَابَتْهُمْ , فَقَالَ : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ } أَيْ إِنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة فِي إِخْوَانكُمْ فَبِذُنُوبِكُمْ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَتْلًا مِنْ عَدُوّكُمْ فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَ قَبْله بِبَدْرٍ , قَتْلَى وَأَسْرَى , وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتكُمْ وَخِلَافكُمْ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِنَّكُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ . { إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } : أَيْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَة أَوْ عَفْو قَدِير . 6518 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } . .. الْآيَة , يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّكُمْ أَصَبْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر مِثْلَيْ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ يَوْم أُحُد . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ تَأْوِيل ذَلِكَ : قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ بِإِسَارَتِكُمْ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , وَأَخْذكُمْ مِنْهُمْ الْفِدَاء , وَتَرْككُمْ قَتْلهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6519 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ , وَقَتَلُوا سَبْعِينَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِخْتَارُوا أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الْفِدَاء فَتَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى عَدُوّكُمْ , وَإِنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعُونَ أَوْ تَقْتُلُوهُمْ " فَقَالُوا : بَلْ نَأْخُذ الْفِدْيَة مِنْهُمْ , وَيُقْتَل مِنَّا سَبْعُونَ . قَالَ : فَأَخَذُوا الْفِدْيَة مِنْهُمْ , وَقَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ ; قَالَ عَبِيدَة : وَطَلَبُوا الْخِيرَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة أَنَّهُ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْر : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , وَإِنْ شِئْتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ وَاسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ " . قَالُوا : بَلْ نَأْخُذ الْفِدَاء فَنَسْتَمْتِع بِهِ , وَيُسْتَشْهَد مِنَّا بِعِدَّتِهِمْ . 6520 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني إِسْمَاعِيل , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ ; وَحَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ جَرِير , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ : يَا مُحَمَّد إِنَّ اللَّه قَدْ كَرِهَ مَا صَنَعَ قَوْمك فِي أَخْذهمْ الْأُسَارَى , وَقَدْ أَمَرَك أَنْ تُخَيِّرهُمْ بَيْن أَمْرَيْنِ , أَنْ يُقَدَّمُوا فَتُضْرَب أَعْنَاقهمْ , وَبَيْن أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاء عَلَى أَنْ يُقْتَل مِنْهُمْ عِدَّتهمْ . قَالَ : فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ . فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , عَشَائِرنَا وَإِخْوَاننَا , لَا بَلْ نَأْخُذ فَدَاءَهُمْ فَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَال عَدُوّنَا وَيُسْتَشْهَد مِنَّا عِدَّتهمْ , فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَه ! قَالَ : فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْم أُحُد سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّة أُسَارَى أَهْل بَدْر .
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَسورة آل عمران الآية رقم 166
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّه وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَلَّذِي أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ , وَهُوَ يَوْم أُحُد حِين اِلْتَقَى جَمْع الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ . وَيَعْنِي بِاَلَّذِي أَصَابَهُمْ : مَا نَالَ مِنْ الْقَتْل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ , وَمِنْ الْجِرَاح مَنْ جُرِحَ مِنْهُمْ { فَبِإِذْنِ اللَّه } يَقُول : فَهُوَ بِإِذْنِ اللَّه كَانَ , يَعْنِي : بِقَضَائِهِ وَقَدَره فِيكُمْ . وَأَجَابَ " مَا " بِالْفَاءِ , لِأَنَّ " مَا " حَرْف جَزَاء , وَقَدْ بَيَّنْت نَظِير ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل : { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } بِمَعْنَى : وَلِيَعْلَمَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ , وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا , أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ بِأُحُدٍ , لِيَمِيزَ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَيَعْرِفُونَهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَمْر الْفَرِيقَيْنِ . وَقَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } فِيمَا مَضَى وَمَا وَجْه ذَلِكَ , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ اِبْن إِسْحَاق . 6521 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّه وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِين اِلْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي , كَانَ ذَلِكَ حِين فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْد أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي وَصَدَّقْتُمْ وَعْدِي , لِيَمِيزَ بَيْن الْمُنَافِقِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ , { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } مِنْكُمْ , أَيْ لِيُظْهِرُوا مَا فِيهِمْ .
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَسورة آل عمران الآية رقم 167
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ اِدْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمئِذٍ أَقْرَب مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول الْمُنَافِق وَأَصْحَابه الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابه , حِين سَارَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ لِقِتَالِهِمْ , فَقَالَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ : تَعَالَوْا قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ مَعَنَا , أَوْ اِدْفَعُوا بِتَكْثِيرِكُمْ سَوَادنَا ! فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ إِلَيْهِمْ , وَلَكِنَّا مَعَكُمْ عَلَيْهِمْ , وَلَكِنْ لَا نَرَى أَنَّهُ يَكُون بَيْنكُمْ وَبَيْن الْقَوْم قِتَال . فَأَبْدَوْا مِنْ نِفَاق أَنْفُسهمْ مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ , وَأَبْدَوْا بِأَلْسِنَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } غَيْر مَا كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَيُخْفُونَهُ , مِنْ عَدَاوَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل الْإِيمَان بِهِ . كَمَا : 6522 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن شِهَاب الزُّهْرِيّ , وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَيَّان , وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة , وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ وَغَيْرهمْ مِنْ عُلَمَائِنَا كُلّهمْ , قَدْ حَدَّثَ , قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي : حِين خَرَجَ إِلَى أُحُد - فِي أَلْف رَجُل مِنْ أَصْحَابه , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالشَّوْطِ بَيْن أُحُد وَالْمَدِينَة اِنْخَزَلَ عَنْهُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول بِثُلُثِ النَّاس , فَقَالَ أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي , وَاَللَّه مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسنَا هَهُنَا أَيّهَا النَّاس ; فَرَجَعَ بِمَنْ اِتَّبَعَهُ مِنْ النَّاس مِنْ قَوْمه مِنْ أَهْل النِّفَاق وَأَهْل الرَّيْب , وَاتَّبَعَهُمْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام أَخُو بَنِي سَلِمَة , يَقُول : يَا قَوْم أُذَكِّركُمْ اللَّه أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيّكُمْ وَقَوْمكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهُمْ , فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ , وَلَكِنَّا لَا نَرَى أَنْ يَكُون قِتَال . فَلَمَّا اِسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ , وَأَبَوْا إِلَّا الِانْصِرَاف عَنْهُمْ , قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللَّه أَعْدَاء اللَّه , فَسَيُغْنِي اللَّه عَنْكُمْ ! وَمَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6523 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ اِدْفَعُوا } يَعْنِي : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول وَأَصْحَابه , الَّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين سَارَ إِلَى عَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ . وَقَوْله { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } يَقُول : لَوْ نَعْلَم أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ , وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ , وَلَكِنْ لَا نَظُنّ أَنْ يَكُون قِتَال , فَظَهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسهمْ . يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمئِذٍ أَقْرَب مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ } وَلَيْسَ فِي قُلُوبهمْ { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يَكْتُمُونَ } أَيْ يُخْفُونَ . 6524 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي : يَوْم أُحُد - فِي أَلْف رَجُل , وَقَدْ وَعَدَهُمْ الْفَتْح إِنْ صَبَرُوا ; فَلَمَّا خَرَجُوا رَجَعَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول فِي ثَلَثمِائَةٍ , فَتَبِعَهُمْ أَبُو جَابِر السُّلَمِيّ يَدْعُوهُمْ , فَلَمَّا غَلَبُوهُ وَقَالُوا لَهُ : مَا نَعْلَم قِتَالًا , وَلَئِنْ أَطَعْتنَا لَتَرْجِعَنَّ مَعَنَا . . قَالَ : فَذَكَرَ اللَّه أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول , وَقَوْل عَبْد اللَّه بْن جَابِر بْن أَبِي عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ حِين دَعَاهُمْ , فَقَالُوا : مَا نَعْلَم قِتَالًا , وَلَئِنْ أَطَعْتُمُونَا لَتَرْجِعُنَّ مَعَنَا , فَقَالَ : { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسكُمْ الْمَوْت } 3 168 6525 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عِكْرِمَة : { قَالُوا لَوْ نَعْلَم قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد { لَوْ نَعْلَم قِتَالًا } قَالَ : لَوْ نَعْلَم أَنَّا وَاجِدُونَ مَعَكُمْ قِتَالًا , لَوْ نَعْلَم مَكَان قِتَال لَاتَّبَعْنَاكُمْ . وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله { أَوْ اِدْفَعُوا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَوْ كَثِّرُوا , فَإِنَّكُمْ إِذَا كَثَّرْتُمْ دَفَعْتُمْ الْقَوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6526 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ اِدْفَعُوا } يَقُول : أَوْ كَثِّرُوا . 6527 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { أَوْ اِدْفَعُوا } قَالَ : بِكَثْرَتِكُمْ الْعَدُوّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِتَال . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْ رَابِطُوا إِنْ لَمْ تُقَاتِلُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6528 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْآمُلِيّ وَعَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَا : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن ضَمْرَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَوْن الْأَنْصَارِيّ فِي قَوْله : { قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ اِدْفَعُوا } قَالَ : رَابِطُوا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يَكْتُمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَاَللَّه أَعْلَم مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْ الْعَدَاوَة وَالشَّنَآن , وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا قِتَالًا مَا تَبِعُوهُمْ , وَلَا دَافَعُوا عَنْهُمْ , وَهُوَ تَعَالَى ذِكْره مُحِيط بِمَا يُخْفُونَهُ مِنْ ذَلِكَ , مُطَّلِع عَلَيْهِ , وَمُحْصِيه عَلَيْهِمْ حَتَّى يَهْتِك أَسْتَارهمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا , فَيَفْضَحهُمْ بِهِ , وَيُصْلِيهِمْ بِهِ الدَّرْك الْأَسْفَل مِنْ النَّار فِي الْآخِرَة .
الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة آل عمران الآية رقم 168
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : . { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسكُمْ الْمَوْت إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ نَافَقُوا , الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا . فَمَوْضِع " الَّذِينَ " نَصْب عَلَى الْإِبْدَال مِنْ " الَّذِينَ نَافَقُوا " , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى التَّرْجَمَة عَمَّا فِي قَوْله : { يَكْتُمُونَ } مِنْ ذِكْر " الَّذِينَ نَافَقُوا " فَمَعْنَى الْآيَة : وَلِيَعْلَم اللَّه الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي حَرْبهمْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ يَوْم أُحُد , فَقُتِلُوا هُنَالِكَ مِنْ عَشَائِرهمْ وَقَوْمهمْ , { وَقَعَدُوا } يَعْنِي : وَقَعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْقَائِلُونَ مَا قَالُوا مِمَّا أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ مِنْ قِيلهمْ عَنْ الْجِهَاد مَعَ إِخْوَانهمْ وَعَشَائِرهمْ فِي سَبِيل اللَّه : { لَوْ أَطَاعُونَا } يَعْنِي : لَوْ أَطَاعَنَا مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ مِنْ إِخْوَاننَا وَعَشَائِرنَا { مَا قُتِلُوا } يَعْنِي : مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ . قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ الْمُنَافِقِينَ : فَادْرَءُوا , يَعْنِي : فَادْفَعُوا مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَرَأْت عَنْ فُلَان الْقَتْل , بِمَعْنَى : دَفَعْت عَنْهُ , أَدْرَؤُهُ دَرْءًا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَقُول وَقَدْ دَرَأْت لَهَا وَضِينِي أَهَذَا دِينه أَبَدًا وَدِينِي يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ لَهُمْ : فَادْفَعُوا إِنْ كُنْتُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ صَادِقِينَ فِي قِيلكُمْ : لَوْ أَطَاعَنَا إِخْوَاننَا فِي تَرْك الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه مَعَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِتَالهمْ أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْش , مَا قُتِلُوا هُنَالِكَ بِالسَّيْفِ , وَلَكَانُوا أَحْيَاء بِقُعُودِهِمْ مَعَكُمْ وَتَخَلُّفهمْ عَنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُهُود جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مَعَهُ ; الْمَوْت , فَإِنَّكُمْ قَدْ قَعَدْتُمْ عَنْ حَرْبهمْ , وَقَدْ تَخَلَّفْتُمْ عَنْ جِهَادهمْ , وَأَنْتُمْ لَا مَحَالَة مَيِّتُونَ . كَمَا : 6529 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } الَّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرهمْ وَقَوْمهمْ : { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . .. الْآيَة : أَيْ أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْت , فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسكُمْ فَافْعَلُوا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , حِرْصًا عَلَى الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ : الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ هَذَا الْقَوْل هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ : { وَلِيَعْلَم الَّذِينَ نَافَقُوا } . 6530 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . .. الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَدُوّ اللَّه عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . 6531 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هُمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَأَصْحَابه . 6532 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ الَّذِي قَعَدَ وَقَالَ لِإِخْوَانِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أُحُد : { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } . .. الْآيَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول . 6533 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا } . .. الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَدُوّ اللَّه عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ .
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَسورة آل عمران الآية رقم 169
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره { وَلَا تَحْسَبَنَّ } وَلَا تَظُنَّنَّ . كَمَا : 6534 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَا تَحْسَبَنَّ } وَلَا تَظُنَّنَّ . وَقَوْله : { الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي : الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمْوَاتًا } يَقُول : وَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ يَا مُحَمَّد أَمْوَاتًا , لَا يُحِسُّونَ شَيْئًا , وَلَا يَلْتَذُّونَ , وَلَا يَتَنَعَّمُونَ , فَإِنَّهُمْ أَحْيَاء عِنْدِي , مُتَنَعِّمُونَ فِي رِزْقِي , فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ بِمَا آتَيْتهمْ مِنْ كَرَامَتِي وَفَضْلِي , وَحَبَوْتهمْ بِهِ مِنْ جَزِيل ثَوَابِي وَعَطَائِي . كَمَا : 6535 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أُمَيَّة , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر الْمَكِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانكُمْ بِأُحُدٍ , جَعَلَ اللَّه أَرْوَاحهمْ فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر , تَرِد أَنْهَار الْجَنَّة , وَتَأْكُل مِنْ ثِمَارهَا , وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَب فِي ظِلّ الْعَرْش ; فَلَمَّا وَجَدُوا طِيب مَشْرَبهمْ وَمَأْكَلهمْ وَحُسْن مَقِيلهمْ , قَالُوا : يَا لَيْتَ إِخْوَاننَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّه بِنَا ! لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْب , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا أُبَلِّغهُمْ عَنْكُمْ " فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَات . 6536 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَا جَمِيعًا : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبَى الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق بْن الْأَجْدَع , قَالَ : سَأَلْنَا عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , عَنْ هَذِهِ الْآيَات : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } . .. الْآيَة , قَالَ : أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا , فَقِيلَ لَنَا : " إِنَّهُ لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانهمْ بِأُحُدٍ , جَعَلَ اللَّه أَرْوَاحهمْ فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر تَرِد أَنْهَار الْجَنَّة وَتَأْكُل مِنْ ثِمَارهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَب فِي ظِلّ الْعَرْش , فَيَطَّلِع اللَّه إِلَيْهِمْ اِطِّلَاعَة , فَيَقُول : يَا عِبَادِي مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا لَا فَوْق مَا أَعْطَيْتنَا الْجَنَّة , نَأْكُل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا - ثَلَاث مَرَّات - ثُمَّ يَطَّلِع فَيَقُول : يَا عِبَادِي مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا لَا فَوْق مَا أَعْطَيْتنَا الْجَنَّة , نَأْكُل مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا , إِلَّا أَنَّا نَخْتَار أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا , ثُمَّ تَرُدّنَا إِلَى الدُّنْيَا , فَنُقَاتِل فِيك حَتَّى نُقْتَل فِيك مَرَّة أُخْرَى " . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى الْعَبْدِيّ , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْنَا عَبْد اللَّه , عَنْ هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : " إِنِّي قَدْ قَضَيْت أَنْ لَا تَرْجِعُوا " . 6537 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ أَرْوَاح الشُّهَدَاء - وَلَوْلَا عَبْد اللَّه مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحَد - قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد اللَّه فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر , فِي قَنَادِيل تَحْت الْعَرْش , تَسْرَح فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ , ثُمَّ تَرْجِع إِلَى قَنَادِيلهَا , فَيَطَّلِع إِلَيْهَا رَبّهَا , فَيَقُول : مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : نُرِيد أَنْ نَرْجِع إِلَى الدُّنْيَا فَنُقْتَل مَرَّة أُخْرَى . 6538 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , وَعَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاء عَلَى بَارِق : نَهْر بِبَابِ الْجَنَّة فِي قُبَّة خَضْرَاء " وَقَالَ عَبْدَة : " فِي رَوْضَة خَضْرَاء , يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ مِنْ الْجَنَّة بُكْرَة وَعَشِيًّا " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَأَنْبَأَنَا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " فِي قُبَّة خَضْرَاء " وَقَالَ : " يَخْرُج عَلَيْهِمْ فِيهَا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , وَأَنْبَأَنَا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن الْفُضَيْل الْأَنْصَارِيّ عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاء عَلَى بَارِق نَهْر بِبَابِ الْجَنَّة فِي قُبَّة خَضْرَاء يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ مِنْ الْجَنَّة بُكْرَة وَعَشِيًّا " . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني أَيْضًا , يَعْنِي : إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث بْن الْفُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 6539 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : وَحَدَّثَنِي بَعْض أَصْحَابِي , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أُبَشِّرك يَا جَابِر ؟ " قَالَ : قُلْت : بَلَى يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : " إِنَّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدٍ أَحْيَاهُ اللَّه , ثُمَّ قَالَ لَهُ : مَا تُحِبّ يَا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنْ أَفْعَل بِك ؟ قَالَ : يَا رَبّ أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إِلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِل فِيك فَأُقْتَل مَرَّة أُخْرَى " . 6540 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا : يَا لَيْتَنَا نَعْلَم مَا فَعَلَ إِخْوَاننَا الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْم أُحُد ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ الْقُرْآن : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } . كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء تَعَارَف فِي طَيْر بِيض تَأْكُل مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , وَأَنَّ مَسَاكِنهمْ السِّدْرَة . 6541 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , وَأَنْبَأَنَا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : تَعَارَف فِي طَيْر خُضْر وَبِيض وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا : وَذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضهمْ فِي قَوْله : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء } قَالَ : هُمْ قَتْلَى بَدْر وَأُحُد . 6542 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس بْن مَخْرَمَة قَالَ : قَالُوا : يَا رَبّ ! أَلَا رَسُول لَنَا يُخْبِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا بِمَا أَعْطَيْتنَا ؟ فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا رَسُولكُمْ , فَأَمَرَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَأْتِي بِهَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } . .. الْآيَتَيْنِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُرَّة , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ هَذِهِ الْآيَات : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء عِنْد اللَّه كَطَيْرٍ خُضْر , لَهَا قَنَادِيل مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ , تَسْرَح فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ , قَالَ : فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبّك اِطِّلَاعَة فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْء فَأَزِيدكُمُوهُ ؟ قَالُوا : رَبّنَا أَلَسْنَا نَسْرَح فِي الْجَنَّة فِي أَيّهَا شِئْنَا ثُمَّ اِطَّلَعَ عَلَيْهِمْ الثَّالِثَة , فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْء فَأَزِيدكُمُوهُ ؟ قَالُوا : تُعِيد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا , فَنُقَاتِل فِي سَبِيلك مَرَّة أُخْرَى ! فَسَكَتَ عَنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه : أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الثَّالِثَة حِين قَالَ لَهُمْ : هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْء فَأَزِيدكُمُوهُ ؟ قَالُوا : تُقْرِئ نَبِيّنَا عَنَّا السَّلَام , وَتُخْبِرهُ أَنْ قَدْ رَضِينَا وَرُضِيَ عَنَّا ! 6543 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّب الْمُؤْمِنِينَ فِي ثَوَاب الْجَنَّة وَيُهَوِّن عَلَيْهِمْ الْقَتْل : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ , فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْح الْجَنَّة وَفَضْلهَا , مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ ثَوَابه عَلَى جِهَادهمْ عَنْهُ . 6544 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يُرِيهِمْ يَوْمًا كَيَوْمِ بَدْر , يُبْلُونَ فِيهِ خَيْرًا , وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الشَّهَادَة , وَيُرْزَقُونَ فِيهِ الْجَنَّة , وَالْحَيَاة فِي الرِّزْق . فَلَقُوا الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد , فَاِتَّخَذَ اللَّه مِنْهُمْ شُهَدَاء , وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فَقَالَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا } . .. الْآيَة . 6545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ذُكِرَ الشُّهَدَاء , فَقَالَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ } إِلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . زَعَمَ أَنَّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف طَيْر خُضْر فِي قَنَادِيل مِنْ ذَهَب مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ , فَهِيَ تَرْعَى بُكْرَة وَعَشِيَّة فِي الْجَنَّة , تَبِيت فِي الْقَنَادِيل , فَإِذَا سَرَحْنَ نَادَى مُنَادٍ : مَاذَا تُرِيدُونَ ؟ مَاذَا تَشْتَهُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا نَحْنُ فِيمَا اِشْتَهَتْ أَنْفُسنَا ! فَيَسْأَلهُمْ رَبّهمْ أَيْضًا : مَاذَا تَشْتَهُونَ ؟ وَمَاذَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : نَحْنُ فِيمَا اِشْتَهَتْ أَنْفُسنَا ! فَيَسْأَلُونَ الثَّالِثَة فَيَقُولُونَ مَا قَالُوا : وَلَكِنَّا نُحِبّ أَنْ تُرَدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا ! لِمَا يَرَوْنَ مِنْ فَضْل الثَّوَاب . 6546 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا عَبَّاد , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مَا زَالَ اِبْن آدَم يَتَحَمَّد حَتَّى صَارَ حَيًّا مَا يَمُوت ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } 6547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَرْزُوق , قَالَ : ثنا عُمَر بْن يُونُس , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن أَبِي طَلْحَة , قَالَ : ثني أَنَس بْن مَالِك فِي أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْل بِئْر مَعُونَة , قَالَ : لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ , أَوْ سَبْعِينَ , قَالَ : وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاء عَامِر بْن الطُّفَيْل الْجَعْفَرِيّ , فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوْا غَارًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَاء قَعَدُوا فِيهِ , ثُمَّ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَيّكُمْ يُبَلِّغ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْل هَذَا الْمَاء ؟ فَقَالَ - أُرَاهُ أَبُو مِلْحَان الْأَنْصَارِيّ - : أَنَا أُبَلِّغ رِسَالَة رَسُول اللَّه ! فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى حَيًّا مِنْهُمْ , فَاحْتَبَى أَمَام الْبُيُوت , ثُمَّ قَالَ : يَا أَهْل بِئْر مَعُونَة , إِنِّي رَسُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ , إِنِّي أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله , فَآمِنُوا . بِاَللَّهِ وَرَسُوله ! فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُل مِنْ كِسْر الْبَيْت بِرُمْحٍ , فَضَرَبَ بِهِ فِي جَنْبه حَتَّى خَرَجَ مِنْ الشِّقّ الْآخَر , فَقَالَ : اللَّه أَكْبَر , فُزْت وَرَبّ الْكَعْبَة ! فَاتَّبَعُوا أَثَره حَتَّى أَتَوْا أَصْحَابه , فَقَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ عَامِر بْن الطُّفَيْل . قَالَ : قَالَ إِسْحَاق : حَدَّثَنِي أَنَس بْن مَالِك : أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ فِيهِمْ قُرْآنًا رُفِعَ بَعْد مَا قَرَأْنَاهُ زَمَانًا , وَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } 6548 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : لَمَّا أُصِيبَ الَّذِينَ أُصِيبُوا يَوْم أُحُد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَقُوا رَبّهمْ , فَأَكْرَمَهُمْ , فَأَصَابُوا الْحَيَاة وَالشَّهَادَة وَالرِّزْق الطَّيِّب , قَالُوا : يَا لَيْتَ بَيْننَا وَبَيْن إِخْوَاننَا مَنْ يُبَلِّغهُمْ أَنَّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ! فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا رَسُولكُمْ إِلَى نَبِيّكُمْ وَإِخْوَانكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } إِلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } , فَهَذَا النَّبَأ الَّذِي بَلَّغَ اللَّه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ مَا قَالَ الشُّهَدَاء . وَفِي نَصْب قَوْله : { فَرِحِينَ } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى الْخُرُوج مِنْ قَوْله : { عِنْد رَبّهمْ } وَالْآخَر مِنْ قَوْله : { يُرْزَقُونَ } . وَلَوْ كَانَ رَفْعًا بِالرَّدِّ عَلَى قَوْله : " بَلْ أَحْيَاء فَرِحُونَ " كَانَ جَائِزًا .
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَسورة آل عمران الآية رقم 170
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ أَنْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَيَفْرَحُونَ بِمَنْ لَمْ يَلْحَق بِهِمْ مِنْ إِخْوَانهمْ الَّذِينَ فَارَقُوهُمْ وَهُمْ أَحْيَاء فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَاهِجهمْ , مِنْ جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مَعَ رَسُوله , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ اُسْتُشْهِدُوا فَلَحِقُوا بِهِمْ , صَارُوا مِنْ كَرَامَة اللَّه إِلَى مِثْل الَّذِي صَارُوا هُمْ إِلَيْهِ , فَهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَبْشِرُونَ بِهِمْ , فَرِحُونَ أَنَّهُمْ إِذَا صَارُوا كَذَلِكَ , { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : لَا خَوْف عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا عِقَاب اللَّه , وَأَيْقَنُوا بِرِضَاهُ عَنْهُمْ , فَقَدْ أَمِنُوا الْخَوْف الَّذِي كَانُوا يَخَافُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ أَسْبَاب الدُّنْيَا , وَنَكِد عَيْشهَا , لِلْخَفْضِ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ وَالدَّعَة وَالزُّلْفَة , وَنَصْب أَنْ لَا بِمَعْنَى : يَسْتَبْشِرُونَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6549 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } . .. الْآيَة , يَقُول : لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فَارَقُوهُمْ عَلَى دِينهمْ وَأَمْرهمْ لِمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكَرَامَة وَالْفَضْل وَالنَّعِيم الَّذِي أَعْطَاهُمْ . 6550 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } . .. الْآيَة , قَالَ يَقُول : إِخْوَاننَا يُقْتَلُونَ كَمَا قُتِلْنَا , يَلْحَقُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ كَرَامَة اللَّه تَعَالَى مَا أَصَبْنَا . 6551 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا عَنْ بَعْضهمْ فِي قَوْله : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } قَالَ : هُمْ قَتْلَى بَدْر وَأُحُد , زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا قَبَضَ أَرْوَاحهمْ , وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة , جُعِلَتْ أَرْوَاحهمْ فِي طَيْر خُضْر تَرْعَى فِي الْجَنَّة , وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَب تَحْت الْعَرْش . فَلَمَّا رَأَوْا مَا أَعْطَاهُمْ اللَّه مِنْ الْكَرَامَة , قَالُوا : لَيْتَ إِخْوَاننَا الَّذِينَ بَعْدنَا يَعْلَمُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ ! فَإِذَا شَهِدُوا قِتَالًا تَعَجَّلُوا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : إِنِّي مُنْزِل عَلَى نَبِيّكُمْ وَمُخْبِر إِخْوَانكُمْ بِاَلَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ ! فَفَرِحُوا بِهِ وَاسْتَبْشَرُوا , وَقَالُوا : يُخْبِر اللَّه نَبِيّكُمْ وَإِخْوَانكُمْ بِاَلَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ , فَإِذَا شَهِدُوا قِتَالًا أَتَوْكُمْ . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } . .. إِلَى قَوْل : { أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } 6552 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } أَيْ وَيُسَرَّوْنَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ إِخْوَانهمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادهمْ , لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَاب اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُمْ , وَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُمْ الْخَوْف وَالْحَزَن . 6553 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَ اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } قَالَ : هُمْ إِخْوَانهمْ مِنْ الشُّهَدَاء مِمَّنْ يُسْتَشْهَد مِنْ بَعْدهمْ , { لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } حَتَّى بَلَغَ : { وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } 6554 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا { يَسْتَبْشِرُونَ بِاَلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفهمْ } , فَإِنَّ الشَّهِيد يُؤْتَى بِكِتَابٍ فِيهِ مَنْ يَقْدَم عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانه وَأَهْله , فَيُقَال : يَقْدَم عَلَيْك فُلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا , وَيَقْدَم عَلَيْك فُلَان يَوْم كَذَا وَكَذَا ! فَيَسْتَبْشِر حِين يَقْدَم عَلَيْهِ , كَمَا يَسْتَبْشِر أَهْل الْغَائِب بِقُدُومِهِ فِي الدُّنْيَا .
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَسورة آل عمران الآية رقم 171
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { يَسْتَبْشِرُونَ } يَفْرَحُونَ , { بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي بِمَا حَبَاهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْره مِنْ عَظِيم كَرَامَته عِنْد وُرُودهمْ عَلَيْهِ , { وَفَضْل } يَقُول : وَبِمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضْل وَجَزِيل الثَّوَاب عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّه وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِهَاد أَعْدَائِهِ . { وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } . كَمَا : 6555 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل } . . الْآيَة , لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاء الْمَوْعُود وَعَظِيم الثَّوَاب . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } , فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضهمْ بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنَّ " بِمَعْنَى يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل , وَبِأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ . وَبِكَسْرِ الْأَلِف عَلَى الِاسْتِئْنَاف ; وَاحْتَجَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِأَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَفَضْل وَاَللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ " قَالُوا : فَذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : " وَإِنَّ اللَّه " مُسْتَأْنَف غَيْر مُتَّصِل بِالْأَوَّلِ . وَمَعْنَى قَوْله : { لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ } لَا يُبْطِل جَزَاء أَعْمَال مَنْ صَدَّقَ رَسُوله وَاتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ عِنْد اللَّه . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَأَنَّ اللَّه } بِفَتْحِ الْأَلِف , لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى ذَلِكَ .
الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 172
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ , الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَالرَّسُول , مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْجَرْح وَالْكُلُوم ; وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد فِي طَلَب الْعَدُوّ أَبِي سُفْيَان , وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش مُنْصَرَفهمْ عَنْ أُحُد ; وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان لَمَّا اِنْصَرَفَ عَنْ أُحُد خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَره حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَة أَمْيَال مِنْ الْمَدِينَة , لِيُرِيَ النَّاس أَنَّ بِهِ وَأَصْحَابه قُوَّة عَلَى عَدُوّهُمْ . كَاَلَّذِي . 6556 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني حَسَّان بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ يَوْم أُحُد السَّبْت لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّال ; فَلَمَّا كَانَ الْغَد مِنْ يَوْم أُحُد , يَوْم الْأَحَد لِسِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَة مَضَتْ مِنْ شَوَّال أَذَّنَ مُؤَذِّن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس بِطَلَبِ الْعَدُوّ , وَأَذَّنَ مُؤَذِّنه أَنْ لَا يَخْرُجْنَ مَعَنَا أَحَد إِلَّا مَنْ حَضَرَ يَوْمنَا بِالْأَمْسِ , فَكَلَّمَهُ جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن حَرَام , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبِي كَانَ خَلَّفَنِي عَلَى أَخَوَات لِي سَبْع وَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُك هَؤُلَاءِ النِّسْوَة لَا رَجُل فِيهِنَّ , وَلَسْت بِاَلَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِي , فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتك ! فَتَخَلَّفْت عَلَيْهِنَّ . فَأَذِنَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَخَرَجَ مَعَهُ . وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ , لِيُبَلِّغهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبهمْ لِيَظُنُّوا بِهِ قُوَّة , وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِهِمْ عَنْ عَدُوّهُمْ . 6557 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : فَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن خَارِجَة بْن زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ أَبِي السَّائِب مَوْلَى عَائِشَة بِنْت عُثْمَان : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي عَبْد الْأَشْهَل كَانَ شَهِدَ أُحُدًا , قَالَ : شَهِدْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحُدًا أَنَا وَأَخ لِي , فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ ; فَلَمَّا أَذِنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَب الْعَدُوّ , قُلْت لِأَخِي , أَوْ قَالَ لِي : أَتَفُوتُنَا غَزْوَة مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَاَللَّه مَا لَنَا مِنْ دَابَّة نَرْكَبهَا وَمَا مِنَّا إِلَّا جَرِيح ثَقِيل ! فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكُنْت أَيْسَر جُرْحًا مِنْهُ , فَكُنْت إِذَا غَلَبَ حَمَلْته عُقْبَة وَمَشَى عُقْبَة , حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى مَا اِنْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ , فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد , وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَة عَلَى ثَمَانِيَة أَمْيَال , فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا : الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة . 6558 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : فَقَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } أَيْ الْجِرَاح , وَهُمْ الَّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَد مِنْ يَوْم أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمْ الْجِرَاح { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيم } 6559 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } . .. الْآيَة , وَذَلِكَ يَوْم أُحُد بَعْد الْقَتْل وَالْجِرَاح , وَبَعْد مَا اِنْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه , فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا عِصَابَة تَشُدّ لِأَمْرِ اللَّه تَطْلُب عَدُوّهَا ؟ فَإِنَّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ , وَأَبْعَد لِلسَّمْعِ " فَانْطَلَقَ عِصَابَة مِنْهُمْ عَلَى مَا يَعْلَم اللَّه تَعَالَى مِنْ الْجَهْد . 6560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : اِنْطَلَقَ أَبُو سُفْيَان مُنْصَرِفًا مِنْ أُحُد حَتَّى بَلَغَ بَعْض الطَّرِيق . ثُمَّ إِنَّهُمْ نَدِمُوا , وَقَالُوا : بِئْسَمَا صَنَعْتُمْ إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ , حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّرِيد تَرَكْتُمُوهُمْ , اِرْجِعُوا وَاسْتَأْصِلُوهُمْ ! فَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , فَهُزِمُوا . فَأَخْبَرَ اللَّه رَسُوله , فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد , ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاء الْأَسَد , فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } 6561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَذَفَ فِي قَلْب أَبِي سُفْيَان الرُّعْب - يَعْنِي : يَوْم أُحُد - بَعْد مَا كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ , فَرَجَعَ إِلَى مَكَّة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَبَا سُفْيَان قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفًا وَقَدْ رَجَعَ وَقَذَفَ اللَّه فِي قَلْبه الرُّعْب " . وَكَانَتْ وَقْعَة أُحُد فِي شَوَّال , وَكَانَ التُّجَّار يَقْدَمُونَ الْمَدِينَة فِي ذِي الْقَعْدَة , فَيَنْزِلُونَ بِبَدْرٍ الصُّغْرَى فِي كُلّ سَنَة مَرَّة . وَإِنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْد وَقْعَة أُحُد , وَكَانَ أَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الْقَرْح , وَاشْتَكَوْا ذَلِكَ إِلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَصَابَهُمْ . وَإِنَّ رَسُول اللَّه نَدَبَ النَّاس لِيَنْطَلِقُوا مَعَهُ , وَيَتْبَعُوا مَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ , وَقَالَ " إِنَّمَا يَرْتَجِلُونَ الْآن فَيَأْتُونَ الْحَجّ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلهَا حَتَّى عَام مُقْبِل " فَجَاءَ الشَّيْطَان فَخَوَّفَ أَوْلِيَاءَهُ فَقَالَ : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ . فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاس أَنْ يَتَّبِعُوهُ , فَقَالَ : " إِنِّي ذَاهِب وَإِنْ لَمْ يَتْبَعنِي أَحَد لِأُحَضِّضَ النَّاس " فَانْتَدَبَ مَعَهُ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ , وَالزُّبَيْر وَسَعْد وَطَلْحَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَأَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح فِي سَبْعِينَ رَجُلًا . فَسَارُوا فِي طَلَب أَبِي سُفْيَان , فَطَلَبُوهُ حَتَّى بَلَغُوا الصَّفْرَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْر عَظِيم } 6562 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو سَعِيد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّه بْن الزُّبَيْر : يَا اِبْن أُخْتِي , أَمَا وَاَللَّه إِنَّ أَبَاك وَجَدّك - تَعْنِي : أَبَا بَكْر وَالزُّبَيْر - مِمَّنْ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } 6563 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أُخْبِرْت أَنَّ أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب لَمَّا رَاحَ هُوَ وَأَصْحَابه يَوْم أُحُد قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُمْ عَامِدُونَ إِلَى الْمَدِينَة , فَقَالَ : " إِنْ رَكِبُوا الْخَيْل وَتَرَكُوا الْأَثْقَال فَإِنَّهُمْ عَامِدُونَ إِلَى الْمَدِينَة , وَإِنْ جَلَسُوا عَلَى الْأَثْقَال وَتَرَكُوا الْخَيْل فَقَدْ أَرْعَبَهُمْ اللَّه وَلَيْسُوا بِعَامِدِيهَا " , فَرَكِبُوا الْأَثْقَال , فَرَعَبَهُمْ اللَّه . ثُمَّ نَدَبَ نَاسًا يَتَّبِعُونَهُمْ لِيَرَوْا أَنَّ بِهِمْ قُوَّة , فَاتَّبَعُوهُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَنَزَلَتْ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } * - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ لِي عَائِشَة : إِنْ كَانَ أَبَوَاك لَمِنْ الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح . تَعْنِي : أَبَا بَكْر وَالزُّبَيْر . 6564 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه مِنْ الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول . فَوَعَدَ تَعَالَى ذِكْره مُحْسِن مَنْ ذَكَرْنَا أَمْره مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } إِذَا اِتَّقَى اللَّه فَخَافَهُ , فَأَدَّى فَرَائِضه وَأَطَاعَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ عُمْره أَجْرًا عَظِيمًا , وَذَلِكَ الثَّوَاب الْجَزِيل , وَالْجَزَاء الْعَظِيم , عَلَى مَا قَدَّمَ مِنْ صَالِح أَعْمَاله فِي الدُّنْيَا .
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُسورة آل عمران الآية رقم 173
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَأَنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ , وَاَلَّذِينَ فِي مَوْضِع خَفْض مَرْدُود عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَهَذِهِ الصِّفَة مِنْ صِفَة الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول وَالنَّاس الْأُوَل هُمْ قَوْم فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , كَانَ أَبُو سُفْيَان سَأَلَهُمْ أَنْ يُثَبِّطُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبه بَعْد مُنْصَرَفه عَنْ أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد ; وَالنَّاس الثَّانِي : هُمْ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْش الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِأُحُدٍ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } قَدْ جَمَعُوا الرِّجَال لِلِقَائِكُمْ , وَالْكَرَّة إِلَيْكُمْ لِحَرْبِكُمْ { فَاخْشَوْهُمْ } يَقُول : فَاحْذَرُوهُمْ , وَاتَّقُوا لِقَاءَهُمْ , فَإِنَّهُ لَا طَاقَة لَكُمْ بِهِمْ , { فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } يَقُول : فَزَادَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَخْوِيف مَنْ خَوَّفَهُمْ أَمْر أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَقِينًا إِلَى يَقِينهمْ , وَتَصْدِيقًا لِلَّهِ وَلِوَعْدِهِ وَوَعْد رَسُوله إِلَى تَصْدِيقهمْ , وَلَمْ يُثْنِهِمْ ذَلِكَ عَنْ وَجْههمْ الَّذِي أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْرِ فِيهِ , وَلَكِنْ سَارُوا حَتَّى بَلَغُوا رِضْوَان اللَّه مِنْهُ , وَقَالُوا ثِقَة بِاَللَّهِ , وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ , إِذْ خَوَّفَهُمْ مَنْ خَوَّفَهُمْ أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : حَسْبنَا اللَّه : كَفَانَا اللَّه , يَعْنِي : يَكْفِينَا اللَّه ; وَنِعْمَ الْوَكِيل , يَقُول : وَنِعْمَ الْمَوْلَى لِمَنْ وَلِيَهُ وَكَفَلَهُ ; وَإِنَّمَا وَصَفَ تَعَالَى نَفْسه بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَكِيل فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ الْمُسْنَد إِلَيْهِ الْقِيَام بِأَمْرِ مَنْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ الْقِيَام بِأَمْرِهِ ; فَلَمَّا كَانَ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَات قَدْ كَانُوا فَوَّضُوا أَمْرهمْ إِلَى اللَّه , وَوَثِقُوا بِهِ , وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ إِلَيْهِ وَصَفَ نَفْسه بِقِيَامِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ , وَتَفْوِيضهمْ أَمْرهمْ إِلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ , فَقَالَ : وَنِعْمَ الْوَكِيل اللَّه تَعَالَى لَهُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَ مَنْ قَالَ لِأَصْحَابِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي وَجْههمْ الَّذِي خَرَجُوا فِيهِ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد فِي طَلَب أَبِي سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَذِكْر السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ ذَلِكَ , وَمَنْ قَائِله : 6565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم , قَالَ : مَرَّ بِهِ , يَعْنِي بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْبَد الْخُزَاعِيّ بِحَمْرَاءَ الْأَسَد , وَكَانَتْ خُزَاعَة مُسْلِمهمْ وَمُشْرِكهمْ عَيْبَة نُصْح لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتِهَامَةَ صَفْقَتهمْ مَعَهُ , لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ بِهَا , وَمَعْبَد يَوْمئِذٍ مُشْرِك , فَقَالَ : وَاَللَّه يَا مُحَمَّد , أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك فِي أَصْحَابك , وَلَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّه كَانَ أَعْفَاك فِيهِمْ ! ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَمْرَاء الْأَسَد , حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب وَمَنْ مَعَهُ بِالرَّوْحَاءِ , قَدْ أَجْمَعُوا الرَّجْعَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَقَالُوا : أَصَبْنَا فِي أُحُد أَصْحَابه وَقَادَتهمْ وَأَشْرَافهمْ , ثُمَّ نَرْجِع قَبْل أَنْ نَسْتَأْصِلهُمْ ! لَنَكِرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتهمْ فَلَنَفْرُغَنَّ مِنْهُمْ . فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَان مَعْبَدًا , قَالَ : مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَد ؟ قَالَ : مُحَمَّد قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابه يَطْلُبكُمْ فِي جَمْع لَمْ أَرَ مِثْله قَطُّ , يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرُّقًا , قَدْ اِجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي يَوْمكُمْ , وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا , فَهُمْ مِنْ الْحَنَق عَلَيْكُمْ بِشَيْءٍ لَمْ أَرَ مِثْله قَطُّ . قَالَ : وَيَلِك مَا تَقُول ؟ قَالَ : وَاَللَّه مَا أَرَاك تَرْتَحِل حَتَّى تَرَى نَوَاصِي الْخَيْل . قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرَّة عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتهمْ . قَالَ : فَإِنِّي أَنْهَاك عَنْ ذَلِكَ ! فَوَاَللَّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت عَلَى أَنْ قُلْت فِيهِ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْر , قَالَ : وَمَا قُلْت ؟ قَالَ , قُلْت , كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَات رَاحِلَتِي إِذْ سَالَتْ الْأَرْض بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيل تُرْدِي بِأَسَدٍ كِرَام لَا تَنَابِلَة عِنْد اللِّقَاء وَلَا مِيل مَعَازِيل فَظَلْت عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْض مَائِلَة لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْر مَخْذُول فَقُلْت وَيْل اِبْن حَرْب مِنْ لِقَائِكُمْ إِذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاء بِالْجِيلِ إِنِّي نَذِير لِأَهْلِ الْبَسْل ضَاحِيَة لِكُلِّ ذِي إِرْبَة مِنْهُمْ وَمَعْقُول مِنْ جَيْش أَحْمَد لَا وَخْش تَنَابِلَة وَلَيْسَ يُوصَف مَا أَنْذَرْت بِالْقِيلِ قَالَ : فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ , وَمَرَّ بِهِ رَكْب مِنْ عَبْد الْقَيْس . فَقَالَ , أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيد الْمَدِينَة . قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيد الْمِيرَة . قَالَ : فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا رِسَالَة أُرْسِلكُمْ بِهَا , وَأُحَمِّل لَكُمْ إِبِلكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إِذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : فَإِذَا جِئْتُمُوهُ , فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا لِلسَّيْرِ إِلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابه لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتهمْ ! فَمَرَّ الرَّكْب بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَد , فَأَخْبَرُوهُ بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَان , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل " . 6566 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : فَقَالَ اللَّه : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } . وَالنَّاس الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ مَا قَالُوا : النَّفَر مِنْ عَبْد الْقَيْس , الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَان مَا قَالَ , إِنَّ أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إِلَيْكُمْ , يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } . .. الْآيَة . 6567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا نَدِمُوا - يَعْنِي : أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه - عَلَى الرُّجُوع عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَقَالُوا : اِرْجِعُوا فَاسْتَأْصِلُوهُمْ ! فَقَذَفَ اللَّه فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب , فَهُزِمُوا , فَلَقُوا أَعْرَابِيًّا , فَحَمَلُوا لَهُ جُعْلًا : إِنْ لَقِيت مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه , فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّا قَدْ جَمَعْنَا لَهُمْ . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاء الْأَسَد , فَلَقُوا الْأَعْرَابِيّ فِي الطَّرِيق , فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَر , فَقَالُوا : " حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل " ثُمَّ رَجَعُوا مِنْ حَمْرَاء الْأَسَد , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي الْأَعْرَابِيّ الَّذِي لَقِيَهُمْ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } 6568 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : اِسْتَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان فِي مُنْصَرَفه مِنْ أَحَد عِيرًا وَارِدَة الْمَدِينَة بِبِضَاعَةٍ لَهُمْ وَبَيْنهمْ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِبَال , فَقَالَ : إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ رِضَاكُمْ إِنْ أَنْتُمْ رَدَدْتُمْ عَنِّي مُحَمَّدًا وَمَنْ مَعَهُ إِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمُوهُ فِي طَلَبِي وَأَخْبَرْتُمُوهُ أَنِّي قَدْ جَمَعْت لَهُ جُمُوعًا كَثِيرَة ! فَاسْتَقْبَلَتْ الْعِير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالُوا لَهُ : يَا مُحَمَّد إِنَّا نُخْبِرك أَنَّ أَبَا سُفْيَان قَدْ جَمَعَ لَك جُمُوعًا كَثِيرَة , وَأَنَّهُ مُقْبِل إِلَى الْمَدِينَة , وَإِنْ شِئْت أَنْ تَرْجِع فَافْعَلْ . وَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا يَقِينًا , { وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } . .. الْآيَة . 6569 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : اِنْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِصَابَة مِنْ أَصْحَابه بَعْدَمَا اِنْصَرَفَ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ أُحُد خَلْفهمْ , حَتَّى كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَة , فَجَعَلَ الْأَعْرَاب وَالنَّاس يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ , فَيَقُولُونَ لَهُمْ : هَذَا أَبُو سُفْيَان مَائِل عَلَيْكُمْ بِالنَّاسِ , فَقَالُوا : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُ فِي غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى وَذَلِكَ فِي مَسِير النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام قَابِل مِنْ وَقْعَة أُحُد لِلِقَاءِ عَدُوّهُ أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه لِلْمَوْعِدِ الَّذِي كَانَ وَاعَدَهُ الِالْتِقَاء بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6570 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } قَالَ : هَذَا أَبُو سُفْيَان , قَالَ لِمُحَمَّدٍ : مَوْعِدكُمْ بَدْر حَيْثُ قَتَلْتُمْ أَصْحَابنَا ! فَقَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَسَى ! " فَانْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْعِدِهِ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا , فَوَافَقُوا السُّوق فِيهَا , وَابْتَاعُوا ; فَذَلِكَ قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } وَهِيَ غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى . 6571 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : وَهِيَ بَدْر الصُّغْرَى . قَالَ اِبْن جُرَيْج : لَمَّا عَمَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَان , فَجَعَلُوا يَلْقَوْنَ الْمُشْرِكِينَ , وَيَسْأَلُونَهُمْ عَنْ قُرَيْش , فَيَقُولُونَ : { قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } يَكِيدُونَهُمْ بِذَلِكَ , يُرِيدُونَ أَنْ يُرْعِبُوهُمْ , فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } حَتَّى قَدِمُوا بَدْرًا , فَوَجَدُوا أَسْوَاقهَا عَافِيَة لَمْ يُنَازِعهُمْ فِيهَا أَحَد . قَالَ : وَقَدِمَ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَخْبَرَ أَهْل مَكَّة بِخَيْلِ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَالَ فِي ذَلِكَ : نَفَرَتْ قُلُوصِي عَنْ خُيُول مُحَمَّد وَعَجْوَة مَنْثُورَة كَالْعَنْجَدِ وَاِتَّخَذَتْ مَاء قُدَيْد مَوْعِدِي قَالَ أَبُو جَعْفَر : هَكَذَا أَنْشَدَنَا الْقَاسِم , وَهُوَ خَطَأ , وَإِنَّمَا هُوَ : قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمَّد وَعَجْوَة مِنْ يَثْرِب كَالْعَنْجَدِ تَهْوِي عَلَى دِين أَبِيهَا الْأَتْلَد قَدْ جَعَلَ مَاء قُدَيْد مَوْعِدِي وَمَاء ضَجْنَان لَهَا ضُحَى الْغَد 6572 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَتْ بَدْر مَتْجَرًا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَخَرَجَ نَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُونَهُ , وَلَقِيَهُمْ نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا لَهُمْ : { إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } , فَأَمَّا الْجَبَان فَرَجَعَ , وَأَمَّا الشُّجَاع فَأَخَذَ الْأُهْبَة لِلْقِتَالِ وَأُهْبَة التِّجَارَة , { وَقَالُوا حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } , فَأَتَوْهُمْ فَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : { إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } قَالَ اِبْن يَحْيَى , قَالَ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ اِبْن عُيَيْنَة : وَأَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : هِيَ كَلِمَة إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين أُلْقِيَ فِي النَّار , فَقَالَ : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الَّذِي قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ أَنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ , كَانَ فِي حَال خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَخُرُوج مَنْ خَرَجَ مَعَهُ فِي أَثَر أَبِي سُفْيَان , وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش مُنْصَرَفهمْ عَنْ أُحُد إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا مَدَحَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِقِيلِهِمْ : { حَسْبنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل } لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ , بَعْد الَّذِي قَدْ كَانَ نَالَهُمْ مِنْ الْقُرُوح وَالْكُلُوم , بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح } وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصِّفَة إِلَّا صِفَة مَنْ تَبِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَرْحَى أَصْحَابه بِأُحُدٍ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد . وَأَمَّا قَوْل الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ إِلَى غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى , فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ جَرِيح , إِلَّا جَرِيح قَدْ تَقَادَمَ اِنْدِمَال جُرْحه , وَبَرَأَ كَلْمه , وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا خَرَجَ إِلَى بَدْر الْخَرْجَة الثَّانِيَة إِلَيْهَا لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَان الَّذِي كَانَ وَاعَدَهُ اللِّقَاء بِهَا بَعْد سَنَة مِنْ غَزْوَة أُحُد فِي شَعْبَان سَنَة أَرْبَع مِنْ الْهِجْرَة , وَذَلِكَ أَنَّ وَقْعَة أُحُد كَانَتْ فِي النِّصْف مِنْ شَوَّال مِنْ سَنَة ثَلَاث , وَخُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَزْوَةِ بَدْر الصُّغْرَى إِلَيْهَا فِي شَعْبَان مِنْ سَنَة أَرْبَع , وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن ذَلِكَ وَقْعَة مَعَ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ بَيْنهمْ فِيهَا حَرْب جُرِحَ فِيهَا أَصْحَابه , وَلَكِنْ قَدْ كَانَ قُتِلَ فِي وَقْعَة الرَّجِيع مِنْ أَصْحَابه جَمَاعَة لَمْ يَشْهَد أَحَد مِنْهُمْ غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى , وَكَانَتْ وَقْعَة الرَّجِيع فِيمَا بَيْن وَقْعَة أُحُد وَغَزْوَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْر الصُّغْرَى .
فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍسورة آل عمران الآية رقم 174
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه } فَانْصَرَفَ الَّذِينَ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول مِنْ بَعْد مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْح مِنْ وَجْههمْ الَّذِي تَوَجَّهُوا فِيهِ , وَهُوَ سَيْرهمْ فِي أَثَر عَدُوّهُمْ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد . { بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه } يَعْنِي : بِعَافِيَةٍ مِنْ رَبّهمْ لَمْ يَلْقَوْا بِهَا عَدُوًّا . { وَفَضْل } يَعْنِي : أَصَابُوا فِيهَا مِنْ الْأَرْبَاح بِتِجَارَتِهِمْ الَّتِي اِتَّجَرُوا بِهَا , وَالْأَجْر الَّذِي اِكْتَسَبُوهُ . { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } يَعْنِي : لَمْ يَنَلْهُمْ بِهَا مَكْرُوه مِنْ عَدُوّهُمْ وَلَا أَذًى . { وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ أَرْضَوْا اللَّه بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ وَاتِّبَاعهمْ رَسُوله إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ اِتِّبَاع أَثَر الْعَدُوّ وَطَاعَتهمْ . { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو إِحْسَان وَطَوْل عَلَيْهِمْ بِصَرْفِ عَدُوّهُمْ الَّذِي كَانُوا قَدْ هَمُّوا بِالْكَرَّةِ إِلَيْهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَيَادِيه عِنْدهمْ , وَعَلَى غَيْرهمْ بِنِعَمِهِ , عَظِيم عِنْد مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6573 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل } قَالَ : وَالْفَضْل : مَا أَصَابُوا مِنْ التِّجَارَة وَالْأَجْر . 6574 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : وَافَقُوا السُّوق فَابْتَاعُوا , وَذَلِكَ قَوْله : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل } قَالَ : الْفَضْل مَا أَصَابُوا مِنْ التِّجَارَة وَالْأَجْر . قَالَ اِبْن جُرَيْج : مَا أَصَابُوا مِنْ الْبَيْع نِعْمَة مِنْ اللَّه وَفَضْل , أَصَابُوا عَفَوْهُ وَعِزَّته , لَا يُنَازِعهُمْ فِيهِ أَحَد . قَالَ : وَقَوْله : { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } قَالَ : قَتْل , { وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه } قَالَ : طَاعَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 6575 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } لِمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاء عَدُوّهُمْ . 6576 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَطَاعُوا اللَّه , وَابْتَغَوْا حَاجَتهمْ , وَلَمْ يُؤْذِهِمْ أَحَد . { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه وَاَللَّه ذُو فَضْل عَظِيم } 6577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أُعْطِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي : حِين خَرَجَ إِلَى غَزْوَة بَدْر الصُّغْرَى - بِبَدْرٍ دَرَاهِم اِبْتَاعُوا بِهَا مَوْسِم بَدْر , فَأَصَابُوا تِجَارَة ; فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّه وَفَضْل لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَاتَّبَعُوا رِضْوَان اللَّه } أَمَّا النِّعْمَة : فَهِيَ الْعَافِيَة , وَأَمَّا الْفَضْل : فَالتِّجَارَة , وَالسُّوء : الْقَتْل .
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة آل عمران الآية رقم 175
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا الَّذِي قَالَ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ , فَخَوَّفُوكُمْ بِجُمُوع عَدُوّكُمْ , وَمَسِيرهمْ إِلَيْكُمْ , مِنْ فِعْل الشَّيْطَان , أَلْقَاهُ عَلَى أَفْوَاه مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَكُمْ , يُخَوِّفكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَبِي سُفْيَان وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْش , لِتَرْهَبُوهُمْ , وَتَجَنَّبُوا عَنْهُمْ . كَمَا : 6578 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يُخَوِّف وَاَللَّه الْمُؤْمِن بِالْكَافِرِ , وَيُرْهِب الْمُؤْمِن بِالْكَافِرِ . 6579 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } قَالَ : يُخَوِّف الْمُؤْمِنِينَ بِالْكُفَّارِ . 6580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يَقُول : الشَّيْطَان يُخَوِّف الْمُؤْمِنِينَ بِأَوْلِيَائِهِ . 6581 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } : أَيْ أُولَئِكَ الرَّهْط , يَعْنِي : النَّفَر مِنْ عَبْد الْقَيْس الَّذِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوا , وَمَا أَلْقَى الشَّيْطَان عَلَى أَفْوَاههمْ , { يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يُرْهِبكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ . 6582 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ عَتَّاب بْن بَشِير , مَوْلَى قُرَيْش , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , فِي قَوْله : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } قَالَ : يُخَوِّفكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُعَظِّم أَمْر الْمُشْرِكِينَ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ فِي أَنْفُسكُمْ فَتَخَافُونَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ذِكْر أَمْر الْمُشْرِكِينَ وَعِظَمهمْ فِي أَعْيُن الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } يُعَظِّم أَوْلِيَاءَهُ فِي صُدُوركُمْ فَتَخَافُونَهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } وَهَلْ يُخَوِّف الشَّيْطَان أَوْلِيَاءَهُ ؟ قِيلَ : إِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يُخَوِّفكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ . قِيلَ ذَلِكَ نَظِير قَوْله : { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا } 18 2 بِمَعْنَى : لِيُنْذِرَكُمْ بَأْسه الشَّدِيد , وَذَلِكَ أَنَّ الْبَأْس لَا يُنْذِر , وَإِنَّمَا يُنْذَر بِهِ . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : يُخَوِّف النَّاس أَوْلِيَاءَهُ , كَقَوْلِ الْقَائِل : هُوَ يُعْطِي الدَّرَاهِم , وَيَكْسُو الثِّيَاب , بِمَعْنَى : هُوَ يُعْطِي النَّاس الدَّرَاهِم , وَيَكْسُوهُمْ الثِّيَاب , فَحُذِفَ ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ . وَلَيْسَ الَّذِي شَبَّهَ ذَلِكَ بِمُشَبِّهٍ , لِأَنَّ الدَّرَاهِم فِي قَوْل الْقَائِل : هُوَ يُعْطِي الدَّرَاهِم مَعْلُوم أَنَّ الْمُعْطَى هِيَ الدَّرَاهِم , وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَوْلِيَاء فِي قَوْله : { يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } مُخَوِّفِينَ , بَلْ التَّخْوِيف مِنْ الْأَوْلِيَاء لِغَيْرِهِمْ , فَلِذَلِكَ اِفْتَرَقَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَقُول : فَلَا تَخَافُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِكِينَ , وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكُمْ أَمْرهمْ , وَلَا تَرْهَبُوا جَمْعهمْ مَعَ طَاعَتكُمْ إِيَّايَ , مَا أَطَعْتُمُونِي , وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرِي , وَإِنِّي مُتَكَفِّل لَكُمْ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَر , وَلَكِنْ خَافُونِ , وَاتَّقُوا أَنْ تَعْصُونِي وَتُخَالِفُوا أَمْرِي , فَتَهْلِكُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . يَقُول : وَلَكِنْ خَافُونِي دُون الْمُشْرِكِينَ , وَدُون جَمِيع خَلْقِي أَنْ تُخَالِفُوا أَمْرِي إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِي رَسُولِي وَمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي .
وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 176
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَحْزُنك يَا مُحَمَّد كُفْر الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابهمْ مِنْ أَهْل النِّفَاق , فَإِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّه بِمُسَارَعَتِهِمْ فِي الْكُفْر شَيْئًا , كَمَا أَنَّ مُسَارَعَتهمْ لَوْ سَارَعُوا إِلَى الْإِيمَان لَمْ تَكُنْ بِنَافِعَتِهِ , كَذَلِكَ مُسَارَعَتهمْ إِلَى الْكُفْر غَيْر ضَارَّته . كَمَا : 6584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } يَعْنِي : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . 6585 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَا يَحْزُنك الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر } أَيْ الْمُنَافِقُونَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُرِيد اللَّه أَلَّا يَجْعَل لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يُرِيد اللَّه أَنْ لَا يَجْعَل لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْر نَصِيبًا فِي ثَوَاب الْآخِرَة , فَلِذَلِكَ خَذَلَهُمْ , فَسَارَعُوا فِيهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ مَعَ حِرْمَانهمْ مَا حُرِمُوا مِنْ ثَوَاب الْآخِرَة , لَهُمْ عَذَاب عَظِيم فِي الْآخِرَة , وَذَلِكَ عَذَاب النَّار . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي ذَلِكَ بِمَا : 6586 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { يُرِيد اللَّه أَنْ لَا يَجْعَل لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَة } أَنْ يَحْبَط أَعْمَالهمْ .
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 177
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ اِشْتَرَوْا الْكُفْر بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , أَنْ لَا يَحْزُنهُ مُسَارَعَتهمْ إِلَى الْكُفْر , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِبْتَاعُوا الْكُفْر بِإِيمَانِهِمْ , فَارْتَدُّوا عَنْ إِيمَانهمْ بَعْد دُخُولهمْ فِيهِ , وَرَضُوا بِالْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , عِوَضًا مِنْ الْإِيمَان , لَنْ يَضُرُّوا اللَّه بِكُفْرِهِمْ وَارْتِدَادهمْ , عَنْ إِيمَانهمْ شَيْئًا , بَلْ إِنَّمَا يَضُرُّونَ بِذَلِكَ أَنْفُسهمْ بِإِيجَابِهِمْ بِذَلِكَ لَهَا مِنْ عِقَاب اللَّه مَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ . وَإِنَّمَا حَثَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الْآيَات مِنْ قَوْله : { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّه } إِلَى هَذِهِ الْآيَة عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ عَلَى إِخْلَاص الْيَقِين , وَالِانْقِطَاع إِلَيْهِ فِي أُمُورهمْ , وَالرِّضَا بِهِ نَاصِرًا وَحْده دُون غَيْره مِنْ سَائِر خَلْقه , وَرَغَّبَ بِهَا فِي جِهَاد أَعْدَائِهِ وَأَعْدَاء دِينه , وَشَجَّعَ بِهَا قُلُوبهمْ , وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ وَلِيَهُ بِنَصْرِهِ فَلَنْ يُخْذَل وَلَوْ اِجْتَمَعَ عَلَيْهِ جَمِيع مَنْ خَالَفَهُ وَحَادَّهُ , وَأَنَّ مَنْ خَذَلَهُ فَلَنْ يَنْصُرهُ نَاصِر يَنْفَعهُ نَصْره وَلَوْ كَثُرَتْ أَعْوَانه أَوْ نُصَرَاؤُهُ . كَمَا : 6587 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِنَّ الَّذِينَ اِشْتَرَوْا الْكُفْر بِالْإِيمَانِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { لَنْ يَضُرُّوا اللَّه شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } أَيْ مُوجِع . 6588 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُمْ الْمُنَافِقُونَ .
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌسورة آل عمران الآية رقم 178
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَاب مُهِين } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَظُنَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , أَنَّ إِمْلَاءَنَا لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ . وَيَعْنِي بِالْإِمْلَاءِ : الْإِطَالَة فِي الْعُمُر وَالْإِنْسَاء فِي الْأَجَل ; وَمِنْهُ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } 19 46 أَيْ حِينًا طَوِيلًا ; وَمِنْهُ قِيلَ : عِشْت طَوِيلًا وَتَمَلَّيْت حِينًا وَالْمَلَا نَفْسه : الدَّهْر , وَالْمَلَوَانِ : اللَّيْل وَالنَّهَار , وَمِنْهُ قَوْل تَمِيم بْن مُقْبِل : أَلَا يَا دِيَار الْحَيّ بِالسَّبُعَانِ أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالْبِلَى الْمَلَوَانِ يَعْنِي بِالْمَلَوَانِ : اللَّيْل وَالنَّهَار . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ " فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْهُمْ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ } بِالْيَاءِ وَفَتْح الْأَلِف مِنْ قَوْله { أَنَّمَا } عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ تَأْوِيله . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : " وَلَا تَحْسَبَنَّ " بِالتَّاءِ وَ { أَنَّمَا } أَيْضًا بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنَّمَا " , بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا الَّذِي مِنْ أَجْله فُتِحَتْ الْأَلِف مِنْ قَوْله : { أَنَّمَا } فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّاءِ فَقَدْ أَعْمَلْت تَحْسَبَنَّ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا , وَإِذَا أَعْمَلْتهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَقَع عَلَى " أَنَّمَا " لِأَنَّ " أَنَّمَا " إِنَّمَا يَعْمَل فِيهَا عَامِل يَعْمَل فِي شَيْئَيْنِ نَصْبًا ؟ قِيلَ : أَمَّا الصَّوَاب فِي الْعَرَبِيَّة وَوَجْه الْكَلَام الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب كَسْر إِنَّ إِذَا قُرِئَتْ تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ , لِأَنَّ تَحْسَبَنَّ إِذَا قُرِئَتْ بِالتَّاءِ , فَإِنَّهَا قَدْ نَصَبَتْ الَّذِينَ كَفَرُوا , فَلَا يَجُوز أَنْ تَعْمَل وَقَدْ نَصَبَتْ اِسْمًا فِي أَنَّ , وَلَكِنِّي أَظُنّ أَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ فِي تَحْسَبَنَّ وَفَتْح الْأَلِف مِنْ أَنَّمَا , إِنَّمَا أَرَادَ تَكْرِير تَحْسَبَنَّ عَلَى أَنَّمَا , كَأَنَّهُ قَصَدَ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد أَنْتَ الَّذِينَ كَفَرُوا , لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَة } 47 18 بِتَأْوِيلِ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة , هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَة ؟ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّة , فَوَجْه كَلَام الْعَرَب مَا وَصَفْنَا قَبْل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } بِالْيَاءِ مِنْ " يَحْسَبَنَّ " , وَبِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ وَأَنَّمَا " , عَلَى مَعْنَى الْحُسْبَان لِلَّذِينَ كَفَرُوا دُون غَيْرهمْ , ثُمَّ يَعْمَل فِي " أَنَّمَا " نَصْبًا ; لِأَنَّ " يَحْسَبَنَّ " حِينَئِذٍ لَمْ يُشْغَل بِشَيْءٍ عَمِلَ فِيهِ , وَهِيَ تَطْلُب مَنْصُوبَيْنِ . وَإِنَّمَا أَخْتَرْنَا ذَلِكَ لِإِجْمَاع الْقُرَّاء عَلَى فَتْح الْأَلِف مِنْ " أَنَّمَا " الْأُولَى , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة فِي " يَحْسَبَنَّ " بِالْيَاءِ لِمَا وَصَفْنَا ; وَأَمَّا أَلِف " إِنَّمَا " الثَّانِيَة فَالْكَسْر عَلَى الِابْتِدَاء بِالْإِجْمَاع مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَتَأْوِيل قَوْله : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } إِنَّمَا نُؤَخِّر آجَالهمْ فَنُطِيلهَا لِيَزْدَادُوا إِثْمًا , يَقُول : يَكْتَسِبُوا الْمَعَاصِي فَتَزْدَاد آثَامهمْ وَتَكْثُر { وَلَهُمْ عَذَاب مُهِين } يَقُول : وَلِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله فِي الْآخِرَة عُقُوبَة لَهُمْ مُهِينَة مُذِلَّة . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَر . 6589 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ الْأَسْوَد , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : مَا مِنْ نَفْس بَرَّة وَلَا فَاجِرَة إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهَا , وَقَرَأَ : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } وَقَرَأَ : { نُزُلًا مِنْ عِنْد اللَّه وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } 3 198
مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌسورة آل عمران الآية رقم 179
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ } مَا كَانَ اللَّه لِيَدَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ اِلْتِبَاس الْمُؤْمِن مِنْكُمْ بِالْمُنَافِقِ , فَلَا يُعْرَف هَذَا مِنْ هَذَا { حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يُعْنَى بِذَلِكَ : حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث , وَهُوَ الْمُنَافِق الْمُسْتَسِرّ لِلْكُفْرِ , مِنْ الطَّيِّب , وَهُوَ الْمُؤْمِن الْمُخْلِص الصَّادِق الْإِيمَان بِالْمِحَنِ وَالِاخْتِبَار , كَمَا مَيَّزَ بَيْنهمْ يَوْم أُحُد عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ عِنْد خُرُوجهمْ إِلَيْهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْخَبِيث الَّذِي عَنَى اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ مِثْل قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6590 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالَ : مَيَّزَ بَيْنهمْ يَوْم أُحُد , الْمُنَافِق مِنْ الْمُؤْمِن . 6591 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَقُول : لِيُبَيِّنَ الصَّادِق بِإِيمَانِهِ مِنْ الْكَاذِب . قَالَ : اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : يَوْم أُحُد مَيَّزَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , الْمُنَافِق عَنْ الْمُؤْمِن . 6592 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } أَيْ الْمُنَافِق . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى يَمِيز الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } يَعْنِي : الْكُفَّار . يَقُول : لَمْ يَكُنْ اللَّه لِيَدَع الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة , { حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يَمِيز بَيْنهمْ فِي الْجِهَاد وَالْهِجْرَة . 6594 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالَ : حَتَّى يَمِيز الْفَاجِر مِنْ الْمُؤْمِن . 6595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } قَالُوا : إِنْ كَانَ مُحَمَّد صَادِقًا فَلْيُخْبِرْنَا بِمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَنْ يَكْفُر ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { مَا كَانَ اللَّه لِيَذَر الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيز الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } حَتَّى يُخْرِج الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر . وَالتَّأْوِيل الْأَوَّل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ الْآيَات قَبْلهَا فِي ذِكْر الْمُنَافِقِينَ وَهَذِهِ فِي سِيَاقَتهَا , فَكَوْنهَا بِأَنْ تَكُون فِيهِمْ أَشْبَه مِنْهَا بِأَنْ تَكُون فِي غَيْرهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 6596 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب } وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِع مُحَمَّدًا عَلَى الْغَيْب , وَلَكِنَّ اللَّه اِجْتَبَاهُ فَجَعَلَهُ رَسُولًا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 6597 - حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب } أَيْ فِيمَا يُرِيد أَنْ يَبْتَلِيكُمْ بِهِ , لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُل عَلَيْكُمْ فِيهِ : { وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } يُعَلِّمهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى ضَمَائِر قُلُوب عِبَاده , فَتَعْرِفُوا الْمُؤْمِن مِنْهُمْ مِنْ الْمُنَافِق وَالْكَافِر , وَلَكِنَّهُ يُمَيِّز بَيْنهمْ بِالْمِحَنِ وَالِابْتِلَاء كَمَا مَيَّزَ بَيْنهمْ بِالْبَأْسَاءِ يَوْم أُحُد , وَجِهَاد عَدُوّهُ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ صُنُوف الْمِحَن , حَتَّى تَعْرِفُوا مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ وَمُنَافِقهمْ . غَيْر أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء , فَيَصْطَفِيه , فَيُطْلِعهُ عَلَى بَعْض مَا فِي ضَمَائِر بَعْضهمْ بِوَحْيِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَرِسَالَته . كَمَا : 6598 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } قَالَ : يُخْلِصهُمْ لِنَفْسِهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ اِبْتِدَاءَهَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر تَارِك عِبَاده , يَعْنِي بِغَيْرِ مِحَن , حَتَّى يُفَرِّق بِالِابْتِلَاءِ بَيْن مُؤْمِنهمْ وَكَافِرهمْ وَأَهْل نِفَاقهمْ . ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُطْلِعكُمْ عَلَى الْغَيْب } , فَكَانَ فِيمَا اِفْتَتَحَ بِهِ مِنْ صِفَة إِظْهَار اللَّه نِفَاق الْمُنَافِق وَكُفْر الْكَافِر , دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الَّذِي وَلِيَ ذَلِكَ هُوَ الْخَبَر عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُطْلِعهُمْ عَلَى مَا يَخْفَى عَنْهُمْ مِنْ بَاطِن سَرَائِرهمْ إِلَّا بِاَلَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مُمَيِّز بِهِ نَعْتهمْ إِلَّا مَنْ اِسْتَثْنَاهُ مِنْ رُسُله الَّذِي خَصَّهُ بِعِلْمِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْر عَظِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ تُؤْمِنُوا } وَإِنْ تُصَدِّقُوا مَنْ اِجْتَبَيْته مِنْ رُسُلِي بِعِلْمِي , وَأَطْلَعْته عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْكُمْ , وَتَتَّقُوا رَبّكُمْ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , { فَلَكُمْ أَجْر عَظِيم } يَقُول : فَلَكُمْ بِذَلِكَ مِنْ إِيمَانكُمْ وَاتِّقَائِكُمْ رَبّكُمْ ثَوَاب عَظِيم . كَمَا : 6599 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا , { فَلَكُمْ أَجْر عَظِيم }
وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌسورة آل عمران الآية رقم 180
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْر لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بِالْيَاءِ مِنْ يَحْسَبَنَّ وَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة أُخَر : " وَلَا تَحْسَبَنَّ " بِالتَّاءِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا يَحْسَبَنَّ الْبَاخِلُونَ الْبُخْل هُوَ خَيْرًا لَهُمْ . فَاكْتَفَى بِذِكْرِ يَبْخَلُونَ مِنْ الْبُخْل , كَمَا تَقُول : قَدِمَ فُلَان فَسُرِرْت بِهِ , وَأَنْتَ تُرِيد فَسُرِرْت بِقُدُومِهِ , وَهُوَ عِمَاد . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : إِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ " لَا تَحْسَبَنَّ الْبُخْل هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , فَأَلْقَى الِاسْم الَّذِي أَوْقَعَ عَلَيْهِ الْحُسْبَان بِهِ وَهُوَ الْبُخْل , لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْحُسْبَان , وَذَكَرَ مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , فَأَضْمَرَهُمَا إِذْ ذَكَرَهُمَا , قَالَ : وَقَدْ جَاءَ مِنْ الْحَذْف مَا هُوَ أَشَدّ مِنْ هَذَا , قَالَ : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح وَقَاتَلَ } وَلَمْ يَقُلْ : وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد الْفَتْح , لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : { أُولَئِكَ أَعْظَم دَرَجَة مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْد } كَانَ فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ عَنَاهُمْ . وَقَالَ بَعْض مَنْ أَنْكَرَ قَوْل مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله مِنْ أَهْل الْبَصْرَة , أَنَّ " مَنْ " فِي قَوْله : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح } فِي مَعْنَى جَمَعَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْل الْفَتْح فِي مَنَازِلهمْ وَحَالَاتهمْ , فَكَيْفَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد الْفَتْح , فَالْأَوَّل مُكْتَفٍ . وَقَالَ فِي قَوْله : { لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } مَحْذُوف , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَحْذِف إِلَّا وَفِي الْكَلَام مَا قَامَ مَقَام الْمَحْذُوف , لِأَنَّ " هُوَ " عَائِد الْبُخْل , وَ " خَيْرًا لَهُمْ " عَائِد الْأَسْمَاء , فَقَدْ دَلَّ هَذَانِ الْعَائِدَانِ عَلَى أَنَّ قَبْلهمَا اِسْمَيْنِ , وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : يَبْخَلُونَ , مِنْ الْبُخْل . قَالَ : وَهَذَا إِذَا قُرِئَ بِالتَّاءِ , فَالْبُخْل قَبْل الَّذِينَ , وَإِذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ , فَالْبُخْل بَعْد الَّذِينَ , وَقَدْ اِكْتَفَى بِاَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ مِنْ الْبُخْل , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِذَا نُهِيَ السَّفِيه جَرَى إِلَيْهِ وَخَالَفَ وَالسَّفِيه إِلَى خِلَاف كَأَنَّهُ قَالَ : جَرَى إِلَى السَّفَه , فَاكْتَفَى عَنْ السَّفَه بِالسَّفِيهِ , كَذَلِكَ اِكْتَفَى بِاَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ مِنْ الْبُخْل . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بِالتَّاءِ بِتَأْوِيلِ : وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنْتَ يَا مُحَمَّد بُخْل الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أَتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , ثُمَّ تَرَكَ ذِكْر الْبُخْل , إِذْ كَانَ فِي قَوْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ مُرَاد فِي الْكَلَام , إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْله : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } . وَإِنَّمَا قُلْنَا قِرَاءَة ذَلِكَ بِالتَّاءِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قِرَاءَته بِالْيَاءِ , لِأَنَّ الْمَحْسَبَة مِنْ شَأْنهَا طَلَب اِسْم وَخَبَر , فَإِذَا قُرِئَ قَوْله : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بِالْيَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْسَبَةِ اِسْم يَكُون قَوْله : { هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } خَبَرًا عَنْهُ , وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ كَانَ قَوْله : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } اِسْمًا لَهُ , قَدْ أَدَّى عَنْ مَعْنَى الْبُخْل الَّذِي هُوَ اِسْم الْمَحْسَبَة الْمَتْرُوك , وَكَانَ قَوْله : { هُوَ خَيْرًا لَهُمْ } خَبَرًا لَهَا , فَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب الْفَصِيح . فَلِذَلِكَ اِخْتَرْنَا الْقِرَاءَة بِالتَّاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ , وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ غَيْر خَطَأ , وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِالْأَفْصَحِ وَلَا الْأَشْهَر مِنْ كَلَام الْعَرَب . وَأَمَّا تَأْوِيل الْآيَة الَّذِي هُوَ تَأْوِيلهَا عَلَى مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ : وَلَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد , بُخْل الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا أَعْطَاهُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَمْوَال , فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ حَقّ اللَّه الَّذِي فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ الزَّكَوَات هُوَ خَيْرًا لَهُمْ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ عِنْده فِي الْآخِرَة . كَمَا : 6600 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ " : هُمْ الَّذِينَ آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله , فَبَخِلُوا أَنْ يُنْفِقُوهَا فِي سَبِيل اللَّه , وَلَمْ يُؤَدُّوا زَكَاتهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْيَهُود الَّذِينَ بَخِلُوا أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي التَّوْرَاة مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6601 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } . .. إِلَى { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَهْل الْكِتَاب أَنَّهُمْ بَخِلُوا بِالْكِتَابِ أَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ . 6602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " قَالَ : هُمْ يَهُود , إِلَى قَوْله : { وَالْكِتَاب الْمُنِير } وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة التَّأْوِيل الْأَوَّل وَهُوَ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِالْبُخْلِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَنْع الزَّكَاة لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَأَوَّلَ قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : الْبَخِيل الَّذِي مَنَعَ حَقّ اللَّه مِنْهُ أَنَّهُ يَصِير ثُعْبَانًا فِي عُنُقه , وَلِقَوْلِ اللَّه عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَة : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } فَوَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَوْل الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ زَعَمُوا عِنْد أَمْر اللَّه إِيَّاهُمْ بِالزَّكَاةِ أَنَّ اللَّه فَقِير .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { سَيُطَوَّقُونَ } سَيَجْعَلُ اللَّه مَا بَخِلَ بِهِ الْمَانِعُونَ الزَّكَاة طَوْقًا فِي أَعْنَاقهمْ , كَهَيْئَةِ الْأَطْوَاق الْمَعْرُوفَة . كَاَلَّذِي : 6603 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن قَزَعَة , قَالَ : ثنا مُسْلِمَة بْن عَلْقَمَة , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي قَزَعَة , عَنْ أَبِي مَالِك الْعَبْدِيّ , قَالَ : مَا مِنْ عَبْد يَأْتِيه ذُو رَحِم لَهُ يَسْأَلهُ مِنْ فَضْل عِنْده فَيَبْخَل عَلَيْهِ إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ الَّذِي بَخِلَ بِهِ عَلَيْهِ شُجَاعًا أَقْرَع . وَقَالَ : وَقَرَأَ : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة " . .. إِلَى آخِر الْآيَة . 6604 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبَى قَزَعَة , عَنْ رَجُل , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ ذِي رَحِم يَأْتِي رَحِمَهُ فَيَسْأَلهُ مِنْ فَضْل جَعَلَهُ اللَّه عِنْده فَيَبْخَل بِهِ عَلَيْهِ إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ مِنْ جَهَنَّم شُجَاع يَتَلَمَّظ حَتَّى يُطَوِّقهُ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بْن خَازِم , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ أَبِي قَزَعَة حُجْر بْن بَيَان , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ ذِي رَحِم يَأْتِي ذَا رَحِمه فَيَسْأَلهُ مِنْ فَضْل أَعْطَاهُ اللَّه إيَّاهُ فَيَبْخَل بِهِ عَلَيْهِ , إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاع مِنْ النَّار يَتَلَمَّظ حَتَّى يُطَوِّقهُ " ثُمَّ قَرَأَ : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله " حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } 6605 - حَدَّثَنِي زِيَاد بْن عُبَيْد اللَّه الْمُرِّيّ , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْكِلَابِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر السَّهْمِيّ , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن وَاصِل أَبُو عُبَيْدَة الْحَدَّاد , وَاللَّفْظ لِيَعْقُوبَ جَمِيعًا , عَنْ بَهْز بْن حَكِيم بْن مُعَاوِيَة بْن حَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , قَالَ : سَمِعْت نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " لَا يَأْتِي رَجُل مَوْلَاهُ فَيَسْأَلهُ مِنْ فَضْل مَال عِنْده فَيَمْنَعهُ إِيَّاهُ إِلَّا دَعَا لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا يَتَلَمَّظ فَضْله الَّذِي مَنَعَ " . 6606 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : ثُعْبَان يَنْقُر رَأْس أَحَدهمْ , يَقُول : أَنَا مَالُك الَّذِي بَخِلْت بِهِ . 6607 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِل يُحَدِّث أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه , قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا لَهُ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : شُجَاع يَلْتَوِي بِرَأْسِ أَحَدهمْ . * - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثنا خَلَّاد بْن أَسْلَم , قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا : قَالَ شُجَاع أَسْوَد . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : يَجِيء مَاله يَوْم الْقِيَامَة ثُعْبَانًا , فَيَنْقُر رَأْسه فَيَقُول : أَنَا مَالُك الَّذِي بَخِلْت بِهِ , فَيَنْطَوِي عَلَى عُنُقه . 6608 - حَدَّثَنَا عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا جَامِع بْن شَدَّاد وَعَبْد الْمَلِك بْن أَعْيَن , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ أَحَد لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا مُثِّلَ لَهُ شُجَاع أَقْرَع يُطَوِّقهُ " ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ " . .. الْآيَة . 6609 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ } فَإِنَّهُ يُجْعَل مَاله يَوْم الْقِيَامَة شُجَاعًا أَقْرَع يُطَوِّقهُ , فَيَأْخُذ بِعُنُقِهِ , فَيَتْبَعهُ حَتَّى يَقْذِفهُ فِي النَّار . 6610 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : هُوَ الرَّجُل الَّذِي يَرْزُقهُ اللَّه مَالًا , فَيَمْنَع قَرَابَته الْحَقّ الَّذِي جَعَلَ اللَّه لَهُمْ فِي مَاله , فَيُجْعَل حَيَّة فَيُطَوَّقُهَا , فَيَقُول : مَا لِي وَلَك ؟ فَيَقُول : أَنَا مَالك . 6611 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : سَأَلْت اِبْن مَسْعُود عَنْ قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : يُطَوَّقُونَ شُجَاعًا أَقْرَع , يَنْهَش رَأْسه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } فَيُجْعَل فِي أَعْنَاقهمْ طَوْقًا مِنْ نَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6612 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : طَوْقًا مِنْ النَّار . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : طَوْقًا مِنْ نَار . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ } قَالَ : طَوْقًا مِنْ نَار . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : طَوْق مِنْ نَار . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَيَحْمِلُ الَّذِينَ كَتَمُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْبَار الْيَهُود مَا كَتَمُوا مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6613 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } أَلَمْ تَسْمَع أَنَّهُ قَالَ : { يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبُخْلِ } 4 37 يَعْنِي : أَهْل الْكِتَاب , يَقُول : يَكْتُمُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاس بِالْكِتْمَانِ . قَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : سَيُكَلَّفُونَ يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6614 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ , إِلَى قَوْله : { وَالْكِتَاب الْمُنِير } * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { سَيُطَوَّقُونَ } سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ مَا بَخِلُوا بِهِ مِنْ أَمْوَالهمْ يَوْم الْقِيَامَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي مَبْدَأ قَوْله : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ } لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا أَحَد أَعْلَم بِمَا عَنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتَنْزِيلِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , وَالْبَاقِي بَعْد فَنَاء جَمِيع خَلْقه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى قَوْله : { لَهُ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض } وَالْمِيرَاث الْمَعْرُوف : هُوَ مَا اِنْتَقَلَ مِنْ مِلْك مَالِك إِلَى وَارِثه بِمَوْتِهِ وَلِلَّهِ الدُّنْيَا قَبْل فَنَاء خَلْقه وَبَعْده ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وَصْفه نَفْسه بِالْبَقَاءِ , وَإِعْلَام خَلْقه أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْهِمْ الْفَنَاء . وَذَلِكَ أَنَّ مِلْك الْمَالِك إِنَّمَا يَصِير مِيرَاثًا بَعْد وَفَاته , فَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِلَّهِ مِيرَاث السَّمَوَات وَالْأَرْض } إِعْلَامًا بِذَلِكَ مِنْهُ عِبَاده أَنَّ أَمْلَاك جَمِيع خَلْقه مُنْتَقِلَة عَنْهُمْ بِمَوْتِهِمْ , وَأَنَّهُ لَا أَحَد إِلَّا وَهُوَ فَانٍ سَوَاء , فَإِنَّهُ الَّذِي إِذَا هَلَكَ جَمِيع خَلْقه , فَزَالَتْ أَمْلَاكهمْ عَنْهُمْ لَمْ يَبْقَ أَحَد يَكُون لَهُ مَا كَانُوا يَمْلِكُونَهُ غَيْره . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَة : لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِي يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ , بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ , سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة , بَعْد مَا يَهْلِكُونَ , وَتَزُول عَنْهُمْ أَمْلَاكهمْ فِي الْحِين الَّذِي لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا , وَصَارَ لِلَّهِ مِيرَاثه وَمِيرَاث غَيْره مِنْ خَلْقه . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ بِمَا يَعْمَل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْل , وَغَيْرهمْ مِنْ سَائِر خَلْقه , ذُو خِبْرَة وَعِلْم , مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , حَتَّى يُجَازِي كُلًّا مِنْهُمْ عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقه , الْمُحْسِن بِالْإِحْسَانِ , وَالْمُسِيء عَلَى مَا يَرَى تَعَالَى ذِكْره .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7