الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8الصفحة 9الصفحة 10
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَسورة البقرة الآية رقم 121
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَاهُمْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ أَصْحَابه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1560 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب } هَؤُلَاءِ أَصْحَاب نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , آمَنُوا بِكِتَابِ اللَّه وَصَدَّقُوا بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه بِذَلِكَ عُلَمَاء بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَصَدَّقُوا رُسُله , فَأَقَرُّوا بِحُكْمِ التَّوْرَاة , فَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَ اللَّه فِيهَا مِنْ اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْإِيمَان بِهِ , وَالتَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد

اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1561 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُر بِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة ; لِأَنَّ الْآيَات قَبْلهَا مَضَتْ بِأَخْبَارِ أَهْل الْكِتَابَيْنِ , وَتَبْدِيل مَنْ بَدَّلَ مِنْهُمْ كِتَاب اللَّه , وَتَأَوُّلهمْ إيَّاهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله , وَادِّعَائِهِمْ عَلَى اللَّه الْأَبَاطِيل . وَلَمْ يَجْرِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا ذِكْر , فَيَكُون قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب } مُوَجَّهًا إلَى الْخَبَر عَنْهُمْ , وَلَا لَهُمْ بَعْدهَا ذِكْر فِي الْآيَة الَّتِي تَتْلُوهَا , فَيَكُون مُوَجَّهًا ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ خَبَر مُبْتَدَأ عَنْ قَصَص أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد انْقِضَاء قَصَص غَيْرهمْ , وَلَا جَاءَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْهُمْ أَثَر يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْآيَة أَنْ يَكُون مُوَجَّهًا إلَى أَنَّهُ خَبَر عَمَّنْ قَصَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فِي الْآيَة قَبْلهَا وَالْآيَة بَعْدهَا , وَهُمْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب الَّذِي قَدْ عَرَفْته يَا مُحَمَّد , وَهُوَ التَّوْرَاة , فَقَرَءُوهُ وَاتَّبَعُوا مَا فِيهِ , فَصَدَّقُوك وَآمَنُوا بِك , وَبِمَا جِئْت بِهِ مِنْ عِنْدِي , أُولَئِكَ يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته . وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ الْأَلِف وَاللَّام فِي " الْكِتَاب " لِأَنَّهُ مَعْرِفَة , وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عَرَفُوا أَيّ الْكُتُب عَنَى بِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله عَزَّ وَجَلّ : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1562 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن أَبِي عَدِيّ , وَعَبْد الْأَعْلَى , وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ جَمِيعًا , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة بِمِثْلِهِ . *

وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة بِمِثْلِهِ . 1563 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يُحِلُّونَ حَلَاله وَيُحَرِّمُونَ حَرَامه وَلَا يُحَرِّفُونَ . * حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ أَبُو مَالِك : أَنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ فِي : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } فَذَكَرَ مِثْله ; إلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَلَا يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعه . 1564 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا الْمُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . 1565 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ حَقّ تِلَاوَته أَنْ يُحِلّ حَلَاله وَيُحَرِّم حَرَامه , وَيَقْرَأهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّه , وَلَا يُحَرِّف الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , وَلَا يَتَأَوَّل مِنْهُ شَيْئًا عَلَى غَيْر تَأْوِيله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ ابْن مَسْعُود فِي قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } أَنْ يُحِلّ حَلَاله وَيُحَرِّم حَرَامه , وَلَا يُحَرِّفهُ عَنْ مَوَاضِعه . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَامّ عَمَّنْ ذَكَره , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . 1566 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق . قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , بِمِثْلِهِ . 1567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين فِي قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن إبْرَاهِيم , عَنْ سُفْيَان قَالُوا جَمِيعًا : عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي رَزِين , مِثْله . 1568 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : عَمَلًا بِهِ . 1569 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ قَيْس بْن سَعْد : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه ; أَلَمْ تَرَ إلَى قَوْله : { وَالْقَمَر إذَا تَلَاهَا } 91 2 يَعْنِي الشَّمْس إذَا تَبِعَهَا الْقَمَر . 1570 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء وَقَيْس بْن سَعْد , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَعْمَلُونَ بِهِ حَقّ عَمَله . 1571 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } يَعْمَلُونَ بِهِ حَقّ عَمَله . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل بْن إسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . * حَدَّثَنِي عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , عَنْ مُجَاهِد : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه . * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى الْقَطَّان , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه , يَعْمَلُونَ بِهِ حَقّ عَمَله . 1572 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ , وَيَكِلُونَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ إلَى عَالِمه . 1573 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : أَحَلُّوا حَلَاله , وَحَرَّمُوا حَرَامه , وَعَمِلُوا بِمَا فِيهِ ; ذَكَرَ لَنَا أَنَّ ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول : إنَّ حَقّ تِلَاوَته أَنْ يُحِلّ حَلَاله , وَيُحَرِّم حَرَامه , وَأَنْ يَقْرَأهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلّ , وَلَا يُحَرِّفهُ عَنْ مَوَاضِعه . * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن عَطِيَّة , سَمِعْت قَتَادَة يَقُول : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه , قَالَ : اتِّبَاعه يُحِلُّونَ حَلَاله , وَيُحَرِّمُونَ حَرَامه , وَيَقْرَءُونَهُ كَمَا أُنْزِلَ . 1574 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } قَالَ : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه , أَمَا سَمِعْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَالْقَمَر إذَا تَلَاهَا } ؟ 91 2 قَالَ : إذَا تَبِعَهَا . وَقَالَ آخَرُونَ { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } يَقْرَءُونَهُ حَقّ قِرَاءَته . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى : يَتَّبِعُونَهُ حَقّ اتِّبَاعه , مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَا زِلْت أَتْلُو أَثَره , إذَا اتَّبَعَ أَثَره ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيله . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله , فَمَعْنَى الْكَلَام : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَا مُحَمَّد مِنْ أَهْل التَّوْرَاة الَّذِينَ آمَنُوا بِك وَبِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْدِي , يَتَّبِعُونَ كِتَابِي الَّذِي أَنْزَلْته عَلَى رَسُولِي مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , فَيُؤْمِنُونَ بِهِ , وَيُقِرُّونَ بِمَا فِيهِ مِنْ نَعْتك وَصِفَتك , وَأَنَّك رَسُولِي فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَتِي فِي الْإِيمَان بِك وَالتَّصْدِيق بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , وَيَعْمَلُونَ بِمَا أَحْلَلْت لَهُمْ , وَيَجْتَنِبُونَ مَا حَرَّمْت عَلَيْهِمْ فِيهِ , وَلَا يُحَرِّفُونَهُ عَنْ مَوَاضِعه وَلَا يُبَدِّلُونَهُ وَلَا يُغَيِّرُونَهُ كَمَا أَنْزَلْته عَلَيْهِمْ بِتَأْوِيلِ وَلَا غَيْره . أَمَّا قَوْله : { حَقّ تِلَاوَته } فَمُبَالَغَة فِي صِفَة اتِّبَاعهمْ الْكِتَاب وَلُزُومهمْ الْعَمَل بِهِ , كَمَا يُقَال : إنَّ فُلَانًا لَعَالِم حَقّ عَالِم , وَكَمَا يُقَال : إنَّ فُلَانًا لَفَاضِل كُلّ فَاضِل . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي إضَافَة " حَقّ " إلَى الْمَعْرِفَة , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : غَيْر جَائِزَة إضَافَته إلَى مَعْرِفَة لِأَنَّهُ بِمَعْنَى " أَيْ " , وَبِمَعْنَى قَوْلك : " أَفْضَل رَجُل فُلَان " , و " أَفْعَل " لَا يُضَاف إلَى وَاحِد مَعْرِفَة لِأَنَّهُ مُبَعَّض , وَلَا يَكُون الْوَاحِد الْمُبَعَّض مَعْرِفَة . فَأَحَالُوا أَنْ يُقَال : " مَرَرْت بِالرَّجُلِ حَقّ الرَّجُل , وَمَرَرْت بِالرَّجُلِ جَدّ الرَّجُل " , كَمَا أَحَالُوا " مَرَرْت بِالرَّجُلِ أَيْ الرَّجُل " , وَأَجَازُوا ذَلِكَ فِي " كُلّ الرَّجُل " و " عَيْن الرَّجُل " و " نَفْس الرَّجُل " , وَقَالُوا : إنَّمَا أَجَزْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرُوف كَانَتْ فِي الْأَصْل تَوْكِيدًا , فَلَمَّا صِرْنَ مُدُوحًا تُرِكْنَ مُدُوحًا عَلَى أُصُولهنَّ فِي الْمَعْرِفَة . وَزَعَمُوا أَنَّ قَوْله : { يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته } إنَّمَا جَازَتْ إضَافَته إلَى التِّلَاوَة , وَهِيَ مُضَافَة إلَى مَعْرِفَة ; لِأَنَّ الْعَرَب تَعْتَدّ بِالْهَاءِ إذَا عَادَتْ إلَى نَكِرَة بِالنَّكِرَةِ , فَيَقُولُونَ : " مَرَرْت بِرَجُلِ وَاحِد أُمّه , وَنَسِيج وَحْده , وَسَيِّد قَوْمه " . قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { حَقّ تِلَاوَته } إنَّمَا جَازَتْ إضَافَة " حَقّ " إلَى التِّلَاوَة وَهِيَ مُضَافَة إلَى " الْهَاء " , لِاعْتِدَادِ الْعَرَب ب " الْهَاء " الَّتِي فِي نَظَائِرهَا فِي عِدَاد النَّكِرَات . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَقّ التِّلَاوَة لَوَجَبَ أَنْ يَكُون جَائِزًا : " مَرَرْت بِالرَّجُلِ حَقّ الرَّجُل " , فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَأْوِيل الْكَلَام : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَة . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : جَائِزَة إضَافَة حَقّ إلَى النَّكِرَات مَعَ النَّكِرَات , وَمَعَ الْمَعَارِف إلَى الْمَعَارِف ; وَإِنَّمَا ذَلِكَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : مَرَرْت بِالرَّجُلِ غُلَام الرَّجُل , وَبِرَجُلِ غُلَام رَجُل . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا الْقَوْل الْأَوَّل ; لِأَنَّ مَعْنَى قَوْله : { حَقّ تِلَاوَته } أَيْ تِلَاوَة , بِمَعْنَى مَدْح التِّلَاوَة الَّتِي تَلَوْهَا وَتَفْضِيلهَا . " وَأَيّ " غَيْر جَائِزَة إضَافَتهَا إلَى وَاحِد مَعْرِفَة عِنْد جَمِيعهمْ , وَكَذَلِك " حَقّ " غَيْر جَائِزَة إضَافَتهَا إلَى وَاحِد مَعْرِفَة , وَإِنَّمَا أُضِيفَ فِي حَقّ تِلَاوَته إلَى مَا فِيهِ الْهَاء لِمَا وَصَفْت مِنْ الْعِلَّة الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَتْلُونَ مَا آتَاهُمْ مِنْ الْكِتَاب حَقّ تِلَاوَته . وَأَمَّا قَوْله : { يُؤْمِنُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي يُصَدِّقُونَ بِهِ . وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله " بِهِ " عَائِدَة عَلَى الْهَاء الَّتِي فِي " تِلَاوَته " , وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ ذِكْر الْكِتَاب الَّذِي قَالَهُ اللَّه : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ

الْكِتَاب } فَأَخْبَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْمُؤْمِن بِالتَّوْرَاةِ هُوَ الْمُتَّبِع مَا فِيهَا مِنْ حَلَالهَا وَحَرَامهَا , وَالْعَامِل بِمَا فِيهَا مِنْ فَرَائِض اللَّه الَّتِي فَرَضَهَا فِيهَا عَلَى أَهْلهَا , وَأَنَّ أَهْلهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَته دُون مَنْ كَانَ مُحَرِّفًا لَهَا مُبَدِّلًا تَأْوِيلهَا مُغَيِّرًا سُنَنهَا تَارِكًا مَا فَرَضَ اللَّه فِيهَا عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلّ ثَنَاؤُهُ مَنْ وَصَفَ بِمَا وَصَفَ بِهِ مِنْ مُتَّبِعِي التَّوْرَاة , وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ فِي اتِّبَاعهَا اتِّبَاع مُحَمَّد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه , لِأَنَّ التَّوْرَاة تَأْمُر أَهْلهَا بِذَلِكَ وَتُخْبِرهُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِنُبُوَّتِهِ وَفَرَضَ طَاعَته عَلَى جَمِيع خَلْق اللَّه مِنْ بَنِي آدَم , وَإِنَّ فِي التَّكْذِيب بِمُحَمَّدِ التَّكْذِيب لَهَا . فَأَخْبَرَ جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مُتَّبِعِي التَّوْرَاة هُمْ الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ الْعَامِلُونَ بِمَا فِيهَا . كَمَا : 1575 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } قَالَ : مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , وَبِالتَّوْرَاةِ , وَأَنَّ الْكَافِر بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْكَافِر بِهَا الْخَاسِر , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ } وَمَنْ يَكْفُر بِالْكِتَابِ الَّذِي أَخْبَرَ أَنَّهُ يَتْلُوهُ مَنْ آتَاهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ حَقّ تِلَاوَته . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { يَكْفُر } يَجْحَد مَا فِيهِ مِنْ فَرَائِض اللَّه وَنُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَصْدِيقه , وَيُبَدِّلهُ , فَيُحَرِّف تَأْوِيله ; أُولَئِكَ


هُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا عِلْمهمْ وَعَمَلهمْ فَبَخَسُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا مِنْ رَحْمَة اللَّه وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا سَخَط اللَّه وَغَضَبه . وَقَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله بِمَا : 1576 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَمَنْ يَكْفُر بِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } قَالَ : مَنْ كَفَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود , { فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } .
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَسورة البقرة الآية رقم 122
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } وَهَذِهِ الْآيَة عِظَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانِيَّ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَذْكِير مِنْهُ لَهُمْ مَا سَلَف مِنْ أَيَادِيه إلَيْهِمْ فِي صُنْعه بِأَوَائِلِهِمْ اسْتِعْطَافًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى دِينه , وَتَصْدِيق رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ : يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا أَيَادِيَّ لَدَيْكُمْ , وَصَنَائِعِي عِنْدكُمْ , وَاسْتِنْفَاذِي إيَّاكُمْ مِنْ أَيْدِي عَدُوّكُمْ فِرْعَوْن وَقَوْمه , وَإِنْزَالِي عَلَيْكُمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى فِي تَيْهكُمْ , وَتَمْكِينِي لَكُمْ فِي الْبِلَاد , بَعْد أَنْ كُنْتُمْ مُذَلَّلِينَ مَقْهُورِينَ , وَاخْتِصَاصِي الرُّسُل مِنْكُمْ , وَتَفْضِيلِي إيَّاكُمْ عَلَى عَالَم مَنْ كُنْت بَيْن ظَهْرَانِيهِ , أَيَّام أَنْتُمْ فِي طَاعَتِي ; بِاتِّبَاعِ رَسُولِي إلَيْكُمْ , وَتَصْدِيقه وَتَصْدِيق مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , وَدَعُوا التَّمَادِي فِي الضَّلَال وَالْغَيّ . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى النِّعَم الَّتِي أَنْعَمَ اللَّه بِهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَالْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرهمْ جَلّ ثَنَاءَهُ مِنْ آلَائِه عِنْدهمْ , وَالْعَالَم الَّذِي فُضِّلُوا عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى قَبْل , بِالرِّوَايَاتِ وَالشَّوَاهِد , فَكَرِهْنَا تَطْوِيل الْكِتَاب بِإِعَادَتِهِ , إذْ كَانَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع وَهُنَالِكَ وَاحِدًا .
وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَسورة البقرة الآية رقم 123
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا وَلَا يُقْبَل مِنْهَا عَدْل وَلَا تَنْفَعهَا شَفَاعَة وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } وَهَذِهِ الْآيَة تَرْهِيب مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ لِلَّذِينَ سَلَفَتْ عِظَته إيَّاهُمْ بِمَا وَعَظَهُمْ بِهِ فِي الْآيَة قَبْلهَا . يَقُول اللَّه لَهُمْ : وَاتَّقُوا يَا مَعْشَر بَنِي إسْرَائِيل الْمُبَدِّلِينَ كِتَابِي وَتَنْزِيلِي , الْمُحَرِّفِينَ تَأْوِيله عَنْ وَجْهه , الْمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَذَاب يَوْم لَا تَقْضِي فِيهِ نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا , وَلَا تُغْنِي عَنْهَا غِنَاء , أَنْ تَهْلَكُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْركُمْ بِي , وَتَكْذِيبكُمْ رَسُولِي , فَتَمُوتُوا عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ يَوْم لَا يُقْبَل مِنْ نَفْس فِيمَا لَزِمَهَا فِدْيَة , وَلَا يَشْفَع فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهَا مِنْ حَقّ لَهَا شَافِع , وَلَا هُمْ يَنْصُرهُمْ نَاصِر مِنْ اللَّه إذَا انْتَقَمَ مِنْهَا بِمَعْصِيَتِهَا إيَّاهُ . وَقَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْ كُلّ مَعَانِي هَذِهِ الْآيَة فِي نَظِيرَتهَا قَبْل , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَسورة البقرة الآية رقم 124
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتِ } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ ابْتَلَى } وَإِذَا اخْتَبَرَ , يُقَال مِنْهُ : ابْتَلَيْت فُلَانًا أَبْتَلِيه ابْتِلَاء . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ { وَابْتُلُوا الْيَتَامَى } 4 6 يَعْنِي بِهِ : اخْتَبِرُوهُمْ . وَكَانَ اخْتِبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره إبْرَاهِيم اخْتِبَارًا بِفَرَائِض فَرَضَهَا عَلَيْهِ , وَأَمْر أَمَرَهُ بِهِ , وَذَلِكَ هُوَ الْكَلِمَات الَّتِي أَوْحَاهُنَّ إلَيْهِ وَكَلَّفَهُ الْعَمَل بِهِنَّ امْتِحَانًا مِنْهُ لَهُ وَاخْتِبَارًا . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْكَلِمَات الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا إبْرَاهِيمَ نَبِيَّهُ وَخَلِيلَهُ

صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ شَرَائِع الْإِسْلَام , وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَهْمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : لَمْ يُبْتَلَ أَحَد بِهَذَا الدِّين فَأَقَامَهُ إلَّا إبْرَاهِيمُ , ابْتَلَاهُ اللَّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ ; قَالَ : فَكَتَبَ اللَّه لَهُ الْبَرَاءَة , فَقَالَ : { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } 53 37 قَالَ : عَشْر مِنْهَا فِي الْأَحْزَاب , وَعَشْر مِنْهَا فِي بَرَاءَة , وَعَشْر مِنْهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ ; وَسَأَلَ سَائِل . وَقَالَ : إنَّ هَذَا الْإِسْلَام ثَلَاثُونَ سَهْمًا . 1578 - حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد الطَّحَّان , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : مَا اُبْتُلِيَ أَحَد بِهَذَا الدِّين فَقَامَ بِهِ كُلّه غَيْر إبْرَاهِيم ; اُبْتُلِيَ بِالْإِسْلَامِ فَأَتَمَّهُ , فَكَتَبَ اللَّه لَهُ الْبَرَاءَة , فَقَالَ : { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } 53 37 فَذَكَر عَشْرًا فِي بَرَاءَة , فَقَالَ : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ } 9 112 إلَى آخِر الْآيَات , وَعَشْرًا فِي الْأَحْزَاب : { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات } , 33 35 وَعَشْرًا فِي سُورَة الْمُؤْمِنِينَ , إلَى قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتهمْ يُحَافِظُونَ } , 23 9 وَعَشْرًا فِي سَأَلَ سَائِلٌ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتهمْ يُحَافِظُونَ } . 70 34 1579 - حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شُبْرُمَة , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا خَارِجَة بْن مُصْعَب , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْإِسْلَام ثَلَاثُونَ سَهْمًا , وَمَا اُبْتُلِيَ بِهَذَا الدِّين أَحَد فَأَقَامَهُ إلَّا إبْرَاهِيم , قَالَ اللَّه { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } 53 37 فَكَتَبَ اللَّه لَهُ بَرَاءَة مِنْ النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ خِصَال عَشْر مِنْ سُنَن الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1580 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : ابْتَلَاهُ اللَّه بِالطَّهَارَةِ : خَمْس فِي الرَّأْس , وَخَمْس فِي الْجَسَد . فِي الرَّأْس : قَصّ الشَّارِب , وَالْمَضْمَضَة , وَالِاسْتِنْشَاق , وَالسِّوَاك , وَفَرْق الرَّأْس . وَفِي الْجَسَد : تَقْلِيم الْأَظْفَار , وَحَلْق الْعَانَة , وَالْخِتَان , وَنَتْف الْإِبِط , وَغَسْل أَثَر الْغَائِط وَالْبَوْل بِالْمَاءِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ ابْن عَبَّاس بِمِثْلِهِ , وَلَمْ يَذْكُر أَثَر الْبَوْل . 1581 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : ابْتَلَاهُ بِالْخِتَانِ , وَحَلْق الْعَانَة , وَغَسْل الْقُبُل وَالدُّبُر , وَالسِّوَاك , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَقْلِيم الْأَظَافِر , وَنَتْف الْإِبِط . قَالَ أَبُو هِلَال : وَنَسِيت خَصْلَة . 1582 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مَطَر , عَنْ أَبِي الْخُلْد قَالَ : اُبْتُلِيَ إبْرَاهِيمُ بِعَشَرَةِ أَشْيَاء هُنَّ فِي الْإِنْسَان سُنَّة : الِاسْتِنْشَاق , وَقَصّ الشَّارِب , وَالسِّوَاك , وَنَتْف الْإِبِط , وَقَلْم الْأَظْفَار , وَغَسْل الْبَرَاجِم , وَالْخِتَان , وَحَلْق الْعَانَة , وَغَسْل الدُّبُر وَالْفَرْج . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ الْكَلِمَات الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهِنَّ عَشْر خِلَال ; بَعْضهنَّ فِي تَطْهِير الْجَسَد , وَبَعْضهنَّ فِي مَنَاسِك الْحَجّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1583 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا ابْن لَهِيعَة , عَنْ ابْن هُبَيْرَة , عَنْ حَنَش , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } قَالَ : سِتَّة فِي الْإِنْسَان , وَأَرْبَعَة فِي الْمَشَاعِر ; فَاَلَّتِي فِي الْإِنْسَان : حَلْق الْعَانَة , وَالْخِتَان , وَنَتْف الْإِبِط , وَتَقْلِيم الْأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَالْغُسْل يَوْم الْجُمُعَة . وَأَرْبَعَة فِي الْمَشَاعِر : الطَّوَاف , وَالسَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَرَمْي الْجِمَار , وَالْإِفَاضَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ : إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا فِي مَنَاسِك الْحَجّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1584 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت إسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عتن أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } فَمِنْهُنَّ : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَآيَات النُّسُك . * حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت إسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ مِنْهُنَّ : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَمِنْهُنَّ آيَات النُّسُك : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْت } . 2 127 1585 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } قَالَ اللَّه لِإِبْرَاهِيم : إنِّي مُبْتَلِيك بِأَمْرٍ , فَمَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْعَلنِي لِلنَّاسِ إمَامًا . قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ؟ قَالَ : لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ . قَالَ : تَجْعَل الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ ! قَالَ : نَعَمْ . وَأَمْنًا ! قَالَ : نَعَمْ . وَتَجْعَلنَا مُسْلِمَيْنِ لَك , وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك ! قَالَ : نَعَمْ . وَتُرِينَا مَنَاسِكنَا وَتَتُوب عَلَيْنَا ! قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَتَجْعَل هَذَا الْبَلَد آمِنًا ! قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَتَرْزُق أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ! قَالَ : نَعَمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ عِكْرِمَة فَعَرَضْته عَلَى مُجَاهِد فَلَمْ يُنْكِرهُ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : فَاجْتَمَعَ عَلَى هَذَا الْقَوْل مُجَاهِد وَعِكْرِمَة جَمِيعًا . 1586 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } قَالَ : اُبْتُلِيَ بِالْآيَاتِ الَّتِي بَعْدهَا : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } . 1587 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } فَالْكَلِمَات : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَقَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } وَقَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلًّى } 2 125 وَقَوْله : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل } 2 125 الْآيَة , وَقَوْله : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ } 2 127 الْآيَة قَالَ : فَذَلِكَ كَلِمَة مِنْ الْكَلِمَات الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهِنَّ إبْرَاهِيم . 1588 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } فَمِنْهُنَّ : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَمِنْهُنَّ : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت } 2 127 وَمِنْهُنَّ الْآيَات فِي شَأْن النُّسُك , وَالْمَقَام الَّذِي جُعِلَ لِإِبْرَاهِيم , وَالرِّزْق الَّذِي رُزِقَ سَاكِنُو الْبَيْت وَمُحَمَّد فِي ذُرِّيَّتهمَا عَلَيْهِمَا السَّلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَنَاسِك الْحَجّ خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1589 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَلَم بْن قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن نَبْهَان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : مَنَاسِك الْحَجّ . * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : الْمَنَاسِك . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : ابْتَلَاهُ بِالْمَنَاسِكِ . * حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : إنَّ الْكَلِمَات الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا إبْرَاهِيمُ : الْمَنَاسِك . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : مَنَاسِك الْحَجّ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : مِنْهُنَّ مَنَاسِك الْحَجّ . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ أُمُور مِنْهُنَّ الْخِتَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1590 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَلَم بْن قُتَيْبَة عَنْ يُونُس بْن أَبِي إسْحَاق , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : مِنْهُنَّ الْخِتَان . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ يَقُول ; فَذَكَر مِثْله . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ , وَسَأَلَهُ أَبُو إسْحَاق عَنْ قَوْل اللَّه : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : مِنْهُنَّ الْخِتَان يَا أَبَا إسْحَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْخِلَال السِّتّ : الْكَوْكَب , وَالْقَمَر , وَالشَّمْس , وَالنَّار , وَالْهِجْرَة , وَالْخِتَان , الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهِنَّ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1591 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : قُلْت لِلْحَسَنِ : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ } قَالَ : ابْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ فَرَضِيَ عَنْهُ , وَابْتَلَاهُ بِالْقَمَرِ فَرَضِيَ عَنْهُ , وَابْتَلَاهُ بِالشَّمْسِ فَرَضِيَ عَنْهُ , وَابْتَلَاهُ بِالنَّارِ فَرَضِيَ عَنْهُ , وَابْتَلَاهُ بِالْهِجْرَةِ , وَابْتَلَاهُ بِالْخِتَانِ . 1592 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : إي وَاَللَّه ابْتَلَاهُ بِأَمْرِ فَصَبَرَ عَلَيْهِ , ابْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ , وَالشَّمْس , وَالْقَمَر , فَأَحْسَن فِي ذَلِكَ , وَعَرَفَ أَنَّ رَبّه دَائِم لَا يَزُول , فَوَجَّهَ وَجْهه لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِالْهِجْرَةِ فَخَرَجَ مِنْ بِلَاده وَقَوْمه حَتَّى لَحِقَ بِالشَّامِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّه , ثُمَّ ابْتَلَاهُ بِالنَّارِ قَبْل الْهِجْرَة فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ , فَابْتَلَاهُ اللَّه بِذَبْحِ ابْنه وَبِالْخِتَانِ فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ . 1593 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : ابْتَلَاهُ اللَّه بِذَبْحِ وَلَده , وَبِالنَّارِ , وَبِالْكَوْكَبِ , وَالشَّمْس , وَالْقَمَر . 1594 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَلَم بْن قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , عَنْ الْحَسَن : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } قَالَ : ابْتَلَاهُ بِالْكَوْكَبِ , وَبِالشَّمْسِ , وَالْقَمَر , فَوَجَدَهُ صَابِرًا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1595 - حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْكَلِمَات الَّتِي ابْتَلَى بِهِنَّ إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّك أَنْت التَّوَّاب الرَّحِيم رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } . 2 127 : 129 وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ اخْتَبَرَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ بِكَلِمَاتٍ أَوْحَاهُنَّ إلَيْهِ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَل بِهِنَّ وَأَتَمّهنَّ , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَ . وَجَائِز أَنْ تَكُون تِلْكَ الْكَلِمَات جَمِيع مَا ذَكَره مِنْ ذِكْرنَا قَوْله فِي تَأْوِيل الْكَلِمَات , وَجَائِز أَنْ تَكُون بَعْضه ; لِأَنَّ إبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ قَدْ كَانَ امْتَحَنَ فِيمَا بَلَغَنَا بِكُلِّ ذَلِكَ , فَعَمِلَ بِهِ وَقَامَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّه وَأَمْره الْوَاجِب عَلَيْهِ فِيهِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز لِأَحَدِ أَنْ يَقُول : عَنَى اللَّه بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهِنَّ إبْرَاهِيم شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ دُون شَيْء , وَلَا عَنَى بِهِ كُلّ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا مِنْ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ إجْمَاع مِنْ الْحُجَّة ; وَلَمْ يَصِحّ فِيهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ خَبَر عَنْ الرَّسُول بِنَقْلِ الْوَاحِد , وَلَا بِنَقْلِ الْجَمَاعَة الَّتِي يَجِب التَّسْلِيم لِمَا نَقَلْته . غَيْر أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَظِير مَعْنَى ذَلِكَ خَبَرَانِ لَوْ ثَبَتَا , أَوْ أَحَدهمَا , كَانَ الْقَوْل بِهِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب . أَحَدهمَا مَا : 1596 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا رَاشِد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي رَيَّان بْن فَائِد , عَنْ سَهْل بْن مُعَاذ بْن أَنَس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَلَا أُخْبِركُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى ؟ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول كُلَّمَا أَصْبَحَ وَكُلَّمَا أَمْسَى : { فَسُبْحَان اللَّه حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ } حَتَّى يَخْتِم الْآيَة " . وَالْآخَر مِنْهُمَا مَا : 1597 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة . قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ جَعْفَر بْن الزَّبِير , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } 53 37 قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا وَفَّى " ؟ قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : " وَفِي عَمَل يَوْمه أَرْبَع رَكَعَات فِي النَّهَار " . فَلَوْ كَانَ خَبَر سَهْل بْن مُعَاذ عَنْ أَبِيهِ صَحِيحًا سَنَده . كَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْكَلِمَات الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهِنَّ إبْرَاهِيم فَقَامَ بِهِنَّ هُوَ قَوْله كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى : { فَسُبْحَان اللَّه حِين تُمْسُونَ وَحِين تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَعَشِيًّا وَحِين تُظْهِرُونَ } . 30 17 : 18 أَوْ كَانَ خَبَر أَبِي أُمَامَةَ عُدُولًا نَقَلْته , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْكَلِمَات الَّتِي أُوحِينَ إلَى إبْرَاهِيم فَابْتُلِيَ بِالْعَمَلِ بِهِنَّ أَنْ يُصَلِّي كُلّ يَوْم أَرْبَع رَكَعَات . غَيْر أَنَّهُمَا خَبَرَانِ فِي أَسَانِيدهمَا نَظَر . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي مَعْنَى الْكَلِمَات الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ ابْتَلَى بِهِنَّ إبْرَاهِيم مَا بَيَّنَّا آنِفًا . وَلَوْ قَالَ قَائِل فِي ذَلِكَ : إنَّ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد وَأَبُو صَالِح وَالرَّبِيع بْن أَنَس أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ غَيْرهمْ ; كَانَ مَذْهَبًا , لِأَنَّ قَوْله : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَقَوْله : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } 2 125 وَسَائِر الْآيَات الَّتِي هِيَ نَظِير ذَلِكَ كَالْبَيَانِ عَنْ الْكَلِمَات الَّتِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ ابْتَلَى بِهِنَّ إبْرَاهِيم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَتَمّهنَّ } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَأَتَمّهنَّ } فَأَتَمَّ إبْرَاهِيم الْكَلِمَات , وَإِتْمَامه إيَّاهُنَّ إكْمَاله إيَّاهُنَّ بِالْقِيَامِ لِلَّهِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ وَهُوَ الْوَفَاء الَّذِي قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } 53 37 يَعْنِي وَفَّى بِمَا عُهِدَ إلَيْهِ بِالْكَلِمَاتِ , فَأَمَرَهُ بِهِ مِنْ فَرَائِضه وَمِحَنه فِيهَا . كَمَا :
1598

- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَأَتَمّهنَّ } أَيْ فَأَدَّاهُنَّ . 1599 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَأَتَمّهنَّ } أَيْ عَمِلَ بِهِنَّ , فَأَتَمّهنَّ . 1600 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَأَتَمّهنَّ } أَيْ عَمِلَ بِهِنَّ فَأَتَمّهنَّ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } فَقَالَ اللَّه : يَا إبْرَاهِيم إنِّي مُصَيِّرك لِلنَّاسِ إمَامًا يُؤْتَمّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ . كَمَا : 1601 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا

} لِيُؤْتَمّ بِهِ , وَيُقْتَدَى بِهِ ; يُقَال مِنْهُ : أَمَمْت الْقَوْم فَأَنَا أَؤُمّهُمْ أَمًّا وَإِمَامَة إذَا كُنْت إمَامهمْ . وَإِنَّمَا أَرَادَ جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ لِإِبْرَاهِيم : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } إنِّي مُصَيِّرك تَؤُمّ مَنْ بَعْدك مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِي وَبِرُسُلِي , فَتَقَدَّمَهُمْ أَنْت , وَيَتَّبِعُونَ هَدْيك , وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِك الَّتِي تَعْمَل بِهَا بِأَمْرِي إيَّاكَ وَوَحْيِي إلَيْك .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ , قَالَ إبْرَاهِيم لَمَّا رَفَعَ اللَّه مَنْزِلَته وَكَرَّمَهُ , فَأَعْلَمَهُ مَا هُوَ صَانِع بِهِ مِنْ تَصْيِيره إمَامًا فِي الْخَيْرَات لِمَنْ فِي عَصْره وَلِمَنْ جَاءَ بَعْده مِنْ ذُرِّيَّته وَسَائِر النَّاس غَيْرهمْ يَهْتَدِي بِهَدْيِهِ وَيَقْتَدِي بِأَفْعَالِهِ وَأَخْلَاقه : يَا رَبّ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فَاجْعَلْ أَئِمَّة يَقْتَدِي بِهِمْ كَاَلَّذِي ) جَعَلْتنِي إمَامًا يُؤْتَمّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِي ! مَسْأَلَة مَنَّ إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ سَأَلَهُ إيَّاهَا . كَمَا : 1602 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر ,

عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ إبْرَاهِيم : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } يَقُول : فَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُؤْتَمّ بِهِ وَيُقْتَدَى بِهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض النَّاس أَنَّ قَوْل إبْرَاهِيم : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } مَسْأَلَة مَنَّهُ رَبُّه لِعَقِبِهِ أَنْ يَكُونُوا عَلَى عَهْده وَدِينه , كَمَا قَالَ : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُد الْأَصْنَام } 14 35 فَأَخْبَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ فِي عَقِبه الظَّالِم الْمُخَالِف لَهُ فِي دِينه بِقَوْلِهِ : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } . وَالظَّاهِر مِنْ التَّنْزِيل يَدُلّ عَلَى غَيْر الَّذِي قَالَهُ صَاحِب هَذِهِ الْمَقَالَة ; لِأَنَّ قَوْل إبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } فِي إثْر قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا } فَمَعْلُوم أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ إبْرَاهِيم لِذُرِّيَّتِهِ لَوْ كَانَ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَ رَبّه أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهُ لَكَانَ مُبَيِّنًا ; وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَة لَمَّا كَانَتْ مِمَّا جَرَى ذِكْره , اكْتَفَى بِالذِّكْرِ الَّذِي قَدْ مَضَى مِنْ تَكْرِيره وَإِعَادَته , فَقَالَ : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } بِمَعْنَى : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فَاجْعَلْ مِثْل الَّذِي جَعَلْتنِي بِهِ مِنْ الْإِمَامَة لِلنَّاسِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } . هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَنَّ الظَّالِم لَا يَكُون إمَامًا يَقْتَدِي بِهِ أَهْل الْخَيْر , وَهُوَ مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ جَوَاب لِمَا تُوُهِّمَ فِي مَسْأَلَته إيَّاهُ أَنْ يَجْعَل مِنْ ذُرِّيَّته أَئِمَّة مِثْله , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَاعِل ذَلِكَ إلَّا بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الظُّلْم مِنْهُمْ , فَإِنَّهُ غَيَّرَ مَصِيره كَذَلِكَ , وَلَا جَاعِله فِي مَحَلّ أَوْلِيَائِهِ عِنْده بِالتَّكْرِمَةِ بِالْإِمَامَةِ ; لِأَنَّ الْإِمَامَة إنَّمَا هِيَ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَته دُون أَعْدَائِهِ وَالْكَافِرِينَ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْعَهْد الَّذِي حَرَّمَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ الظَّالِمِينَ أَنْ يَنَالُوهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ الْعَهْد هُوَ النُّبُوَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1603 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } يَقُول : عَهْدِي , نُبُوَّتِي . فَمَعْنَى قَائِل هَذَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل الْآيَة : لَا يَنَال النُّبُوَّة أَهْل الظُّلْم وَالشِّرْك . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْعَهْد عَهْد الْإِمَامَة , فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى قَوْلهمْ : لَا أَجْعَل مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّتك بِأَسْرِهِمْ ظَالِمًا إمَامًا لِعِبَادِي يُقْتَدَى بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَكُون إمَام ظَالِمًا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح

, عَنْ مُجَاهِد : { قَالَ } اللَّه : { لَا يَنَال عَهْدِي الطَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَكُون إمَام ظَالِمًا . 1605 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عِكْرِمَة بِمِثْلِهِ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَكُون إمَام ظَالِم يُقْتَدَى بِهِ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنَا مَسْرُوق بْن أَبَانَ الْحَطَّاب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا أَجْعَل إمَامًا ظَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن خَالِد الزِّنْجِيّ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا أَجْعَل إمَامًا ظَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَكُون إمَامًا ظَالِم . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَمَّا عَطَاء فَإِنَّهُ قَالَ : { إنِّي جَاعِلك لِلنَّاسِ إمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } فَأَبَى أَنْ يَجْعَل مِنْ ذُرِّيَّته ظَالِمًا إمَامًا ; قُلْت لِعَطَاءِ : مَا عَهْده ؟ قَالَ : أَمْره . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا عَهْد عَلَيْك لِظَالِمِ أَنْ تُطِيعهُ فِي ظُلْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1606 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } يَعْنِي لَا عَهْد لِظَالِمِ عَلَيْك فِي ظُلْمه أَنْ تُطِيعهُ فِيهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ مُسْلِم الْأَعْوَر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَيْسَ لِلظَّالِمِينَ عَهْد , وَإِنْ عَاهَدْته فَأَنْقِضْهُ . * حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هَارُونَ بْن عَنْتَرَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَيْسَ لِظَالِمِ عَهْد . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْعَهْد فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْأَمَان . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَعْنَى قَوْلهمْ , قَالَ اللَّه : لَا يَنَال أَمَانِيّ أَعْدَائِي , وَأَهْل الظُّلْم لِعِبَادِي ; أَيْ لَا أُؤَمِّنهُمْ مِنْ عَذَابِي فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1607 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } ذَلِكُمْ عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة لَا يَنَال عَهْده ظَالِم , فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالُوا عَهْد اللَّه , فَوَارَثُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَادُوهُمْ وَنَاكَحُوهُمْ بِهِ , فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَصَرَ اللَّه عَهْده وَكَرَامَته عَلَى أَوْلِيَائِهِ . 1608 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَنَال عَهْد اللَّه فِي الْآخِرَة الظَّالِمُونَ , فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِم وَأَكَلَ بِهِ وَعَاشَ . 1609 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم : { قَالَ لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَنَال عَهْد اللَّه فِي الْآخِرَة الظَّالِمُونَ , فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ نَالَهُ الظَّالِم فَأَمِنَ بِهِ وَأَكَلَ وَأَبْصَرَ وَعَاشَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْعَهْد الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع : دِين اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1610 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ اللَّه لِإِبْرَاهِيم : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } فَقَالَ : فَعَهْد اللَّه الَّذِي عَهِدَ إلَى عِبَاده : دِينه . يَقُول : لَا يَنَال دِينه الظَّالِمِينَ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إسْحَاق وَمِنْ ذُرِّيَّتهمَا مُحْسِن وَظَالِم لِنَفْسِهِ مُبِين } 37 113 يَقُول : لَيْسَ كُلّ ذُرِّيَّتك يَا إبْرَاهِيم عَلَى الْحَقّ . 1611 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن جَعْفَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَنَال عَهْدِي عَدُوّ لِي يَعْصِينِي , وَلَا أَنْحَلهَا إلَّا وَلِيًّا يُطِيعنِي . وَهَذَا الْكَلَام وَإِنْ كَانَ ظَاهِره ظَاهِر خَبَر عَنْ أَنَّهُ لَا يَنَال مِنْ وَلَد إبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ عَهْد اللَّه الَّذِي هُوَ النُّبُوَّة وَالْإِمَامَة لِأَهْلِ الْخَيْر , بِمَعْنَى الِاقْتِدَاء بِهِ فِي الدُّنْيَا , وَالْعَهْد الَّذِي بِالْوَفَاءِ بِهِ يَنْجُو فِي الْآخِرَة , مَنْ وَفَّى لِلَّهِ بِهِ فِي الدُّنْيَا , مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ظَالِمًا مُتَعَدِّيًا جَائِرًا عَنْ قَصْد سَبِيل الْحَقّ . فَهُوَ إعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِإِبْرَاهِيم أَنَّ مِنْ وَلَده مَنْ يُشْرِك بِهِ , وَيَجُوز عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَيَظْلِم نَفْسه وَعِبَاده . كَاَلَّذِي : 1612 - حَدَّثَنِي إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بِشْر , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمِينَ } قَالَ : إنَّهُ سَيَكُونُ فِي ذُرِّيَّتك ظَالِمُونَ . وَأَمَّا نَصْب الظَّالِمِينَ , فَلِأَنَّ الْعَهْد هُوَ الَّذِي لَا يَنَال الظَّالِمِينَ . وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : { لَا يَنَال عَهْدِي الظَّالِمُونَ } بِمَعْنَى أَنَّ الظَّالِمِينَ هُمْ الَّذِينَ لَا يَنَالُونَ عَهْد اللَّه . وَإِنَّمَا جَازَ الرَّفْع فِي الظَّالِمِينَ وَالنَّصْب , وَكَذَلِكَ فِي الْعَهْد ; لِأَنَّ كُلّ مَا نَالَ الْمَرْء فَقَدْ نَالَهُ الْمَرْء , كَمَا يُقَال : نَالَنِي خَيْر فُلَان وَنِلْت خَيْره , فَيُوَجِّه الْفِعْل مَرَّة إلَى الْخَيْر وَمَرَّة إلَى نَفْسه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الظُّلْم فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إعَادَته .
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِسورة البقرة الآية رقم 125
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } / أَمَّا قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة } فَإِنَّهُ عَطَفَ ب " إذْ " عَلَى قَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } . وَقَوْله : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ } مَعْطُوف عَلَى قَوْله : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِي } 2 122 وَاذْكُرُوا إذَا ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ , وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة . وَالْبَيْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه مَثَابَة لِلنَّاسِ هُوَ الْبَيْت الْحَرَام . وَأَمَّا الْمَثَابَة فَإِنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَاهَا , وَالسَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أُنِّثَتْ ; فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُلْحِقَتْ الْهَاء فِي الْمَثَابَة لَمَّا كَثُرَ مَنْ يُثَوِّب إلَيْهِ , كَمَا يُقَال سَيَّارَة لِمَنْ يُكْثِر ذَلِكَ وَنَسَّابَة . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ الْمَثَاب وَالْمَثَابَة بِمَعْنَى وَاحِد , نَظِيره الْمَقَام وَالْمَقَامَة ذَكَرَ عَلَى قَوْله لِأَنَّهُ يُرِيد بِهِ الْمَوْضِع الَّذِي يُقَام فِيهِ , وَأُنِّثَتْ الْمَقَامَة لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْبُقْعَة . وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُون الْمَثَابَة كَالسَّيَّارَةِ وَالنَّسَّابَة , وَقَالُوا : إنَّمَا أُدْخِلَتْ الْهَاء فِي السَّيَّارَة وَالنَّسَّابَة تَشْبِيهًا لَهَا بِالدَّاعِيَةِ ; وَالْمَثَابَة مَفْعَلَة مِنْ ثَابَ الْقَوْم إلَى الْمَوْضِع : إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ فَهُمْ يَثُوبُونَ إلَيْهِ مَثَابًا وَمَثَابَة وَثَوَابًا . فَمَعْنَى قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَرْجِعًا لِلنَّاسِ وَمَعَاذًا يَأْتُونَهُ كُلّ عَام وَيَرْجِعُونَ إلَيْهِ , فَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا . وَمِنْ الْمَثَاب قَوْل وَرَقَة بْن نَوْفَل فِي صِفَة الْحَرَم : مَثَاب لِأَفْنَاءِ الْقَبَائِل كُلّهَا تَخُبّ إلَيْهِ الْيَعْمَلَاتُ الصَّلَائِحُ وَمِنْهُ قِيلَ : ثَابَ إلَيْهِ عَقْله , إذَا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْد عُزُوبه عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1613 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي

الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَثُوبُونَ إلَيْهِ , لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا . 1614 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : أَمَّا الْمَثَابَة فَهُوَ الَّذِي يَثُوبُونَ إلَيْهِ كُلّ سَنَة لَا يَدَعهُ الْإِنْسَان إذَا أَتَاهُ مَرَّة أَنْ يَعُود إلَيْهِ . 1615 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا , يَأْتُونَهُ ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ إلَيْهِ . 1616 - وَحَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : حَدَّثَنِي الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : قَالَ أَبُو عَمْرو , حَدَّثَنِي عَبَدَة بْن أَبِي لُبَابَة فِي قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : لَا يَنْصَرِف عَنْهُ مُنْصَرَف وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى مِنْهُ وَطَرًا . 1617 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَثُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ مَكَان , وَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 1618 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمَّار الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا سَهْل بْن عَامِر , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا . 1619 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَحُجُّونَ وَيَثُوبُونَ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي الْهُذَيْلِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَحُجُّونَ , ثُمَّ يَحُجُّونَ , وَلَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ غَالِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَثُوبُونَ إلَيْهِ . 1620 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ وَأَمْنًا } قَالَ : مَجْمَعًا . 1621 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَثُوبُونَ إلَيْهِ . 1622 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَثُوبُونَ إلَيْهِ . 1623 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْت مَثَابَة لِلنَّاسِ } قَالَ : يَثُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ الْبُلْدَان كُلّهَا وَيَأْتُونَهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَمْنًا } . وَالْأَمْن : مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل أَمِنَ يَأْمَن أَمْنًا . وَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّه أَمْنًا لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَعَاذًا لِمَنْ اسْتَعَاذَ بِهِ , وَكَانَ الرَّجُل مِنْهُمْ لَوْ لَقِيَ بِهِ قَاتِل أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ لَمْ يَهْجُهُ وَلَمْ يَعْرِض لَهُ حَتَّى يَخْرَج مِنْهُ , وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّف النَّاس مِنْ حَوْلهمْ } . 29 67 1624 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَمْنًا } قَالَ : مِنْ أَمَّ إلَيْهِ فَهُوَ آمِن ; كَانَ الرَّجُل يَلْقَى قَاتِل أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ فَلَا يَعْرِض لَهُ . 1625 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا { أَمْنًا } فَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا . 1626 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَأَمْنًا } قَالَ : تَحْرِيمه لَا يَخَاف فِيهِ مَنْ دَخَلَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1627 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَأَمْنًا } يَقُول : أَمْنًا مِنْ الْعَدُوّ أَنْ يَحْمِل فِيهِ السِّلَاح , وَقَدْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُتَخَطَّف النَّاس مِنْ حَوْلهمْ وَهُمْ آمِنُونَ لَا يَسُبُّونَ . 1628 -

حُدِّثْت عَنْ الْمِنْجَاب , قَالَ : أَخْبَرَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَأَمْنًا } قَالَ : أَمْنًا لِلنَّاسِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَأَمْنًا } قَالَ : تَحْرِيمه لَا يَخَاف فِيهِ مَنْ دَخَلَهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } . اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } بِكَسْرِ الْخَاء عَلَى وَجْه الْأَمْر بِاِتِّخَاذِهِ مُصَلَّى ; وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَة وَالْبَصْرَة , وَقِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَبَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة . وَذَهَبَ إلَيْهِ الَّذِينَ قَرَءُوهُ كَذَلِكَ مِنْ الْخَبَر الَّذِي : 1629 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَا : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , لَوْ اتَّخَذْت الْمَقَام مُصَلَّى ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة جَمِيعًا , عَنْ حُمَيْدٍ , عَنْ أَنَس , عَنْ عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا حُمَيْد , عَنْ أَنَس , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , فَذَكَرَ مِثْله . قَالُوا : فَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره هَذِهِ الْآيَة أَمْرًا مِنْهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاِتِّخَاذِ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى ; فَغَيْر جَائِز قِرَاءَتهَا وَهِيَ أَمْر عَلَى وَجْه الْخَبَر . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ قَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } مَعْطُوف عَلَى قَوْله : { يَا بَنِي إسْرَائِيل اُذْكُرُوا نِعْمَتِي } 2 122 { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } فَكَانَ الْأَمْر بِهَذِهِ الْآيَة وَبِاِتِّخَاذِ الْمُصَلَّى مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم عَلَى قَوْل هَذَا الْقَائِل لِلْيَهُودِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا : 1630 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن أَنَس بِمَا حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : مِنْ الْكَلِمَات الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهِنَّ إبْرَاهِيم قَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى , فَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْف الْمَقَام . فَتَأْوِيل قَائِل هَذَا الْقَوْل : { وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَقَالَ : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } . وَالْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل , يَدُلّ عَلَى خِلَاف الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ , وَأَنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَجَمِيع الْخَلْق الْمُكَلَّفِينَ . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّام : { وَاِتَّخَذُوا } بِفَتْحِ الْخَاء عَلَى وَجْه الْخَبَر . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الَّذِي عُطِفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { وَاِتَّخَذُوا } إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ عَلَى وَجْه الْخَبَر , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : تَأْوِيله إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَإِذْ اتَّخَذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ ذَلِكَ مَعْطُوف عَلَى قَوْله : { جَعَلْنَا } فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قَوْله : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَاِتَّخَذُوهُ مُصَلًّى . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل وَالْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { وَاِتَّخِذُوا } بِكَسْرِ الْخَاء , عَلَى تَأْوِيل الْأَمْر بِاِتِّخَاذِ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى ; لِلْخَبَرِ الثَّابِت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا , وَأَنَّ عَمْرو بْن عَلِيّ : 1631 - حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } وَفِي مَقَام إبْرَاهِيم . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَقَام

إبْرَاهِيم : هُوَ الْحَجّ كُلّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1632 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { مَقَام إبْرَاهِيم } قَالَ : الْحَجّ كُلّه مَقَام إبْرَاهِيم . 1633 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } قَالَ : الْحَجّ كُلّه . 1634 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان . عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْحَجّ كُلّه مَقَام إبْرَاهِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَقَام إبْرَاهِيم عَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة وَالْجِمَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1635 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } قَالَ : لِأَنِّي قَدْ جَعَلْته إمَامًا فَمَقَامه عَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة وَالْجِمَار . 1636 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } قَالَ : مَقَامه جَمْع وَعَرَفَة وَمِنَى ; لَا أَعْلَمهُ إلَّا وَقَدْ ذَكَرَ مَكَّة . 1637 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } قَالَ : مَقَامه عَرَفَة . 1638 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة مَقَام إبْرَاهِيم : { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينَكُمْ } 5 3 الْآيَة . * حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَقَام إبْرَاهِيم : الْحَرَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1639 - حُدِّثْت عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } قَالَ : الْحَرَم كُلّه مَقَام إبْرَاهِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَقَام إبْرَاهِيم : الْحَجَر الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيم حِين ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ , وَضَعَفَ عَنْ رَفْع الْحِجَارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1640 - حَدَّثَنَا سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الْمَجِيد الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن نَافِع , قَالَ : سَمِعْت كَثِير بْن كَثِير يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ إبْرَاهِيم يَبْنِيه , وَإِسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة , وَيَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } 2 127 فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَان وَضَعَفَ الشَّيْخ عَنْ رَفْع الْحِجَارَة قَامَ عَلَى حَجَر , فَهُوَ مَقَام إبْرَاهِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَقَام إبْرَاهِيم , هُوَ مَقَامه الَّذِي هُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1641 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } إنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عِنْده وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ , وَلَقَدْ تَكَلَّفَتْ هَذِهِ الْأُمَّة شَيْئًا مِمَّا تَكَلَّفَتْهُ الْأُمَم قَبْلهَا , وَلَقَدْ ذَكَرَ لَنَا بَعْض مَنْ رَأَى عَقِبه وَأَصَابِعه , فَمَا زَالَتْ هَذِهِ الْأُمَم يَمْسَحُونَهُ حَتَّى اخْلَوْلَقَ وَانْمَحَى . 1642 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } فَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْف الْمَقَام . 1643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } وَهُوَ الصَّلَاة عِنْد مَقَامه فِي الْحَجّ . وَالْمَقَام : هُوَ الْحَجَر الَّذِي كَانَتْ زَوْجَة إسْمَاعِيل وَضَعَتْهُ تَحْت قَدَم إبْرَاهِيم حِين غَسَلَتْ رَأْسه , فَوَضَعَ إبْرَاهِيم رِجْله عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكِب , فَغَسَلَتْ شِقّه ثُمَّ دَفَعَتْهُ مِنْ تَحْته وَقَدْ غَابَتْ رِجْله فِي الْحَجَر , فَوَضَعَتْهُ تَحْت الشِّقّ الْآخَر فَغَسَلَتْهُ , فَغَابَتْ رِجْله أَيْضًا فِيهِ , فَجَعَلَهَا اللَّه مِنْ شَعَائِره , فَقَالَ : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدنَا مَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ إنَّ مَقَام إبْرَاهِيم : هُوَ الْمَقَام الْمَعْرُوف بِهَذَا الِاسْم , الَّذِي هُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام ; لِمَا رَوَيْنَا آنِفًا عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَلِمَا : 1644 - حَدَّثَنَا يُوسُف بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا حَاتِم بْن إسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَابِر قَالَ : اسْتَلَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّكْن , فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا , ثُمَّ تَقَدَّمَ إلَى مَقَام إبْرَاهِيم فَقَرَأَ : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } فَجَعَلَ الْمَقَام بَيْنه وَبَيْن الْبَيْت فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ . فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُنْبِئَانِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا عَنَى بِمَقَامِ إبْرَاهِيم الَّذِي أَمَرَنَا اللَّه بِاِتِّخَاذِهِ مُصَلَّى هُوَ الَّذِي وَصَفْنَا . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صِحَّة مَا اخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَكَانَ الْوَاجِب فِيهِ مِنْ الْقَوْل مَا قُلْنَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَام مَحْمُول مَعْنَاهُ عَلَى ظَاهِره الْمَعْرُوف دُون بَاطِنه الْمَجْهُول , حَتَّى يَأْتِي مَا يَدُلّ عَلَى خِلَاف ذَلِكَ مِمَّا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوف فِي النَّاس بِمَقَامِ إبْرَاهِيم هُوَ الْمُصَلَّى الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل مُخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمُدَّعَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1645 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى } قَالَ : مُصَلَّى إبْرَاهِيم مُدَّعَى . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : اتَّخِذُوا مُصَلَّى تُصَلُّونَ عِنْده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1646 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا عِنْده . 1647 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هُوَ الصَّلَاة عِنْده . فَكَأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا تَأْوِيل الْمُصَلَّى هَهُنَا الْمُدَّعَى , وَجَّهُوا الْمُصَلَّى إلَى أَنَّهُ مُفْعَل مِنْ قَوْل الْقَائِل : صَلَّيْت بِمَعْنَى دَعَوْت . وَقَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة هُمْ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ مَقَام إبْرَاهِيم هُوَ الْحَجّ كُلّه . فَكَانَ مَعْنَاهُ فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة : وَاِتَّخِذُوا عَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة وَالْمَشْعَر وَالْجِمَار وَسَائِر أَمَاكِن الْحَجّ الَّتِي كَانَ إبْرَاهِيم يَقُوم بِهَا مَدَاعِي تَدْعُونَنِي عِنْدهَا , وَتَأْتَمُّونَ بِإِبْرَاهِيم خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَام فِيهَا , فَإِنِّي قَدْ جَعَلْته لِمَنْ بَعْده مِنْ أَوْلِيَائِي وَأَهْل طَاعَتِي إمَامًا يَقْتَدُونَ بِهِ وَبِآثَارِهِ , فَاقْتَدُوا بِهِ . وَأَمَّا تَأْوِيل الْقَائِلِينَ الْقَوْل الْآخَر , فَإِنَّهُ : اتَّخِذُوا أَيّهَا النَّاس مِنْ مَقَام إبْرَاهِيم مُصَلَّى تُصَلُّونَ عِنْده , عِبَادَة مِنْكُمْ , وَتَكْرِمَة مِنِّي لِإِبْرَاهِيم . وَهَذَا الْقَوْل هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَعَهِدْنَا } وَأَمَرْنَا . كَمَا : 1648 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : مَا عَهْده ؟ قَالَ : أَمْره . 1649 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم } قَالَ : أَمَرْنَاهُ . فَمَعْنَى الْآيَة : وَأَمَرْنَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بِتَطْهِيرِ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ . وَالتَّطْهِير الَّذِي أَمَرَهُمَا اللَّه بِهِ فِي الْبَيْت , هُوَ تَطْهِيره مِنْ الْأَصْنَام وَعِبَادَة الْأَوْثَان فِيهِ وَمِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا مَعْنَى قَوْله : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } وَهَلْ كَانَ أَيَّام إبْرَاهِيم قَبْل بِنَائِهِ الْبَيْت بَيْت يَطْهُر مِنْ الشِّرْك وَعِبَادَة الْأَوْثَان فِي الْحَرَم , فَيَجُوز أَنْ يَكُونَا أَمْرًا بِتَطْهِيرِهِ ؟


قِيلَ : لِذَلِكَ وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل , قَدْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ ابْنِيَا بَيْتِي مُطَّهَرًا مِنْ الشِّرْك وَالرَّيْب , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّه وَرِضْوَان خَيْر أَمْ مَنْ أُسِّسَ بُنْيَانه عَلَى شَفَا جُرُف هَار } , 9 109 فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي } أَيْ ابْنِيَا بَيْتِي عَلَى طُهْر مِنْ الشِّرْك بِي وَالرَّيْب . كَمَا : 1650 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي } يَقُول : ابْنِيَا بَيْتِي . فَهَذَا أَحَد وَجْهَيْهِ , وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَا أَمْرًا بِأَنْ يُطَهِّرَا مَكَان الْبَيْت قَبْل بُنْيَانه وَالْبَيْت بَعْد بُنْيَانه مِمَّا كَانَ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ يَجْعَلُونَهُ فِيهِ عَلَى عَهْد نُوح وَمَنْ قَبْله مِنْ الْأَوْثَان , لِيَكُونَ ذَلِكَ سُنَّة لِمَنْ بَعْدهمَا , إذْ كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ جَعَلَ إبْرَاهِيم إمَامًا يَقْتَدِي بِهِ مَنْ بَعْده . كَمَا : 1651 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { أَنْ طَهِّرَا } قَالَ : مِنْ الْأَصْنَام الَّتِي يَعْبُدُونَ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعَظِّمُونَهَا . 1652 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } قَالَ : مِنْ الْأَوْثَان وَالرَّيْب . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , مِثْله . 1653 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مِنْ الشِّرْك . 1654 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد : { طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } قَالَ : مِنْ الْأَوْثَان . 1655 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } قَالَ : مِنْ الشِّرْك وَعِبَادَة الْأَوْثَان . 1656 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة بِمِثْلِهِ , وَزَادَ فِيهِ : وَقَوْل الزُّور .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلطَّائِفِينَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الطَّائِفِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ الْغُرَبَاء الَّذِينَ يَأْتُونَ الْبَيْت الْحَرَام مِنْ غُرْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1657 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا أَبُو حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { لِلطَّائِفِينَ

} قَالَ : مَنْ أَتَاهُ مِنْ غُرْبَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الطَّائِفُونَ هُمْ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِهِ غُرَبَاء كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ عَطَاء : { لِلطَّائِفِينَ } قَالَ : إذَا كَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ , فَهُوَ مِنْ الطَّائِفِينَ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ مَا قَالَهُ عَطَاء ; لِأَنَّ الطَّائِف هُوَ الَّذِي يَطُوف بِالشَّيْءِ دُون غَيْره , وَالطَّارِئ مِنْ غُرْبَة لَا يَسْتَحِقّ اسْم طَائِف بِالْبَيْتِ إنْ لَمْ يَطُفْ بِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْعَاكِفِينَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالْعَاكِفِينَ } وَالْمُقِيمِينَ بِهِ , وَالْعَاكِف عَلَى الشَّيْء : هُوَ الْمُقِيم عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَانَ : عُكُوفًا لَدَى أَبْيَاتهمْ يَثْمِدُونَهُمْ رَمَى اللَّه فِي تِلْكَ الْأَكُفّ الْكَوَانِع وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُعْتَكِفِ مُعْتَكِف مِنْ أَجْل مَقَامه فِي الْمَوْضِع الَّذِي حَبَسَ فِيهِ نَفْسه لِلَّهِ تَعَالَى . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَالْعَاكِفِينَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ الْجَالِس فِي الْبَيْت الْحَرَام بِغَيْرِ طَوَاف وَلَا صَلَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1659 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : إذَا كَانَ طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفِينَ , وَإِذَا كَانَ جَالِسًا فَهُوَ مِنْ الْعَاكِفِينَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْعَاكِفُونَ هُمْ الْمُعْتَكِفُونَ الْمُجَاوِرُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1660 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : { طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } قَالَ : الْمُجَاوِرُونَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْعَاكِفُونَ هُمْ أَهْل الْبَلَد الْحَرَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1661 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا أَبُو حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { وَالْعَاكِفِينَ } قَالَ : أَهْل الْبَلَد . 1662 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالْعَاكِفِينَ } قَالَ : الْعَاكِفُونَ : أَهْله . وَقَالَ آخَرُونَ : الْعَاكِفُونَ : هُمْ الْمُصَلُّونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1663 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } قَالَ : الْعَاكِفُونَ : الْمُصَلُّونَ . وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَات بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ عَطَاء , وَهُوَ أَنَّ الْعَاكِف فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمُقِيم فِي الْبَيْت مُجَاوِرًا فِيهِ بِغَيْرِ طَوَاف وَلَا صَلَاة , لِأَنَّ صِفَة الْعُكُوف مَا وَصَفْنَا مِنْ الْإِقَامَة بِالْمَكَانِ . وَالْمُقِيم بِالْمَكَانِ قَدْ يَكُون مُقِيمًا بِهِ وَهُوَ جَالِس وَمُصَلٍّ


وَطَائِف وَقَائِم , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَال ; فَلَمَّا كَانَ تَعَالَى ذِكْره قَدْ ذَكَرَ فِي قَوْله : { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّع السُّجُود } الْمُصَلِّينَ وَالطَّائِفِينَ , عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَال الَّتِي عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره مِنْ الْعَاكِف غَيْر حَال الْمُصَلِّي وَالطَّائِف , وَأَنَّ الَّتِي عَنَى مِنْ أَحْوَاله هُوَ الْعُكُوف بِالْبَيْتِ عَلَى سَبِيل الْجِوَار فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا فِيهِ وَلَا رَاكِعًا وَلَا سَاجِدًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالرُّكَّع السُّجُود } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالرُّكَّع } جَمَاعَة الْقَوْم الرَّاكِعِينَ فِيهِ لَهُ , وَاحِدهمْ رَاكِع . وَكَذَلِكَ السُّجُود هُمْ جَمَاعَة الْقَوْم السَّاجِدِينَ فِيهِ لَهُ وَاحِدهمْ سَاجِد , كَمَا يُقَال رَجُل قَاعِد وَرِجَال قُعُود وَرَجُل جَالِس وَرِجَال جُلُوس ; فَكَذَلِكَ رَجُل سَاجِد وَرِجَال سُجُود . وَقِيلَ : بَلْ عَنَى بِالرُّكَّعِ السُّجُود : الْمُصَلِّينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1664 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ عَطَاء : {

وَالرُّكَّع السُّجُود } قَالَ : إذَا كَانَ يُصَلِّي فَهُوَ مِنْ الرُّكَّع السُّجُود . 1665 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَالرُّكَّع السُّجُود } أَهْل الصَّلَاة . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى بَيَان مَعْنَى الرُّكُوع وَالسُّجُود , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته هَهُنَا .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُسورة البقرة الآية رقم 126
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا } وَاذْكُرُوا إذْ قَالَ إبْرَاهِيم : رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَد بَلَدًا آمِنًا , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : آمِنًا : آمِنًا مِنْ الْجَبَابِرَة وَغَيْرهمْ أَنْ يُسَلَّطُوا عَلَيْهِ , وَمِنْ عُقُوبَة اللَّه أَنْ تَنَالهُ , كَمَا تَنَال سَائِر الْبُلْدَان , مِنْ خَسْف , وَائْتِفَاك , وَغَرَق , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سَخَط اللَّه وَمُثُلَاته الَّتِي تُصِيب سَائِر الْبِلَاد غَيْره . كَمَا : 1666 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَرَم حَرَم بِحِيَالِهِ إلَى الْعَرْش , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْبَيْت هَبَطَ مَعَ آدَم حِين هَبَطَ , قَالَ اللَّه لَهُ : أَهْبِط مَعَك بَيْتِي يُطَاف حَوْله كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي ! فَطَافَ حَوْله آدَم وَمَنْ كَانَ بَعْده مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , حَتَّى إذَا كَانَ زَمَان الطُّوفَان حِين أَغْرَقَ اللَّه قَوْم نُوح رَفَعَهُ وَطَهَّرَهُ وَلَمْ تُصِبْهُ عُقُوبَة أَهْل الْأَرْض , فَتَتَبَّعَ مِنْهُ إبْرَاهِيم أَثَرًا فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاس قَدِيم كَانَ قَبْله . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوَ مَا كَانَ الْحَرَم آمِنًا إلَّا بَعْد أَنْ سَأَلَ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ لَهُ الْأَمَان ؟ قِيلَ لَهُ : لَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَزَلْ الْحَرَم آمِنًا مِنْ عُقُوبَة اللَّه وَعُقُوبَة جَبَابِرَة خَلْقه , مُنْذُ خَلَقْت السَّمَوَات وَالْأَرْض . وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا : 1667 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن أَبِي

سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا شُرَيْح الْخُزَاعِيّ يَقُول : لَمَّا اُفْتُتِحَتْ مَكَّة قَتَلَتْ خُزَاعَة رَجُلًا مِنْ هُذَيْلٍ , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ : " يَا أَيّهَا النَّاس إنَّ اللَّه حَرَّمَ مَكَّة يَوْم خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَهِيَ حَرَام بِحُرْمَةِ اللَّه إلَى يَوْم الْقِيَامَة ; لَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ يَسْفِك بِهَا دَمًا , أَوْ يُعَضِّد بِهَا شَجَرًا . أَلَا وَإِنَّهَا لَا تَحِلّ لِأَحَدِ بَعْدِي وَلَمْ تَحِلّ لِي إلَّا هَذِهِ السَّاعَة غَضَبًا عَلَى أَهْلهَا . أَلَا فَهِيَ قَدْ رَجَعَتْ عَلَى حَالهَا بِالْأَمْسِ . أَلَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ , فَمَنْ قَالَ : إنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَتَلَ بِهَا , فَقُولُوا : إنَّ اللَّه قَدْ أَحَلَّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلّهَا لَك " . 1668 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير جَمِيعًا , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّة حِين افْتَتَحَهَا : " هَذِهِ حَرَم حَرَّمَهُ اللَّه يَوْم خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَخَلَقَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَوَضَعَ هَذَيْنِ الْأَخْشَبَيْنِ , لَمْ تَحِلّ لِأَحَدِ قَبْلِي , وَلَا تَحِلّ لِأَحَدِ بَعْدِي , أُحِلَّتْ لِي سَاعَة مِنْ نَهَار " . قَالُوا : فَمَكَّة مُنْذُ خُلِقَتْ حَرَم آمِن مِنْ عُقُوبَة اللَّه وَعُقُوبَة الْجَبَابِرَة . قَالُوا : وَقَدْ أَخْبَرَتْ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا . قَالُوا : وَلَمْ يَسْأَل إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يُؤَمِّنهُ مِنْ عُقُوبَته وَعُقُوبَة الْجَبَابِرَة , وَلَكِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّن أَهْله مِنْ الْجَدُوب وَالْقُحُوط , وَأَنْ يَرْزُق سَاكِنه مِنْ الثَّمَرَات , كَمَا أَخْبَرَ رَبّه عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } . قَالُوا : وَإِنَّمَا سَأَلَ رَبّه ذَلِكَ , لِأَنَّهُ أَسْكَنَ فِيهِ ذُرِّيَّته , وَهُوَ غَيْر ذِي زَرْع وَلَا ضَرْع , فَاسْتَعَاذَ رَبّه مِنْ أَنْ يُهْلِكهُمْ بِهَا جُوعًا وَعَطَشًا , فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَمِّنهُمْ مِمَّا حَذِرَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ . قَالُوا : وَكَيْف يَجُوز أَنْ يَكُون إبْرَاهِيم سَأَلَ رَبّه تَحْرِيم الْحَرَم , وَأَنْ يُؤَمِّنهُ مِنْ عُقُوبَته وَعُقُوبَة جَبَابِرَة خَلْقه , وَهُوَ الْقَائِل حِين حَلَّهُ , وَنَزَلَهُ بِأَهْلِهِ وَوَلَده : { رَبّنَا إنِّي أَسْكَنْت مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم } ؟ 14 37 قَالُوا : فَلَوْ كَانَ إبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي حَرَّمَ الْحَرَم أَوْ سَأَلَ رَبّه تَحْرِيمه لَمَّا قَالَ : { عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم } 14 37 عِنْد نُزُوله بِهِ , وَلَكِنَّهُ حُرِّمَ قَبْله , وَحُرِّمَ بَعْده . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ الْحَرَم حَلَالًا قَبْل دَعْوَة إبْرَاهِيم كَسَائِرِ الْبِلَاد غَيْره , وَإِنَّمَا صَارَ حَرَامًا بِتَحْرِيمِ إبْرَاهِيم إيَّاهُ , كَمَا كَانَتْ مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالًا قَبْل تَحْرِيم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهَا . قَالُوا : وَالدَّلِيل عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا : 1669 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ إبْرَاهِيم حَرَّمَ بَيْت اللَّه وَأَمَّنَهُ , وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة مَا بَيْن لَابَتَيْهَا لَا يُصَاد صَيْدهَا وَلَا تُقْطَع عِضَاههَا " . 1670 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحِيم الرَّازِيّ , سَمِعْت أَشْعَث , عَنْ نَافِع , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ إبْرَاهِيم كَانَ عَبْد اللَّه وَخَلِيله , وَإِنِّي عَبْد اللَّه وَرَسُوله , وَإِنَّ إبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة مَا بَيْن لَابَتَيْهَا عِضَاهَا وَسَنَدهَا , وَلَا يُحْمَل فِيهَا سِلَاح لِقِتَالِ , وَلَا يُقْطَع مِنْهَا شَجَر إلَّا لِعَلَفِ بَعِير " . 1671 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا قُتَيْبَة بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بَكْر بْن مُضَر , عَنْ ابْن الْهَادِ , عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَان , عَنْ رَافِع بْن خَدِيج , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ إبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة , وَإِنِّي أُحَرِّم لِلْمَدِينَةِ مَا بَيْن لَابَتَيْهَا " . وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي يَطُول بِاسْتِيعَابِهَا الْكِتَاب . قَالُوا : وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي كِتَابه إنَّ إبْرَاهِيم قَالَ : { رَبّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَا آمِنًا } وَلَمْ يُخْبِر عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ أَنْ يَجْعَلهُ آمِنًا مِنْ بَعْض الْأَشْيَاء دُون بَعْض , فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَدَّعِي أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمَان لَهُ مِنْ بَعْض الْأَشْيَاء دُون بَعْض إلَّا بِحُجَّةِ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . قَالُوا : وَأَمَّا خَبَر أَبِي شُرَيْح وَابْن عَبَّاس فَخَبَرَانِ لَا تَثْبُت بِهِمَا حُجَّة لِمَا فِي أَسَانِيدهمَا مِنْ الْأَسْبَاب الَّتِي لَا يَجِب التَّسْلِيم فِيهَا مِنْ أَجْلهَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ مَكَّة حَرَمًا حِين خَلَقَهَا وَأَنْشَأَهَا , كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّمَهَا يَوْم خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض بِغَيْرِ تَحْرِيم مِنْهُ لَهَا عَلَى لِسَان أَحَد مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , وَلَكِنْ بِمَنْعِهِ مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءِ , وَبِدَفْعِهِ عَنْهَا مِنْ الْآفَات وَالْعُقُوبَات , وَعَنْ سَاكِنِيهَا مَا أُحِلّ بِغَيْرِهَا وَغَيْر سَاكِنِيهَا مِنْ النَّقَمَات ; فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ أَمْرهَا حَتَّى بَوَّأَهَا اللَّه إبْرَاهِيم خَلِيله , وَأَسْكَنَ بِهَا أَهْله هَاجَرَ وَوَلَده إسْمَاعِيل , فَسَأَلَ حِينَئِذٍ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ إيجَاد فَرْض تَحْرِيمهَا عَلَى عِبَاده عَلَى لِسَانه , لِيَكُونَ ذَلِكَ سُنَّة لِمَنْ بَعْده مِنْ خَلْقه , يَسْتَنُّونَ بِهَا فِيهَا , إذْ كَانَ تَعَالَى ذِكْره قَدْ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ جَاعِله , لِلنَّاسِ إمَامًا يُقْتَدَى بِهِ , فَأَجَابَهُ رَبّه إلَى مَا سَأَلَهُ , وَأَلْزَم عِبَاده حِينَئِذٍ فَرْض تَحْرِيمه عَلَى لِسَانه , فَصَارَتْ مَكَّة بَعْد أَنْ كَانَتْ مَمْنُوعَة بِمَنْعِ اللَّه إيَّاهَا بِغَيْرِ إيجَاب اللَّه فَرْض الِامْتِنَاع مِنْهَا عَلَى عِبَاده , وَمُحَرَّمَة بِدَفْعِ اللَّه عَنْهَا بِغَيْرِ تَحْرِيمه إيَّاهَا عَلَى لِسَان أَحَد مِنْ رُسُله فَرَضَ تَحْرِيمهَا عَلَى خَلْقه عَلَى لِسَان خَلِيله إبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَوَاجِب عَلَى عِبَاده الِامْتِنَاع مِنْ اسْتِحْلَالهَا , وَاسْتِحْلَال صَيْدهَا وَعِضَاههَا , بِإِيجَابِهِ الِامْتِنَاع مِنْ ذَلِكَ بِبَلَاغِ إبْرَاهِيم رِسَالَة اللَّه إلَيْك بِذَلِكَ إلَيْهِ ; فَلِذَلِك أُضِيفَ تَحْرِيمهَا إلَى إبْرَاهِيم , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه حَرَّمَ مَكَّة " لِأَنَّ فَرْض تَحْرِيمهَا الَّذِي أَلْزَم اللَّه عِبَاده عَلَى وَجْه الْعِبَادَة لَهُ بِهِ , دُون التَّحْرِيم الَّذِي لَمْ يَزَلْ مُتَعَبِّدًا لَهَا بِهِ عَلَى وَجْه الْكِلَاءَة وَالْحِفْظ لَهَا قَبْل ذَلِكَ ; كَانَ عَنْ مَسْأَلَة إبْرَاهِيم رَبّه إيجَاب فَرْض ذَلِكَ عَلَى لِسَانه , لَزِمَ الْعِبَاد فَرْضه دُون غَيْره . فَقَدْ تَبَيَّنَ إذًا بِمَا قُلْنَا صِحَّة مَعْنَى الْخَبَرَيْنِ , أَعْنِي خَبَر أَبِي شُرَيْح وَابْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " وَإِنَّ اللَّه حَرَّمَ مَكَّة يَوْم خَلَقَ الشَّمْس وَالْقَمَر " . وَخَبَر جَابِر وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرَافِع بْن خَدِيج وَغَيْرهمْ , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَا : " اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيم حَرَّمَ مَكَّة " وَأَنْ لَيْسَ أَحَدهمَا دَافِعًا صِحَّة مَعْنَى الْآخَر كَمَا ظَنَّهُ بَعْض الْجُهَّال . وَغَيْر جَائِز فِي أَخْبَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُون بَعْضهَا دَافِعًا بَعْضًا إذَا ثَبَتَ صِحَّتهَا , وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرَانِ اللَّذَانِ رُوِيَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجِيئًا ظَاهِرًا مُسْتَفِيضًا يَقْطَع عُذْر مَنْ بَلَغَهُ . وَقَوْل إبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { رَبّنَا إنِّي أَسْكَنْت مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم } 14 37 فَإِنَّهُ إنْ يَكُنْ قَالَ قَبْل إيجَاب اللَّه فَرْض تَحْرِيمه عَلَى لِسَانه عَلَى خَلْقه , فَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ تَحْرِيم اللَّه إيَّاهُ الَّذِي حَرَّمَهُ بِحِيَاطَتِهِ إيَّاهُ وَكِلَاءَته مِنْ غَيْر تَحْرِيمه إيَّاهُ عَلَى خَلْقه عَلَى وَجْه التَّعَبُّد لَهُمْ بِذَلِكَ . وَإِنْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْد تَحْرِيم اللَّه إيَّاهُ عَلَى لِسَانه عَلَى خَلْقه عَلَى وَجْه التَّعَبُّد , فَلَا مَسْأَلَة لِأَحَدٍ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } . / وَهَذِهِ مَسْأَلَة مِنْ إبْرَاهِيم رَبّه أَنْ يَرْزُق مُؤْمِنِي أَهْل مَكَّة مِنْ الثَّمَرَات دُون كَافِرِيهِمْ . وَخَصَّ بِمَسْأَلَةِ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُون الْكَافِرِينَ لِمَا أَعْلَمه اللَّه عِنْد مَسْأَلَته إيَّاهُ أَنْ يَحْمِل مِنْ وِلَايَته أَئِمَّة يُقْتَدَى بِهِمْ أَنَّ مِنْهُمْ الْكَافِر الَّذِي لَا يَنَال عَهْده , وَالظَّالِم الَّذِي لَا يُدْرِك وِلَايَته . فَلَمَّا أَعْلَم أَنَّ مِنْ ذُرِّيَّته الظَّالِم وَالْكَافِر , خَصَّ بِمَسْأَلَتِهِ رَبّه أَنْ يَرْزُق مِنْ الثَّمَرَات مِنْ سُكَّان مَكَّة الْمُؤْمِن مِنْهُمْ دُون الْكَافِر , وَقَالَ اللَّه لَهُ : إنِّي قَدْ أَجَبْت دُعَاءَك , وَسَأَرْزُقُ مَعَ مُؤْمِنِي أَهْل هَذَا الْبَلَد كَافِرهمْ , فَأُمَتِّعهُ بِهِ قَلِيلًا . وَأَمَّا " مَنْ " فِي قَوْله : { مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } فَإِنَّهُ


نُصِبَ عَلَى التَّرْجَمَة , وَالْبَيَان عَنْ الْأَهْل , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ } 2 217 بِمَعْنَى : يَسْأَلُونَك عَنْ قِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام , وَكَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } 3 97 بِمَعْنَى : وَلِلَّهِ حِجّ الْبَيْت عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا . وَإِنَّمَا سَأَلَ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ مَا سَأَلَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ حَلَّ بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع وَلَا مَاء وَلَا أَهْل , فَسَأَلَ أَنْ يَرْزُق أَهْله ثَمَرًا , وَأَنْ يَجْعَل أَفْئِدَة النَّاس تَهْوِي إلَيْهِمْ , فَذَكَرَ أَنَّ إبْرَاهِيم لَمَّا سَأَلَ ذَلِكَ رَبّه نَقَلَ اللَّه الطَّائِفَة مِنْ فِلَسْطِين . 1672 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا هِشَام , قَالَ : قَرَأْت عَلَى مُحَمَّد بْن مُسْلِم أَنَّ إبْرَاهِيم لَمَّا دَعَا لِلْحَرَمِ { وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات } نَقَلَ اللَّه الطَّائِف مِنْ فِلَسْطِين .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَائِل هَذَا الْقَوْل وَفِي وَجْه قِرَاءَته , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَائِل هَذَا الْقَوْل رَبّنَا تَعَالَى ذِكْره , وَتَأْوِيله عَلَى قَوْلهمْ : { قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا } بِرِزْقِي مِنْ الثَّمَرَات فِي الدُّنْيَا إلَى أَنْ يَأْتِيه أَجَله . وَقَرَأَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة ذَلِكَ : { فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا } بِتَشْدِيدِ التَّاء وَرَفْع الْعَيْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1673 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيِّ بْن كَعْب فِي قَوْله : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرّهُ إلَى عَذَاب النَّار } قَالَ : هُوَ قَوْل الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره . 1674 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ ابْن إسْحَاق : لَمَّا قَالَ إبْرَاهِيم : { رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْله مِنْ الثَّمَرَات مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } وَعَدَلَ الدَّعْوَة عَمَّنْ أَبَى اللَّه أَنْ يَجْعَل لَهُ الْوِلَايَة , انْقِطَاعًا إلَى اللَّه وَمَحَبَّة وَفِرَاقًا لِمَنْ خَالَفَ أَمْره , وَإِنْ كَانُوا مِنْ ذُرِّيَّته حِين عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ ظَالِم لَا يَنَال عَهْده , بِخَبَرِهِ عَنْ ذَلِكَ حِين أَخْبَرَهُ فَقَالَ اللَّه : { وَمَنْ كَفَرَ } فَإِنِّي أَرْزُق الْبَرّ وَالْفَاجِر { فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَى وَجْه الْمَسْأَلَة مِنْهُ رَبّه أَنْ يَرْزُق الْكَافِر أَيْضًا مِنْ الثَّمَرَات بِالْبَلَدِ الْحَرَام , مِثْل الَّذِي يَرْزُق بِهِ الْمُؤْمِن وَيُمَتِّعهُ بِذَلِكَ قَلِيلًا , ثُمَّ أَضْطَرّهُ إلَى عَذَاب النَّار بِتَخْفِيفِ " التَّاء " وَجَزْم " الْعَيْن " وَفَتْح " الرَّاء " مَنْ اضْطَرَّهُ , وَفَصَلَ ثُمَّ اضْطَرَّهُ بِغَيْرِ قَطْع أَلِفهَا , عَلَى وَجْه الدُّعَاء مِنْ إبْرَاهِيم رَبّه لَهُمْ وَالْمَسْأَلَة

. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1675 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : ذَلِكَ قَوْل إبْرَاهِيم يَسْأَل رَبّه أَنَّ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا . 1676 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا } يَقُول : وَمَنْ كَفَرَ فَأَرْزُقهُ أَيْضًا ثُمَّ اضْطَرَّهُ إلَى عَذَاب النَّار . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا وَالتَّأْوِيل , مَا قَالَهُ أُبَيّ بْن كَعْب وَقِرَاءَته , لِقِيَامِ الْحُجَّة بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض دِرَايَة بِتَصْوِيبِ ذَلِكَ , وَشُذُوذ مَا خَالَفَهُ مِنْ الْقِرَاءَة . وَغَيْر جَائِز الِاعْتِرَاض بِمَنْ كَانَ جَائِزًا عَلَيْهِ فِي نَقْله الْخَطَأ وَالسَّهْو , عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْر جَائِز عَلَيْهِ فِي نَقْله . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : قَالَ اللَّه : يَا إبْرَاهِيم قَدْ أَجَبْت دَعْوَتك , وَرَزَقْت مُؤْمِنِي أَهْل هَذَا الْبَلَد مِنْ الثَّمَرَات وَكُفَّارهمْ مَتَاعًا لَهُمْ إلَى بُلُوغ آجَالهمْ , ثُمَّ اضْطَرَّ كُفَّارهمْ بَعْد ذَلِكَ إلَى النَّار . وَأَمَّا قَوْله : { فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا } يَعْنِي : فَأَحْمِل مَا أَرْزُقهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاته مَتَاعًا يَتَمَتَّع بِهِ إلَى وَقْت مَمَاته . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيم جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ مَا سَأَلَ مِنْ رِزْق الثَّمَرَات لِمُؤْمِنِي أَهْل مَكَّة , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْجَوَاب إنَّمَا هُوَ فِيمَا سَأَلَهُ إبْرَاهِيم لَا فِي غَيْره . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد , وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ . وَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : فَأُمَتِّعهُ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ غَيْره : فَأُمَتِّعهُ قَلِيلًا فِي كُفْره مَا أَقَامَ بِمَكَّة , حَتَّى أَبْعَث مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقْتُلهُ إنْ أَقَامَ عَلَى كُفْره أَوْ يُجْلِيه عَنْهَا . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلهُ الْكَلَام فَإِنَّ دَلِيل ظَاهِر الْكَلَام عَلَى خِلَافه لِمَا وَصَفْنَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَضْطَرّهُ إلَى عَذَاب النَّار } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَضْطَرّهُ إلَى عَذَاب النَّار } ثُمَّ أَدْفَعهُ إلَى عَذَاب النَّار وَأَسُوقهُ إلَيْهَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { يَوْم يُدَعُّونَ إلَى نَار جَهَنَّم دَعًّا } 52 13 وَمَعْنَى الِاضْطِرَار : الْإِكْرَاه , يُقَال : اضْطَرَرْت فُلَانًا إلَى هَذَا الْأَمْر : إذَا أَلْجَأْته إلَيْهِ وَحَمَلْته

عَلَيْهِ . فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ أَضْطَرّهُ إلَى عَذَاب النَّار } أَدْفَعهُ إلَيْهَا , وَأَسُوقهُ سَحْبًا وَجَرًّا عَلَى وَجْهه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله

تَعَالَى : { وَبِئْسَ الْمَصِير } . قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ " بِئْسَ " أَصْله " بَئِسَ " مِنْ الْبُؤْس , سُكِّنَ ثَانِيه وَنُقِلَتْ حَرَكَة ثَانِيه إلَى أَوَّله , كَمَا قِيلَ لِلْكَبِدِ كِبْد , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَسَاءَ الْمَصِير عَذَاب النَّار , بَعْد الَّذِي كَانُوا فِيهِ مِنْ مَتَاع الدُّنْيَا الَّذِي مَتَّعْتهمْ فِيهَا . وَأَمَّا الْمَصِير فَإِنَّهُ مَفْعِل مِنْ قَوْل الْقَائِل : صِرْت مَصِيرًا صَالِحًا , وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَصِير إلَيْهِ الْكَافِر بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار .
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة البقرة الآية رقم 127
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت } وَاذْكُرُوا إذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت . وَالْقَوَاعِد جَمْع قَاعِدَة , يُقَال لِلْوَاحِدَةِ مِنْ قَوَاعِد الْبَيْت قَاعِدَة , وَلِلْوَاحِدَةِ مِنْ قَوَاعِد النِّسَاء وَعَجَائِزهنَّ قَاعِد , فَتُلْغَى هَاء التَّأْنِيث ; لِأَنَّهَا فَاعِل مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَعَدْت عَنْ الْحَيْض , وَلَا حَظّ فِيهِ لِلذُّكُورَةِ , كَمَا يُقَال : امْرَأَة طَاهِر وَطَامِث ; لِأَنَّهُ لَا حَظّ فِي ذَلِكَ لِلذُّكُورِ . وَلَوْ عَنَى بِهِ الْقُعُود الَّذِي هُوَ خِلَاف الْقِيَام لَقِيلَ قَاعِدَة , وَلَمْ يَجُزْ حِينَئِذٍ إسْقَاط هَاء التَّأْنِيث . وَقَوَاعِد الْبَيْت : أَسَاسه . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَوَاعِد الَّتِي رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مِنْ الْبَيْت , أَهُمَا أَحْدَثَا ذَلِكَ , أَمْ هِيَ قَوَاعِد كَانَتْ لَهُ قَبْلهمَا ؟ فَقَالَ قَوْم : هِيَ قَوَاعِد بَيْت كَانَ بَنَاهُ آدَم أَبُو الْبَشَر بِأَمْرِ اللَّه إيَّاهُ بِذَلِكَ , ثُمَّ دُرِسَ مَكَانه وَتَعَفَّى أَثَره بَعْده حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّه إبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , فَبَنَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1677 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَ آدَم : يَا رَبّ إنِّي لَا أَسْمَع أَصْوَات الْمَلَائِكَة ! قَالَ : بِخَطِيئَتِك , وَلَكِنْ اهْبِطْ إلَى الْأَرْض وَابْن لِي بَيْتًا , ثُمَّ اُحْفُفْ بِهِ كَمَا رَأَيْت الْمَلَائِكَة تَحُفّ بِبَيْتِي الَّذِي فِي السَّمَاء . فَيَزْعُم النَّاس أَنَّهُ بَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل : مِنْ حِرَاء , وَطُور زَيْتَا , وَطُور سِينَا , وَجَبَل لُبْنَان , وَالْجُودِيّ , وَكَانَ رُبَضه مِنْ حِرَاء ; فَكَانَ هَذَا بِنَاء آدَم حَتَّى بَنَاهُ إبْرَاهِيم بَعْد . 1678 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت } قَالَ : الْقَوَاعِد الَّتِي كَانَتْ قَوَاعِد الْبَيْت قَبْل ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ قَوَاعِد بَيْت كَانَ اللَّه أَهْبَطَهُ لِآدَم مِنْ السَّمَاء إلَى الْأَرْض , يَطُوف بِهِ كَمَا كَانَ يَطُوف بِعَرْشِهِ فِي السَّمَاء , ثُمَّ رَفَعَهُ إلَى السَّمَاء أَيَّام الطُّوفَان , فَرَفَعَ إبْرَاهِيم قَوَاعِد ذَلِكَ الْبَيْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1679 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ : لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ الْجَنَّة قَالَ : إنِّي مُهْبِط مَعَك - أَوْ مُنْزِل - مَعَك بَيْتًا يُطَاف حَوْله , كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي , وَيُصَلَّى عِنْده , كَمَا يُصَلَّى عِنْد عَرْشِي . فَلَمَّا كَانَ زَمَن الطُّوفَان رُفِعَ , فَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء يَحُجُّونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَكَانه , حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ وَأَعْلَمهُ مَكَانه , فَبَنَاهُ مِنْ خَمْسَة أَجْبُل : مِنْ حِرَاء , وَثَبِير , وَلُبْنَان , وَجَبَل الطُّور , وَجَبَل الْخَمْر . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , قَالَ : لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 1680 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ سَوَّار , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : لَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ الْجَنَّة كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْض وَرَأْسه فِي السَّمَاء , يَسْمَع كَلَام أَهْل السَّمَاء وَدُعَاءَهُمْ , يَأْنَس إلَيْهِمْ , فَهَابَتْهُ الْمَلَائِكَة حَتَّى شَكَتْ إلَى اللَّه فِي دُعَائِهَا وَفِي صَلَاتهَا , فَخَفَضَهُ إلَى الْأَرْض ; فَلَمَّا فَقَدَ مَا كَانَ يَسْمَع مِنْهُمْ , اسْتَوْحَشَ حَتَّى شَكَا ذَلِكَ إلَى اللَّه فِي دُعَائِهِ وَفِي صَلَاته , فَوُجِّهَ إلَى مَكَّة , فَكَانَ مَوْضِع قَدَمه قَرْيَة وَخَطْوه مَفَازَة , حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَّة . وَأَنْزَلَ اللَّه يَاقُوتَة مِنْ يَاقُوت الْجَنَّة , فَكَانَتْ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت الْآن , فَلَمْ يَزَلْ يَطُوف بِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه الطُّوفَان , فَرُفِعَتْ تِلْكَ الْيَاقُوتَة , حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ فَبَنَاهُ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت } . 22 26 1681 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : وَضَعَ اللَّه الْبَيْت مَعَ آدَم حِين أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ إلَى الْأَرْض , وَكَانَ مَهْبِطه بِأَرْضِ الْهِنْد , وَكَانَ رَأْسه فِي السَّمَاء وَرِجْلَاهُ فِي الْأَرْض , فَكَانَتْ الْمَلَائِكَة تَهَابهُ , فَنَقَصَ إلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا . فَحَزِنَ آدَم إذْ فَقَدَ أَصْوَات الْمَلَائِكَة وَتَسْبِيحهمْ فَشَكَا ذَلِكَ إلَى اللَّه تَعَالَى فَقَالَ اللَّه : يَا آدَم إنِّي قَدْ أَهَبْت إلَيْك بَيْتًا تَطُوف بِهِ كَمَا يُطَاف حَوْل عَرْشِي , وَتُصَلِّي عِنْده كَمَا يُصَلَّى عِنْد عَرْشِي . فَانْطَلَقَ إلَيْهِ آدَم فَخَرَجَ , وَمُدّ لَهُ فِي خَطْوه , فَكَانَ بَيْن كُلّ خُطْوَتَيْنِ مَفَازَة , فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمَفَاوِز بَعْد ذَلِكَ , فَأَتَى آدَم الْبَيْت وَطَافَ بِهِ وَمَنْ بَعْده مِنْ الْأَنْبِيَاء . 1682 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبَانَ : أَنَّ الْبَيْت أُهْبِطَ يَاقُوتَة وَاحِدَة أَوْ دِرَّة وَاحِدَة , حَتَّى إذَا أَغْرَقَ اللَّه قَوْم نُوح رَفَعَهُ وَبَقِيَ أَسَاسه , فَبَوَّأَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيم , فَبَنَاهُ بَعْد ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ مَوْضِع الْبَيْت رَبْوَة حَمْرَاء كَهَيْئَةِ الْقُبَّة . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه لَمَّا أَرَادَ خَلْق الْأَرْض عَلَا الْمَاء زُبْدَة حَمْرَاء أَوْ بَيْضَاء , وَذَلِكَ فِي مَوْضِع الْبَيْت الْحَرَام . ثُمَّ دَحَا الْأَرْض مِنْ تَحْتهَا , فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّه إبْرَاهِيم , فَبَنَاهُ عَلَى أَسَاسه . وَقَالُوا : عَلَى أَرْكَان أَرْبَعَة فِي الْأَرْض السَّابِعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1683 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ جَرِير بْن حَازِم , حَدَّثَنِي حُمَيْد بْن قَيْس , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ مَوْضِع الْبَيْت عَلَى الْمَاء قَبْل أَنْ يَخْلُق اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , مِثْل الزُّبْدَة الْبَيْضَاء , وَمِنْ تَحْته دُحِيَتْ الْأَرْض . 1684 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ , أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء وَعَمْرو بْن دِينَار : بَعَثَ اللَّه رِيَاحًا فَصَفَّقَتْ الْمَاء , فَأُبْرِزَتْ فِي مَوْضِع الْبَيْت عَنْ حَشَفَة كَأَنَّهَا الْقُبَّة , فَهَذَا الْبَيْت مِنْهَا فَلِذَلِك هِيَ أُمّ الْقُرَى . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ عَطَاء : ثُمَّ وَتَدهَا بِالْجِبَالِ كَيْ لَا تُكْفَأ بِمَيْدِ , فَكَانَ أَوَّل جَبَل " أَبُو قُبَيْس " . 1685 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقَمِّيّ , عَنْ حَفْص بْن حُمَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : وُضِعَ الْبَيْت عَلَى أَرْكَان الْمَاء عَلَى أَرْبَعَة أَرْكَان قَبْل أَنْ تُخْلَق الدُّنْيَا بِأَلْفَيْ عَام , ثُمَّ دُحِيَتْ الْأَرْض مِنْ تَحْت الْبَيْت . 1686 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ هَارُونَ بْن عَنْتَرَة , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : وَجَدُوا بِمَكَّة حَجَرًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ : " إنِّي أَنَا اللَّه ذُو بَكَّة بَنَيْته يَوْم صَنَعْت الشَّمْس وَالْقَمَر , وَحَفَفْته بِسَبْعَةِ أَمْلَاك حَفًّا " . 1687 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره مِنْ أَهْل الْعِلْم : أَنَّ اللَّه لَمَّا بَوَّأَ إبْرَاهِيمَ مَكَان الْبَيْت , خَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الشَّام , وَخَرَجَ مَعَهُ بِإِسْمَاعِيل وَأُمّه هَاجَر , وَإِسْمَاعِيل طِفْل صَغِير يَرْضِع , وَحَمَلُوا - فِيمَا حَدَّثَنِي - عَلَى الْبُرَاق وَمَعَهُ جِبْرِيل يَدُلّهُ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت وَمَعَالِم الْحَرَم . فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ جِبْرِيل , فَقَالَ : كَانَ لَا يَمُرّ بِقَرْيَةِ إلَّا قَالَ : أَبِهَذِهِ أَمَرْت يَا جِبْرِيل ؟ فَيَقُول جِبْرِيل : امْضِهِ ! حَتَّى قَدِمَ بِهِ مَكَّة , وَهِيَ إذْ ذَاكَ عِضَاه سِلْم وَسَمَر يَرُبّهَا أُنَاس يُقَال لَهُمْ الْعَمَالِيق خَارِج مَكَّة وَمَا حَوْلهَا , وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ رَبْوَة حَمْرَاء مَدَرَة , فَقَالَ إبْرَاهِيم لِجِبْرِيل : أَهَهُنَا أُمِرْت أَنْ أَضَعهُمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَعَمَدَ بِهِمَا إلَى مَوْضِع الْحَجَر فَأَنْزَلَهُمَا فِيهِ , وَأَمَرَ هَاجَرَ أُمّ إسْمَاعِيل أَنْ تَتَّخِذ فِيهِ عَرِيشًا , فَقَالَ : { رَبّنَا إنِّي أَسْكَنْت مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع عِنْد بَيْتك الْمُحَرَّم } 14 37 إلَى قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } . 14 37 قَالَ ابْن حُمَيْد : قَالَ سَلَمَة : قَالَ ابْن إسْحَاق : وَيَزْعُمُونَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة أَتَى هَاجَرَ أُمّ إسْمَاعِيل , حِين أَنْزَلَهُمَا إبْرَاهِيم مَكَّة قَبْل أَنْ يَرْفَع إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت , فَأَشَارَ لَهُمَا إلَى الْبَيْت , وَهُوَ رَبْوَة حَمْرَاء مَدَرَة , فَقَالَ لَهُمَا : هَذَا أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض , وَهُوَ بَيْت اللَّه الْعَتِيق , وَاعْلَمِي أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل هُمَا يَرْفَعَانِهِ . فَاَللَّه أَعْلَم . 1688 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن حَسَّان , قَالَ : أَخْبَرَنِي حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : خَلَقَ اللَّه مَوْضِع هَذَا الْبَيْت قَبْل أَنْ يَخْلُق شَيْئًا مِنْ الْأَرْض بِأَلْفَيْ سَنَة , وَأَرْكَانه فِي الْأَرْض السَّابِعَة . 1689 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : أَخْبَرَنِي بِشْر بْن عَاصِم , عَنْ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : حَدَّثَنَا كَعْب أَنَّ الْبَيْت كَانَ غُثَاءَة عَلَى الْمَاء قَبْل أَنْ يَخْلُق اللَّه الْأَرْض بِأَرْبَعِينَ سَنَة , وَمِنْهُ دُحِيَتْ الْأَرْض . قَالَ : وَحَدَّثَنَا عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّ إبْرَاهِيم أَقْبَلَ مِنْ أَرْمِينِيَّة مَعَهُ السَّكِينَة , تَدُلّهُ عَلَى تَبَوُّء الْبَيْت كَمَا تَتَبَوَّأ الْعَنْكَبُوت بَيْتهَا . قَالَ : فَرَفَعَتْ عَنْ أَحْجَار تُطِيقهُ - أَوْ لَا تُطِيقهُ - ثَلَاثُونَ رَجُلًا . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا مُحَمَّد , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت } قَالَ : كَانَ ذَاكَ بَعْد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ إبْرَاهِيم خَلِيله أَنَّهُ وَابْنه إسْمَاعِيل رَفَعَا الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت الْحَرَام . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ قَوَاعِد بَيْت كَانَ أَهْبَطَهُ مَعَ آدَم , فَجَعَلَهُ مَكَان الْبَيْت الْحَرَام الَّذِي بِمَكَّة . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ الْقُبَّة الَّتِي ذَكَرهَا عَطَاء مِمَّا أَنْشَأَهُ اللَّه مِنْ زَبَد الْمَاء . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ يَاقُوتَة أَوْ دُرَّة أُهْبِطَا مِنْ السَّمَاء . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ آدَم بَنَاهُ ثُمَّ انْهَدَمَ حَتَّى رَفَعَ قَوَاعِده إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل . وَلَا عِلْم عِنْدنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَيّ ; لِأَنَّ حَقِيقَة ذَلِكَ لَا تُدْرَك إلَّا بِخَبَرِ عَنْ اللَّه وَعَنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ تَقُوم بِهِ الْحُجَّة فَيَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا هُوَ إذْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَر عَلَى مَا وَصَفْنَا مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَالْمَقَايِيس فَيُمَثَّل بِغَيْرِهِ , وَيُسْتَنْبَط عِلْمه مِنْ جِهَة الِاجْتِهَاد , فَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مَا قُلْنَا . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل } يَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1690 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : يَبْنِيَانِ وَهُمَا يَدْعُوَانِ الْكَلِمَات الَّتِي ابْتَلَى بِهَا إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ , قَالَ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك } { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } . 1691 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن كَثِير , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيلُ } قَالَ : هُمَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت , وَيَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } قَالَ : وَإِسْمَاعِيل يَحْمِل الْحِجَارَة عَلَى رَقَبَته وَالشَّيْخ يَبْنِي . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل قَائِلَيْنِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَائِل ذَلِكَ كَانَ إسْمَاعِيل . فَتَأْوِيل الْآيَة عَلَى هَذَا الْقَوْل : وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت , وَإِذْ يَقُول إسْمَاعِيل : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا . فَيَصِير حِينَئِذٍ إسْمَاعِيل مَرْفُوعًا بِالْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْده , و " يَقُول " حِينَئِذٍ خَبَر لَهُ دُون إبْرَاهِيم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي رَفَعَ الْقَوَاعِد بَعْد إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ إبْرَاهِيم كَانَ مِمَّنْ رَفَعَهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1692 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَعَهِدْنَا إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ } قَالَ : فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيم حَتَّى أَتَى مَكَّة , فَقَامَ هُوَ وَإِسْمَاعِيل وَأَخَذَا الْمَعَاوِل لَا يَدْرِيَانِ أَيْنَ الْبَيْت , فَبَعَثَ اللَّه رِيحًا يُقَال لَهَا رِيح الْخُجُوج , لَهَا جَنَاحَانِ وَرَأْس فِي صُورَة حَيَّة . فَكَنَسَتْ لَهُمَا مَا حَوْل الْكَعْبَة , وَعَنْ أَسَاس الْبَيْت الْأَوَّل , وَاتَّبَعَاهَا بِالْمَعَاوِلِ يَحْفِرَانِ حَتَّى وَضَعَا الْأَسَاس ; فَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت } . 22 36 فَلَمَّا بَنَيَا الْقَوَاعِد فَبَلَغَا مَكَان الرُّكْن قَالَ إبْرَاهِيم لِإِسْمَاعِيل : يَا بُنَيّ اُطْلُبْ لِي حَجَرًا حَسَنًا أَضَعهُ هَهُنَا ! قَالَ : يَا أَبَت إنِّي كَسْلَان تَعِب ! قَالَ : عَلَيَّ بِذَلِكَ ! فَانْطَلَقَ فَطَلَب لَهُ حَجَرًا فَجَاءَهُ بِحَجَرِ , فَلَمْ يَرْضَهُ , فَقَالَ : ائْتِنِي بِحَجَرِ أَحْسَن مِنْ هَذَا ! فَانْطَلَقَ فَطَلَب لَهُ حَجَرًا ; وَجَاءَهُ جِبْرِيل بِالْحَجَرِ الْأَسْوَد مِنْ الْهِنْد , وَكَانَ أَبْيَض يَاقُوتَة بَيْضَاء مِثْل الثِّغَامَة , وَكَانَ آدَم هَبَطَ بِهِ مِنْ الْجَنَّة فَاسْوَدَّ مِنْ خَطَايَا النَّاس , فَجَاءَهُ إسْمَاعِيل بِحَجَرِ فَوَجَدَهُ عِنْد الرُّكْن , فَقَالَ : يَا أَبَت مَنْ جَاءَ بِهَذَا ؟ فَقَالَ : مَنْ هُوَ أَنْشَط مِنْك . فَبَنَيَاهُ . 1693 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل هُمَا رَفَعَا قَوَاعِد الْبَيْت . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ رَفَعَ قَوَاعِد الْبَيْت إبْرَاهِيمُ , وَكَانَ إسْمَاعِيلُ يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1694 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن ثَابِت الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , وَكَثِير بْن كَثِير بْن الْمُطَّلِب بْن أَبِي وَدَاعَة , يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل يَبْرِي نَبْلًا قَرِيبًا مِنْ زَمْزَم . فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إلَيْهِ , فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَع الْوَالِد بِالْوَلَدِ , وَالْوَلَد بِالْوَالِدِ , ثُمَّ قَالَ : يَا إسْمَاعِيل إنَّ اللَّه أَمَرَنِي بِأَمْرِ , قَالَ : فَاصْنَعْ مَا أَمَرَك رَبّك ! قَالَ : وَتُعِيننِي ؟ قَالَ : وَأُعِينك . قَالَ : فَإِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي هَهُنَا بَيْتًا ! وَأَشَارَ إلَى الْكَعْبَة , وَالْكَعْبَة مُرْتَفِعَة عَلَى مَا حَوْلهَا . قَالَ : فَعِنْد ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت . قَالَ : فَجَعَلَ إسْمَاعِيل يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ , وَإِبْرَاهِيم يَبْنِي , حَتَّى إذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاء جَاءَ بِهَذَا الْحَجَر فَوَضَعَهُ لَهُ , فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي , وَإِسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة وَهُمَا يَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } حَتَّى دَوَّرَ حَوْل الْبَيْت . 1695 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الْمَجِيد أَبُو عَلِيّ الْحَنَفِيّ , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن نَافِع قَالَ : سَمِعْت كَثِير بْن كَثِير يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : جَاءَ - يَعْنِي إبْرَاهِيم - فَوَجَدَ إسْمَاعِيل يُصْلِح نَبْلًا مِنْ وَرَاء زَمْزَم , قَالَ إبْرَاهِيم : يَا إسْمَاعِيل إنَّ اللَّه رَبّك قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِي لَهُ بَيْتًا ! فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيل : فَأَطِعْ رَبّك فِيمَا أَمَرَك ! فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : قَدْ أَمَرَك أَنْ تُعِيننِي عَلَيْهِ . قَالَ : إذًا أَفْعَل . قَالَ : فَقَامَ مَعَهُ , فَجَعَلَ إبْرَاهِيم يَبْنِيه وَإِسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة , وَيَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَان وَضَعَفَ الشَّيْخ عَنْ رَفْع الْحِجَارَة , قَامَ عَلَى حَجَر فَهُوَ مَقَام إبْرَاهِيم ; فَجَعَلَ يُنَاوِلهُ وَيَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي رَفَعَ قَوَاعِد الْبَيْت إبْرَاهِيم وَحْده وَإِسْمَاعِيل يَوْمَئِذٍ طِفْل صَغِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ حَارِثَة بْن مُصَرِّف , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : لَمَّا أُمِرَ إبْرَاهِيم بِبِنَاءِ الْبَيْت , خَرَجَ مَعَهُ إسْمَاعِيل وَهَاجَر . قَالَ : فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّة رَأَى عَلَى رَأْسه فِي مَوْضِع الْبَيْت مِثْل الْغَمَامَة فِيهِ مِثْل الرَّأْس , فَكَلَّمَهُ فَقَالَ : يَا إبْرَاهِيم ابْن عَلَى ظِلِّيّ - أَوْ عَلَى قَدْرِي - وَلَا تُزِدْ وَلَا تُنْقِص ! فَلَمَّا بَنَى [ خَرَجَ ] وَخَلَفَ إسْمَاعِيل وَهَاجَر , فَقَالَتْ هَاجَر : يَا إبْرَاهِيم إلَى مَنْ تَكِلنَا ؟ قَالَ : إلَى اللَّه . قَالَتْ : انْطَلِقْ فَإِنَّهُ لَا يُضَيِّعنَا . قَالَ : فَعَطِشَ إسْمَاعِيل عَطَشًا شَدِيدًا . قَالَ : فَصَعِدَتْ هَاجَر الصَّفَا فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا , ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَة فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا , ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الصَّفَا فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا , حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْع مَرَّات فَقَالَتْ : يَا إسْمَاعِيل مُتْ حَيْثُ لَا أَرَاك ! فَأَتَتْهُ وَهُوَ يَفْحَص بِرِجْلِهِ مِنْ الْعَطَش . فَنَادَاهَا جِبْرِيل , فَقَالَ لَهَا : مَنْ أَنْت ؟ فَقَالَتْ : أَنَا هَاجَر أُمّ وَلَد إبْرَاهِيم . قَالَ : إلَى مَنْ وَكَلَكُمَا ؟ قَالَتْ : وَكَلَنَا إلَى اللَّه . قَالَ : وَكَلَكُمَا إلَى كَافٍ . قَالَ : فَفَحَصَ الْأَرْض بِأُصْبُعِهِ فَنَبَعَتْ زَمْزَم , فَجَعَلَتْ تَحْبِس الْمَاء . فَقَالَ : دَعِيهِ فَإِنَّهَا رُوَاء . 1697 - حَدَّثَنَا عُبَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عُرْعُرَة : أَنَّ رَجُلًا قَامَ إلَى عَلِيّ فَقَالَ : أَلَا تُخْبِرنِي عَنْ الْبَيْت ؟ أَهُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَالَ : لَا , وَلَكِنْ هُوَ أَوَّل بَيْت وُضِعَ فِي الْبَرَكَة مَقَام إبْرَاهِيم , وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا , وَإِنْ شِئْت أَنْبَأْتُك كَيْف بُنِيَ ; إنَّ اللَّه أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيم أَنْ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض , قَالَ : فَضَاقَ إبْرَاهِيم بِذَلِكَ ذَرْعًا , فَأَرْسَلَ اللَّه السَّكِينَة وَهَى رِيح خُجُوج , وَلَهَا رَأْسَانِ , فَأَتْبَع أَحَدهمَا صَاحِبه حَتَّى انْتَهَتْ إلَى مَكَّة , فَتَطَوَّتْ عَلَى مَوْضِع الْبَيْت كَتَطَوِّي الْحَجَفَة , وَأَمَرَ إبْرَاهِيم أَنْ يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِرّ السَّكِينَة . فَبَنَى إبْرَاهِيم وَبَقِيَ حَجَر , فَذَهَبَ الْغُلَام يَبْغِي شَيْئًا , فَقَالَ إبْرَاهِيم : لَا , ابْغِ حَجَرًا كَمَا آمُرك ! قَالَ : فَانْطَلَقَ الْغُلَام يَلْتَمِس لَهُ حَجَرًا , فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ رَكَّبَ الْحَجَر الْأَسْوَد فِي مَكَانه فَقَالَ : يَا أَبَت مَنْ أَتَاك بِهَذَا الْحَجَر ؟ قَالَ : أَتَانِي بِهِ مَنْ لَمْ يَتَّكِل عَلَى بَنَاتك جَاءَ بِهِ جِبْرِيل مِنْ السَّمَاء . فَأَتَمَّاهُ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ سِمَاك , سَمِعْت خَالِد بْن عُرْعُرَة يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة وَحَمَّاد بْن سَلَمَة وَأَبُو الْأَحْوَص كُلّهمْ عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عُرْعُرَة , عَنْ عَلِيّ بِنَحْوِهِ . فَمَنْ قَالَ : رَفَعَ الْقَوَاعِد إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل , أَوْ قَالَ رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَكَانَ إسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ الْحِجَارَة . فَالصَّوَاب فِي قَوْله أَنْ يَكُون الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل , وَيَكُون الْكَلَام حِينَئِذٍ : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل } يَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } . وَقَدْ كَانَ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنْ يَكُون الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِسْمَاعِيل خَاصَّة دُون إبْرَاهِيم , وَلِإِبْرَاهِيم خَاصَّة دُون إسْمَاعِيل ; لَوْلَا مَا عَلَيْهِ عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل مِنْ أَنَّ الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا . وَأَمَّا عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيّ أَنَّ إبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي رَفَعَ الْقَوَاعِد دُون إسْمَاعِيل , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل عِنْد ذَلِكَ إلَّا لِإِسْمَاعِيل خَاصَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُضْمَر مِنْ الْقَوْل لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل , وَأَنَّ قَوَاعِد الْبَيْت رَفَعَهَا إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل جَمِيعًا ; وَذَلِكَ أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل إنْ كَانَا هُمَا بَنَيَاهُمَا وَرَفَعَاهَا فَهُوَ مَا قُلْنَا , وَإِنْ كَانَ إبْرَاهِيم تَفَرَّدَ بِبِنَائِهَا , وَكَانَ إسْمَاعِيل يُنَاوِلهُ , فَهُمَا أَيْضًا رَفَعَاهَا ; لِأَنَّ رَفْعهَا كَانَ بِهِمَا مِنْ أَحَدهمَا الْبِنَاء مِنْ الْآخَر نَقْل الْحِجَارَة إلَيْهَا وَمَعُونَة وَضْع الْأَحْجَار مَوَاضِعهَا . وَلَا تَمْتَنِع الْعَرَب مِنْ نِسْبَة الْبِنَاء إلَى مَنْ كَانَ بِسَبَبِهِ الْبِنَاء وَمَعُونَته . وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ لِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ إسْمَاعِيل مَعْنِيّ بِالْخَبَرِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِهِ , وَذَلِكَ قَوْلهمَا : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } فَمَعْلُوم أَنَّ إسْمَاعِيل لَمْ يَكُنْ لِيَقُولَ ذَلِكَ إلَّا وَهُوَ إمَّا رَجُل كَامِل , وَإِمَّا غُلَام قَدْ فَهِمَ مَوَاضِع الضُّرّ مِنْ النَّفْع , وَلَزِمَتْهُ فَرَائِض اللَّه وَأَحْكَامه . وَإِذَا كَانَ - فِي حَال بِنَاء أَبِيهِ , مَا أَمَرَهُ اللَّه بِبِنَائِهِ وَرَفْعه قَوَاعِد بَيْت اللَّه - كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَارِكًا مَعُونَة أَبِيهِ , إمَّا عَلَى الْبِنَاء , وَإِمَّا عَلَى نَقْل الْحِجَارَة . وَأَيّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي مَعْنَى مَنْ رَفَعَ قَوَاعِد الْبَيْت , وَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْل الْمُضْمَر خَبَر عَنْهُ وَعَنْ وَالِده إبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام . فَتَأْوِيل الْكَلَام : { وَإِذْ يَرْفَع إبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَإِسْمَاعِيل } يَقُولَانِ : رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا عَمَلنَا وَطَاعَتنَا إيَّاكَ وَعِبَادَتنَا لَك فِي انْتِهَائِنَا إلَى أَمْرك الَّذِي أَمَرْتنَا بِهِ فِي بِنَاء بَيْتك الَّذِي أَمَرْتنَا بِبِنَائِهِ إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم . وَفِي إخْبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمَا رَفَعَا الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَهُمَا يَقُولَانِ : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ بِنَاءَهُمَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَسْكَنًا يَسْكُنَانِهِ وَلَا مَنْزِلًا يَنْزِلَانِهِ , بَلْ هُوَ دَلِيل عَلَى أَنَّهُمَا بَنَيَاهُ وَرَفَعَا قَوَاعِده لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْبُد اللَّه تَقَرُّبًا مِنْهُمَا إلَى اللَّه بِذَلِكَ ; وَلِذَلِكَ قَالَا : { رَبّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } . وَلَوْ كَانَا بَنَيَاهُ مَسْكَنًا لِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِمَا : { تَقَبَّلْ مِنَّا } وَجْه مَفْهُوم , لِأَنَّهُ كَانَا يَكُونَانِ لَوْ كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ سَائِلِينَ أَنْ يَتَقَبَّل مِنْهُمَا مَا لَا قُرْبَة فِيهِ إلَيْهِ , وَلَيْسَ مَوْضِعهمَا مَسْأَلَة اللَّه قَبُول مَا لَا قُرْبَة إلَيْهِ فِيهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } . وَتَأْوِيل قَوْله : { إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } إنَّك أَنْت السَّمِيع دُعَاءَنَا وَمَسْأَلَتنَا إيَّاكَ قَبُول مَا سَأَلْنَاك قَبُوله مِنَّا مِنْ طَاعَتك فِي بِنَاء بَيْتك الَّذِي أَمَرْتنَا بِبِنَائِهِ ; الْعَلِيم بِمَا فِي ضَمَائِر نَفُوسنَا مِنْ الْإِذْعَان لَك فِي الطَّاعَة وَالْمَصِير إلَى مَا فِيهِ لَك الرِّضَا وَالْمَحَبَّة , وَمَا نُبْدِي وَنَخْفِي مِنْ أَعْمَالنَا . كَمَا : 1698 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو كَثِير , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم } يَقُول : تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك سَمِيع الدُّعَاء .
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة البقرة الآية رقم 128
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك } وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ الْقَوَاعِد مِنْ الْبَيْت وَهُمَا يَقُولَانِ : { رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك } يَعْنِيَانِ بِذَلِكَ : وَاجْعَلْنَا مُسْتَسْلِمَيْنِ لِأَمْرِك خَاضِعَيْنِ لِطَاعَتِك , لَا نُشْرِك مَعَك فِي الطَّاعَة أَحَدًا سِوَاك , وَلَا فِي الْعِبَادَة غَيْرك . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْإِسْلَام الْخُضُوع لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك } فَإِنَّهُمَا خَصَّا بِذَلِكَ بَعْض الذُّرِّيَّة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَانَ أَعْلَم إبْرَاهِيم خَلِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل مَسْأَلَته هَذِهِ أَنَّ مِنْ ذُرِّيَّته مَنْ لَا يَنَال عَهْده لِظُلْمِهِ وَفُجُوره , فَخَصَّا بِالدَّعْوَةِ بَعْض ذُرِّيَّتهمَا . وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمَا عَنَيَا بِذَلِكَ الْعَرَب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1699 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك } يَعْنِيَانِ الْعَرَب . وَهَذَا قَوْل يَدُلّ ظَاهِر الْكِتَاب عَلَى خِلَافه ; لِأَنَّ ظَاهِره يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمَا دَعَوْا اللَّه أَنْ يَجْعَل مِنْ ذُرِّيَّتهمَا أَهْل طَاعَته وَوِلَايَته والمستجيبين لِأَمْرِهِ , وَقَدْ كَانَ فِي وَلَد إبْرَاهِيم الْعَرَب وَغَيْر الْعَرَب , وَالْمُسْتَجِيب لِأَمْرِ اللَّه وَالْخَاضِع لَهُ بِالطَّاعَةِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ; فَلَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : عَنَى إبْرَاهِيم بِدُعَائِهِ ذَلِكَ فَرِيقًا مِنْ وَلَده بِأَعْيَانِهِمْ دُون غَيْرهمْ إلَّا التَّحَكُّم الَّذِي لَا يَعْجِز عَنْهُ أَحَد . وَأَمَّا الْأُمَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهَا الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس , مِنْ قَوْل اللَّه : { وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ } . 7 159
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } . اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } بِمَعْنَى رُؤْيَة الْعَيْن , أَيْ أَظْهَرَهَا لِأَعْيُنِنَا حَتَّى نَرَاهَا . وَذَلِكَ قِرَاءَة عَامَّة أَهْل الْحِجَاز وَالْكُوفَة , وَكَانَ بَعْض مَنْ يُوَجِّه تَأْوِيل ذَلِكَ إلَى هَذَا التَّأْوِيل يُسَكِّن الرَّاء مِنْ " أَرِنَا " , غَيْر أَنَّهُ يُشِمّهَا كَسْرَة . وَاخْتَلَفَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة وَقُرَّاء هَذِهِ الْقِرَاءَة فِي تَأْوِيل قَوْله : { مَنَاسِكنَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مَنَاسِك الْحَجّ وَمَعَالِمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1700 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } فَأَرَاهُمَا اللَّه مَنَاسِكهمَا الطَّوَاف بِالْبَيْتِ , وَالسَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَالْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَات , وَالْإِفَاضَة مِنْ جَمْع , وَرَمْي الْجِمَار , حَتَّى أَكْمَلَ اللَّه الدِّين أَوْ دِينه . 1701 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } قَالَ : أَرِنَا نُسُكنَا وَحَجّنَا . 1702 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل مِنْ بُنْيَان الْبَيْت أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُنَادِي فَقَالَ : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ } فَنَادَى بَيْن أَخْشَبَيْ مَكَّة : يَا أَيّهَا النَّاس إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَحُجُّوا بَيْته . قَالَ : فَوَقِرَتْ فِي قَلْب كُلّ مُؤْمِن , فَأَجَابَهُ كُلّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ جَبَل أَوْ شَجَر أَوْ دَابَّة : لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ! فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ . فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَخْرُج إلَى عَرَفَات وَنَعَتَهَا فَخَرَجَ ; فَلَمَّا بَلَغَ الشَّجَرَة عِنْد الْعَقَبَة اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَان , فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات يُكَبِّر مَعَ كُلّ حَصَاة , فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَة الثَّانِيَة أَيْضًا , فَصَدَّهُ فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ , فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَة الثَّالِثَة , فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ . فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُطِيقهُ , وَلَمْ يَدْرِ إبْرَاهِيم أَيْنَ يَذْهَب , انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَاز , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفهُ جَازَ فَلِذَلِك سُمِّيَ ذَا الْمَجَاز . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَعَ بِعَرَفَاتِ , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا عَرَفَ النَّعْت , قَالَ : قَدْ عَرَفْت ! فَسُمِّيَتْ عَرَفَات . فَوَقَفَ إبْرَاهِيم بِعَرَفَاتِ . حَتَّى إذَا أَمْسَى ازْدَلَفَ إلَى جَمْع , فَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَة . فَوَقَفَ بِجَمْعِ . ثُمَّ أَقَبْل حَتَّى أَتَى الشَّيْطَان حَيْثُ لَقِيَهُ أَوَّل مَرَّة فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات سَبْع مَرَّات , ثُمَّ أَقَامَ بِمِنَى حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْحَجّ وَأَمْره . وَذَلِكَ قَوْله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَة : الْمَنَاسِك الْمَذَابِح . فَكَانَ تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ : وَأَرِنَا كَيْف نَنْسَك لَك يَا رَبّنَا نَسَائِكنَا فَنَذْبَحهَا لَك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1703 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } قَالَ : ذَبْحنَا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَذَابِحنَا . 1704 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَحِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1705 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : سَمِعْت عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } قَالَ : أَرِنَا مَذَابِحنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } بِتَسْكِينِ الرَّاء . وَزَعَمُوا أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَعَلِّمْنَا وَدُلَّنَا عَلَيْهَا , لَا أَنَّ مَعْنَاهَا أَرِنَاهَا بِالْأَبْصَارِ . وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ نَظِير قَوْل حَطَائِط بْن يَعْفُر أَخِي الْأَسْوَد بْن يَعْفُر : أَرِينِي جَوَادًا مَاتَ هَزْلًا لِأَنَّنِي أَرَى مَا تَرَيْنَ أَوْ بَخِيلًا مُخَلَّدًا يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَرِينِي : دُلِّينِي عَلَيْهِ وَعَرِّفِينِي مَكَانه , وَلَمْ يَعْنِ بِهِ رُؤْيَة الْعَيْن . وَهَذِهِ قِرَاءَة رُوِيَتْ عَنْ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1706 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : { أَرِنَا مَنَاسِكنَا } أَخْرَجَهَا لَنَا , عَلِّمْنَاهَا . 1707 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن الْمُسَيِّب : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيم مِنْ بِنَاء الْبَيْت , قَالَ : فَعَلْت أَيْ رَبّ فَأَرِنَا مَنَاسِكنَا , أَبْرِزْهَا لَنَا , عَلِّمْنَاهَا ! فَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيل فَحَجّ بِهِ . وَالْقَوْل وَاحِد , فَمَنْ كَسَرَ الرَّاء جَعَلَ عَلَامَة الْجَزْم سُقُوط الْيَاء الَّتِي فِي قَوْل الْقَائِل أَرِنِيهِ , وَأَقَرَّ الرَّاء مَكْسُورَة كَمَا كَانَتْ قَبْل الْجَزْم . وَمَنْ سَكَّنَ الرَّاء مِنْ " أَرِنَا " تَوَهَّمَ أَنَّ إعْرَاب الْحَرْف فِي الرَّاء فَسَكَّنَهَا فِي الْجَزْم كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يَكُ . وَسَوَاء كَانَ ذَلِكَ مِنْ رُؤْيَة الْعَيْن , أَوْ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب . وَلَا مَعْنَى لِفَرْقِ مَنْ فَرَّقَ بَيْن رُؤْيَة الْعَيْن فِي ذَلِكَ وَرُؤْيَة الْقَلْب . وَأَمَّا الْمَنَاسِك فَإِنَّهَا جَمْع " مَنْسَك " , وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يَنْسَك لِلَّهِ فِيهِ , وَيَتَقَرَّب إلَيْهِ فِيهِ بِمَا يُرْضِيه مِنْ عَمَل صَالِح إمَّا بِذَبْحِ ذَبِيحَة لَهُ , وَإِمَّا بِصَلَاةِ أَوْ طَوَاف أَوْ سَعْي , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال الصَّالِحَة ; وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَشَاعِر الْحَجّ مَنَاسِكه , لِأَنَّهَا أَمَارَات وَعَلَامَات يَعْتَادهَا النَّاس , وَيَتَرَدَّدُونَ إلَيْهَا . وَأَصْل الْمَنْسَك فِي كَلَام الْعَرَب : الْمَوْضِع الْمُعْتَاد الَّذِي يَعْتَادهُ الرَّجُل وَيَأْلَفهُ , يُقَال : لِفُلَانِ مَنْسَك , وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَوْضِع يَعْتَادهُ لِخَيْرِ أَوْ شَرّ ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الْمَنَاسِك مَنَاسِك , لِأَنَّهَا تُعْتَاد وَيَتَرَدَّد إلَيْهَا بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَة , وَبِالْأَعْمَالِ الَّتِي يُتَقَرَّب بِهَا إلَى اللَّه . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى النُّسُك : عِبَادَة اللَّه , وَأَنَّ النَّاسِك إنَّمَا سُمِّيَ نَاسِكًا بِعِبَادَةِ رَبّه , فَتَأَوَّلَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة قَوْله : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } وَعَلِّمْنَا عِبَادَتك كَيْف نَعْبُدك , وَأَيْنَ نَعْبُدك , وَمَا يُرْضِيك عَنَّا فَنَفْعَلهُ . وَهَذَا الْقَوْل وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا يَحْتَمِلهُ الْكَلَام , فَإِنَّ الْغَالِب عَلَى مَعْنَى الْمَنَاسِك مَا وَصَفْنَا قَبْل مِنْ أَنَّهَا مَنَاسِك الْحَجّ الَّتِي ذَكَرْنَا مَعْنَاهَا . وَخَرَجَ هَذَا الْكَلَام مِنْ قَوْل إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَلَى وَجْه الْمَسْأَلَة مِنْهُمَا رَبّهمَا لِأَنْفُسِهِمَا , وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمَا مَسْأَلَة رَبّهمَا لِأَنْفُسِهِمَا وَذُرِّيَّتهمَا الْمُسْلِمِينَ , فَلَمَّا ضَمَّا ذُرِّيَّتهمَا الْمُسْلِمَيْنِ إلَى أَنْفُسهمَا صَارَا كَالْمُخْبِرَيْنِ عَنْ أَنْفُسهمْ بِذَلِكَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِتَقَدُّمِ الدُّعَاء مِنْهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ ذُرِّيَّتهمَا قَبْل فِي أَوَّل الْآيَة , وَتَأَخُّره بَعْد فِي الْآيَة الْأُخْرَى . فَأَمَّا الَّذِي فِي أَوَّل الْآيَة فَقَوْلهمَا : { رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك } . ثُمَّ جَمَعَا أَنْفُسهمَا وَالْأُمَّة الْمُسْلِمَة مِنْ ذُرِّيَّتهمَا فِي مَسْأَلَتهمَا رَبّهمَا أَنْ يُرِيهِمْ مَنَاسِكهمْ فَقَالَا : { وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا } . وَأَمَّا الَّتِي فِي الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا : { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } فَجَعَلَا الْمَسْأَلَة لِذُرِّيَّتِهِمَا خَاصَّة . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود : " وَأَرِهِمْ مَنَاسِكهمْ " , يَعْنِي بِذَلِكَ : وَأَرِ ذُرِّيَّتنَا الْمُسْلِمَة مَنَاسِكهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتُبْ عَلَيْنَا } . أَمَّا التَّوْبَة فَأَصْلهَا الْأَوْبَة مِنْ مَكْرُوه إلَى مَحْبُوب , فَتَوْبَة الْعَبْد إلَى رَبّه : أَوْبَته مِمَّا يَكْرَههُ اللَّه مِنْهُ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ وَالْإِقْلَاع عَنْهُ , وَالْعَزْم عَلَى تَرْك الْعَوْد فِيهِ . وَتَوْبَة الرَّبّ عَلَى عَبْده : عَوْده عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ لَهُ عَنْ جُرْمه وَالصَّفْع لَهُ عَنْ عُقُوبَة ذَنْبه , مَغْفِرَة لَهُ مِنْهُ , وَتَفَضُّلًا عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ كَانَ لَهُمَا ذُنُوب فَاحْتَاجَا إلَى مَسْأَلَة رَبّهمَا التَّوْبَة ؟ قِيلَ : إنَّهُ لَيْسَ أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه إلَّا وَلَهُ مِنْ الْعَمَل فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه مَا يَجِب عَلَيْهِ الْإِنَابَة مِنْهُ وَالتَّوْبَة . فَجَائِز أَنْ يَكُون مَا كَانَ مِنْ قَبْلهمَا مَا قَالَا مِنْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا خَصَّا بِهِ الْحَال الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا مِنْ رَفْع قَوَاعِد الْبَيْت , لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَحْرَى الْأَمَاكِن أَنْ يَسْتَجِيب اللَّه فِيهَا دُعَاءَهُمَا , وَلِيَجْعَلَا مَا فَعَلَا مِنْ ذَلِكَ سُنَّة يُقْتَدَى بِهَا بَعْدهمَا , وَتَتَّخِذ النَّاس تِلْكَ الْبُقْعَة بَعْدهمَا مَوْضِع تَنَصُّل مِنْ الذُّنُوب إلَى اللَّه . وَجَائِز أَنْ يَكُونَا عَنَيَا بِقَوْلِهِمَا : { وَتُبْ عَلَيْنَا } وَتُبْ عَلَى الظَّلَمَة مِنْ أَوْلَادنَا وَذُرِّيَّتنَا , الَّذِينَ أَعْلَمْتنَا أَمْرهمْ مِنْ ظُلْمهمْ وَشِرْكهمْ , حَتَّى يُنِيبُوا إلَى طَاعَتك . فَيَكُون ظَاهِر الْكَلَام عَلَى الدُّعَاء لِأَنْفُسِهِمَا , وَالْمَعْنِيّ بِهِ ذُرِّيَّتهمَا , كَمَا يُقَال : أَكَرَمَنِي فُلَان فِي وَلَدِي وَأَهْلِي , وَبَرَّنِي فُلَان : إذَا بَرَّ وَلَده .

وَأَمَّا قَوْله : { إنَّك أَنْت التَّوَّاب الرَّحِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : إنَّك أَنْت الْعَائِد عَلَى عِبَادك بِالْفَضْلِ وَالْمُتَفَضِّل عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَان , الرَّحِيم بِهِمْ , الْمُسْتَنْقِذ مَنْ تُشَاء مِنْهُمْ بِرَحْمَتِك مِنْ هَلَكَته , الْمُنْجِي مَنْ تُرِيد نَجَاته مِنْهُمْ بِرَأْفَتِك مِنْ سَخَطك .
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُسورة البقرة الآية رقم 129
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } / وَهَذِهِ دَعْوَة إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل لِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , وَهِيَ الدَّعْوَة الَّتِي كَانَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَنَا دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم وَبُشْرَى عِيسَى " . 1708 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد , عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان الْكُلَاعِيّ : أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسك ! قَالَ ; " نَعَمْ , أَنَا دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم , وَبُشْرَى عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . 1709 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن بَكَّار الْكُلَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْيَمَان , قَالَ : ثنا أَبُو كُرَيْب , عَنْ أَبِي مَرْيَم , عَنْ سَعِيد بْن سُوَيْد , عَنْ الْعِرْبَاضِ بْن سَارِيَة السُّلَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إنِّي عِنْد اللَّه فِي أُمّ الْكِتَاب خَاتَم النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَم لَمُنْجَدِل فِي طِينَته , وَسَوْفَ أُنَبِّئكُمْ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ : أَنَا دَعْوَة أَبِي إبْرَاهِيم وَبِشَارَة عِيسَى قَوْمه وَرُؤْيَا أُمِّي " . * حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَة , وَحَدَّثَنِي عُبَيْد بْن آدَم بْن أَبِي إيَاس الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : ثنا اللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَا جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد بْن سُوَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن هِلَال السُّلَمِيّ , عَنْ عِرْبَاض بْن سَارِيَة السُّلَمِيّ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ سَعِيد بْن سُوَيْد , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى بْن هِلَال السُّلَمِيّ , عَنْ عِرْبَاض بْن سَارِيَة أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ; فَذَكَرَ نَحْوه . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1710 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } فَفَعَلَ اللَّه ذَلِكَ , فَبَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسهمْ يَعْرِفُونَ وَجْهه وَنَسَبه , يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور , وَيَهْدِيهِمْ إلَى صِرَاط الْعَزِيز الْحَمِيد . 1711 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1712 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع : { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ } هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقِيلَ لَهُ : قَدْ اُسْتُجِيبَ ذَلِكَ , وَهُوَ فِي آخِر الزَّمَان . وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتك } يَقْرَأ عَلَيْهِمْ كِتَابك الَّذِي تُوحِيه إلَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة } . وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ الْقُرْآن . وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى لِمَ سُمِّيَ الْقُرْآن كِتَابًا وَمَا تَأْوِيله . وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1713 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب } الْقُرْآن . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْحِكْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ السُّنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1714 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , وَالْحِكْمَة : أَيْ السُّنَّة . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْحِكْمَة هِيَ الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ وَالْفِقْه فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1715 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قُلْت لِمَالِكِ : مَا الْحِكْمَة ؟ قَالَ : الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ , وَالْفِقْه فِي الدِّين , وَالِاتِّبَاع لَهُ . 1716 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَالْحِكْمَة } قَالَ : الْحِكْمَة : الدِّين الَّذِي لَا يَعْرِفُونَهُ إلَّا بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمهُمْ إيَّاهَا . قَالَ : وَالْحِكْمَة : الْعَقْل فِي الدِّين ; وَقَرَأَ : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } . 2 269 وَقَالَ لِعِيسَى : { وَيُعَلِّمهُ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } . 3 48 قَالَ : وَقَرَأَ ابْن زَيْد : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } . 7 175 قَالَ : لَمْ يَنْتَفِع بِالْآيَاتِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مَعَهَا حِكْمَة . قَالَ : وَالْحِكْمَة شَيْء يَجْعَلهُ اللَّه فِي الْقَلْب يُنَوِّر لَهُ بِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي الْحِكْمَة , أَنَّهَا الْعِلْم بِأَحْكَامِ اللَّه الَّتِي لَا يُدْرَك عِلْمهَا إلَّا بِبَيَانِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَعْرِفَة بِهَا , وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ نَظَائِره . وَهُوَ عِنْدِي مَأْخُوذ مِنْ " الْحُكْم " الَّذِي بِمَعْنَى الْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِمَنْزِلَةِ " الْجِلْسَة وَالْقَعْدَة " مِنْ " الْجُلُوس وَالْقُعُود " , يُقَال مِنْهُ : إنَّ فُلَانًا لَحَكِيم بَيِّن الْحِكْمَة , يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَبَيِّن الْإِصَابَة فِي الْقَوْل وَالْفِعْل . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل , الْآيَة : رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتك , وَيُعَلِّمهُمْ كِتَابك الَّذِي تُنَزِّلهُ عَلَيْهِمْ , وَفَصْل قَضَائِك , وَأَحْكَامك الَّتِي تُعَلِّمهُ إيَّاهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُزَكِّيهِمْ } . قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى أَنَّ مَعْنَى التَّزْكِيَة : التَّطْهِير , وَأَنَّ مَعْنَى الزَّكَاة : النَّمَاء وَالزِّيَادَة . فَمَعْنَى قَوْله : { وَيُزَكِّيهِمْ } فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَيُطَهِّرهُمْ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ وَعِبَادَة الْأَوْثَان وَيُنَمِّيهِمْ وَيُكَثِّرهُمْ بِطَاعَةِ اللَّه . كَمَا : 1717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتك وَيُزَكِّيهِمْ } قَالَ : يَعْنِي بِالزَّكَاةِ , طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص . 1718 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَوْله : { وَيُزَكِّيهِمْ } قَالَ : يُطَهِّرهُمْ مِنْ الشِّرْك وَيُخَلِّصهُمْ مِنْهُ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إنَّك يَا رَبّ أَنْت الْعَزِيز الْقَوِيّ الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , فَافْعَلْ بِنَا وَبِذُرِّيَّتِنَا مَا سَأَلْنَاهُ وَطَلَبْنَاهُ مِنْك . وَالْحَكِيم : الَّذِي لَا يَدْخُل تَدْبِيره خَلَل وَلَا زَلَل , فَأَعْطِنَا مَا يَنْفَعنَا وَيَنْفَع ذُرِّيَّتنَا , وَلَا يُنْقِصك وَلَا يُنْقِص خَزَائِنك .
وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَسورة البقرة الآية رقم 130
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم } وَأَيّ النَّاس يَزْهَد فِي مِلَّة إبْرَاهِيم وَيَتْرُكهَا رَغْبَة عَنْهَا إلَى غَيْرهَا . وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه بِذَلِكَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لِاخْتِيَارِهِمْ مَا اخْتَارُوا مِنْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة عَلَى الْإِسْلَام ; لِأَنَّ مِلَّة إبْرَاهِيم هِيَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا } 3 67 فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : وَمَنْ يَزْهَد عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه . كَمَا : 1719 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه } رَغِبَ عَنْ مِلَّته الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَاِتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بِدْعَة لَيْسَتْ مِنْ اللَّه , وَتَرَكُوا مِلَّة إبْرَاهِيم - يَعْنِي الْإِسْلَام - حَنِيفًا , كَذَلِكَ بَعَثَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِلَّةِ إبْرَاهِيم . 1720 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه } قَالَ : رَغِبَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم وَابْتَدَعُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّه , وَتَرَكُوا مِلَّة إبْرَاهِيم الْإِسْلَام .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه } إلَّا مَنْ سَفِهَتْ نَفْسه , وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى السَّفَه : الْجَهْل . فَمَعْنَى الْكَلَام : وَمَا يَرْغَب عَنْ مِلَّة إبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة إلَّا سَفِيه جَاهِل بِمَوْضِعِ حَظّ نَفْسه فِيمَا يَنْفَعهَا وَيَضُرّهَا فِي مُعَادهَا . كَمَا : 1721 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه } قَالَ : إلَّا مَنْ أَخْطَأَ حَظّه . وَإِنَّمَا نُصِبَ " النَّفْس " عَلَى مَعْنَى الْمُفَسَّر ; ذَلِكَ أَنَّ السَّفَه فِي الْأَصْل لِلنَّفْسِ , فَلَمَّا نُقِلَ إلَى " مَنْ " نُصِبَتْ " النَّفْس " بِمَعْنَى التَّفْسِير , كَمَا يُقَال : هُوَ أَوْسَعكُمْ دَارًا , فَتَدْخُل " الدَّار " فِي الْكَلَام عَلَى أَنَّ السِّعَة فِيهِ لَا فِي الرَّجُل . فَكَذَلِكَ النَّفْس أُدْخِلَتْ , لِأَنَّ السَّفَه لِلنَّفْسِ لَا ل " مَنْ " ; وَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَال سَفِهَ أَخُوك , وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُفَسَّر بِالنَّفْسِ وَهِيَ مُضَافَة إلَى مَعْرِفَة لِأَنَّهَا فِي تَأْوِيل نَكِرَة . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : إنَّ قَوْله : { سَفِهَ نَفْسه } جَرَتْ مَجْرَى " سَفِهَ " إذَا كَانَ الْفِعْل غَيْر مُتَّعَد . وَإِنَّمَا عَدَّاهُ إلَى " نَفْسه " و " رَأْيه " وَأَشْبَاه ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي الْمَعْنَى نَحْو سَفِهَ , إذَا هُوَ لَمْ يَتَعَدَّ . فَأَمَّا " غَبَنَ " و " خَسِرَ " فَقَدْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْره , يُقَال : غَبَنَ خَمْسِينَ , وَخَسِرَ خَمْسِينَ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَا إبْرَاهِيم , وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { اصْطَفَيْنَاهُ } مِنْ ذِكْر إبْرَاهِيم . وَالِاصْطِفَاء : الِافْتِعَال مِنْ الصَّفْوَة , وَكَذَلِكَ اصْطَفَيْنَا افْتَعَلْنَا مِنْهُ , صُيِّرَتْ تَاؤُهَا طَاء لِقُرْبِ مَخْرَجهَا مِنْ مَخْرَج الصَّاد . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { اصْطَفَيْنَاهُ } اخْتَرْنَاهُ وَاجْتَبَيْنَاهُ لِلْخِلَّةِ , وَنَصِيرهُ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ بَعْده إمَامًا . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَنَّ مَنْ خَالَفَ إبْرَاهِيم فِيمَا سَنَّ لِمَنْ بَعْده فَهُوَ لِلَّهِ مُخَالِف , وَإِعْلَام مِنْهُ خَلْقه أَنَّ مَنْ خَالَفَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لِإِبْرَاهِيم مُخَالِف ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ اصْطَفَاهُ لِخِلَّتِهِ , وَجَعَلَهُ لِلنَّاسِ إمَامًا , وَأَخْبَرَ أَنَّ دِينه كَانَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة . فَفِي ذَلِكَ أَوْضَح الْبَيَان مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَنَّ مَنْ خَالَفَهُ فَهُوَ لِلَّهِ عَدُوّ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِمَام الَّذِي نَصَبَهُ اللَّه لِعِبَادِهِ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ } وَإِنَّ إبْرَاهِيم فِي الدَّار الْآخِرَة لَمِنْ الصَّالِحِينَ . وَالصَّالِح مِنْ بَنِي آدَم هُوَ الْمُؤَدِّي حُقُوق اللَّه عَلَيْهِ . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ إبْرَاهِيم خَلِيله أَنَّهُ فِي الدُّنْيَا لَهُ صَفِيّ , وَفِي الْآخِرَة وَلِيّ , وَإِنَّهُ وَارِد مَوَارِد أَوْلِيَائِهِ الْمُوفِينَ بِعَهْدِهِ .
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَسورة البقرة الآية رقم 131
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ } إذْ قَالَ لَهُ رَبّه : أَخْلِصْ لِي الْعِبَادَة , وَاخْضَعْ لِي بِالطَّاعَةِ , وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْإِسْلَام فِي كَلَام الْعَرَب , فَأَغْنَى عَنْ إعَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إبْرَاهِيم مُجِيبًا لِرَبِّهِ : خَضَعْت بِالطَّاعَةِ , وَأَخْلَصْت بِالْعِبَادَةِ لِمَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : قَدْ عَلِمْت أَنَّ " إذْ " وَقْت فَمَا الَّذِي وَقَّتَ بِهِ , وَمَا الَّذِي صِلَته ؟ قِيلَ : هُوَ صِلَة لِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا } . وَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حِين قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ , قَالَ : أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . فَأَظْهَر اسْم " اللَّه " فِي قَوْله : { إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ } عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ غَائِب , وَقَدْ جَرَى ذِكْره قِيلَ عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ نَفْسه , كَمَا قَالَ خِفَاف بْن نُدْبَة : أَقُول لَهُ وَالرُّمْح يَأْمُر مَتْنه تَأَمَّلْ خِفَافًا إنَّنِي أَنَا ذَالِكَا فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ دَعَا اللَّه إبْرَاهِيم إلَى الْإِسْلَام ؟ قِيلَ لَهُ : نَعَمْ , قَدْ دَعَاهُ إلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ : وَفِي أَيّ حَال دَعَاهُ إلَيْهِ ؟ قِيلَ : حِين قَالَ : { يَا قَوْم إنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } 6 78 : 79 وَذَلِكَ هُوَ الْوَقْت الَّذِي قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ مِنْ بَعْد مَا امْتَحَنَهُ بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَر وَالشَّمْس .
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة البقرة الآية رقم 132
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ الدِّين } إنَّ اللَّه اخْتَارَ لَكُمْ هَذَا الدِّين الَّذِي عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ وَاجْتَبَاهُ لَكُمْ . وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الْأَلِف وَاللَّام فِي " الدِّين " , لِأَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا مِنْ وَلَدهمَا وَبَنِيهِمَا بِذَلِكَ كَانُوا قَدْ عَرَفُوهُ بِوَصِيَّتِهِمَا إيَّاهُمْ بِهِ وَوَصِيَّتهمَا إلَيْهِمْ فِيهِ , ثُمَّ قَالَا لَهُمْ بَعْد أَنْ عَرَّفَاهُمُوهُ : إنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمْ هَذَا الدِّين الَّذِي قَدْ عَهِدَ إلَيْكُمْ فِيهِ , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ تَمُوتُوا إلَّا وَأَنْتُمْ عَلَيْهِ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } . إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوْ إلَى بَنِي آدَم الْمَوْت وَالْحَيَاة فَيَنْهَى أَحَدهمْ أَنْ يَمُوت إلَّا عَلَى حَالَة دُون حَالَة ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي ظَنَنْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : { فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أَيْ فَلَا تُفَارِقُوا هَذَا الدِّين وَهُوَ الْإِسْلَام أَيَّام حَيَاتكُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَدْرِي مَتَى تَأْتِيه مَنِيَّته , فَلِذَلِك قَالَا لَهُمْ : { فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَتَى تَأْتِيكُمْ مَنَايَاكُمْ مِنْ لَيْل أَوْ نَهَار , فَلَا تُفَارِقُوا الْإِسْلَام فَتَأْتِيكُمْ مَنَايَاكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْر الدِّين الَّذِي اصْطَفَاهُ لَكُمْ رَبّكُمْ فَتَمُوتُوا وَرَبّكُمْ سَاخِط عَلَيْكُمْ فَتَهْلَكُوا
أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَسورة البقرة الآية رقم 133
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء } أَكُنْتُمْ , وَلَكِنَّهُ اسْتَفْهَمَ ب " أَمْ " إذْ كَانَ اسْتِفْهَامًا مُسْتَأْنَفًا عَلَى كَلَام قَدْ سَبَقَهُ , كَمَا قِيلَ : { ألم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } , 32 1 : 3 وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ اسْتِفْهَام ابْتَدَأَتْهُ بَعْد كَلَام قَدْ سَبَقَهُ تَسْتَفْهِم فِيهِ ب " أَمْ " , وَالشُّهَدَاء جَمْع شَهِيد كَمَا الشُّرَكَاء جَمْع شَرِيك , وَالْخُصَمَاء جَمْع خَصِيم . وَتَأْوِيل الْكَلَام : أَكُنْتُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْمُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الْجَاحِدِينَ نُبُوَّته , حُضُور يَعْقُوب وَشُهُوده إذْ حَضَرَهُ الْمَوْت , أَيْ أَنَّكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا ذَلِكَ . فَلَا تَدَّعُوا عَلَى أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي الْأَبَاطِيل , وَتَنْحَلُوهُمْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , فَإِنِّي ابْتَعَثْت خَلِيلِي إبْرَاهِيم وَوَلَده إسْحَاق وَإِسْمَاعِيل وَذُرِّيَّتهمْ بِالْحَنِيفِيَّةِ الْمُسْلِمَة , وَبِذَلِكَ وَصُّوا بَنِيهِمْ وَبِهِ عَهِدُوا إلَى أَوْلَادهمْ مِنْ بَعْدهمْ , فَلَوْ حَضَرْتُمُوهُمْ فَسَمِعْتُمْ مِنْهُمْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ عَلَى غَيْر مَا تَنْحَلُوهُمْ مِنْ الْأَدْيَان وَالْمِلَل مِنْ بَعْدهمْ . وَهَذِهِ آيَات نَزَلَتْ تَكْذِيبًا مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ فِي إبْرَاهِيم وَوَلَده يَعْقُوب أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مِلَّتهمْ , فَقَالَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ } فَتَعْلَمُوا مَا قَالَ لِوَلَدِهِ وَقَالَ لَهُ وَلَده . ثُمَّ أَعْلَمهُمْ مَا قَالَ لَهُمْ وَمَا قَالُوا لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1724 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء } يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب .

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَاءَك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إذْ قَالَ لِبَنِيهِ } إذْ قَالَ يَعْقُوب لِبَنِيهِ . و " إذْ " هَذِهِ مُكَرَّرَة إبْدَالًا مِنْ " إذْ " الْأُولَى بِمَعْنَى : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء يَعْقُوب إذْ قَالَ يَعْقُوب لِبَنِيهِ حِين حُضُور مَوْته . وَمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي } أَيْ شَيْء تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي , أَيْ مِنْ بَعْد وَفَاتِي . { قَالُوا نَعْبُد إلَهك } يَعْنِي بِهِ : قَالَ بَنُوهُ لَهُ : نَعْبُد مَعْبُودك الَّذِي تَعْبُدهُ , وَمَعْبُود آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إلَهًا وَاحِدًا , أَيْ نُخْلِص لَهُ الْعِبَادَة وَنُوَحِّد لَهُ الرُّبُوبِيَّة فَلَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا وَلَا نَتَّخِذ دُونه رَبًّا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالطَّاعَة . وَيَحْتَمِل قَوْله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أَنْ تَكُون بِمَعْنَى الْحَال , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : نَعْبُد إلَهك مُسْلِمِينَ لَهُ بِطَاعَتِنَا وَعِبَادَتنَا إيَّاهُ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا , فَيَكُون بِمَعْنَى : نَعْبُد إلَهك بَعْدك , وَنَحْنُ لَهُ الْآن وَفِي كُلّ حَال مُسْلِمُونَ . وَأَحْسَن هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْحَال , وَأَنْ يَكُون بِمَعْنَى : نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق مُسْلِمِينَ لِعِبَادَتِهِ . وَقِيلَ : إنَّمَا قَدَّمَ ذِكْر إسْمَاعِيل عَلَى إسْحَاق لِأَنَّ إسْمَاعِيل كَانَ أَسَنّ مِنْ إسْحَاق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1725 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق } قَالَ : يُقَال بَدَأَ بِإِسْمَاعِيل لِأَنَّهُ أَكْبَر . وَقَرَأَ بَعْض الْمُتَقَدِّمِينَ : " وَإِلَه أَبِيك إبْرَاهِيم " ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ إسْمَاعِيل إذْ كَانَ عَمًّا لِيَعْقُوب , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيمَنْ تَرْجَمَ بِهِ عَنْ الْآبَاء وَدَاخِلًا فِي عِدَادهمْ . وَذَلِكَ مِنْ قَارِئِهِ كَذَلِكَ قِلَّة عِلْم مِنْهُ بِمَجَارِي كَلَام الْعَرَب . وَالْعَرَب لَا تَمْتَنِع مِنْ أَنْ تَجْعَل الْأَعْمَام بِمَعْنَى الْآبَاء , وَالْأَخْوَال بِمَعْنَى الْأُمَّهَات , فَلِذَلِك دَخَلَ إسْمَاعِيل فِيمَنْ تَرْجَمَ بِهِ عَنْ الْآبَاء . وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق تَرْجَمَة عَنْ الْآبَاء فِي مَوْضِع جَرّ , وَلَكِنَّهُمْ نَصَبُوا بِأَنَّهُمْ لَا يَجُرُّونَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ : { وَإِلَه آبَائِك } لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيب ذَلِكَ وَشُذُوذ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ الْقُرَّاء مِمَّنْ قَرَأَ خِلَاف ذَلِكَ , وَنُصِبَ قَوْله إلَهًا عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله إلَهك .
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَسورة البقرة الآية رقم 134
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ } إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ . يَقُول لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى دَعَوْا ذِكْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَوْلَادهمْ بِغَيْرِ مَا هُمْ أَهْله وَلَا تَنْحَلُوهُمْ كُفْر الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة فَتُضِيفُوهَا إلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ أُمَّة - وَيَعْنِي بِالْأُمَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْجَمَاعَة , وَالْقَرْن مِنْ النَّاس - قَدْ خَلَتْ : مَضَتْ لِسَبِيلِهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ : قَدْ خَلَا , لِتَخَلِّيهِ مِنْ الدُّنْيَا , وَانْفِرَاده بِمَا كَانَ مِنْ الْأُنْس بِأَهْلِهِ وَقُرَنَائِهِ فِي دُنْيَاهُ , وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ : خَلَا الرَّجُل , إذَا صَارَ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا أَنِيس لَهُ فِيهِ وَانْفَرَدَ مِنْ النَّاس , فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَمُوت عَلَى ذَلِكَ الْوَجْه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى : إنَّ لِمَنْ نَحَلْتُمُوهُ بِضَلَالِكُمْ وَكُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي مَا كَسَبَتْ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { لَهَا } عَائِدَة إنْ شِئْت عَلَى " تِلْكَ " , وَإِنْ شِئْت عَلَى " الْأُمَّة " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أَيْ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر , وَلَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ مَا عَمِلْتُمْ . وَلَا تُؤَاخَذُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاحِلُونَ مَا نَحَلْتُمُوهُمْ مِنْ الْمِلَل , فَسَأَلُوا عَمَّا كَانَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ يَعْمَلُونَ فَيَكْسِبُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ ; لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْس مَا كَسَبَتْ , وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ . فَدَعَوْا انْتِحَالهمْ وَانْتِحَال مِلَلهمْ , فَإِنَّ الدَّعَاوَى غَيْر مُغْنِيَتكُمْ عِنْد اللَّه , وَإِنَّمَا يُغْنِي عَنْكُمْ عِنْده مَا سَلَف لَكُمْ مِنْ صَالِح أَعْمَالكُمْ إنْ كُنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا وَقَدَّمْتُمُوهَا .
وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة البقرة الآية رقم 135
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } وَقَالَتْ الْيَهُود لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : كُونُوا هُودًا تَهْتَدُوا , وَقَالَتْ النَّصَارَى لَهُمْ : كُونُوا نَصَارَى تَهْتَدُوا . تَعْنِي بِقَوْلِهَا تَهْتَدُوا : أَيْ تُصِيبُوا طَرِيق الْحَقّ . كَمَا : 1726 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة جَمِيعًا , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن صُورِيَّا الْأَعْوَر لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْهُدَى إلَّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ , فَاتَّبِعْنَا يَا مُحَمَّد تَهْتَدِ ! وَقَالَتْ النَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ فِيهِمْ : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } . احْتَجَّ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلَغَ حُجَّة وَأَوْجَزَهَا وَأَكْمَلَهَا , وَعَلَّمَهَا مُحَمَّدًا نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد قُلْ لِلْقَائِلِينَ لَك مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَلِأَصْحَابِك : كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا , بَلْ تَعَالَوْا نَتَّبِع مِلَّة إبْرَاهِيم الَّتِي تَجْمَع جَمِيعنَا عَلَى الشَّهَادَة لَهَا بِأَنَّهَا دِين اللَّه الَّذِي ارْتَضَاهُ وَاجْتَبَاهُ وَأَمَرَ بِهِ , فَإِنَّ دِينه كَانَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , وَنَدَع سَائِر الْمِلَل الَّتِي نَخْتَلِف فِيهَا فَيُنْكِرهَا بَعْضنَا وَيُقِرّ بِهَا بَعْضنَا , فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافه لَا سَبِيل لَنَا عَلَى الِاجْتِمَاع عَلَيْهِ كَمَا لَنَا السَّبِيل إلَّا الِاجْتِمَاع عَلَى مِلَّة إبْرَاهِيم . وَفِي نَصْب قَوْله : { بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيم } أَوْجُه ثَلَاثَة : أَحَدهَا أَنْ يُوَجَّه مَعْنَى قَوْله : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } إلَى مَعْنَى : وَقَالُوا اتَّبِعُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , لِأَنَّهُمْ إذْ قَالُوا : كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى إلَى الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة دَعُوهُمْ , ثُمَّ يَعْطِف عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْمِلَّةِ , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : قُلْ يَا مُحَمَّد لَا نَتَّبِع الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , وَلَا نَتَّخِذهَا مِلَّة , بَلْ نَتَّبِع مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا , ثُمَّ يَحْذِف " نَتَّبِع " الثَّانِيَة , وَيَعْطِف بِالْمِلَّةِ عَلَى إعْرَاب الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة . وَالْآخَر أَنْ يَكُون نَصْبه بِفِعْلِ مُضْمَر بِمَعْنَى نَتَّبِع . وَالثَّالِث أَنْ يَكُون أُرِيدَ : بَلْ نَكُون أَصْحَاب مِلَّة إبْرَاهِيم , أَوْ أَهْل مِلَّة إبْرَاهِيم ; ثُمَّ حَذَفَ " الْأَهْل " و " الْأَصْحَاب " , وَأُقِيمَتْ " الْمِلَّة " مَقَامهمْ , إذْ كَانَتْ مُؤَدِّيَة عَنْ مَعْنَى الْكَلَام , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَسِبْت بُغَامَ رَاحِلَتِي عَنَاقًا وَمَا هِيَ وَيْبَ غَيْركَ بِالْعَنَاقِ يَعْنِي صَوْت عَنَاق , فَتَكُون الْمِلَّة حِينَئِذٍ مَنْصُوبَة عَطْفًا فِي الْإِعْرَاب عَلَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَنْصُوبًا عَلَى وَجْه الْإِغْرَاء , بِاتِّبَاعِ مِلَّة إبْرَاهِيم . وَقَرَأَ بَعْض الْقُرَّاء ذَلِكَ رَفْعًا , فَتَأْوِيله عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ رَفْعًا : بَلْ الْهُدَى مِلَّة إبْرَاهِيم .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا } . الْمِلَّة : الدِّين . وَأَمَّا الْحَنِيف : فَإِنَّهُ الْمُسْتَقِيم مِنْ كُلّ شَيْء . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الرَّجُل الَّذِي تُقْبِل إحْدَى قَدَمَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى إنَّمَا قِيلَ لَهُ أَحْنَف نَظَرًا لَهُ إلَى السَّلَامَة , كَمَا قِيلَ لِلْمُهْلِكَةِ مِنْ الْبِلَاد : الْمَفَازَة , بِمَعْنَى الْفَوْز بِالنَّجَاةِ مِنْهَا وَالسَّلَامَة ; وَكَمَا قِيلَ لِلَّدِيغِ : السَّلِيم , تَفَاؤُلًا لَهُ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْهَلَاك , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : قُلْ يَا مُحَمَّد بَلْ نَتَّبِع مِلَّة إبْرَاهِيم مُسْتَقِيمًا . فَيَكُون الْحَنِيف حِينَئِذٍ حَالًا مِنْ إبْرَاهِيم . وَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْحَنِيف : الْحَاجّ . وَقِيلَ : إنَّمَا سُمِّيَ دِين إبْرَاهِيم الْإِسْلَام الْحَنِيفِيَّة , لِأَنَّهُ أَوَّل إمَام لَزِمَ الْعِبَاد الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْره وَاَلَّذِينَ جَاءُوا بَعْده إلَى يَوْم الْقِيَامَة اتِّبَاعه فِي مَنَاسِك الْحَجّ , وَالِائْتِمَامِ بِهِ فِيهِ . قَالُوا : فَكُلّ مَنْ حَجّ الْبَيْت فَنَسَكَ مَنَاسِك إبْرَاهِيم عَلَى مِلَّته , فَهُوَ حَنِيف مُسْلِم عَلَى دِين إبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1727 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن الْفَضْل , عَنْ كَثِير أَبِي سَهْل , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ الْحَنِيفِيَّة , قَالَ : حَجّ الْبَيْت . 1728 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَادَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { حَنِيفًا } قَالَ : الْحَنِيف : الْحَاجّ . * حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْفُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة مِثْله . 1729 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَالِم , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْحَنِيف : الْحَاجّ . 1730 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن التَّيْمِيّ , عَنْ كَثِير بْن زِيَاد , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ الْحَنِيفِيَّة , قَالَ : هُوَ حَجّ هَذَا الْبَيْت . قَالَ ابْن التَّيْمِيّ : وَأَخْبَرَنِي جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم مِثْله . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُجَاهِد : { حُنَفَاء } قَالَ : حُجَّاجًا . 1731 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { حَنِيفًا } قَالَ : حَاجًّا . 1732 - حَدَّثَنَا عَنْ وَكِيع , عَنْ فُضَيْل بْن غَزْوَانَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْقَاسِم , قَالَ : كَانَ النَّاس مِنْ مُضَر يَحُجُّونَ الْبَيْت فِي الْجَاهِلِيَّة يُسَمَّوْنَ حُنَفَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْر مُشْرِكِينَ بِهِ } . 22 31 وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَنِيف : الْمُتَّبِع , كَمَا وَصَفْنَا قَبْل مِنْ قَوْل الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ مَعْنَاهُ الِاسْتِقَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1733 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { حُنَفَاء } قَالَ : مُتَّبِعِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا سُمِّيَ دِين إبْرَاهِيم الْحَنِيفِيَّة , لِأَنَّهُ أَوَّل إمَام سَنَّ لِلْعِبَادِ الْخِتَان , فَاتَّبَعَهُ مَنْ بَعْده عَلَيْهِ . قَالُوا : فَكُلّ مَنْ اخْتَتَنَ عَلَى سَبِيل اخْتِتَان إبْرَاهِيم , فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيم مِنْ الْإِسْلَام , فَهُوَ حَنِيف عَلَى مِلَّة إبْرَاهِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا , بَلْ مِلَّة إبْرَاهِيم مُخْلِصًا , فَالْحَنِيفَة عَلَى قَوْلهمْ : الْمُخْلِص دِينه لِلَّهِ وَحْده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1734 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاتَّبَعَ مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا } يَقُول : مُخْلِصًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْحَنِيفِيَّة الْإِسْلَام , فَكُلّ مَنْ ائْتَمَّ بِإِبْرَاهِيم فِي مِلَّته فَاسْتَقَامَ عَلَيْهَا فَهُوَ حَنِيف . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الْحَنِيف عِنْدِي هُوَ الِاسْتِقَامَة عَلَى دِين إبْرَاهِيم وَاتِّبَاعه عَلَى مِلَّته . وَذَلِكَ أَنَّ الْحَنِيفِيَّة لَوْ كَانَتْ حَجّ الْبَيْت , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الَّذِينَ كَانُوا يَحُجُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة مِنْ أَهْل الشِّرْك كَانُوا حُنَفَاء , وَقَدْ نَفَى اللَّه أَنْ يَكُون ذَلِكَ تَحَنُّفًا بِقَوْلِهِ : { وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } فَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي الْخِتَان ; لِأَنَّ الْحَنِيفِيَّة لَوْ كَانَتْ هِيَ الْخِتَان لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْيَهُود حُنَفَاء , وَقَدْ أَخْرَجَهُمْ اللَّه مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { مَا كَانَ إبْرَاهِيم يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا } . 3 67 فَقَدْ صَحَّ إذًا أَنَّ الْحَنِيفِيَّة لَيْسَتْ الْخِتَان وَحْده , وَلَا حَجّ الْبَيْت وَحْده , وَلَكِنَّهُ هُوَ مَا وَصَفْنَا مِنْ الِاسْتِقَامَة عَلَى مِلَّة إبْرَاهِيم وَأَتْبَاعه عَلَيْهَا وَالِائْتِمَامِ بِهِ فِيهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْف أُضِيفَ " الْحَنِيفِيَّة " إلَى إبْرَاهِيم وَأَتْبَاعه عَلَى مِلَّته خَاصَّة دُون سَائِر الْأَنْبِيَاء قَبْله وَأَتْبَاعهمْ ؟ قِيلَ : إنَّ كُلّ مَنْ كَانَ قَبْل إبْرَاهِيم مِنْ الْأَنْبِيَاء كَانَ حَنِيفًا مُتَّبِعًا طَاعَة اللَّه , وَلَكِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَجْعَل أَحَدًا مِنْهُمْ إمَامًا لِمَنْ بَعْده مِنْ عِبَاده إلَى قِيَام السَّاعَة , كَاَلَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِإِبْرَاهِيم , فَجَعَلَهُ إمَامًا فِيمَا بَيَّنَهُ مِنْ مَنَاسِك الْحَجّ وَالْخِتَان , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ شَرَائِع الْإِسْلَام , تَعَبُّدًا بِهِ أَبَدًا إلَى قِيَام السَّاعَة , وَجَعَلَ مَا سَنَّ مِنْ ذَلِكَ عَلَمًا مُمَيَّزًا بَيْن مُؤْمِنِي عِبَاده وَكُفَّارهمْ وَالْمُطِيع مِنْهُمْ لَهُ وَالْعَاصِي , فَسُمِّيَ الْحَنِيف مِنْ النَّاس حَنِيفًا بِاتِّبَاعِهِ مِلَّته وَاسْتِقَامَته عَلَى هَدْيه وَمِنْهَاجه , وَسُمِّيَ الضَّالّ عَنْ مِلَّته بِسَائِرِ أَسْمَاء الْمِلَل , فَقِيلَ : يَهُودِيّ وَنَصْرَانِيّ وَمَجُوسِيّ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ صُنُوف الْمِلَل .


وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَدِين بِعِبَادَةِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . وَلَا كَانَ مِنْ الْيَهُود . وَلَا مِنْ النَّصَارَى , بَلْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا
قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَسورة البقرة الآية رقم 136
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : قُولُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَكُمْ : كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا : آمَنَّا , أَيْ صَدَّقْنَا بِاَللَّهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الْإِيمَان التَّصْدِيق بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . { وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا } يَقُول أَيْضًا : صَدَّقْنَا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّه إلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَضَافَ الْخِطَاب بِالتَّنْزِيلِ إلَيْهِمْ إذْ كَانُوا مُتَّبِعِيهِ وَمَأْمُورِينَ مَنْهِيِّينَ بِهِ , فَكَانَ - وَإِنْ كَانَ تَنْزِيلًا إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى التَّنْزِيل إلَيْهِمْ لِلَّذِي لَهُمْ فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي وُصِفَتْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم } صَدَّقْنَا أَيْضًا وَآمَنَّا بِمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط , وَهُمْ الْأَنْبِيَاء مِنْ وَلَد يَعْقُوب . وَقَوْله , { وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى } يَعْنِي : وَآمَنَّا أَيْضًا بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي آتَاهَا اللَّه مُوسَى , وَبِالْإِنْجِيلِ الَّذِي آتَاهُ اللَّه عِيسَى , وَالْكُتُب الَّتِي آتَى النَّبِيِّينَ كُلّهمْ , وَأَقْرَرْنَا وَصَدَّقْنَا أَنَّ ذَلِكَ كُلّه حَقّ وَهُدَى وَنُور مِنْ عِنْد اللَّه . وَأَنَّ جَمِيع مَنْ ذَكَرَ اللَّه مِنْ أَنْبِيَائِهِ كَانُوا عَلَى حَقّ وَهُدَى يُصَدِّق بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى مِنْهَاج وَاحِد فِي الدُّعَاء إلَى تَوْحِيد اللَّه وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , { لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ } يَقُول : لَا نُؤْمِن بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاء وَنَكْفُر بِبَعْضِ , وَنَتَبَرَّأ مِنْ بَعْض , وَنَتَوَلَّى بَعْضًا , كَمَا تَبَرَّأَتْ الْيَهُود مِنْ عِيسَى وَمُحَمَّد عَلَيْهِمَا السَّلَام وَأَقَرَّتْ بِغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَكَمَا تَبَرَّأَتْ النَّصَارَى مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّتْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاء ; بَلْ نَشْهَد لِجَمِيعِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُل اللَّه وَأَنْبِيَاءَهُ , بُعِثُوا بِالْحَقِّ وَالْهُدَى . وَأَمَّا قَوْله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ بِالطَّاعَةِ , مُذْعِنُونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ . فَذَكَرَ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِ , فَكَفَرُوا بِعِيسَى وَبِمَنْ يُؤْمِن بِهِ . كَمَا : 1735 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت . قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُود فِيهِمْ أَبُو يَاسِر بْن أَخْطَبَ وَرَافِع بْن أَبِي رَافِع وَعَازِر وَخَالِد وَزَيْد وَأَزَار بْن أَبِي أَزَار وَأَشْيَع , فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِن بِهِ مِنْ الرُّسُل , فَقَالَ : " أُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا , وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط , وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى , وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ , لَا نُفَرِّق بَيْن أَحَد مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " . فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى جَحَدُوا نُبُوَّته وَقَالُوا : لَا نُؤْمِن بِعِيسَى , وَلَا نُؤْمِن بِمَنْ آمَنَ بِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إلَّا أَنْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْل وَأَنَّ أَكْثَركُمْ فَاسِقُونَ } . 5 59 * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر . عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَنَافِع بْن أَبِي نَافِع , مَكَان رَافِع بْن أَبِي رَافِع . وَقَالَ قَتَادَة : أَنْزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة أَمْرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِتَصْدِيقِ رُسُله كُلّهمْ . 1736 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم } إلَى قَوْله , { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } أَمَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيُصَدِّقُوا بِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُله كُلّهمْ , وَلَا يُفَرِّقُوا بَيْن أَحَد مِنْهُمْ . وَأَمَّا الْأَسْبَاط الَّذِينَ ذَكَرهمْ فَهُمْ اثْنَا عَشَر رَجُلًا مِنْ وَلَد يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم , وَلَد كُلّ رَجُل مِنْهُمْ أُمَّة مِنْ النَّاس , فَسُمُّوا أَسْبَاطًا . كَمَا : 1737 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ ثنا سَعِيد . عَنْ قَتَادَة قَالَ : الْأَسْبَاط : يُوسُف وَإِخْوَته بَنُو يَعْقُوب , وَلَد اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , فَوَلَد كُلّ رَجُل مِنْهُمْ أُمَّة مِنْ النَّاس , فَسُمُّوا أَسْبَاطًا . 1738 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا الْأَسْبَاط فَهُمْ بَنُو يَعْقُوب : يُوسُف , وبنيامين , وروبيل , ويهوذا , وشمعون , ولاوي , ودان , وقهاث . 1739 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : الْأَسْبَاط : يُوسُف وَإِخْوَته بَنُو يَعْقُوب اثْنَا عَشَر رَجُلًا , فَوُلِدَ لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ أُمَّة مِنْ النَّاس , فَسُمُّوا الْأَسْبَاط . 1740 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : نَكَحَ يَعْقُوب بْن إسْحَاق وَهُوَ إسْرَائِيل ابْنَة خَاله ليا ابْنَة لِيَان بْن توبيل بْن إلْيَاس , فَوَلَدَتْ لَهُ روبيل بْن يَعْقُوب , وَكَانَ أَكْبَر وَلَده , وشمعون بْن يَعْقُوب , ولاوي بْن يَعْقُوب , ويهوذا بْن يَعْقُوب , وريالون بْن يَعْقُوب , ويشجر بْن يَعْقُوب وَدِينَة بِنْت يَعْقُوب . ثُمَّ تُوُفِّيَتْ لِيَا بِنْت لِيَان , فَخَلَفَ يَعْقُوب عَلَى أُخْتهَا راحيل بِنْت لِيَان بْن توبيل بْن إلْيَاس , فَوَلَدَتْ لَهُ يُوسُف بْن يَعْقُوب وبنيامين , وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَسَد , وَوُلِدَ لَهُ مِنْ سَرِيَّتَيْنِ لَهُ اسْم إحْدَاهُمَا زِلْفَة , وَاسْم الْأُخْرَى بلهية أَرْبَعَة نَفَر : دان بْن يَعْقُوب , ونفثالي بْن يَعْقُوب , وجاد بْن يَعْقُوب , وإشرب بْن يَعْقُوب . فَكَانَ بَنُو يَعْقُوب اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا , نَشَرَ اللَّه مِنْهُ اثْنَيْ عَشَر سَبْطًا لَا يُحْصِي عَدَدهمْ وَلَا يَعْلَم أَنْسَابهمْ إلَّا اللَّه , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَة أَسْبَاطًا أُمَمًا } . 7 160
فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُسورة البقرة الآية رقم 137
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ } فَإِنْ صَدَّقَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط , وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى , وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبّهمْ , وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ مِثْل مَا صَدَّقْتُمْ أَنْتُمْ بِهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَأَقْرَرْتُمْ , فَقَدْ وُفِّقُوا وَرَشَدُوا وَلَزِمُوا طَرِيق الْحَقّ وَاهْتَدَوْا , وَهُمْ حِينَئِذٍ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنْهُمْ بِدُخُولِهِمْ فِي مِلَّتكُمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ . فَدَلَّ تَعَالَى ذِكْره بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَل مِنْ أَحَد عَمَلًا إلَّا بِالْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي عَدَّهَا قَبْلهَا . كَمَا : 1741 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا } وَنَحْو هَذَا , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّ الْإِيمَان هُوَ الْعُرْوَة الْوُثْقَى , وَأَنَّهُ لَا يَقْبَل عَمَلًا إلَّا بِهِ , وَلَا تَحْرُم الْجَنَّة إلَّا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ قِرَاءَة جَاءَتْ مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِهَا , وَأَجْمَعَتْ قُرَّاء الْقُرْآن عَلَى تَرْكهَا . وَذَلِكَ مَا : 1742 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : لَا تَقُولُوا : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا } فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ مِثْل , وَلَكِنْ قُولُوا : { فَإِنْ آمَنُوا بِاَلَّذِينَ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا } , أَوْ قَالَ : فَإِنْ آمَنُوا بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ } . فَكَانَ ابْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الرِّوَايَة إنْ كَانَتْ صَحِيحَة عَنْهُ يُوَجِّه تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ } فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ اللَّه , وَبِمِثْلِ مَا أُنْزِلَ عَلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل ; وَذَلِكَ إذَا صُرِفَ إلَى هَذَا الْوَجْه شِرْك لَا شَكَّ بِاَللَّهِ الْعَظِيم , لِأَنَّهُ لَا مِثْل لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْره , فَنُؤْمِن أَوْ نَكْفُر بِهِ . وَلَكِنْ تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي وُجِّهَ إلَيْهِ تَأْوِيله , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا وَصَفْنَا , وَهُوَ : فَإِنْ صَدَّقُوا مِثْل تَصْدِيقكُمْ بِمَا صَدَّقْتُمْ بِهِ مِنْ جَمِيع مَا عَدَّدْنَا عَلَيْكُمْ مِنْ كُتُب اللَّه وَأَنْبِيَائِهِ , فَقَدْ اهْتَدَوْا . فَالتَّشْبِيه إنَّمَا وَقَعَ بَيْن التَّصْدِيقَيْنِ وَالْإِقْرَارَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا إيمَان هَؤُلَاءِ وَإِيمَان هَؤُلَاءِ , كَقَوْلِ الْقَائِل : مَرَّ عَمْرو بِأَخِيك مِثْل مَا مَرَرْت بِهِ , يَعْنِي بِذَلِكَ مَرَّ عَمْرو بِأَخِيك مِثْل مُرُورِي بِهِ , وَالتَّمْثِيل إنَّمَا دَخَلَ تَمْثِيلًا بَيْن الْمُرُورَيْنِ , لَا بَيْن عَمْرو وَبَيْن الْمُتَكَلِّم ; فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ } إنَّمَا وَقَعَ التَّمْثِيل بَيْن الْإِيمَانَيْنِ لَا بَيْن الْمُؤْمَنِ بِهِ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ تَوَلَّوْا } وَإِنْ تَوَلَّى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى , فَأَعْرَضُوا , فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِمِثْلِ إيمَانكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاء , وَابْتُعِثَتْ بِهِ الرُّسُل , وَفَرَّقُوا بَيْن رُسُل اللَّه , وَبَيْن اللَّه وَرُسُله , فَصَدَّقُوا بِبَعْضِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِ , فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّهُمْ إنَّمَا هُمْ فِي عِصْيَان وَفِرَاق وَحَرْب لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَكُمْ . كَمَا : 1743 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق } أَيْ فِي فِرَاق . 1744 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق } يَعْنِي فِرَاق . 1745 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق } قَالَ : الشِّقَاق : الْفِرَاق وَالْمُحَارَبَة , إذَا شَاقّ فَقَدْ حَارَبَ , وَإِذَا حَارَبَ فَقَدْ شَاقّ , وَهُمَا وَاحِد فِي كَلَام الْعَرَب . وَقَرَأَ : { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُول } . 4 115 وَأَصْل الشِّقَاق عِنْدنَا وَاَللَّه أَعْلَم مَأْخُوذ مِنْ قَوْل الْقَائِل : " شَقَّ عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْر " إذَا كَرَبَهُ وَآذَاهُ , ثُمَّ قِيلَ : " شَاقّ فُلَان فُلَانًا " بِمَعْنَى : نَالَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبه مَا كَرَبَهُ وَآذَاهُ وَأَثْقَلَتْهُ مُسَاءَته , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاق بَيْنهمَا } 4 35 بِمَعْنَى فِرَاق بَيْنهمَا .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّه } فَسَيَكْفِيك اللَّه يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَك لِأَصْحَابِك : { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , إنْ هُمْ تَوَلَّوْا عَنْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمِثْلِ إيمَان أَصْحَابك بِاَللَّهِ , وَبِمَا أُنْزِلَ إلَيْك , وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَسَائِر الْأَنْبِيَاء غَيْرهمْ , وَفَرَّقُوا بَيْن اللَّه وَرُسُله , إمَّا بِقَتْلِ السَّيْف , وَإِمَّا بِجَلَاءِ عَنْ جِوَارك , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعُقُوبَات , فَإِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع لِمَا يَقُولُونَ لَك بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيُبْدُونَ لَك بِأَفْوَاهِهِمْ مِنْ الْجَهْل وَالدُّعَاء إلَى الْكُفْر وَالْمِلَل الضَّالَّة , الْعَلِيم بِمَا يُبْطِنُونَ لَك وَلِأَصْحَابِك الْمُؤْمِنِينَ فِي أَنْفُسهمْ مِنْ الْحَسَد وَالْبَغْضَاء . فَفَعَلَ اللَّه بِهِمْ ذَلِكَ عَاجِلًا وَأَنْجَزَ وَعْده , فَكَفَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَتَلَ بَعْضهمْ وَأَجْلَى بَعْضًا وَأَذَلّ بَعْضًا وَأَخْزَاهُ بِالْجِزْيَةِ وَالصَّغَار .
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَسورة البقرة الآية رقم 138
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { صِبْغَة اللَّه وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه صِبْغَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِالصِّبْغَةِ : صِبْغَة الْإِسْلَام , وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَنْصُر أَطْفَالهمْ جَعَلَتْهُمْ فِي مَاء لَهُمْ تَزْعُم أَنَّ ذَلِكَ لَهَا تَقْدِيس بِمَنْزِلَةِ غُسْل الْجَنَابَة لِأَهْلِ الْإِسْلَام , وَأَنَّهُ صِبْغَة لَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّة , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إذْ قَالُوا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه الْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : أَيّهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى , بَلْ اتَّبِعُوا مِلَّة إبْرَاهِيم صِبْغَة اللَّه الَّتِي هِيَ أَحْسَن الصَّبْغ , فَإِنَّهَا هِيَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , وَدَعُوا الشِّرْك بِاَللَّهِ وَالضَّلَال عَنْ مَحَجَّة هُدَاهُ . وَنَصْب " الصِّبْغَة " مَنْ قَرَأَهَا نَصْبًا عَلَى الرَّدّ عَلَى " الْمِلَّة " , وَكَذَلِكَ رَفْع " الصِّبْغَة " مَنْ رَفَعَ الْمِلَّة عَلَى رَدّهَا عَلَيْهَا . وَقَدْ يَجُوز رَفْعهَا عَلَى غَيْر هَذَا الْوَجْه , وَذَلِكَ عَلَى الِابْتِدَاء , بِمَعْنَى : هِيَ صِبْغَة اللَّه . وَقَدْ يَجُوز نَصْبهَا عَلَى غَيْر وَجْه الرَّدّ عَلَى " الْمِلَّة " , وَلَكِنْ عَلَى قَوْله : { قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ } إلَى قَوْله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } صِبْغَة اللَّه , بِمَعْنَى : آمَنَّا هَذَا الْإِيمَان , فَيَكُون الْإِيمَان حِينَئِذٍ هُوَ صِبْغَة اللَّه . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الصِّبْغَة قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1746 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { صِبْغَة اللَّه وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه صِبْغَة } إنَّ الْيَهُود تَصْبُغ أَبْنَاءَهَا يَهُود , وَالنَّصَارَى تَصْبُغ أَبْنَاءَهَا نَصَارَى , وَإِنَّ صِبْغَة اللَّه الْإِسْلَام , فَلَا صِبْغَة أَحْسَن مِنْ الْإِسْلَام وَلَا أَطْهُر , وَهُوَ دِين اللَّه بَعَثَ بِهِ نُوحًا وَالْأَنْبِيَاء بَعْده . 1747 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ عَطَاء : { صِبْغَة اللَّه } صَبَغَتْ الْيَهُود أَبْنَاءَهُمْ خَالَفُوا الْفِطْرَة . وَاخْتَلَفُوا أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { صِبْغَة اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : دِين اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1748 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 1749 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . { وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه صِبْغَة } وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه دِينًا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1750 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1751 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة قَوْله : { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 1752 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { صِبْغَة اللَّه وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه صِبْغَة } يَقُول : دِين اللَّه , وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه دِينًا . 1753 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . 1754 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه . * حَدَّثَنِي ابْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { صِبْغَة اللَّه } فَذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : { صِبْغَة اللَّه } فِطْرَة اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1755 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا ابْن لَهِيعَة , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه صِبْغَة } قَالَ : الصِّبْغَة : الْفِطْرَة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { صِبْغَة اللَّه } الْإِسْلَام , فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ لِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير { صِبْغَة اللَّه } قَالَ : دِين اللَّه وَمَنْ أَحْسَن مِنْ اللَّه دِينًا . قَالَ : هِيَ فِطْرَة اللَّه . وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل , فَوَجْه الصِّبْغَة إلَى الْفِطْرَة , فَمَعْنَاهُ : بَلْ نَتَّبِع فِطْرَة اللَّه وَمِلَّته الَّتِي خَلَقَ عَلَيْهَا خَلْقه , وَذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم . مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } 6 14 مَعْنَى خَالِق السَّمَوَات وَالْأَرْض .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } . وَقَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولهُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَهُ وَلِمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَصْحَابه : { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ بَلْ نَتَّبِع مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا , صِبْغَة اللَّه , وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ . يَعْنِي مِلَّة الْخَاضِعِينَ لِلَّهِ الْمُسْتَكِينِينَ لَهُ فِي اتِّبَاعنَا مِلَّة إبْرَاهِيم وَدَيْنُونَتنَا لَهُ بِذَلِكَ , غَيْر مُسْتَكْبِرِينَ فِي اتِّبَاع أَمْره وَالْإِقْرَار بِرِسَالَتِهِ رُسُله , كَمَا اسْتَكْبَرَتْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَكَفَرُوا بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِكْبَارًا وَبَغْيًا وَحَسَدًا
قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَسورة البقرة الآية رقم 139
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه } قُلْ يَا مُحَمَّد لِمَعَاشِر الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَك وَلِأَصْحَابِك كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا , وَزَعَمُوا أَنَّ دِينهمْ خَيْر مِنْ دِينكُمْ , وَكِتَابهمْ خَيْر مِنْ كِتَابكُمْ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْل كِتَابكُمْ , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مِنْ أَجْل ذَلِكَ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنْك : أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه , وَهُوَ رَبّنَا وَرَبّكُمْ , بِيَدِهِ الْخَيْرَات , وَإِلَيْهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَالْجَزَاء عَلَى الْأَعْمَال - الْحَسَنَات مِنْهَا وَالسَّيِّئَات , فَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ بِاَللَّهِ أَوْلَى مِنَّا مِنْ أَجْل أَنَّ نَبِيّكُمْ قَبْل نَبِيّنَا , وَكِتَابكُمْ قَبْل كِتَابنَا , وَرَبّكُمْ وَرَبّنَا وَاحِد , وَأَنَّ لِكُلِّ فَرِيق مِنَّا مَا عَمِلَ وَاكْتَسَبَ مِنْ صَالِح الْأَعْمَال وَسَيِّئِهَا , وَيُجَازِي فَيُثَاب أَوْ يُعَاقَب - لَا عَلَى الْأَنْسَاب وَقِدَم الدِّين وَالْكِتَاب . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا } قُلْ أَتُخَاصِمُونَنَا وَتُجَادِلُونَنَا . كَمَا : 1756 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه } قُلْ أَتُخَاصِمُونَنَا . 1757 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا } أَتُخَاصِمُونَنَا . 1758 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَتُحَاجُّونَنَا } أَتُجَادِلُونَنَا . فَأَمَّا قَوْله : { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَنَحْنُ لِلَّهِ مُخْلِصُو الْعِبَادَة وَالطَّاعَة لَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا , وَلَا نَعْبُد غَيْره أَحَدًا , كَمَا عَبَدَ أَهْل الْأَوْثَان مَعَهُ الْأَوْثَان , وَأَصْحَاب الْعِجْل مَعَهُ الْعِجْل . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَوْبِيخ لِلْيَهُودِ وَاحْتِجَاج لِأَهْلِ الْإِيمَان , بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُولُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَكُمْ : { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } . { أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فِي اللَّه } فِي دِين اللَّه الَّذِي أُمِرْنَا أَنْ نَدِينهُ بِهِ , وَرَبّنَا وَرَبّكُمْ وَاحِد عَدْل لَا يَجُور , وَإِنَّمَا يُجَازِي الْعِبَاد عَلَى مَا اكْتَسَبُوا . وَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِاَللَّهِ مِنَّا لِقِدَمِ دِينكُمْ وَكِتَابكُمْ وَنَبِيّكُمْ , وَنَحْنُ مُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَة لَمْ نُشْرِك بِهِ شَيْئًا , وَقَدْ أَشْرَكْتُمْ فِي عِبَادَتكُمْ إيَّاهُ , فَعَبَدَ بَعْضكُمْ الْعِجْل وَبَعْضكُمْ الْمَسِيح . فَأَنَّى تَكُونُوا خَيْرًا مِنَّا , وَأَوْلَى بِاَللَّهِ مِنَّا .
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَسورة البقرة الآية رقم 140
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَم أَمْ اللَّه } قَالَ أَبُو جَعْفَر : فِي قِرَاءَة ذَلِكَ وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : { أَمْ تَقُولُونَ } بِالتَّاءِ , فَمَنْ قَرَأَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيله : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلِينَ لَك مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } أَتُجَادِلُونَنَا فِي اللَّه أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيم ؟ فَيَكُون ذَلِكَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْله : { أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه } . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا { أَمْ يَقُولُونَ } بِالْيَاءِ . وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْه قَوْله : { أَمْ يَقُولُونَ } إلَى أَنَّهُ اسْتِفْهَام مُسْتَأْنَف , كَقَوْلِهِ : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } 32 3 وَكَمَا يُقَال : إنَّهَا لَإِبِل أَمْ شَاه . وَإِنَّمَا جَعَلَهُ اسْتِفْهَامًا مُسْتَأْنَفًا لِمَجِيءِ خَبَر مُسْتَأْنَف , كَمَا يُقَال : أَتَقُومُ أَمْ يَقُوم أَخُوك ؟ فَيَصِير قَوْله : " أَمْ يَقُوم أَخُوك " خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا لِجُمْلَةِ لَسْت مِنْ الْأَوَّل وَاسْتِفْهَامًا مُبْتَدَأ . وَلَوْ كَانَ نَسَقًا عَلَى الِاسْتِفْهَام الْأَوَّل لَكَانَ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّل , فَقِيلَ : أَتَقُومُ أَمْ تَقْعُد . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ ذَلِكَ إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِالْيَاءِ , فَإِنْ كَانَ الَّذِي بَعْد أَمْ جُمْلَة تَامَّة فَهُوَ عَطْف عَلَى الِاسْتِفْهَام الْأَوَّل ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قِيلَ أَيْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَائِن , هَذَا أَمْ هَذَا ؟ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ : { أَمْ تَقُولُونَ } بِالتَّاءِ دُون الْيَاء عَطْفًا عَلَى قَوْله : { قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا } بِمَعْنَى : أَيْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ تَفْعَلُونَ ؟ أَتُجَادِلُونَنَا فِي دِين اللَّه , فَتَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى مِنَّا , وَأَهْدَى مِنَّا سَبِيلًا , وَأَمْرنَا وَأَمْركُمْ مَا وَصَفْنَا عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا , أَمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَمَنْ سَمَّى اللَّه كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى عَلَى مِلَّتكُمْ , فَيَصِحّ لِلنَّاسِ بَهْتكُمْ وَكَذِبكُمْ ; لِأَنَّ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة حَدَثَتْ بَعْد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ اللَّه مِنْ أَنْبِيَائِهِ , وَغَيْر جَائِزَة قِرَاءَة ذَلِكَ بِالْيَاءِ لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء . وَهَذِهِ الْآيَة أَيْضًا احْتِجَاج مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه قِصَصهمْ . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّه , وَتَزْعُمُونَ أَنَّ دِينكُمْ أَفْضَل مِنْ دِيننَا , وَأَنَّكُمْ عَلَى هُدَى وَنَحْنُ عَلَى ضَلَالَة بِبُرْهَانِ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَتَدْعُونَنَا إلَى دِينكُمْ ؟ فَهَاتُوا بُرْهَانكُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَتَّبِعكُمْ عَلَيْهِ ! أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى عَلَى دِينكُمْ ؟ فَهَاتُوا عَلَى دَعْوَاكُمْ مَا ادَّعَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ بُرْهَانًا فَنُصَدِّقكُمْ ! فَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَهُمْ أَئِمَّة يُقْتَدَى بِهِمْ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد إنْ ادَّعَوْا أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى : أَأَنْتُمْ أَعْلَم بِهِمْ وَبِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَدْيَان أَمْ اللَّه ؟


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } . يَعْنِي : فَإِنْ زَعَمْتُمْ يَا مُحَمَّد الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَك وَلِأَصْحَابِك كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى , أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى , فَمَنْ أَظْلَم مِنْهُمْ ؟ يَقُول : وَأَيّ امْرِئِ أَظْلَم مِنْهُمْ وَقَدْ كَتَمُوا شَهَادَة عِنْدهمْ مِنْ اللَّه بِأَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا مُسْلِمِينَ . فَكَتَمُوا ذَلِكَ وَنَحَلُوهُمْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : 1759 - فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } قَالَ : فِي قَوْل يَهُود لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا إنَّهُمْ كَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى . فَيَقُول اللَّه : لَا تَكْتُمُوا مِنِّي شَهَادَة إنْ كَانَتْ عِنْدكُمْ فِيهِمْ . وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } فِي قَوْل الْيَهُود لِإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا إنَّهُمْ كَانُوا يَهُودًا أَوْ نَصَارَى . فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : لَا تَكْتُمُوا مِنِّي الشَّهَادَة فِيهِمْ إنْ كَانَتْ عِنْدكُمْ فِيهِمْ . وَقَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ . 1760 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل } إلَى قَوْله : { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَم أَمْ اللَّه وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } قَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه لَقَدْ كَانَ عِنْد الْقَوْم مِنْ اللَّه شَهَادَة أَنَّ أَنْبِيَاءَهُ بُرَآء مِنْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , كَمَا أَنَّ عِنْد الْقَوْم مِنْ اللَّه شَهَادَة أَنَّ أَمْوَالكُمْ وَدِمَاءَكُمْ بَيْنكُمْ حَرَام , فَبِمَ اسْتَحَلُّوهَا ؟ . 1761 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } أَهْل الْكِتَاب , كَتَمُوا الْإِسْلَام وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ دِين اللَّه , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل : أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَهُودًا وَلَا نَصَارَى , وَكَانَتْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة بَعْد هَؤُلَاءِ بِزَمَانِ . وَأَنَّهُ عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى إنْ ادَّعَوْا أَنَّ إبْرَاهِيم وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْآيَة كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى , تُبَيِّن لِأَهْلِ الشِّرْك الَّذِينَ هُمْ نُصَرَاؤُهُمْ كَذِبهمْ وَادِّعَاءَهُمْ عَلَى أَنْبِيَاء اللَّه الْبَاطِل ; لِأَنَّ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة حَدَثَتْ بَعْدهمْ , وَإِنْ هُمْ نَفَوْا عَنْهُمْ الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , قِيلَ لَهُمْ : فَهَلُمُّوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الدِّين , فَإِنَّا وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ جَمِيعًا بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى حَقّ , وَنَحْنُ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا خَالَفَ الدِّين الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } الْيَهُود فِي كِتْمَانهمْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته , وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَجِدُونَهُ فِي كُتُبهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1762 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَمْ تَقُولُونَ إنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } أُولَئِكَ أَهْل الْكِتَاب كَتَمُوا الْإِسْلَام وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ دِين اللَّه , وَاِتَّخَذُوا الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة , وَكَتَمُوا مُحَمَّدًا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 1763 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } قَالَ : الشَّهَادَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكْتُوب عِنْدهمْ , وَهُوَ الَّذِي كَتَمُوا . 1764 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , نَحْو حَدِيث بِشْر بْن مُعَاذ عَنْ يَزِيد . 1765 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } قَالَ : هُمْ يَهُود يَسْأَلُونَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ صِفَته فِي كِتَاب اللَّه عِنْدهمْ , فَيَكْتُمُونَ الصِّفَة . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَة عِنْده مِنْ اللَّه } فِي أَثَر قِصَّة مَنْ سَمَّى اللَّه مِنْ أَنْبِيَائِهِ , وَأَمَام قِصَّته لَهُمْ . فَأَوْلَى بِاَلَّذِي هُوَ بَيْن ذَلِكَ أَنْ يَكُون مِنْ قَصَصهمْ دُون غَيْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيَّة شَهَادَة عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ اللَّه فِي أَمْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط ؟ قِيلَ : الشَّهَادَة الَّتِي عِنْدهمْ مِنْ اللَّه فِي أَمْرهمْ , مَأْ أَنْزَلَ اللَّه إلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَأَمَرَهُمْ فِيهَا بِالِاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِمْ وَاتِّبَاع مِلَّتهمْ , وَأَنَّهُمْ كَانُوا حُنَفَاء مُسْلِمِينَ . وَهِيَ الشَّهَادَة الَّتِي عِنْدهمْ مِنْ اللَّه الَّتِي كَتَمُوهَا حِين دَعَاهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْإِسْلَام , فَقَالُوا لَهُ : { لَنْ يَدْخُل الْجَنَّة إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } 2 111 وَقَالُوا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ : { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَات فِي تَكْذِيبهمْ وَكِتْمَانهمْ الْحَقّ , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى أَنْبِيَاء اللَّه الْبَاطِل وَالزُّور .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اللَّه بِغَافِلِ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَقُلْ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يُحَاجُّونَك يَا مُحَمَّد : { وَمَا اللَّه بِغَافِلِ عَمَّا تَعْمَلُونَ } مِنْ كِتْمَانكُمْ الْحَقّ فِيمَا أَلْزَمَكُمْ فِي كِتَابه بَيَانه لِلنَّاسِ , مِنْ أَمْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط فِي أَمْر الْإِسْلَام , وَأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ , وَأَنَّ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة دِين اللَّه الَّذِي عَلَى جَمِيع الْخَلْق الدَّيْنُونَة بِهِ دُون الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة وَغَيْرهمَا مِنْ الْمِلَل . وَلَا هُوَ سَاهٍ عَنْ عِقَابكُمْ عَلَى فِعْلكُمْ ذَلِكَ , بَلْ هُوَ مُحْصٍ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهِ مِنْ الْجَزَاء مَا أَنْتُمْ لَهُ أَهْل فِي عَاجِل الدُّنْيَا وَآجِل الْأَخِرَة . فَجَازَاهُمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا بِقَتْلِ بَعْضهمْ وَإِجْلَائِهِ عَنْ وَطَنه وَدَاره , وَهُوَ مُجَازِيهمْ فِي الْآخِرَة الْعَذَاب الْمُهِين .
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَسورة البقرة الآية رقم 141
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ أُمَّة } إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط . كَمَا : 1766 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ } يَعْنِي إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط . 1767 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْأُمَّة : الْجَمَاعَة . فَمَعْنَى الْآيَة إذًا : قُلْ يَا مُحَمَّد - لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَك فِي اللَّه مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنْ كَتَمُوا مَا عِنْدهمْ مِنْ الشَّهَادَة فِي أَمْر إبْرَاهِيم وَمَنْ سَمَّيْنَا مَعَهُ , وَأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى فَكَذَّبُوا - أَنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط أُمَّة قَدْ خَلَتْ ; أَيْ مَضَتْ لِسَبِيلِهَا , فَصَارَتْ إلَى رَبّهَا , وَخَلَتْ بِأَعْمَالِهَا وَآمَالهَا , لَهَا عِنْد اللَّه مَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْر فِي أَيَّام حَيَاتهَا , وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ شَرّ , لَا يَنْفَعهَا غَيْر صَالِح أَعْمَالهَا وَلَا يَضُرّهَا إلَّا سَيِّئُهَا . فَاعْلَمُوا أَيّهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى ذَلِكَ , فَإِنَّكُمْ إنْ كَانَ هَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ بِهِمْ تَفْتَخِرُونَ وَتَزْعُمُونَ أَنَّ بِهِمْ تَرْجُونَ النَّجَاة مِنْ عَذَاب رَبّكُمْ مَعَ سَيِّئَاتكُمْ , وَعَظِيم خَطِيئَاتكُمْ , لَا يَنْفَعهُمْ عِنْد اللَّه غَيْر مَا قَدَّمُوا مِنْ صَالِح الْأَعْمَال , وَلَا يَضُرّهُمْ غَيْر سَيِّئِهَا ; فَأَنْتُمْ كَذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يَنْفَعكُمْ عِنْد اللَّه غَيْر مَا قَدَّمْتُمْ مِنْ صَالِح الْأَعْمَال , وَلَا يَضُرّكُمْ غَيْر سَيِّئِهَا . فَاحْذَرُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ وَبَادِرُوا خُرُوجهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَة إلَى اللَّه مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْر وَالضَّلَالَة وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه وَعَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله , وَدَعُوا الْأَنْكَال عَلَى فَضَائِل الْآبَاء وَالْأَجْدَاد , فَإِنَّمَا لَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ , وَعَلَيْكُمْ مَا اكْتَسَبْتُمْ , وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْأَسْبَاط يَعْمَلُونَ مِنْ الْأَعْمَال , لِأَنَّ كُلّ نَفْس قَدَّمَتْ عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , فَإِنَّمَا تُسْأَل عَمَّا كَسَبَتْ وَأَسْلَفَتْ دُون مَا أَسْلَفَ غَيْرهَا .
سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍسورة البقرة الآية رقم 142
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء } سَيَقُولُ الْجُهَّال مِنْ النَّاس , وَهُمْ الْيَهُود وَأَهْل النِّفَاق . وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ سُفَهَاء لِأَنَّهُمْ سَفَّهُوا الْحَقّ , فَتَجَاهَلَتْ أَحْبَار الْيَهُود , وَتَعَاظَمَتْ جُهَّالهمْ وَأَهْل الْغَبَاء مِنْهُمْ عَنْ اتِّبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذْ كَانَ مِنْ الْعَرَب وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , وَتَحَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ فَتَبَلَّدُوا . وَبِمَا قُلْنَا

فِي السُّفَهَاء أَنَّهُمْ هُمْ الْيَهُود وَأَهْل النِّفَاق , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ هُمْ الْيَهُود : 1768 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ } قَالَ : الْيَهُود تَقُولهُ حِين تَرَكَ بَيْت الْمَقْدِس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1769 - حُدِّثْت عَنْ أَحْمَد بْن يُونُس , عَنْ زُهَيْر , عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ الْبَرَاء : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس } قَالَ : الْيَهُود . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس } قَالَ : الْيَهُود . 1770 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء فِي قَوْله : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس } قَالَ : أَهْل الْكِتَاب 1771 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْيَهُود . وَقَالَ آخَرُونَ : السُّفَهَاء : الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1772 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَالَ : نَزَلَتْ { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس } فِي الْمُنَافِقِينَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { مَا وَلَّاهُمْ } أَيْ شَيْء صَرَفَهُمْ عَنْ قَبْلهمْ ؟ وَهُوَ مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَلَّانِي فُلَان دُبُره : إذَا حَوَّلَ وَجْهه عَنْهُ وَاسْتَدْبَرَهُ فَكَذَلِكَ قَوْله : { مَا وَلَّاهُمْ } أَيْ شَيْء حَوَّلَ وُجُوههمْ . وَأَمَّا قَوْله : { عَنْ قِبْلَتهمْ } فَإِنَّ قِبْلَة كُلّ شَيْء : مَا قَابَلَ وَجْهه , وَإِنَّمَا هِيَ " فِعْلَة " بِمَنْزِلَةِ الْجِلْسَة وَالْقَعْدَة ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَابَلْت فُلَانًا : إذَا صِرْت قَبَالَته أُقَابِلهُ , فَهُوَ لِي قِبْلَة , وَأَنَا لَهُ قِبْلَة , إذَا قَابَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِوَجْهِهِ وَجْه صَاحِبه . قَالَ : فَتَأْوِيل الْكَلَام إذَنْ - إذْ كَانَ [ ذَلِكَ ] مَعْنَاهُ - سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ

وَرَسُوله , إذَا حَوَّلْتُمْ وُجُوهكُمْ عَنْ قِبْلَة الْيَهُود الَّتِي كَانَتْ لَكُمْ قِبْلَة قَبْل أَمْرِي إيَّاكُمْ بِتَحْوِيلِ وُجُوهكُمْ عَنْهَا شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام : أَيْ شَيْء حَوَّلَ وُجُوه هَؤُلَاءِ , فَصَرَفَهَا عَنْ الْمَوْضِع الَّذِي كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَهُ بِوُجُوهِهِمْ فِي صَلَاتهمْ ؟ فَأَعْلَم اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْيَهُود وَالْمُنَافِقُونَ قَائِلُونَ مِنْ الْقَوْل عِنْد تَحْوِيل قِبْلَته وَقِبْلَة أَصْحَابه عَنْ الشَّام إلَى الْمَسْجِد الْحَرَام , وَعَلَّمَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مِنْ رَدّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوَاب , فَقَالَ لَهُ : إذَا قَالُوا ذَلِكَ لَك يَا مُحَمَّد , فَقُلْ لَهُمْ { لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَهْدِي مَنْ يَشَاء إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } . وَكَانَ سَبَب ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس مُدَّة سَنَذْكُرُ مَبْلَغهَا فِيمَا بَعْد إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى ثُمَّ أَرَادَ اللَّه تَعَالَى صَرْف قِبْلَة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِد الْحَرَام , فَأَخْبَرَهُ عَمَّا الْيَهُود قَائِلُوهُ مِنْ الْقَوْل عِنْد صَرْفه وَجْهه وَوَجْه أَصْحَابه شَطْره , وَمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مِنْ رَدّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوَاب . ذَكَرَ الْمُدَّة الَّتِي صَلَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه نَحْو بَيْت الْمَقْدِس وَمَا كَانَ سَبَب صَلَاته نَحْوه ; وَمَا الَّذِي دَعَا الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ إلَى قَيْل مَا قَالُوا عِنْد تَحْوِيل اللَّه قِبْلَة الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَيْت الْمَقْدِس إلَى الْكَعْبَة / اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمُدَّة الَّتِي صَلَّاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس بَعْد الْهِجْرَة . فَقَالَ بَعْدهمْ بِمَا : 1773 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَا جَمِيعًا : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة - شَكَّ مُحَمَّد عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا صُرِفَتْ الْقِبْلَة عَنْ الشَّام إلَى الْكَعْبَة , وَصُرِفَتْ فِي رَجَب عَلَى رَأْس سَبْعَة عَشَر شَهْرًا مِنْ مَقْدِم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة , أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِفَاعَة بْن قَيْس , وقردم بْن عَمْرو , وَكَعْب بْن الْأَشْرَف , وَنَافِع بْن أَبِي نَافِع - هَكَذَا قَالَ ابْن حُمَيْد , وَقَالَ أَبُو كُرَيْب : وَرَافِع بْن أَبِي رَافِع وَالْحَجَّاج بْن عَمْرو حَلِيف كَعْب بْن الْأَشْرَف وَالرَّبِيع بْن الرَّبِيع بْن أَبِي الْحَقِيق وَكِنَانَة بْن الرَّبِيع بْن أَبِي الْحَقِيق , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد مَا وَلَّاك عَنْ قِبْلَتك الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا وَأَنْت تَزْعُم أَنَّك عَلَى مِلَّة إبْرَاهِيم وَدِينه ؟ ارْجِعْ إلَى قِبْلَتك الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا نَتَّبِعك وَنُصَدِّقك ! وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ فِتْنَته عَنْ دِينه . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } إلَى قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } 1774 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ الْبَرَاء : صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سَبْعَة عَشَر شَهْرًا , وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يُصْرَف إلَى الْكَعْبَة . قَالَ : فَبَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي ذَات يَوْم , فَمَرَّ بِنَا مَارّ فَقَالَ : أَلَا هَلْ عَلِمْتُمْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صُرِفَ إلَى الْكَعْبَة ؟ قَالَ : وَقَدْ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ إلَى هَا هُنَا , وَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ إلَى هَا هُنَا قَالَ أَبُو كُرَيْب : فَقِيلَ لَهُ : فِيهِ أَبُو إسْحَاق ؟ فَسَكَتَ . 1775 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء قَالَ : صَلَّيْنَا بَعْد قُدُوم النَّبِيّ الْمَدِينَة سَبْعَة عَشَر شَهْرًا إلَى بَيْت الْمَقْدِس . 1776 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : صَلَّيْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا - شَكَّ سُفْيَان ثُمَّ صُرِفْنَا إلَى الْكَعْبَة . 1777 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيّ , قَالَ : ثنا زُهَيْر قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّل مَا قَدِمَ الْمَدِينَة نَزَلَ عَلَى أَجْدَاده أَوْ أَخْوَاله مِنْ الْأَنْصَار , وَأَنَّهُ صَلَّى قَبْل بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا , وَكَانَ يُعْجِبهُ أَنْ تَكُون قِبْلَته قِبَل الْبَيْت , وَأَنَّهُ صَلَّى صَلَاة الْعَصْر وَمَعَهُ قَوْم . فَخَرَجَ رَجُل مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ , فَمَرَّ عَلَى أَهْل الْمَسْجِد وَهُمْ رُكُوع , فَقَالَ : أَشْهَد لَقَدْ صَلَّيْت مَعَ رَسُول اللَّه قِبَل مَكَّة . فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَل الْبَيْت , وَكَانَ يُعْجِبهُ أَنْ يُحَوَّل قِبَل الْبَيْت . وَكَانَ الْيَهُود أَعْجَبَهُمْ أَنَّ رَسُول اللَّه يُصَلِّي قِبَل بَيْت الْمَقْدِس وَأَهْل الْكِتَاب , فَلَمَّا وَلَّى وَجْهه قِبَل الْبَيْت أَنْكَرُوا ذَلِكَ . 1778 - حَدَّثَنِي عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ : صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس بَعْد أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا , ثُمَّ وُجِّهَ نَحْو الْكَعْبَة قَبْل بَدْر بِشَهْرَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1779 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعْد الْكَاتِب , قَالَ : ثنا أَنَس بْن مَالِك قَالَ : صَلَّى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس تِسْعَة أَشْهُر أَوْ عَشْرَة أَشْهُر . فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِم يُصَلِّي الظُّهْر بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس , انْصَرَفَ بِوَجْهِهِ إلَى الْكَعْبَة , فَقَالَ السُّفَهَاء : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1780 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَة , فَصَلَّى نَحْو بَيْت الْمَقْدِس ثَلَاثَة عَشَر شَهْرًا . 1781 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام الْعَجْلِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ الْأَنْصَار صَلَّتْ الْقِبْلَة الْأُولَى قَبْل قُدُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ حِجَج , وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْقِبْلَة الْأُولَى بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة سِتَّة عَشَر شَهْرًا أَوْ كَمَا قَالَ , وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ يُحَدِّث قَتَادَة عَنْ سَعِيد . ذَكَرَ السَّبَب الَّذِي كَانَ مِنْ أَجْله يُصَلِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس قَبْل أَنْ يُفْرَض عَلَيْهِ التَّوَجُّه شَطْر الْكَعْبَة اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1782 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح أَبُو تميلة قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ عِكْرِمَة , وَعَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَا : أَوَّل مَا نُسِخَ مِنْ الْقُرْآن الْقِبْلَة , وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَقْبِل صَخْرَة بَيْت الْمَقْدِس وَهِيَ قِبْلَة الْيَهُود , فَاسْتَقْبَلَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَة عَشَر شَهْرًا , لِيُؤْمِنُوا بِهِ وَيَتَّبِعُوهُ , وَيَدْعُوا بِذَلِكَ الْأُمِّيِّينَ مِنْ الْعَرَب , فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه إنَّ اللَّه وَاسِع عَلِيم } 2 115 1783 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } يَعْنُونَ بَيْت الْمَقْدِس . قَالَ الرَّبِيع . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : إنَّ نَبِيّ اللَّه خُيِّرَ أَنْ يُوَجِّه وَجْهه حَيْثُ شَاءَ , فَاخْتَارَ بَيْت الْقُدْس لِكَيْ يَتَأَلَّف أَهْل الْكِتَاب , فَكَانَتْ قِبْلَته سِتَّة عَشَر شَهْرًا , وَهُوَ فِي ذَلِكَ يُقَلِّب وَجْهه فِي السَّمَاء ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّه إلَى الْبَيْت الْحَرَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ فِعْل ذَلِكَ مِنْ النَّبِيّ , وَأَصْحَابه بِفَرْضِ اللَّه عَزَّ ذِكْره عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1784 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : لَمَّا هَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَة , وَكَانَ أَكْثَر أَهْلهَا الْيَهُود , أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَسْتَقِلّ بَيْت الْمَقْدِس , فَفَرِحَتْ الْيَهُود فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَة عَشَر شَهْرًا , فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ قِبْلَة إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , وَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُر إلَى السَّمَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء } 2 144 الْآيَة , فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ الْيَهُود , وَقَالُوا : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } . 1785 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّل مَا صَلَّى إلَى الْكَعْبَة , ثُمَّ صُرِفَ إلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَصَلَّتْ الْأَنْصَار نَحْو بَيْت الْمَقْدِس قَبْل قُدُومه ثَلَاث حِجَج وَصَلَّى بَعْد قُدُومه سِتَّة عَشَر شَهْرًا , ثُمَّ وَلَّاهُ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ إلَى الْكَعْبَة . / ذَكَرَ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَالَ مَنْ قَالَ { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } ؟ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدهمَا مَا : 1786 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ ذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا لَهُ : ارْجِعْ إلَى قِبْلَتك الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا نَتَّبِعك وَنُصَدِّقك ; يُرِيدُونَ فِتْنَته عَنْ دِينه . وَالْقَوْل الْآخَر : مَا ذَكَرْت مِنْ حَدِيث عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْهُ الَّذِي مَضَى قَبْل . 1787 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } قَالَ : صَلَّتْ الْأَنْصَار نَحْو بَيْت الْمَقْدِس حَوْلَيْنِ قَبْل قُدُوم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَصَلَّى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة مُهَاجِرًا نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّه بَعْد ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام . فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنْ النَّاس : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } لَقَدْ اشْتَاقَ الرَّجُل إلَى مَوْلِده . فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَهْدِي مَنْ يَشَاء إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } . وَقِيلَ : قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة الْمُنَافِقُونَ , وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ اسْتِهْزَاء بِالْإِسْلَامِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1788 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَل الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ , اخْتَلَفَ النَّاس فِيهَا , فَكَانُوا أَصْنَافًا , فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا بَالهمْ كَانُوا عَلَى قِبْلَة زَمَانًا ثُمَّ تَرَكُوهَا وَتَوَجَّهُوا إلَى غَيْرهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي الْمُنَافِقِينَ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس } الْآيَة كُلّهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَهْدِي مَنْ يَشَاء إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ عَزَّ وَجَلّ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا لَك وَلِأَصْحَابِك : : مَا وَلَّاكُمْ عَنْ قِبْلَتكُمْ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس الَّتِي كُنْتُمْ عَلَى التَّوَجُّه إلَيْهَا , إلَى التَّوَجُّه إلَى شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام : لِلَّهِ مُلْك الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب ; يَعْنِي بِذَلِكَ مُلْك

مَا بَيْن قُطْرَيْ مَشْرِق الشَّمْس , وَقُطْرَيْ مَغْرِبهَا , وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْعَالَم , يَهْدِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه فَيُسَدِّدهُ , وَيُوَفِّقهُ إلَى الطَّرِيق الْقَوِيم وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم . وَيَعْنِي بِذَلِكَ إلَى قِبْلَة إبْرَاهِيم الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ إمَامًا . وَيَخْذُل مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ فَيُضِلّهُ عَنْ سَبِيل الْحَقّ . وَإِنَّمَا عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَهْدِي مَنْ يَشَاء إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } قُلْ يَا مُحَمَّد إنَّ اللَّه هَدَانَا بِالتَّوَجُّهِ شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام لِقِبْلَةِ إبْرَاهِيم وَأَضَلَّكُمْ أَيّهَا الْيَهُود وَالْمُنَافِقُونَ وَجَمَاعَة الشِّرْك بِاَللَّهِ , فَخَذَلَكُمْ عَمَّا هَدَانَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ .
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌسورة البقرة الآية رقم 143
يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } كَمَا هَدَيْنَاكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , فَخَصَّصْنَاكُمْ التَّوْفِيق لِقِبْلَةِ إبْرَاهِيم وَمِلَّته , وَفَضَّلْنَاكُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل ; كَذَلِكَ خَصَّصْنَاكُمْ فَفَضَّلْنَاكُمْ عَلَى غَيْركُمْ مِنْ أَهْل الْأَدْيَان بِأَنْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَّة هِيَ الْقَرْن مِنْ النَّاس وَالصِّنْف مِنْهُمْ وَغَيْرهمْ . وَأَمَّا الْوَسَط فَإِنَّهُ فِي كَلَام الْعَرَب : الْخِيَار , يُقَال مِنْهُ : فُلَان وَسَط الْحَسَب فِي قَوْمه : أَيْ مُتَوَسِّط الْحَسَب , إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ الرَّفْع فِي حَسْبه , وَهُوَ وَسَط فِي قَوْمه وَوَاسِط , كَمَا يُقَال شَاة يَابِسَة اللَّبَن , وَيَبَسَة اللَّبَن , وَكَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا } 20 77 وَقَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى فِي الْوَسَط : هُمْ وَسَط يَرْضَى الْأَنَام بِحُكْمِهِمْ إذَا نَزَلَتْ إحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ قَالَ : وَأَنَا أَرَى أَنَّ

الْوَسَط فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ الْوَسَط الَّذِي بِمَعْنَى الْجُزْء الَّذِي هُوَ بَيْن الطَّرَفَيْنِ , مِثْل " وَسَط الدَّار " , مُحَرَّك الْوَسَط مُثَقَّله , غَيْر جَائِز فِي سِينه التَّخْفِيف . وَأَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ وَسَط لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّين فَلَا هُمْ أَهْل غُلُوّ فِيهِ غُلُوّ النَّصَارَى الَّذِينَ غَلَوْا بِالتَّرَهُّبِ وَقَيْلهمْ فِي عِيسَى مَا قَالُوا فِيهِ , وَلَا هُمْ أَهْل تَقْصِير فِيهِ تَقْصِير الْيَهُود الَّذِينَ بَدَّلُوا كِتَاب اللَّه وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَكَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ وَكَفَرُوا بِهِ ; وَلَكِنَّهُمْ أَهْل تَوَسُّط وَاعْتِدَال فِيهِ , فَوَصَفَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ , إذْ كَانَ أَحَبّ الْأُمُور إلَى اللَّه أَوْسَطهَا . وَأَمَّا التَّأْوِيل فَإِنَّهُ جَاءَ بِأَنَّ الْوَسَط الْعَدْل , وَذَلِكَ مَعْنَى الدِّيَار لِأَنَّ الْخِيَار مِنْ النَّاس عُدُولهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ : الْوَسَط الْعَدْل . 1789 - حَدَّثَنَا سَالِم بْن جُنَادَةَ وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " عُدُولًا " * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . 1790 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " عُدُولًا " . 1791 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان , عَنْ حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " عُدُولًا " . 1792 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1794 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1795 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1796 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } يَقُول : جَعَلَكُمْ أُمَّة عُدُولًا . 1798 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْعَمّ الْمَعَافِرِيّ عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَةَ بِسَنَدِهِ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " الْوَسَط : الْعَدْل " . 1799 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء مُجَاهِد وَعَبْد اللَّه بْن كَثِير : { أُمَّة وَسَطًا } قَالُوا : عُدُولًا , قَالَ مُجَاهِد : عُدُولًا . 1800 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : هُمْ وَسَط بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْأُمَم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } وَالشُّهَدَاء جَمْع شَهِيد . فَمَعْنَى ذَلِكَ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا عُدُولًا [ لِتَكُونُوا ] شُهَدَاء لِأَنْبِيَائِي وَرُسُلِي عَلَى أُمَمهَا بِالْبَلَاغِ أَنَّهَا قَدْ بَلَّغَتْ مَا أُمِرَتْ بِبَلَاغِهِ مِنْ رِسَالَاتِي إلَى أُمَمهَا , وَيَكُون رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ بِإِيمَانِكُمْ بِهِ , وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي . كَمَا : 1801 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْض , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُدْعَى بِنَوْحِ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة , فَيُقَال لَهُ : هَلْ بَلَّغْت مَا أُرْسِلْت بِهِ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ فَيُقَال لِقَوْمِهِ :

هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُول : مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِير , فَيُقَال لَهُ : مَنْ يَعْلَم ذَلِكَ ؟ فَيَقُول مُحَمَّد وَأُمَّته فَهُوَ قَوْله { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاك أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } 1802 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ , ثنا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ . " فَيُدْعَوْنَ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ " . 1803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } بِأَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغُوا { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } : بِمَا عَمِلْتُمْ أَوْ فَعَلْتُمْ . 1804 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْجَعِيّ , عَنْ الْمُغِيرَة بْن عُيَيْنَةَ بْن النَّهَّاس , أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُمْ حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه . أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَإِنِّي وَأُمَّتِي لَعَلَى كَوْم يَوْم الْقِيَامَة مُشْرِفِينَ عَلَى الْخَلَائِق مَا أَحَد مِنْ الْأُمَم إلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنْهَا أَيَّتهَا الْأُمَّة وَمَا مِنْ نَبِيّ كَذَّبَهُ قَوْمه إلَّا نَحْنُ شُهَدَاؤُهُ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَات رَبّه وَنَصَحَ لَهُمْ " قَالَ : " وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " . 1805 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْفَضْل , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَرَجْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَة , فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْمَيِّت قَالَ النَّاس : نِعْمَ الرَّجُل ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " وَجَبَتْ " . ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي جِنَازَة أُخْرَى , فَلَمَّا صَلَّوْا عَلَى الْمَيِّت قَالَ النَّاس : بِئْسَ الرَّجُل ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَجَبَتْ " . فَقَامَ إلَيْهِ أُبَيّ بْن كَعْب فَقَالَ , يَا رَسُول اللَّه مَا قَوْلك وَجَبَتْ ؟ قَالَ : " قَوْل اللَّه عُرْ وَجَلّ : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } . * - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو عَنْ يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْفَضْل الْمَدِينِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةِ , فَقَالَ النَّاس : نِعْمَ الرَّجُل , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث عِصَام عَنْ أَبِيهِ . 1806 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حَبَّاب , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنِي إيَاس بْن سَلَمَة بْن الْأَكْوَع , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا بِثَنَاءِ حَسَن , فَقَالَ : " وَجَبَتْ " , وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ أُخْرَى , فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا دُون ذَلِكَ , فَقَالَ : " وَجَبَتْ " , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ : " الْمَلَائِكَة شُهَدَاء اللَّه فِي السَّمَاء وَأَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض فَمَا شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ وَجَبَ " . ثُمَّ قَرَأَ : { وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ } 9 105 الْآيَة . 1807 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } تَكُونُوا شُهَدَاء لِمُحَمَّدِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى الْأُمَم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1808 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عَاصِم , عَنْ عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة بِإِذْنِهِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَد فَتَشْهَد لَهُ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة , فَذَكَرَ مِثْله , وَلَمْ يَذْكُر عُبَيْد بْن عُمَيْر مِثْله . 1809 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } أَيْ أَنَّ رُسُلهمْ قَدْ بَلَّغَتْ قَوْمهَا عَنْ رَبّهَا , { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَات رَبّه إلَى أُمَّته . 1810 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ قَوْم نُوح يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة : لَمْ يُبَلِّغنَا نُوح . فَيُدْعَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَيُسْأَل : هَلْ بَلَّغْتهمْ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ , فَيُقَال : مَنْ شُهُودك ؟ فَيَقُول : أَحْمَد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . فَتُدْعَوْنَ فَتُسْأَلُونَ , فَتَقُولُونَ : نَعَمْ قَدْ بَلَّغَهُمْ . فَتَقُول قَوْم نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : كَيْف تَشْهَدُونَ عَلَيْنَا وَلَمْ تُدْرِكُونَا ؟ قَالُوا : قَدْ جَاءَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ , فَصَدَّقْنَاهُ . قَالَ : فَيُصَدِّق نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَيُكَذِّبُونَهُمْ . قَالَ : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } لِتَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّة شُهَدَاء عَلَى النَّاس أَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغَتْهُمْ , وَيَكُون الرَّسُول عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة شَهِيدًا , أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ . 1811 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ الْأُمَم يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة : وَاَللَّه لَقَدْ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّة أَنْ تَكُون أَنْبِيَاء كُلّهمْ ! لِمَا يَرَوْنَ اللَّه أَعْطَاهُمْ . 1812 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن أَنْعُم الْمَعَافِرِيّ , عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَةَ بِسَنَدِهِ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إذَا جَمَعَ اللَّه عِبَاده يَوْم الْقِيَامَة , كَانَ أَوَّل مَنْ يُدْعَى إسْرَافِيل , فَيَقُول لَهُ رَبّه : مَا فَعَلْت فِي عَهْدِي هَلْ بَلَّغْت عَهْدِي ؟ فَيَقُول : نَعَمْ رَبّ قَدْ بَلَّغْته جِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام , فَيُدْعَى جِبْرِيل فَيُقَال لَهُ هَلْ بَلَّغْت إسْرَافِيل عَهْدِي ؟ فَيَقُول : نَعَمْ رَبّ قَدْ بَلَّغَنِي . فَيُخْلَى عَنْ إسْرَافِيل , وَيُقَال لِجِبْرِيل : هَلْ بَلَّغْت عَهْدِي ؟ فَيَقُول : نَعَمْ قَدْ بَلَّغْت الرُّسُل فَتُدْعَى الرُّسُل فَيُقَال لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ جِبْرِيل عَهْدِي " فَيَقُول نَعَمْ رَبّنَا فَيُخْلَى عَنْ جِبْرِيل , ثُمَّ يُقَال لِلرُّسُلِ : مَا فَعَلْتُمْ بِعَهْدِي ؟ فَيَقُول : بَلَّغْنَا أُمَمنَا . فَتُدْعَى الْأُمَم فَيُقَال : هَلْ بَلَّغَكُمْ الرُّسُل عَهْدِي ؟ فَمِنْهُمْ الْمُكَذِّب وَمِنْهُمْ الْمُصَدِّق , فَتَقُول الرُّسُل إنَّ لَنَا عَلَيْهِمْ شُهُودًا يَشْهَدُونَ أَنْ قَدْ بَلَّغْنَا مَعَ شَهَادَتك . فَيَقُول : مَنْ يَشْهَد لَكُمْ ؟ فَيَقُول أُمَّة مُحَمَّد . فَتُدْعَى أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : أَتَشْهَدُونَ أَنَّ رُسُلِي هَؤُلَاءِ قَدْ بَلَّغُوا عَهْدِي إلَى مَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبّنَا شَهِدْنَا أَنْ قَدْ بَلَّغُوا فَتَقُول تِلْكَ الْأُمَم . كَيْف يَشْهَد عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكنَا ؟ فَيَقُول لَهُمْ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : كَيْف يَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْرِكُوا ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا بَعَثْت إلَيْنَا رَسُولًا , وَأَنْزَلْت إلَيْنَا عَهْدك وَكِتَابك , وَقَصَصْت عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا , فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْت إلَيْنَا . فَيَقُول الرَّبّ : صَدَقُوا فَذَلِكَ قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } . وَالْوَسَط : الْعَدْل . " { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } قَالَ ابْن أَنْعُم : فَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَشْهَد يَوْمئِذٍ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه حِنَة عَلَى أَخِيهِ . 1813 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } يَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى الْهُدَى , فَهُمْ الَّذِينَ يَكُونُونَ شُهَدَاء عَلَى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة لِتَكْذِيبِهِمْ رُسُل اللَّه , وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه . 1814 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } يَقُول : لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ بِمَا جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ , وَبِمَا كَذَّبُوهُمْ , فَقَالُوا يَوْم الْقِيَامَة وَعَجِبُوا : أَنَّ أُمَّة لَمْ يَكُونُوا فِي زَمَاننَا , فَآمَنُوا بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلنَا , وَكَذَّبْنَا نَحْنُ بِمَا جَاءُوا بِهِ . فَعَجِبُوا كُلّ الْعَجَب . قَوْله : { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } يَعْنِي بِإِيمَانِهِمْ بِهِ , وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . 1815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } يَعْنِي أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى الْقُرُون بِمَا سَمَّى اللَّه عَزَّ وَجَلّ لَهُمْ . 1816 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءِ : مَا قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } ؟ قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد شَهِدُوا عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقّ حِين جَاءَهُ الْإِيمَان وَالْهُدَى مِمَّنْ كَانَ قَبْلنَا قَالَهَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير . قَالَ : وَقَالَ عَطَاء : شُهَدَاء عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنْ النَّاس أَجْمَعِينَ , جَاءَ ذَلِكَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ : { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا بِالْحَقِّ حِين جَاءَهُمْ وَصَدَّقُوا بِهِ . 1817 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } قَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِد عَلَى أُمَّته , وَهُمْ شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم , وَهُمْ أَحَد الْأَشْهَاد الَّذِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } 40 51 الْأَرْبَعَة الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يُحْصُونَ أَعْمَالنَا لَنَا وَعَلَيْنَا . وَقَرَأَ قَوْله : { وَجَاءَتْ كُلّ نَفْس مَعَهَا سَائِق وَشَهِيد } 50 21 وَقَالَ : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ : وَالنَّبِيُّونَ شُهَدَاء عَلَى أُمَمهمْ . قَالَ : وَأُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم , [ قَالَ : وَالْأَطْوَار : الْأَجْسَاد وَالْجُلُود ] .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } وَلَمْ نَجْعَل صَرْفك عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَى التَّوَجُّه إلَيْهَا يَا مُحَمَّد فَصَرَفْنَاك عَنْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِعك مِمَّنْ لَا يَتَّبِعك مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ . وَالْقِبْلَة الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا الَّتِي عَنَاهَا اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } هِيَ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت تَتَوَجَّه إلَيْهَا قَبْل أَنْ

يَصْرِفك إلَى الْكَعْبَة . كَمَا : 1818 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } يَعْنِي بَيْت الْمَقْدِس . 1819 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } قَالَ : الْقِبْلَة : بَيْت الْمَقْدِس . وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْر الصَّرْف عَنْهَا اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا قَدْ ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ كَسَائِرِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِره . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَاهُ لِأَنَّ مِحْنَة اللَّه أَصْحَاب رَسُوله فِي الْقِبْلَة إنَّمَا كَانَتْ فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عِنْد التَّحْوِيل مِنْ بَيْت الْمَقْدِس إلَى الْكَعْبَة , حَتَّى ارْتَدَّ فِيمَا ذُكِرَ رِجَال مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَاتَّبَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَظْهَر كَثِير مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ نِفَاقَهُمْ , وَقَالُوا : مَا بَال مُحَمَّد يُحَوِّلنَا مَرَّة إلَى هَا هُنَا , وَمَرَّة إلَى هَا هُنَا ؟ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا مَضَى مِنْ إخْوَانهمْ الْمُسْلِمِينَ , وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس : بَطَلَتْ أَعْمَالنَا وَأَعْمَالهمْ وَضَاعَتْ . وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَحَيَّرَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينه . فَكَانَ ذَلِكَ فِتْنَة لِلنَّاسِ وَتَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ , فَلِذَلِك قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ : وَمَا جَعَلْنَا صَرْفك عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا , وَتَحْوِيلك إلَى غَيْرهَا , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } 17 60 بِمَعْنَى : وَمَا جَعَلْنَا خَبَرك عَنْ الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَخْبَرَ الْقَوْم بِمَا كَانَ أُرِيَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى أَحَد فِتْنَة , وَكَذَلِكَ الْقِبْلَة الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس لَوْ لَمْ يَكُنْ صُرِفَ عَنْهَا إلَى الْكَعْبَة لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى أَحَد فِتْنَة وَلَا مِحْنَة . ذِكْر الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا : 1820 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْقِبْلَة فِيهَا بَلَاء وَتَمْحِيص صَلَّتْ الْأَنْصَار نَحْو بَيْت الْمَقْدِس حَوْلَيْنِ قَبْل قُدُوم نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة مُهَاجِرًا نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سَبْعَة عَشَر شَهْرًا , ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّه بَعْد ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام , فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنْ النَّاس : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } لَقَدْ اشْتَاقَ الرَّجُل إلَى مَوْلِده ! قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَهْدِي مَنْ يَشَاء إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } فَقَالَ أُنَاس لَمَّا صُرِفَتْ الْقِبْلَة نَحْو الْبَيْت الْحَرَام : كَيْف بِأَعْمَالِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْمَل فِي قِبْلَتنَا الْأُولَى ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إيمَانكُمْ } وَقَدْ يَبْتَلِي اللَّه الْعِبَاد بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْره الْأَمْر بَعْد الْأَمْر , لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه . وَكُلّ ذَلِكَ مَقْبُول إذَا كَانَ فِي إيمَان بِاَللَّهِ , وَإِخْلَاص لَهُ , وَتَسْلِيم لِقَضَائِهِ . 1821 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قِبَل بَيْت الْمَقْدِس , فَنَسَخَتْهَا الْكَعْبَة . فَلَمَّا وُجِّهَ قِبَل الْمَسْجِد الْحَرَام , اخْتَلَفَ النَّاس فِيهَا , فَكَانُوا أَصْنَافًا ; فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا بَالهمْ كَانُوا عَلَى قِبْلَة زَمَانًا ثُمَّ تَرَكُوهَا وَتَوَجَّهُوا إلَى غَيْرهَا ؟ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَيْتَ شِعْرنَا عَنْ إخْوَاننَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ قِبَل بَيْت الْمَقْدِس , هَلْ تَقَبَّلَ اللَّه مِنَّا وَمِنْهُمْ أَوْ لَا ؟ وَقَالَتْ الْيَهُود : إنَّ مُحَمَّدًا اشْتَاقَ إلَى بَلَد أَبِيهِ وَمَوْلِده , وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُون هُوَ صَاحِبنَا الَّذِي نَنْتَظِر . وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة : تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّد دِينه , فَتَوَجَّهَ بِقِبْلَتِهِ إلَيْكُمْ , وَعَلِمَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ , وَيُوشِك أَنْ يَدْخُل فِي دِينكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } إلَى قَوْله { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } وَأَنْزَلَ فِي الْآخَرِينَ الْآيَات بَعْدهَا . 1822 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : { إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } ؟ فَقَالَ عَطَاء : يَبْتَلِيهِمْ لِيَعْلَم مَنْ يُسَلِّم لِأَمْرِهِ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا مِمَّنْ أَسْلَمَ رَجَعُوا فَقَالُوا : مَرَّة هَهُنَا وَمَرَّة هَهُنَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوَ مَا كَانَ اللَّه عَالِمًا بِمَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ إلَّا بَعْد اتِّبَاع الْمُتَّبِع , وَانْقِلَاب الْمُنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ , حَتَّى قَالَ : مَا فَعَلْنَا الَّذِي فَعَلْنَا مِنْ تَحْوِيل الْقِبْلَة إلَّا لِنَعْلَم الْمُتَّبِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ ؟ قِيلَ : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْعَالِم بِالْأَشْيَاءِ كُلّهَا قَبْل كَوْنهَا وَلَيْسَ قَوْله : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } يُخْبِر أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ إلَّا بَعْد وُجُوده . فَإِنْ قَالَ : فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا مَعْنَاهُ عِنْدنَا فَإِنَّهُ : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِيَعْلَم رَسُولِي وَحِزْبِي وَأَوْلِيَائِي مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ . فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { إلَّا لِنَعْلَم } وَمَعْنَاهُ : لِيَعْلَم رَسُولِي وَأَوْلِيَائِي , إذْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلِيَاؤُهُ مِنْ حِزْبه , وَكَانَ مِنْ شَأْن الْعَرَب إضَافَة مَا فَعَلَتْهُ أَتْبَاع الرَّئِيس إلَى الرَّئِيس , وَمَا فُعِلَ بِهِمْ إلَيْهِ ; نَحْو قَوْلهمْ : فَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب سَوَادَ الْعِرَاق , وَجَبَى خَرَاجهَا , وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابه عَنْ سَبَب كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ . وَكَاَلَّذِي رُوِيَ فِي نَظِيره عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " يَقُول اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : مَرِضْت فَلَمْ يَعُدْنِي عَبْدِي , وَاسْتَقْرَضْته فَلَمْ يُقْرِضنِي , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمنِي " . 1823 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا خَالِد عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّه : اسْتَقْرَضْت عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضنِي , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمنِي يَقُول : وَادَهْرَاه وَأَنَا الدَّهْر أَنَا الدَّهْر " . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . فَأَضَافَ تَعَالَى ذِكْره الِاسْتِقْرَاض وَالْعِيَادَة إلَى نَفْسه , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ إذْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ سَبَبه . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : أَجُوع فِي غَيْر بَطْنِي , وَأَعْرَى فِي غَيْر ظَهْرِي , بِمَعْنَى جَوْع أَهْله وَعِيَاله وَعُرْي ظُهُورهمْ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } بِمَعْنَى يَعْلَم أَوْلِيَائِي وَحِزْبِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1824 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } قَالَ ابْن عَبَّاس : لِنُمَيِّز أَهْل الْيَقِين مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالرِّيبَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْعَرَب تَضَع الْعِلْم مَكَان الرُّؤْيَة , وَالرُّؤْيَة مَكَان الْعِلْم , كَمَا قَالَ جَلّ ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبّك بِأَصْحَابِ الْفِيل } 105 1 فَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى : { أَلَمْ تَرَ } : أَلَمْ تَعْلَم , وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } بِمَعْنَى : إلَّا لِنَرَى مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول . وَزَعَمَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل : رَأَيْت وَعَلِمْت وَشَهِدْت حُرُوف تَتَعَاقَب فَيُوضَع بَعْضهَا مَوْضِع بَعْض , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : كَأَنَّك لَمْ تَشْهَد لَقِيطًا وَحَاجِبًا وَعَمْرو بْن عَمْرو إذَا دَعَا يَالَ دَارِم بِمَعْنَى : كَأَنَّك لَمْ تَعْلَم لَقِيطًا ; لِأَنَّ بَيْن هَلْكِ لَقِيط وَحَاجِب وَزَمَان جَرِير مَا لَا يَخْفَى بَعْده مِنْ الْمُدَّة . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَجَرِير كَانَ بَعْد بُرْهَة مَضَتْ مِنْ مَجِيء الْإِسْلَام وَهَذَا تَأْوِيل بَعِيد , مِنْ أَجْل أَنَّ الرُّؤْيَة وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَوْضِع الْعِلْم مِنْ أَجْل أَنَّهُ مُسْتَحِيل أَنْ يَرَى أَحَد شَيْئًا , فَلَا تُوجِب رُؤْيَته إيَّاهُ عِلْمًا بِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ إذَا كَانَ صَحِيح الْفِطْرَة فَجَازَ مِنْ الْوَجْه الَّذِي أَثْبَتَهُ رُؤْيَة أَنْ يُضَاف إلَيْهِ إثْبَاته إيَّاهُ عِلْمًا , وَصَحَّ أَنْ يَدُلّ بِذِكْرِ الرُّؤْيَة عَلَى مَعْنَى الْعِلْم مِنْ أَجْل ذَلِكَ . فَلَيْسَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَة لِمَا وَصَفْنَا بِجَائِزِ فِي الْعِلْم , فَيَدُلّ بِذِكْرِ الْخَبَر عَنْ الْعِلْم عَلَى الرُّؤْيَة لِأَنَّ الْمَرْء قَدْ يَعْلَم أَشْيَاء كَثِيرَة لَمْ يَرَهَا وَلَا يَرَاهَا وَيَسْتَحِيل أَنْ يَرَى شَيْئًا إلَّا عَلِمَهُ , كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان , مَعَ أَنَّهُ غَيْر مَوْجُود فِي شَيْء مِنْ كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : عَلِمْت كَذَا بِمَعْنَى رَأَيْته , وَإِنَّمَا يَجُوز تَوْجِيه مَعَانِي مَا فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَلَام إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا مِثْله فِي كَلَام الْعَرَب دُون مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي كَلَامهَا , فَمَوْجُود فِي كَلَامهَا " رَأَيْت " بِمَعْنَى " عَلِمْت " , وَغَيْر مَوْجُود فِي كَلَامهَا " عَلِمْت " بِمَعْنَى " رَأَيْت " , فَيَجُوز تَوْجِيه { إلَّا لِنَعْلَم } إلَى مَعْنَى : إلَّا لِنَرَى . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا قِيلَ : { إلَّا لِنَعْلَم } مِنْ أَجْل أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُود وَأَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَعْلَم الشَّيْء قَبْل كَوْنه , وَقَالُوا إذْ قِيلَ لَهُمْ : إنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْقِبْلَة سَيَرْتَدُّونَ عَلَى أَعْقَابهمْ , إذَا حُوِّلَتْ قِبْلَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَعْبَة : ذَلِكَ غَيْر كَائِن , أَوْ قَالُوا : ذَلِكَ بَاطِل . فَلَمَّا فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ , وَحَوَّلَ الْقِبْلَة , وَكَفَرَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ مَنْ كَفَرَ , قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : مَا فَعَلْت إلَّا لِنَعْلَم مَا عِنْدكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ عِلْمِي بِمَا هُوَ كَائِن مِنْ الْأَشْيَاء قَبْل كَوْنه , أَنِّي عَالِم بِمَا هُوَ كَائِن مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْد . فَكَأَنَّ مَعْنَى قَائِل هَذَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } إلَّا لِنُبَيِّن لَكُمْ أَنَّا نَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا لَهُ مَخْرَج , فَبَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا قِيلَ : { إلَّا لِنَعْلَم } وَهُوَ بِذَلِكَ عَالِم قَبْل كَوْنه وَفِي كُلّ حَال , عَلَى وَجْه التَّرَفُّق بِعِبَادِهِ , وَاسْتِمَالَتهمْ إلَى طَاعَته , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { قُلْ اللَّه وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدَى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى هُدَى وَأَنَّهُمْ عَلَى ضَلَال مُبِين , وَلَكِنَّهُ رَفَقَ بِهِمْ فِي الْخِطَاب , فَلَمْ يَقُلْ : أَنَا عَلَى هُدَى , وَأَنْتُمْ عَلَى ضَلَال . فَكَذَلِكَ قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } مَعْنَاهُ عِنْدهمْ : إلَّا لِتَعْلَمُوا أَنْتُمْ إذْ كُنْتُمْ جُهَّالًا بِهِ قَبْل أَنْ يَكُون ; فَأَضَافَ الْعِلْم إلَى نَفْسه رِفْقًا بِخِطَابِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل الَّذِي هُوَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالْحَقِّ . وَأَمَّا قَوْله : { مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي يَتَّبِع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَأْمُرهُ اللَّه بِهِ , فَيُوَجَّه نَحْو الْوَجْه الَّذِي يَتَوَجَّه نَحْوه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْله : { مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مِنْ الَّذِي يَرْتَدّ عَنْ دِينه , فَيُنَافِق , أَوْ يَكْفُر , أَوْ مُخَالِف مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يُظْهِر اتِّبَاعه . كَمَا : 1825 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } قَالَ : مَنْ إذَا دَخَلَتْهُ شُبْهَة رَجَعَ عَنْ اللَّه , وَانْقَلَبَ كَافِرًا عَلَى عَقِبَيْهِ . وَأَصْل الْمُرْتَدّ عَلَى عَقِبَيْهِ : هُوَ الْمُنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ الرَّاجِع مُسْتَدْبِرًا فِي الطَّرِيق الَّذِي قَدْ كَانَ قَطَعَهُ مُنْصَرِفًا عَنْهُ , فَقِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ رَاجِع عَنْ أَمْر كَانَ فِيهِ مِنْ دِين أَوْ خَيْر , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } 18 64 بِمَعْنَى رَجَعَا فِي الطَّرِيق الَّذِي كَانَا سَلَكَاهُ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُرْتَدِّ مُرْتَدّ , لِرُجُوعِهِ عَنْ دِينه وَمِلَّته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ لِرُجُوعِهِ دُبُرًا عَلَى عَقِبه إلَى الْوَجْه الَّذِي كَانَ فِيهِ بَدْء سَيْره قَبْل رَجْعه عَنْهُ , فَيَجْعَل ذَلِكَ مَثَلًا لِكُلِّ تَارِك أَمْرًا وَأَخَذَ آخَر غَيْره إذَا انْصَرَفَ عَمَّا كَانَ فِيهِ إلَى الَّذِي كَانَ لَهُ تَارِكًا فَأَخَذَهُ , فَقِيلَ ارْتَدَّ فُلَان عَلَى عَقِبه , وَانْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّتِي وَصَفَهَا اللَّه جَلّ وَعَزَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ كَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَبِيرَةِ : التَّوْلِيَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَالتَّحْوِيل , وَإِنَّمَا أَنَّثَ الْكَبِيرَة لِتَأْنِيثِ التَّوْلِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1826 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَالَ اللَّه : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } يَعْنِي تَحْوِيلهَا . 1827 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ التَّحْوِيل إلَى الْكَعْبَة مِنْ بَيْت

الْمَقْدِس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1828 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : كَبِيرَة حِين حُوِّلَتْ الْقِبْلَة إلَى الْمَسْجِد الْحَرَام , فَكَانَتْ كَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْكَبِيرَة هِيَ الْقِبْلَة بِعَيْنِهَا الَّتِي كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَجَّه إلَيْهَا مِنْ بَيْت الْمَقْدِس قَبْل التَّحْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1829 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة } أَيْ قِبْلَة بَيْت الْمَقْدِس , { إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ الْكَبِيرَة : هِيَ الصَّلَاة الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا إلَى الْقِبْلَة الْأُولَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1830 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : صَلَاتكُمْ حَتَّى يَهْدِيكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ الْقِبْلَة . 1831 - وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس مَرَّة أُخْرَى قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة } قَالَ : صَلَاتك هَا هُنَا - يَعْنِي إلَى بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا - وَانْحِرَافك هَا هُنَا وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُنِّثَتْ الْكَبِيرَة لِتَأْنِيثِ الْقِبْلَة , وَإِيَّاهَا عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة } . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ أُنِّثَتْ الْكَبِيرَة لِتَأْنِيثِ التَّوْلِيَة وَالتَّحْوِيلَة فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة : وَمَا جَعَلْنَا تَحْوِيلَتنَا إيَّاكَ عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا وَتَوَلَّيْنَاك عَنْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ , وَإِنْ كَانَتْ تَحْوِيلَتنَا إيَّاكَ عَنْهَا وَتَوَلَّيْنَاك لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه . وَهَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى التَّأْوِيلَات عِنْدِي بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْقَوْم إنَّمَا كَبَّرَ عَلَيْهِمْ تَحْوِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهه عَنْ الْقِبْلَة الْأُولَى إلَى الْأُخْرَى لَا عَيْن الْقِبْلَة وَلَا الصَّلَاة ; لِأَنَّ الْقِبْلَة الْأُولَى وَالصَّلَاة قَدْ كَانَتْ وَهَى غَيْر كَبِيرَة عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُوَجَّه مُوَجَّه تَأْنِيث الْكَبِيرَة إلَى الْقِبْلَة , وَيَقُول : اُجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْقِبْلَة مِنْ ذِكْر التَّوْلِيَة وَالتَّحْوِيلَة لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ , كَمَا قَدْ وَصَفْنَا لَك فِي نَظَائِره , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا وَمَذْهَبًا مَفْهُومًا . وَمَعْنَى قَوْله : { كَبِيرَة } عَظِيمَة . كَمَا : 1832 - حَدَّثَنَا يُونُس . قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : كَبِيرَة فِي صُدُور النَّاس فِيمَا يَدْخُل الشَّيْطَان بِهِ ابْن آدَم . قَالَهُ : مَا لَهُمْ صَلَّوْا إلَى هَا هُنَا سِتَّة عَشَر شَهْرًا ثُمَّ انْحَرَفُوا ! فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي صُدُور مَنْ لَا يَعْرِف وَلَا يَعْقِل وَالْمُنَافِقِينَ . فَقَالُوا : أَيّ شَيْء هَذَا الدِّين ؟ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَثَبَتَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ قِي قُلُوبهمْ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ صَلَاتكُمْ حَتَّى يَهْدِيكُمْ إلَى الْقِبْلَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَإِنْ كَانَ تقليبَتُناك عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا لَعَظِيمَة إلَّا عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فَهَدَاهُ لِتَصْدِيقِك , وَالْإِيمَان بِك وَبِذَلِكَ , وَاتِّبَاعك فِيهِ وَفِيمَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَيْك . كَمَا : 1833 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّا
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَسورة البقرة الآية رقم 144
يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } كَمَا هَدَيْنَاكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , فَخَصَّصْنَاكُمْ التَّوْفِيق لِقِبْلَةِ إبْرَاهِيم وَمِلَّته , وَفَضَّلْنَاكُمْ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاكُمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل ; كَذَلِكَ خَصَّصْنَاكُمْ فَفَضَّلْنَاكُمْ عَلَى غَيْركُمْ مِنْ أَهْل الْأَدْيَان بِأَنْ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأُمَّة هِيَ الْقَرْن مِنْ النَّاس وَالصِّنْف مِنْهُمْ وَغَيْرهمْ . وَأَمَّا الْوَسَط فَإِنَّهُ فِي كَلَام الْعَرَب : الْخِيَار , يُقَال مِنْهُ : فُلَان وَسَط الْحَسَب فِي قَوْمه : أَيْ مُتَوَسِّط الْحَسَب , إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ الرَّفْع فِي حَسْبه , وَهُوَ وَسَط فِي قَوْمه وَوَاسِط , كَمَا يُقَال شَاة يَابِسَة اللَّبَن , وَيَبَسَة اللَّبَن , وَكَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْر يَبَسًا } 20 77 وَقَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى فِي الْوَسَط : هُمْ وَسَط يَرْضَى الْأَنَام بِحُكْمِهِمْ إذَا نَزَلَتْ إحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ قَالَ : وَأَنَا أَرَى أَنَّ

الْوَسَط فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ الْوَسَط الَّذِي بِمَعْنَى الْجُزْء الَّذِي هُوَ بَيْن الطَّرَفَيْنِ , مِثْل " وَسَط الدَّار " , مُحَرَّك الْوَسَط مُثَقَّله , غَيْر جَائِز فِي سِينه التَّخْفِيف . وَأَرَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ وَسَط لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّين فَلَا هُمْ أَهْل غُلُوّ فِيهِ غُلُوّ النَّصَارَى الَّذِينَ غَلَوْا بِالتَّرَهُّبِ وَقَيْلهمْ فِي عِيسَى مَا قَالُوا فِيهِ , وَلَا هُمْ أَهْل تَقْصِير فِيهِ تَقْصِير الْيَهُود الَّذِينَ بَدَّلُوا كِتَاب اللَّه وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ وَكَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ وَكَفَرُوا بِهِ ; وَلَكِنَّهُمْ أَهْل تَوَسُّط وَاعْتِدَال فِيهِ , فَوَصَفَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ , إذْ كَانَ أَحَبّ الْأُمُور إلَى اللَّه أَوْسَطهَا . وَأَمَّا التَّأْوِيل فَإِنَّهُ جَاءَ بِأَنَّ الْوَسَط الْعَدْل , وَذَلِكَ مَعْنَى الدِّيَار لِأَنَّ الْخِيَار مِنْ النَّاس عُدُولهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ : الْوَسَط الْعَدْل . 1789 - حَدَّثَنَا سَالِم بْن جُنَادَةَ وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " عُدُولًا " * - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . 1790 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " عُدُولًا " . 1791 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عِيسَى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان , عَنْ حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله : { جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " عُدُولًا " . 1792 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1794 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1795 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1796 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : عُدُولًا . 1797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } يَقُول : جَعَلَكُمْ أُمَّة عُدُولًا . 1798 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْعَمّ الْمَعَافِرِيّ عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَةَ بِسَنَدِهِ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : " الْوَسَط : الْعَدْل " . 1799 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء مُجَاهِد وَعَبْد اللَّه بْن كَثِير : { أُمَّة وَسَطًا } قَالُوا : عُدُولًا , قَالَ مُجَاهِد : عُدُولًا . 1800 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } قَالَ : هُمْ وَسَط بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن الْأُمَم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } وَالشُّهَدَاء جَمْع شَهِيد . فَمَعْنَى ذَلِكَ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا عُدُولًا [ لِتَكُونُوا ] شُهَدَاء لِأَنْبِيَائِي وَرُسُلِي عَلَى أُمَمهَا بِالْبَلَاغِ أَنَّهَا قَدْ بَلَّغَتْ مَا أُمِرَتْ بِبَلَاغِهِ مِنْ رِسَالَاتِي إلَى أُمَمهَا , وَيَكُون رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ بِإِيمَانِكُمْ بِهِ , وَبِمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي . كَمَا : 1801 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْض , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُدْعَى بِنَوْحِ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم الْقِيَامَة , فَيُقَال لَهُ : هَلْ بَلَّغْت مَا أُرْسِلْت بِهِ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ فَيُقَال لِقَوْمِهِ :

هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُول : مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِير , فَيُقَال لَهُ : مَنْ يَعْلَم ذَلِكَ ؟ فَيَقُول مُحَمَّد وَأُمَّته فَهُوَ قَوْله { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاك أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } 1802 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ , ثنا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ . " فَيُدْعَوْنَ وَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ " . 1803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } بِأَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغُوا { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } : بِمَا عَمِلْتُمْ أَوْ فَعَلْتُمْ . 1804 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْجَعِيّ , عَنْ الْمُغِيرَة بْن عُيَيْنَةَ بْن النَّهَّاس , أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُمْ حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه . أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَإِنِّي وَأُمَّتِي لَعَلَى كَوْم يَوْم الْقِيَامَة مُشْرِفِينَ عَلَى الْخَلَائِق مَا أَحَد مِنْ الْأُمَم إلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنْهَا أَيَّتهَا الْأُمَّة وَمَا مِنْ نَبِيّ كَذَّبَهُ قَوْمه إلَّا نَحْنُ شُهَدَاؤُهُ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَات رَبّه وَنَصَحَ لَهُمْ " قَالَ : " وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا " . 1805 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي قَالَ : ثنا الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْفَضْل , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَرَجْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَة , فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْمَيِّت قَالَ النَّاس : نِعْمَ الرَّجُل ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " وَجَبَتْ " . ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي جِنَازَة أُخْرَى , فَلَمَّا صَلَّوْا عَلَى الْمَيِّت قَالَ النَّاس : بِئْسَ الرَّجُل ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَجَبَتْ " . فَقَامَ إلَيْهِ أُبَيّ بْن كَعْب فَقَالَ , يَا رَسُول اللَّه مَا قَوْلك وَجَبَتْ ؟ قَالَ : " قَوْل اللَّه عُرْ وَجَلّ : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } . * - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرو عَنْ يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْفَضْل الْمَدِينِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : أُتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةِ , فَقَالَ النَّاس : نِعْمَ الرَّجُل , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث عِصَام عَنْ أَبِيهِ . 1806 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حَبَّاب , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة بْن عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنِي إيَاس بْن سَلَمَة بْن الْأَكْوَع , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا بِثَنَاءِ حَسَن , فَقَالَ : " وَجَبَتْ " , وَمَرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ أُخْرَى , فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا دُون ذَلِكَ , فَقَالَ : " وَجَبَتْ " , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه مَا وَجَبَتْ ؟ قَالَ : " الْمَلَائِكَة شُهَدَاء اللَّه فِي السَّمَاء وَأَنْتُمْ شُهَدَاء اللَّه فِي الْأَرْض فَمَا شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ وَجَبَ " . ثُمَّ قَرَأَ : { وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ } 9 105 الْآيَة . 1807 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } تَكُونُوا شُهَدَاء لِمُحَمَّدِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى الْأُمَم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1808 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عَاصِم , عَنْ عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة بِإِذْنِهِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَد فَتَشْهَد لَهُ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْقِيَامَة , فَذَكَرَ مِثْله , وَلَمْ يَذْكُر عُبَيْد بْن عُمَيْر مِثْله . 1809 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } أَيْ أَنَّ رُسُلهمْ قَدْ بَلَّغَتْ قَوْمهَا عَنْ رَبّهَا , { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَات رَبّه إلَى أُمَّته . 1810 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ قَوْم نُوح يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة : لَمْ يُبَلِّغنَا نُوح . فَيُدْعَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَيُسْأَل : هَلْ بَلَّغْتهمْ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ , فَيُقَال : مَنْ شُهُودك ؟ فَيَقُول : أَحْمَد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . فَتُدْعَوْنَ فَتُسْأَلُونَ , فَتَقُولُونَ : نَعَمْ قَدْ بَلَّغَهُمْ . فَتَقُول قَوْم نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : كَيْف تَشْهَدُونَ عَلَيْنَا وَلَمْ تُدْرِكُونَا ؟ قَالُوا : قَدْ جَاءَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ , فَصَدَّقْنَاهُ . قَالَ : فَيُصَدِّق نُوح عَلَيْهِ السَّلَام وَيُكَذِّبُونَهُمْ . قَالَ : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } لِتَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّة شُهَدَاء عَلَى النَّاس أَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغَتْهُمْ , وَيَكُون الرَّسُول عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة شَهِيدًا , أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ . 1811 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ : أَنَّ الْأُمَم يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة : وَاَللَّه لَقَدْ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّة أَنْ تَكُون أَنْبِيَاء كُلّهمْ ! لِمَا يَرَوْنَ اللَّه أَعْطَاهُمْ . 1812 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن أَنْعُم الْمَعَافِرِيّ , عَنْ حِبَّان بْن أَبِي جَبَلَةَ بِسَنَدِهِ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إذَا جَمَعَ اللَّه عِبَاده يَوْم الْقِيَامَة , كَانَ أَوَّل مَنْ يُدْعَى إسْرَافِيل , فَيَقُول لَهُ رَبّه : مَا فَعَلْت فِي عَهْدِي هَلْ بَلَّغْت عَهْدِي ؟ فَيَقُول : نَعَمْ رَبّ قَدْ بَلَّغْته جِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام , فَيُدْعَى جِبْرِيل فَيُقَال لَهُ هَلْ بَلَّغْت إسْرَافِيل عَهْدِي ؟ فَيَقُول : نَعَمْ رَبّ قَدْ بَلَّغَنِي . فَيُخْلَى عَنْ إسْرَافِيل , وَيُقَال لِجِبْرِيل : هَلْ بَلَّغْت عَهْدِي ؟ فَيَقُول : نَعَمْ قَدْ بَلَّغْت الرُّسُل فَتُدْعَى الرُّسُل فَيُقَال لَهُمْ : هَلْ بَلَّغَكُمْ جِبْرِيل عَهْدِي " فَيَقُول نَعَمْ رَبّنَا فَيُخْلَى عَنْ جِبْرِيل , ثُمَّ يُقَال لِلرُّسُلِ : مَا فَعَلْتُمْ بِعَهْدِي ؟ فَيَقُول : بَلَّغْنَا أُمَمنَا . فَتُدْعَى الْأُمَم فَيُقَال : هَلْ بَلَّغَكُمْ الرُّسُل عَهْدِي ؟ فَمِنْهُمْ الْمُكَذِّب وَمِنْهُمْ الْمُصَدِّق , فَتَقُول الرُّسُل إنَّ لَنَا عَلَيْهِمْ شُهُودًا يَشْهَدُونَ أَنْ قَدْ بَلَّغْنَا مَعَ شَهَادَتك . فَيَقُول : مَنْ يَشْهَد لَكُمْ ؟ فَيَقُول أُمَّة مُحَمَّد . فَتُدْعَى أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَقُول : أَتَشْهَدُونَ أَنَّ رُسُلِي هَؤُلَاءِ قَدْ بَلَّغُوا عَهْدِي إلَى مَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِ ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ رَبّنَا شَهِدْنَا أَنْ قَدْ بَلَّغُوا فَتَقُول تِلْكَ الْأُمَم . كَيْف يَشْهَد عَلَيْنَا مَنْ لَمْ يُدْرِكنَا ؟ فَيَقُول لَهُمْ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : كَيْف يَشْهَدُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يُدْرِكُوا ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا بَعَثْت إلَيْنَا رَسُولًا , وَأَنْزَلْت إلَيْنَا عَهْدك وَكِتَابك , وَقَصَصْت عَلَيْنَا أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا , فَشَهِدْنَا بِمَا عَهِدْت إلَيْنَا . فَيَقُول الرَّبّ : صَدَقُوا فَذَلِكَ قَوْله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا } . وَالْوَسَط : الْعَدْل . " { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } قَالَ ابْن أَنْعُم : فَبَلَغَنِي أَنَّهُ يَشْهَد يَوْمئِذٍ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي قَلْبه حِنَة عَلَى أَخِيهِ . 1813 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } يَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا عَلَى الْهُدَى , فَهُمْ الَّذِينَ يَكُونُونَ شُهَدَاء عَلَى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة لِتَكْذِيبِهِمْ رُسُل اللَّه , وَكُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه . 1814 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } يَقُول : لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ بِمَا جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ , وَبِمَا كَذَّبُوهُمْ , فَقَالُوا يَوْم الْقِيَامَة وَعَجِبُوا : أَنَّ أُمَّة لَمْ يَكُونُوا فِي زَمَاننَا , فَآمَنُوا بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلنَا , وَكَذَّبْنَا نَحْنُ بِمَا جَاءُوا بِهِ . فَعَجِبُوا كُلّ الْعَجَب . قَوْله : { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } يَعْنِي بِإِيمَانِهِمْ بِهِ , وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . 1815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } يَعْنِي أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى الْقُرُون بِمَا سَمَّى اللَّه عَزَّ وَجَلّ لَهُمْ . 1816 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءِ : مَا قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } ؟ قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد شَهِدُوا عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقّ حِين جَاءَهُ الْإِيمَان وَالْهُدَى مِمَّنْ كَانَ قَبْلنَا قَالَهَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير . قَالَ : وَقَالَ عَطَاء : شُهَدَاء عَلَى مَنْ تَرَكَ الْحَقّ مِمَّنْ تَرَكَهُ مِنْ النَّاس أَجْمَعِينَ , جَاءَ ذَلِكَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابهمْ : { وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ آمَنُوا بِالْحَقِّ حِين جَاءَهُمْ وَصَدَّقُوا بِهِ . 1817 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } قَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِد عَلَى أُمَّته , وَهُمْ شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم , وَهُمْ أَحَد الْأَشْهَاد الَّذِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } 40 51 الْأَرْبَعَة الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يُحْصُونَ أَعْمَالنَا لَنَا وَعَلَيْنَا . وَقَرَأَ قَوْله : { وَجَاءَتْ كُلّ نَفْس مَعَهَا سَائِق وَشَهِيد } 50 21 وَقَالَ : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ : وَالنَّبِيُّونَ شُهَدَاء عَلَى أُمَمهمْ . قَالَ : وَأُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاء عَلَى الْأُمَم , [ قَالَ : وَالْأَطْوَار : الْأَجْسَاد وَالْجُلُود ] .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } وَلَمْ نَجْعَل صَرْفك عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَى التَّوَجُّه إلَيْهَا يَا مُحَمَّد فَصَرَفْنَاك عَنْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِعك مِمَّنْ لَا يَتَّبِعك مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ . وَالْقِبْلَة الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا الَّتِي عَنَاهَا اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } هِيَ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت تَتَوَجَّه إلَيْهَا قَبْل أَنْ

يَصْرِفك إلَى الْكَعْبَة . كَمَا : 1818 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } يَعْنِي بَيْت الْمَقْدِس . 1819 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا } قَالَ : الْقِبْلَة : بَيْت الْمَقْدِس . وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْر الصَّرْف عَنْهَا اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا قَدْ ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَى مَعْنَاهُ كَسَائِرِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِره . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ مَعْنَاهُ لِأَنَّ مِحْنَة اللَّه أَصْحَاب رَسُوله فِي الْقِبْلَة إنَّمَا كَانَتْ فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عِنْد التَّحْوِيل مِنْ بَيْت الْمَقْدِس إلَى الْكَعْبَة , حَتَّى ارْتَدَّ فِيمَا ذُكِرَ رِجَال مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَاتَّبَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَظْهَر كَثِير مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ نِفَاقَهُمْ , وَقَالُوا : مَا بَال مُحَمَّد يُحَوِّلنَا مَرَّة إلَى هَا هُنَا , وَمَرَّة إلَى هَا هُنَا ؟ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا مَضَى مِنْ إخْوَانهمْ الْمُسْلِمِينَ , وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس : بَطَلَتْ أَعْمَالنَا وَأَعْمَالهمْ وَضَاعَتْ . وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : تَحَيَّرَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينه . فَكَانَ ذَلِكَ فِتْنَة لِلنَّاسِ وَتَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ , فَلِذَلِك قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ : وَمَا جَعَلْنَا صَرْفك عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا , وَتَحْوِيلك إلَى غَيْرهَا , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ } 17 60 بِمَعْنَى : وَمَا جَعَلْنَا خَبَرك عَنْ الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَخْبَرَ الْقَوْم بِمَا كَانَ أُرِيَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى أَحَد فِتْنَة , وَكَذَلِكَ الْقِبْلَة الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس لَوْ لَمْ يَكُنْ صُرِفَ عَنْهَا إلَى الْكَعْبَة لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى أَحَد فِتْنَة وَلَا مِحْنَة . ذِكْر الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا : 1820 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْقِبْلَة فِيهَا بَلَاء وَتَمْحِيص صَلَّتْ الْأَنْصَار نَحْو بَيْت الْمَقْدِس حَوْلَيْنِ قَبْل قُدُوم نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قُدُومه الْمَدِينَة مُهَاجِرًا نَحْو بَيْت الْمَقْدِس سَبْعَة عَشَر شَهْرًا , ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّه بَعْد ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام , فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُونَ مِنْ النَّاس : { مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } لَقَدْ اشْتَاقَ الرَّجُل إلَى مَوْلِده ! قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب يَهْدِي مَنْ يَشَاء إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } فَقَالَ أُنَاس لَمَّا صُرِفَتْ الْقِبْلَة نَحْو الْبَيْت الْحَرَام : كَيْف بِأَعْمَالِنَا الَّتِي كُنَّا نَعْمَل فِي قِبْلَتنَا الْأُولَى ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إيمَانكُمْ } وَقَدْ يَبْتَلِي اللَّه الْعِبَاد بِمَا شَاءَ مِنْ أَمْره الْأَمْر بَعْد الْأَمْر , لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه . وَكُلّ ذَلِكَ مَقْبُول إذَا كَانَ فِي إيمَان بِاَللَّهِ , وَإِخْلَاص لَهُ , وَتَسْلِيم لِقَضَائِهِ . 1821 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قِبَل بَيْت الْمَقْدِس , فَنَسَخَتْهَا الْكَعْبَة . فَلَمَّا وُجِّهَ قِبَل الْمَسْجِد الْحَرَام , اخْتَلَفَ النَّاس فِيهَا , فَكَانُوا أَصْنَافًا ; فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : مَا بَالهمْ كَانُوا عَلَى قِبْلَة زَمَانًا ثُمَّ تَرَكُوهَا وَتَوَجَّهُوا إلَى غَيْرهَا ؟ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ : لَيْتَ شِعْرنَا عَنْ إخْوَاننَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ قِبَل بَيْت الْمَقْدِس , هَلْ تَقَبَّلَ اللَّه مِنَّا وَمِنْهُمْ أَوْ لَا ؟ وَقَالَتْ الْيَهُود : إنَّ مُحَمَّدًا اشْتَاقَ إلَى بَلَد أَبِيهِ وَمَوْلِده , وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُون هُوَ صَاحِبنَا الَّذِي نَنْتَظِر . وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة : تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّد دِينه , فَتَوَجَّهَ بِقِبْلَتِهِ إلَيْكُمْ , وَعَلِمَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ , وَيُوشِك أَنْ يَدْخُل فِي دِينكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ : { سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنْ النَّاس مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } إلَى قَوْله { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } وَأَنْزَلَ فِي الْآخَرِينَ الْآيَات بَعْدهَا . 1822 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : { إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } ؟ فَقَالَ عَطَاء : يَبْتَلِيهِمْ لِيَعْلَم مَنْ يُسَلِّم لِأَمْرِهِ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : بَلَغَنِي أَنَّ نَاسًا مِمَّنْ أَسْلَمَ رَجَعُوا فَقَالُوا : مَرَّة هَهُنَا وَمَرَّة هَهُنَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوَ مَا كَانَ اللَّه عَالِمًا بِمَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ إلَّا بَعْد اتِّبَاع الْمُتَّبِع , وَانْقِلَاب الْمُنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ , حَتَّى قَالَ : مَا فَعَلْنَا الَّذِي فَعَلْنَا مِنْ تَحْوِيل الْقِبْلَة إلَّا لِنَعْلَم الْمُتَّبِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ ؟ قِيلَ : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ هُوَ الْعَالِم بِالْأَشْيَاءِ كُلّهَا قَبْل كَوْنهَا وَلَيْسَ قَوْله : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } يُخْبِر أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ إلَّا بَعْد وُجُوده . فَإِنْ قَالَ : فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ : أَمَّا مَعْنَاهُ عِنْدنَا فَإِنَّهُ : وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِيَعْلَم رَسُولِي وَحِزْبِي وَأَوْلِيَائِي مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ . فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { إلَّا لِنَعْلَم } وَمَعْنَاهُ : لِيَعْلَم رَسُولِي وَأَوْلِيَائِي , إذْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلِيَاؤُهُ مِنْ حِزْبه , وَكَانَ مِنْ شَأْن الْعَرَب إضَافَة مَا فَعَلَتْهُ أَتْبَاع الرَّئِيس إلَى الرَّئِيس , وَمَا فُعِلَ بِهِمْ إلَيْهِ ; نَحْو قَوْلهمْ : فَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب سَوَادَ الْعِرَاق , وَجَبَى خَرَاجهَا , وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَصْحَابه عَنْ سَبَب كَانَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ . وَكَاَلَّذِي رُوِيَ فِي نَظِيره عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " يَقُول اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : مَرِضْت فَلَمْ يَعُدْنِي عَبْدِي , وَاسْتَقْرَضْته فَلَمْ يُقْرِضنِي , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمنِي " . 1823 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا خَالِد عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّه : اسْتَقْرَضْت عَبْدِي فَلَمْ يُقْرِضنِي , وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَشْتُمنِي يَقُول : وَادَهْرَاه وَأَنَا الدَّهْر أَنَا الدَّهْر " . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . فَأَضَافَ تَعَالَى ذِكْره الِاسْتِقْرَاض وَالْعِيَادَة إلَى نَفْسه , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ إذْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ سَبَبه . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْعَرَب سَمَاعًا : أَجُوع فِي غَيْر بَطْنِي , وَأَعْرَى فِي غَيْر ظَهْرِي , بِمَعْنَى جَوْع أَهْله وَعِيَاله وَعُرْي ظُهُورهمْ , فَكَذَلِكَ قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } بِمَعْنَى يَعْلَم أَوْلِيَائِي وَحِزْبِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1824 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } قَالَ ابْن عَبَّاس : لِنُمَيِّز أَهْل الْيَقِين مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالرِّيبَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْعَرَب تَضَع الْعِلْم مَكَان الرُّؤْيَة , وَالرُّؤْيَة مَكَان الْعِلْم , كَمَا قَالَ جَلّ ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ كَيْف فَعَلَ رَبّك بِأَصْحَابِ الْفِيل } 105 1 فَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى : { أَلَمْ تَرَ } : أَلَمْ تَعْلَم , وَزَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } بِمَعْنَى : إلَّا لِنَرَى مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول . وَزَعَمَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل : رَأَيْت وَعَلِمْت وَشَهِدْت حُرُوف تَتَعَاقَب فَيُوضَع بَعْضهَا مَوْضِع بَعْض , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : كَأَنَّك لَمْ تَشْهَد لَقِيطًا وَحَاجِبًا وَعَمْرو بْن عَمْرو إذَا دَعَا يَالَ دَارِم بِمَعْنَى : كَأَنَّك لَمْ تَعْلَم لَقِيطًا ; لِأَنَّ بَيْن هَلْكِ لَقِيط وَحَاجِب وَزَمَان جَرِير مَا لَا يَخْفَى بَعْده مِنْ الْمُدَّة . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَجَرِير كَانَ بَعْد بُرْهَة مَضَتْ مِنْ مَجِيء الْإِسْلَام وَهَذَا تَأْوِيل بَعِيد , مِنْ أَجْل أَنَّ الرُّؤْيَة وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي مَوْضِع الْعِلْم مِنْ أَجْل أَنَّهُ مُسْتَحِيل أَنْ يَرَى أَحَد شَيْئًا , فَلَا تُوجِب رُؤْيَته إيَّاهُ عِلْمًا بِأَنَّهُ قَدْ رَآهُ إذَا كَانَ صَحِيح الْفِطْرَة فَجَازَ مِنْ الْوَجْه الَّذِي أَثْبَتَهُ رُؤْيَة أَنْ يُضَاف إلَيْهِ إثْبَاته إيَّاهُ عِلْمًا , وَصَحَّ أَنْ يَدُلّ بِذِكْرِ الرُّؤْيَة عَلَى مَعْنَى الْعِلْم مِنْ أَجْل ذَلِكَ . فَلَيْسَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الرُّؤْيَة لِمَا وَصَفْنَا بِجَائِزِ فِي الْعِلْم , فَيَدُلّ بِذِكْرِ الْخَبَر عَنْ الْعِلْم عَلَى الرُّؤْيَة لِأَنَّ الْمَرْء قَدْ يَعْلَم أَشْيَاء كَثِيرَة لَمْ يَرَهَا وَلَا يَرَاهَا وَيَسْتَحِيل أَنْ يَرَى شَيْئًا إلَّا عَلِمَهُ , كَمَا قَدْ قَدَّمْنَا الْبَيَان , مَعَ أَنَّهُ غَيْر مَوْجُود فِي شَيْء مِنْ كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : عَلِمْت كَذَا بِمَعْنَى رَأَيْته , وَإِنَّمَا يَجُوز تَوْجِيه مَعَانِي مَا فِي كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْكَلَام إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا مِثْله فِي كَلَام الْعَرَب دُون مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي كَلَامهَا , فَمَوْجُود فِي كَلَامهَا " رَأَيْت " بِمَعْنَى " عَلِمْت " , وَغَيْر مَوْجُود فِي كَلَامهَا " عَلِمْت " بِمَعْنَى " رَأَيْت " , فَيَجُوز تَوْجِيه { إلَّا لِنَعْلَم } إلَى مَعْنَى : إلَّا لِنَرَى . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا قِيلَ : { إلَّا لِنَعْلَم } مِنْ أَجْل أَنَّ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُود وَأَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَعْلَم الشَّيْء قَبْل كَوْنه , وَقَالُوا إذْ قِيلَ لَهُمْ : إنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْل الْقِبْلَة سَيَرْتَدُّونَ عَلَى أَعْقَابهمْ , إذَا حُوِّلَتْ قِبْلَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَعْبَة : ذَلِكَ غَيْر كَائِن , أَوْ قَالُوا : ذَلِكَ بَاطِل . فَلَمَّا فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ , وَحَوَّلَ الْقِبْلَة , وَكَفَرَ مِنْ أَجْل ذَلِكَ مَنْ كَفَرَ , قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : مَا فَعَلْت إلَّا لِنَعْلَم مَا عِنْدكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ عِلْمِي بِمَا هُوَ كَائِن مِنْ الْأَشْيَاء قَبْل كَوْنه , أَنِّي عَالِم بِمَا هُوَ كَائِن مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْد . فَكَأَنَّ مَعْنَى قَائِل هَذَا الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } إلَّا لِنُبَيِّن لَكُمْ أَنَّا نَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا لَهُ مَخْرَج , فَبَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا قِيلَ : { إلَّا لِنَعْلَم } وَهُوَ بِذَلِكَ عَالِم قَبْل كَوْنه وَفِي كُلّ حَال , عَلَى وَجْه التَّرَفُّق بِعِبَادِهِ , وَاسْتِمَالَتهمْ إلَى طَاعَته , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { قُلْ اللَّه وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدَى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى هُدَى وَأَنَّهُمْ عَلَى ضَلَال مُبِين , وَلَكِنَّهُ رَفَقَ بِهِمْ فِي الْخِطَاب , فَلَمْ يَقُلْ : أَنَا عَلَى هُدَى , وَأَنْتُمْ عَلَى ضَلَال . فَكَذَلِكَ قَوْله : { إلَّا لِنَعْلَم } مَعْنَاهُ عِنْدهمْ : إلَّا لِتَعْلَمُوا أَنْتُمْ إذْ كُنْتُمْ جُهَّالًا بِهِ قَبْل أَنْ يَكُون ; فَأَضَافَ الْعِلْم إلَى نَفْسه رِفْقًا بِخِطَابِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل الَّذِي هُوَ أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالْحَقِّ . وَأَمَّا قَوْله : { مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي يَتَّبِع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَأْمُرهُ اللَّه بِهِ , فَيُوَجَّه نَحْو الْوَجْه الَّذِي يَتَوَجَّه نَحْوه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْله : { مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مِنْ الَّذِي يَرْتَدّ عَنْ دِينه , فَيُنَافِق , أَوْ يَكْفُر , أَوْ مُخَالِف مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ يُظْهِر اتِّبَاعه . كَمَا : 1825 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ } قَالَ : مَنْ إذَا دَخَلَتْهُ شُبْهَة رَجَعَ عَنْ اللَّه , وَانْقَلَبَ كَافِرًا عَلَى عَقِبَيْهِ . وَأَصْل الْمُرْتَدّ عَلَى عَقِبَيْهِ : هُوَ الْمُنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ الرَّاجِع مُسْتَدْبِرًا فِي الطَّرِيق الَّذِي قَدْ كَانَ قَطَعَهُ مُنْصَرِفًا عَنْهُ , فَقِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ رَاجِع عَنْ أَمْر كَانَ فِيهِ مِنْ دِين أَوْ خَيْر , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهمَا قَصَصًا } 18 64 بِمَعْنَى رَجَعَا فِي الطَّرِيق الَّذِي كَانَا سَلَكَاهُ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُرْتَدِّ مُرْتَدّ , لِرُجُوعِهِ عَنْ دِينه وَمِلَّته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ لِرُجُوعِهِ دُبُرًا عَلَى عَقِبه إلَى الْوَجْه الَّذِي كَانَ فِيهِ بَدْء سَيْره قَبْل رَجْعه عَنْهُ , فَيَجْعَل ذَلِكَ مَثَلًا لِكُلِّ تَارِك أَمْرًا وَأَخَذَ آخَر غَيْره إذَا انْصَرَفَ عَمَّا كَانَ فِيهِ إلَى الَّذِي كَانَ لَهُ تَارِكًا فَأَخَذَهُ , فَقِيلَ ارْتَدَّ فُلَان عَلَى عَقِبه , وَانْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّتِي وَصَفَهَا اللَّه جَلّ وَعَزَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ كَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَبِيرَةِ : التَّوْلِيَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام وَالتَّحْوِيل , وَإِنَّمَا أَنَّثَ الْكَبِيرَة لِتَأْنِيثِ التَّوْلِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1826 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَالَ اللَّه : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } يَعْنِي تَحْوِيلهَا . 1827 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ التَّحْوِيل إلَى الْكَعْبَة مِنْ بَيْت

الْمَقْدِس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1828 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : كَبِيرَة حِين حُوِّلَتْ الْقِبْلَة إلَى الْمَسْجِد الْحَرَام , فَكَانَتْ كَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْكَبِيرَة هِيَ الْقِبْلَة بِعَيْنِهَا الَّتِي كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَجَّه إلَيْهَا مِنْ بَيْت الْمَقْدِس قَبْل التَّحْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1829 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة } أَيْ قِبْلَة بَيْت الْمَقْدِس , { إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ الْكَبِيرَة : هِيَ الصَّلَاة الَّتِي كَانُوا يُصَلُّونَهَا إلَى الْقِبْلَة الْأُولَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1830 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : صَلَاتكُمْ حَتَّى يَهْدِيكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ الْقِبْلَة . 1831 - وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس مَرَّة أُخْرَى قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة } قَالَ : صَلَاتك هَا هُنَا - يَعْنِي إلَى بَيْت الْمَقْدِس سِتَّة عَشَر شَهْرًا - وَانْحِرَافك هَا هُنَا وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُنِّثَتْ الْكَبِيرَة لِتَأْنِيثِ الْقِبْلَة , وَإِيَّاهَا عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة } . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : بَلْ أُنِّثَتْ الْكَبِيرَة لِتَأْنِيثِ التَّوْلِيَة وَالتَّحْوِيلَة فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة : وَمَا جَعَلْنَا تَحْوِيلَتنَا إيَّاكَ عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا وَتَوَلَّيْنَاك عَنْهَا إلَّا لِنَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ , وَإِنْ كَانَتْ تَحْوِيلَتنَا إيَّاكَ عَنْهَا وَتَوَلَّيْنَاك لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه . وَهَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى التَّأْوِيلَات عِنْدِي بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْقَوْم إنَّمَا كَبَّرَ عَلَيْهِمْ تَحْوِيل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهه عَنْ الْقِبْلَة الْأُولَى إلَى الْأُخْرَى لَا عَيْن الْقِبْلَة وَلَا الصَّلَاة ; لِأَنَّ الْقِبْلَة الْأُولَى وَالصَّلَاة قَدْ كَانَتْ وَهَى غَيْر كَبِيرَة عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يُوَجَّه مُوَجَّه تَأْنِيث الْكَبِيرَة إلَى الْقِبْلَة , وَيَقُول : اُجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْقِبْلَة مِنْ ذِكْر التَّوْلِيَة وَالتَّحْوِيلَة لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَعْنَى ذَلِكَ , كَمَا قَدْ وَصَفْنَا لَك فِي نَظَائِره , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا وَمَذْهَبًا مَفْهُومًا . وَمَعْنَى قَوْله : { كَبِيرَة } عَظِيمَة . كَمَا : 1832 - حَدَّثَنَا يُونُس . قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ : كَبِيرَة فِي صُدُور النَّاس فِيمَا يَدْخُل الشَّيْطَان بِهِ ابْن آدَم . قَالَهُ : مَا لَهُمْ صَلَّوْا إلَى هَا هُنَا سِتَّة عَشَر شَهْرًا ثُمَّ انْحَرَفُوا ! فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي صُدُور مَنْ لَا يَعْرِف وَلَا يَعْقِل وَالْمُنَافِقِينَ . فَقَالُوا : أَيّ شَيْء هَذَا الدِّين ؟ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَثَبَتَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ قِي قُلُوبهمْ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَة إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } قَالَ صَلَاتكُمْ حَتَّى يَهْدِيكُمْ إلَى الْقِبْلَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَإِنْ كَانَ تقليبَتُناك عَنْ الْقِبْلَة الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا لَعَظِيمَة إلَّا عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فَهَدَاهُ لِتَصْدِيقِك , وَالْإِيمَان بِك وَبِذَلِكَ , وَاتِّبَاعك فِيهِ وَفِيمَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَيْك . كَمَا : 1833 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّا
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَسورة البقرة الآية رقم 145
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب بِكُلِّ آيَة مَا تَبِعُوا قِبْلَتك } يَعْنِي بِذَلِكَ تَبَارَكَ اسْمه : وَلَئِنْ جِئْت يَا مُحَمَّد الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِكُلِّ بُرْهَان وَحُجَّة - وَهِيَ

الْآيَة - بِأَنَّ الْحَقّ هُوَ مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ فَرْض التَّحَوُّل مِنْ قِبْلَة بَيْت الْمَقْدِس فِي الصَّلَاة إلَى قِبْلَة الْمَسْجِد الْحَرَام , مَا صَدَّقُوا بِهِ وَلَا اتَّبَعُوا مَعَ قِيَام الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ قِبْلَتك الَّتِي حَوَّلْتُك إلَيْهَا وَهِيَ التَّوَجُّه شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام . وَأُجِيبَتْ " لَئِنْ " بِالْمَاضِي مِنْ الْفِعْل وَحُكْمهَا الْجَوَاب بِالْمُسْتَقْبَلِ تَشْبِيهًا لَهَا ب " وَلَوْ " , فَأُجِيبَتْ بِمَا تُجَاب بِهِ لَوْ لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا ; وَقَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْ نَظِير ذَلِكَ فِيمَا مَضَى . وَأُجِيبَتْ " لَوْ " بِجَوَابِ الْأَيْمَان , وَلَا تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ إلَّا فِي الْجَزَاء خَاصَّة ; لِأَنَّ الْجَزَاء مُشَابِه الْيَمِين فِي أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لَا يَتِمّ أَوَّله إلَّا بِآخِرِهِ , وَلَا يَتِمّ وَحْده , وَلَا يَصِحّ إلَّا بِمَا يُؤَكِّد بِهِ بَعْده , فَلَمَّا بَدَأَ بِالْيَمِينِ فَأُدْخِلَتْ عَلَى الْجَزَاء صَارَتْ اللَّام الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ يَمِين وَالثَّانِيَة بِمَنْزِلَةِ جَوَاب لَهَا , كَمَا قِيلَ : لَعُمْرك لَتَقُومَن , إذْ كَثُرَتْ اللَّام مِنْ وَلَعُمْرك " حَتَّى صَارَتْ كَحَرْفِ مِنْ حُرُوفه , فَأُجِيب بِمَا يُجَاب بِهِ الْأَيْمَان , إذْ كَانَتْ اللَّام تَنُوب فِي الْأَيْمَان عَنْ الْأَيْمَان دُون سَائِر الْحُرُوف غَيْر الَّتِي هِيَ أَحَقّ بِهِ الْأَيْمَان , فَتَدُلّ عَلَى الْأَيْمَان وَتَعْمَل عَمَل الْأَجْوِبَة وَلَا تَدُلّ سَائِر أَجْوِبَة الْأَيْمَان لَنَا عَلَى الْأَيْمَان ; فَشُبِّهَتْ اللَّام الَّتِي فِي جَوَاب الْأَيْمَان بِالْأَيْمَانِ لِمَا وَصَفْنَا , فَأُجِيبَتْ بِأَجْوِبَتِهَا . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام إذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : لَوْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب بِكُلِّ آيَة مَا تَبِعُوا قِبْلَتك .

وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أَنْت بِتَابِعِ

قِبْلَتهمْ } يَقُول : وَمَا لَك مِنْ سَبِيل يَا مُحَمَّد إلَى اتِّبَاع قِبْلَتهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود تَسْتَقْبِل بَيْت الْمَقْدِس بِصَلَاتِهَا , وَأَنَّ النَّصَارَى تَسْتَقْبِل الْمَشْرِق , فَأَنَّى يَكُون لَك السَّبِيل إلَى اتِّبَاع قِبْلَتهمْ مَعَ اخْتِلَاف وُجُوههَا . يَقُول : فَالْزَمْ قِبْلَتك الَّتِي أُمِرْت بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهَا , وَدَعْ عَنْك مَا تَقُولهُ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَتَدْعُوك إلَيْهِ مِنْ قِبْلَتهمْ وَاسْتِقْبَالهَا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا بَعْضهمْ بِتَابِعِ قِبْلَة بَعْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : وَمَا الْيَهُود بِتَابِعَةِ قِبْلَة النَّصَارَى , وَلَا النَّصَارَى بِتَابِعَةِ قِبْلَة الْيَهُود فَمُتَوَجِّهَة نَحْوهَا . كَمَا : 1866 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا بَعْضهمْ بِتَابِعِ قِبْلَة بَعْض } يَقُول : مَا الْيَهُود بِتَابِعِي قِبْلَة النَّصَارَى , وَلَا النَّصَارَى بِتَابِعِي قِبْلَة الْيَهُود . قَالَ : وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَجْل أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حُوِّلَ إلَى الْكَعْبَة , قَالَتْ الْيَهُود : إنَّ مُحَمَّدًا اشْتَاقَ إلَى بَلَد أَبِيهِ وَمَوْلِده , وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قِبْلَتنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ يَكُون هُوَ صَاحِبنَا الَّذِي نَنْتَظِر ! فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ

وَجَلّ فِيهِمْ : { وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } إلَى قَوْله : { لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } 1867 - حَدَّثَنَا يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا بَعْضهمْ بِتَابِعِ قِبْلَة بَعْض } مِثْل ذَلِكَ . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود وَالنَّصَارَى لَا تَجْتَمِع عَلَى قِبْلَة وَاحِدَة مَعَ إقَامَة كُلّ حِزْب مِنْهُمْ عَلَى مِلَّتهمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد لَا تَشْعُر نَفْسك رِضَا هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَإِنَّهُ أَمْر لَا سَبِيل إلَيْهِ , لِأَنَّهُمْ مَعَ اخْتِلَاف مِلَلهمْ لَا سَبِيل لَك إلَى إرْضَاء كُلّ حِزْب مِنْهُمْ , مِنْ أَجْل أَنَّك إنْ اتَّبَعْت قِبْلَة الْيَهُود أَسْخَطْت النَّصَارَى , وَإِنْ اتَّبَعْت قِبْلَة النَّصَارَى أَسْخَطْت الْيَهُود , فَدَعْ مَا لَا سَبِيل إلَيْهِ , وَادْعُهُمْ إلَى مَا لَهُمْ السَّبِيل إلَيْهِ مِنْ الِاجْتِمَاع عَلَى مِلَّتك الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , وَقِبْلَتك قِبْلَة إبْرَاهِيم وَالْأَنْبِيَاء مِنْ بَعْده .

يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ :

{ وَلَئِنْ اتَّبَعْت أَهْوَاءَهُمْ } : وَلَئِنْ الْتَمَسْت يَا مُحَمَّد رِضَا هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا لَك وَلِأَصْحَابِك : { كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا } 2 135 فَاتَّبَعْت قِبْلَتهمْ يَعْنِي فَرَجَعْت إلَى قِبْلَتهمْ .

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْم } مِنْ بَعْد مَا وَصَلَ إلَيْك مِنْ الْعِلْم بِإِعْلَامِي إيَّاكَ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى بَاطِل وَعَلَى عِنَاد مِنْهُمْ لِلْحَقِّ , وَمَعْرِفَة


مِنْهُمْ أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهْتُك إلَيْهَا هِيَ الْقِبْلَة الَّتِي فَرَضْت عَلَى أَبِيك إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَسَائِر وَلَده مِنْ بَعْده مِنْ الرُّسُل التَّوَجُّهَ نَحْوَهَا ;

يَعْنِي أَنَّك إذَا فَعَلْت ذَلِكَ مِنْ عِبَادِي الظَّلَمَة أَنْفُسهمْ , الْمُخَالِفِينَ أَمْرِي , وَالتَّارِكِينَ طَاعَتِي , وَأَحَدهمْ وَفِي عِدَادهمْ .
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَسورة البقرة الآية رقم 146
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } / يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ } أَحْبَار الْيَهُود وَعُلَمَاء النَّصَارَى . يَقُول : يَعْرِف هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار مِنْ الْيَهُود وَالْعُلَمَاء مِنْ النَّصَارَى أَنَّ الْبَيْت الْحَرَام قِبْلَتهمْ وَقِبْلَة إبْرَاهِيم وَقِبْلَة الْأَنْبِيَاء قَبْلك , كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ . كَمَا : 1868 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } يَقُول : يَعْرِفُونَ أَنَّ الْبَيْت الْحَرَام هُوَ الْقِبْلَة . 1869 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } يَعْنِي الْقِبْلَة . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } عَرَفُوا أَنَّ قِبْلَة الْبَيْت الْحَرَام هِيَ قِبْلَتهمْ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا , كَمَا عَرَفُوا أَبْنَاءَهُمْ . 1870 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام . 1871 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } يَعْرِفُونَ الْكَعْبَة مِنْ قِبْلَة الْأَنْبِيَاء , كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ . 1872 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } قَالَ : الْيَهُود يَعْرِفُونَ أَنَّهَا هِيَ الْقِبْلَة مَكَّة . 1873 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } قَالَ : الْقِبْلَة وَالْبَيْت .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يَقُول جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ طَائِفَة مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول : هُمْ أَهْل الْكِتَاب . 1874 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو يَعْنِي الْبَاهِلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِذَلِكَ . 1875

- حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , مِثْله . 1876 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَوْله : { لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ } وَذَلِكَ الْحَقّ هُوَ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ إلَيْهَا نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام الَّتِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَجَّهُونَ إلَيْهَا . فَكَتَمَتْهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَتَوَجَّهَ بَعْضهمْ شَرْقًا وَبَعْضهمْ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس , وَرَفَضُوا مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , وَكَتَمُوا مَعَ ذَلِكَ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَأَطْلَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته عَلَى خِيَانَتهمْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَخِيَانَتهمْ عِبَاده , وَكِتْمَانهمْ ذَلِكَ , وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِأَنَّ الْحَقّ غَيْره , وَأَنَّ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ خِلَافه فَقَالَ : لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنْ لَيْسَ لَهُمْ كِتْمَانه , فَيَتَعَمَّدُونَ مَعْصِيَة اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا : 1877 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَكَتَمُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1878 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } قَالَ : يَكْتُمُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 1879 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يَعْنِي الْقِبْلَة .
الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَسورة البقرة الآية رقم 147
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : اعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنَّ الْحَقّ مَا أَعْلَمك رَبّك وَأَتَاك مِنْ عِنْده , لَا مَا يَقُول لَك الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَبَر لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهَهُ نَحْوهَا هِيَ الْقِبْلَة الْحَقّ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا إبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , وَمَنْ بَعْده مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه عَزَّ وَجَلّ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُ : فَاعْمَلْ بِالْحَقِّ الَّذِي أَتَاك مِنْ رَبّك يَا مُحَمَّد وَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ , { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } أَيْ فَلَا تَكُونَن مِنْ الشَّاكِّينَ فِي أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهْتُك نَحْوهَا قِبْلَة إبْرَاهِيم خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقِبْلَة الْأَنْبِيَاء غَيْره كَمَا : 1880 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول : لَا تَكُنْ فِي شَكّ أَنَّهَا قِبْلَتك وَقِبْلَة الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلك 1881 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا

ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } قَالَ : مِنْ الشَّاكِّينَ ; قَالَ : لَا تَشُكَّن فِي ذَلِكَ . وَالْمُمْتَرِي : مُفْتَعِل مِنْ الْمِرْيَة , وَالْمِرْيَة هِيَ الشَّكّ , وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : تَدُرُّ عَلَى أَسْؤُقِ الْمُمْتَرِي نَ رَكْضًا إذَا مَا السَّرَاب ارْجَحَن فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكًّا فِي أَنَّ الْحَقّ مِنْ رَبّه , أَوْ فِي أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهَهُ اللَّه إلَيْهَا حَقّ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره حَتَّى نُهِيَ عَنْ الشَّكّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ : { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي تُخْرِجهُ الْعَرَب مَخْرَج الْأَمْر أَوْ النَّهْي لِلْمُخَاطَبِ بِهِ وَالْمُرَاد بِهِ غَيْره , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ اتَّقِ اللَّه وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } 33 1 ثُمَّ قَالَ : { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إلَيْك مِنْ رَبّك إنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } 33 2 فَخَرَجَ الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّهْي لَهُ , وَالْمُرَاد بِهِ أَصْحَابه الْمُؤْمِنُونَ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِير ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته .
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة البقرة الآية رقم 148
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } وَمَعْنَى قَوْله : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا } فِي أَيّ مَكَان وَبُقْعَة تَهْلَكُونَ فِيهِ يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة { إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . كَمَا : 1897 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا } يَقُول : أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة . 1898 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمْ اللَّه جَمِيعًا } يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة . وَإِنَّمَا حَضَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى

طَاعَته وَالتَّزَوُّد فِي الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ , فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : اسْتَبِقُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إلَى الْعَمَل بِطَاعَةِ رَبّكُمْ , وَلُزُوم مَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ قِبْلَة إبْرَاهِيم خَلِيله وَشَرَائِع دِينه , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يَأْتِي بِكُمْ وَبِمَنْ خَالَفَ قَبْلكُمْ وَدِينكُمْ وَشَرِيعَتكُمْ جَمِيعًا يَوْم الْقِيَامَة مِنْ حَيْثُ كُنْتُمْ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْض , حَتَّى يُوفِي الْمُحْسِن مِنْكُمْ جَزَاءَهُ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء عِقَابه بِإِسَاءَتِهِ , أَوْ يَتَفَضَّل فَيَصْفَح . وَأَمَّا قَوْله : { إنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره يَعْنِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى جَمْعكُمْ بَعْد مَمَاتكُمْ مِنْ قُبُوركُمْ مِنْ حَيْثُ كُنْتُمْ وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشَاء قَدِير , فَبَادِرُوا خُرُوج أَنْفُسكُمْ بِالصَّالِحَاتِ مِنْ الْأَعْمَال قَبْل مَمَاتكُمْ لِيَوْمِ بَعْثكُمْ وَحَشْركُمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَلِكُلِّ } وَلِكُلِّ أَهْل مِلَّة , فَحَذَفَ أَهْل الْمِلَّة وَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . كَمَا : 1882 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ } قَالَ : لِكُلِّ صَاحِب مِلَّة . 1883 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ

هُوَ مُوَلِّيهَا } فَلِلْيَهُودِ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا وَلِلنَّصَارَى وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا , وَهَدَاكُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَنْتُمْ أَيَّتهَا الْأُمَّة لِلْقِبْلَةِ الَّتِي هِيَ قِبْلَته . 1884 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ قَوْله : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } ؟ قَالَ : لِكُلِّ أَهْل دِين الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ . قَالَ مُجَاهِد : لِكُلِّ صَاحِب مِلَّة . 1885 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } قَالَ لِلْيَهُودِ قِبْلَة , وَلِلنَّصَارَى قِبْلَة , وَلَكُمْ قِبْلَة . يُرِيد الْمُسْلِمِينَ . 1886 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الْأَدْيَان , يَقُول : لِكُلِّ قِبْلَة يَرْضَوْنَهَا , وَوَجْه اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمه حَيْثُ تَوَجَّهَ الْمُؤْمِنُونَ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه إنَّ اللَّه وَاسِع عَلِيم } 2 115 1887 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } يَقُول : لِكُلِّ قَوْم قِبْلَة قَدْ وُلُّوهَا . فَتَأْوِيل أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة فِي هَذِهِ الْآيَة : وَلِكُلِّ أَهْل مِلَّة قِبْلَة هُوَ مُسْتَقْبِلهَا وَمُوَلٍّ وَجْهه إلَيْهَا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1888 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } قَالَ : هِيَ صَلَاتهمْ إلَى بَيْت الْمَقْدِس وَصَلَاتهمْ إلَى الْكَعْبَة . وَتَأْوِيل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة : وَلِكُلِّ نَاحِيَة وَجَّهَك إلَيْهَا رَبّك يَا مُحَمَّد قِبْلَة اللَّه عَزَّ وَجَلّ مُوَلِّيهَا عِبَاده . وَأَمَّا الْوِجْهَة فَإِنَّهَا مَصْدَر مِثْل الْقَعْدَة وَالْمَشْيَة مِنْ التَّوَجُّه , وَتَأْوِيلهَا : مُتَوَجِّه يَتَوَجَّه إلَيْهَا بِوَجْهِهِ فِي صَلَاته . كَمَا : 1889 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : وِجْهَةٌ قِبْلَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1890 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ } قَالَ : وَجْه . 1891 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وِجْهَةٌ : قِبْلَة . 1892 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , قَالَ : قُلْت لِمَنْصُورِ : { وَلِكُلِّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } قَالَ : نَحْنُ نَقْرَؤُهَا : وَلِكُلِّ جَعَلْنَا قِبْلَة يَرْضَوْنَهَا . وَأَمَّا قَوْله : { هُوَ مُوَلِّيهَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : هُوَ مُوَلٍّ وَجْهه إلَيْهَا مُسْتَقْبِلهَا . كَمَا : 1893 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { هُوَ مُوَلِّيهَا } قَالَ : هُوَ مُسْتَقْبِلهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَمَعْنَى التَّوْلِيَة هَا هُنَا الْإِقْبَال , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِغَيْرِهِ : انْصَرِفْ إلَيَّ , بِمَعْنَى أَقْبِلْ إلَيَّ ; الِانْصِرَاف الْمُسْتَعْمَل إنَّمَا هُوَ الِانْصِرَاف عَنْ الشَّيْء ثُمَّ يُقَال : انْصَرَفَ إلَى الشَّيْء بِمَعْنَى أَقْبَلَ إلَيْهِ مُنْصَرِفًا عَنْ غَيْره . وَكَذَلِكَ يُقَال : وَلَّيْت عَنْهُ : إذَا أَدْبَرْت عَنْهُ , ثُمَّ يُقَال : وَلَّيْت إلَيْهِ بِمَعْنَى أَقْبَلْت إلَيْهِ مُولِيًا عَنْ غَيْره . وَالْفِعْل , أَعْنِي التَّوْلِيَة فِي قَوْله : { هُوَ مُوَلِّيهَا } لل " كُلّ " و " هُوَ " الَّتِي مَعَ " مُوَلِّيهَا " هُوَ " الْكُلّ " وُحِّدَتْ لِلَفْظِ " الْكُلّ " . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَلِكُلِّ أَهْل مِلَّة وِجْهَةٌ , الْكُلّ . مِنْهُمْ مُوَلُّوهَا وُجُوههمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَغَيْره أَنَّهُمْ قَرَءُوا : " هُوَ مَوْلَاهَا " بِمَعْنَى أَنَّهُ مُوَجَّه نَحْوهَا وَيَكُون الْكَلَام حِينَئِذٍ غَيْر مُسَمَّى فَاعِله , وَلَوْ سُمِّيَ فَاعِله لَكَانَ الْكَلَام : وَلِكُلِّ ذِي مِلَّة وِجْهَةٌ اللَّه مُوَلِّيه إيَّاهَا , بِمَعْنَى مُوَجِّهه إلَيْهَا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " وَلِكُلِّ وِجْهَة " بِتَرْكِ التَّنْوِين وَالْإِضَافَة . وَذَلِكَ لَحْن , وَلَا تَجُوز الْقِرَاءَة بِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ كَانَ الْخَبَر غَيْر تَامّ , وَكَانَ كَلَامًا لَا مَعْنَى لَهُ , وَذَلِكَ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ . وَالصَّوَاب عِنْدنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } بِمَعْنَى : وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ وَقِبْلَة ذَلِكَ الْكُلّ مُوَلٍّ وَجْهه نَحْوهَا , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى قِرَاءَة ذَلِكَ كَذَلِكَ وَتَصْوِيبهَا إيَّاهَا , وَشُذُوذ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إلَى غَيْره . وَمَا جَاءَ بِهِ النَّقْل مُسْتَفِيضًا فَحُجَّة , وَمَا انْفَرَدَ بِهِ مَنْ كَانَ جَائِزًا عَلَيْهِ السَّهْو وَالْخَطَأ فَغَيْر جَائِز الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى الْحُجَّة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَاسْتَبِقُوا } فَبَادِرُوا وَسَارِعُوا , مِنْ " الِاسْتِبَاق " , وَهُوَ الْمُبَادَرَة وَالْإِسْرَاع . كَمَا : 1894 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ :

ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات } يَعْنِي فَسَارِعُوا فِي الْخَيْرَات . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات } أَيْ قَدْ بَيَّنْت لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَقّ وَهَدَيْتُكُمْ لِلْقِبْلَةِ الَّتِي ضَلَّتْ عَنْهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر أَهْل الْمِلَل غَيْركُمْ , فَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة شُكْرًا لِرَبِّكُمْ , وَتَزَوَّدُوا فِي دُنْيَاكُمْ لِأُخْرَاكُمْ , فَإِنِّي قَدْ بَيَّنْت لَكُمْ سَبِيل النَّجَاة فَلَا عُذْر لَكُمْ فِي التَّفْرِيط , وَحَافِظُوا عَلَى قِبْلَتكُمْ , وَلَا تُضَيِّعُوهَا كَمَا ضَيَّعَهَا الْأُمَم قَبْلكُمْ فَتَضِلُّوا كَمَا ضَلَّتْ كَاَلَّذِي : 1895 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات } يَقُول : لَا تُغْلَبُنَّ عَلَى قِبْلَتكُمْ . 1896 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات } قَالَ : الْأَعْمَال الصَّالِحَة .
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَسورة البقرة الآية رقم 149
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى

: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت } وَمِنْ أَيّ مَوْضِع خَرَجْت إلَى أَيّ مَوْضِع وَجَّهْت فَوَلِّ يَا مُحَمَّد وَجْهك يَقُول : حَوِّلْ وَجْهك . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ التَّوْلِيَة فِي هَذَا الْمَوْضِع شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام , إنَّمَا هِيَ الْإِقْبَال بِالْوَجْهِ نَحْوه ; وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الشَّطْر فِيمَا مَضَى .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّهُ لَلْحَقّ مِنْ رَبّك } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ التَّوَجُّه شَطْره لَلْحَقّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ عِنْد رَبّك , فَحَافِظُوا عَلَيْهِ , وَأَطِيعُوا اللَّه فِي تَوَجُّهكُمْ قِبَله .

وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا اللَّه بِغَافِلِ عَمَّا تَعْمَلُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول : فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَيْسَ بِسَاهٍ عَنْ أَعْمَالكُمْ وَلَا بِغَافِلِ عَنْهَا , وَلَكِنَّهُ مُحْصِيهَا لَكُمْ حَتَّى يُجَازِيكُمْ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة

.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَسورة البقرة الآية رقم 150
الْقَوْل فِي

تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام } : مِنْ أَيّ مَكَان وَبُقْعَة شَخَصْت فَخَرَجْت يَا مُحَمَّد , فَوَلِّ وَجْهك تِلْقَاء الْمَسْجِد الْحَرَام ; وَهُوَ شَطْره .

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ }
وَأَيْنَمَا

كُنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَرْض اللَّه فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ فِي صَلَاتكُمْ تُجَاهه وَقِبَله وَقَصْده .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : عَنَى اللَّه تَعَالَى بِالنَّاسِ فِي قَوْله : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ } . أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1899 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب , قَالُوا حِين صَرَفَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام : اشْتَاقَ الرَّجُل إلَى بَيْت أَبِيهِ وَدِين قَوْمه .


1900 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب , قَالُوا حِين صَرَفَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَعْبَة اشْتَاقَ الرَّجُل إلَى بَيْت أَبِيهِ وَدِين قَوْمه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَأَيَّة حُجَّة كَانَتْ لِأَهْلِ الْكِتَاب بِصَلَاةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه نَحْو بَيْت الْمَقْدِس عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه ؟ قِيلَ : قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ , قِيلَ إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : مَا دَرَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه أَيْنَ قِبْلَتهمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ نَحْنُ , وَقَوْلهمْ : يُخَالِفنَا مُحَمَّد فِي دِيننَا وَيَتْبَع قِبْلَتنَا ! فَهِيَ الْحُجَّة الَّتِي كَانُوا يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عَلَى وَجْه الْخُصُومَة مِنْهُمْ لَهُمْ , وَالتَّمْوِيه مِنْهُمْ بِهَا عَلَى الْجُهَّال وَأَهْل الْعِنَاد مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى حِجَاج الْقَوْم إيَّاهُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي كِتَابه إنَّمَا هِيَ الْخُصُومَات وَالْجِدَال , فَقَطَعَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ مِنْ حُجَّتهمْ وَحَسَمَهُ بِتَحْوِيلِ قِبْلَة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ قِبْلَة الْيَهُود إلَى قِبْلَة خَلِيله إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة } يَعْنِي بِالنَّاسِ : الَّذِينَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِمَا وَصَفْت . وَأَمَّا قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب مِنْ قُرَيْش فِيمَا تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1901 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } قَوْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1902 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة . 1903 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } يَعْنِي مُشْرِكِي قُرَيْش . 1904 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , وَابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } قَالَ : هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب . 1905 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مُشْرِكُو قُرَيْش . 1906 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول مِثْل قَوْل عَطَاء . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيَّة حُجَّة كَانَتْ لِمُشْرِكِي قُرَيْش عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي تَوَجُّههمْ فِي صَلَاتهمْ إلَى الْكَعْبَة ؟ وَهَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حُجَّة فِيمَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِهِ أَوْ نَهَاهُمْ عَنْهُ ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمْت وَذَهَبْت إلَيْهِ , وَإِنَّمَا الْحُجَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخُصُومَة وَالْجِدَال . وَمَعْنَى الْكَلَام : لِئَلَّا يَكُون لِأَحَدِ مِنْ النَّاس عَلَيْكُمْ خُصُومَة وَدَعْوَى بَاطِلَة غَيْر مُشْرِكِي قُرَيْش , فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ دَعْوَى بَاطِلَة وَخُصُومَة بِغَيْرِ حَقّ بِقَيْلِهِمْ لَكُمْ : رَجَعَ مُحَمَّد إلَى قِبْلَتنَا , وَسَيَرْجِعُ إلَى دِيننَا . فَذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ وَأَمَانِيّهمْ الْبَاطِلَة هِيَ الْحُجَّة الَّتِي كَانَتْ لِقُرَيْشِ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه ; وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اسْتَثْنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ قُرَيْش سَائِر النَّاس غَيْرهمْ , إذْ نَفَى أَنْ يَكُون لِأَحَدِ مِنْهُمْ فِي قِبْلَتهمْ الَّتِي وَجَّهَهُمْ إلَيْهَا حُجَّة وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1907 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } قَوْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُجَاهِد : يَقُول : حُجَّتهمْ , قَوْلهمْ : قَدْ رَاجَعْت قِبْلَتنَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله ; إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَوْلهمْ : قَدْ رَجَعْت إلَى قِبْلَتنَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } قَالَا : هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَب , قَالُوا حِين صُرِفَتْ الْقِبْلَة إلَى الْكَعْبَة : قَدْ رَجَعَ إلَى قِبْلَتكُمْ فَيُوشِك أَنْ يَرْجِع إلَى دِينكُمْ . قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } . 1908 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثنا يَزِيد عَنْ سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مُشْرِكُو قُرَيْش , يَقُول : إنَّهُمْ سَيَحْتَجُّونَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ فَكَانَتْ حُجَّتهمْ عَلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْصِرَافِهِ إلَى الْبَيْت الْحَرَام أَنَّهُمْ قَالُوا سَيَرْجِعُ إلَى دِيننَا كَمَا رَجَعَ إلَى قِبْلَتنَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي ذَلِكَ كُلّه . 1909 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1910 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِيمَا يَذْكُر عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : لَمَّا صُرِفَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو الْكَعْبَة بَعْد صَلَاته إلَى بَيْت الْمَقْدِس قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة : تَحَيَّرَ عَلَى مُحَمَّد دِينه , فَتَوَجَّهَ بِقِبْلَتِهِ إلَيْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ سَبِيلًا , وَيُوشِك أَنْ يَدْخُل فِي دِينكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } . 1911 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءِ : قَوْله : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } ؟ قَالَ : قَالَتْ قُرَيْش لَمَّا رَجَعَ إلَى الْكَعْبَة وَأَمَرَ بِهَا : مَا كَانَ يَسْتَغْنِي عَنَّا قَدْ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتنَا . فَهِيَ حُجَّتهمْ , وَهُمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول مِثْل قَوْل عَطَاء , فَقَالَ مُجَاهِد : حُجَّتهمْ : قَوْلهمْ رَجَعْت إلَى قِبْلَتنَا . فَقَدْ أَبَانَ تَأْوِيل مَنْ ذَكَرْنَا تَأْوِيله مِنْ أَهْل التَّأْوِيل قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيله وَأَنَّهُ اسْتِثْنَاء عَلَى مَعْنَى الِاسْتِثْنَاء الْمَعْرُوف الَّذِي يُثْبِت فِيهِمْ لِمَا بَعْد حَرْف الِاسْتِثْنَاء مَا كَانَ مَنْفِيًّا عَمَّا قَبْلهمْ , كَمَا أَنَّ قَوْل الْقَائِل : وَمَا سَارَ مِنْ النَّاس أَحَد إلَّا أَخُوك " إثْبَات لِلْأَخِ مِنْ السَّيْر مَا هُوَ مَنْفِيّ عَنْ كُلّ أَحَد مِنْ النَّاس , فَكَذَلِكَ قَوْله : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } نَفْي عَنْ أَنْ يَكُون لِأَحَدِ خُصُومَة وَجَدَل قِبَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَعْوَى بَاطِلَة عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابه بِسَبَبِ تَوَجُّههمْ فِي صَلَاتهمْ قِبَل الْكَعْبَة , إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ مِنْ قُرَيْش , فَإِنَّ لَهُمْ قِبَلهمْ خُصُومَة وَدَعْوَى بَاطِلَة بِأَنْ يَقُولُوا : إنَّمَا تَوَجَّهْتُمْ إلَيْنَا وَإِلَى قِبْلَتنَا لِأَنَّا كُنَّا أَهْدَى مِنْكُمْ سَبِيلًا , وَأَنَّكُمْ كُنْتُمْ بِتَوَجُّهِكُمْ نَحْو بَيْت الْمَقْدِس عَلَى ضَلَال وَبَاطِل . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْآيَة بِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , فَبَيِّن خَطَأ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } : وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ , وَإِنَّ " إلَّا " بِمَعْنَى الْوَاو ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ لَكَانَ النَّفْي الْأَوَّل عَنْ جَمِيع النَّاس أَنْ يَكُون لَهُمْ حُجَّة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي تَحَوُّلهمْ نَحْو الْكَعْبَة بِوُجُوهِهِمْ مُبَيِّنًا عَنْ الْمَعْنَى الْمُرَاد , وَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْر قَوْله بَعْد ذَلِكَ : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } إلَّا التَّلْبِيس الَّذِي يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُضَاف إلَيْهِ , أَوْ يُوصَف بِهِ . هَذَا مَعَ خُرُوج مَعْنَى الْكَلَام - إذَا وَجَّهْت " وَإِلَّا " إلَى مَعْنَى الْوَاو , وَمَعْنَى الْعَطْف - مِنْ كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَوْجُودَة إلَّا فِي شَيْء مِنْ كَلَامهَا بِمَعْنَى الْوَاو إلَّا مَعَ اسْتِثْنَاء سَابِق قَدْ تَقَدَّمَهَا , كَقَوْلِ الْقَائِل : سَارَ الْقَوْم إلَّا عَمْرًا إلَّا أَخَاك , بِمَعْنَى : إلَّا عَمْرًا وَأَخَاك , فَتَكُون " إلَّا " حِينَئِذٍ مُؤَدِّيَة عَمَّا تُؤَدِّي عَنْهُ الْوَاو لِتَعَلُّقِ " إلَّا " الثَّانِيَة " إلَّا " الْأُولَى , وَيُجْمَع فِيهَا أَيْضًا بَيْن " إلَّا " وَالْوَاو , فَيُقَال : سَارَ الْقَوْم إلَّا عَمْرًا وَإِلَّا أَخَاك , فَتُحْذَف إحْدَاهُمَا فَتَنُوب الْأُخْرَى عَنْهَا , فَيُقَال : سَارَ الْقَوْم إلَّا عَمْرًا وَأَخَاك , أَوْ إلَّا عَمْرًا إلَّا أَخَاك , لِمَا وَصَفْنَا قَبْل . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَغَيْر جَائِز لِمُدَّعٍ مِنْ النَّاس أَنْ يَدَّعِي أَنَّ " إلَّا " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْوَاو الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْعَطْف . وَوَاضِح فَسَاد قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا حُجَّة لَهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ , كَقَوْلِ الْقَائِل فِي كَلَامه : النَّاس كُلّهمْ لَك حَامِدُونَ إلَّا الظَّالِم الْمُعْتَدِي عَلَيْك , فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَدّ بِعَدَاوَتِهِ وَلَا بِتَرْكِهِ الْحَمْد لِمَوْضِعِ الْعَدَاوَة . وَكَذَلِكَ الظَّالِم لَا حُجَّة لَهُ , وَقَدْ سُمِّيَ ظَالِمًا ; لِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى تَخْطِئَة مَا ادَّعَى مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . وَكَفَى شَاهِدًا عَلَى خَطَأ مَقَالَته إجْمَاعهمْ عَلَى تَخْطِئَتهَا . وَظَاهِر بُطْلَان قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا هَهُنَا نَاس مِنْ الْعَرَب كَانُوا يَهُودًا وَنَصَارَى , فَكَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى النَّبِيّ , فَأَمَّا سَائِر الْعَرَب فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّة , وَكَانَتْ حُجَّة مَنْ يَحْتَجّ مُنْكَسِرَة ; لِأَنَّك تَقُول لِمَنْ تُرِيد أَنْ تَكْسِر عَلَيْهِ حُجَّته : إنَّ لَك عَلَيَّ حُجَّة , وَلَكِنَّهَا مُنْكَسِرَة , وَإِنَّك لَتَحْتَجّ بِلَا حُجَّة , وَحُجَّتك ضَعِيفَة . وَوَجْه مَعْنَى : { إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } إلَى مَعْنَى : إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حُجَّة وَاهِيَة أَوْ حُجَّة ضَعِيفَة . وَهِيَ قَوْل مَنْ قَالَ : " إلَّا " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " وَلَكِنْ " , وَضَعَفَ قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ ابْتِدَاء بِمَعْنَى : إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ ; لِأَنَّ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل جَاءَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ خَبَر عَنْ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا , وَلَمْ يَقْصِد فِي ذَلِكَ إلَى الْخَبَر عَنْ صِفَة حُجَّتهمْ بِالضَّعْفِ وَلَا بِالْقُوَّةِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَة لِأَنَّهَا بَاطِلَة وَإِنَّمَا قَصَدَ فِيهِ الْإِثْبَات لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا قَدْ نَفَى عَنْ الَّذِينَ قَبْل حَرْف الِاسْتِثْنَاء مِنْ الصِّفَة . 1912 - * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ الرَّبِيع : إنَّ يَهُودِيًّا خَاصَمَ أَبَا الْعَالِيَة فَقَالَ : إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يُصَلِّي إلَى صَخْرَة بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : كَانَ يُصَلِّي عِنْد الصَّخْرَة إلَى الْبَيْت الْحَرَام . قَالَ : قَالَ : فَبَيْنِي وَبَيْنك مَسْجِد صَالِح فَإِنَّهُ نَحْته مِنْ الْجَبَل . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة : قَدْ صَلَّيْت فِيهِ وَقِبْلَته إلَى الْبَيْت الْحَرَام . قَالَ الرَّبِيع : وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْعَالِيَة أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَسْجِد ذِي الْقَرْنَيْنِ وَقِبْلَته إلَى الْكَعْبَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : اعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنَّ الْحَقّ مَا أَعْلَمك رَبّك وَأَتَاك مِنْ عِنْده , لَا مَا يَقُول لَك الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَبَر لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَنْ أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهَهُ نَحْوهَا هِيَ الْقِبْلَة الْحَقّ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا إبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , وَمَنْ بَعْده مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه عَزَّ وَجَلّ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُ : فَاعْمَلْ بِالْحَقِّ الَّذِي أَتَاك مِنْ رَبّك يَا مُحَمَّد وَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ , { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } أَيْ فَلَا تَكُونَن مِنْ الشَّاكِّينَ فِي أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهْتُك نَحْوهَا قِبْلَة إبْرَاهِيم خَلِيلِي عَلَيْهِ السَّلَام وَقِبْلَة الْأَنْبِيَاء غَيْره كَمَا : 1880 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : { الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } يَقُول : لَا تَكُنْ فِي شَكّ أَنَّهَا قِبْلَتك وَقِبْلَة الْأَنْبِيَاء مِنْ قَبْلك 1881 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا

ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } قَالَ : مِنْ الشَّاكِّينَ ; قَالَ : لَا تَشُكَّن فِي ذَلِكَ . وَالْمُمْتَرِي : مُفْتَعِل مِنْ الْمِرْيَة , وَالْمِرْيَة هِيَ الشَّكّ , وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : تَدُرُّ عَلَى أَسْؤُقِ الْمُمْتَرِي نَ رَكْضًا إذَا مَا السَّرَاب ارْجَحَن فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَوَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكًّا فِي أَنَّ الْحَقّ مِنْ رَبّه , أَوْ فِي أَنَّ الْقِبْلَة الَّتِي وَجَّهَهُ اللَّه إلَيْهَا حَقّ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره حَتَّى نُهِيَ عَنْ الشَّكّ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ : { فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ } ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي تُخْرِجهُ الْعَرَب مَخْرَج الْأَمْر أَوْ النَّهْي لِلْمُخَاطَبِ بِهِ وَالْمُرَاد بِهِ غَيْره , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ اتَّقِ اللَّه وَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } 33 1 ثُمَّ قَالَ : { وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إلَيْك مِنْ رَبّك إنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } 33 2 فَخَرَجَ الْكَلَام مَخْرَج الْأَمْر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّهْي لَهُ , وَالْمُرَاد بِهِ أَصْحَابه الْمُؤْمِنُونَ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِير ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته .

وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } يَعْنِي فَلَا تَخْشَوْا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت لَكُمْ أَمْرهمْ مِنْ الظَّلَمَة فِي حُجَّتهمْ وَجِدَالهمْ وَقَوْلهمْ مَا يَقُولُونَ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَعَ إلَى قِبْلَتنَا وَسَيَرْجِعُ إلَى دِيننَا أَوْ أَنْ يَقْدِرُوا لَكُمْ عَلَى ضُرّ فِي دِينكُمْ أَوْ صَدّكُمْ عَمَّا هَدَاكُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُ مِنْ الْحَقّ ; وَلَكِنْ اخْشَوْنِي , فَخَافُوا

عِقَابِي فِي خِلَافكُمْ أَمْرِي إنْ خَالَفْتُمُوهُ . وَذَلِكَ مِنْ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ تَقَدَّمَ إلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالْحَضِّ عَلَى لُزُوم قِبْلَتهمْ وَالصَّلَاة إلَيْهَا , وَبِالنَّهْيِ عَنْ التَّوَجُّه إلَى غَيْرهَا . يَقُول جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَاخْشَوْنِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي تَرْك طَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ الصَّلَاة شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ مَا : 1913 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } يَقُول : لَا تَخْشَوْا أَنْ أَرُدّكُمْ فِي دِينهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } : وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت مِنْ الْبِلَاد وَالْأَرْض إلَى أَيّ بُقْعَة شَخَصْت فَوَلِّ وَجْهك شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام , وَحَيْثُ كُنْت يَا مُحَمَّد وَالْمُؤْمِنُونَ , فَوَلُّوا وُجُوهكُمْ فِي صَلَاتكُمْ شَطْره , وَاِتَّخَذُوهُ قِبْلَة لَكُمْ , كَيْلَا يَكُون لِأَحَدِ مِنْ النَّاس سِوَى مُشْرِكِي قُرَيْش حُجَّة , وَلِأُتِمّ بِذَلِكَ مِنْ هِدَايَتِي لَكُمْ إلَى قِبْلَة خَلِيلِي إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي جَعَلْته إمَامًا لِلنَّاسِ نِعْمَتِي فَأُكْمِل لَكُمْ بِهِ فَضْلِي عَلَيْكُمْ , وَأُتَمِّم بِهِ شَرَائِع مِلَّتكُمْ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة الَّتِي وَصَّيْت بِهَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى وَسَائِر الْأَنْبِيَاء غَيْرهمْ . وَذَلِكَ هُوَ نِعْمَته الَّتِي

أَخْبَرَ جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ مُتِمّهَا عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابه . وَقَوْله : { وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَعْنِي : وَكَيْ تَرْشُدُوا لِلصَّوَابِ مِنْ الْقِبْلَة . { وَلَعَلَّكُمْ } عَطْف عَلَى قَوْله : { وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } { وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } عَطْف عَلَى قَوْله { لِئَلَّا يَكُون } .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8الصفحة 9الصفحة 10