الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8الصفحة 9الصفحة 10
فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة البقرة الآية رقم 181
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَمَنْ غَيَّرَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي مِنْ وَصِيَّته بِالْمَعْرُوفِ لِوَالِدَيْهِ أَوْ أَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ بَعْد مَا سَمِعَ الْوَصِيَّة فَإِنَّمَا إثْم التَّبْدِيل عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَصِيَّته . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَعَلَامَ عَادَتْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله { فَمَنْ بَدَّلَهُ } ؟ قِيلَ : عَلَى مَحْذُوف مِنْ الْكَلَام يَدُلّ عَلَيْهِ الظَّاهِر , وَذَلِكَ هُوَ أَمْر الْمَيِّت وَإِيصَاؤُهُ إلَى مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِمَا أَوْصَى بِهِ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ . وَمَعْنَى الْكَلَام : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } فَأَوْصُوا لَهُمْ فَمَنْ بَدَّلَ مَا أَوْصَيْتُمْ بِهِ لَهُمْ بَعْد مَا سَمِعَكُمْ تُوصُونَ لَهُمْ , فَإِنَّمَا إثْم مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونكُمْ . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْهَاء فِي قَوْله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ } عَائِدَة عَلَى مَحْذُوف مِنْ الْكَلَام يَدُلّ عَلَيْهِ الظَّاهِر لِأَنَّ قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } مِنْ قَوْل اللَّه , وَإِنَّ تَبْدِيل الْمُبَدِّل إنَّمَا يَكُون لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي , فَأَمَّا أَمْر اللَّه بِالْوَصِيَّةِ فَلَا يَقْدِر هُوَ وَلَا غَيْره أَنْ يُبَدِّلهُ فَيَجُوز أَنْ تَكُون الْهَاء فِي قَوْله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ } عَائِدَة عَلَى الْوَصِيَّة . وَأَمَّا الْهَاء فِي قَوْله : { بَعْد مَا سَمِعَهُ } فَعَائِدَة عَلَى الْهَاء الْأُولَى فِي قَوْله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ } وَأَمَّا الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فَإِنَّمَا إثْمه } فَإِنَّهَا مَكْنِيّ التَّبْدِيل كَأَنَّهُ قَالَ : فَإِنَّمَا إثْم مَا بَدَّلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2207 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ } قَالَ : الْوَصِيَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2208 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } وَقَدْ وَقَعَ أَجْر الْمُوصِي عَلَى اللَّه وَبَرِئَ مِنْ إثْمه , وَإِنْ كَانَ أَوْصَى فِي ضِرَار لَمْ تَجُزْ وَصِيَّته , كَمَا قَالَ اللَّه : { غَيْر مُضَارّ } 4 12 2209 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : {

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ } قَالَ : مَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّة بَعْد مَا سَمِعَهَا فَإِثْم مَا بَدَّلَ عَلَيْهِ . 2210 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } فَمَنْ بَدَّلَ الْوَصِيَّة الَّتِي أَوْصَى بِهَا وَكَانَتْ بِمَعْرُوفٍ , فَإِنَّمَا إثْمهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا أَنَّهُ قَدْ ظَلَمَ . 2211 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة أَنَّ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح قَالَ فِي قَوْله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } قَالَ : يَمْضِي كَمَا قَالَ , 2212 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ } قَالَ : مَنْ بَدَّلَ وَصِيَّة بَعْد مَا سَمِعَهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } قَالَ : هَذَا فِي الْوَصِيَّة مَنْ بَدَّلَهَا مِنْ بَعْد مَا سَمِعَهَا , فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى مَنْ بَدَّلَهُ . 2213 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَطَاء وَسَالِم بْن عَبْد اللَّه وَسُلَيْمَان بْن يَسَار أَنَّهُمْ قَالُوا : تَمْضِي الْوَصِيَّة لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ - إلَى هَهُنَا انْتَهَى حَدِيث ابْن الْمُثَنَّى , وَزَادَ ابْن بَشَّار فِي حَدِيثه - قَالَ قَتَادَة : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَعْمَر : أَعْجَب إلَيَّ لَوْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَته , وَمَا يُعْجِبنِي أَنْ نَنْزِعهُ مِمَّنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ . قَالَ قَتَادَة : وَأَعْجَبهُ إلَيَّ لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْد مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إثْمه عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ }

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إنَّ اللَّه سَمِيع لِوَصِيَّتِكُمْ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُوصُوا بِهَا لِآبَائِكُمْ وَأُمَّهَاتكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ حِين تُوصُونَ بِهَا , أَتَعْدِلُونَ فِيهَا عَلَى مَا أَذِنْت لَكُمْ مِنْ فِعْل ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ , أَمْ تَحِيفُونَ فَتَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ وَتَجُورُونَ عَنْ الْقَصْد ; عَلِيم بِمَا تُخْفِيه صُدُوركُمْ مِنْ الْمَيْل

إلَى الْحَقّ وَالْعَدْل , أَمْ الْجَوْر وَالْحَيْف .
فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة البقرة الآية رقم 182
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيلهَا : فَمَنْ حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي عِنْد إشْرَافه عَلَى الْمَوْت , فَخَافَ أَنْ يُخْطِئ فِي وَصِيَّته فَيَفْعَل مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ أَنْ يَعْمِد جَوْرًا فِيهَا فَيَأْمُر بِمَا لَيْسَ لَهُ الْأَمْر بِهِ , فَلَا حَرَج عَلَى مَنْ حَضَرَهُ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ يُصْلِح بَيْنه وَبَيْن وَرَثَته بِأَنْ يَأْمُرهُمْ بِالْعَدْلِ فِي وَصِيَّته , وَأَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مَنْعه مِمَّا أَذِنَ اللَّه لَهُ فِيهِ وَأَبَاحَهُ لَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2214 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : هَذَا حِين يَحْضُر الرَّجُل وَهُوَ يَمُوت , فَإِذَا أَسْرَفَ أَمَرُوهُ بِالْعَدْلِ , وَإِذَا قَصَّرَ قَالُوا افْعَلْ كَذَا , أَعْطِ فُلَانًا كَذَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } قَالَ : هَذَا حِين يَحْضُر الرَّجُل وَهُوَ فِي الْمَوْت , فَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْت أَمَرُوهُ بِالْعَدْلِ , وَإِذَا قَصَّرَ عَنْ حَقّ قَالُوا : افْعَلْ كَذَا , أَعْطِ فُلَانًا كَذَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ خَافَ مِنْ أَوْصِيَاء مَيِّت أَوْ وَالِي أَمْر الْمُسْلِمِينَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا فِي وَصِيَّته الَّتِي أَوْصَى بِهَا الْمَيِّت , فَأَصْلَحَ بَيْن وَرَثَته وَبَيْن الْمُوصَى لَهُمْ بِمَا أَوْصَى لَهُمْ بِهِ , فَرَدَّ الْوَصِيَّة إلَى الْعَدْل وَالْحَقّ ; فَلَا حَرَج وَلَا إثْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2215 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح كَاتِب اللَّيْث , ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } يَعْنِي إثْمًا يَقُول : إذَا أَخَطَأ الْمَيِّت فِي وَصِيَّته , أَوْ خَافَ فِيهَا , فَلَيْسَ عَلَى الْأَوْلِيَاء حَرَج أَنْ يَرُدُّوا خَطَأَهُ إلَى الصَّوَاب . 2216 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , ثنا عَبْد الرَّزَّاق , أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُوصِي فَيَحِيف فِي وَصِيَّته فَيَرُدّهَا الْوَلِيّ إلَى الْحَقّ وَالْعَدْل . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : مَنْ أَوْصَى بِجَوْرٍ أَوْ حَيْف فِي وَصِيَّته فَرَدَّهَا وَلِيّ الْمُتَوَفَّى أَوْ إمَام مِنْ أَئِمَّة الْمُسْلِمِينَ إلَى كِتَاب اللَّه وَإِلَى الْعَدْل ,

فَذَاكَ لَهُ . 2217 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد وَابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } فَمَنْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بِجَوْرٍ فَرَدَّهُ الْوَصِيّ إلَى الْحَقّ بَعْد مَوْته { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ عَبْد الرَّحْمَن فِي حَدِيثه : { فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ } يَقُول : رَدَّهُ الْوَصِيّ إلَى الْحَقّ بَعْد مَوْته فَلَا إثْم عَلَيْهِ . 2218 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ } قَالَ : رَدَّهُ إلَى الْحَقّ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : سَأَلْته عَنْ رَجُل أَوْصَى بِأَكْثَر مِنْ الثُّلُث , قَالَ : اُرْدُدْهَا , ثُمَّ قَرَأَ : { مَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن يَزِيد صَاحِب اللُّؤْلُؤ , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : رَدَّهُ الْوَصِيّ إلَى الْحَقّ بَعْد مَوْته فَلَا إثْم عَلَى الْوَصِيّ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } فِي عَطِيَّته عِنْد حُضُور أَجْله بَعْض وَرَثَته دُون بَعْض , فَلَا إثْم عَلَى مَنْ أَصْلَحَ بَيْنهمْ , يَعْنِي بَيْن الْوَرَثَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2219 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } قَالَ الرَّجُل : يَحِيف أَوْ يَأْثَم عِنْد مَوْته فَيُعْطِي وَرَثَته بَعْضهمْ دُون بَعْض , يَقُول اللَّه : فَلَا إثْم عَلَى الْمُصْلِح بَيْنهمْ فَقُلْت لِعَطَاءٍ : أَلَهُ أَنْ يُعْطِي وَارِثه عِنْد الْمَوْت , إنَّمَا هِيَ وَصِيَّة , وَلَا وَصِيَّة لِوَارِثٍ ؟ قَالَ : ذَلِكَ فِيمَا يَقْسِم بَيْنهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فِي وَصِيَّته لِمَنْ لَا يَرِثهُ بِمَا يَرْجِع نَفْعه عَلَى مَنْ يَرِثهُ فَأَصْلَحَ بَيْن وَرَثَته فَلَا إثْم عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2220 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : جَنَفه وَإِثْمه : أَنْ يُوصِي الرَّجُل لِبَنِي ابْنه لِيَكُونَ الْمَال لِأَبِيهِمْ , وَتُوصِي الْمَرْأَة لِزَوْجِ ابْنَتهَا لِيَكُونَ الْمَال لِابْنَتِهَا , وَذُو الْوَارِث الْكَثِير وَالْمَال قَلِيل فَيُوصِي بِثُلُثِ مَاله كُلّه فَيُصْلِح بَيْنهمْ الْمُوصَى إلَيْهِ أَوْ الْأَمِير . قُلْت : أَفِي حَيَاته , أَمْ بَعْد مَوْته ؟ قَالَ : مَا سَمِعْنَا أَحَدًا يَقُول إلَّا بَعْد مَوْته , وَإِنَّهُ لَيُوعَظ عِنْد ذَلِكَ . 2221 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُوصِي لِوَلَدِ ابْنَته . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ لِآبَائِهِ وَأَقْرِبَائِهِ جَنَفًا عَلَى بَعْضهمْ لِبَعْضٍ فَأَصْلَحَ بَيْن الْآبَاء وَالْأَقْرِبَاء فَلَا إثْم عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2222 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } أَمَّا جَنَفًا : فَخَطَأ فِي وَصِيَّته ; وَأَمَّا إثْمًا : فَعَمْدًا يَعْمِد فِي وَصِيَّته الظُّلْم , فَإِنَّ هَذَا أَعْظَم لِأَجْرِهِ أَنْ لَا يُنَفِّذهَا , وَلَكِنْ يُصْلِح بَيْنهمْ عَلَى مَا يَرَى أَنَّهُ الْحَقّ يُنْقِص بَعْضًا وَيَزِيد بَعْضًا . قَالَ : وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ . 2223 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : الْجَنَف : أَنْ يَحِيف لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فِي الْوَصِيَّة , وَالْإِثْم أَنْ يَكُون قَدْ أَثِمَ فِي أَبَوَيْهِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ الْمُوصَى إلَيْهِ بَيْن الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الِابْن وَالْبَنُونَ هُمْ الْأَقْرَبُونَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ , فَهَذَا الْمُوصَى الَّذِي أَوْصَى إلَيْهِ بِذَلِكَ وَجَعَلَ إلَيْهِ فَرَأَى هَذَا قَدْ أَجْنَف لِهَذَا عَلَى هَذَا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ , فَعَجَزَ الْمُوصَى أَنْ يُوصِي كَمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى وَعَجَزَ الْمُوصَى إلَيْهِ أَنْ يُصْلِح فَانْتَزَعَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِكَ مِنْهُمْ فَفَرَضَ الْفَرَائِض . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل الْآيَة , أَنْ يَكُون تَأْوِيلهَا : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا وَهُوَ أَنْ يَمِيل إلَى غَيْر الْحَقّ خَطَأ مِنْهُ أَوْ يَتَعَمَّد إثْمًا فِي وَصِيَّته بِأَنْ يُوصِي لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ بِأَكْثَر مِمَّا يَجُوز لَهُ أَنْ يُوصِي لَهُمْ بِهِ مِنْ مَاله , وَغَيْر مَا أَذِنَ اللَّه لَهُ بِهِ مِمَّا جَاوَزَ الثُّلُث , أَوْ بِالثُّلُثِ كُلّه وَفِي الْمَال قِلَّة , وَفِي الْوَرَثَة كَثْرَة , فَلَا بَأْس عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يُصْلِح بَيْن الَّذِينَ يُوصَى لَهُمْ وَبَيْن وَرَثَة الْمَيِّت وَبَيْن الْمَيِّت , بِأَنْ يَأْمُر الْمَيِّت فِي ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ , وَيَعْرِفهُ مَا أَبَاحَ اللَّه لَهُ فِي ذَلِكَ , وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْوَصِيَّة فِي مَاله , وَيَنْهَاهُ أَنْ يُجَاوِز فِي وَصِيَّته الْمَعْرُوف الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي كِتَابه : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ } وَذَلِكَ هُوَ الْإِصْلَاح الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } وَكَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَال فَضْل وَكَثْرَة , وَفِي الْوَرَثَة قِلَّة , فَأَرَادَ أَنْ يُقَصِّر فِي وَصِيَّته لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ عَنْ ثُلُثه , فَأَصْلَحَ مَنْ حَضَرَهُ بَيْنه وَبَيْن وَرَثَته وَبَيْن وَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ يُرِيد أَنْ يُوصِي لَهُمْ بِأَنْ يَأْمُر الْمَرِيض أَنْ يَزِيد فِي وَصِيَّته لَهُمْ , وَيَبْلُغ بِهَا مَا رَخَّصَ اللَّه فِيهِ مِنْ الثُّلُث , فَذَلِكَ أَيْضًا هُوَ مِنْ الْإِصْلَاح بَيْنهمْ بِالْمَعْرُوفِ . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } يَعْنِي بِذَلِكَ : فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ أَنْ يَجْنِف أَوْ يَأْثَم . فَخَوْف الْجَنَف وَالْإِثْم مِنْ الْمُوصِي إنَّمَا هُوَ كَائِن قَبْل وُقُوع الْجَنَف وَالْإِثْم , فَأَمَّا بَعْد وُجُوده مِنْهُ فَلَا وَجْه لِلْخَوْفِ مِنْهُ بِأَنْ يَجْنِف أَوْ يَأْثَم , بَلْ تِلْكَ حَال مَنْ قَدْ جَنَفَ أَوْ أَثِمَ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ قِيلَ : فَمَنْ تَبَيَّنَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا , أَوْ أَيْقَنَ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقُلْ فَمَنْ خَافَ مِنْهُ جَنَفًا . فَإِنْ أَشْكَلَ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى بَعْض النَّاس فَقَالَ : فَمَا وَجْه الْإِصْلَاح حِينَئِذٍ وَالْإِصْلَاح إنَّمَا يَكُون بَيْن الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الشَّيْء ؟ قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَعَانِي الْإِصْلَاح , فَمِنْ الْإِصْلَاح الْإِصْلَاح بَيْن الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا كَانَ مَخُوفًا حُدُوث الِاخْتِلَاف بَيْنهمْ فِيهِ بِمَا يُؤْمَن مَعَهُ حُدُوث الِاخْتِلَاف ; لِأَنَّ الْإِصْلَاح إنَّمَا هُوَ الْفِعْل الَّذِي يَكُون مَعَهُ إصْلَاح ذَات الْبَيْن , فَسَوَاء كَانَ ذَلِكَ الْفِعْل الَّذِي يَكُون مَعَهُ إصْلَاح ذَات الْبَيْن قَبْل وُقُوع الِاخْتِلَاف أَوْ بَعْد وُقُوعه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْف قِيلَ : فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ , وَلَمْ يَجْرِ لِلْوَرَثَةِ وَلَا لِلْمُخْتَلِفَيْنِ أَوْ الْمَخُوف اخْتِلَافهمْ ذِكْر ؟ قِيلَ : بَلْ قَدْ جَرَى ذِكْر اللَّه الَّذِينَ أَمَرَ تَعَالَى ذِكْره بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ , وَهُمْ وَالِدَا الْمُوصِي وَأَقْرَبُوهُ وَاَلَّذِينَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ فِي قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ } لِمَنْ أَمَرْته بِالْوَصِيَّةِ لَهُ { جَنَفًا أَوْ إثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ } وَبَيْن مَنْ أَمَرْته بِالْوَصِيَّةِ لَهُ , { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } وَالْإِصْلَاح بَيْنه وَبَيْنهمْ هُوَ إصْلَاح بَيْنهمْ وَبَيْن وَرَثَة الْمُوصِي . وَقَدْ قُرِئَ قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ } بِالتَّخْفِيفِ فِي الصَّاد وَالتَّسْكِين فِي الْوَاو وَبِتَحْرِيكِ الْوَاو وَتَشْدِيد الصَّاد , فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الصَّاد وَتَسْكِين الْوَاو فَإِنَّمَا قَرَأَهُ بِلُغَةِ مَنْ قَالَ : أَوْصَيْت فُلَانًا بِكَذَا . وَمَنْ قَرَأَ بِتَحْرِيكِ الْوَاو وَتَشْدِيد الصَّاد قَرَأَهُ بِلُغَةِ مَنْ يَقُول : وَصَّيْت فُلَانًا بِكَذَا , وَهُمَا لُغَتَانِ لِلْعَرَبِ مَشْهُورَتَانِ وَصَّيْتُك وَأَوْصَيْتُك . وَأَمَّا الْجَنَف فَهُوَ الْجَوْر وَالْعُدُول عَنْ الْحَقّ فِي كَلَام الْعَرَب , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : هُمْ الْمَوْلَى وَإِنْ جَنَفُوا عَلَيْنَا وَإِنَّا مِنْ لِقَائِهِمْ لَزُور يُقَال مِنْهُ : جَنَفَ الرَّجُل عَلَى صَاحِبه يَجْنِف : إذَا قَالَ عَلَيْهِ وَجَار جَنَفًا . فَمَعْنَى الْكَلَام : مَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا لَهُ بِمَوْضِعِ الْوَصِيَّة , وَمَيْلًا عَنْ الصَّوَاب فِيهَا , وَجَوْرًا عَنْ الْقَصْد أَوْ إثْمًا بِتَعَمُّدِهِ ذَلِكَ عَلَى عِلْم مِنْهُ بِخَطَأِ مَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ , فَلَا إثْم عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2224 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } يَعْنِي بِالْجَنَفِ : الْخَطَأ . 2225 - حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } قَالَ : مَيْلًا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَرْث وَيَزِيد بْن هَارُون , قَالَا : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء مِثْله . 2226 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْجَنَف : الْخَطَأ , وَالْإِثْم : الْعَمْد . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا الزُّبَيْرِيّ قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ عَطَاء مِثْله . 2227 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } أَمَّا جَنَفًا : فَخَطَأ فِي وَصِيَّته وَأَمَّا إثْمًا : فَعَمْد يَعْمِد فِي وَصِيَّته الظُّلْم . 2228 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ حَنَفًا } قَالَ : جَنَفًا إثْمًا . 2229 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد وَابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } قَالَ : الْجَنَف : الْخَطَأ , وَالْإِثْم : الْعَمْد . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن يَزِيد صَاحِب اللُّؤْلُؤ , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , مِثْله . 2230 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إثْمًا } قَالَ : الْجَنَف : الْخَطَأ , وَالْإِثْم : الْعَمْد . 2231 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } قَالَ : خَطَأ , أَوْ إثْمًا مُتَعَمَّدًا . 2232 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا } قَالَ : مَيْلًا . 2233 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { جَنَفًا } حَيْفًا , وَالْإِثْم : مَيْله لِبَعْضٍ عَلَى بَعْض , وَكُلّه يَصِير إلَى وَاحِد كَمَا يَكُون عَفُوًّا غَفُورًا وَغَفُورًا رَحِيمًا . 2234 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : الْجَنَف : الْخَطَأ , وَالْإِثْم : الْعَمْد . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْجَنَف : الْخَطَأ , وَالْإِثْم الْعَمْد .

وَأَمَّا قَوْله : { إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي :

وَاَللَّه غَفُور رَحِيم لِلْمُوصِي فِيمَا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسه مِنْ الْجَنَف وَالْإِثْم , إذَا تَرَكَ أَنْ يَأْثَم وَيَجْنِف فِي وَصِيَّته , فَتَجَاوَزَ لَهُ عَمَّا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسه مِنْ الْجَوْر , إذْ لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ فَيَغْفُل أَنْ يُؤَاخِذهُ بِهِ , رَحِيم بِالْمُصْلِحِ بَيْن الْمُوصِي وَبَيْن مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحِيف عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ أَوْ يَأْثَم فِيهِ لَهُ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَسورة البقرة الآية رقم 183
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَصَدَّقُوا بِهِمَا وَأَقَرُّوا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } فُرِضَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام , وَالصِّيَام مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل :

صُمْت عَنْ كَذَا وَكَذَا , يَعْنِي كَفَفْت عَنْهُ , أَصُوم عَنْهُ صَوْمًا وَصِيَامًا , وَمَعْنَى الصِّيَام : الْكَفّ عَمَّا أَمَرَ اللَّه بِالْكَفِّ عَنْهُ ; وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : صَامَتْ الْخَيْل إذَا كَفَّتْ عَنْ السَّيْر وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَانَ : خَيْل صِيَام وَخَيْل غَيْر صَائِمَة تَحْت الْعَجَاج وَأُخْرَى تَعْلُك اللُّجُمَا وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره { إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا } 19 26 يَعْنِي صَمْتًا عَنْ الْكَلَام . وَقَوْله { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : فُرِضَ عَلَيْكُمْ مِثْل الَّذِي فُرِضَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّشْبِيه بَيْن فَرْض صَوْمنَا وَصَوْم الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِينَ أَخْبَرَنَا اللَّه عَنْ الصَّوْم الَّذِي فَرَضَهُ عَلَيْنَا أَنَّهُ كَمِثْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ هُمْ النَّصَارَى , وَقَالُوا : التَّشْبِيه الَّذِي شَبَّهَ مِنْ أَجْله أَحَدهمَا بِصَاحِبِهِ هُوَ اتِّفَاقهمَا فِي الْوَقْت وَالْمِقْدَار الَّذِي هُوَ لَازِم لَنَا الْيَوْم فَرْضه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2235 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن زِيَاد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبَانَ , عَنْ أَبِي أُمَيَّة الطَّنَافِسِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ قَالَ : لَوْ صُمْت السَّنَة كُلّهَا لَأَفْطَرْت الْيَوْم الَّذِي يُشَكّ فِيهِ فَيُقَال مِنْ شَعْبَان وَيُقَال مِنْ رَمَضَان , وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْر رَمَضَان كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا فَحَوَّلُوهُ إلَى الْفَصْل , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا رُبَّمَا صَامُوهُ فِي الْقَيْظ يَعُدُّونَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا , ثُمَّ جَاءَ بَعْدهمْ قَرْن فَأَخَذُوا بِالثِّقَةِ مِنْ أَنْفُسهمْ فَصَامُوا قَبْل الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبَعْدهَا يَوْمًا , ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْآخَر يَسْتَنّ سُنَّة الْقَرْن الَّذِي قَبْله حَتَّى صَارَتْ إلَى خَمْسِينَ , فَذَلِكَ قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ التَّشْبِيه إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْل أَنَّ صَوْمهمْ كَانَ مِنْ الْعِشَاء الْآخِرَة إلَى الْعِشَاء الْآخِرَة , وَذَلِكَ كَانَ فَرْض اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّل مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ الصَّوْم . وَوَافَقَ قَائِلُو هَذَا الْقَوْل الْقَائِلِي الْقَوْل الْأَوَّل أَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } النَّصَارَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2236 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } أَمَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا فَالنَّصَارَى , كُتِبَ عَلَيْهِمْ رَمَضَان , وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا وَلَا يَشْرَبُوا بَعْد النَّوْم , وَلَا يَنْكِحُوا النِّسَاء شَهْر رَمَضَان . فَاشْتَدَّ عَلَى النَّصَارَى صِيَام رَمَضَان , وَجَعَلَ يُقَلِّب عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف ; فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَجَعَلُوا صِيَامًا فِي الْفَصْل بَيْن الشِّتَاء وَالصَّيْف , وَقَالُوا : نَزِيد عِشْرِينَ يَوْمًا نُكَفِّر بِهَا مَا صَنَعْنَا . فَجَعَلُوا صِيَامهمْ خَمْسِينَ , فَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ يَصْنَعُونَ كَمَا تَصْنَع النَّصَارَى , حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْر أَبِي قَيْس بْن صِرْمَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب مَا كَانَ فَأَحَلَّ اللَّه لَهُمْ الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع إلَى طُلُوع الْفَجْر . 2237 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : كُتِبَ عَلَيْهِمْ الصَّوْم مِنْ الْعَتَمَة إلَى الْعَتَمَة . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِينَ عَنَى اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2238 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } أَهْل الْكِتَاب . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى النَّاس كُلّهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2239 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ : كُتِبَ شَهْر رَمَضَان عَلَى النَّاس , كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ . قَالَ : وَقَدْ كَتَبَ اللَّه عَلَى النَّاس قَبْل أَنْ يَنْزِل رَمَضَان صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } رَمَضَان كَتَبَهُ اللَّه عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلهمْ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْآيَة : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فُرِضَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا فُرِضَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , أَيَّامًا مَعْدُودَات , وَهِيَ شَهْر رَمَضَان كُلّه ; لِأَنَّ مَنْ بَعْد إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ إبْرَاهِيم , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ كَانَ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ إمَامًا , وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَنَّ دِينه كَانَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , فَأَمَرَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء . وَأَمَّا التَّشْبِيه فَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى الْوَقْت , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلنَا إنَّمَا كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْر رَمَضَان مِثْل الَّذِي فُرِضَ عَلَيْنَا سَوَاء .

وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : لِتَتَّقُوا أَكْل الطَّعَام وَشُرْب الشَّرَاب وَجِمَاع النِّسَاء فِيهِ , يَقُول : فَرَضْت عَلَيْكُمْ الصَّوْم وَالْكَفّ عَمَّا تَكُونُونَ بِتَرْكِ الْكَفّ عَنْهُ مُفْطِرِينَ لِتَتَّقُوا مَا يُفْطِركُمْ فِي وَقْت صَوْمكُمْ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2240 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يَقُول : فَتَتَّقُونَ مِنْ الطَّعَام وَالشُّرْب وَالنِّسَاء مِثْل مَا

اتَّقَوْا , يَعْنِي مِثْل الَّذِي اتَّقَى النَّصَارَى قَبْلكُمْ .
أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَسورة البقرة الآية رقم 184
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَيَّامًا مَعْدُودَات } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الصِّيَام أَيَّامًا مَعْدُودَات . وَنُصِبَ " أَيَّامًا " بِمُضْمَرِ مِنْ الْفِعْل , كَأَنَّهُ قِيلَ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ أَنْ تَصُومُوا أَيَّامًا مَعْدُودَات , كَمَا يُقَال : أَعْجَبَنِي الضَّرْب زَيْدًا وَقَوْله : { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } مِنْ الصِّيَام , كَأَنَّهُ قِيلَ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الَّذِي هُوَ مِثْل الَّذِي كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ أَنْ تَصُومُوا أَيَّامًا مَعْدُودَات . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا عَنَى اللَّه جَلّ وَعَزَّ بِقَوْلِهِ : { أَيَّامًا مَعْدُودَات } فَقَالَ بَعْضهمْ : الْأَيَّام الْمَعْدُودَات : صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر . قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي فُرِضَ عَلَى النَّاس مِنْ الصِّيَام قَبْل أَنْ يُفْرَض عَلَيْهِمْ شَهْر رَمَضَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2241 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كَانَ عَلَيْهِمْ الصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر , وَلَمْ يُسَمَّ الشَّهْر أَيَّامًا مَعْدُودَات , قَالَ : وَكَانَ هَذَا صِيَام النَّاس قَبْل ثُمَّ فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَلَى النَّاس شَهْر رَمَضَان . 2242 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وَكَانَ ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِاَلَّذِي أُنْزِلَ مِنْ صِيَام رَمَضَان , فَهَذَا الصَّوْم الْأَوَّل مِنْ الْعَتَمَة . 2243 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَة فَصَامَ يَوْم عَاشُورَاء وَثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه جَلّ وَعَزَّ فَرْض شَهْر رَمَضَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } حَتَّى بَلَغَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } 2244

- حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَدْ كَتَبَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى النَّاس قَبْل أَنْ يَنْزِل رَمَضَان صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْأَيَّام الثَّلَاثَة الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومهَا قَبْل أَنْ يُفْرَض رَمَضَان كَانَ تَطَوُّعًا صَوْمهنَّ , وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه جَلّ وَعَزَّ بِقَوْلِهِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ . . أَيَّامًا مَعْدُودَات } أَيَّام شَهْر رَمَضَان , لَا الْأَيَّام الَّتِي كَانَ يَصُومهُنَّ قَبْل وُجُوب فَرْض صَوْم شَهْر رَمَضَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2245 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة قَالَ : ثنا أَصْحَابنَا : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر تَطَوُّعًا لَا فَرِيضَة ; قَالَ , ثُمَّ نَزَلَ صِيَام رَمَضَان قَالَ أَبُو مُوسَى : قَوْله قَالَ عَمْرو بْن مُرَّة , حَدَّثَنَا أَصْحَابنَا , يُرِيد ابْن أَبِي لَيْلَى , كَانَ ابْن أَبِي لَيْلَى الْقَائِل حَدَّثَنَا أَصْحَابنَا . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت ابْن أَبِي لَيْلَى , فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } شَهْر رَمَضَان . وَأَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَيَّامًا مَعْدُودَات } أَيَّام شَهْر رَمَضَان , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ خَبَر تَقُوم بِهِ حُجَّة بِأَنَّ صَوْمًا فُرِضَ عَلَى أَهْل الْإِسْلَام غَيْر صَوْم شَهْر رَمَضَان , ثُمَّ نُسِخَ بِصَوْمِ شَهْر رَمَضَان , وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِي سِيَاق الْآيَة أَنَّ الصِّيَام الَّذِي أَوْجَبَهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْنَا هُوَ صِيَام شَهْر رَمَضَان دُون غَيْره مِنْ الْأَوْقَات بِإِبَانَتِهِ , عَنْ الْأَيَّام الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَيْنَا صَوْمهَا بِقَوْلِهِ : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } 2 185 فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ صَوْمًا كَانَ قَدْ لَزِمَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضه غَيْر صَوْم شَهْر رَمَضَان الَّذِينَ هُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى وُجُوب فَرْض صَوْمه ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ سُئِلَ الْبُرْهَان عَلَى ذَلِكَ مِنْ خَبَر تَقُوم بِهِ حُجَّة , إذْ كَانَ لَا يَعْلَم ذَلِكَ إلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَع الْعُذْر . وَإِذْ كَانَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا لِلَّذِي بَيَّنَّا , فَتَأْوِيل الْآيَة : كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَات هِيَ شَهْر رَمَضَان . وَجَائِز أَيْضًا أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } : كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْر رَمَضَان . وَأَمَّا الْمَعْدُودَات : فَهِيَ الَّتِي تُعَدّ مَبَالِغهَا وَسَاعَات أَوْقَاتهَا , وَعَنَى بِقَوْلِهِ مَعْدُودَات : مَحْصِيَّات .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا مِمَّنْ كُلِّفَ صَوْمه أَوْ كَانَ صَحِيحًا غَيْر مَرِيض وَكَانَ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر . يَقُول : فَعَلَيْهِ صَوْم عِدَّة الْأَيَّام الَّتِي أَفْطَرَهَا فِي مَرَضه أَوْ فِي سَفَره مِنْ أَيَّام أُخَر , يَعْنِي مِنْ أَيَّام أُخَر غَيْر أَيَّام مَرَضه أَوْ سَفَره . وَالرَّفْع فِي قَوْله : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } نَظِير الرَّفْع فِي قَوْله : { فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ } 2 178 وَقَدْ مَضَى بَيَان ذَلِكَ هُنَالِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } فَإِنَّ قِرَاءَة كَافَّة الْمُسْلِمِينَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وَعَلَى ذَلِكَ خُطُوط مَصَاحِفهمْ , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام خِلَافهَا لِنَقْلِ جَمِيعهمْ تَصْوِيب ذَلِكَ قَرْنًا عَنْ قَرْن . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ : " وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ " . ثُمَّ اخْتَلَفَ قُرَّاء ذَلِكَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّل مَا فُرِضَ الصَّوْم , وَكَانَ مَنْ أَطَاقَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ صَامَهُ إنْ شَاءَ , وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَافْتَدَى فَأَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْم أَفْطَرَهُ مِسْكِينًا حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2246 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل قَالَ : " إنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَدِمَ الْمَدِينَة , فَصَامَ يَوْم عَاشُورَاء وَثَلَاثَة أَيَّام . مِنْ كُلّ شَهْر , ثُمَّ إنَّ اللَّه جَلّ وَعَزَّ فَرَضَ شَهْر رَمَضَان فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } حَتَّى بَلَغَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ , وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ مِسْكِينًا . ثُمَّ إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَوْجَبَ الصِّيَام عَلَى الصَّحِيح الْمُقِيم وَثَبَتَ الْإِطْعَام لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر } . . إلَى آخِر الْآيَة " . 2247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابنَا وَأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَمَرَهُمْ بِصِيَامِ ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر تَطَوُّعًا غَيْر فَرِيضَة , قَالَ : ثُمَّ نَزَلَ صِيَام رَمَضَان , قَالَ : وَكَانُوا قَوْمًا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصِّيَام , قَالَ : وَكَانَ يَشْتَدّ عَلَيْهِمْ الصَّوْم , قَالَ : فَكَانَ مَنْ لَمْ يَصُمْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا , ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَكَانَتْ الرُّخْصَة لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِر , وَأُمِرْنَا بِالصِّيَامِ " . قَالَ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى : قَوْله قَالَ عَمْرو , حَدَّثَنَا أَصْحَابنَا : يُرِيد ابْن أَبِي لَيْلَى , كَأَنَّ ابْن أَبِي لَيْلَى الْقَائِل حَدَّثَنَا أَصْحَابنَا . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : سَمِعْت ابْن أَبِي لَيْلَى فَذَكَرَ نَحْوه . 2248 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ , وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ نِصْف صَاع مِسْكِينًا , فَنَسَخَهَا { شَهْر رَمَضَان } إلَى قَوْله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } 2249 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ قَالَ : فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَة , وَصَارَتْ الْآيَة الْأُولَى لِلشَّيْخِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم يَتَصَدَّق مَكَان كُلّ يَوْم عَلَى مِسْكِين نِصْف صَاع . 2250 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح أَبُو تُمَيْلَةَ , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } فَكَانَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَصُوم صَامَ , وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَدِي بِطَعَامِ مِسْكِين افْتَدَى وَتَمَّ لَهُ صَوْمه . ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } * - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَأَلْت الْأَعْمَش عَنْ قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } فَحَدَّثَنَا عَنْ إبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة , قَالَا : نَسَخَتْهَا : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } 2251 - حَدَّثَنَا عُمَر بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة - يَعْنِي : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } - الَّتِي بَعْدهَا : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : نَسَخَتْهَا : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } 2252 - حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن شُجَاع أَبُو هَمَّام , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ عَاصِم , عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } كَانَ الرَّجُل يُفْطِر فَيَتَصَدَّق عَنْ كُلّ يَوْم عَلَى مِسْكِين طَعَامًا , ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَلَمْ تَنْزِل الرُّخْصَة إلَّا لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِر . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ عَاصِم , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة لِلنَّاسِ عَامَّة : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } وَكَانَ الرَّجُل يُفْطِر وَيَتَصَدَّق بِطَعَامِهِ عَلَى مِسْكِين , ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } قَالَ : فَلَمْ تَنْزِل الرُّخْصَة إلَّا لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِر . 2253 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى , قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَطَاء وَهُوَ يَأْكُل فِي شَهْر رَمَضَان فَقَالَ : إنِّي شَيْخ كَبِير إنَّ الصَّوْم نَزَلَ , فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ مِسْكِينًا , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَوَجَبَ الصَّوْم عَلَى كُلّ أَحَد إلَّا مَرِيض أَوْ مُسَافِر أَوْ شَيْخ كَبِير مِثْلِي يَفْتَدِي . 2254 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْث , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : قَالَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ } قَالَ ابْن شِهَاب : كَتَبَ اللَّه الصِّيَام عَلَيْنَا , فَكَانَ مَنْ شَاءَ افْتَدَى مِمَّنْ يُطِيق الصِّيَام مِنْ صَحِيح أَوْ مَرِيض أَوْ مُسَافِر , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْر ذَلِكَ . فَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّه عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْر الصِّيَام , فَمَنْ كَانَ صَحِيحًا يُطِيقهُ وَضَعَ عَنْهُ الْفِدْيَة , وَكَانَ مَنْ كَانَ عَلَى سَفَر أَوْ كَانَ مَرِيضًا فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر . قَالَ : وَبَقِيَتْ الْفِدْيَة الَّتِي كَانَتْ تُقْبَل قَبْل ذَلِكَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيق الصِّيَام , وَاَلَّذِي يَعْرِض لَهُ الْعَطَش أَوْ الْعِلَّة الَّتِي لَا يَسْتَطِيع مَعَهَا الصِّيَام . 2255 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : جَعَلَ اللَّه فِي الصَّوْم الْأَوَّل فِدْيَة طَعَام مِسْكِين , فَمَنْ شَاءَ مِنْ مُسَافِر أَوْ مُقِيم أَنْ يُطْعِم مِسْكِينًا وَيُفْطِر كَانَ ذَلِكَ رُخْصَة لَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي الصَّوْم الْآخَر : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } وَلَمْ يَذْكُر اللَّه فِي الصَّوْم الْآخَر فِدْيَة طَعَام مِسْكِين , فَنُسِخَتْ الْفِدْيَة , وَثَبَتَ فِي الصَّوْم الْآخَر : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } وَهُوَ الْإِفْطَار فِي السَّفَر , وَجَعَلَهُ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر . 2256 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَرْث , قَالَ بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ يَزِيد مَوْلَى سَلَمَة بْن الْأَكْوَع , عَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِين , حَتَّى أُنْزِلَتْ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : كَانَتْ النَّاس كُلّهمْ , فَلَمَّا نَزَلَتْ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْ } أُمِرُوا بِالصَّوْمِ وَالْقَضَاء , فَقَالَ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } 2257 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إبْرَاهِيم فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : نَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا : { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . 2258 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : نَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } 2259 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } الْآيَة , فُرِضَ الصَّوْم مِنْ الْعَتَمَة إلَى مِثْلهَا مِنْ الْقَابِلَة , فَإِذَا صَلَّى الرَّجُل الْعَتَمَة حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالْجِمَاع إلَى مِثْلهَا مِنْ الْقَابِلَة , ثُمَّ نَزَلَ الصَّوْم الْآخَر بِإِحْلَالِ الطَّعَام وَالْجِمَاع بِاللَّيْلِ كُلّه , وَهُوَ قَوْله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد } إلَى قَوْله : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إلَى اللَّيْل } 2 187 وَأُحِلّ الْجِمَاع أَيْضًا فَقَالَ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } 2 187 وَكَانَ فِي الصَّوْم الْأَوَّل الْفِدْيَة , فَمَنْ شَاءَ مِنْ مُسَافِر أَوْ مُقِيم أَنْ يُطْعِم مِسْكِينًا وَيُفْطِر فَعَلَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي الصَّوْم الْآخَر الْفِدْيَة , وَقَالَ : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَنَسَخَ هَذَا الصَّوْم الْآخَر الْفِدْيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } حُكْمًا خَاصًّا لِلشَّيْخِ الْكَبِير وَالْعَجُوز اللَّذَيْنِ يُطِيقَانِ الصَّوْم كَانَ مُرَخَّصًا لَهُمَا أَنْ يَفْدِيَا صَوْمهمَا بِإِطْعَامِ مِسْكِين وَيُفْطِرَا , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ , { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } فَلَزِمَهُمَا مِنْ الصَّوْم مِثْل الَّذِي لَزِمَ الشَّابّ إلَّا أَنْ يَعْجِزَا عَنْ الصَّوْم فَيَكُون ذَلِكَ الْحُكْم الَّذِي كَانَ لَهُمَا قَبْل النَّسْخ ثَابِتًا لَهُمَا حِينَئِذٍ بِحَالِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 2260 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُرْوَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة وَهُمَا يُطِيقَانِ الصَّوْم رُخِّصَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا إنْ شَاءَا وَيُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْم مِسْكِينًا , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بَعْد ذَلِكَ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } وَثَبَتَ لِلشَّيْخِ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة إذَا كَانَا لَا يُطِيقَانِ الصَّوْم , وَلِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِع إذَا خَافَتَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُرْوَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قَالَ : الشَّيْخ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث بِشْر عَنْ يَزِيد . 2261 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ الشَّيْخ وَالْعَجُوز لَهُمَا الرُّخْصَة أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا بِقَوْلِهِ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : فَكَانَتْ لَهُمْ الرُّخْصَة ثُمَّ نُسِخَتْ بِهَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } فَنَسَخَتْ الرُّخْصَة عَنْ الشَّيْخ وَالْعَجُوز إذَا كَانَا يُطِيقَانِ الصَّوْم . وَبَقِيَتْ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِع أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا . 2262 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ , ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يَقُول فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : كَانَ فِيهَا رُخْصَة لِلشَّيْخِ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة وَهُمَا يُطِيقَانِ الصَّوْم أَنْ يُطْعِمَا مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَيُفْطِرَا , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدهَا فَقَالَ : { شَهْر رَمَضَان } إلَى قَوْله : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الْآيَة . فَكَانَ أَهْل الْعِلْم يَرَوْنَ وَيَرْجُونَ الرُّخْصَة تَثْبُت لِلشَّيْخِ الْكَبِير وَالْعَجُوز الْكَبِيرَة إذَا لَمْ يُطِيقَا الصَّوْم أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا , وَلِلْحُبْلَى إذَا خَشِيَتْ عَلَى مَا فِي بَطْنهَا , وَلِلْمُرْضِعِ إذَا مَا خَشِيَتْ عَلَى وَلَدهَا . 2263 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } فَكَانَ الشَّيْخ وَالْعَجُوز يُطِيقَانِ صَوْم رَمَضَان , فَأَحَلَّ اللَّه لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَاهُ إنْ أَرَادَا ذَلِكَ , وَعَلَيْهِمَا الْفِدْيَة لِكُلِّ يَوْم يُفْطِر أَنَّهُ طَعَام مِسْكِين , فَأَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } إلَى قَوْله : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } لَمْ يُنْسَخ ذَلِكَ وَلَا شَيْء مِنْهُ , وَهُوَ حُكْم مُثْبَت مِنْ لَدُنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة إلَى قِيَام السَّاعَة . وَقَالُوا : إنَّمَا تَأْوِيل ذَلِكَ : عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ - وَفِي حَال شَبَابهمْ وَحَدَاثَتهمْ , وَفِي حَال صِحَّتهمْ وَقُوَّتهمْ إذَا مَرِضُوا وَكَبِرُوا فَعَجَزُوا مِنْ الْكِبَر عَنْ الصَّوْم - فِدْيَة طَعَام مِسْكِين ; لَا أَنَّ الْقَوْم كَانَ رُخِّصَ لَهُمْ فِي الْإِفْطَار وَهُمْ عَلَى الصَّوْم قَادِرُونَ إذَا افْتَدَوْا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2264 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : أَمَّا الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فَالرَّجُل كَانَ يُطِيقهُ وَقَدْ صَامَ قَبْل ذَلِكَ ثُمَّ يَعْرِض لَهُ الْوَجَع أَوْ الْعَطَش أَوْ الْمَرَض الطَّوِيل , أَوْ الْمَرْأَة الْمُرْضِع لَا تَسْتَطِيع أَنْ تَصُوم ; فَإِنَّ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ مَكَان كُلّ يَوْم إطْعَام مِسْكِين , فَإِنْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَهُوَ خَيْر لَهُ , وَمَنْ تَكَلَّفَ الصِّيَام فَصَامَهُ فَهُوَ خَيْر لَهُ . 2265 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبَدَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة ; عَنْ عُرْوَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : إذَا خَافَتْ الْحَامِل عَلَى نَفْسهَا وَالْمُرْضِع عَلَى وَلَدهَا فِي رَمَضَان , قَالَ : يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَلَا يَقْضِيَانِ صَوْمًا . 2266 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبَدَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ رَأَى أُمّ وَلَد لَهُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا , فَقَالَ : أَنْت بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَا يُطِيقهُ , عَلَيْك أَنْ تُطْعِمِي مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَلَا قَضَاء عَلَيْك . 2267 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبَدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ عَلِيّ بْن ثَابِت , عَنْ ابْن عُمَر مِثْل قَوْل ابْن عَبَّاس فِي الْحَامِل وَالْمُرْضِع . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ لِأُمِّ وَلَد لَهُ حُبْلَى أَوْ مُرْضِع : أَنْت بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ , عَلَيْك الْفِدَاء وَلَا صَوْم عَلَيْك . هَذَا إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسهَا . 2268 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير كَانَ يُطِيق صَوْم شَهْر رَمَضَان وَهُوَ شَابّ فَكَبِرَ , وَهُوَ لَا يَسْتَطِيع صَوْمه فَلْيَتَصَدَّقْ عَلَى مِسْكِين وَاحِد لِكُلِّ يَوْم أَفْطَرَهُ حِين يُفْطِر وَحِين يَتَسَحَّر . 2269 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَدَة , عَنْ مَنْصُور عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ حِين يُفْطِر وَحِين يَتَسَحَّر . 2270 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَاتِم بْن إسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن حَرْمَلَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّهُ قَالَ : فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : هُوَ الْكَبِير الَّذِي كَانَ يَصُوم فَكَبِرَ وَعَجَزَ عَنْهُ , وَهِيَ الْحَامِل الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا الصِّيَام . فَعَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا طَعَام مِسْكِين مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ يَوْم حَتَّى يَمْضِي رَمَضَان . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين " وَقَالُوا : إنَّهُ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْعَجُوز اللَّذَانِ قَدْ كَبِرَا عَنْ الصَّوْم , فَهُمَا يُكَلَّفَانِ الصَّوْم وَلَا يُطِيقَانِهِ , فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَان كُلّ يَوْم أَفْطَرَاهُ مِسْكِينًا . وَقَالُوا : الْآيَة ثَابِتَة الْحُكْم مُنْذُ أُنْزِلَتْ لَمْ تُنْسَخ , وَأَنْكَرُوا قَوْل مَنْ قَالَ إنَّهَا مَنْسُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2271 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , ثنا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { يُطَوِّقُونَهُ } 2272 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ عِصَام , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } . قَالَ : فَكَانَ يَقُول : هِيَ لِلنَّاسِ الْيَوْم قَائِمَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : وَكَانَ يَقُول هِيَ لِلنَّاسِ الْيَوْم قَائِمَة . 2273 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ } وَيَقُول : هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير يُفْطِر وَيُطْعِم عَنْهُ . 2274 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ } وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا : أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَة كُلِّفَ الشَّيْخ الْكَبِير أَنْ يُفْطِر وَيُطْعِم مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا . 2275 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ } 2276 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ يَصُومُونَهُ وَلَكِنْ الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ يَعْجِزُونَ عَنْهُ . 2277 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر , عَنْ أَبِي عَمْرو مَوْلَى عَائِشَة أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تَقْرَأ : { يُطَوِّقُونَهُ } . 2278 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { يُطَوِّقُونَهُ } قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَكَانَ مُجَاهِد يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ . 2279 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير . 2280 - حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن مُوسَى السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ } قَالَ : يَتَجَشَّمُونَهُ , يَتَكَلَّفُونَهُ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ مُسْلِم الْمَلَائِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطِيق فَيُفْطِر وَيُطْعِم كُلّ يَوْم مِسْكِينًا . 2281 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قَالَ : يُكَلِّفُونَهُ , { فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } وَاحِد , قَالَ : فَهَذِهِ آيَة مَنْسُوخَة لَا يُرَخَّص فِيهَا إلَّا لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيق الصِّيَام , أَوْ مَرِيض يَعْلَم أَنَّهُ لَا يُشْفَى . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } يَتَكَلَّفُونَهُ { فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } وَاحِد وَلَمْ يُرَخِّص هَذَا إلَّا لِلشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيق الصَّوْم , أَوْ الْمَرِيض الَّذِي يَعْلَم أَنَّهُ لَا يُشْفَى هَذَا عَنْ مُجَاهِد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ . 2282 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } يَقُول : مَنْ لَمْ يُطِقْ الصَّوْم إلَّا عَلَى جُهْد فَلَهُ أَنْ يُفْطِر وَيُطْعِم كُلّ يَوْم مِسْكِينًا , وَالْحَامِل وَالْمُرْضِع وَالشَّيْخ الْكَبِير وَاَلَّذِي بِهِ سَقَم دَائِم . 2283 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْء الَّذِي كَانَ يَصُوم فِي شَبَابه , فَلَمَّا كَبِرَ عَجَزَ عَنْ الصَّوْم قَبْل أَنْ يَمُوت , فَهُوَ يُطْعِم كُلّ يَوْم مِسْكِينًا . قَالَ هَنَّاد : قَالَ عُبَيْدَة : قِيلَ لِمَنْصُورٍ الَّذِي يُطْعِم كُلّ يَوْم نِصْف صَاع ؟ قَالَ : نَعَمْ . 2284 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ امْرَأَة لِي وَافَقَ تَاسِعهَا شَهْر رَمَضَان , وَوَافَقَ حَرًّا شَدِيدًا , فَأَمَرَنِي أَنْ تُفْطِر وَتُطْعِم . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : وَتِلْكَ الرُّخْصَة أَيْضًا فِي الْمُسَافِر وَالْمَرِيض , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْحَامِل وَالْمُرْضِع وَالشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم يُفْطِرُونَ فِي رَمَضَان , وَيُطْعِمُونَ عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا . ثُمَّ قَرَأَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } . 2285 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَعْد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْحَرْث , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم يُفْطِر وَيُطْعِم مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ يَتَكَلَّفُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ , الشَّيْخ وَالشَّيْخَة . 2286 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْحَرْث , عَنْ عَلِيّ قَالَ : هُوَ الشَّيْخ وَالشَّيْخَة . 2287 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } فَأَفْطَرُوا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ مُثْبَتَة لِلْكَبِيرِ وَالْمُرْضِع وَالْحَامِل وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصِّيَام . 2288 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ . ثنا سُوَيْد , قَالَ , ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : مَا قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } ؟ قَالَ , بَلَغَنَا أَنَّ الْكَبِير إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْم يَفْتَدِي مِنْ كُلّ يَوْم بِمِسْكِينٍ , قُلْت : الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصَّوْم , أَوْ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعهُ إلَّا بِالْجُهْدِ ؟ قَالَ : بَلْ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيعهُ بِجُهْدٍ وَلَا بِشَيْءٍ , فَأَمَّا مَنْ اسْتَطَاعَ بِجُهْدٍ فَلْيَصُمْهُ وَلَا عُذْر لَهُ فِي تَرْكه . 2289 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } الْآيَة , كَأَنَّهُ يَعْنِي الشَّيْخ الْكَبِير . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي ابْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : نَزَلَتْ فِي الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيع صِيَام رَمَضَان فَيَفْتَدِي مِنْ كُلّ يَوْم بِطَعَامِ مِسْكِين قُلْت لَهُ : كَمْ طَعَامه ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : طَعَام يَوْم . 2290 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَهُ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن يَحْيَى , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } قَالَ : الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطِيق الصَّوْم يُفْطِر وَيُطْعِم كُلّ يَوْم مِسْكِينًا . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَهُ . { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } مَنْسُوخ بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } لِأَنَّ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } مِنْ ذِكْر الصِّيَام . وَمَعْنَاهُ : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصِّيَام فِدْيَة طَعَام مِسْكِين . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْجَمِيع مِنْ أَهْل الْإِسْلَام مُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُطِيقًا مِنْ الرِّجَال الْأَصِحَّاء الْمُقِيمِينَ غَيْر الْمُسَافِرِينَ صَوْم شَهْر رَمَضَان فَغَيْر جَائِز لَهُ الْإِفْطَار فِيهِ وَالِافْتِدَاء مِنْهُ بِطَعَامِ مِسْكِين , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة . هَذَا مَعَ مَا يُؤَيِّد هَذَا الْقَوْل مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل وَابْن عُمَر وَسَلَمَة بْن الْأَكْوَع مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَوْم شَهْر رَمَضَان بِالْخِيَارِ بَيْن صَوْمه وَسُقُوط الْفِدْيَة عَنْهُمْ , وَبَيْن الْإِفْطَار وَالِافْتِدَاء مِنْ إفْطَاره بِإِطْعَامِ مِسْكِين لِكُلِّ يَوْم وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } فَأُلْزِمُوا فَرْض صَوْمه , وَبَطَلَ الْخِيَار وَالْفِدْيَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ تَدَّعِي إجْمَاعًا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام عَلَى أَنَّ مَنْ أَطَاقَ صَوْمه وَهُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْت فَغَيْر جَائِز لَهُ إلَّا صَوْمه , وَقَدْ عَلِمْت قَوْل مَنْ قَالَ : الْحَامِل وَالْمُرْضِع إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادهمَا لَهُمَا الْإِفْطَار , وَإِنْ أَطَاقَتَا الصَّوْم بِأَبْدَانِهِمَا , مَعَ الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي : 2291 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ أَنَس , قَالَ : أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَغَدَّى فَقَالَ : " تَعَالَ أُحَدِّثك , إنَّ اللَّه وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِر وَالْحَامِل وَالْمُرْضِع الصَّوْم وَشَطْر الصَّلَاة " . قِيلَ : إنَّا لَمْ نَدَّعِ إجْمَاعًا فِي الْحَامِل وَالْمُرْضِع , وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا فِي الرِّجَال الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتهمْ . فَأَمَّا الْحَامِل وَالْمُرْضِع فَإِنَّمَا عَلِمْنَا أَنَّهُنَّ غَيْر مَعْنِيَّات بِقَوْلِهِ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وَخَلَا الرِّجَال أَنْ يَكُونُوا مَعْنِيِّينَ بِهِ لِأَنَّهُنَّ لَوْ كُنْ مَعْنِيَّات بِذَلِكَ دُون غَيْرهنَّ مِنْ الرِّجَال لَقِيلَ : وَعَلَى اللَّوَاتِي يُطِقْنَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَام الْعَرَب إذَا أُفْرِد الْكَلَام بِالْخَبَرِ عَنْهُنَّ دُون الرِّجَال ; فَلَمَّا قِيلَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِ الرِّجَال دُون النِّسَاء , أَوْ الرِّجَال وَالنِّسَاء . فَلَمَّا صَحَّ بِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ مَنْ أَطَاقَ مِنْ الرِّجَال الْمُقِيمِينَ الْأَصِحَّاء صَوْم شَهْر رَمَضَان فَغَيْر مُرَخَّص لَهُ فِي الْإِفْطَار وَالِافْتِدَاء , فَخَرَجَ الرِّجَال مِنْ أَنْ يَكُونُوا مَعْنِيِّينَ بِالْآيَةِ , وَعُلِمَ أَنَّ النِّسَاء لَمْ يُرَدْنَ بِهَا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْخَبَر عَنْ النِّسَاء إذَا انْفَرَدَ الْكَلَام بِالْخَبَرِ عَنْهُنَّ وَعَلَى اللَّوَاتِي يُطِقْنَهُ , وَالتَّنْزِيل بِغَيْرِ ذَلِكَ . وَأَمَّا الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا , فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَضَعَ عَنْ الْحَامِل وَالْمُرْضِع الصَّوْم مَا دَامَتَا عَاجِزَتَيْنِ عَنْهُ حَتَّى تُطِيقَا فَتَقْضِيَا , كَمَا وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِر فِي سَفَره حَتَّى يُقِيم فَيَقْضِيه , لَا أَنَّهُمَا أُمِرَتَا بِالْفِدْيَةِ وَالْإِفْطَار بِغَيْرِ وُجُوب قَضَاء , وَلَوْ كَانَ فِي قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِر وَالْمُرْضِع وَالْحَامِل الصَّوْم " دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا عَنَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَضَعَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُون عَلَى الْمُسَافِر إذَا أَفْطَرَ فِي سَفَره قَضَاء , وَأَنْ لَا يَلْزَمهُ بِإِفْطَارِهِ ذَلِكَ إلَّا الْفِدْيَة ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَمَعَ بَيْن حُكْمه وَبَيْن حُكْم الْحَامِل وَالْمُرْضِع , وَذَلِكَ قَوْل إنْ قَالَهُ قَائِل خِلَاف لِظَاهِرِ كِتَاب اللَّه وَلِمَا أَجْمَع عَلَيْهِ جَمِيع أَهْل الْإِسْلَام . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ الطَّعَام , وَذَلِكَ لِتَأْوِيلِ أَهْل الْعِلْم مُخَالِف . وَأَمَّا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ } فَقِرَاءَة لِمَصَاحِف أَهْل الْإِسْلَام خِلَاف , وَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام الِاعْتِرَاض بِالرَّأْيِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُسْلِمُونَ
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَسورة البقرة الآية رقم 185
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { شَهْر رَمَضَان } قَالَ أَبُو جَعْفَر : الشَّهْر فِيمَا قِيلَ أَصْله مِنْ الشُّهْرَة , يُقَال مِنْهُ : قَدْ شَهَرَ فُلَان سَيْفه إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ غِمْده فَاعْتَرَضَ بِهِ مَنْ أَرَادَ ضَرْبه , يَشْهَرهُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ شَهَرَ الشَّهْر إذَا طَلَعَ هِلَاله , وَأَشْهَرنَا نَحْنُ إذَا دَخَلْنَا فِي الشَّهْر . وَأَمَّا رَمَضَان فَإِنَّ بَعْض أَهْل الْمَعْرِفَة بِلُغَةِ الْعَرَب كَانَ يَزْعُم أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ الْحَرّ الَّذِي كَانَ يَكُون فِيهِ حَتَّى تَرْمَض فِيهِ الْفِصَال كَمَا يُقَال لِلشَّهْرِ الَّذِي يُحَجّ فِيهِ ذُو الْحِجَّة , وَاَلَّذِي يُرْتَبَع فِيهِ رَبِيع الْأَوَّل وَرَبِيع الْآخَر . وَأَمَّا مُجَاهِد فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يُقَال رَمَضَان وَيَقُول : لَعَلَّهُ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه . 2304 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَال رَمَضَان , وَيَقُول : لَعَلَّهُ اسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه , لَكِنْ نَقُول كَمَا قَالَ اللَّه : { شَهْر رَمَضَان } وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى أَنَّ " شَهْر " مَرْفُوع عَلَى قَوْله : { أَيَّامًا مَعْدُودَات } , هُنَّ شَهْر رَمَضَان , وَجَائِز أَنْ يَكُون رَفْعه بِمَعْنَى ذَلِكَ شَهْر رَمَضَان , وَبِمَعْنَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْر رَمَضَان . وَقَدْ قَرَأَهُ بَعْض الْقُرَّاء : { شَهْر رَمَضَان } نَصْبًا , بِمَعْنَى : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام أَنْ تَصُومُوا شَهْر رَمَضَان . وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ نَصْبًا بِمَعْنَى أَنْ تَصُومُوا شَهْر رَمَضَان خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَقَدْ يَجُوز أَيْضًا نَصْبه عَلَى وَجْه الْأَمْر بِصَوْمِهِ كَأَنَّهُ قِيلَ : شَهْر رَمَضَان

فَصُومُوهُ , وَجَائِز نَصْبه عَلَى الْوَقْت كَأَنَّهُ قِيلَ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام فِي شَهْر رَمَضَان .
وَأَمَّا قَوْله , { الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ إلَى سَمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ شَهْر رَمَضَان , ثُمَّ أُنْزِلَ إلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّه إنْزَاله إلَيْهِ . كَمَا : 2305 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَسَّان بْن أَبِي الْأَشْرَس عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة مِنْ الذِّكْر فِي لَيْلَة أَرْبَع وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَان , فَجُعِلَ فِي بَيْت الْعِزَّة . قَالَ أَبُو كُرَيْب : أَبُو بَكْر , وَقَالَ ذَلِكَ السُّدِّيّ . 2306 - حَدَّثَنِي عِيسَى بْن عُثْمَان , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَسَّان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر فِي شَهْر رَمَضَان , فَجُعِلَ فِي سَمَاء الدُّنْيَا . 2307 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , قَالَ : ثنا عِمْرَان الْقَطَّان , عَنْ قَتَادَة , عَنْ ابْن أَبِي الْمَلِيح عَنْ وَاثِلَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " نَزَلَتْ صُحُف إبْرَاهِيم أَوَّل لَيْلَة مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاة لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَان , وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيل لِثَلَاثِ عَشْرَة خَلَتْ , وَأُنْزِلَ الْقُرْآن لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَان " . 2308 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } , أَمَا أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن , فَإِنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ : شَهْر رَمَضَان , وَاللَّيْلَة الْمُبَارَكَة : لَيْلَة الْقَدْر , فَإِنَّ لَيْلَة الْقَدْر هِيَ اللَّيْلَة الْمُبَارَكَة , وَهِيَ مِنْ رَمَضَان , نَزَلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة مِنْ الزُّبُر إلَى الْبَيْت الْمَعْمُور , وَهُوَ مَوَاقِع النُّجُوم , فِي السَّمَاء الدُّنْيَا حَيْثُ وَقَعَ الْقُرْآن , ثُمَّ نَزَلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد ذَلِكَ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَفِي الْحُرُوب رَسَلًا رَسَلًا . 2309 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقَدْر , فَكَانَ اللَّه إذَا أَرَادَ أَنْ يُوحِي مِنْهُ شَيْئًا أَوْحَاهُ , فَهُوَ قَوْله : {

إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } 97 1 2310 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : فَكَانَ بَيْن أَوَّله وَآخِره عِشْرُونَ سَنَة . 2311 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن كُلّه جُمْلَة وَاحِدَة فِي لَيْلَة الْقَدْر فِي رَمَضَان إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا , فَكَانَ اللَّه إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِث فِي الْأَرْض شَيْئًا أَنْزَلَهُ مِنْهُ حَتَّى جَمَعَهُ . 2312 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أُنْزِلَ الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقَدْر مِنْ السَّمَاء الْعُلْيَا إلَى السَّمَاء جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ بَعْد قَالَ : وَتَلَا ابْن عَبَّاس هَذِهِ الْآيَة : { فَلَا أُقْسِم بِمَوَاقِع النُّجُوم } 56 57 قَالَ : نَزَلَ مُفَرَّقًا . 2313 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ الْقُرْآن نَزَلَ جُمْلَة وَاحِدَة إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا . 2314 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , قَرَأَهُ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : أُنْزِلَ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة عَلَى جِبْرِيل فِي لَيْلَة الْقَدْر , فَكَانَ لَا يَنْزِل مِنْهُ إلَّا بِأَمْرٍ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : كَانَ يَنْزِل مِنْ الْقُرْآن فِي لَيْلَة الْقَدْر كُلّ شَيْء يَنْزِل مِنْ الْقُرْآن فِي تِلْكَ السَّنَة , فَنَزَلَ ذَلِكَ مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة عَلَى جِبْرِيل فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فَلَا يُنْزِل جِبْرِيلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُحَمَّد إلَّا مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ وَمِثْل ذَلِكَ : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } 97 1 و { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة } 44 3 2315 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي الْمُجَالِد , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ لَهُ رَجُل : إنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي الشَّكّ مِنْ قَوْله : { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } وَقَوْله : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة } وَقَوْله : { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقَدْر } وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِي شَوَّال وَذِي الْقَعْدَة وَغَيْره قَالَ : إنَّمَا أُنْزِلَ فِي رَمَضَان فِي لَيْلَة الْقَدْر وَلَيْلَة مُبَارَكَة جُمْلَة وَاحِدَة , ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مَوَاقِع النُّجُوم رَسَلًا فِي الشُّهُور وَالْأَيَّام .

وَأَمَّا قَوْله { هُدَى لِلنَّاسِ } فَإِنَّهُ

يَعْنِي رَشَادًا لِلنَّاسِ إلَى سَبِيل الْحَقّ وَقَصْد الْمَنْهَج .

وَأَمَّا قَوْله : { وَبَيِّنَات } فَإِنَّهُ يَعْنِي :

وَوَاضِحَات مِنْ الْهُدَى , يَعْنِي مِنْ الْبَيَان الدَّالّ عَلَى حُدُود اللَّه وَفَرَائِضه وَحَلَاله وَحَرَامه .

وَقَوْله : { وَالْفُرْقَان } يَعْنِي : وَالْفَصْل بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . كَمَا : 2316 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا { وَبَيِّنَات

مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَان } فَبَيِّنَات مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } / اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى شُهُود الشَّهْر . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَقَام الْمُقِيم فِي دَاره , قَالُوا : فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم فِي دَاره فَعَلَيْهِ صَوْم الشَّهْر كُلّه , غَابَ بَعْد مُسَافِر أَوْ أَقَامَ فَلَمْ يَبْرَح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَمُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامِغَانِيّ قَالَا , ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن يَحْيَى , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر

فَلْيَصُمْهُ } قَالَ : هُوَ إهْلَاله بِالدَّارِ . يُرِيد إذَا هَلَّ وَهُوَ مُقِيم . 2318 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } فَإِذَا شَهِدَهُ وَهُوَ مُقِيم فَعَلَيْهِ الصَّوْم أَقَامَ أَوْ سَافَرَ , وَإِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ فِي سَفَر , فَإِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ فَطَرَ . 2319 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة فِي الرَّجُل يُدْرِكهُ رَمَضَان ثُمَّ يُسَافِر , قَالَ : إذَا شَهِدْت أَوَّله فَصُمْ آخِره , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام الْقَرْدُوسِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة , عَنْ رَجُل أَدْرَكَ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم , قَالَ : مَنْ صَامَ أَوَّل الشَّهْر فَلْيَصُمْ آخِره , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } 2320 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ , فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم فِي أَهْله فَلْيَصُمْهُ , وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَهْله . 2321 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد قَالَ : أَخْبَرَنَا قَتَادَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ , عَنْ عَلِيّ فِيمَا يَحْسِب حَمَّاد قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم وَلَمْ يَخْرُج فَقَدْ لَزِمَهُ الصَّوْم , لِأَنَّ اللَّه يَقُول : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ . قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ إسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ عَنْ قَوْل اللَّه : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْ } قَالَ : مَنْ كَانَ مُقِيمًا فَلْيَصُمْهُ , وَمَنْ أَدْرَكَهُ ثُمَّ سَافَرَ فِيهِ فَلْيَصُمْهُ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : مَنْ شَهِدَ أَوَّل رَمَضَان فَلْيَصُمْ آخِره . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبَدَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقُول : إذَا أَدْرَكَهُ رَمَضَان وَهُوَ مُقِيم ثُمَّ سَافَرَ فَعَلَيْهِ الصَّوْم . 2322 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم , عَنْ عُبَيْدَة الضَّبِّيّ , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَ : كَانَ يَقُول : إذَا أَدْرَكَك رَمَضَان فَلَا تُسَافِر فِيهِ , فَإِنْ صُمْت فِيهِ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ ثُمَّ سَافَرْت فَلَا تُفْطِر صُمْهُ . 2323 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ . قَالَ : كُنَّا عِنْد عُبَيْدَة . فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } قَالَ : مَنْ صَامَ شَيْئًا مِنْهُ فِي الْمِصْر فَلْيَصُمْ بَقِيَّته إذَا خَرَجَ قَالَ : وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنْ شَاءَ صَامَ , وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ . 2324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ , ثنا عَبْد الْوَهَّاب , وحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَا جَمِيعًا ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي يَزِيد , عَنْ أُمّ دُرَّة قَالَتْ : أَتَيْت عَائِشه فِي رَمَضَان , قَالَتْ : مِنْ أَيْنَ جِئْت ؟ قُلْت : مِنْ عِنْد أَخِي حُنَيْن , قَالَتْ : مَا شَأْنه ؟ قَالَتْ : وَدَّعْته يُرِيد يَرْتَحِل , قَالَتْ : فَأَقْرَئِيهِ السَّلَام وَمُرِيهِ فَلْيَقُمْ , فَلَوْ أَدْرَكَنِي رَمَضَان وَأَنَا بِبَعْضِ الطَّرِيق لَأَقَمْت لَهُ . 2325 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ , ثنا إسْحَاق بْن عِيسَى , عَنْ أَفْلَحَ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : جَاءَ إبْرَاهِيم بْن طَلْحَة إلَى عَائِشَة يُسَلِّم عَلَيْهَا , قَالَتْ : وَأَيْنَ تُرِيد ؟ قَالَ : أَرَدْت الْعُمْرَة , قَالَتْ : فَجَلَسْت حَتَّى إذَا دَخَلَ عَلَيْك الشَّهْر خَرَجْت فِيهِ قَالَ : قَدْ خَرَجَ ثِقَلِي , قَالَتْ . اجْلِسْ حَتَّى إذَا أَفْطَرْت فَاخْرُجْ . يَعْنِي شَهْر رَمَضَان . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ مَا شَهِدَ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2326 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق : أَنَّ أَبَا مَيْسَرَة خَرَجَ فِي رَمَضَان حَتَّى إذَا بَلَغَ الْقَنْطَرَة دَعَا مَاء فَشَرِبَ . 2327 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , قَالَ : خَرَجَ أَبُو مَيْسَرَة فِي رَمَضَان مُسَافِرًا , فَمَرَّ بِالْفُرَاتِ وَهُوَ صَائِم , فَأَخَذَ مِنْهُ كَفًّا فَشَرِبَهُ وَأَفْطَرَ . 2328 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ مَرْثَد : أَنَّ أَبَا مَيْسَرَة سَافَرَ فِي رَمَضَان فَأَفْطَرَ عِنْد بَاب الْجِسْر هَكَذَا قَالَ هَنَّاد عَنْ مَرْثَد , وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو مَرْثَد . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِمَارَة الْأَسَدِيّ قَالَ ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ مَرْثَد : أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ أَبِي مَيْسَرَة فِي رَمَضَان , فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْجِسْر أَفْطَرَ . 2329 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو هِشَام قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيّ فِي ضَيْعَة لَهُ عَلَى ثَلَاث مِنْ الْمَدِينَة , فَخَرَجْنَا نُرِيد الْمَدِينَة فِي شَهْر رَمَضَان وَعَلِيّ رَاكِب وَأَنَا مَاشٍ , قَالَ : فَصَامَ - قَالَ هَنَّاد : وَأَفْطَرْت - قَالَ أَبُو هِشَام : وَأَمَرَنِي فَأَفْطَرْت . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُتْبَةَ , عَنْ الْحَسَن بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنْت مَعَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَهُوَ جَاءَ مِنْ أَرْض لَهُ فَصَامَ , وَأَمَرَنِي فَأَفْطَرْت فَدَخَلَ الْمَدِينَة لَيْلًا وَكَانَ رَاكِبًا وَأَنَا مَاشٍ . 2330 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , قَالَا جَمِيعًا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عِيسَى بْن أَبِي عِزَّة , عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ سَافَرَ فِي شَهْر رَمَضَان , فَأَفْطَرَ عِنْد بَاب الْجِسْر . 2331 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : قَالَ لِي سُفْيَان : أَحَبّ إلَيَّ أَنْ تُتِمّهُ . 2332 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : سَأَلْت الْحَكَم وَحَمَّادًا وَأَرَدْت أَنْ أُسَافِر فِي رَمَضَان فَقَالَا لِي : اُخْرُجْ وَقَالَ حَمَّاد : قَالَ إبْرَاهِيم : أَمَّا إذَا كَانَ الْعَشْر فَأَحَبّ إلَيَّ أَنْ يُقِيم . 2333 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَا : مَنْ أَدْرَكَهُ الصَّوْم وَهُوَ مُقِيم رَمَضَان ثُمَّ سَافَرَ , قَالَا : إنْ شَاءَ أَفْطَرَ . وَقَالَ آخَرُونَ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } يَعْنِي فَمَنْ شَهِدَهُ عَاقِلًا بَالِغًا مُكَلَّفًا فَلْيَصُمْهُ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه , كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ صَحِيح عَاقِل بَالِغ فَعَلَيْهِ صَوْمه , فَإِنْ جَنَّ بَعْد دُخُوله عَلَيْهِ وَهُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا ثُمَّ أَفَاقَ بَعْد انْقِضَائِهِ لَزِمَهُ قَضَاء مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَيَّام الشَّهْر مَغْلُوبًا عَلَى عَقْله , لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ شَهِدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْض قَالُوا : وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مَجْنُون إلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ لَوْ كَانَ صَحِيح الْعَقْل كَانَ عَلَيْهِ صَوْمه , فَلَنْ يَنْقَضِي الشَّهْر حَتَّى صَحَّ وَبَرَأَ أَوْ أَفَاقَ قَبْل انْقِضَاء الشَّهْر بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاء صَوْم الشَّهْر كُلّه سِوَى الْيَوْم الَّذِي صَامَهُ بَعْد إفَاقَته , لِأَنَّهُ مِمَّنْ قَدْ شَهِدَ الشَّهْر قَالُوا : وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مَجْنُون فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْر كُلّه ثُمَّ أَفَاقَ لَمْ يَلْزَمهُ قَضَاء شَيْء مِنْهُ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ شَهِدَهُ مُكَلَّفًا صَوْمه 1 2 وَهَذَا تَأْوِيل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ الْجُنُون إنْ كَانَ يُسْقِط عَمَّنْ كَانَ بِهِ فَرْض الصَّوْم مِنْ أَجْل فَقْد صَاحِبه عَقْله جَمِيع الشَّهْر فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون ذَلِكَ سَبِيل كُلّ مَنْ فَقَدَ عَقْله جَمِيع شَهْر الصَّوْم . وَقَدْ أَجْمَع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ مَنْ فَقَدَ عَقْله جَمِيع شَهْر الصَّوْم بِإِغْمَاءٍ أَوْ بِرْسَام ثُمَّ أَفَاقَ بَعْد انْقِضَاء الشَّهْر أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاء الشَّهْر كُلّه وَلَمْ يُخَالِف ذَلِكَ أَحَد يَجُوز الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى الْأُمَّة وَإِذَا كَانَ إجْمَاعًا فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون سَبِيل كُلّ مَنْ كَانَ زَائِل الْعَقْل جَمِيع شَهْر الصَّوْم سَبِيل الْمُغْمَى عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة غَيْر الَّذِي تَأَوَّلَهَا قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَنَّهُ شُهُود الشَّهْر أَوْ بَعْضه مُكَلَّفًا صَوْمه . وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ فَتَأْوِيل الْمُتَأَوِّل الَّذِي زَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ : فَمَنْ شَهِدَ أَوَّله مُقِيمًا حَاضِرًا فَعَلَيْهِ صَوْم جَمِيعه أَبْطَلَ وَأَفْسَدَ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ عَام الْفَتْح مِنْ الْمَدِينَة فِي شَهْر رَمَضَان بَعْد مَا صَامَ بَعْضه وَأَفْطَرَ وَأَمَرَ أَصْحَابه بِالْإِفْطَارِ . 2334 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : " سَافَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان مِنْ الْمَدِينَة إلَى مَكَّة , حَتَّى إذَا أَتَى عُسْفَانَ نَزَلَ بِهِ , فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى يَده لِيَرَاهُ النَّاس , ثُمَّ شَرِبَهُ " . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد وَسُفْيَان بْن وَكِيع قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , ثنا عُبَيْدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ طَاوُس , عَنْ ابْن عَبَّاس عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 2335 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : مَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَفَرِهِ عَام الْفَتْح لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَان , فَصَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَامَ النَّاس مَعَهُ , حَتَّى إذَا أَتَى الْكَدِيد مَا بَيْن عُسْفَانَ وَأَمَج وَأَفْطَرَ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا عَبَدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَشْرٍ أَوْ لِعِشْرِينَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَان عَام الْفَتْح , فَصَامَ حَتَّى إذَا كَانَ بِالْكَدِيدِ أَفْطَرَ . 2336 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سَالِم بْن نُوح , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَامِر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَمَانِ عَشْرَة مَضَتْ مِنْ رَمَضَان , فَمِنَّا الصَّائِم , وَمِنَّا الْمُفْطِر , فَلَمْ يَعِبْ الْمُفْطِر عَلَى الصَّائِم , وَلَا الصَّائِم عَلَى الْمُفْطِر . فَإِذَا كَانَا فَاسِدَيْنِ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ بِمَا عَلَيْهِ دَلَّلْنَا مِنْ فَسَادهمَا , فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيح مِنْ التَّأْوِيل هُوَ الثَّالِث , وَهُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } جَمِيع مَا شَهِدَ مِنْهُ مُقِيمًا , وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فِي الشَّهْر فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ صِيَام عِدَّة الْأَيَّام الَّتِي

أَفْطَرَهَا مِنْ أَيَّام أُخَر غَيْر أَيَّام شَهْر رَمَضَان . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَرَض الَّذِي أَبَاحَ اللَّه مَعَهُ الْإِفْطَار وَأَوْجَبَ مَعَهُ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمَرَض الَّذِي لَا يُطِيق صَاحِبه مَعَهُ الْقِيَام لِصَلَاتِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2337 - حَدَّثَنَا مُعَاذ بْن شُعْبَة الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ : إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْمَرِيض أَنْ يُصَلِّي قَائِمًا أَفْطَرَ . 2338 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة أَوْ عُبَيْدَة , عَنْ إبْرَاهِيم فِي الْمَرِيض إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّلَاة قَائِمًا : فَلْيُفْطِرْ يَعْنِي فِي رَمَضَان . 2339 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ إسْمَاعِيل , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن : مَتَى يُفْطِر الصَّائِم ؟ قَالَ : إذَا أَجْهَدَهُ الصَّوْم , قَالَ : إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّي الْفَرَائِض كَمَا أُمِرَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : وَهُوَ كُلّ مَرَض كَانَ الْأَغْلَب مِنْ أَمْر صَاحِبه بِالصَّوْمِ الزِّيَادَة فِي عِلَّته زِيَادَة غَيْر مُحْتَمَلَة وَذَلِكَ هُوَ قَوْل مُحَمَّد بْن إدْرِيس الشَّافِعِيّ , حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَقَالَ آخَرُونَ : وَهُوَ [ كُلّ ] مَرَض يُسَمَّى مَرَضًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2340 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن خَالِد الرَّبْعِيّ , قَالَ : ثنا طَرِيف بْن تَمَّام الْعَطَارِدِيّ , أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُحَمَّد بْن سِيرِينَ فِي رَمَضَان وَهُوَ يَأْكُل فَلَمْ يَسْأَلهُ , فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : إنَّهُ وَجِعَتْ إصْبَعِي هَذِهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ الْمَرَض الَّذِي أَذِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِالْإِفْطَارِ مَعَهُ فِي شَهْر رَمَضَان مَنْ كَانَ الصَّوْم جَاهَدَهُ جُهْدًا غَيْر مُحْتَمَل , فَكُلّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَهُ الْإِفْطَار وَقَضَاء عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ ذَلِكَ الْأَمْر , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْإِفْطَار فَقَدْ كَلِفَ عُسْرًا وَمَنَعَ يُسْرًا , وَذَلِكَ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُ أَرَادَهُ بِخَلْقِهِ بِقَوْلِهِ : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } . وَأَمَّا مَنْ كَانَ الصَّوْم غَيْر جَاهَدَهُ , فَهُوَ بِمَعْنَى الصَّحِيح الَّذِي يُطِيق الصَّوْم , فَعَلَيْهِ أَدَاء فَرْضه . وَأَمَّا قَوْله : { فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } فَإِنَّ مَعْنَاهَا : أَيَّام مَعْدُودَة سِوَى هَذِهِ الْأَيَّام . وَأَمَّا الْأُخَر فَإِنَّهَا جَمْع أُخْرَى بِجَمْعِهِمْ الْكُبْرَى عَلَى الْكُبَر وَالْقُرْبَى عَلَى الْقُرَب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَ لَيْسَتْ الْأُخَر مِنْ صِفَة الْأَيَّام ؟ قِيلَ : بَلَى فَإِنْ قَالَ : أَوَ لَيْسَ وَاحِد الْأَيَّام يَوْم وَهُوَ مُذَكَّر ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ يَكُون وَاحِد الْأُخَر أُخْرَى وَهِيَ صِفَة لِلْيَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ آخِر ؟ قِيلَ : إنَّ وَاحِد الْأَيَّام وَإِنْ كَانَ إذَا نُعِتَ بِوَاحِدِ الْأُخَر فَهُوَ آخِر , فَإِنَّ الْأَيَّام فِي الْجَمْع تَصِير إلَى التَّأْنِيث فَتَصِير نُعُوتهَا وَصِفَاتهَا كَهَيْئَةِ صِفَات الْمُؤَنَّث , كَمَا يُقَال : مَضَتْ الْأَيَّام جُمَع , وَلَا يُقَال : أَجْمَعُونَ , وَلَا أَيَّام آخَرُونَ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدك : فَعَلَيْهِ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر كَمَا قَدْ وَصَفْت فِيمَا مَضَى . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله , فَمَا قَوْلك فِيمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَصَامَ الشَّهْر وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ الْإِفْطَار , أَيَجْزِيهِ ذَلِكَ مِنْ صِيَام عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر , أَوْ غَيْر مُجْزِيه ذَلِكَ ؟ وَفَرْض صَوْم عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر ثَابِت عَلَيْهِ بِهَيْئَتِهِ وَإِنْ صَامَ الشَّهْر كُلّه , وَهَلْ لِمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر صِيَام شَهْر رَمَضَان , أَمْ ذَلِكَ مَحْظُور عَلَيْهِ , وَغَيْر جَائِز لَهُ صَوْمه , وَالْوَاجِب عَلَيْهِ الْإِفْطَار فِيهِ حَتَّى يُقِيم هَذَا وَيَبْرَأ هَذَا ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي كُلّ ذَلِكَ , وَنَحْنُ ذَاكِرُو اخْتِلَافهمْ فِي ذَلِكَ , وَمُخْبِرُونَ بِأَوْلَاهُ بِالصَّوَابِ إنْ شَاءَ اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْإِفْطَار فِي الْمَرَض عَزْمَة مِنْ اللَّه وَاجِبَة , وَلَيْسَ بِتَرْخِيصٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2341 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ جَابِر بْن زَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْإِفْطَار فِي السَّفَر عَزْمَة . 2342 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد , عَنْ يَعْلَى , عَنْ يُوسُف بْن الْحَكَم , قَالَ : سَأَلْت ابْن عُمَر , أَوْ سُئِلَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقْت عَلَى رَجُل بِصَدَقَةٍ فَرَدَّهَا عَلَيْك أَلَمْ تَغْضَب ؟ فَإِنَّهَا صَدَقَة مِنْ اللَّه تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْكُمْ . 2343 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن حُمَيْد , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر كَانَ أَبِي لَا يَصُوم فِي السَّفَر وَيَنْهَى عَنْهُ . 2344 - وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّهُ كَرِهَ الصَّوْم فِي السَّفَر . وَقَالَ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة : مَنْ صَامَ فِي السَّفَر فَعَلَيْهِ الْقَضَاء إذَا قَامَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2345 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ الْخَثْعَمِيّ , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ رَجُل : أَنَّ عُمَر أَمَرَ الَّذِي صَامَ فِي السَّفَر أَنْ يُعِيد . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَمَرَ عُمَر رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَر أَنْ يُعِيد صَوْمه . 2346 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْمُحَرَّر بْن أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : كُنْت مَعَ أَبِي فِي سَفَر فِي رَمَضَان , فَكُنْت أَصُوم وَيُفْطِر , فَقَالَ لِي أَبِي : أَمَا إنَّك إذَا أَقَمْت قَضَيْت . 2347 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَاصِم مَوْلَى قَرِيبَة , قَالَ : سَمِعْت عُرْوَة يَأْمُر رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَر أَنْ يَقْضِي . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَاصِم مَوْلَى قَرِيبَة أَنَّ رَجُلًا صَامَ فِي السَّفَر فَأَمَرَهُ عُرْوَة أَنْ يَقْضِي . 2348 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن صُبَيْح , قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ أَبِيهِ كُلْثُوم : أَنَّ قَوْمًا قَدِمُوا عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب وَقَدْ صَامُوا رَمَضَان فِي سَفَر , فَقَالَ لَهُمْ : وَاَللَّه لَكَأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَصُومُونَ ! فَقَالُوا : وَاَللَّه يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ صُمْنَا , قَالَ : فَأَطَقْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : فَاقْضُوهُ فَاقْضُوهُ فَاقْضُوهُ . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَرَضَ بِقَوْلِهِ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ } صَوْم شَهْر رَمَضَان عَلَى مَنْ شَهِدَهُ مُقِيمًا غَيْر مُسَافِر , وَجَعَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا صَوْم عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر غَيْر أَيَّام شَهْر رَمَضَان بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } قَالُوا : فَكَمَا غَيْر جَائِز لِلْمُقِيمِ إفْطَار أَيَّام شَهْر رَمَضَان وَصَوْم عِدَّة أَيَّام أُخَر مَكَانهَا , لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ بِشُهُودِهِ الشَّهْر صَوْم الشَّهْر دُون غَيْره , فَكَذَلِكَ غَيْر جَائِز لِمَنْ لَمْ يَشْهَدهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ مُقِيمًا صَوْمه , لِأَنَّ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر وَاعْتَلُّوا أَيْضًا مِنْ الْخَبَر بِمَا : 2349 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الصَّائِم فِي السَّفَر كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن عِيَاض , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الصَّائِم فِي السَّفَر كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر " . وَقَالَ آخَرُونَ : إبَاحَة الْإِفْطَار فِي السَّفَر رَحْمَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره رَخَّصَهَا لِعِبَادِهِ , وَالْفَرْض الصَّوْم , فَمَنْ صَامَ فَرْضه أَدَّى , وَمَنْ أَفْطَرَ فَبِرُخْصَةِ اللَّه لَهُ أَفْطَرَ قَالُوا : وَإِنْ صَامَ فِي سَفَر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إذَا أَقَامَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2350 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , قَالَ : ثنا عُرْوَة وَسَالِم أَنَّهُمَا كَانَا عِنْد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إذْ هُوَ أَمِير عَلَى الْمَدِينَة فَتَذَاكَرُوا الصَّوْم فِي السَّفَر , قَالَ سَالِم : كَانَ ابْن عُمَر لَا يَصُوم فِي السَّفَر , وَقَالَ عُرْوَة : وَكَانَتْ عَائِشَة تَصُوم , فَقَالَ سَالِم : إنَّمَا أَخَذْت عَنْ ابْن عُمَر , وَقَالَ عُرْوَة : إنَّمَا أَخَذْت عَنْ عَائِشَة حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتهمَا , فَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز : اللَّهُمَّ عَفْوًا إذَا كَانَ يُسْرًا فَصُومُوا , وَإِذَا كَانَ عُسْرًا فَافْطُرُوا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُل , قَالَ : ذُكِرَ الصَّوْم فِي السَّفَر عِنْد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن بَشَّار . 2351 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس ثنا ابْن إسْحَاق , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : خَرَجَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي بَعْض أَسْفَاره فِي لَيَالٍ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَان , فَقَالَ : إنَّ الشَّهْر قَدْ تَشَعْشَعَ - قَالَ أَبُو كُرَيْب فِي حَدِيثه أَوْ تَسَعْسَعَ , وَلَمْ يَشُكّ يَعْقُوب - فَلَوْ صُمْنَا ! فَصَامَ وَصَامَ النَّاس مَعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مَرَّة قَافِلًا حَتَّى إذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ أَهَلَّ هِلَال شَهْر رَمَضَان , فَقَالَ إنَّ اللَّه قَدْ قَضَى السَّفَر , فَلَوْ صُمْنَا وَلَمْ نَثْلِم شَهْرنَا ! قَالَ : فَصَامَ وَصَامَ النَّاس مَعَهُ . 2352 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَشِير بْن سَلْمَان , عَنْ خَيْثَمَةَ , قَالَ : سَأَلْت أَنَس بْن مَالِك عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , قَالَ : قَدْ أَمَرْت غُلَامِي أَنْ يَصُوم فَأَبَى . قُلْت : فَأَيْنَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } ؟ قَالَ : نَزَلَتْ وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ نَرْتَحِل جِيَاعًا وَنَنْزِل عَلَى غَيْر شِبَع , وَأَنَّا الْيَوْم نَرْتَحِل شِبَاعًا وَنَنْزِل عَلَى شِبَع . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع : عَنْ بَشِير بْن سَلْمَان , عَنْ خَيْثَمَةَ , عَنْ أَنَس نَحْوه . 2353 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو السَّائِب قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَنَس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر فَقَالَ : مَنْ أَفْطَرَ فَبِرُخْصَةِ اللَّه , وَمَنْ صَامَ فَالصَّوْم أَفْضَل . 2354 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَشْعَث بْن عَبْد الْمَلِك , عَنْ مُحَمَّد بْن عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ , قَالَ : الْفِطْر فِي السَّفَر رُخْصَة , وَالصَّوْم أَفْضَل . 2355 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو الْفَيْض , قَالَ : كَانَ عَلِيّ عَلَيْنَا أَمِير بِالشَّامِ , فَنَهَانَا عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَسَأَلْت أَبَا قُرْصَافَةَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي لَيْث - قَالَ عَبْد الصَّمَد : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ قَوْمه يَقُول : إنَّهُ وَاثِلَة بْن الْأَسْقَع - قَالَ لَوْ صُمْت فِي السَّفَر مَا قَضَيْت . 2356 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ بِسْطَام بْن مُسْلِم , عَنْ عَطَاء قَالَ : إنْ صُمْتُمْ أَجْزَأَ عَنْكُمْ وَإِنْ أَفْطَرْتُمْ فَرُخْصَة . 2357 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ كَهْمَس , قَالَ : سَأَلْت سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , فَقَالَ : إنْ صُمْتُمْ أَجْزَأَ عَنْكُمْ , وَإِنْ أَفْطَرْتُمْ فَرُخْصَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَنْ صَامَ فَحَقّ أَدَّاهُ , وَمَنْ أَفْطَرَ فَرُخْصَة أَخَذَ بِهَا . 2358 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْفِطْر فِي السَّفَر رُخْصَة , وَالصَّوْم أَفْضَل . 2359 - حَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : هُوَ تَعْلِيم , وَلَيْسَ بِعَزْمٍ , يَعْنِي قَوْل اللَّه : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } إنْ شَاءَ صَامَ , وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْ . 2360 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن فِي الرَّجُل يُسَافِر فِي رَمَضَان , قَالَ : إنْ شَاءَ صَامَ , وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ . 2361 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة . قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , قَالَ : ثنا الْعَوَّام بْن حَوْشَبٍ , قَالَ : قُلْت لِمُجَاهِدٍ : الصَّوْم فِي السَّفَر ؟ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم فِيهِ وَيُفْطِر , قَالَ : قُلْت فَأَيّهمَا أَحَبّ إلَيْك ؟ قَالَ : إنَّمَا هِيَ رُخْصَة , وَأَنْ تَصُوم رَمَضَان أَحَبّ إلَيَّ . 2362 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَإِبْرَاهِيم وَمُجَاهِد أَنَّهُمْ قَالُوا : الصَّوْم فِي السَّفَر , إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ , وَالصَّوْم أَحَبّ إلَيْهِمْ . 2363 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : قَالَ لِي مُجَاهِد فِي الصَّوْم فِي السَّفَر , يَعْنِي صَوْم رَمَضَان : وَاَللَّه مَا مِنْهُمَا إلَّا حَلَال الصَّوْم وَالْإِفْطَار , وَمَا أَرَادَ اللَّه بِالْإِفْطَارِ إلَّا التَّيْسِير لِعِبَادِهِ . 2364 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْأَشْعَث بْن سُلَيْم , قَالَ : صَحِبْت أَبِي وَالْأَسْوَد بْن يَزِيد وَعَمْرو بْن مَيْمُون وَأَبَا وَائِل إلَى مَكَّة , وَكَانُوا يَصُومُونَ رَمَضَان وَغَيْره فِي السَّفَر . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَسَن الْأَزْدِيّ . قَالَ : ثنا مُعَافَى بْن عِمْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : الْفِطْر فِي السَّفَر رُخْصَة , وَالصَّوْم أَفْضَل . 2365 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا صَالِح بْن مُحَمَّد بْن صَالِح , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت لِلْقَاسِمِ بْن مُحَمَّد : إنَّا نُسَافِر فِي الشِّتَاء فِي رَمَضَان , فَإِنْ صُمْت فِيهِ كَانَ أَهْوَن عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْضِيه فِي الْحَرّ . فَقَالَ : قَالَ اللَّه : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } مَا كَانَ أَيْسَر عَلَيْك فَافْعَلْ . وَهَذَا الْقَوْل عِنْدنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ مَرِيضًا لَوْ صَامَ شَهْر رَمَضَان وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ الْإِفْطَار لِمَرَضِهِ أَنَّ صَوْمه ذَلِكَ مُجْزِئ عَنْهُ , وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ إذَا بَرَأَ مِنْ مَرَضه بِعِدَّةٍ مِنْ أَيَّام أُخَر , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ حُكْم الْمُسَافِر حُكْمه فِي أَنْ لَا قَضَاء عَلَيْهِ إنْ صَامَهُ فِي سَفَره , لِأَنَّ الَّذِي جُعِلَ لِلْمُسَافِرِ مِنْ الْإِفْطَار وَأُمِرَ بِهِ مِنْ قَضَاء عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر مِثْل الَّذِي جُعِلَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ وَأُمِرَ بِهِ مِنْ الْقَضَاء . ثُمَّ فِي دَلَالَة الْآيَة كِفَايَة مُغْنِيَة عَنْ اسْتِشْهَاد شَاهِد عَلَى صِحَّة ذَلِكَ بِغَيْرِهَا , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يُرِيد اللَّه بِكُمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكُمْ الْعُسْر } وَلَا عُسْر أَعْظَم مِنْ أَنْ يَلْزَم مَنْ صَامَهُ فِي سَفَره عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر , وَقَدْ تَكَلَّفَ أَدَاء فَرْضه فِي أَثْقَل الْحَالَيْنِ عَلَيْهِ حَتَّى قَضَاهُ وَأَدَّاهُ . فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَبَاوَة أَنَّ الَّذِي صَامَهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضه الْوَاجِب , فَإِنَّ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } , { شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن } مَا يُنْبِئ أَنَّ الْمَكْتُوب صَوْمه مِنْ الشُّهُور عَلَى كُلّ مُؤْمِن هُوَ شَهْر رَمَضَان مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا , لِعُمُومِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } { شَهْر رَمَضَان } وَأَنَّ قَوْله : { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر } مَعْنَاهُ : وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَأَفْطَرَ بِرُخْصَةِ اللَّه فَعَلَيْهِ صَوْم عِدَّة أَيَّام أُخَر مَكَان الْأَيَّام الَّتِي أَفْطَرَ فِي سَفَره أَوْ مَرَضه . ثُمَّ فِي تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ إذَا سُئِلَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر : " إنْ شِئْت فَصُمْ , وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ " , الْكِفَايَة الْكَافِيَة عَنْ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِ . 2366 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم وَوَكِيع , وَعَبَدَة بْن هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة : أَنَّ حَمْزَة سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّوْم فِي السَّفَر , وَكَانَ يَسْرُد الصَّوْم , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنْ شِئْت فَصُمْ وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ " 2367 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَعُبَيْد بْن إسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ قَالَا : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْ
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَسورة البقرة الآية رقم 186
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَإِذَا سَأَلَك يَا مُحَمَّد عِبَادِي عَنِّي أَيْنَ أَنَا ؟ فَإِنِّي قَرِيب مِنْهُمْ أَسْمَع دُعَاءَهُمْ , وَأُجِيب دَعْوَة الدَّاعِي مِنْهُمْ . وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا أُنْزِلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي سَائِل سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد أَقَرِيب رَبّنَا فَنُنَاجِيه , أَمْ بَعِيد فَنُنَادِيه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيب } . .. الْآيَة . 2381 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبَدَة السِّجِسْتَانِيّ , عَنْ الصَّلْت بْن حَكِيم , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه . 2382 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : سَأَلَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيْنَ رَبّنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ . .. } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِمَسْأَلَةِ قَوْم سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّ سَاعَة يَدْعُونَ اللَّه فِيهَا ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2383 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَقَالَ رَبّكُمْ

اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } قَالُوا فِي أَيّ سَاعَة ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب } إلَى قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } 2384 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } قَالُوا : لَوْ عَلِمْنَا أَيّ سَاعَة نَدْعُو ؟ فَنَزَلَتْ { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْقَاسِم . قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : زَعَمَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح أَنَّهُ بَلَغَهُ لَمَّا نَزَلَتْ : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } 40 60 قَالَ النَّاس : لَوْ نَعْلَم أَيّ سَاعَة نَدْعُو ؟ فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } 2385 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } قَالَ : لَيْسَ مِنْ عَبْد مُؤْمِن يَدْعُوا اللَّه إلَّا اسْتَجَابَ لَهُ , فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَدْعُو بِهِ هُوَ لَهُ رِزْق فِي الدُّنْيَا أَعْطَاهُ اللَّه , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْق فِي الدُّنْيَا ذَخَرَهُ لَهُ إلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَدَفَعَ عَنْهُ بِهِ مَكْرُوهًا . 2386 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا اللَّيْث بْن سَعْد عَنْ ابْن صَالِح , عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا أُعْطَى أَحَد الدُّعَاء وَمُنِعَ الْإِجَابَة , لِأَنَّ اللَّه يَقُول : اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " وَمَعْنَى مُتَأَوِّلِي هَذَا التَّأْوِيل : وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي أَيّ سَاعَة يَدْعُونَنِي فَإِنِّي مِنْهُمْ قَرِيب فِي كُلّ وَقْت أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِقَوْلِ قَوْم قَالُوا إذْ قَالَ اللَّه لَهُمْ : { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } 40 60 إلَى أَيْنَ نَدْعُوهُ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2387 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } قَالُوا : إلَى أَيْنَ ؟ فَنَزَلَتْ : { أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه إنَّ اللَّه وَاسِع عَلِيم } 2 115 وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ جَوَابًا لِقَوْمٍ قَالُوا : كَيْف نَدْعُو ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2388 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } 40 60 قَالَ رِجَال : كَيْفَ نَدْعُو يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب } إلَى قَوْله : { يَرْشُدُونَ }

وَأَمَّا قَوْله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ , يُقَال مِنْهُ : اسْتَجَبْت لَهُ وَاسْتَجَبْته بِمَعْنَى أَجَبْته , كَمَا قَالَ كَعْب بْن سَعْد الْغَنَوِيّ : وَدَاع دَعَا يَا مَنْ يُجِيب إلَى النَّدَى لَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْد ذَاكَ مُجِيب يُرِيد : فَلَمْ يُجِبْهُ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مُجَاهِد وَجَمَاعَة غَيْره . 2389 -

حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد قَوْله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } قَالَ : فَلْيُطِيعُوا لِي , قَالَ : الِاسْتِجَابَة : الطَّاعَة . 2390 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ قَوْله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } قَالَ : طَاعَة اللَّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } فَلْيَدْعُونِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2391 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي رَجَاء الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } : فَلْيَدْعُونِي .

وَأَمَّا قَوْله :

{ وَلْيُؤْمِنُوا بِي } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلْيُصَدِّقُوا , أَيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي إذَا هُمْ اسْتَجَابُوا لِي بِالطَّاعَةِ أَنِّي لَهُمْ مِنْ وَرَاء طَاعَتهمْ لِي فِي الثَّوَاب عَلَيْهَا وَإِجْزَالِي الْكَرَامَة لَهُمْ عَلَيْهَا . وَأَمَّا الَّذِي تَأَوَّلَ قَوْله : { فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي } أَيْ بِمَعْنَى فَلْيَدْعُونِي , فَإِنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّل قَوْله : { وَلْيُؤْمِنُوا بِي } : وَلْيُؤْمِنُوا بِي أَنِّي أَسْتَجِيب لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2392 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ أَبِي رَجَاء الْخُرَاسَانِيّ : { وَلْيُؤْمِنُوا بِي } يَقُول : أَنِّي أَسْتَجِيب لَهُمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي بِالطَّاعَةِ , وَلْيُؤْمِنُوا بِي فَيُصَدِّقُوا عَلَى طَاعَتهمْ إيَّايَ بِالثَّوَابِ مِنِّي لَهُمْ وَلْيَهْتَدُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ فَيَرْشُدُوا كَمَا : 2393 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } يَقُول : لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا مَعْنَى هَذَا الْقَوْل مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ؟ فَأَنْت تَرَى كَثِيرًا مِنْ الْبَشَر يَدْعُونَ اللَّه فَلَا يُجَاب لَهُمْ دُعَاء وَقَدْ قَالَ : { أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } ؟ قِيلَ : إنَّ لِذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنْ الْمَعْنَى : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِالدَّعْوَةِ الْعَمَل بِمَا نَدَبَ اللَّه إلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيب مِمَّنْ أَطَاعَنِي وَعَمِلَ بِمَا أَمَرْته بِهِ أُجِيبهُ بِالثَّوَابِ عَلَى طَاعَته إيَّايَ إذَا أَطَاعَنِي . فَيَكُون مَعْنَى الدُّعَاء مَسْأَلَة الْعَبْد رَبّه وَمَا وَعَدَ أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى طَاعَتهمْ بِعِلْمِهِمْ بِطَاعَتِهِ , وَمَعْنَى الْإِجَابَة مِنْ اللَّه الَّتِي ضَمِنَهَا لَهُ

الْوَفَاء لَهُ بِمَا وَعَدَ الْعَامِلِينَ لَهُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : " إنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة " . 2394 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ذَرّ , عَنْ يَسِيع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة " , ثُمَّ قَرَأَ : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ } 40 60 فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دُعَاء اللَّه إنَّمَا هُوَ عِبَادَته وَمَسْأَلَته بِالْعَمَلِ لَهُ وَالطَّاعَة وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ ذُكِرَ أَنَّ الْحَسَن كَانَ يَقُول . 2395 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي مَنْصُور بْن هَارُون , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِيهَا : { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } 40 60 قَالَ : اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ حَقّ عَلَى اللَّه أَنْ يَسْتَجِيب الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَيَزِيدهُمْ مِنْ فَضْله . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ إذَا دَعَانِ إنْ شِئْت . فَيَكُون ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا مَخْرَجه فِي التِّلَاوَة خَاصًّا مَعْنَاهُ .
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَسورة البقرة الآية رقم 187
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُحِلّ لَكُمْ } أُطْلِقَ لَكُمْ وَأُبِيحَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَيْلَة الصِّيَام } فِي لَيْلَة الصِّيَام . فَأَمَّا الرَّفَث فَإِنَّهُ كِنَايَة عَنْ الْجِمَاع فِي هَذَا الْمَوْضِع , يُقَال : هُوَ الرَّفَث وَالرُّفُوث . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : { وَأُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرُّفُوث إلَى نِسَائِكُمْ } وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الرَّفَث قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ بَكْر عَنْ عَبْد اللَّه الْمُزَنِيِّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع , وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يُكَنِّي . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , عَنْ بَكْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : النِّكَاح . 2397 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . 2398 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } قَالَ : الْجِمَاع . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . *

- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : هُوَ النِّكَاح . 2399 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ ثنا عَبْد الْكَبِير الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن عُثْمَان , قَالَ : سَأَلْت سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ قَوْله : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } قَالَ : هُوَ الْجِمَاع . 2400 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } يَقُول : الْجِمَاع . وَالرَّفَث فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع الْإِفْحَاش فِي الْمَنْطِق كَمَا قَالَ الْعَجَّاج : عَنْ اللَّغَا وَرَفَث التَّكَلُّم

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : نِسَاؤُكُمْ لِبَاس لَكُمْ , وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَكُون نِسَاؤُنَا لِبَاسًا لَنَا وَنَحْنُ لَهُنَّ لِبَاسًا وَاللِّبَاس إنَّمَا هُوَ مَا لُبِسَ ؟ قِيلَ : لِذَلِكَ وَجْهَانِ مِنْ الْمَعَانِي : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا جُعِلَ لِصَاحِبِهِ لِبَاسًا , لِتَخَرُّجِهِمَا عِنْد النَّوْم وَاجْتِمَاعهمَا فِي ثَوْب وَاحِد وَانْضِمَام جَسَد كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَلْبَسهُ عَلَى جَسَده مِنْ ثِيَابه , فَقِيلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا هُوَ لِبَاس لِصَاحِبِهِ , كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي جَعْدَة : إذَا مَا الضَّجِيع ثَنَى عِطْفهَا تَدَاعَتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا وَيُرْوَى " تَثَنَّتْ " فَكَنَّى عَنْ اجْتِمَاعهمَا مُتَجَرِّدَيْنِ فِي فِرَاش وَاحِد بِاللِّبَاسِ كَمَا يُكَنَّى بِالثِّيَابِ عَنْ جَسَد الْإِنْسَان , كَمَا قَالَتْ لَيْلَى وَهِيَ تَصِف إبِلًا رَكِبَهَا قَوْم : رَمَوْهَا بِأَثْوَابِ خِفَاف فَلَا تُرَى لَهَا شَبَهًا إلَّا النَّعَام الْمُنَفَّرَا يَعْنِي رَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكِبُوهَا . وَكَمَا قَالَ الْهُذَلِيّ . تَبَرَّأُ مِنْ دَم الْقَتِيل وَوَتْره وَقَدْ عَلِقَتْ دَمَ الْقَتِيل إزَارُهَا يَعْنِي بِإِزَارِهَا نَفْسهَا . وَبِذَلِكَ كَانَ الرَّبِيع يَقُول : 2401 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } يَقُول : هُنَّ لِحَاف لَكُمْ , وَأَنْتُمْ لِحَاف لَهُنَّ . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَكُون جُعِلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا

لِصَاحِبِهِ لِبَاسًا لِأَنَّهُ سَكَن لَهُ , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل لِبَاسًا } 25 47 يَعْنِي بِذَلِكَ سَكَنًا تَسْكُنُونَ فِيهِ . وَكَذَلِكَ زَوْجَة الرَّجُل سَكَنه يَسْكُن إلَيْهَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا لِيَسْكُن إلَيْهَا } 7 189 فَيَكُون كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لِبَاسًا لِصَاحِبِهِ , بِمَعْنَى سُكُونه إلَيْهِ , وَبِذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد وَغَيْره يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ يُقَال لِمَا سَتَرَ الشَّيْء وَوَارَاهُ عَنْ أَبْصَار النَّاظِرِينَ إلَيْهِ هُوَ لِبَاسه وَغِشَاؤُهُ , فَجَائِز أَنْ يَكُون قِيلَ : هُنَّ لِبَاس لَكُمْ , وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ , بِمَعْنَى أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْكُمْ سَتْر لِصَاحِبِهِ فِيمَا يَكُون بَيْنكُمْ مِنْ الْجِمَاع عَنْ أَبْصَار سَائِر النَّاس . وَكَانَ مُجَاهِد وَغَيْره يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 2402 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } يَقُول : سَكَن لَهُنَّ . 2403 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } قَالَ قَتَادَة : هُنَّ سَكَن لَكُمْ , وَأَنْتُمْ سَكَن لَهُنَّ . 2404 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ } يَقُول : سَكَن لَكُمْ , { وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } يَقُول : سَكَن لَهُنَّ . 2405 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد فِي قَوْله : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } قَالَ : الْمُوَاقَعَة . 2406 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم , عَنْ يَزِيد , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } قَالَ : هُنَّ سَكَن لَكُمْ , وَأَنْتُمْ سَكَن لَهُنَّ .

الْقَوْل

فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا هَذِهِ الْخِيَانَة الَّتِي كَانَ الْقَوْم يَخْتَانُونَهَا أَنْفُسهمْ الَّتِي تَابَ اللَّه مِنْهَا عَلَيْهِمْ فَعَفَا عَنْهُمْ ؟ قِيلَ : كَانَتْ خِيَانَتهمْ أَنْفُسهمْ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي شَيْئَيْنِ : أَحَدهمَا جِمَاع النِّسَاء , وَالْآخَر : الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب فِي الْوَقْت الَّذِي كَانَ حَرَامًا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . كَمَا : 2407 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي لَيْلَى : أَنَّ الرَّجُل كَانَ إذَا أَفْطَرَ فَنَامَ لَمْ يَأْتِهَا , وَإِذَا نَامَ لَمْ يَطْعَم , حَتَّى جَاءَ عُمَر بْن الْخَطَّاب يُرِيد امْرَأَته فَقَالَتْ امْرَأَته : قَدْ كُنْت نِمْت ! فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلّ فَوَقَعَ بِهَا قَالَ : وَجَاءَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَأَرَادَ أَنْ يَطْعَم فَقَالُوا : نُسَخِّن لَك شَيْئًا ؟ قَالَ : ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } الْآيَة . 2408 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : ثنا حُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى قَالَ : كَانُوا يَصُومُونَ ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر , فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَان كَانُوا يَصُومُونَ , فَإِذَا لَمْ يَأْكُل الرَّجُل عِنْد فِطْره حَتَّى يَنَام لَمْ يَأْكُل إلَى مِثْلهَا , وَإِنْ نَامَ أَوْ نَامَتْ امْرَأَته لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيهَا إلَى مِثْلهَا . فَجَاءَ شَيْخ مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ صِرْمَة بْن مَالِك , فَقَالَ لِأَهْلِهِ : أَطْعِمُونِي ! فَقَالَتْ : حَتَّى أَجْعَل لَك شَيْئًا سُخْنًا , قَالَ : فَغَلَبَتْهُ عَيْنه فَنَامَ . ثُمَّ جَاءَ عُمَر فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته : إنِّي قَدْ نِمْت ! فَلَمْ يَعْذُرهَا وَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلّ فَوَاقَعَهَا . فَبَاتَ هَذَا وَهَذَا يَتَقَلَّبَانِ لَيْلَتهمَا ظَهْرًا وَبَطْنًا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } وَقَالَ : { فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } فَعَفَا اللَّه عَنْ ذَلِكَ . وَكَانَتْ سُنَّة . 2409 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل , قَالَ : كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاء مَا لَمْ يَنَامُوا , فَإِذَا نَامُوا تَرَكُوا الطَّعَام وَالشَّرَاب وَإِتْيَان النِّسَاء , فَكَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُدْعَى أَبَا صِرْمَة يَعْمَل فِي أَرْض لَهُ , قَالَ : فَلَمَّا كَانَ عِنْد فِطْره نَامَ , فَأَصْبَحَ صَائِمًا قَدْ جَهِدَ , فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا لِي أَرَى بِك جُهْدًا " ؟ , فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْره . وَاخْتَانَ رَجُل نَفْسه فِي شَأْن النِّسَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } . .. إلَى آخِر الْآيَة . 2410 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء - نَحْو حَدِيث ابْن أَبِي لَيْلَى الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى - قَالَ : كَانُوا إذَا صَامُوا وَنَامَ أَحَدهمْ لَمْ يَأْكُل شَيْئًا حَتَّى يَكُون مِنْ الْغَد , فَجَاءَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , وَقَدْ عَمِلَ فِي أَرْض لَهُ وَقَدْ أَعْيَا وَكَلَّ , فَغَلَبَتْهُ عَيْنه وَنَامَ , وَأَصْبَحَ مِنْ الْغَد مَجْهُودًا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } . 2411 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ الرَّجُل صَائِمًا فَنَامَ قَبْل أَنْ يُفْطِر لَمْ يَأْكُل إلَى مِثْلهَا , وَإِنَّ قَيْس بْن صِرْمَة الْأَنْصَارِيّ كَانَ صَائِمًا , وَكَانَ تَوَجَّهَ ذَلِكَ الْيَوْم فَعَمِلَ فِي أَرْضه , فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَار أَتَى امْرَأَته فَقَالَ : هَلْ عِنْدكُمْ طَعَام ؟ قَالَتْ : لَا , وَلَكِنْ أَنْطَلِق فَأَطْلُب لَك . فَغَلَبَتْهُ عَيْنه فَنَامَ , وَجَاءَتْ امْرَأَته قَالَتْ : قَدْ نِمْت ! فَلَمْ يَنْتَصِف النَّهَار حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ , فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } إلَى : { مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد } فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا . 2412 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي شَهْر رَمَضَان إذَا صَلَّوْا الْعِشَاء حُرِّمَ عَلَيْهِمْ النِّسَاء وَالطَّعَام إلَى مِثْلهَا مِنْ الْقَابِلَة , ثُمَّ إنَّ نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا الطَّعَام وَالنِّسَاء فِي رَمَضَان بَعْد الْعِشَاء , مِنْهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } يَعْنِي انْكِحُوهُنَّ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } . 2413 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن لَهِيعَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْن جُبَيْر مَوْلَى بَنِي سَلَمَة أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ النَّاس فِي رَمَضَان إذَا صَامَ الرَّجُل فَأَمْسَى فَنَامَ حُرِّمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالنِّسَاء حَتَّى يُفْطِر مِنْ الْغَد . فَرَجَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب مِنْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة وَقَدْ سَمَرَ عِنْده , فَوَجَدَ امْرَأَته قَدْ نَامَتْ فَأَرَادَهَا , فَقَالَتْ : إنِّي قَدْ نِمْت ! فَقَالَ : مَا نِمْت ! ثُمَّ وَقَعَ بِهَا , وَصَنَعَ كَعْب بْن مَالِك مِثْل ذَلِكَ . فَغَدَا عُمَر بْن الْخَطَّاب إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَالُونَ أَنْفُسكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } . .. الْآيَة . 2414 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : ثنا ثَابِت : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَاقَعَ أَهْله لَيْلَة فِي رَمَضَان , فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } . 2415 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ } إلَى : { وَعَفَا عَنْكُمْ } كَانَ النَّاس أَوَّل مَا أَسْلَمُوا إذَا صَامَ أَحَدهمْ يَصُوم يَوْمه , حَتَّى إذَا أَمْسَى طَعِمَ مِنْ الطَّعَام فِيمَا بَيْنه وَبَيْن الْعَتَمَة , حَتَّى إذَا صَلِيَتْ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الطَّعَام حَتَّى يُمْسِي مِنْ اللَّيْلَة الْقَابِلَة . وَإِنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب بَيْنَمَا هُوَ نَائِم , إذْ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسه , فَأَتَى أَهْله لِبَعْضِ حَاجَته , فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي وَيَلُوم نَفْسه كَأَشَدّ مَا رَأَيْت مِنْ الْمَلَامَة . ثُمَّ أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إنَى أَعْتَذِر إلَى اللَّه وَإِلَيْك مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَة , فَانّهَا زَيَّنَتْ لِي فَوَاقَعْت أَهْلِي , هَلْ تَجِد لِي مِنْ رُخْصَة يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " لَمْ تَكُنْ حَقِيقًا بِذَلِكَ يَا عُمَر " , فَلَمَّا بَلَغَ بَيْته , أَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِي آيَة مِنْ الْقُرْآن , وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَضَعهَا فِي الْمِائَة الْوُسْطَى مِنْ سُورَة الْبَقَرَة , فَقَالَ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } إلَى { عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ الَّذِي فَعَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب . فَأَنْزَلَ اللَّه عَفْوه , فَقَالَ : { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } إلَى : { مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد } فَأَحَلَّ لَهُمْ الْمُجَامَعَة وَالْأَكْل وَالشُّرْب حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُمْ الصُّبْح . 2416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الصِّيَام بِالنَّهَارِ , فَإِذَا أَمْسَى أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ النِّسَاء , فَإِذَا رَقَدَ حُرِّمَ ذَلِكَ كُلّه عَلَيْهِ إلَى مِثْلهَا مِنْ الْقَابِلَة . وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَال يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ فِي ذَلِكَ , فَعَفَا اللَّه عَنْهُمْ , وَأَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْد الرُّقَاد وَقَبْله فِي اللَّيْل كُلّه . 2417 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الصَّائِم فِي رَمَضَان , فَإِذَا أَمْسَى , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو وَزَادَ فِيهِ : وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَال يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ , وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب مِمَّنْ اخْتَانَ نَفْسه , فَعَفَا اللَّه عَنْهُمْ , وَأَحَلَّ ذَلِكَ لَهُمْ بَعْد الرُّقَاد وَقَبْله , وَفِي اللَّيْل كُلّه . 2418 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيل بْن شَرُوسٍ , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس : أَنَّ رَجُلًا قَدْ سَمَّاهُ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَار جَاءَ لَيْلَة وَهُوَ صَائِم , فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته : لَا تَنَمْ حَتَّى نَصْنَع لَك طَعَامًا ! فَنَامَ , فَجَاءَتْ فَقَالَتْ : نِمْت وَاَللَّه ! فَقَالَ : لَا وَاَللَّه ! قَالَتْ : بَلَى وَاَللَّه ! فَلَمْ يَأْكُل تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَصْبَحَ صَائِمًا , فَغُشِيَ عَلَيْهِ ; فَأُنْزِلَتْ الرُّخْصَة فِيهِ . 2419 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ } وَكَانَ بَدْء الصِّيَام أُمِرُوا بِثَلَاثَةِ أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر رَكْعَتَيْنِ غَدْوَة , وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّة , فَأَحَلَّ اللَّه لَهُمْ فِي صِيَامهمْ - فِي ثَلَاثَة أَيَّام , وَفِي أَوَّل مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي رَمَضَان - إذَا أَفْطَرُوا وَكَانَ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَغِشْيَان النِّسَاء لَهُمْ حَلَالًا مَا لَمْ يَرْقُدُوا , فَإِذَا رَقَدُوا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إلَى مِثْلهَا مِنْ الْقَابِلَة . وَكَانَتْ خِيَانَة الْقَوْم أَنَّهُمْ كَانُوا يُصِيبُونَ أَوْ يَنَالُونَ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَغِشْيَان النِّسَاء بَعْد الرُّقَاد , وَكَانَتْ تِلْكَ خِيَانَة الْقَوْم أَنْفُسهمْ , ثُمَّ أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَغِشْيَان النِّسَاء إلَى طُلُوع الْفَجْر . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } قَالَ : كَانَ النَّاس قَبْل هَذِهِ الْآيَة إذَا رَقَدَ أَحَدهمْ مِنْ اللَّيْل رَقْدَة , لَمْ يَحِلّ لَهُ طَعَام وَلَا شَرَاب , وَلَا أَنْ يَأْتِي امْرَأَته إلَى اللَّيْلَة الْمُقْبِلَة , فَوَقَعَ بِذَلِكَ بَعْض الْمُسْلِمِينَ , فَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَ بَعْد هَجْعَته أَوْ شَرِبَ , وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَته فَرَخَّصَ اللَّه ذَلِكَ لَهُمْ . 2420 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كُتِبَ عَلَى النَّصَارَى رَمَضَان , وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا وَلَا يَشْرَبُوا بَعْد النَّوْم وَلَا يَنْكِحُوا النِّسَاء شَهْر رَمَضَان , فَكُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ يَصْنَعُونَ كَمَا تَصْنَع النَّصَارَى , حَتَّى أَقْبَلَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو قَيْس بْن صِرْمَة , وَكَانَ يَعْمَل فِي حِيطَان الْمَدِينَة بِالْأَجْرِ , فَأَتَى أَهْله بِتَمْرٍ , فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : اسْتَبْدِلِي بِهَذَا التَّمْر طَحِينًا فَاجْعَلِيهِ سَخِينَة لَعَلِّي أَنْ آكُلهُ , فَإِنَّ التَّمْر قَدْ أَحْرَقَ جَوْفِي , فَانْطَلَقَتْ فَاسْتَبْدَلَتْ لَهُ , ثُمَّ صَنَعَتْ , فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ فَنَامَ , فَأَيْقَظَتْهُ , فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِي اللَّه وَرَسُوله , وَأَبَى أَنْ يَأْكُل , وَأَصْبَحَ صَائِمًا ; فَرَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَشِيِّ , فَقَالَ : " مَا لَك يَا أَبَا قَيْس أَمْسَيْت طَلِيحًا " , فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّة . وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَقَعَ عَلَى جَارِيَة لَهُ فِي نَاس مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَمْلِكُوا أَنْفُسهمْ ; فَلَمَّا سَمِعَ عُمَر كَلَام أَبِي قَيْس رَهِبَ أَنْ يَنْزِل فِي أَبِي قَيْس شَيْء , فَتَذَكَّرَ هُوَ , فَقَامَ فَاعْتَذَرَ إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إنِّي أَعُوذ بِاَللَّهِ إنِّي وَقَعْت عَلَى جَارِيَتِي , وَلَمْ أَمْلِك نَفْسِي الْبَارِحَة ! فَلَمَّا تَكَلَّمَ عُمَر تَكَلَّمَ أُولَئِكَ النَّاس , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا كُنْت جَدِيرًا بِذَلِكَ يَا ابْن الْخَطَّاب " , فَنُسِخَ ذَلِكَ عَنْهُمْ , فَقَالَ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ , عَلِمَ اللَّه أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسكُمْ } يَقُول : إنَّكُمْ تَقَعُونَ عَلَيْهِنَّ خِيَانَة , { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَقُول : جَامِعُوهُنَّ ; وَرَجَعَ إلَى أَبِي قَيْس فَقَالَ : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } . 2421 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } قَالَ : كَانُوا فِي رَمَضَان لَا يَمَسُّونَ النِّسَاء وَلَا يَطْعَمُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ بَعْد أَنْ يَنَامُوا حَتَّى اللَّيْل مِنْ الْقَابِلَة , فَإِنْ مَسُّوهُنَّ قَبْل أَنْ يَنَامُوا لَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا . فَأَصَابَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار امْرَأَته بَعْد أَنْ نَامَ , فَقَالَ : قَدْ اخْتَنْت نَفْسِي ! فَنَزَلَ الْقُرْآن , فَأُحِلّ لَهُمْ النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الصَّائِم مِنْهُمْ فِي رَمَضَان , فَإِذَا أَمْسَى أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ النِّسَاء , فَإِذَا رَقَدَ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلّه حَتَّى كَمِثْلِهَا مِنْ الْقَابِلَة , وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَاله يَخْتَانُونَ أَنْفُسهمْ فِي ذَلِكَ . فَعَفَا عَنْهُمْ وَأُحِلّ لَهُمْ بَعْد الرُّقَاد وَقَبْله فِي اللَّيْل , فَقَالَ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } . .. الْآيَة . 2422 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } مِثْل قَوْل مُجَاهِد , وَزَادَ فِيهِ : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ لِامْرَأَتِهِ : لَا تَرْقُدِي حَتَّى أَرْجِع مِنْ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَرَقَدَتْ قَبْل أَنْ يَرْجِع , فَقَالَ لَهَا : مَا أَنْت بِرَاقِدَةٍ ! ثُمَّ أَصَابَهَا حَتَّى جَاءَ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . قَالَ عِكْرِمَة : نَزَلَتْ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا } الْآيَة فِي أَبِي قَيْس بْن صِرْمَة مِنْ بَنِي الْخَزْرَج أَكَلَ بَعْد الرُّقَاد . 2423 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان أَنَّ صِرْمَة بْن أَنَس أَتَى أَهْله ذَات لَيْلَة وَهُوَ شَيْخ كَبِير وَهُوَ صَائِم , فَلَمْ يُهَيِّئُوا لَهُ طَعَامًا , فَوَضَعَ رَأْسه فَأَغْفَى , وَجَاءَتْهُ امْرَأَته بِطَعَامِهِ , فَقَالَتْ لَهُ : كُلْ ! فَقَالَ : إنِّي قَدْ نِمْت , قَالَتْ : إنَّك لَمْ تَنَمْ ! فَأَصْبَحَ جَائِعًا مَجْهُودًا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } فَأَمَّا الْمُبَاشَرَة فِي كَلَام الْعَرَب : فَإِنَّهُ مُلَاقَاة بَشَرَة بِبَشَرَةٍ , وَبَشَرَة الرَّجُل : جِلْدَته الظَّاهِرَة . وَإِنَّمَا كَنَّى اللَّه بِقَوْلِهِ : { فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } عَنْ الْجِمَاع : يَقُول : فَالْآن إذَا أَحْلَلْت لَكُمْ الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ فَجَامِعُوهُنَّ فِي لَيَالِي شَهْر رَمَضَان حَتَّى يَطْلُع الْفَجْر , وَهِيَ تَبَيُّن الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر , وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي الْمُبَاشَرَة قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2424 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان . وَحَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن سِنَان , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , عَنْ سُفْيَان . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْمُبَاشَرَة : الْجِمَاع , وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يُكَنِّي . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس نَحْوه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } انْكِحُوهُنَّ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْمُبَاشَرَة : النِّكَاح . 2425 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } قَالَ : الْجِمَاع , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْر الْمُبَاشَرَة فَهُوَ الْجِمَاع نَفْسه , وَقَالَهَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير مِثْل قَوْل عَطَاء فِي الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالنِّسَاء . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ قَالَ : وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْمُبَاشَرَة الْجِمَاع , وَلَكِنَّ اللَّه يُكَنِّي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم , قَالَ أَبُو بِشْر : أَخْبَرَنَا , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس مِثْله . 2426 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } يَقُول : جَامِعُوهُنَّ . 2427 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُبَاشَرَة : الْجِمَاع . 2428 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبَدَة بْن أَبِي لُبَابَة , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : الْمُبَاشَرَة فِي كِتَاب اللَّه : الْجِمَاع . * - حَدَّثَنَا ابْن الْبَرْقِيّ , ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : قَالَ الْأَوْزَاعِيّ : ثنا مَنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : الْمُبَاشَرَة فِي كِتَاب اللَّه الْجِمَاع .

وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : الْوَلَد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2429 - حَدَّثَنِي عَبَدَة بْن عَبْد اللَّه الصَّفَّار الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن زِيَاد الْكَاتِب , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْوَلَد . 2430 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف وَأَبُو دَاوُد , عَنْ شُعْبَة قَالَ : سَمِعْت الْحَكَم : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْوَلَد . 2431 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْوَلَد . 2432 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , ثنا أَبُو مَرْدُود بَحْر بْن مُوسَى قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْوَلَد . 2433 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } فَهُوَ الْوَلَد . 2434 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي الْوَلَد . 2435 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي

نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْوَلَد , فَإِنْ لَمْ تَلِد هَذِهِ فَهَذِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : هُوَ الْوَلَد . 2436 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : مَا كَتَبَ لَكُمْ مِنْ الْوَلَد . 2437 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْجِمَاع . 2438 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : الْوَلَد . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ لَيْلَة الْقَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2439 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : لَيْلَة الْقَدْر . قَالَ أَبُو هِشَام : هَكَذَا قَرَأَهَا مُعَاذ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن أَبِي جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن مَالِك عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : لَيْلَة الْقَدْر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّه لَكُمْ وَرَخَّصَهُ لَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2440 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } يَقُول : مَا أَحَلَّهُ اللَّه لَكُمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ : ابْتَغُوا الرُّخْصَة الَّتِي كُتِبَتْ لَكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضهمْ : { وَاتَّبِعُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2441 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : كَيْفَ تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { وَابْتَغُوا } أَوْ " وَاتَّبِعُوا " ؟ قَالَ : أَيَّتهمَا شِئْت . قَالَ : عَلَيْك بِالْقِرَاءَةِ الْأُولَى . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { وَابْتَغُوا } بِمَعْنَى : اُطْلُبُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ , يَعْنِي الَّذِي قَضَى اللَّه تَعَالَى لَكُمْ . وَإِنَّمَا يُرِيد اللَّه تَعَالَى ذِكْره : اُطْلُبُوا الَّذِي كَتَبْت لَكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَنَّهُ يُبَاح فَيُطْلَق لَكُمْ وَطَلَب الْوَلَد إنْ طَلَبَهُ الرَّجُل بِجِمَاعِهِ الْمَرْأَة مِمَّا كَتَبَ اللَّه لَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ , وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَ لَيْلَة الْقَدْر , فَهُوَ مِمَّا كَتَبَ اللَّه لَهُ , وَكَذَلِكَ إنْ طَلَبَ مَا أَحَلَّ اللَّه وَأَبَاحَهُ , فَهُوَ مِمَّا كَتَبَهُ لَهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقَدْ يَدْخُل فِي قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } جَمِيع مَعَانِي الْخَيْر الْمَطْلُوبَة , غَيْر أَنَّ أَشْبَه الْمَعَانِي بِظَاهِرِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ : وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ مِنْ الْوَلَد لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { فَالْآن بَاشِرُوهُنَّ } بِمَعْنَى : جَامِعُوهُنَّ ; فَلِأَنْ يَكُون قَوْله : { وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } بِمَعْنَى : وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّه فِي مُبَاشَرَتكُمْ إيَّاهُنَّ مِنْ الْوُدّ وَالنَّسْل أَشْبَه بِالْآيَةِ مِنْ غَيْره مِنْ التَّأْوِيلَات الَّتِي لَيْسَ عَلَى صِحَّتهَا دَلَالَة مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَلَا خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : الْخَيْط الْأَبْيَض : ضَوْء النَّهَار . وَبِقَوْلِهِ : الْخَيْط الْأَسْوَد

: سَوَاد اللَّيْل . فَتَأْوِيله عَلَى قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة : وَكُلُوا بِاللَّيْلِ فِي شَهْر صَوْمكُمْ , وَاشْرَبُوا , وَبَاشِرُوا نِسَاءَكُمْ . مُبْتَغِينَ مَا كَتَبَ اللَّه لَكُمْ مِنْ الْوَلَد , مِنْ أَوَّل اللَّيْل إلَى أَنْ يَقَع لَكُمْ ضَوْء النَّهَار بِطُلُوعِ الْفَجْر مِنْ ظُلْمَة اللَّيْل وَسَوَاده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2442 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } قَالَ : اللَّيْل مِنْ النَّهَار . 2443 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } قَالَ : حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ النَّهَار مِنْ اللَّيْل . ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إلَى اللَّيْل . 2444 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَام إلَى اللَّيْل } فَهُمَا عَلَمَانِ وَحَدَّانِ بَيِّنَانِ فَلَا يَمْنَعكُمْ أَذَان مُؤَذِّن مُرَاءٍ أَوْ قَلِيل الْعَقْل مِنْ سُحُوركُمْ فَإِنَّهُمْ يُؤَذِّنُونَ بِهَجِيعٍ مِنْ اللَّيْل طَوِيل . وَقَدْ يُرَى بَيَاض مَا عَلَى السَّحَر يُقَال لَهُ الصُّبْح الْكَاذِب كَانَتْ تُسَمِّيه الْعَرَب , فَلَا يَمْنَعكُمْ ذَلِكَ مِنْ سُحُوركُمْ , فَإِنَّ الصُّبْح لَا خَفَاء بِهِ : طَرِيقَة مُعْتَرِضَة فِي الْأُفُق , وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الصُّبْح , فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَمْسِكُوا . 2445 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } يَعْنِي اللَّيْل مِنْ النَّهَار . فَأَحَلَّ لَكُمْ الْمُجَامَعَة وَالْأَكْل وَالشُّرْب حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الصُّبْح , فَإِذَا تَبَيَّنَ الصُّبْح حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْمُجَامَعَة وَالْأَكْل وَالشُّرْب حَتَّى يُتِمُّوا الصِّيَام إلَى اللَّيْل . فَأَمَرَ بِصَوْمِ النَّهَار إلَى اللَّيْل , وَأَمَرَ بِالْإِفْطَارِ بِاللَّيْلِ . 2446 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , وَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : { الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } ؟ قَالَ : " إنَّك لَعَرِيض الْقَفَا " , قَالَ : هَذَا ذَهَاب اللَّيْل وَمَجِيء النَّهَار . قِيلَ لَهُ : الشَّعْبِيّ عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم ؟ قَالَ : نَعَمْ , حَدَّثَنَا حُصَيْن . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة وَتَأَوَّلَ الْآيَة هَذَا التَّأْوِيل مَا : 2447 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه , قَوْل اللَّه : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } قَالَ : " هُوَ بَيَاض النَّهَار وَسَوَاد اللَّيْل " 2448 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن نُمَيْر وَعَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُجَالِد , عَنْ سَعِيد , عَنْ عَامِر , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَنِي الْإِسْلَام , وَنَعَتَ لِي الصَّلَوَات , كَيْفَ أُصَلِّي كُلّ صَلَاة لِوَقْتِهَا , ثُمَّ قَالَ : " إذَا جَاءَ رَمَضَان فَكُلْ وَاشْرَبْ حَتَّى يَتَبَيَّن لَك الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر , ثُمَّ أَتِمَّ الصِّيَام إلَى اللَّيْل " , وَلَمْ أَدْرِ مَا هُوَ , فَفَعَلْت خَيْطَيْنِ مِنْ أَبْيَض وَأَسْوَد , فَنَظَرْت فِيهِمَا عِنْد الْفَجْر , فَرَأَيْتهمَا سَوَاء . فَأَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه كُلّ شَيْء أَوْصَيْتنِي قَدْ حَفِظْت , غَيْر الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد , قَالَ : " وَمَا مَنَعَك يَا ابْن حَاتِم ؟ " وَتَبَسَّمَ كَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مَا فَعَلْت . قُلْت : فَتَلْت خَيْطَيْنِ مِنْ أَبْيَض وَأَسْوَد فَنَظَرْت فِيهِمَا مِنْ اللَّيْل فَوَجَدْتهمَا سَوَاء . فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رُئِيَ نَوَاجِذه , ثُمَّ قَالَ : " أَلَمْ أَقُلْ لَك مِنْ الْفَجْر ؟ إنَّمَا هُوَ ضَوْء النَّهَار وَظُلْمَة اللَّيْل " . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا دَاوُد وَابْن عُلَيَّة جَمِيعًا , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم , قَالَ : قُلْت لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد , أَهُمَا خَيْطَانِ أَبْيَض وَأَسْوَد ؟ فَقَالَ : وَإِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا إنْ أَبْصَرْت الْخَيْطَيْنِ " , ثُمَّ قَالَ : " لَا وَلَكِنَّهُ سَوَاد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار " . 2449 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا أَبُو حَازِم عَنْ سَهْل بْن سَعْد , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد } فَلَمْ يَنْزِل { مِنْ الْفَجْر } قَالَ : فَكَانَ رِجَال إذَا أَرَادُوا الصَّوْم رَبَطَ أَحَدهمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْط الْأَسْوَد وَالْخَيْط الْأَبْيَض , فَلَا يَزَال يَأْكُل وَيَشْرَب حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُ ; فَأَنْزَلَ اللَّه بَعْد ذَلِكَ : { مِنْ الْفَجْر } فَعَلِمُوا إنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ : اللَّيْل وَالنَّهَار . وَقَالَ مُتَأَوِّلُو قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر } أَنَّهُ بَيَاض النَّهَار وَسَوَاد اللَّيْل , صِفَة ذَلِكَ الْبَيَاض أَنْ يَكُون مُ
وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَسورة البقرة الآية رقم 188
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَال النَّاس بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلَا يَأْكُل بَعْضكُمْ مَال بَعْض بِالْبَاطِلِ . فَحَمَلَ تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَكْل مَال أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ كَالْآكِلِ مَال نَفْسه بِالْبَاطِلِ , وَنَظِير ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسكُمْ } 49 11 وَقَوْله : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } 4 29 بِمَعْنَى : لَا يَلْمِز بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَلَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَة , فَقَاتِل أَخِيهِ كَقَاتِلِ نَفْسه , وَلَامِزه كَلَامِزِ نَفْسه , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب تُكَنِّي عَنْ أَنْفُسهَا بِأَخَوَاتِهَا , وَعَنْ أَخَوَاتهَا بِأَنْفُسِهَا

, فَتَقُول : أَخِي وَأَخُوك أَيّنَا أَبْطَش , تَعْنِي أَنَا وَأَنْت نَصْطَرِع فَنَنْظُر أَيّنَا أَشَدّ , فَيُكَنِّي الْمُتَكَلِّم عَنْ نَفْسه بِأَخِيهِ , لِأَنَّ أَخَا الرَّجُل عِنْدهَا كَنَفْسِهِ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : أَخِي وَأَخُوك بِبَطْنِ النُّسَيْر لَيْسَ لَنَا مِنْ مَعَدّ عَرِيب فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَا يَأْكُل بَعْضكُمْ أَمْوَال بَعْض فِيمَا بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ , وَأَكْله بِالْبَاطِلِ أَكْله مِنْ غَيْر الْوَجْه الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّه لِآكِلِيهِ . وَأَمَّا قَوْله : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَتُخَاصِمُوا بِهَا , يَعْنِي بِأَمْوَالِكُمْ إلَى الْحُكَّام لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا , طَائِفَة مِنْ أَمْوَال النَّاس بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِالْإِثْمِ } بِالْحَرَامِ الَّذِي قَدْ حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْكُمْ , { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَيْ وَأَنْتُمْ تَتَعَمَّدُونَ أَكْل ذَلِكَ بِالْإِثْمِ عَلَى قَصْد مِنْكُمْ إلَى مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْهُ , وَمَعْرِفَة بِأَنَّ فِعْلكُمْ ذَلِكَ مَعْصِيَة لِلَّهِ وَإِثْم . كَمَا : 2503 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } فَهَذَا فِي الرَّجُل يَكُون عَلَيْهِ مَال وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنَة فَيَجْحَد الْمَال فَيُخَاصِمهُمْ إلَى الْحُكَّام وَهُوَ يَعْرِف أَنَّ الْحَقّ عَلَيْهِ , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ آثِم آكِل حَرَامًا . 2504 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } قَالَ : لَا تُخَاصِم وَأَنْت ظَالِم . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2505 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } وَكَانَ يُقَال : مَنْ مَشَى مَعَ خَصْمه وَهُوَ لَهُ ظَالِم فَهُوَ آثِم حَتَّى يَرْجِع إلَى الْحَقّ . وَاعْلَمْ يَا ابْن آدَم أَنَّ قَضَاء الْقَاضِي لَا يُحِلّ لَك حَرَامًا وَلَا يَحِقّ لَك بَاطِلًا , وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى وَيَشْهَد بِهِ الشُّهُود , وَالْقَاضِي بَشَر يُخْطِئ وَيُصِيب . وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ قَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْبَاطِلِ , فَإِنَّ خُصُومَته لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَجْمَع اللَّه بَيْنهمَا يَوْم الْقِيَامَة , فَيَقْضِي عَلَى الْمُبْطِل لِلْمُحِقِّ , وَيَأْخُذ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقّ فِي الدُّنْيَا . 2506 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } قَالَ : لَا تُدْلِ بِمَالِ أَخِيك إلَى الْحَاكِم وَأَنْت تَعْلَم أَنَّك ظَالِم , فَإِنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلّ لَك شَيْئًا كَانَ حَرَامًا عَلَيْك . 2507 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَال النَّاس بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَمَّا الْبَاطِل , يَقُول : يَظْلِم الرَّجُل مِنْكُمْ صَاحِبه , ثُمَّ يُخَاصِمهُ لِيَقْطَع مَاله وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ ظَالِم , فَذَلِكَ قَوْله : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } 2508 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني خَالِد الْوَاسِطِيّ , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَشْتَرِي السِّلْعَة فَيَرُدّهَا وَيَرُدّ مَعَهَا دَرَاهِم . 2509 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } يَقُول : يَكُون أَجْدَل مِنْهُ وَأَعْرَف بِالْحُجَّةِ , فَيُخَاصِمهُ فِي مَاله بِالْبَاطِلِ لِيَأْكُل مَاله بِالْبَاطِلِ . وَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } 4 29 قَالَ : هَذَا الْقِمَار الَّذِي كَانَ يَعْمَل بِهِ أَهْل الْجَاهِلِيَّة . وَأَصْل الْإِدْلَاء : إرْسَال الرَّجُل الدَّلْو فِي سَبَب مُتَعَلِّقًا بِهِ فِي الْبِئْر , فَقِيلَ لِلْمُحْتَجِّ بِدَعْوَاهُ أَدْلَى بِحُجَّةِ كَيْت وَكَيْت إذْ كَانَ حُجَّته الَّتِي يَحْتَجّ بِهَا سَبَبًا لَهُ هُوَ بِهِ مُتَعَلِّق فِي خُصُومَته كَتَعَلُّقِ الْمُسْتَقِي مِنْ بِئْر بِدَلْوٍ قَدْ أَرْسَلَهَا فِيهَا بِسَبَبِهَا الَّذِي الدَّلْو بِهِ مُتَعَلِّقَة , يُقَال فِيهِمَا جَمِيعًا , أَعْنِي مِنْ الِاحْتِجَاج , وَمِنْ إرْسَال الدَّلْو فِي الْبِئْر بِسَبَبٍ : أَدْلَى فُلَان بِحُجَّتِهِ فَهُوَ يُدْلِي بِهَا إدْلَاء , وَأَدْلَى دَلْوه فِي الْبِئْر فَهُوَ يُدْلِيهَا إدْلَاء . فَأَمَّا قَوْله : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام } فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مِنْ الْإِعْرَاب , أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون قَوْله : { وَتُدْلُوا } جَزْمًا عَطْفًا عَلَى قَوْله : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ } أَيْ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام , وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بِتَكْرِيرِ حَرْف النَّهْي , وَلَا تُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّام . وَالْآخَر مِنْهُمَا النَّصْب عَلَى الظَّرْف , فَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ : لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ وَأَنْتُمْ تُدْلُونَ بِهَا إلَى الْحُكَّام , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَتَأْتِيَ مِثْله عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ يَعْنِي : لَا تَنْهَ عَنْ خُلُق وَأَنْت تَأْتِي مِثْله , وَهُوَ أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع جَزْم عَلَى مَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ أَحْسَن مِنْهُ أَنْ يَكُون نَصْبًا .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة البقرة الآية رقم 189
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ وَالْحَجّ } ذُكِرَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ زِيَادَة الْأَهِلَّة وَنُقْصَانهَا وَاخْتِلَاف أَحْوَالهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره هَذِهِ الْآيَة جَوَابًا لَهُمْ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ . ذِكْر الْأَخْبَار بِذَلِكَ : 2510 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } قَالَ قَتَادَة : سَأَلُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ : لِمَ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَهِلَّة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهَا مَا تَسْمَعُونَ : { هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } فَجَعَلَهَا لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلِإِفْطَارِهِمْ وَلِمَنَاسِكِهِمْ وَحَجّهمْ وَلِعِدَّةِ نِسَائِهِمْ وَمَحِلّ دَيْنهمْ فِي أَشْيَاء , وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُصْلِح خَلْقه . 2511 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِمَ خُلِقَتْ الْأَهِلَّة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ وَالْحَجّ } جَعَلَهَا اللَّه مَوَاقِيت لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِفْطَارهمْ وَلِحَجِّهِمْ وَمَنَاسِكهمْ وَعِدَّة نِسَائِهِمْ وَحَلّ دُيُونهمْ . 2512 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { مَوَاقِيت لِلنَّاسِ وَالْحَجّ } قَالَ : هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ فِي حَجّهمْ وَصَوْمهمْ وَفِطْرهمْ وَنُسُكهمْ . 2513 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ النَّاس : لِمَ خُلِقَتْ الْأَهِلَّة ؟ فَنَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } لِصَوْمِهِمْ وَإِفْطَارهمْ وَحَجّهمْ وَمَنَاسِكهمْ . قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : وَوَقْت حَجّهمْ , وَعِدَّة نِسَائِهِمْ , وَحَلّ دَيْنهمْ . 2514 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } فَهِيَ مَوَاقِيت الطَّلَاق وَالْحَيْض وَالْحَجّ . 2515 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } يَعْنِي حَلّ دَيْنهمْ , وَوَقْت حَجّهمْ , وَعِدَّة نِسَائِهِمْ . 2516 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَهِلَّة , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } يَعْلَمُونَ بِهَا حِلّ دَيْنهمْ , وَعِدَّة نِسَائِهِمْ , وَوَقْت حَجّهمْ

. 2517 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى , عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله : { مَوَاقِيت لِلنَّاسِ } قَالَ : هِيَ مَوَاقِيت الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - وَقَبَضَ إبْهَامه - فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا , وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا , فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ قَوْله فِي ذَلِكَ : يَسْأَلُونَك يَا مُحَمَّد عَنْ الْأَهِلَّة وَمَحَاقهَا وَسِرَارهَا وَتَمَامهَا وَاسْتِوَائِهَا وَتَغَيُّر أَحْوَالهَا بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَان وَمَحَاق وَاسْتِسْرَار , وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي خَالَفَ بَيْنه وَبَيْن الشَّمْس الَّتِي هِيَ دَائِمَة أَبَدًا عَلَى حَال وَاحِدَة لَا تَتَغَيَّر بِزِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَان , فَقُلْ يَا مُحَمَّد خَالَفَ بَيْن ذَلِكَ رَبّكُمْ لِتَصْيِيرِهِ الْأَهِلَّة الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْ أَمْرهَا وَمُخَالَفَة مَا بَيْنهَا وَبَيْن غَيْرهَا فِيمَا خَالَفَ بَيْنهَا وَبَيْنه مَوَاقِيت لَكُمْ وَلِغَيْرِكُمْ مِنْ بَنِي آدَم فِي مَعَايِشهمْ , تَرْقُبُونَ بِزِيَادَتِهَا وَنُقْصَانهَا وَمَحَاقهَا وَاسْتِسْرَارهَا وَإِهْلَالكُمْ إيَّاهَا أَوْقَات حِلّ دُيُونكُمْ , وَانْقِضَاء مُدَّة إجَارَة مَنْ اسْتَأْجَرْتُمُوهُ , وَتَصَرُّم عِدَّة نِسَائِكُمْ , وَوَقْت صَوْمكُمْ وَإِفْطَاركُمْ , فَجَعَلَهَا مَوَاقِيت لِلنَّاسِ . وَأَمَّا قَوْله : { وَالْحَجّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي وَلِلْحَجِّ , يَقُول : وَجَعَلَهَا أَيْضًا مِيقَاتًا لِحَجِّكُمْ تَعْرِفُونَ بِهَا وَقْت مَنَاسِككُمْ وَحَجّكُمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا } قِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم كَانُوا لَا يَدْخُلُونَ إذَا أَحْزَمُوا بُيُوتهمْ مِنْ قِبَل أَبْوَابهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2518 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الْبَرَاء يَقُول : كَانَتْ الْأَنْصَار إذَا حَجُّوا وَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوت إلَّا مِنْ ظُهُورهَا . قَالَ : فَجَاءَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَدَخَلَ مِنْ بَابه , فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } 2519 - حَدَّثَنِي سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إذَا أَحْرَمُوا أَتَوْا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا , وَلَمْ يَأْتُوا مِنْ أَبْوَابهَا , فَنَزَلَتْ : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } . . الْآيَة . 2520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد , عَنْ قَيْس بْن حَبْتَر : أَنَّ نَاسًا كَانُوا إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا حَائِطًا مِنْ بَابه وَلَا دَارًا مِنْ بَابهَا أَوْ بَيْتًا , فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه دَارًا . وَكَانَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ رِفَاعَة بْن تَابُوت , فَجَاءَ فَتَسَوَّرَ الْحَائِط , ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَاب الدَّار - أَوْ قَالَ مِنْ بَاب الْبَيْت - خَرَجَ مَعَهُ رِفَاعَة , قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ " قَالَ : يَا رَسُول اللَّه رَأَيْتُك خَرَجْت مِنْهُ , فَخَرَجْت مِنْهُ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنِّي رَجُل أَحْمَس " , فَقَالَ : إنْ تَكُنْ رَجُلًا أَحْمَس فَإِنَّ دِيننَا وَاحِد . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا } 2521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى

ذِكْره : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } يَقُول : لَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ كَوَّات فِي ظُهُور الْبُيُوت وَأَبْوَاب فِي جُنُوبهَا تَجْعَلهَا أَهْل الْجَاهِلِيَّة . فَنُهُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهَا وَأُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابهَا . حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2522 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل الْحِجَاز إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَاب بُيُوتهمْ وَدَخَلُوا مِنْ ظُهُورهَا , فَنَزَلَتْ : { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى } الْآيَة . 2523 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا } قَالَ : كَانَ الْمُشْرِكُونَ إذَا أَحْرَمَ الرَّجُل مِنْهُمْ نَقَبَ كَوَّة فِي ظَهْر بَيْته فَجَعَلَ سُلَّمًا فَجَعَلَ يَدْخُل مِنْهَا . قَالَ : فَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم وَمَعَهُ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , قَالَ : فَأَتَى الْبَاب لِيَدْخُل , فَدَخَلَ مِنْهُ . قَالَ : فَانْطَلَقَ الرَّجُل لِيَدْخُل مِنْ الْكَوَّة . قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا شَأْنك ؟ " فَقَالَ : إنِّي أَحْمَس , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَأَنَا أَحْمَس " . 2524 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْأَنْصَار إذَا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنهمْ وَبَيْن السَّمَاء شَيْء يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ الرَّجُل يَخْرُج مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو لَهُ الْحَاجَة بَعْد مَا يَخْرُج مِنْ بَيْته فَيَرْجِع وَلَا يَدْخُل مِنْ بَاب الْحُجْرَة مِنْ أَجْل سَقْف الْبَاب أَنْ يَحُول بَيْنه وَبَيْن السَّمَاء , فَيَفْتَح الْجِدَار مِنْ وَرَائِهِ , ثُمَّ يَقُوم فِي حُجْرَته فَيَأْمُر بِحَاجَتِهِ فَتَخْرُج إلَيْهِ مِنْ بَيْته . حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ زَمَن الْحُدَيْبِيَة بِالْعُمْرَةِ , فَدَخَلَ حُجْرَة , فَدَخَلَ رَجُل عَلَى أَثَره مِنْ الْأَنْصَار مِنْ بَنِي سَلَمَة , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنِّي أَحْمَس " . قَالَ الزُّهْرِيّ : وَكَانَتْ الْحُمْس لَا يُبَالُونَ ذَلِكَ . فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : وَأَنَا أَحْمَس , يَقُول : وَأَنَا عَلَى دِينك . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } 2525 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت } الْآيَة كُلّهَا . قَالَ قَتَادَة : كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَار فِي الْجَاهِلِيَّة إذَا أَهَلَّ أَحَدهمْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة لَا يَدْخُل دَارًا مِنْ بَابهَا إلَّا أَنْ يَتَسَوَّر حَائِطًا تَسَوُّرًا , وَأَسْلَمُوا وَهُمْ كَذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي ذَلِكَ مَا تَسْمَعُونَ , وَنَهَاهُمْ عَنْ صَنِيعهمْ ذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبِرّ صَنِيعهمْ ذَلِكَ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا . 2526 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { وَلَيْسَ الْبِرّ أَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } فَإِنَّ نَاسًا مِنْ الْعَرَب كَانُوا إذَا حَجُّوا لَمْ يَدْخُلُوا بُيُوتهمْ مِنْ أَبْوَابهَا كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي أَدْبَارهَا , فَلَمَّا حَجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع أَقْبَلَ يَمْشِي وَمَعَهُ رَجُل مِنْ أُولَئِكَ وَهُوَ مُسْلِم . فَلَمَّا بَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاب الْبَيْت احْتَبَسَ الرَّجُل خَلْفه وَأَبَى أَنْ يَدْخُل قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إنِّي أَحْمَس - يَقُول : إنِّي مُحْرِم - وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يُسَمَّوْنَ الْحُمْس . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَأَنَا أَيْضًا أَحْمَس فَادْخُلْ ! " فَدَخَلَ الرَّجُل , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا } 2527 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا } وَإِنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْل الْمَدِينَة كَانُوا إذَا خَافَ أَحَدهمْ مِنْ عَدُوّهُ شَيْئًا أَحْرَمَ فَأَمِنَ , فَإِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَلِج مِنْ بَاب بَيْته وَاِتَّخَذَ نَقْبًا مِنْ ظَهْر بَيْته . فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة كَانَ بِهَا رَجُل مُحْرِم كَذَلِكَ , وَأَنَّ أَهْل الْمَدِينَة كَانُوا يُسَمُّونَ الْبُسْتَان : الْحَشّ . وَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بُسْتَانًا , فَدَخَلَهُ مِنْ بَابه , وَدَخَلَ مَعَهُ ذَلِكَ الْمُحْرِم , فَنَادَاهُ رَجُل مِنْ وَرَائِهِ : يَا فُلَان إنَّك مُحْرِم وَقَدْ دَخَلْت ! فَقَالَ : " أَنَا أَحْمَس " , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إنْ كُنْت مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِم , وَإِنْ كُنْت أَحْمَس فَأَنَا أَحْمَس . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } إلَى آخِر الْآيَة . فَأَحَلَّ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْخُلُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا . 2528 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا } قَالَ : كَانَ أَهْل الْمَدِينَة وَغَيْرهمْ إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوت إلَّا مِنْ ظُهُورهَا , وَذَلِكَ أَنْ يَتَسَوَّرُوهَا , فَكَانَ إذَا أَحْرَمَ أَحَدهمْ لَا يَدْخُل الْبَيْت إلَّا أَنْ يَتَسَوَّرهُ مِنْ قِبَل ظَهْره . وَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ ذَات يَوْم بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَار , فَدَخَلَ رَجُل عَلَى أَثَره مِمَّنْ قَدْ أَحْرَمَ , فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَقَالُوا : هَذَا رَجُل فَاجِر ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِمَ دَخَلْت مِنْ الْبَاب وَقَدْ أَحْرَمْت ؟ " فَقَالَ : رَأَيْتُك يَا رَسُول اللَّه دَخَلْت فَدَخَلْت عَلَى أَثَرك . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنِّي أَحْمَس " وَقُرَيْش يَوْمئِذٍ تَدَّعِي الْحَمَس ; فَلَمَّا أَنْ قَالَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَنْصَارِيّ : إنَّ دِينِي دِينك . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } . .. الْآيَة . 2529 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { وَلَيْسَ الْبِرّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَأْتُونَ الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا وَيَرَوْنَهُ بِرًّا , فَقَالَ " الْبِرّ " , ثُمَّ نَعَتَ الْبِرّ , وَأَمَرَ بِأَنْ يَأْتُوا الْبُيُوت مِنْ أَبْوَابهَا . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : كَانَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْأَنْصَار يَأْتُونَ الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا يَتَبَرَّرُونَ بِذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : وَلَيْسَ الْبِرّ أَيّهَا النَّاس بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوت فِي حَال إحْرَامكُمْ مِنْ ظُهُورهَا , وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ اتَّقَى اللَّه فَخَافَهُ , وَتَجَنَّبَ مَحَارِمه , وَأَطَاعَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا , فَأَمَّا إتْيَان الْبُيُوت مِنْ ظُهُورهَا فَلَا بِرّ لِلَّهِ فِيهِ , فَأْتُوهَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَبْوَابهَا وَغَيْر أَبْوَابهَا , مَا لَمْ تَعْتَقِدُوا تَحْرِيم إتْيَانهَا مِنْ أَبْوَابهَا فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز لَكُمْ اعْتِقَاده , لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ أُحَرِّمهُ عَلَيْكُمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :

{ وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس فَاحْذَرُوهُ وَارْهَبُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ مِنْ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ لِتُفْلِحُوا فَتَنْجَحُوا فِي طَلَبَاتكُمْ لَدَيْهِ وَتُدْرِكُوا بِهِ الْبَقَاء فِي جَنَّاته وَالْخُلُود فِي نَعِيمه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَلَاح فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا يَدُلّ عَلَيْهِ .
وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَسورة البقرة الآية رقم 190
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هَذِهِ الْآيَة هِيَ أَوَّل آيَة نَزَلَتْ فِي أَمْر الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِ أَهْل الشِّرْك . وَقَالُوا : أُمِرَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَالْكَفّ عَمَّنْ كَفّ عَنْهُمْ , ثُمَّ نُسِخَتْ بِ " بَرَاءَة " . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2530 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , وَابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } قَالَ : هَذِهِ أَوَّل آيَة نَزَلَتْ فِي

الْقِتَال بِالْمَدِينَةِ , فَلَمَّا نَزَلَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِل مَنْ يُقَاتِلهُ وَيَكُفّ عَمَّنْ كَفّ عَنْهُ حَتَّى نَزَلَتْ بَرَاءَة . وَلَمْ يَذْكُر عَبْد الرَّحْمَن " الْمَدِينَة " . 2531 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } إلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : قَدْ نُسِخَ هَذَا , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة } 9 36 وَهَذِهِ النَّاسِخَة , وَقَرَأَ : { بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله } حَتَّى بَلَغَ : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } إلَى : { إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } 9 1 : 5 وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّار لَمْ يُنْسَخ , وَإِنَّمَا الِاعْتِدَاء الَّذِي نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ هُوَ نَهْيه عَنْ قَتْل النِّسَاء وَالذَّرَارِيّ . قَالُوا : وَالنَّهْي عَنْ قَتْلهمْ ثَابِت حُكْمه الْيَوْم . قَالُوا : فَلَا شَيْء نُسِخَ مِنْ حُكْم هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2532 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ صَدَقَة الدِّمَشْقِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن يَحْيَى الْغَسَّانِيّ , قَالَ : كَتَبْت إلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَسْأَلهُ عَنْ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } قَالَ : فَكَتَبَ إلَيَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاء وَالذُّرِّيَّة وَمَنْ لَمْ يَنْصِب لَك الْحَرْب مِنْهُمْ . 2533 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرُوا بِقِتَالِ الْكُفَّار . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2534 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } يَقُول : لَا تَقْتُلُوا النِّسَاء وَلَا الصِّبْيَان وَلَا الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا مَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَم وَكَفَّ يَده , فَإِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا فَقَدْ اعْتَدَيْتُمْ . 2535 - حَدَّثَنِي ابْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : كَتَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز إلَى عَدِيّ بْن أَرَطْأَة : إنِّي وَجَدْت آيَة فِي كِتَاب اللَّه : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } أَيْ لَا تُقَاتِل مَنْ لَا يُقَاتِلك , يَعْنِي النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَالرُّهْبَان . وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ; لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي نَسْخ آيه يَحْتَمِل أَنْ تَكُون غَيْر مَنْسُوخَة بِغَيْرِ دَلَالَة عَلَى صِحَّة دَعْوَاهُ تَحَكُّم , وَالتَّحَكُّم لَا يَعْجِز عَنْهُ أَحَد . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى النَّسْخ وَالْمَعْنَى الَّذِي مِنْ قَبْله يَثْبُت صِحَّة النَّسْخ بِمَا قَدْ أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذِهِ الْمَوْضِع . فَتَأْوِيل الْآيَة إذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : وَقَاتِلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي سَبِيل اللَّه وَسَبِيله : طَرِيقه الَّذِي أَوْضَحَهُ وَدِينه الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ . يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : قَاتِلُوا فِي طَاعَتِي , وَعَلَى مَا شَرَعْت لَكُمْ مِنْ دِينِي , وَادْعُوا إلَيْهِ مَنْ وَلَّى عَنْهُ , وَاسْتَكْبَرَ بِالْأَيْدِي وَالْأَلْسُن , حَتَّى يُنِيبُوا إلَى طَاعَتِي , أَوْ يُعْطُوكُمْ الْجِزْيَة صَغَارًا إنْ كَانُوا أَهْل كِتَاب . وَأَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِقِتَالِ مَنْ كَانَ مِنْهُ قِتَال مِنْ مُقَاتِلَة أَهْل الْكُفْر دُون مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قِتَال مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهمْ , فَإِنَّهُمْ أَمْوَال وَخَوَّلَ لَهُمْ إذَا غَلَبَ الْمُقَاتِلُونَ مِنْهُمْ فَقَهَرُوا , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْكَفّ عَمَّنْ كَفّ , فَلَمْ يُقَاتِل مِنْ مُشْرِكِي أَهْل الْأَوْثَان وَالْكَافِّينَ عَنْ قِتَال الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُفَّار أَهْل الْكِتَاب عَلَى إعْطَاء الْجِزْيَة صَغَارًا . فَمَعْنَى قَوْله : { وَلَا تَعْتَدُوا } لَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا امْرَأَة وَلَا مَنْ أَعْطَاكُمْ الْجِزْيَة مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوس , { إنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } الَّذِينَ يُجَاوِزُونَ حُدُوده , فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمَ قَتْلهمْ مِنْ نِسَاء الْمُشْرِكِينَ وَذَرَارِيّهمْ .
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَسورة البقرة الآية رقم 191
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَاقْتُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ أَصَبْتُمْ مُقَاتِلهمْ

وَأَمْكَنَكُمْ قَتْلهمْ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } وَمَعْنَى الثَّقِفَة بِالْأَمْرِ : الْحِذْق بِهِ وَالْبَصَر , يُقَال : إنَّهُ لَثَقِف لَقِف إذَا كَانَ جَيِّد الْحَذَر فِي الْقِتَال بَصِيرًا بِمَوَاقِع الْقَتْل . وَأَمَّا التَّثْقِيف فَمَعْنَى غَيْر هَذَا وَهُوَ التَّقْوِيم ; فَمَعْنَى : { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } اُقْتُلُوهُمْ فِي أَيّ مَكَان تَمَكَّنْتُمْ مِنْ قَتْلهمْ وَأَبْصَرْتُمْ مُقَاتِلهمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَمَنَازِلهمْ بِمَكَّة , فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : أَخْرِجُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ

وَقَدْ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ مِنْ مَسَاكِنكُمْ وَدِيَارهمْ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ مِنْهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } وَالشِّرْك بِاَللَّهِ أَشَدّ مِنْ الْقَتْل . وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى أَنَّ أَصْل الْفِتْنَة الِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَابْتِلَاء الْمُؤْمِن فِي دِينه حَتَّى يَرْجِع عَنْهُ فَيَصِير مُشْرِكًا بِاَللَّهِ مِنْ بَعْد إسْلَامه أَشَدّ عَلَيْهِ وَأَضَرّ مِنْ أَنْ يُقْتَل مُقِيمًا عَلَى دِينه مُتَمَسِّكًا عَلَيْهِ مُحِقًّا فِيهِ . كَمَا : 2536 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } قَالَ : ارْتِدَاد الْمُؤْمِن إلَى الْوَثَن أَشَدّ عَلَيْهِ مِنْ الْقَتْل . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة

, قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 2537 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } يَقُول : الشِّرْك أَشَدّ مِنْ الْقَتْل . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 2538 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } يَقُول : الشِّرْك أَشَدّ مِنْ الْقَتْل . 2539 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } قَالَ : الشِّرْك . 2540 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } قَالَ : الْفِتْنَة : الشِّرْك . * حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } قَالَ : الشِّرْك أَشَدّ مِنْ الْقَتْل . 2541 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله جَلّ ذِكْره : { وَالْفِتْنَة أَشَدّ مِنْ الْقَتْل } قَالَ : فِتْنَة الْكُفْر .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ } وَالْقُرَّاء مُخْتَلِفَة فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَمَكَّة : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } بِمَعْنَى : وَلَا تَبْتَدِئُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُشْرِكِينَ بِالْقِتَالِ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ بِهِ , فَإِنْ بَدَءُوكُمْ بِهِ هُنَالِكَ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام فِي الْحَرَم فَاقْتُلُوهُمْ , فَإِنَّ اللَّه جَعَلَ ثَوَاب الْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرهمْ وَأَعْمَالهمْ السَّيِّئَة الْقَتْل فِي الدُّنْيَا وَالْخِزْي الطَّوِيل فِي الْآخِرَة . كَمَا : 2542 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ فِيهِ حَتَّى يُبْدَءُوا بِالْقِتَالِ . ثُمَّ نُسِخَ بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } حَتَّى لَا يَكُون شِرْك { وَيَكُون الدِّين لِلَّهِ } أَنْ يُقَال : لَا إلَه إلَّا اللَّه , عَلَيْهَا قَاتَلَ نَبِيّ اللَّه وَإِلَيْهَا دَعَا . 2543 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقَاتِلهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام إلَّا أَنْ يُبْدَءُوا فِيهِ بِقِتَالٍ , ثُمَّ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُر الْحُرُم فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه إذَا انْقَضَى الْأَجَل أَنْ يُقَاتِلهُمْ فِي الْحِلّ وَالْحَرَم وَعِنْد الْبَيْت , حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَأَنَّ

مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه . 2544 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبَى جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهِ , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْد , فَقَالَ : { قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } وَقَالَ بَعْضهمْ : هَذِهِ آيَة مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2545 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ } فِي الْحَرَم , { فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ } لَا تُقَاتِل أَحَدًا فِيهِ أَبَدًا , فَمَنْ عَدَا عَلَيْك فَقَاتَلَك فَقَاتِلْهُ كَمَا يُقَاتِلك . وَقَرَأَ ذَلِكَ عُظْم قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " بِمَعْنَى : وَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِقَتْلٍ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2546 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَمَّاد , عَنْ أَبِي حَمَّاد , عَنْ حَمْزَة الزَّيَّات قَالَ : قُلْت لِلْأَعْمَشِ : أَرَأَيْت قِرَاءَتك : { وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } إذَا قَتَلُوهُمْ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُمْ ؟ قَالَ : إنَّ الْعَرَب إذَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُل قَالُوا : قُتِلْنَا , وَإِذَا ضُرِبَ مِنْهُمْ رَجُل قَالُوا ضُرِبْنَا . وَأَوْلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَأْمُر نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي حَال إذَا قَاتَلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بِالِاسْتِسْلَامِ لَهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا بَعْد مَا أَذِنَ لَهُ وَلَهُمْ بِقِتَالِهِمْ , فَتَكُون الْقِرَاءَة بِالْإِذْنِ بِقَتْلِهِمْ بَعْد أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ الْقِرَاءَة بِمَا اخْتَرْنَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَعَالَى ذِكْره أَذِنَ لَهُمْ بِقِتَالِهِمْ إذَا كَانَ ابْتِدَاء الْقِتَال مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَبْل أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا , وَبَعْد أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا . وَقَدْ نَسَخَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره هَذِهِ الْآيَة بِقَوْلِهِ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } وَقَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْآيَات . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض قَوْل مَنْ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَة , وَسَنَذْكُرُ قَوْل مَنْ حَضَرْنَا ذِكْره مِمَّنْ لَمْ يُذْكَر . 2547 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } قَالَ : نَسَخَهَا قَوْله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } 9 5 2548 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } قَالَ : حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ كَانَ هَذَا قَدْ حُرِّمَ , فَأَحَلَّ اللَّه ذَلِكَ لَهُ , فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى أَمَرَهُ اللَّه بِقِتَالِهِمْ بَعْد .
فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة البقرة الآية رقم 192
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَإِنْ انْتَهَى الْكَافِرُونَ الَّذِي يُقَاتِلُونَكُمْ عَنْ قِتَالكُمْ وَكُفْرهمْ بِاَللَّهِ , فَتَرَكُوا ذَلِكَ

وَتَابُوا , فَإِنَّ اللَّه غَفُور لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَتَابَ مِنْ شِرْكه , وَأَنَابَ إلَى اللَّه مِنْ مَعَاصِيه الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ وَأَيَّامه الَّتِي مَضَتْ , رَحِيم بِهِ فِي آخِرَته بِفَضْلِهِ عَلَيْهِ , وَإِعْطَائِهِ مَا يُعْطِي أَهْل طَاعَته مِنْ الثَّوَاب بِإِنَابَتِهِ إلَى مَحَبَّته مِنْ مَعْصِيَته . كَمَا : 2549 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِنْ انْتَهَوْا } فَإِنْ تَابُوا , { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم }
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَسورة البقرة الآية رقم 193
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين لِلَّهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ { حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَعْنِي : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك بِاَللَّهِ , وَحَتَّى لَا يُعْبَد دُونه أَحَد , وَتَضْمَحِلّ عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَتَكُون الْعِبَادَة وَالطَّاعَة لِلَّهِ وَحْده دُون غَيْره مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان ; كَمَا قَالَ قَتَادَة فِيمَا : 2550 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا

تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . 2551 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : الشِّرْك { وَيَكُون الدِّين لِلَّهِ } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 2552 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : أَمَّا الْفِتْنَة : فَالشِّرْك . 2553 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَقُول : قَاتِلُوا حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . 2554 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } أَيْ شِرْك . 2555 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون كُفْر , وَقَرَأَ : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } 48 16 * حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَقُول : شِرْك . وَأَمَّا الدِّين الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع فَهُوَ الْعِبَادَة وَالطَّاعَة لِلَّهِ فِي أَمْره وَنَهْيه , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الْأَعْشَى : هُوَ دَانَ الرِّبَاب إذْ كَرِهُوا الدِّين دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَال يَعْنِي بِقَوْلِهِ : إذْ كَرِهُوا الدِّين : إذْ كَرِهُوا الطَّاعَة وَأَبَوْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2556 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَيَكُون الدِّين لِلَّهِ } يَقُول : حَتَّى لَا يُعْبَد إلَّا اللَّه , وَذَلِكَ لَا إلَه إلَّا اللَّه ; عَلَيْهِ قَاتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَيْهِ دَعَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنِّي أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَيُقِيمُوا الصَّلَاة , وَيُؤْتُوا الزَّكَاة , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه " . 2557 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَكُون الدِّين لِلَّهِ } أَنْ يُقَال : لَا إلَه إلَّا اللَّه . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه كَانَ يَقُول : " إنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَه إلَّا اللَّه " . ثُمَّ ذَكَرَ مِثْل حَدِيث الرَّبِيع .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ انْتَهَوْا } فَإِنْ انْتَهَى الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار عَنْ قِتَالكُمْ , وَدَخَلُوا فِي مِلَّتكُمْ , وَأَقَرُّوا بِمَا أَلْزَمكُمْ اللَّه مِنْ فَرَائِضه , وَتَرَكُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , فَدَعُوا الِاعْتِدَاء عَلَيْهِمْ وَقِتَالهمْ وَجِهَادهمْ , فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَدَى إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ , وَاَلَّذِينَ تَرَكُوا عِبَادَته وَعَبَدُوا غَيْر خَالِقهمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ يَجُوز الِاعْتِدَاء عَلَى الظَّالِم فَيُقَال : { فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } ؟ قِيلَ : إنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ غَيْر الْوَجْه الَّذِي ذَهَبْت , وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْمُجَازَاة لِمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الِاعْتِدَاء , يَقُول : افْعَلُوا بِهِمْ مِثْل الَّذِي فَعَلُوا بِكُمْ , كَمَا يُقَال : إنْ تَعَاطَيْت مِنِّي ظُلْمًا تَعَاطَيْته مِنْك , وَالثَّانِي لَيْسَ بِظُلْمٍ , كَمَا قَالَ عَمْرو بْن شَأْس الْأَسَدِيّ . جَزَيْنَا ذَوِي الْعُدْوَان بِالْأَمْسِ قَرْضهمْ قِصَاصًا سَوَاء حَذْوك النَّعْل بِالنَّعْلِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظِير قَوْله : { اللَّه يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } 2 15 و { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ } 9 79 وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه ذَلِكَ وَنَظَائِره فِيمَا مَضَى قَبْل . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيل قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2558 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } وَالظَّالِم الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُول لَا إلَه إلَّا اللَّه . 2559 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع . { فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ . 2560 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ . ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن غِيَاث , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة فِي
هَذِهِ

الْآيَة : { فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } : قَالَ : هُمْ مَنْ أَبَى أَنْ يَقُول لَا إلَه إلَّا اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله . { فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } فَلَا تُقَاتِل إلَّا مَنْ قَاتَلَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2561 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِنْ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : لَا تُقَاتِلُوا إلَّا مَنْ قَاتَلَكُمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ . ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2562 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : { فَإِنْ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْعُدْوَان عَلَى الظَّالِمِينَ وَلَا عَلَى غَيْرهمْ , وَلَكِنْ يَقُول : اعْتَدُوا عَلَيْهِمْ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ . فَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي قَوْله { فَإِنْ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ } لَا يَجُوز أَنْ يَقُول فَإِنْ انْتَهَوْا , إلَّا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَهُونَ إلَّا بَعْضهمْ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَإِنْ انْتَهَى بَعْضهمْ فَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ , فَأَضْمَرَ كَمَا قَالَ : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } 2 196 يُرِيد فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي , وَكَمَا تَقُول : إلَى مَنْ تَقْصِد أَقْصِد , يَعْنِي إلَيْهِ . وَكَانَ بَعْضهمْ يُنْكِر الْإِضْمَار فِي ذَلِكَ وَيَتَأَوَّلهُ , فَإِنْ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم لِمَنْ انْتَهَى , وَلَا عُدْوَان إلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا يَنْتَهُونَ .
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَسورة البقرة الآية رقم 194
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام } ذَا الْقَعْدَة , وَهُوَ الشَّهْر الَّذِي كَانَ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِيهِ عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة , فَصَدَّهُ مُشْرِكُو أَهْل مَكَّة عَنْ الْبَيْت وَدُخُول مَكَّة , وَكُلّ ذَلِكَ سَنَة سِتّ مِنْ هِجْرَته , وَصَالَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ فِي تِلْكَ السَّنَة , عَلَى أَنْ يَعُود مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , فَيَدْخُل مَكَّة وَيُقِيم ثَلَاثًا , فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل , وَذَلِكَ

سَنَة سَبْع مِنْ هِجْرَته خَرَجَ مُعْتَمِرًا وَأَصْحَابه فِي ذِي الْقَعْدَة , وَهُوَ الشَّهْر الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ صَدُّوهُ عَنْ الْبَيْت فِيهِ فِي سَنَة سِتّ , وَأَخْلَى لَهُ أَهْل مَكَّة الْبَلَد , حَتَّى دَخَلَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَضَى حَاجَته مِنْهَا , وَأَتَمَّ عُمْرَته , وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا , ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُنْصَرِفًا إلَى الْمَدِينَة , فَقَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَعَهُ : { الشَّهْر الْحَرَام } يَعْنِي ذَا الْقَعْدَة الَّذِي أَوْصَلَكُمْ اللَّه فِيهِ إلَى حُرْمَة بَيْته عَلَى كَرَاهَة مُشْرِكِي قُرَيْش ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُمْ مِنْهُ وَطَركُمْ { بِالشَّهْرِ الْحَرَام } الَّذِي صَدَّكُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش الْعَام الْمَاضِي قَبْله فِيهِ , حَتَّى انْصَرَفْتُمْ عَنْ كُرْه مِنْكُمْ عَنْ الْحَرَام , فَلَمْ تَدْخُلُوا وَلَمْ تُصَلُّوا إلَى بَيْت اللَّه , فَأَقْصَدَكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِإِدْخَالِكُمْ الْحَرَام فِي الشَّهْر الْحَرَام عَلَى كُرْه مِنْهُمْ لِذَلِكَ , بِمَا كَانَ مِنْهُمْ إلَيْكُمْ فِي الشَّهْر الْحَرَام مِنْ الصَّدّ وَالْمَنْع مِنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت . كَمَا : 2563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف , يَعْنِي ابْن خَالِد السَّمْتِيّ , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَالْحُرُمَات قِصَاص } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ حَبَسُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَة , فَرَجَعَهُ اللَّه فِي ذِي الْقَعْدَة , فَأَدْخَلَهُ الْبَيْت الْحَرَام , فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ . 2564 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } قَالَ : فَخَرَتْ قُرَيْش بِرَدِّهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة مُحْرِمًا فِي ذِي الْقَعْدَة عَنْ الْبَلَد الْحَرَام , فَأَدْخَلَهُ اللَّه مَكَّة فِي الْعَام الْمُقْبِل مِنْ ذِي الْقَعْدَة فَقَضَى عُمْرَته , وَأَقَصَّهُ بِمَا حِيلَ بَيْنه وَبَيْنهَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2565 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } أَقْبَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَة وَمَعَهُمْ الْهَدْي , حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَصَالَحَهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَرْجِع مِنْ عَامه ذَلِكَ , حَتَّى يَرْجِع مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , فَيَكُون بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام , وَلَا يَدْخُلهَا إلَّا بِسِلَاحٍ رَاكِب وَيَخْرُج , وَلَا يَخْرُج بِأَحَدٍ مِنْ أَهْل مَكَّة , فَنَحَرُوا الْهَدْي بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَحَلَقُوا وَقَصَّرُوا . حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل أَقْبَلَ نَبِيّ اللَّه وَأَصْحَابه حَتَّى دَخَلُوا مَكَّة , فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَة , فَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاث لَيَالٍ , فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِين رَدُّوهُ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , فَأَقَصَّهُ اللَّه مِنْهُمْ , فَأَدْخَلَهُ مَكَّة فِي ذَلِكَ الشَّهْر الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقَعْدَة , فَقَالَ اللَّه : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } 2566 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , وَعَنْ عُثْمَان , عَنْ مِقْسَم فِي قَوْله : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } قَالَا : كَانَ هَذَا فِي سَفَر الْحُدَيْبِيَة , صَدَّ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عَنْ الْبَيْت فِي الشَّهْر الْحَرَام , فَقَاضَوْا الْمُشْرِكِينَ يَوْمئِذٍ قَضِيَّة " إنَّ لَكُمْ أَنْ تَعْتَمِرُوا فِي الْعَام الْمُقْبِل " فِي هَذَا الشَّهْر الَّذِي صَدُّوهُمْ فِيهِ , فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ شَهْرًا حَرَامًا يَعْتَمِرُونَ فِيهِ مَكَان شَهْرهمْ الَّذِي صُدُّوا , فَلِذَلِكَ قَالَ : { وَالْحُرُمَات قِصَاص } 2567 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } قَالَ : لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة سِتّ مِنْ مُهَاجِره صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ , وَأَبَوْا أَنْ يَتْرُكُوهُ , ثُمَّ إنَّهُمْ صَالَحُوهُ فِي صُلْحهمْ عَلَى أَنْ يُخْلُوا لَهُ مَكَّة مِنْ عَام قَابِل ثَلَاثَة أَيَّام يَخْرُجُونَ , وَيَتْرُكُونَهُ فِيهَا , فَأَتَاهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد فَتْح خَيْبَر مِنْ السَّنَة السَّابِعَة , فَخَلَّوْا لَهُ مَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام , فَنَكَحَ فِي عُمْرَته تِلْكَ مَيْمُونَة بِنْت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة . 2568 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } أَحْصَرُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَة عَنْ الْبَيْت الْحَرَام , فَأَدْخَلَهُ اللَّه الْبَيْت الْحَرَام الْعَام الْمُقْبِل , وَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ , فَقَالَ : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } 2569 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : أَقْبَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَأَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَة وَمَعَهُمْ الْهَدْي , حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ , فَصَالَحَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِع ذَلِكَ الْعَام حَتَّى يَرْجِع الْعَام الْمُقْبِل , فَيُقِيم بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام , وَلَا يَخْرُج مَعَهُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْل مَكَّة . فَنَحَرُوا الْهَدْي بِالْحُدَيْبِيَةِ , وَحَلَقُوا وَقَصَّرُوا . حَتَّى إذَا كَانُوا مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , أَقْبَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه حَتَّى دَخَلُوا مَكَّة , فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَة وَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثَة أَيَّام , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِين رَدُّوهُ يَوْم الْحُدَيْبِيَة , فَقَاصَّ اللَّه لَهُ مِنْهُمْ , وَأَدْخَلَهُ مَكَّة فِي ذَلِكَ الشَّهْر الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقَعْدَة . قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُسْعَد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَالْحُرُمَات قِصَاص } فَهُمْ الْمُشْرِكُونَ كَانُوا حَبَسُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَة عَنْ الْبَيْت , فَفَخَرُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ , فَرَجَعَهُ اللَّه فِي ذِي الْقَعْدَة , فَأَدْخَلَهُ اللَّه الْبَيْت الْحَرَام وَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ . 2570 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام } حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة . قَالَ : هَذَا كُلّه قَدْ نُسِخَ , أَمَرَهُ أَنْ يُجَاهَد الْمُشْرِكِينَ . وَقَرَأَ : { قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة } 9 36 وَقَرَأَ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار } 9 123 الْعَرَب , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ , قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله } 9 29 حَتَّى بَلَغَ قَوْله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } قَالَ : وَهُمْ الرُّوم قَالَ : فَوَجَّهَ إلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 2571 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } قَالَ : أَمَرَكُمْ اللَّه بِالْقِصَاصِ , وَيَأْخُذ مِنْكُمْ الْعُدْوَان . 2572 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ وَسَأَلْته عَنْ قَوْله : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْحُرُمَات قِصَاص } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَة , مَنَعُوا فِي الشَّهْر الْحَرَام , فَنَزَلَتْ : { الشَّهْر الْحَرَام بِالشَّهْرِ الْحَرَام } عُمْرَة فِي شَهْر حَرَام بِعُمْرَةٍ فِي شَهْر حَرَام . وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ ذَا الْقَعْدَة الشَّهْر الْحَرَام , لِأَنَّ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ تُحَرِّم فِيهِ الْقِتَال وَالْقَتْل وَتَضَع فِيهِ السِّلَاح , وَلَا يَقْتُل فِيهِ أَحَد أَحَدًا وَلَوْ لَقِيَ الرَّجُل قَاتِل أَبِيهِ أَوْ ابْنه . وَإِنَّمَا كَانُوا سَمَّوْهُ ذَا الْقَعْدَة لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنْ الْمَغَازِي وَالْحُرُوب , فَسَمَّاهُ اللَّه بِالِاسْمِ الَّذِي كَانَتْ الْعَرَب تُسَمِّيه بِهِ . وَأَمَّا الْحُرُمَات فَإِنَّهَا جَمْع حُرْمَة كَالظُّلُمَاتِ جَمْع ظُلْمَة , وَالْحُجُرَات جَمْع حُجْرَة . وَإِنَّمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْحُرُمَات قِصَاص } فَجَمْع , لِأَنَّهُ أَرَادَ الشَّهْر الْحَرَام وَالْبَلَد الْحَرَام وَحُرْمَة الْإِحْرَام , فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ : دُخُولكُمْ الْحَرَم بِإِحْرَامِكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا الْحَرَام قِصَاص مِمَّا مَنَعْتُمْ مِنْ مِثْله عَامكُمْ الْمَاضِي , وَذَلِكَ هُوَ الْحُرُمَات الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه قِصَاصًا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقِصَاص هُوَ الْمُجَازَاة مِنْ جِهَة الْفِعْل أَوْ الْقَوْل أَوْ الْبَدَن , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ جِهَة الْفِعْل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَا نَزَلَ فِيهِ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 2573 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فَهَذَا وَنَحْوه نَزَلَ بِمَكَّة وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ قَلِيل , وَلَيْسَ لَهُمْ سُلْطَان يَقْهَر الْمُشْرِكِينَ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَعَاطَوْنَهُمْ بِالشَّتْمِ وَالْأَذَى , فَأَمَرَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُجَازِي مِنْهُمْ أَنْ يُجَازِي بِمِثْلِ مَا أُوتِيَ إلَيْهِ أَوْ يَصْبِر أَوْ يَعْفُو فَهُوَ أَمْثَل فَلَمَّا هَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَدِينَة , وَأَعَزّ اللَّه سُلْطَانه أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْتَهُوا فِي مَظَالِمهمْ إلَى سُلْطَانهمْ , وَأَنْ لَا يَعْدُو بَعْضهمْ عَلَى بَعْض كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ قَاتَلَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَقَاتِلُوهُمْ كَمَا قَاتَلُوكُمْ . وَقَالُوا : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَبَعْد عُمْرَة الْقَضِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2574 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } فَقَاتِلُوهُمْ فِيهِ كَمَا قَاتَلُوكُمْ . وَأَشْبَه التَّأْوِيلَيْنِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْآيَة الَّذِي حُكِيَ عَنْ مُجَاهِد , لِأَنَّ الْآيَات قَبْلهَا إنَّمَا هِيَ أَمْر مِنْ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ بِجِهَادِ عَدُوّهُمْ عَلَى صِفَة , وَذَلِكَ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } وَالْآيَات بَعْدهَا , وَقَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ } إنَّمَا هُوَ فِي سِيَاق الْآيَات الَّتِي فِيهَا الْأَمْر بِالْقِتَالِ وَالْجِهَاد , وَاَللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا فَرَضَ الْقِتَال عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْد الْهِجْرَة فَمَعْلُوم بِذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } مَدَنِيّ لَا مَكِّيّ , إذْ كَانَ فَرْض قِتَال الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّة , وَأَنَّ قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } نَظِير قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } وَأَنَّ مَعْنَاهُ : فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فِي الْحَرَم فَقَاتَلَكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِالْقِتَالِ نَحْو اعْتِدَائِهِ عَلَيْكُمْ بِقِتَالِهِ إيَّاكُمْ , لِأَنِّي قَدْ جَعَلْت الْحُرُمَات قِصَاصًا , فَمَنْ اسْتَحَلَّ مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حُرْمَة فِي حَرَمِي , فَاسْتَحَلُّوا مِنْهُ مِثْله فِيهِ . وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِإِذْنِ اللَّه لِنَبِيِّهِ بِقِتَالِ أَهْل الْحَرَم ابْتِدَاء فِي الْحَرَم وَقَوْله : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة } 9 36 . .. عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُجَازَاة وَإِتْبَاع لَفْظ لَفْظًا وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُمَا , كَمَا قَالَ : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه } 3 54 وَقَدْ قَالَ : { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّه مِنْهُمْ } 9 79 وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِمَّا اتَّبَعَ لَفْظ لَفْظًا وَاخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ . وَالْآخَر أَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْعَدْو الَّذِي هُوَ شَدّ وَوُثُوب مِنْ قَوْل الْقَائِل : عَدَا الْأَسَد عَلَى فَرِيسَته . فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ عَدَا عَلَيْكُمْ : أَيْ فَمَنْ شَدَّ عَلَيْكُمْ وَوَثَبَ بِظُلْمٍ , فَاعْدُوا عَلَيْهِ أَيْ فَشُدُّوا عَلَيْهِ وَثِبُوا نَحْوه قِصَاصًا لِمَا فَعَلَ عَلَيْكُمْ لَا ظُلْمًا ثُمَّ تَدْخُل التَّاء فِي " عَدَا " , فَيُقَال افْتَعَلَ فَعَلَ , كَمَا يُقَال : اقْتَرَبَ هَذَا الْأَمْر بِمَعْنَى قَرُبَ , وَاجْتَلَبَ كَذَا بِمَعْنَى جَلَبَ , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَاتَّقُوا اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي حُرُمَاته وَحُدُوده أَنْ تَعْتَدُوا قِيهَا فَتَتَجَاوَزُوا فِيهَا مَا بَيَّنَهُ وَحَدَّهُ لَكُمْ , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَتَجَنُّب مَحَارِمه .
وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَسورة البقرة الآية رقم 195
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , وَمَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه } وَسَبِيل اللَّه : طَرِيقه الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَسْلُك فِيهِ إلَى عَدُوِّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِجِهَادِهِمْ وَحَرْبهمْ , { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } يَقُول : وَلَا تَتْرُكُوا النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه , فَإِنَّ اللَّه يُعَوِّضكُمْ مِنْهَا أَجْرًا وَيَرْزُقكُمْ عَاجِلًا . ذِكْر

مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2575 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب سِلْم بْن جُنَادَةَ , وَالْحَسَن بْن عَرَفَة قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ سُفْيَان عَنْ حُذَيْفَة : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : يَعْنِي فِي تَرْك النَّفَقَة . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , وحَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ حُذَيْفَة وحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الْأَعْمَش وحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم جَمِيعًا , عَنْ شَقِيق , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : هُوَ تَرْك النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه . 2576 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : تُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَك إلَّا مِشْقَص أَوْ سَهْم - شُعْبَة الَّذِي يَشُكّ فِي ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي صَالِح الَّذِي كَانَ يُحَدِّث عَنْهُ الْكَلْبِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَك إلَّا سَهْم أَوْ مِشْقَص أَنْفَقْته . * حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : فِي النَّفَقَة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : لَيْسَ التَّهْلُكَة أَنْ يُقْتَل الرَّجُل فِي سَبِيل اللَّه , وَلَكِنْ الْإِمْسَاك عَنْ النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه . 2577 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّفَقَات فِي سَبِيل اللَّه , يَعْنِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } 2578 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : كَانَ الْقَوْم فِي سَبِيل اللَّه , فَيَتَزَوَّد الرَّجُل , فَكَانَ أَفْضَل زَادًا مِنْ الْآخَر أَنْفَقَ الْبَائِس مِنْ زَاده حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْ زَاده شَيْء أَحَبَّ أَنْ يُوَاسِي صَاحِبه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى أُمّ هَانِئ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : لَا يَقُولَن أَحَدكُمْ إنِّي لَا أَجِد شَيْئًا إنْ لَمْ يَجِد إلَّا مِشْقَصًا فَلْيَتَجَهَّزْ بِهِ فِي سَبِيل اللَّه . 2579 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد يَعْنِي ابْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر : أَنَّ الْأَنْصَار كَانَ احْتَبَسَ عَلَيْهِمْ بَعْض الرِّزْق , وَكَانُوا قَدْ أَنْفَقُوا نَفَقَات , قَالَ : فَسَاءَ ظَنّهمْ وَأَمْسَكُوا . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : وَكَانَتْ التَّهْلُكَة سُوء ظَنّهمْ وَإِمْسَاكهمْ . 2580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : تَمْنَعكُمْ نَفَقَة فِي حَقّ خِيفَة الْعِيلَة . 2581 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : وَكَانَ قَتَادَة يُحَدِّث أَنَّ الْحَسَن حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَغْزُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالهمْ , أَوْ قَالَ : لَا يُنْفِقُونَ فِي ذَلِكَ , فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يُنْفِقُوا فِي مَغَازِيهمْ فِي سَبِيل اللَّه . 2582 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } يَقُول : لَا تُمْسِكُوا بِأَيْدِيكُمْ عَنْ النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه . 2583 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول : أَنْفِقْ فِي سَبِيل اللَّه وَلَوْ عِقَالًا , { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } تَقُول : لَيْسَ عِنْدِي شَيْء . 2584 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا زُهَيْر , قَالَ : ثنا خَصِيف , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : لَمَّا أَمَرَ اللَّه بِالنَّفَقَةِ فَكَانُوا أَوْ بَعْضهمْ يَقُولُونَ : نُنْفِق فَيَذْهَب مَالنَا وَلَا يَبْقَى لَنَا شَيْء , قَالَ : فَقَالَ أَنْفِقُوا وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة , قَالَ : أَنْفِقُوا وَأَنَا أَرْزُقكُمْ . 2585 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّفَقَة . 2586 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق . قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن هَمَّام الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن فِي التَّهْلُكَة . قَالَ : أَمَرَهُمْ اللَّه بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل اللَّه . وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ تَرْك النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه التَّهْلُكَة . 2587 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء عَنْ قَوْله : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : يَقُول : أَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه مَا قَلَّ وَكَثُرَ قَالَ وَقَالَ لِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير : نَزَلَتْ فِي النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور . عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَا يَقُولَن الرَّجُل : لَا أَجِد شَيْئًا قَدْ هَلَكْت . فَلْيَتَجَهَّزْ وَلَوْ بِمِشْقَصٍ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي . قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله . { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } يَقُول : أَنْفِقُوا مَا كَانَ مِنْ قَلِيل أَوْ كَثِير . وَلَا تَسْتَسْلِمُوا , وَلَا تُنْفِقُوا شَيْئًا فَتَهْلَكُوا 2588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا إسْحَاق . قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : التَّهْلُكَة : أَنْ يُمْسِك الرَّجُل نَفْسه وَمَاله عَنْ النَّفَقَة فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن . فِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } فَتَدَعُوا النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ وَجَّهُوا تَأْوِيل ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مَعْنِيَّة بِهِ النَّفَقَة : مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه , وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة . فَتَخْرُجُوا فِي سَبِيل اللَّه بِغَيْرِ نَفَقَة وَلَا قُوَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2589 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ . أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدك مَا تُنْفِق فَلَا تَخْرُج بِنَفْسِك بِغَيْرِ نَفَقَة وَلَا قُوَّة فَتُلْقِي بِيَدَيْك إلَى التَّهْلُكَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ أَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ فِيمَا أَصَبْتُمْ مِنْ الْآثَام إلَى التَّهْلُكَة , فَتَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَلَكِنْ اُرْجُوا رَحْمَته وَاعْمَلُوا الْخَيْرَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2590 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُصِيب الذُّنُوب فَيُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة , يَقُول : لَا تَوْبَة لِي . 2591 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : سَأَلَهُ رَجُل أَحْمِل عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَحْدِي فَيَقْتُلُونِي أَكُنْت أَلْقَيْت بِيَدَيْ إلَى التَّهْلُكَة ؟ فَقَالَ : لَا إنَّمَا التَّهْلُكَة فِي النَّفَقَة بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ , فَقَالَ : { فَقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه لَا تُكَلَّف إلَّا نَفْسَك } 4 84 * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إسْحَاق السَّبِيعِيّ , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُذْنِب الذَّنْب فَيَقُول : لَا يَغْفِر اللَّه لَهُ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الْبَرَاء وَسَأَلَهُ رَجُل فَقَالَ : يَا أَبَا عِمَارَة أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } أَهُوَ الرَّجُل يَتَقَدَّم فَيُقَاتِل حَتَّى يُقْتَل ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَعْمَل بِالْمَعَاصِي , ثُمَّ يُلْقِي بِيَدِهِ وَلَا يَتُوب . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الْبَرَاء وَسَأَلَهُ رَجُل فَقَالَ : الرَّجُل يَحْمِل عَلَى كَتِيبَة وَحْده فَيُقَاتِل , أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة ؟ فَقَالَ : لَا وَلَكِنَّ التَّهْلُكَة : أَنْ يُذْنِب الذَّنْب فَيُلْقِي بِيَدِهِ , فَيَقُول : لَا تُقْبَل لِي تَوْبَة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ الْجَرَّاح , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : قُلْت لِلْبَرَاءِ بْن عَازِب : يَا أَبَا عِمَارَة الرَّجُل يَلْقَى أَلْفًا مِنْ الْعَدُوّ فَيَحْمِل عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ وَحْده , أَيَكُونُ مِمَّنْ قَالَ : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } ؟ فَقَالَ : لَا , لِيُقَاتِل حَتَّى يُقْتَل , قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه لَا تُكَلَّف إلَّا نَفْسَك } 4 84 2592 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام . وحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام , عَنْ مُحَمَّد قَالَ : وَسَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ قَوْل اللَّه : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } الْآيَة . فَقَالَ عُبَيْدَة : كَانَ الرَّجُل يُذْنِب الذَّنْب - قَالَ : حَسِبْته قَالَ الْعَظِيم - فَيُلْقِي بِيَدِهِ فَيُسْتَهْلَك زَادَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , فَقِيلَ : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ ابْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : هُوَ الرَّجُل يُذْنِب الذَّنْب فَيَسْتَسْلِم وَيُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة , وَيَقُول : لَا تَوْبَة لَهُ . يَعْنِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ عُبَيْدَة فِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يُصِيب الذَّنْب فَيُلْقِي بِيَدِهِ . 2593 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : الْقُنُوط . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , وَهِشَام عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ , قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُذْنِب الذَّنْب فَيَسْتَسْلِم , يَقُول : لَا تَوْبَة لِي , فَيُلْقِي بِيَدِهِ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : حَدَّثَنِي أَيُّوب عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة أَنَّهُ قَالَ : هِيَ فِي الرَّجُل يُصِيب الذَّنْب الْعَظِيم , فَيُلْقِي بِيَدِهِ وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تَتْرُكُوا الْجِهَاد فِي سَبِيله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2594 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَيْوَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَان , قَالَ : غَزَوْنَا مِنْ الْمَدِينَة نُرِيد القسطنطينية وَعَلَى أَهْل مِصْر عُقْبَة بْن عَامِر , وَعَلَى الْجَمَاعَة عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن الْوَلِيد . قَالَ : فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ لَمْ أَرَ صَفَّيْنِ قَطُّ أَعْرَض وَلَا أَطْوَل مِنْهُمَا , وَالرُّوم مُلْصِقُونَ ظُهُورهمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَة , قَالَ : فَحَمَلَ رَجُل مِنَّا عَلَى الْعَدُوّ , فَقَالَ النَّاس : مَهْ ! لَا إلَه إلَّا اللَّه , يُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة ! قَالَ أَبُو أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ : إنَّمَا تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَة هَكَذَا أَنْ حَمَلَ رَجُل يُقَاتِل يَلْتَمِس الشَّهَادَة أَوْ يُبْلِي مِنْ نَفْسه ! إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِينَا مَعْشَر الْأَنْصَار . إنَّا لَمَّا نَصَرَ اللَّه نَبِيّه , وَأَظْهَر الْإِسْلَام , قُلْنَا بَيْننَا مَعْشَر الْأَنْصَار خَفْيًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّا قَدْ كُنَّا تَرَكْنَا أَهْلنَا وَأَمْوَالنَا أَنْ نُقِيم فِيهَا وَنُصْلِحهَا حَتَّى نَصَرَ اللَّه نَبِيّه , هَلُمَّ نُقِيم فِي أَمْوَالنَا وَنُصْلِحهَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه الْخَبَر مِنْ السَّمَاء : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } الْآيَة , فَالْإِلْقَاء بِالْأَيْدِي إلَى التَّهْلُكَة : أَنْ نُقِيم فِي أَمْوَالنَا وَنُصْلِحهَا , وَنَدَع الْجِهَاد . قَالَ أَبُو عِمْرَان : فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوب يُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه حَتَّى دُفِنَ بالقسطنطينية . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِمَارَة الْأَسَدِيّ , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد قَالَا : ثنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن عَبْد اللَّه بْن يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَيْوَة وَابْن لَهِيعَة , قَالَا : ثنا يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , قَالَ : حَدَّثَنِي أَسْلَم أَبُو عِمْرَان مَوْلَى تُجِيب , قَالَ : كُنَّا بالقسطنطينية , وَعَلَى أَهْل مِصْر عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَى أَهْل الشَّام فَضَالَة بْن عُبَيْد صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة صَفّ عَظِيم مِنْ الرُّوم , قَالَ : وَصَفَفْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَحَمَلَ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفّ الرُّوم حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ , ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا مُقْبِلًا , فَصَاحَ النَّاس وَقَالُوا : سُبْحَان اللَّه , أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ صَاحِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَيّهَا النَّاس إنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل , وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِينَا مَعَاشِر الْأَنْصَار : إنَّا لَمَّا أَعَزَّ اللَّه دِينه وَكَثُرَ نَاصِرِيهِ , قُلْنَا فِيمَا بَيْننَا بَعْضنَا لِبَعْضٍ سِرًّا مِنْ رَسُول اللَّه إنَّ أَمْوَالنَا قَدْ ضَاعَتْ , فَلَوْ أَنَّا أَقَمْنَا فِيهَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه يَرُدّ عَلَيْنَا مَا هَمَمْنَا بِهِ , فَقَالَ : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } بِالْإِقَامَةِ الَّتِي أَرَدْنَا أَنْ نُقِيم فِي الْأَمْوَال وَنُصْلِحهَا , فَأَمَرَنَا بِالْغَزْوِ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوب غَازِيًا فِي سَبِيل اللَّه حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيله بِقَوْلِهِ : { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه } وَسَبِيله : طَرِيقه الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ وَأَوْضَحَهُ لَهُمْ . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَأَنْفِقُوا فِي إعْزَاز دِينِي الَّذِي شَرَعْته لَكُمْ بِجِهَادِ عَدُوّكُمْ النَّاصِبِينَ لَكُمْ الْحَرْب عَلَى الْكُفْر بِي وَنَهَاهُمْ أَنْ يُلْقُوا بِأَيْدِيهِمْ إلَى التَّهْلُكَة , فَقَالَ : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } وَذَلِكَ مَثَل , وَالْعَرَب تَقُول لِلْمُسْتَسْلِمِ لِلْأَمْرِ : أَعْطَى فُلَان بِيَدَيْهِ , وَكَذَلِكَ يُقَال لِلْمُمَكِّنِ مِنْ نَفْسه مِمَّا أُرِيدَ بِهِ أَعْطَى بِيَدَيْهِ . فَمَعْنَى قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } وَلَا تَسْتَسْلِمُوا لِلْهَلَكَةِ فَتُعْطُوهَا أَزِمَّتكُمْ فَتَهْلَكُوا وَالتَّارِك النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه عِنْد وُجُوب ذَلِكَ عَلَيْهِ مُسْتَسْلِم لِلْهَلَكَةِ بِتَرْكِهِ أَدَاء فَرْض اللَّه عَلَيْهِ فِي مَاله . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ أَحَد سِهَام الصَّدَقَات الْمَفْرُوضَات الثَّمَانِيَة فِي سَبِيله , فَقَالَ : { إنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } إلَى قَوْله : { وَفِي سَبِيل اللَّه وَابْن السَّبِيل } 9 60 فَمَنْ تَرَكَ إنْفَاق مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَبِيل اللَّه عَلَى مَا لَزِمَهُ كَانَ لِلْهَلَكَةِ مُسْتَسْلِمًا وَبِيَدَيْهِ لِلتَّهْلُكَةِ مُلْقِيًا . وَكَذَلِكَ الْآيِس مِنْ رَحْمَة اللَّه لِذَنْبٍ سَلَفَ مِنْهُ , مُلْقٍ بِيَدَيْهِ إلَى التَّهْلُكَة , لِأَنَّ اللَّه قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : { وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْح اللَّه إنَّهُ لَا يَيْأَس مِنْ رَوْح اللَّه إلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ } 12 87 وَكَذَلِكَ التَّارِك غَزْو الْمُشْرِكِينَ وَجِهَادهمْ فِي حَال وُجُوب ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي حَال حَاجَة الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ , مُضَيِّع فَرْضًا , مُلْقٍ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلّهَا يَحْتَمِلهَا قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } وَلَمْ يَكُنْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ خَصَّ مِنْهَا شَيْئًا دُون شَيْء , فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه نَهَى عَنْ الْإِلْقَاء بِأَيْدِينَا لِمَا فِيهِ هَلَاكنَا , وَالِاسْتِسْلَام لِلْهَلَكَةِ , وَهِيَ الْعَذَاب , بِتَرْكِ مَا لَزِمَنَا مِنْ فَرَائِضه , فَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ مِنَّا الدُّخُول فِي شَيْء يَكْرَه اللَّه مِنَّا مِمَّا نَسْتَوْجِب بِدُخُولِنَا فِيهِ عَذَابه . غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيل الْآيَة : وَأَنْفِقُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي سَبِيل اللَّه , وَلَا تَتْرُكُوا النَّفَقَة فِيهَا فَتَهْلَكُوا بِاسْتِحْقَاقِكُمْ بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ عَذَابِي . كَمَا : 2595 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَة } قَالَ : التَّهْلُكَة : عَذَاب اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَيَكُون ذَلِكَ إعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ بَعْد أَمْره إيَّاهُمْ بِالنَّفَقَةِ مَا لِمَنْ تَرَكَ النَّفَقَة الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِ فِي سَبِيله مِنْ الْعُقُوبَة فِي الْمُعَاد . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا وَجْه إدْخَال الْبَاء فِي قَوْله . { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ } وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب أَلْقَيْت إلَى فُلَان دِرْهَمًا , دُون أَلْقَيْت إلَى فُلَان بِدِرْهَمٍ ؟ قِيلَ : قَدْ قِيلَ إنَّهَا زِيدَتْ نَحْو زِيَادَة الْقَائِل فِي الْبَاء فِي قَوْله : جَذَبْت بِالثَّوْبِ , وَجَذَبْت الثَّوْب , وَتَعَلَّقْت بِهِ , وَتَعَلَّقْته , و { تَنْبُت بِالدُّهْنِ } 23 20 وَإِنَّمَا هُوَ تَنْبُت الدُّهْن . وَقَالَ آخَرُونَ : الْبَاء فِي قَوْله : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِكُمْ } أَصْل لِلْكَلِمَةِ , لِأَنَّ كُلّ فِعْل وَاقِع كُنِّيَ عَنْهُ فَهُوَ مُضْطَرّ إلَيْهَا , نَحْو قَوْلك فِي رَجُل : " كَلَّمْته " , فَأَرَدْت الْكِنَايَة عَنْ فِعْله , فَإِذَا أَرَدْت ذَلِكَ قُلْت : " فَعَلْت بِهِ " قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ الْبَاء هِيَ الْأَصْل جَازَ إدْخَال الْبَاء وَإِخْرَاجهَا فِي كُلّ فِعْل سَبِيله سَبِيل كَلَّمْته . وَأَمَّا التَّهْلُكَة , فَإِنَّهَا التَّفْعُلَةُ مِنْ الْهَلَاك .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَحْسِنُوا } أَحْسِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَدَاء مَا أَلْزَمْتُكُمْ مِنْ فَرَائِضِي , وَتَجَنُّب مَا أَمَرْتُكُمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ مَعَاصِيَّ , وَمِنْ الْإِنْفَاق فِي سَبِيلِي . وَعَوْد الْقَوِيّ مِنْكُمْ عَلَى الضَّعِيف ذِي الْخُلَّة , فَإِنِّي أُحِبّ الْمُحْسِنِينَ فِي ذَلِكَ . كَمَا : 2596 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَابِ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق عَنْ رَجُل مِنْ الصَّحَابَة فِي قَوْله : { وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } قَالَ : أَدَاء الْفَرَائِض . وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَحْسِنُوا الظَّنّ بِاَللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2597 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ

} قَالَ : أَحْسِنُوا الظَّنّ بِاَللَّهِ يَبَرّكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : أَحْسِنُوا بِالْعَوْدِ عَلَى الْمُحْتَاج . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2598 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } عُودُوا عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي يَده شَيْء .
وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِسورة البقرة الآية رقم 196
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ أَتِمُّوا الْحَجّ بِمَنَاسِكِهِ وَسُنَّته , وَأَتِمُّوا الْعُمْرَة بِحُدُودِهَا وَسُنَنهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2599 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ . ثنا عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : هُوَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : { وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إلَى الْبَيْت } قَالَ : لَا تُجَاوِزُوا بِالْعُمْرَةِ الْبَيْت . قَالَ إبْرَاهِيم : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر , فَقَالَ : كَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس . 2600 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إلَى الْبَيْت " . 2601 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة أَنَّهُ قَرَأَ : " وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إلَى الْبَيْت " . 2602 - حَدَّثَنِي

الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } يَقُول : مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلّ حَتَّى يُتِمّهَا تَمَام الْحَجّ يَوْم النَّحْر إذَا رَمَى جَمْرَة الْعَقَبَة وَزَارَ الْبَيْت فَقَدْ حَلَّ مِنْ إحْرَامه كُلّه , وَتَمَام الْعُمْرَة إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَقَدْ حَلَّ . 2603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة قَالَ : ثنا شِبْل جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : مَا أُمِرُوا فِيهِمَا . 2604 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عِفْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : قَالَ إبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة بْن قَيْس قَالَ : " الْحَجّ " : مَنَاسِك الْحَجّ , و " الْعُمْرَة " : لَا يُجَاوِز بِهَا الْبَيْت . 2605 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : قَالَ تُقْضَى مَنَاسِك الْحَجّ عَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة وَمَوَاطِنهَا , وَالْعُمْرَة لِلْبَيْتِ أَنْ يَطَّوَّف بِالْبَيْتِ وَبَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة ثُمَّ يَحِلّ . وَقَالَ آخَرُونَ : تَمَامهمَا أَنْ تُحْرِم بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ مِنْ دُوَيْرَة أَهْلك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2606 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُل إلَى عَلِيّ فَقَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } أَنْ تُحْرِم مِنْ دُوَيْرَة أَهْلك . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إلَى عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , فَقَالَ : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } ؟ قَالَ : أَنْ تُحْرِم مِنْ دُوَيْرَة أَهْلك . 2607 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مِنْ تَمَام الْعُمْرَة أَنْ تُحْرِم مِنْ دُوَيْرَة أَهْلك . 2608 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , عَنْ طَاوُس , قَالَ : تَمَامهمَا : إفْرَادهمَا مُؤْتَنَفَتَيْنِ مِنْ أَهْلك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ثَوْر , عَنْ سُلَيْمَان بْن مُوسَى , عَنْ طَاوُس : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : تُفْرِدهُمَا مُؤَقَّتَتَيْنِ مِنْ أَهْلك , فَذَلِكَ تَمَامهمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : تَمَام الْعُمْرَة أَنْ تُعْمَل فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ , وَتَمَام الْحَجّ أَنْ يُؤْتَى بِمَنَاسِكِهِ كُلّهَا حَتَّى لَا يَلْزَم عَامِله دَم بِسَبَبِ قِرَان وَلَا مُتْعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2609 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : وَتَمَام الْعُمْرَة مَا كَانَ فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ . وَمَا كَانَ فِي أَشْهُر الْحَجّ , ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجّ فِي , مُتْعَة عَلَيْهِ فِيهَا الْهَدْي إنْ وَجَدَ , وَإِلَّا صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَجّ وَسَبْعَة إذَا رَجَعَ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : مَا كَانَ فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ فَهِيَ عُمْرَة تَامَّة , وَمَا كَانَ فِي أَشْهُر الْحَجّ فَهِيَ مُتْعَة وَعَلَيْهِ الْهَدْي . 2610 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ ابْن عَوْن , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يَقُول : إنَّ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ . قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : الْعُمْرَة فِي الْمُحَرَّم ؟ قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَهَا تَامَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : إتْمَامهمَا أَنْ تَخْرُج مِنْ أَهْلك لَا تُرِيد غَيْرهمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2611 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُل , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : هُوَ يَعْنِي تَمَامهمَا أَنْ تَخْرُج مِنْ أَهْلك لَا تُرِيد إلَّا الْحَجّ وَالْعُمْرَة , وَتُهِلّ مِنْ الْمِيقَات لَيْسَ أَنْ تَخْرُج لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ , حَتَّى إذَا كُنْت قَرِيبًا مِنْ مَكَّة قُلْت : لَوْ حَجَجْت أَوْ اعْتَمَرْت . وَذَلِكَ يُجْزِئ , وَلَكِنَّ التَّمَام أَنْ تَخْرُج لَهُ لَا تَخْرُج لِغَيْرِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ إذَا دَخَلْتُمْ فِيهِمَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2612 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَيْسَتْ الْعُمْرَة وَاجِبَة عَلَى أَحَد مِنْ النَّاس . قَالَ : فَقُلْت لَهُ : قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } ؟ قَالَ : لَيْسَ مِنْ الْخَلْق أَحَد يَنْبَغِي لَهُ إذَا دَخَلَ فِي أَمْر إلَّا أَنْ يُتِمّهُ , فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُهِلّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْجِع , كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمًا لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يُفْطِر فِي نِصْف النَّهَار . وَكَانَ الشَّعْبِيّ يَقْرَأ ذَلِكَ رَفْعًا . 2613 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن أَبِي بُرْدَة أَنَّ الشَّعْبِيّ وَأَبَا بُرْدَة تَذَاكَرَا الْعُمْرَة , قَالَ : فَقَالَ الشَّعْبِيّ : تَطَوُّع { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } وَقَالَ أَبُو بُرْدَة : هِيَ وَاجِبَة { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } 2614 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا ابْن عَوْن , عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُور عَنْهُ مِنْ الْقَوْل هُوَ هَذَا . وَذَلِكَ مَا : 2615 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : الْعُمْرَة وَاجِبَة . فَقِرَاءَة مَنْ قَالَ : الْعُمْرَة وَاجِبَة نَصَبَهَا بِمَعْنَى أَقِيمُوا فَرْض الْحَجّ وَالْعُمْرَة . كَمَا : 2616 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا إسْحَاق , يَقُول : سَمِعْت مَسْرُوقًا يَقُول : أُمِرْتُمْ فِي كِتَاب اللَّه بِأَرْبَعٍ : بِإِقَامِ الصَّلَاة , وَإِيتَاء الزَّكَاة , وَالْحَجّ , وَالْعُمْرَة ; قَالَ : ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت } 3 97 { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } إلَى الْبَيْت . * حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا يَرْوِي عَنْ الْحَسَن , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : أُمِرْنَا بِإِقَامَةِ أَرْبَعَة : الصَّلَاة , وَالزَّكَاة , وَالْعُمْرَة , وَالْحَجّ , فَنَزَلَتْ الْعُمْرَة مِنْ الْحَجّ مَنْزِلَة الزَّكَاة مِنْ الصَّلَاة . 2617 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن حُسَيْن وَسَعِيد بْن جُبَيْر , وَسُئِلَا : أَوَاجِبَة الْعُمْرَة عَلَى النَّاس ؟ فَكِلَاهُمَا قَالَ : مَا نَعْلَمهَا إلَّا وَاجِبَة , كَمَا قَالَ اللَّه : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } 2618 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , قَالَ : سَأَلَ رَجُل سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ الْعُمْرَة فَرِيضَة هِيَ أَمْ تَطَوُّع ؟ قَالَ : فَرِيضَة . قَالَ : فَإِنَّ الشَّعْبِيّ يَقُول : هِيَ تَطَوُّع . قَالَ : كَذَبَ الشَّعْبِيّ ! وَقَرَأَ : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } 2619 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة عَمَّنْ سَمِعَ عَطَاء يَقُول فِي قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } قَالَ : هُمَا وَاجِبَانِ : الْحَجّ , وَالْعُمْرَة . فَتَأْوِيل هَؤُلَاءِ فِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } أَنَّهُمَا فَرْضَانِ وَاجِبَانِ مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ بِإِقَامَتِهِمَا , كَمَا أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاة , وَأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ , وَأَوْجَبَ الْعُمْرَة وُجُوب الْحَجّ . وَهُمْ عَدَد كَثِير مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْخَالِفِينَ كَرِهْنَا تَطْوِيل الْكِتَاب بِذِكْرِهِمْ وَذِكْر الرِّوَايَات عَنْهُمْ . وَقَالُوا : مَعْنَى قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2620 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } يَقُول : أَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة . 2621 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ ثُوَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيّ : " وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلْبَيْتِ " ثُمَّ هِيَ وَاجِبَة مِثْل الْحَجّ . 2622 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا ثُوَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه : " وَأَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة إلَى الْبَيْت " ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه : وَاَللَّه لَوْلَا التَّحَرُّج وَأَنِّي لَمْ أَسْمَع مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا شَيْئًا , لَقُلْت إنَّ الْعُمْرَة وَاجِبَة مِثْل الْحَجّ . وَكَأَنَّهُمْ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : أَقِيمُوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة : ائْتُوا بِهِمَا بِحُدُودِهِمَا وَأَحْكَامهمَا عَلَى مَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَرَأَ قِرَاءَة هَؤُلَاءِ بِنَصْبِ الْعُمْرَة : الْعُمْرَة تَطَوُّع . وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا دَلَالَة عَلَى وُجُوبهَا فِي نَصْبهمْ الْعُمْرَة فِي الْقِرَاءَة , إذْ كَانَ مِنْ الْأَعْمَال مَا قَدْ يَلْزَم الْعَبْد عَمَله وَإِتْمَامه بِدُخُولِهِ فِيهِ , وَلَمْ يَكُنْ ابْتِدَاء الدُّخُول فِيهِ فَرْضًا عَلَيْهِ , وَذَلِكَ كَالْحَجِّ التَّطَوُّع لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع فِيهِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِهِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُضِيّ فِيهِ وَإِتْمَامه وَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَيْهِ ابْتِدَاء الدُّخُول فِيهِ . وَقَالُوا : فَكَذَلِكَ الْعُمْرَة غَيْر فَرْض وَاجِب الدُّخُول فِيهَا ابْتِدَاء , غَيْر أَنَّ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِيهَا وَأَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسه إتْمَامهَا بَعْد الدُّخُول فِيهَا . قَالُوا : فَلَيْسَ فِي أَمْر اللَّه بِإِتْمَامِ الْحَجّ وَالْعُمْرَة دَلَالَة عَلَى وُجُوب فَرْضهَا . قَالُوا : وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا فَرْض الْحَجّ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلّ : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجّ الْبَيْت مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } 3 97 وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ الْخَالِفِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2623 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب قَالَا : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : الْحَجّ فَرِيضَة , وَالْعُمْرَة تَطَوُّع . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ ابْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ النَّخَعِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود مِثْله . 2624 - وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْعُمْرَة لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ . 2625 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : سَأَلْت إبْرَاهِيم عَنْ الْعُمْرَة فَقَالَ : سُنَّة حَسَنَة . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . 2626 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عَوْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : الْعُمْرَة تَطَوُّع . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِرَفْعِ الْعُمْرَة فَإِنَّهُمْ قَالُوا : لَا وَجْه لِنَصْبِهَا , فَالْعُمْرَة إنَّمَا هِيَ زِيَارَة الْبَيْت , وَلَا يَكُون مُسْتَحِقًّا اسْم مُعْتَمِر إلَّا وَهُوَ لَهُ زَائِر ; قَالُوا : وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحِقّ اسْم مُعْتَمِر إلَّا بِزِيَارَتِهِ , وَهُوَ مَتَى بَلَغَهُ فَطَافَ بِهِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَلَا عَمَل يَبْقَى بَعْده يُؤْمَر بِإِتْمَامِهِ بَعْد ذَلِكَ , كَمَا يُؤْمَر بِإِتْمَامِهِ الْحَاجّ بَعْد بُلُوغه وَالطَّوَاف بِهِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَة بِإِتْيَانِ عَرَفَة وَالْمُزْدَلِفَة , وَالْوُقُوف بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي أُمِرَ بِالْوُقُوفِ بِهَا وَعَمِلَ سَائِر أَعْمَال الْحَجّ الَّذِي هُوَ مِنْ تَمَامه بَعْد إتْيَان الْبَيْت لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الْقَائِل لِلْمُعْتَمِرِ أَتِمَّ عُمْرَتك وَجْه مَفْهُوم , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْه مَفْهُوم . . فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي الْعُمْرَة الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ لِلَّهِ , فَتَكُون مَرْفُوعَة بِخَبَرِهَا الَّذِي بَعْدهَا , وَهُوَ قَوْله : لِلَّهِ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِنَصْبِ الْعُمْرَة عَلَى الْعَطْف بِهَا عَلَى الْحَجّ , بِمَعْنَى الْأَمْر بِإِتْمَامِهِمَا لَهُ . وَلَا مَعْنَى لِاعْتِلَالِ مَنْ اعْتَلَّ فِي رَفْعهَا بِأَنَّ الْعُمْرَة زِيَارَة الْبَيْت , فَإِنَّ الْمُعْتَمِر مَتَى بَلَغَهُ , فَلَا عَمَل بَقِيَ عَلَيْهِ يُؤْمَر بِإِتْمَامِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْبَيْت فَقَدْ انْقَضَتْ زِيَارَته وَبَقِيَ عَلَيْهِ تَمَام الْعَمَل الَّذِي أَمَرَهُ اللَّه بِهِ فِي اعْتِمَاره , وَزِيَارَته الْبَيْت ; وَذَلِكَ هُوَ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ , وَالسَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَتَجَنُّب مَا أَمَرَ اللَّه بِتَجَنُّبِهِ إلَى إتْمَامه ذَلِكَ , وَذَلِكَ عَمَل وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَزِمَهُ بِإِيجَابِ الزِّيَارَة عَلَى نَفْسه غَيْر الزِّيَارَة . هَذَا مَعَ إجْمَاع الْحُجَّة عَلَى قِرَاءَة الْعُمْرَة بِالنَّصْبِ , وَمُخَالَفَة جَمِيع قُرَّاء الْأَمْصَار قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا , فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى خَطَأ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ رَفْعًا . وَأَمَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا فَقَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ إلَى الْبَيْت بَعْد إيجَابكُمْ إيَّاهُمَا لَا أَنَّ ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ بِابْتِدَاءِ عَمَلهمَا وَالدُّخُول فِيهِمَا وَأَدَاء عَمَلهمَا بِتَمَامِهِ بِهَذِهِ الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَة مُحْتَمِلَة لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا مِنْ أَنْ يَكُون أَمْرًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ بِإِقَامَتِهِمَا ابْتِدَاء وَإِيجَابًا مِنْهُ عَلَى الْعِبَاد فَرَضَهُمَا , وَأَنْ يَكُون أَمْرًا مِنْهُ بِإِتْمَامِهِمَا بَعْد الدُّخُول فِيهِمَا , وَبَعْد إيجَاب مُوجِبهمَا عَلَى نَفْسه , فَإِذَا كَانَتْ الْآيَة مُحْتَمِلَة لِلْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْنَا , فَلَا حُجَّة فِيهَا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَر , إلَّا وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ فِيهَا مِثْلهَا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِإِيجَابِ فَرْض الْعُمْرَة خَبَر عَنْ الْحِجَّة لِلْعُذْرِ قَاطِعًا , وَكَانَتْ الْأُمَّة فِي وُجُوبهَا مُتَنَازِعَة , لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ قَائِل - هِيَ فَرْض بِغَيْرِ بُرْهَان دَالّ عَلَى صِحَّة قَوْله - مَعْنَى , إذْ كَانَتْ الْفُرُوض لَا تَلْزَم الْعِبَاد إلَّا بِدَلَالَةٍ عَلَى لُزُومهَا إيَّاهُمْ وَاضِحَة . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهَا وَاجِبَة وُجُوب الْحَجّ , وَأَنَّ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله : { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } بِمَعْنَى : أَقِيمُوا حُدُودهمَا وَفُرُوضهمَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلنَا بِمَا : 2627 - حَدَّثَنِي بِهِ حَاتِم بْن بُكَيْر الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَشْهَل بْن حَاتِم الأرطبائي , قَالَ : ثنا ابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن جَحَادَةَ , عَنْ رَجُل , عَنْ زَمِيل لَهُ , عَنْ أَبِيهِ , وَكَانَ أَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا الْمُنْتَفِق , قَالَ : أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَة , فَدَنَوْت مِنْهُ , حَتَّى اخْتَلَفَتْ عُنُق رَاحِلَتِي وَعُنُق رَاحِلَته , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ يُنْجِينِي مِنْ عَذَاب اللَّه وَيُدْخِلنِي جَنَّته ! قَالَ : " اُعْبُدْ اللَّه وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا , وَأَقِمْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة , وَأَدِّ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , وَحُجَّ وَاعْتَمِرْ " قَالَ أَشْهَل : وَأَظُنّهُ قَالَ : " وَصُمْ رَمَضَان , وَانْظُرْ مَاذَا تُحِبّ مِنْ النَّاس أَنْ يَأْتُوهُ إلَيْك فَافْعَلْهُ بِهِمْ , وَمَا تَكْرَه مِنْ النَّاس أَنْ يَأْتُوهُ إلَيْك فَذَرْهُمْ مِنْهُ " . 2628 - وَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ النُّعْمَان بْن سَالِم , عَنْ عَمْرو بْن أَوْس , عَنْ أَبِي رَزِين الْعَقِيلِيّ رَجُل مِنْ بَنِي عَامِر قَالَ : قُلْت يَا رَسُول اللَّه إنَّ أَبِي شَيْخ كَبِير لَا يَسْتَطِيع الْحَجّ وَلَا الْعُمْرَة وَلَا الظَّعْن , وَقَدْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَام , أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : " حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ " . 2629 - وَمَا حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ : " اُعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَقِيمُوا الصَّلَاة , وَآتُوا الزَّكَاة , وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ " . وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار , فَإِنَّ هَذِهِ أَخْبَار لَا يَثْبُت بِمِثْلِهَا فِي الدِّين حُجَّة لِوَهْيِ أَسَانِيدهَا , وَأَنَّهَا مَعَ وَهْي أَسَانِيدهَا لَهَا فِي الْأَخْبَار أَشْكَال تُنْبِئ عَنْ أَنَّ الْعُمْرَة تَطَوُّع لَا فَرْض وَاجِب . وَهُوَ مَا : 2630 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , وَمُحَمَّد بْن عِيسَى الدَّامِغَانِيّ , قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ , عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَة أَوَاجِبَة هِيَ ؟ , فَقَالَ : " لَا , وَإِنْ تَعْتَمِرُوا خَيْر لَكُمْ " . 2631 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُعَاوِيَة بْن إسْحَاق , عَنْ أَبِي صَالِح الْحَنَفِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْحَجّ جِهَاد وَالْعُمْرَة تَطَوُّع " . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْغَبَاء أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عِنْده أَنَّ الْعُمْرَة وَاجِبَة بِأَنَّهُ لَمْ يَجِد تَطَوُّعًا إلَّا وَلَهُ إمَام مِنْ الْمَكْتُوبَة فَلَمَّا صَحَّ أَنَّ الْعُمْرَة تَطَوُّع وَجَبَ أَنْ يَكُون لَهَا فَرْض , لِأَنَّ الْفَرْض إمَام التَّطَوُّع فِي جَمِيع الْأَعْمَال . فَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : فَقَدْ جَعَلَ الِاعْتِكَاف تَطَوُّعًا , فَمَا الْفَرْض الَّذِي هُوَ إمَام مُتَطَوِّعه ؟ ثُمَّ يَسْأَل عَنْ الِاعْتِكَاف أَوَاجِب هُوَ أَمْ غَيْر وَاجِب ؟ فَإِنْ قَالَ : وَاجِب , خَرَجَ مِنْ قَوْل جَمِيع الْأُمَّة , وَإِنْ قَالَ : تَطَوُّع , قِيلَ : فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ يَكُون الِاعْتِكَاف تَطَوُّعًا وَالْعُمْرَة فَرْضًا مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ ؟ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا شَيْئًا إلَّا أُلْزِم فِي الْآخَر مِثْله . وَبِمَا اسْتَشْهَدْنَا مِنْ الْأَدِلَّة , فَإِنَّ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي الْعُمْرَة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهَا نَصْبًا . وَإِنَّ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْله { وَأَتِمُّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ } تَأْوِيل ابْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه بِإِتْمَامِ أَعْمَالهمَا بَعْد الدُّخُول فِيهِمَا وَإِيجَابهمَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ حُدُودهمَا وَسُنَنهمَا . وَإِنَّ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْعُمْرَة بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : هِيَ تَطَوُّع لَا فَرْض . وَإِنَّ مَعْنَى الْآيَة : وَأَتِمُّوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِلَّهِ بَعْد دُخُولكُمْ فِيهِمَا وإيجابكموهما عَلَى أَنْفُسكُمْ عَلَى مَا أَمَرَكُمْ اللَّه مِنْ حُدُودهمَا . وَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ الْبَيْت مَعْرِفَة الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ فِي إحْرَامهمْ إنْ خُلِّيَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْبَيْت وَمُبَيِّنًا لَهُمْ فِيهَا مَا الْمَخْرَج لَهُمْ مِنْ إحْرَامهمْ إنْ أَحْرَمُوا , فَصُدُّوا عَنْ الْبَيْت وَبِذِكْرِ اللَّازِم لَهُمْ مِنْ الْأَعْمَال فِي عُمْرَتهمْ الَّتِي اعْتَمَرُوهَا عَام الْحُدَيْبِيَة وَمَا يَلْزَمهُمْ فِيهَا بَعْد ذَلِكَ فِي عُمْرَتهمْ وَحَجّهمْ , افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ وَالْحَجّ } وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْحَجّ وَالْعُمْرَة بِشَوَاهِد , فَكَرِهْنَا تَطْوِيل الْكِتَاب بِإِعَادَتِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْإِحْصَار الَّذِي جَعَلَ اللَّه عَلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ فِي حَجّه وَعُمْرَته مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كُلّ مَانِع أَوْ حَابِس مَنَعَ الْمُحْرِم وَحَبَسَهُ عَنْ الْعَمَل الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ فِي إحْرَامه وَوُصُوله إلَى الْبَيْت الْحَرَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2632 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الْحَصْر : الْحَبْس كُلّه . يَقُول : أَيّمَا رَجُل اعْتَرَضَ لَهُ فِي حَجَّته أَوْ عُمْرَته فَإِنَّهُ يَبْعَث بِهَدْيِهِ مِنْ حَيْثُ يُحْبَس . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ : يَمْرَض إنْسَان أَوْ يُكْسَر أَوْ يَحْبِسهُ أَمْر فَغَلَبَهُ كَائِنًا مَا كَانَ , فَلْيُرْسِلْ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي , وَلَا

يَحْلِق رَأْسه , وَلَا يَحِلّ حَتَّى يَوْم النَّحْر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2633 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْإِحْصَار كُلّ شَيْء يَحْبِسهُ . 2634 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قَالَ : فِي الْمُحْصَر : هُوَ الْخَوْف وَالْمَرَض وَالْحَابِس إذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعَثَ بِهَدْيِهِ , فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْي مَحِلّه حَلَّ . * حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } قَالَ : هَذَا رَجُل أَصَابَهُ خَوْف أَوْ مَرَض أَوْ حَابِس حَبَسَهُ عَنْ الْبَيْت يَبْعَث بِهَدْيِهِ , فَإِذَا بَلَغَ مَحِلّه صَارَ حَلَالًا . 2635 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كُلّ شَيْء حَبَسَ الْمُحْرِم فَهُوَ إحْصَار . 2636 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَحْسِبهُ عَنْ شَرِيك , عَنْ إبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِر , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } قَالَ : مَرَض أَوْ كَسْر أَوْ خَوْف . 2637 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } يَقُول : مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ , ثُمَّ حُبِسَ عَنْ الْبَيْت بِمَرَضٍ يُجْهِدهُ , أَوْ عُذْر يَحْبِسهُ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا . وَعِلَّة مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّ الْإِحْصَار مَعْنَاهُ فِي كَلَام الْعَرَب : مَنْع الْعِلَّة مِنْ الْمَرَض وَأَشْبَاهه غَيْر الْقَهْر وَالْغَلَبَة مِنْ قَاهِر الْغَالِب إلَّا غَلَبَة عِلَّة مِنْ مَرَض أَوْ لَدْغ أَوْ جِرَاحَة , أَوْ ذَهَاب نَفَقَة , أَوْ كَسْر رَاحِلَة . فَأَمَّا مَنْع الْعَدُوّ , وَحَبْس حَابِس فِي سِجْن , وَغَلَبَة غَالِب حَائِل بَيْن الْمُحْرِم وَالْوُصُول إلَى الْبَيْت مِنْ سُلْطَان , أَوْ إنْسَان قَاهِر مَانِع , فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا تُسَمِّيه الْعَرَب حَصْرًا لَا إحْصَارًا . قَالُوا : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّم لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } 17 8 يَعْنِي بِهِ : حَاصِرًا : أَيْ حَابِسًا . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ حَبْس الْقَاهِر الْغَالِب مِنْ غَيْر الْعِلَل الَّتِي وَصَفْنَا يُسَمَّى إحْصَارًا لَوَجَبَ أَنْ يُقَال : قَدْ أَحْصَر الْعَدُوّ . قَالُوا : وَفِي اجْتِمَاع لُغَات الْعَرَب عَلَى " حُوصِرَ الْعَدُوّ " و " الْعَدُوّ مُحَاصِر " , دُون " أَحْصَر الْعَدُوّ " و " هُمْ مُحْصَرُونَ " , و " أُحْصِر الرَّجُل " بِالْعِلَّةِ مِنْ الْمَرَض وَالْخَوْف , أَكْبَر الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } بِمَرَضٍ أَوْ خَوْف أَوْ عِلَّة مَانِعَة . قَالُوا : وَإِنَّمَا جَعَلْنَا حَبْس الْعَدُوّ وَمَنْعه الْمُحْرِم مِنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت بِمَعْنَى حَصْر الْمَرَض قِيَاسًا عَلَى مَا جَعَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ الَّذِي مَنَعَهُ الْمَرَض مِنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت , لَا بِدَلَالَةِ ظَاهِر قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } إذْ كَانَ حَبْس الْعَدُوّ وَالسُّلْطَان وَالْقَاهِر عِلَّة مَانِعَة , نَظِيره الْعِلَّة الْمَانِعَة مِنْ الْمَرَض وَالْكَسْر . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } فَإِنْ حَبَسَكُمْ عَدُوّ عَنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت , أَوْ حَابِس قَاهِر مِنْ بَنِي آدَم . قَالُوا : فَأَمَّا الْعِلَل الْعَارِضَة فِي الْأَبْدَان كَالْمَرَضِ وَالْجِرَاح وَمَا أَشْبَهَهَا , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر دَاخِل فِي قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2638 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْحَصْر : حَصْر الْعَدُوّ , فَيَبْعَث الرَّجُل بِهَدِيَّتِهِ , فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَصِل إلَى الْبَيْت مِنْ الْعَدُوّ , فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُبَلِّغهَا عَنْهُ إلَى مَكَّة , فَإِنَّهُ يَبْعَث بِهَا وَيُحْرِم - قَالَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ أَبُو عَاصِم : لَا نَدْرِي قَالَ يُحْرِم أَوْ يَحِلّ - مِنْ يَوْم يُوَاعِد فِيهِ صَاحِب الْهَدْي إذَا اشْتَرَى , فَإِذَا أَمِنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجّ أَوْ يَعْتَمِر , فَإِذَا أَصَابَهُ مَرَض يَحْبِسهُ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْي , فَإِنَّهُ يَحِلّ حَيْثُ يُحْبَس , فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي فَلَا يَحِلّ حَتَّى يَبْلُغ الْهَدْي مَحِلّه , فَإِذَا بَعَثَ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجّ قَابِلًا , وَلَا يَعْتَمِر إلَّا أَنْ يَشَاء . 2639 - حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَا حَصْر إلَّا مِنْ حَبْس عَدُوّ . 2640 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس مِثْل حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِنَّهُ يَبْعَث بِهَا وَيُحْرِم مِنْ يَوْم وَاعَدَ فِيهِ صَاحِب الْهَدِيَّة إذَا اشْتَرَى . ثُمَّ ذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث مِثْل حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس : " بَلَغَنِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّ وَأَصْحَابه بِالْحُدَيْبِيَةِ , فَنَحَرُوا الْهَدْي , وَحَلَقُوا رُءُوسهمْ , وَحَلُّوا مِنْ كُلّ شَيْء قَبْل أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ , وَقَبْل أَنْ يَصِل إلَيْهِ الْهَدْي , ثُمَّ لَمْ نَعْلَم أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابه وَلَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا أَنْ يَعُودُوا لِشَيْءٍ " . 2641 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب عَنْهُ . قَالَ : وَسُئِلَ مَالِك عَمَّنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ وَحِيلَ بَيْنه وَبَيْن الْبَيْت ؟ فَقَالَ : يَحِلّ مِنْ كُلّ شَيْء , وَيَنْحَر هَدْيه , وَيَحْلِق رَأْسه حَيْثُ يُحْبَس , وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاء إلَّا أَنْ يَكُون لَمْ يَحُجّ قَطُّ , فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجّ حَجَّة الْإِسْلَام . قَالَ : وَالْأَمْر عِنْدنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوّ بِمَرَضٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ , أَنْ يَبْدَأ بِمَا لَا بُدّ مِنْهُ , وَيَفْتَدِي , ثُمَّ يَجْعَلهَا عُمْرَة , وَيَحُجّ عَامًا قَابِلًا وَيُهْدِي . وَعِلَّة مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة - أَعْنِي مَنْ قَالَ قَوْل مَالِك - أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي حَصْر الْمُشْرِكِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه عَنْ الْبَيْت , فَأَمَرَ اللَّه نَبِيّه وَمَنْ مَعَهُ بِنَحْرِ هَدَايَاهُمْ وَالْإِحْلَال . قَالُوا : فَإِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فِي حَصْر الْعَدُوّ , فَلَا يَجُوز أَنْ يَصْرِف حُكْمهَا إلَى غَيْر الْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ . قَالُوا : وَأَمَّا الْمَرِيض , فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُطِقْ لِمَرَضِهِ السَّيْر حَتَّى فَاتَتْهُ عَرَفَة , فَإِنَّمَا هُوَ رَجُل فَاتَهُ الْحَجّ , عَلَيْهِ الْخُرُوج مِنْ إحْرَامه بِمَا يَخْرُج بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجّ , وَلَيْسَ مِنْ مَعْنَى الْمُحْصَر الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْنه . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : فَإِنْ أَحْصَركُمْ خَوْف عَدُوّ أَوْ مَرَض أَوْ عِلَّة عَنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت , أَيْ صَيَّرَكُمْ خَوْفكُمْ أَوْ مَرَضكُمْ تُحْصَرُونَ أَنْفُسكُمْ , فَتَحْبِسُونَهَا عَنْ النُّفُوذ لِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ عَمَل الْحَجّ وَالْعُمْرَة . فَلِذَا قِيلَ " أُحْصِرْتُمْ " , لَمَّا أَسْقَطَ ذِكْر الْخَوْف وَالْمَرَض . يُقَال مِنْهُ : أَحْصَرَنِي خَوْفِي مِنْ فُلَان عَنْ لِقَائِك , وَمَرَضِي عَنْ فُلَان , يُرَاد بِهِ : جَعَلَنِي أَحْبِس نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ . فَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَابِس الرَّجُل وَالْإِنْسَان , قِيلَ : حَصَرَنِي فُلَان عَنْ لِقَائِك , بِمَعْنَى حَبَسَنِي عَنْهُ . فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْآيَة مَا ظَنَّهُ الْمُتَأَوِّل مِنْ قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } فَإِنْ حَبَسَكُمْ حَابِس مِنْ الْعَدُوّ عَنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ . وَمِمَّا يُعَيِّن صِحَّة مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَأْوِيل الْآيَة مُرَاد بِهَا إحْصَار غَيْر الْعَدُوّ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُرَاد بِهَا الْخَوْف مِنْ الْعَدُوّ , قَوْله : { فَإِنْ أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ } وَالْأَمْن إنَّمَا يَكُون بِزَوَالِ الْخَوْف . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْلُوم أَنَّ الْإِحْصَار الَّذِي عَنَى اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ الْخَوْف الَّذِي يَكُون بِزَوَالِهِ الْأَمْن . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ حَبْس الْحَابِس الَّذِي لَيْسَ مَعَ حَبْسه خَوْف عَلَى النَّفْس مِنْ حَبْسه دَاخِلًا فِي حُكْم الْآيَة بِظَاهِرِهَا الْمَتْلُوّ , وَإِنْ كَانَ قَدْ يَلْحَق حُكْمه عِنْدنَا بِحُكْمِهِ مِنْ وَجْه الْقِيَاس مِنْ أَجْل أَنَّ حَبْس مَنْ لَا خَوْف عَلَى النَّفْس مِنْ حَبْسه , كَالسُّلْطَانِ غَيْر الْمَخُوفَة عُقُوبَته , وَالْوَالِد وَزَوْج الْمَرْأَة , إنْ كَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضهمْ حَبْس , وَمَنَعَ عَنْ الشُّخُوص لِعَمَلِ الْحَجّ , أَوْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت بَعْد إيجَاب الْمَمْنُوع الْإِحْرَام , غَيْر دَاخِل فِي ظَاهِر قَوْله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنْ أَحْصَركُمْ خَوْف عَدُوّ , بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجّ } وَقَدْ بَيَّنَ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : الْحَصْر : حَصْر الْعَدُوّ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ لِمَا وَصَفْنَا , وَكَانَ ذَلِكَ مَنْعًا مِنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت , فَكُلّ مَانِع عَرَضَ لِلْمُحْرِمِ فَصَدَّهُ عَنْ الْوُصُول إلَى الْبَيْت , فَهُوَ لَهُ نَظِير فِي الْحُكْم . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ شَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2642 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْقَنَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ يُونُس بْن أَبِي إسْحَاق السَّبِيعِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } شَاة . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , وحَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } شَاة . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ مُجَاهِد عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 2643 - حَدَّثَنِي ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ النُّعْمَان بْن مَالِك , قَالَ : تَمَتَّعْت فَسَأَلْت ابْن عَبَّاس فَقَالَ : { مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } قَالَ : قُلْت شَاة ؟ قَالَ : شَاة . 2644 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ النُّعْمَان بْن مَالِك , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَمَّا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي ؟ قَالَ : مِنْ الْأَزْوَاج الثَّمَانِيَة مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْمَعْز وَالضَّأْن . 2645 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ الزُّهْرِيّ : أَخْبَرَنَا وَسُئِلَ عَنْ قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : مِنْ الْغَنَم . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إسْحَاق , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي : مِنْ الْأَزْوَاج الثَّمَانِيَة . 2646 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : قِيلَ لِلْأَشْعَثِ : مَا قَوْل الْحَسَن : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } ؟ قَالَ : شَاة . 2647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } ؟ قَالَ : شَاة . 2648 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة . { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } قَالَ : أَعْلَاهُ بَدَنَة , وَأَوْسَطه بَقَرَة , وَأَخَسّه شَاة . * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , مِثْله , إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُقَال : أَعْلَاهُ بَدَنَة , وَذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث مِثْله . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ زُرَارَةَ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } شَاة . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ أَبِي جَمْرَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 2649 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي } شَاة . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ , حَدَّثَنَا ابْن يَمَان , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن نَقِيع , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 2650 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْمُحْصَر مُبْعِث بِهَدْيٍ شَاة فَمَا فَوْقهَا . 2651 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا ابْن نُمَيْر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة قَالَ : إذَا أَهَلَّ الرَّجُل بِالْحَجِّ فَأُحْصِرَ , بَعَثَ بِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي شَاة . قَالَهُ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر , فَقَالَ : كَذَلِكَ قَالَ ابْن عَبَّاس . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي : شَاة فَمَا فَوْقهَا . 2652 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , وحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَهُ : ثنا آدَم الْعَسْقَلَانِيّ عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو جَمْرَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي : جَزُور أَوْ بَقَرَة أَوْ شَاة , أَوْ شِرْك فِي دَم . 2653 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يَقُول : إنَّ ابْن عَبَّاس كَانَ يَرَى أَنَّ الشَّاة مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , عَنْ خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي : شَاة . 2654 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي : شَاة . 2655 - حَدَّثَنَا ا
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِسورة البقرة الآية رقم 197
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَقْت الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات . " وَالْأَشْهُر " مَرْفُوعَات بِالْحَجِّ , وَإِنْ كَانَ لَهُ وَقْتًا لَا صِفَة وَنَعْتًا , إذْ لَمْ تَكُنْ مَحْصُورَات بِتَعْرِيفٍ بِإِضَافَةٍ إلَى مَعْرِفَة أَوْ مَعْهُود , فَصَارَ الرَّفْع فِيهِنَّ كَالرَّفْعِ فِي قَوْل الْعَرَب فِي نَظِير ذَلِكَ مِنْ الْمَحَلّ " الْمُسْلِمُونَ جَانِب وَالْكُفَّار جَانِب " , بِرَفْعِ الْجَانِب الَّذِي لَمْ يَكُنْ مَحْصُورًا عَلَى حَدّ مَعْرُوف , وَلَوْ قِيلَ جَانِب أَرْضهمْ أَوْ بِلَادهمْ لَكَانَ النَّصْب هُوَ الْكَلَام . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِالْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَات : شَوَّالًا , وَذَا الْقَعْدَة , وَعَشْرًا مِنْ ذِي الْحِجَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2844 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . 2845 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَشَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل بْن نَصْر السُّلَمِيّ , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل بْن أَبِي حَبِيبَة , عَنْ دَاوُد بْن حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : أَشْهُر الْحَجّ شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . 2846 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } وَهُنَّ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة , جَعَلَهُنَّ اللَّه سُبْحَانه لِلْحَجِّ , وَسَائِر الشُّهُور لِلْعُمْرَةِ , فَلَا يَصْلُح أَنْ يُحْرِم أَحَد بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُر الْحَجّ , وَالْعُمْرَة يُحْرِم بِهَا فِي كُلّ شَهْر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا

الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . 2847 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَأَبُو عَامِر قَالَا : ثنا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ مِثْله . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَإِسْرَائِيل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . 2849 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , مِثْله . 2850 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , مِثْله . 2851 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2852 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس . وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ . وَأَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن . وَأَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك . وَأَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد , مِثْله . 2853 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة فِي الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . 2854 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة . * حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَعْنِي بِذَلِكَ شَوَّالًا , وَذَا الْقَعْدَة , وَذَا الْحِجَّة كُلّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2855 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِنَافِعٍ : أَكَانَ عَبْد اللَّه يُسَمِّي أَشْهُر الْحَجّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِنَافِعٍ : أَسَمِعْت ابْن عُمَر يُسَمِّي أَشْهُر الْحَجّ ؟ قَالَ : نَعَمْ , كَانَ يُسَمِّي شَوَّالًا , وَذَا الْقَعْدَة , وَذَا الْحِجَّة . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ إبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . 2856 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } , قَالَ عَطَاء : فَهِيَ شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . 2857 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 2858 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } أَشْهُر الْحَجّ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . وَرُبَّمَا قَالَ : وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . 2859 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } قَالَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . 2860 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , مِثْله . 2861 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَشْهُر الْحَجّ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَذُو الْحِجَّة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَة , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ عَمَل الْحَجّ لَا يُعْمَل بَعْد تَقَضِّي أَيَّام مِنَى ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر الَّذِي تَوَهَّمْته , وَإِنَّمَا عَنَوْا بِقَيْلِهِمْ الْحَجّ ثَلَاثَة أَشْهُر كَوَامِل , أَنَّهُنَّ الْحَجّ لَا أَشْهُر الْعُمْرَة , وَأَنَّ شُهُور الْعُمْرَة سِوَاهُنَّ مِنْ شُهُور السَّنَة . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُمْ فِي قَيْلهمْ ذَلِكَ مَا : 2862 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , قَالَ : قَالَ ابْن عُمَر : أَنْ تَفْصِلُوا بَيْن أَشْهُر الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَتَجْعَلُوا الْعُمْرَة فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ , أَتَمّ لِحَجِّ أَحَدكُمْ وَأَتَمّ لِعُمْرَتِهِ . 2863 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : مَا لَقِيَنِي - أَيُّوب أَوْ قَالَ : مَا لَقِيت أَيُّوب - إلَّا سَأَلَنِي عَنْ حَدِيث قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّه : امْرَأَة مِنَّا قَدْ حَجَّتْ , أَوْ هِيَ تُرِيد أَنْ تَحُجّ , أَفَتَجْعَل مَعَ حَجّهَا عُمْرَة ؟ فَقَالَ : مَا أَرَى هَؤُلَاءِ إلَّا أَشْهُر الْحَجّ . قَالَ : فَيَقُول لِي أَيُّوب وَمَنْ عِنْده : مِثْل هَذَا الْحَدِيث حَدَّثَك قَيْس بْن مُسْلِم عَنْ طَارِق بْن شِهَاب أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه . 2864 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ ابْن عَوْن , قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يَقُول : إنَّ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ لَيْسَتْ بِتَامَّةٍ . قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : الْعُمْرَة فِي الْمُحَرَّم ؟ فَقَالَ : كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا تَامَّة . 2865 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ ابْن عَوْن , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَنْ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ , قَالَ : كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا تَامَّة . 2866 - حَدَّثَنَا ابْن بَيَان الْوَاسِطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَوْن , عَنْ ابْن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبّ الْعُمْرَة فِي الْمُحَرَّم , قَالَ : تَكُون فِي أَشْهُر الْحَجّ . قَالَ : كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا تَامَّة . 2867 - حَدَّثَنَا ابْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , قَالَ : قَالَ ابْن عُمَر لِلْحَكَمِ بْن الْأَعْرَج أَوْ غَيْره : إنْ أَطَعْتنِي انْتَظَرْت حَتَّى إذَا أَهَلَّ الْمُحَرَّم خَرَجْت إلَى ذَات عِرْق فَأَهْلَلْت مِنْهَا بِعُمْرَةٍ . 2868 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي يَعْقُوب , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول : لِأَنْ أَعْتَمِر فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة أَحَبّ إلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتَمِر فِي الْعِشْرِينَ . 2869 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : سَأَلْت ابْن مَسْعُود عَنْ امْرَأَة مِنَّا أَرَادَتْ أَنْ تَجْمَع مَعَ حَجّهَا عُمْرَة , فَقَالَ : اسْمَعْ اللَّه يَقُول : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } مَا أَرَاهَا إلَّا أَشْهُر الْحَجّ . 2870 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا حِزَام الْقَطْعِيّ , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن سِيرِينَ يَقُول : مَا أَحَد مِنْ أَهْل الْعِلْم شَكَّ أَنَّ عُمْرَة فِي غَيْر أَشْهُر الْحَجّ أَفْضَل مِنْ عُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ . وَنَظَائِر ذَلِكَ مِمَّا يَطُول بِاسْتِيعَابِ ذِكْره الْكِتَاب , مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَيْل مَنْ قَالَ : وَقْت الْحَجّ ثَلَاثَة أَشْهُر كَوَامِل , أَنَّهُنَّ مِنْ غَيْر شُهُور الْعُمْرَة , وَأَنَّهُنَّ شُهُور لِعَمَلِ الْحَجّ دُون عَمَل الْعُمْرَة , وَإِنْ كَانَ عَمَل الْحَجّ إنَّمَا يُعْمَل فِي بَعْضهنَّ لَا فِي جَمِيعهنَّ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : تَأْوِيل ذَلِكَ : شَوَّال , وَذُو الْقَعْدَة , وَعَشْر ذِي الْحِجَّة , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّمَا قَصَدَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } إلَى تَعْرِيف خَلْقه مِيقَات حَجّهمْ , لَا الْخَبَر عَنْ وَقْت الْعُمْرَة . قَالُوا : فَأَمَّا الْعُمْرَة , فَإِنَّ السَّنَة كُلّهَا وَقْت لَهَا , لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي بَعْض شُهُور الْحَجّ , ثُمَّ لَمْ يَصِحّ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ خَبَر . قَالُوا : فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ عَمَل الْحَجّ يَنْقَضِي وَقْته بِانْقِضَاءِ الْعَاشِر مِنْ أَيَّام ذِي الْحِجَّة , عَلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } إنَّمَا هُوَ مِيقَات الْحَجّ شَهْرَانِ وَبَعْض الثَّالِث . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْحَجّ شَهْرَانِ وَعَشْر مِنْ الثَّالِث ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّه خَبَر عَنْ مِيقَات الْحَجّ وَلَا عَمَل لِلْحَجِّ يُعْمَل بَعْد انْقِضَاء أَيَّام مِنَى , فَمَعْلُوم أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ جَمِيع الشَّهْر الثَّالِث , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِهِ جَمِيعه صَحَّ قَوْل مَنْ قَالَ : وَعَشْر ذِي الْحِجَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قِيلَ : { الْحَجّ أَشْهُر مَعْلُومَات } وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْض الثَّالِث ؟ قِيلَ إنَّ الْعَرَب لَا تَمْتَنِع خَاصَّة فِي الْأَوْقَات مِنْ اسْتِعْمَال مِثْل ذَلِكَ , فَتَقُول لَهُ الْيَوْم يَوْمَانِ مُنْذُ لَمْ أَرَهُ . وَإِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ يَوْمًا وَبَعْض آخَر , وَكَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } 2 203 وَإِنَّمَا يَتَعَجَّل فِي يَوْم وَنِصْف . وَقَدْ يَفْعَل الْفَاعِل مِنْهُمْ الْفِعْل فِي السَّاعَة , ثُمَّ يُخْرِجهُ عَامًّا عَلَى السَّنَة وَالشَّهْر , فَيَقُول : زُرْته الْعَام وَأَتَيْته الْيَوْم , وَهُوَ لَا يُرِيد بِذَلِكَ أَنَّ فِعْله أَخَذَ مِنْ أَوَّل الْوَقْت الَّذِي ذَكَرَهُ إلَى آخِره , وَلَكِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ فَعَلَهُ إذْ ذَاكَ وَفِي ذَلِكَ الْحِين , فَكَذَلِكَ الْحَجّ أَشْهُر , وَالْمُرَاد مِنْهُ الْحَجّ شَهْرَانِ وَبَعْض آخَر . فَمَعْنَى الْآيَة إذًا : مِيقَات حَجّكُمْ أَيّهَا النَّاس شَهْرَانِ وَبَعْض الثَّالِث , وَهُوَ شَوَّال وَذُو الْقَعْدَة وَعَشْر ذِي الْحِجَّة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } فَمَنْ أَوْجَبَ الْحَجّ عَلَى نَفْسه وَأَلْزَمَهَا إيَّاهُ فِيهِنَّ , يَعْنِي فِي الْأَشْهُر الْمَعْلُومَات الَّتِي بَيَّنَهَا . وَإِيجَابه إيَّاهُ عَلَى نَفْسه الْعَزْم عَلَى عَمَل جَمِيع مَا أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الْحَاجّ عَمَله وَتَرْك جَمِيع مَا أَمَرَهُ اللَّه بِتَرْكِهِ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَكُون بِهِ الرَّجُل فَارِضًا الْحَجّ بَعْد إجْمَاع جَمِيعهمْ , عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْفَرْض : الْإِيجَاب وَالْإِلْزَام , فَقَالَ بَعْضهمْ : فَرْض الْحَجّ الْإِهْلَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2871 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ عَبْد اللَّه الْمَدَنِيّ بْن دِينَار , عَنْ ابْن عُمَر قَوْله : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ . 2872 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عَطَاء , قَالَ : التَّلْبِيَة . 2873 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا مَهْرَان , وَحَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : فَالْفَرِيضَة الْإِحْرَام , وَالْإِحْرَام : التَّلْبِيَة . 2874 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ إبْرَاهِيم , يَعْنِي ابْن مُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : الْفَرِيضَة : التَّلْبِيَة . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا وَرْقَاء عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار , عَنْ ابْن

عُمَر : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : أَهَلَّ . 2875 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : الْفَرْض التَّلْبِيَة , وَيَرْجِع إنْ شَاءَ مَا لَمْ يُحْرِم . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : الْفَرْض : الْإِهْلَال . 2876 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : التَّلْبِيَة . 2877 - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو الضَّرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ جَبْر بْن حَبِيب , قَالَ : سَأَلْت الْقَاسِم بْن مُحَمَّد عَمَّنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ , قَالَ : إذَا اغْتَسَلْت وَلَبِسْت ثَوْبك وَلَبَّيْت , فَقَدْ فَرَضْت الْحَجّ . وَقَالَ آخَرُونَ : فَرْض الْحَجّ إحْرَامه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2878 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } يَقُول : مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة . 2879 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالُوا جَمِيعًا : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : فَمَنْ أَحْرَمَ . وَاللَّفْظ لِحَدِيثِ ابْن بَشَّار . 2880 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك وَالْحَسَن بْن صَالِح , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْفَرْض : الْإِحْرَام . 2881 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء وَبَعْض أَشْيَاخنَا عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَا : فَرْض الْحَجّ : الْإِحْرَام . 2882 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } فَهَذَا عِنْد الْإِحْرَام . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : قَالَ : الْفَرْض : الْإِحْرَام . 2883 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل الْخُرَاسَانِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ } قَالَ : مَنْ أَحْرَمَ . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي يَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِمَعْنَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ يَكُون الْإِحْرَام كَانَ عِنْد قَائِله الْإِيجَاب بِالْعَزْمِ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَانَ عِنْده بِالْعَزْمِ وَالتَّلْبِيَة , كَمَا قَالَ الْقَائِلُونَ الْقَوْل الْأَوَّل . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ فَرْض الْحَجّ الْإِحْرَام لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى ذَلِكَ . وَقُلْنَا : إنَّ الْإِحْرَام هُوَ إيجَاب الرَّجُل مَا يَلْزَم الْمُحْرِم أَنْ يُوجِبهُ عَلَى نَفْسه , عَلَى مَا وَصَفْنَا آنِفًا , لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَوْل فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَد أُمُور ثَلَاثَة : إمَّا أَنْ يَكُون الرَّجُل غَيْر مُحْرِم إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَفَعَلَ جَمِيع مَا يَجِب عَلَى الْمُوجِب الْإِحْرَام عَلَى نَفْسه فِعْله , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَقَدْ يَجِب أَنْ لَا يَكُون مُحْرِمًا إلَّا بِالتَّجَرُّدِ لِلْإِحْرَامِ , وَأَنْ يَكُون مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَجَرِّدًا فَغَيْر مُحْرِم . وَفِي إجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَجَرِّدًا مِنْ ثِيَابه بِإِيجَابِهِ الْإِحْرَام مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ , إذْ كَانَتْ التَّلْبِيَة بَعْض مَشَاعِر الْإِحْرَام , كَمَا التَّجَرُّد لَهُ بَعْض مَشَاعِره . وَفِي إجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون مُحْرِمًا بِتَرْكِ بَعْض مَشَاعِر حَجّه مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ حُكْم غَيْره مِنْ مَشَاعِره حُكْمه . أَوْ يَكُون إذْ فَسَدَ هَذَا الْقَوْل قَدْ يَكُون مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُلَبِّ وَلَمْ يَتَجَرَّد وَلَمْ يَعْزِم الْعَزْم الَّذِي وَصَفْنَا . وَفِي إجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُون مُحْرِمًا مَنْ لَمْ يَعْزِم عَلَى الْإِحْرَام وَيُوجِبهُ عَلَى نَفْسه إذَا كَانَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيف مَا يُنْبِئ عَنْ فَسَاد هَذَا الْقَوْل , وَإِذْ فَسَدَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَبَيِّنَة صِحَّة الْوَجْه الثَّالِث , وَهُوَ أَنَّ الرَّجُل قَدْ يَكُون مُحْرِمًا بِإِيجَابِهِ الْإِحْرَام بِعَزْمِهِ عَلَى سَبِيل مَا بَيَّنَّا , وَإِنْ لَمْ يَظْهَر ذَلِكَ بِالتَّجَرُّدِ وَالتَّلْبِيَة وَصَنِيع بَعْض مَا عَلَيْهِ عَمَله مِنْ مَنَاسِكه . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فَرْض الْحَجّ هُوَ مَا قَرَنَ إيجَابه بِالْعَزْمِ عَلَى نَحْو مَا بَيَّنَّا قَبْل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا رَفَث } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرَّفَث فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْإِفْحَاش لِلْمَرْأَةِ فِي الْكَلَام , وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُول : إذَا حَلَلْنَا فَعَلْت بِك كَذَا وَكَذَا لَا يُكَنِّي عَنْهُ , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2884 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ وَيُونُس . قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الرَّفَث فِي قَوْل اللَّه : { فَلَا رَفَث وَلَا فُسُوق } قَالَ : هُوَ التَّعْرِيض بِذِكْرِ الْجِمَاع , وَهِيَ الْعِرَابَة مِنْ كَلَام الْعَرَب , وَهُوَ أَدْنَى الرَّفَث . 2885 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ ابْن طَاوُس فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْعِرَابَة وَالتَّعْرِيض لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ . 2886 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي

عَدِيّ , عَنْ عَوْن , قَالَ : ثنا زِيَاد بْن حُصَيْن , قَالَ : ثني أَبِي حُصَيْن بْن قَيْس , قَالَ : أَصْعَدْت مَعَ ابْن عَبَّاس فِي الْحَاجّ , وَكُنْت لَهُ خَلِيلًا , فَلَمَّا كَانَ بَعْدَمَا أَحْرَمْنَا قَالَ ابْن عَبَّاس , فَأَخَذَ بِذَنَبِ بَعِيره , فَجَعَلَ يَلْوِيه , وَهُوَ يَرْتَجِز وَيَقُول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قال : فَقُلْت : أَتَرْفُثُ وَأَنْت مُحْرِم ؟ قَالَ : إنَّمَا الرَّفَث مَا قِيلَ عِنْد النِّسَاء . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ رَجُل , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَحْدُو وَهُوَ مُحْرِم , وَيَقُول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قَالَ : قُلْت : تَتَكَلَّم بِالرَّفَثِ وَأَنْت مُحْرِم ؟ قَالَ : إنَّمَا الرَّفَث مَا قِيلَ عِنْد النِّسَاء . 2887 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ يَقُول : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء وَالتَّكَلُّم بِذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء إذَا ذَكَرُوا ذَلِكَ بِأَفْوَاهِهِمْ . 2888 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , مِثْله . 2889 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقُول لِامْرَأَتِهِ : إذَا حَلَلْت أَصَبْتُك ؟ قَالَ : لَا , ذَاكَ الرَّفَث . قَالَ : وَقَالَ عَطَاء : الرَّفَث مَا دُون الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الرَّفَث : الْجِمَاع وَمَا دُونه مِنْ قَوْل الْفُحْش . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : قَوْل الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ : إذَا حَلَلْت أَصَبْتُك , قَالَ : ذَاكَ الرَّفَث . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ زِيَادَة بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : كُنْت أَمْشِي مَعَ ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُحْرِم , وَهُوَ يَرْتَجِز وَيَقُول : وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قَالَ : قُلْت : أَتَرْفُثُ يَا ابْن عَبَّاس وَأَنْت مُحْرِم ؟ قَالَ : إنَّمَا الرَّفَث مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاء . 2890 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَيَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الزُّبَيْر السُّبَائِيّ وَعَطَاء , أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا قَالَ : سَمِعْت ابْن الزُّبَيْر يَقُول : لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعْرَابَة . فَذَكَرْته لِابْنِ عَبَّاس , فَقَالَ : صَدَقَ . قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : وَمَا الْإِعْرَاب ؟ قَالَ : التَّعْرِيض . 2891 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن مُسْلِم , عَنْ طَاوُس أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعْرَابَة . قَالَ طَاوُس : وَالْإِعْرَابَة : أَنْ يَقُول وَهُوَ مُحْرِم : إذَا حَلَلْت أَصَبْتُك . 2892 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فِطْر , عَنْ زِيَاد بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : لَا يَكُون رَفَث إلَّا مَا وَاجَهْت بِهِ النِّسَاء . 2893 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ عَطَاء قَالَ : كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِعْرَابَة ; يَعْنِي التَّعْرِيض بِذِكْرِ الْجِمَاع وَهُوَ مُحْرِم . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَا تَحِلّ الْإِعْرَابَة , وَالْإِعْرَابَة : التَّعْرِيض . 2894 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث الَّذِي ذُكِرَ هَهُنَا لَيْسَ بِالرَّفَثِ الَّذِي ذُكِرَ فِي : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } 2 187 وَمِنْ الرَّفَث : التَّعْرِيض بِذِكْرِ الْجِمَاع , وَهِيَ الْإِعْرَاب بِكَلَامِ الْعَرَب . 2895 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة : قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء : أَنَّهُ كَرِهَ التَّعْرِيب لِلْمُحْرِمِ . * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن طَاوُس أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَقُول : الرَّفَث : الْإِعْرَابَة مِمَّا رَوَاهُ مِنْ شَأْن النِّسَاء , وَالْإِعْرَابَة : الْإِيضَاح بِالْجِمَاعِ . * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن مُسْلِم أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُول : لَا يَحِلّ لِلْمُحْرِمِ الْإِعْرَابَة . 2896 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء وَالْقُبَل وَالْغَمْز , وَأَنْ يَعْرِض لَهَا بِالْفُحْشِ مِنْ الْكَلَام وَنَحْو ذَلِكَ . 2897 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : كَانَ ابْن عُمَر يَقُول لِلْحَادِي : لَا تُعَرِّض بِذِكْرِ النِّسَاء . 2898 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر وَابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث فِي الصِّيَام : الْجِمَاع , وَالرَّفَث فِي الْحَجّ : الْإِعْرَابَة , وَكَانَ يَقُول : الدُّخُول وَالْمَسِيس : الْجِمَاع . وَقَالَ آخَرُونَ : الرَّفَث فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجِمَاع نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2899 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2900 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الرَّفَث , فَقَالَ : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : هُوَ الْجِمَاع , وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يُكَنِّي عَمَّا شَاءَ . 2901 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ زِيَاد بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَرْتَجِز وَهُوَ مُحْرِم , يَقُول : خَرَجْنَ يَسْرِينَ بِنَا هَمِيسَا إنْ تَصْدُق الطَّيْر نَنِكْ لَمِيسَا قَالَ شَرِيك : إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُكَنِّ عَنْ الْجِمَاع لَمِيسَا . فَقُلْت : أَلَيْسَ هَذَا الرَّفَث ؟ قَالَ : لَا إنَّمَا الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء وَالْمُجَامَعَة . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ عَوْن , عَنْ زِيَاد بْن حُصَيْن , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّ عَوْنًا صَرَّحَ بِهِ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ بَكْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2902 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء . 2903 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . 2904 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَمْرو بْن دِينَار : الرَّفَث : الْجِمَاع فَمَا دُونه مِنْ شَأْن النِّسَاء . * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار بِنَحْوِهِ . 2905 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2906 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2907 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ الْحَسَن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2908 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الرَّفَث : الْمُجَامَعَة . 2909 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا رَفَث } فَلَا جِمَاع . 2910 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا رَفَث } قَالَ : جِمَاع النِّسَاء . 2911 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2912 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2913 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن بِشْر , عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . 2914 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ حُسَيْن بْن عُقَيْل . وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم . وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَا : أَخْبَرَنَا حُسَيْن بْن عُقَيْل , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . قَالَ : وَأَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَا : مِثْل ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , وَأَخْبَرَنَا مُغِيرَة , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الرَّفَث : النِّكَاح . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثني ثُوَيْر , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الرَّفَث : غِشْيَان النِّسَاء . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ مِثْل ذَلِكَ الزُّهْرِيّ عَنْ قَتَادَة . 2915 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الرَّفَث : إتْيَان النِّسَاء , وَقَرَأَ : { أُحِلّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَام الرَّفَث إلَى نِسَائِكُمْ } 2 187 * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَلَا رَفَث } قَالَ : الرَّفَث : الْجِمَاع . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ نَهَى مَنْ فَرَضَ الْحَجّ فِي أَشْهُر الْحَجّ عَنْ الرَّفَث , فَقَالَ : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ فَلَا رَفَث } وَالرَّفَث فِي كَلَام الْعَرَب : أَصْله الْإِفْحَاش فِي الْمَنْطِق عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى , ثُمَّ تَسْتَعْمِلهُ فِي الْكِنَايَة عَنْ الْجِمَاع . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ أَهْل الْعِلْم مُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله , وَفِي هَذَا النَّهْي مِنْ اللَّه عَنْ بَعْض مَعَانِي الرَّفَث أَمْ عَنْ جَمِيع مَعَانِيه , وَجَبَ أَنْ يَكُون عَلَى جَمِيع مَعَانِيه , إذْ لَمْ يَأْتِ خَبَر بِخُصُوصِ الرَّفَث الَّذِي هُوَ بِالْمَنْطِقِ عِنْد النِّسَاء مِنْ سَائِر مَعَانِي الرَّفَث يَجِب التَّسْلِيم لَهُ , إذْ كَانَ غَيْر جَائِز نَقْل حُكْم ظَاهِر آيَة إلَى تَأْوِيل بَاطِن إلَّا بِحُجَّةٍ ثَابِتَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : إنَّ حُكْمهَا مِنْ عُمُوم ظَاهِرهَا إلَى الْبَاطِن مِنْ تَأْوِيلهَا مَنْقُول بِإِجْمَاعٍ , وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي أَنَّ الرَّفَث عِنْد غَيْر النِّسَاء غَيْر مَحْظُور عَلَى مُحْرِم , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا بَعْض الرَّفَث دُون بَعْض . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَجَبَ أَنْ لَا يُحَرَّم مِنْ مَعَانِي الرَّفَث عَلَى الْمُحْرِم شَيْء إلَّا مَا أُجْمِعَ عَلَى تَحْرِيمه عَلَيْهِ , أَوْ قَامَتْ بِتَحْرِيمِهِ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . قِيلَ : إنَّ مَا خَصَّ مِنْ الْآيَة فَأُبِيحَ خَارِج مِنْ التَّحْرِيم , وَالْحَظْر ثَابِت لِجَمِيعِ مَا لَمْ تَخْصُصْهُ الْحُجَّة مِنْ مَعْنَى الرَّفَث بِالْآيَةِ , كَاَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ حُكْمه لَوْ لَمْ يَخُصّ مِنْهُ شَيْء , لِأَنَّ مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ وَأُخْرِجَ مِنْ عُمُومه إنَّمَا لَزِمَنَا إخْرَاج حُكْمه مِنْ الْحَظْر بِأَمْرِ مَنْ لَا يَجُوز خِلَاف أَمْره , فَكَانَ حُكْم مَا شَمِلَهُ مَعْنَى الْآيَة بَعْد الَّذِي خُصَّ مِنْهَا عَلَى الْحُكْم الَّذِي كَانَ يَلْزَم الْعِبَاد فَرْضه بِهَا لَوْ لَمْ يَخْصُصْ مِنْهَا شَيْء ; لِأَنَّ الْعِلَّة فِيمَا لَمْ يَخْصُصْ مِنْهَا بَعْد الَّذِي خُصَّ مِنْهَا نَظِير الْعِلَّة فِيهِ قَبْل أَنْ يُخَصّ مِنْهَا شَيْء .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا فُسُوق } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْفُسُوق الَّتِي نَهَى اللَّه عَنْهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْمَعَاصِي كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2916 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ خَصِيف , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2917 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2918 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي كُلّهَا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوق بِكُمْ } 2 282 * حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , مِثْله . 2919 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2920 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعْصِيَة . 2921 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي كُلّهَا . *

حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ رَوْح بْن الْقَاسِم , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2922 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . 2923 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد جَمِيعًا , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2924 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد مِثْل قَوْل سَعِيد . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْفُسُوق : الْمَعَاصِي . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا فُسُوق } قَالَ : الْفُسُوق : عِصْيَان اللَّه . 2925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْمُغ
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَسورة البقرة الآية رقم 198
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ذِكْره : لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ جُنَاح . وَالْجُنَاح : الْحَرَج ; كَمَا : 2991 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } وَهُوَ لَا حَرَج عَلَيْكُمْ فِي الشِّرَاء وَالْبَيْع قَبْل الْإِحْرَام وَبَعْده . وَقَوْله : { أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } يَعْنِي أَنْ تَلْتَمِسُوا فَضْلًا مِنْ عِنْد رَبّكُمْ , يُقَال مِنْهُ : ابْتَغَيْت فَضْلًا مِنْ اللَّه وَمِنْ فَضْل اللَّه أَبْتَغِيه ابْتِغَاء : إذَا طَلَبْته وَالْتَمَسْته , وَبَغَيْته أَبْغِيه بَغْيًا , كَمَا قَالَ عَبْد بَنِي الْحِسْحَاس : بَغَاك وَمَا تَبْغِيه حَتَّى وَجَدْته كَأَنَّك قَدْ وَاعَدْته أَمْس مَوْعِدَا يَعْنِي طَلَبك وَالْتَمَسَك . وَقِيلَ : إنَّ مَعْنَى ابْتِغَاء الْفَضْل مِنْ اللَّه : الْتِمَاس رِزْق اللَّه بِالتِّجَارَةِ , وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم كَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنْ يَتَّجِرُوا إذَا أَحْرَمُوا يَلْتَمِسُونَ الْبِرّ بِذَلِكَ , فَأَعْلَمهُمْ جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنْ لَا بِرّ فِي ذَلِكَ , وَأَنَّ

لَهُمْ الْتِمَاس فَضْله بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2992 - حَدَّثَنِي نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عُمَر بْن ذَرّ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا يَحُجُّونَ وَلَا يَتَّجِرُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : فِي الْمَوْسِم . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن ذَرّ , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يُحَدِّث , قَالَ : كَانَ نَاس لَا يَتَّجِرُونَ أَيَّام الْحَجّ , فَنَزَلَتْ فِيهِمْ { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } 2993 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو لَيْلَى , عَنْ بُرَيْدَةَ فِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : إذَا كُنْتُمْ مُحْرِمِينَ أَنْ تَبِيعُوا وَتَشْتَرُوا . 2994 - حَدَّثَنَا طَلِيق بْن مُحَمَّد الْوَاسِطِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَسْبَاط , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيّ قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَر : إنَّا قَوْم نُكْرِي فَهَلْ لَنَا حَجّ ؟ قَالَ : أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّف وَتَرْمُونَ الْجِمَار وَتَحْلِقُونَ رُءُوسكُمْ ؟ فَقُلْنَا : بَلَى . قَالَ : جَاءَ رَجُل إلَى النَّبِيّ : صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الَّذِي سَأَلْتنِي عَنْهُ , فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُول لَهُ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } إلَى آخِر الْآيَة , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْتُمْ حُجَّاج " 2995 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَتْ تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ فِي مَوَاسِم الْحَجّ " . 2996 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : هُوَ التِّجَارَة فِي الْبَيْع وَالشِّرَاء , وَالِاشْتِرَاء لَا بَأْس بِهِ . 2997 - حُدِّثْت عَنْ أَبِي هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ فِي مَوَاسِم الْحَجّ " . 2998 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ مَتْجَر النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة عِكَاظ وَذُو الْمَجَاز , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } 2999 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا شَبَّابَة بْن سِوَار , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي أُمَيْمَة , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر , وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُل يَحُجّ وَمَعَهُ تِجَارَة , فَقَرَأَ ابْن عُمَر : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانُوا لَا يَتَّجِرُونَ فِي أَيَّام الْحَجّ , فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فِي مَوَاسِم الْحَجّ . 3000 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو الْحَضْرَمِيّ , عَنْ عَطَاء قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فِي مَوَاسِم الْحَجّ , هَكَذَا قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس . 3001 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : التِّجَارَة فِي الدُّنْيَا , وَالْأَجْر فِي الْآخِرَة . 3002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : التِّجَارَة أُحِلَّتْ لَهُمْ فِي الْمَوَاسِم , قَالَ : فَكَانُوا لَا يَبِيعُونَ , أَوْ يَبْتَاعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة بِعَرَفَة . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 3003 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب لَا يَعْرُجُونَ عَلَى كَسِير وَلَا ضَالَّة لَيْلَة النَّفْر , وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لَيْلَة الصَّدْر , وَلَا يَطْلُبُونَ فِيهَا تِجَارَة وَلَا بَيْعًا , فَأَحَلَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ ذَلِكَ كُلّه لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعْرُجُوا عَلَى حَوَائِجهمْ وَيَبْتَغُوا مِنْ فَضْل رَبّهمْ . 3004 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , قَالَ : سَمِعْت ابْن الزُّبَيْر يَقُول : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فِي مَوَاسِم الْحَجّ . 3005 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانَتْ ذُو الْمَجَاز وَعُكَاظ مَتْجَرًا لِلنَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام تَرَكُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فِي مَوَاسِم الْحَجّ . 3006 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم وَالْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : كَانَ بَعْض الْحَاجّ يُسَمُّونَ الدَّاجّ , فَكَانُوا يَنْزِلُونَ فِي الشِّقّ الْأَيْسَر مِنْ مِنَى , وَكَانَ الْحَاجّ يَنْزِلُونَ عِنْد مَسْجِد مِنَى , فَكَانُوا لَا يَتَّجِرُونَ , حَتَّى نَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فَحَجُّوا . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا عُمَر بْن ذَرّ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ نَاس يَحُجُّونَ وَلَا يَتَّجِرُونَ , حَتَّى نَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْمَتْجَر وَالرُّكُوب وَالزَّاد . 3007 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } : هِيَ التِّجَارَة , قَالَ : اتَّجِرُوا فِي الْمَوْسِم . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : كَانَ النَّاس إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَقْضُوا حَجّهمْ , فَأَحَلَّهُ اللَّه لَهُمْ . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانُوا يَتَّقُونَ الْبُيُوع وَالتِّجَارَة أَيَّام الْمَوْسِم , يَقُولُونَ أَيَّام ذِكْر , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فَحَجُّوا . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ فِي مَوَاسِم الْحَجّ " . 3008 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : لَا بَأْس بِالتِّجَارَةِ فِي الْحَجّ , ثُمَّ قَرَأَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } 3009 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : كَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب لَا يَعْرُجُونَ عَلَى كَسِير وَلَا عَلَى ضَالَّة وَلَا يَنْتَظِرُونَ لِحَاجَةٍ , وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لَيْلَة الصَّدْر , وَلَا يَطْلُبُونَ فِيهَا تِجَارَة , فَأَحَلَّ اللَّه ذَلِكَ كُلّه أَنْ يَعْرُجُوا عَلَى حَاجَتهمْ , وَأَنْ يَطْلُبُوا فَضْلًا مِنْ رَبّهمْ . 3010 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مَنْدَل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمُهَاجِر , عَنْ أَبِي صَالِح مَوْلَى عُمَر , قَالَ : قُلْت لِعُمَر : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , كُنْتُمْ تَتَّجِرُونَ فِي الْحَجّ ؟ قَالَ : وَهَلْ كَانَتْ مَعَايِشهمْ إلَّا فِي الْحَجّ . 3011 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَيْم اللَّه , قَالَ : جَاءَ رَجُل إلَى عَبْد اللَّه بْن عُمَر , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن : إنَّا قَوْم نُكْرِي فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا حَجّ ؟ قَالَ : أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ كَمَا يُحْرِمُونَ , وَتَطُوفُونَ كَمَا يَطُوفُونَ , وَتَرْمُونَ كَمَا يَرْمُونَ ؟ قَالَ : بَلَى , قَالَ : فَأَنْت حَاجّ ; جَاءَ رَجُل إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْت عَنْهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } * حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانُوا إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَات لَمْ يَتَّجِرُوا بِتِجَارَةٍ , وَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى كَسِير , وَلَا عَلَى ضَالَّة ; فَأَحَلَّ اللَّه ذَلِكَ , فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } إلَى آخِر الْآيَة . 3012 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ عُكَاظ وَمِجَنَّة وَذُو الْمَجَاز أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَكَانُوا يَتَّجِرُونَ فِيهَا , فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام كَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا مِنْهَا , فَسَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبّكُمْ } فِي مَوَاسِم الْحَجّ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَات } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ } فَإِذَا رَجَعْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ . وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّذِي يَضْرِب الْقِدَاح بَيْن الْأَيْسَار مَفِيض , لِجَمْعِهِ الْقِدَاح ثُمَّ إفَاضَته إيَّاهَا بَيْن الْيَاسِرِينَ , وَمِنْهُ قَوْل بِشْر بْن أَبِي حَازِم الْأَسَدِيّ : فَقُلْت لَهَا رُدِّي إلَيْهِ جِنَانه فَرَدَّتْ كَمَا رَدَّ الْمَنِيح مَفِيض ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي عَرَفَات , وَالْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا صُرِفَتْ وَهِيَ مَعْرِفَة , وَهَلْ هِيَ اسْم لِبُقْعَةٍ وَاحِدَة أَمْ هِيَ لِجَمَاعَةِ بِقَاع ؟ فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ : هِيَ اسْم كَانَ لِجَمَاعَةٍ مِثْل مُسْلِمَات وَمُؤْمِنَات , سُمِّيَتْ بِهِ بُقْعَة وَاحِدَة فَصُرِفَ لَمَّا سُمِّيَتْ بِهِ الْبُقْعَة الْوَاحِدَة , إذْ كَانَ مَصْرُوفًا قَبْل أَنْ تُسْمَى بِهِ الْبُقْعَة تَرْكًا مِنْهُمْ لَهُ عَلَى أَصْله ; لِأَنَّ التَّاء فِيهِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْيَاء وَالْوَاو فِي مُسْلِمِينَ وَمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ تَذْكِيره , وَصَارَ التَّنْوِين بِمَنْزِلَةِ النُّون , فَلَمَّا سُمِّيَ بِهِ تُرِكَ عَلَى حَاله كَمَا يُتْرَك " الْمُسْلِمُونَ " إذَا سُمِّيَ بِهِ عَلَى حَاله قَالَ : وَمِنْ الْعَرَب مَنْ لَا يَصْرِفهُ إذَا سُمِّيَ بِهِ , وَيُشْبِه التَّاء بِهَاءِ التَّأْنِيث ; وَذَلِكَ قَبِيح ضَعِيف . وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِ الشَّاعِر : تَنَوَّرْتهَا مِنْ أَذْرُعَات وَأَهْلهَا بِيَثْرِب أَدْنَى دَارهَا نَظَر عَالِي وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُنَوِّن أَذْرُعَات , وَكَذَلِكَ عَانَات وَهُوَ مَكَان . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : إنَّمَا انْصَرَفَتْ عَرَفَات لِأَنَّهُنَّ عَلَى جِمَاع مُؤَنَّث بِالتَّاءِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ جِمَاع مُؤَنَّث بِالتَّاءِ , ثُمَّ سَمَّيْت بِهِ رَجُلًا أَوْ مَكَانًا أَوْ أَرْضًا أَوْ امْرَأَة انْصَرَفَتْ . قَالَ : وَلَا تَكَاد الْعَرَب تُسَمِّي شَيْئًا مِنْ الْجِمَاع إلَّا جِمَاعًا , ثُمَّ تَجْعَلهُ بَعْد ذَلِكَ وَاحِدًا . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : لَيْسَتْ عَرَفَات حِكَايَة وَلَا هِيَ اسْم مَنْقُول ; وَلَكِنَّ الْمَوْضِع مُسَمَّى هُوَ وَجَوَانِبه بِعَرَفَاتٍ , ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهَا الْبُقْعَة اسْم لِلْمَوْضِعِ , وَلَا يَنْفَرِد وَاحِدهَا . قَالَ : وَإِنَّمَا يَجُوز هَذَا فِي الْأَمَاكِن وَالْمَوَاضِع , وَلَا يَجُوز ذَلِكَ فِي غَيْرهَا مِنْ الْأَشْيَاء . قَالَ : وَلِذَلِكَ نَصَبَتْ الْعَرَب التَّاء فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِع , وَلَوْ كَانَ مَحْكِيًّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِيهِ جَائِزًا , لِأَنَّ مَنْ سَمَّى رَجُلًا مُسْلِمَات أَوْ بِمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْقُلهُ فِي الْإِعْرَاب عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْل , فَلِذَلِكَ خَالَفَ عَانَات وَأَذْرُعَات مَا سُمِّيَ بِهِ مِنْ الْأَسْمَاء عَلَى جِهَة الْحِكَايَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنَى الَّذِي

مِنْ أَجْله قِيلَ لِعَرَفَاتٍ عَرَفَات ; فَقَالَ بَعْضهمْ : قِيلَ لَهَا ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ إبْرَاهِيم خَلِيل اللَّه صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ لَمَّا رَآهَا عَرَفَهَا بِنَعْتِهَا الَّذِي كَانَ لَهَا عِنْده , فَقَالَ : قَدْ عَرَفْت , فَسُمِّيَتْ عَرَفَات بِذَلِكَ . وَهَذَا الْقَوْل مِنْ قَائِله يَدُلّ عَلَى أَنَّ عَرَفَات اسْم لِلْبُقْعَةِ , وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنَفْسِهَا وَمَا حَوْلهَا , كَمَا يُقَال : ثَوْب أَخْلَاق , وَأَرْض سَبَاسِب , فَتُجْمَع بِمَا حَوْلهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3013 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا أَذَّنَ إبْرَاهِيم فِي النَّاس بِالْحَجِّ , فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ , وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَخْرُج إلَى عَرَفَات وَنَعَتَهَا فَخَرَجَ , فَلَمَّا بَلَغَ الشَّجَرَة عِنْد الْعَقَبَة , اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَان يَرُدّهُ , فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَات , يُكَبِّر مَعَ كُلّ حَصَاة . فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَة الثَّانِيَة , فَصَدَّهُ أَيْضًا , فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَطَارَ فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَة الثَّالِثَة , فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَا يُطِيقهُ , وَلَمْ يَدْرِ إبْرَاهِيم أَيْنَ يَذْهَب , انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَاز , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ فَلَمْ يَعْرِفهُ جَازَ , فَلِذَلِكَ سُمِّيَ ذَا الْمَجَاز . ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَعَ بِعَرَفَاتٍ ; فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا عَرَفَ النَّعْت , قَالَ : قَدْ عَرَفْت , فَسُمِّيَ عَرَفَات . فَوَقَفَ إبْرَاهِيم بِعَرَفَاتٍ , حَتَّى إذَا أَمْسَى ازْدَلَفَ إلَى جَمْع , فَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَة , فَوَقَفَ بِجَمْعٍ . 3014 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ نَعِيم بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : لَمَّا وَقَفَ جِبْرِيل بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام بِعَرَفَاتٍ , قَالَ : عَرَفْت , فَسُمِّيَتْ عَرَفَات لِذَلِكَ . 3015 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن الْمُسَيِّب : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : بَعَثَ اللَّه جِبْرِيل إلَى إبْرَاهِيم فَحَجّ بِهِ , فَلَمَّا أَتَى عَرَفَة قَالَ : قَدْ عَرَفْت , وَكَانَ قَدْ أَتَاهَا مَرَّة قَبْل ذَلِكَ , وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِنَفْسِهَا وَبِبِقَاعٍ أُخَر سِوَاهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3016 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن مُسْلِم الْقُرَشِيّ , عَنْ أَبِي طَهْفَة , عَنْ أَبِي الطُّفَيْل , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَتْ عَرَفَات , لِأَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , كَانَ يَقُول لِإِبْرَاهِيم : هَذَا مَوْضِع كَذَا , وَهَذَا مَوْضِع كَذَا , فَيَقُول : قَدْ عَرَفْت , فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفَات . 3017 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء قَالَ : إنَّمَا سُمِّيَتْ عَرَفَة أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يُرِي إبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام الْمَنَاسِك , فَيَقُول : عَرَفْت عَرَفْت , فَسُمِّيَتْ عَرَفَات . 3018 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : أَصْل الْجَبَل الَّذِي يَلِي عُرَنَةَ وَمَا وَرَاءَهُ مَوْقِف حَتَّى يَأْتِي الْجَبَل جَبَل عَرَفَة . وَقَالَ ابْن أَبِي نَجِيح : عَرَفَات : النَّبْعَة وَالنَّبِيعَة وَذَات النَّابِت وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَات } وَهُوَ الشِّعْب الْأَوْسَط . وَقَالَ زَكَرِيَّا : مَا سَالَ مِنْ الْجَبَل الَّذِي يَقِف عَلَيْهِ الْإِمَام إلَى عَرَفَة , فَهُوَ مِنْ عَرَفَة , وَمَا دَبَرَ ذَلِكَ الْجَبَل فَلَيْسَ مِنْ عَرَفَة . وَهَذَا الْقَوْل يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ نَظِير مَا يُسَمَّى الْوَاحِد بِاسْمِ الْجَمَاعَة الْمُخْتَلِفَة الْأَشْخَاص . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : هُوَ اسْم لِوَاحِدٍ سُمِّيَ بِجِمَاعٍ , فَإِذَا صُرِفَ ذَهَبَ بِهِ مَذْهَب الْجِمَاع الَّذِي كَانَ لَهُ أَصْلًا , وَإِذَا تُرِكَ صَرْفه ذَهَبَ بِهِ إلَى أَنَّهُ اسْم لِبُقْعَةٍ وَاحِدَة مَعْرُوفَة , فَتُرِكَ صَرْفه كَمَا يُتْرَك صَرْف أَسْمَاء الْأَمْصَار وَالْقُرَى الْمَعَارِف .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ } فَكَرَّرْتُمْ رَاجِعِينَ مِنْ عَرَفَة إلَى حَيْثُ بَدَأْتُمْ الشُّخُوص إلَيْهَا مِنْهُ { فَاذْكُرُوا اللَّه } يَعْنِي بِذَلِكَ الصَّلَاة , وَالدُّعَاء { عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْل أَنَّ الْمَشَاعِر هِيَ الْمَعَالِم مِنْ قَوْل الْقَائِل : شَعَرْت بِهَذَا الْأَمْر : أَيْ عَلِمْت , فَالْمَشْعَر هُوَ الْمَعْلَم , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاة عِنْده وَالْمَقَام وَالْمَبِيت وَالدُّعَاء مِنْ مَعَالِم الْحَجّ وَفُرُوضه الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِهَا عِبَاده . وَقَدْ : 3019 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : يُسْتَحَبّ لِلْحَاجِّ أَنْ يُصَلِّي فِي مَنْزِله بِالْمُزْدَلِفَةِ إنْ اسْتَطَاعَ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَالَ : { فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } فَأَمَّا الْمَشْعَر فَإِنَّهُ هُوَ مَا بَيْن جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَة مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَة إلَى مُحَسِّر , وَلَيْسَ مَأْزِمَا عَرَفَة مِنْ الْمَشْعَر . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3020 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : رَأَى ابْن عُمَر النَّاس يَزْدَحِمُونَ عَلَى الْجُبَيْل بِجَمْعٍ فَقَالَ : أَيّهَا النَّاس إنَّ جَمْعًا كُلّهَا مَشْعَر . 3021 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْله : { فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } قَالَ : هُوَ الْجَبَل وَمَا حَوْله . 3022 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ اللَّذَيْنِ بِجَمْعٍ مَشْعَر . 3023 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا ابْن

أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , وَحَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَأَلْته عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام فَقَالَ : مَا بَيْن جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَة . 3024 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَالِم , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : الْمَشْعَر الْحَرَام : الْمُزْدَلِفَة كُلّهَا . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَهُ قَتَادَة . * حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } قَالَ : مَا بَيْن جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَة هُوَ الْمَشْعَر الْحَرَام . 3025 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام , فَقَالَ : إذَا انْطَلَقْت مَعِي أَعْلَمْتُكَهُ . قَالَ : فَانْطَلَقْت مَعَهُ , فَوَقَفْنَا حَتَّى إذَا أَفَاضَ الْإِمَام سَارَ وَسِرْنَا مَعَهُ , حَتَّى إذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب , وَكُنَّا فِي أَقْصَى الْجِبَال مِمَّا يَلِي عَرَفَات قَالَ : أَيْنَ السَّائِل عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام ؟ أَخَذْت فِيهِ , قُلْت : مَا أَخَذْت فِيهِ ؟ قَالَ : كُلّهَا مَشَاعِر إلَى أَقْصَى الْحَرَم . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون الْأَوْدِيّ , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر , عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام . قَالَ : إنْ تَلْزَمنِي أَرَكَهُ . قَالَ : فَلَمَّا أَفَاضَ النَّاس مِنْ عَرَفَة وَهَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب فِي أَدْنَى الْجِبَال , قَالَ : أَيْنَ السَّائِل عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام ؟ قَالَ : قُلْت : هَا أَنَا ذَاكَ , قَالَ : أَخَذْت فِيهِ , قُلْت : مَا أَخَذْت فِيهِ ؟ قَالَ : حِين هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب فِي أَدْنَى الْجِبَال فَهُوَ مَشْعَر إلَى مَكَّة . * حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عِمَارَة بْن زَاذَان , عَنْ مَكْحُول الْأَزْدِيّ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عُمَر يَوْم عَرَفَة عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام ؟ فَقَالَ : الْزَمْنِي ! فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَد وَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَة , قَالَ : أَيْنَ السَّائِل عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام ؟ هَذَا الْمَشْعَر الْحَرَام . 3026 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : الْمَشْعَر الْحَرَام : الْمُزْدَلِفَة كُلّهَا . 3027 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَيْنَ الْمُزْدَلِفَة ؟ قَالَ : إذَا أَفَضْت مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَة , فَذَلِكَ إلَى مُحَسِّر . قَالَ : وَلَيْسَ الْمَأْزِمَانِ مَأْزِمَا عَرَفَة مِنْ الْمُزْدَلِفَة , وَلَكِنَّ مُفَاضَاهُمَا . قَالَ : قِفْ بَيْنهمَا إنْ شِئْت , وَأَحَبّ إلَيَّ أَنْ تَقِف دُون قُزَح هَلُمَّ إلَيْنَا مِنْ أَجْل طَرِيق النَّاس . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : رَآهُمْ ابْن عُمَر يَزْدَحِمُونَ عَلَى قُزَح , فَقَالَ عَلَام يَزْدَحِم هَؤُلَاءِ كُلّ مَا هَهُنَا مَشْعَر . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمَشْعَر الْحَرَام الْمُزْدَلِفَة كُلّهَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 3028 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَات فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } وَذَلِكَ لَيْلَة جَمْع . قَالَ قَتَادَة : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ مَشْعَر . 3029 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْمَشْعَر الْحَرَام هُوَ مَا بَيْن جِبَال الْمُزْدَلِفَة , وَيُقَال : هُوَ قَرْن قُزَح . 3030 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } وَهِيَ الْمُزْدَلِفَة , وَهِيَ جَمْع . وَذُكِرَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد مَا : 3031 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : لَمْ أَجِد أَحَدًا يُخْبِرنِي عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام . 3032 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : الْمَشْعَر الْحَرَام : مَا بَيْن جَبَلَيْ مُزْدَلِفَة . 3033 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ حَكِيم بْن جُبَيْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَأَلْت ابْن عُمَر عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام ؟ فَقَالَ : مَا أَدْرِي , وَسَأَلْت ابْن عَبَّاس , فَقَالَ : مَا بَيْن الْجَبَلَيْنِ . 3034 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل : عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : الْجُبَيْل وَمَا حَوْله مَشَاعِر . 3035 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ ثُوَيْر , قَالَ : وَقَفْت مَعَ مُجَاهِد عَلَى الْجُبَيْل , فَقَالَ : هَذَا الْمَشْعَر الْحَرَام . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , الْجُبَيْل وَمَا حَوْله مَشَاعِر . وَإِنَّمَا جَعَلْنَا أَوَّل حَدّ الْمَشْعَر مِمَّا يَلِي مِنَى مُنْقَطَع وَادِي مُحَسِّر مِمَّا يَلِي الْمُزْدَلِفَة , لِأَنَّ : 3036 - الْمُثَنَّى , حَدَّثَنِي قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " عَرَفَة كُلّهَا مَوْقِف إلَّا عُرَنَةَ , وَجَمْع كُلّهَا مَوْقِف إلَّا مُحَسِّرًا " . 3037 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنْ حَجَّاج , عَنْ ابْن أَبِي مَلِيكَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , أَنَّهُ قَالَ : كُلّ مُزْدَلِفَة مَوْقِف إلَّا وَادِي مُحَسِّر . 3038 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حَجَّاج , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر يَقُول مِثْل ذَلِكَ . 3039 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر فِي خُطْبَته : تَعْلَمُنَّ أَنَّ عَرَفَة كُلّهَا مَوْقِف إلَّا بَطْن عُرَنَةَ , تَعْلَمُنَّ أَنَّ مُزْدَلِفَة كُلّهَا مَوْقِف إلَّا بَطْن مُحَسِّر . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنِّي أَخْتَار لِلْحَاجِّ أَنْ يَجْعَل وُقُوفه لِذِكْرِ اللَّه مِنْ الْمَشْعَر الْحَرَام عَلَى قُزَح وَمَا حَوْله , لِأَنَّ : 3040 - أَبَا كُرَيْب حَدَّثَنَا , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل بْن مُجَمِّع , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَرْث الْمَخْزُومِيّ , عَنْ زَيْد بْن عَلِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِع , عَنْ عَلِيّ قَالَ : لَمَّا أَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ , غَدًا فَوَقَفَ عَلَى قُزَح , وَأَرْدَفَ الْفَضْل , ثُمَّ قَالَ : " هَذَا الْمَوْقِف , وَكُلّ مُزْدَلِفَة مَوْقِف " . 3041 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيم بْن إسْمَاعِيل بْن مُجَمِّع , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَرْث , عَنْ زَيْد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي رَافِع , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 3042 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَحْمَد الدُّولَابِيّ , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن الْمُنْكَدِر , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يَرْبُوع عَنْ ابْن الْحُوَيْرِثِ , قَالَ : رَأَيْت أَبَا بَكْر وَاقِفًا عَلَى قُزَح وَهُوَ يَقُول : أَيّهَا النَّاس أَصْبِحُوا ! أَيّهَا النَّاس أَصْبِحُوا ! ثُمَّ دَفَعَ . 3043 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان , عَنْ يُوسُف بْن مَاهَك , قَالَ : حَجَجْت مَعَ ابْن عُمَر , فَلَمَّا أَصْبَحَ بِجَمْعٍ صَلَّى الصُّبْح , ثُمَّ غَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ حَتَّى وَقَفَ مَعَ الْإِمَام عَلَى قُزَح , ثُمَّ دَفَعَ الْإِمَام فَدَفَعَ بِدَفْعَتِهِ . وَأَمَّا قَوْل عَبْد اللَّه بْن عُمَر حِين صَارَ بِالْمُزْدَلِفَةِ : " هَذَا كُلّه مَشَاعِر إلَى مَكَّة " , فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَعَالِم مِنْ مَعَالِم الْحَجّ بِنُسُكٍ فِي كُلّ بُقْعَة مِنْهَا بَعْض مَنَاسِك الْحَجّ , لَا أَنَّ كُلّ ذَلِكَ الْمَشْعَر الْحَرَام الَّذِي يَكُون الْوَاقِف حَيْثُ وَقَفَ مِنْهُ إلَى بَطْن مَكَّة قَاضِيًا مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوُقُوف بِالْمَشْعَرِ الْحَرَام مِنْ جَمْع . وَأَمَّا قَوْل عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد : " لَمْ أَجِد أَحَدًا يُخْبِرنِي عَنْ الْمَشْعَر الْحَرَام " فَلِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ : لَمْ أَجِد أَحَدًا يُخْبِرنِي عَنْ حَدّ أَوَّله وَمُنْتَهَى آخِره عَلَى حَقّه وَصِدْقه ; لِأَنَّ حُدُود ذَلِكَ عَلَى صِحَّتهَا حَتَّى لَا يَكُون فِيهَا زِيَادَة وَلَا نُقْصَان لَا يُحِيط بِهَا إلَّا الْقَلِيل مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة بِهَا , غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقِف عَلَى حَدّ أَوَّله وَمُنْتَهَى آخِره وُقُوفًا لَا زِيَادَة فِيهِ وَلَا نُقْصَان إلَّا مَنْ ذَكَرْت , فَمَوْضِع الْحَاجَة لِلْوُقُوفِ لَا خَفَاء بِهِ عَلَى أَحَد مِنْ سُكَّان تِلْكَ النَّاحِيَة وَكَثِير مِنْ غَيْرهمْ , وَكَذَلِكَ سَائِر مَشَاعِر الْحَجّ وَالْأَمَاكِن الَّتِي فَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَلَى عِبَاده أَنْ يَنْسُكُوا عِنْدهَا كَعَرَفَاتٍ وَمِنَى وَالْحَرَم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْله لَمِنْ الضَّالِّينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَاذْكُرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ , وَالشُّكْر لَهُ عَلَى أَيَادِيه عِنْدكُمْ , وَلْيَكُنْ ذِكْركُمْ إيَّاهُ بِالْخُضُوعِ لِأَمْرِهِ , وَالطَّاعَة لَهُ وَالشُّكْر عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ مِنْ التَّوْفِيق , لِمَا وَفَّقَكُمْ لَهُ مِنْ سُنَن إبْرَاهِيم خَلِيله بَعْد الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ الشِّرْك وَالْحِيرَة وَالْعَمَى عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَبَعْد الضَّلَالَة كَذِكْرِهِ إيَّاكُمْ بِالْهُدَى , حَتَّى اسْتَنْقَذَكُمْ مِنْ النَّار بِهِ بَعْد أَنْ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنْهَا , فَنَجَّاكُمْ مِنْهَا . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { كَمَا هَدَاكُمْ } وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْله لَمِنْ الضَّالِّينَ } فَإِنَّ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة مَنْ يُوَجِّه تَأْوِيل " إنْ " إلَى تَأْوِيل " مَا " , وَتَأْوِيل اللَّام الَّتِي فِي " لَمِنْ " إلَى " إلَّا " . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذَا الْمَعْنَى : وَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْل هِدَايَة اللَّه إيَّاكُمْ لِمَا هَدَاكُمْ لَهُ مِنْ مِلَّة خَلِيله إبْرَاهِيم الَّتِي اصْطَفَاهَا لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ مِنْ خَلْقه إلَّا مِنْ الضَّالِّينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَجِّه تَأْوِيل "

إنْ " إلَى " قَدْ " , فَمَعْنَاهُ عَلَى قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة : وَاذْكُرُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَمَا ذَكَّرَكُمْ بِالْهُدَى , فَهَدَاكُمْ لِمَا رَضِيَهُ مِنْ الْأَدْيَان وَالْمِلَل , وَقَدْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْل ذَلِكَ مِنْ الضَّالِّينَ .
ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة البقرة الآية رقم 199
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } / اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , وَمِنْ الْمَعْنِيّ بِالْأَمْرِ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس , وَمِنْ النَّاس الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْإِفَاضَةِ مِنْ مَوْضِع إفَاضَتهمْ . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَفِيضُوا } قُرَيْش , وَمَنْ وَلَدَتْهُ قُرَيْش الَّذِينَ كَانُوا

يُسَمَّوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّة الْحُمْس أُمِرُوا فِي الْإِسْلَام أَنْ يُفِيضُوا مِنْ عَرَفَات , وَهِيَ الَّتِي أَفَاضَ مِنْهَا سَائِر النَّاس غَيْر الْحُمْس . وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَمَنْ وَلَدَتْهُ قُرَيْش , كَانُوا يَقُولُونَ : لَا نَخْرُج مِنْ الْحَرَم . فَكَانُوا لَا يَشْهَدُونَ مَوْقِف النَّاس بِعَرَفَة مَعَهُمْ , فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِالْوُقُوفِ مَعَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3044 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الطَّفَاوِيّ , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ . عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَتْ قُرَيْش وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينهَا وَهُمْ الْحُمْس , يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ يَقُولُونَ : نَحْنُ قَطِين اللَّه , وَكَانَ مَنْ سِوَاهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَة . فَأَنْزَلَ اللَّه : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } 3045 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة : أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كَتَبْتَ إلَيَّ فِي قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَار " إنِّي أَحْمَس " وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَقَالَهَا النَّبِيّ أَمْ لَا ؟ غَيْر أَنِّي سَمِعْتهَا تُحَدَّث عَنْهُ . وَالْحُمْس : مِلَّة قُرَيْش , وَهُمْ مُشْرِكُونَ , وَمَنْ وَلَدَتْ قُرَيْش فِي خُزَاعَة وَبَنِي كِنَانَة . كَانُوا لَا يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَة , إنَّمَا كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ الْمُزْدَلِفَة وَهُوَ الْمَشْعَر الْحَرَام , وَكَانَتْ بَنُو عَامِر حُمْسًا , وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَلَدَتْهُمْ , وَلَهُمْ قِيلَ : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } وَأَنَّ الْعَرَب كُلّهَا كَانَتْ تُفِيض مِنْ عَرَفَة إلَّا الْحُمْس كَانُوا يَدْفَعُونَ إذَا أَصْبَحُوا مِنْ الْمُزْدَلِفَة . 3046 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو تَوْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق الْفَزَارِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُسَيْن بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب تَقِف بِعَرَفَة , وَكَانَتْ قُرَيْش تَقِف دُون ذَلِكَ بِالْمُزْدَلِفَةِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } فَرَفَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْقِف إلَى مَوْقِف الْعَرَب بِعَرَفَة . 3047 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } مِنْ حَيْثُ تُفِيض جَمَاعَة النَّاس . 3048 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : إذَا كَانَ يَوْم عَرَفَة هَبَطَ اللَّه إلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي الْمَلَائِكَة , فَيَقُول : هَلُمَّ إلَيَّ عِبَادِي , آمَنُوا بِوَعْدِي وَصَدَّقُوا رُسُلِي ! فَيَقُول : مَا جَزَاؤُهُمْ ؟ فَيُقَال : أَنْ تَغْفِر لَهُمْ . فَذَلِكَ قَوْله : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } 3049 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح - عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } قَالَ : عَرَفَة . قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش تَقُول : نَحْنُ الْحُمْس أَهْل الْحَرَم وَلَا نَخْلُف الْحَرَم وَنُفِيض عَنْ الْمُزْدَلِفَة . فَأُمِرُوا أَنْ يَبْلُغُوا عَرَفَة . 3050 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } , قَالَ قَتَادَة : وَكَانَتْ قُرَيْش وَكُلّ حَلِيف لَهُمْ وَبَنِي أُخْت لَهُمْ لَا يُفِيضُونَ مِنْ عَرَفَات , إنَّمَا يُفِيضُونَ مِنْ الْمُغَمَّس وَيَقُولُونَ : إنَّمَا نَحْنُ أَهْل اللَّه , فَلَا نَخْرُج مِنْ حَرَمه . فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يُفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس مِنْ عَرَفَات , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ سُنَّة إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل هَكَذَا : الْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَات . 3051 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب تَقِف بِعَرَفَاتٍ , فَتُعَظِّم قُرَيْش أَنْ تَقِف مَعَهُمْ , فَتَقِف قُرَيْش بِالْمُزْدَلِفَةِ ; فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يُفِيضُوا مَعَ النَّاس مِنْ عَرَفَات . 3052 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } , قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش وَكُلّ ابْن أُخْت وَحَلِيف لَهُمْ لَا يُفِيضُونَ مَعَ النَّاس مِنْ عَرَفَات , يَقِفُونَ فِي الْحَرَم وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ , يَقُولُونَ : إنَّمَا نَحْنُ أَهْل حَرَم اللَّه فَلَا نَخْرُج مِنْ حَرَمه . فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يُفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس ; وَكَانَتْ سُنَّة إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَات . 3053 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش - لَا أَدْرِي قَبْل الْفِيل أَوْ بَعْده - ابْتَدَعَتْ أَمْر الْحُمْس , رَأْيًا رَأَوْهُ بَيْنهمْ ; قَالُوا : نَحْنُ بَنُو إبْرَاهِيم وَأَهْل الْحُرْمَة وَوُلَاة الْبَيْت وَقَاطِنُو مَكَّة وَسَاكِنُوهَا , فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَب مِثْل حَقّنَا وَلَا مِثْل مَنْزِلنَا , وَلَا تَعْرِف لَهُ الْعَرَب مِثْل مَا تَعْرِف لَنَا , فَلَا تُعَظِّمُوا شَيْئًا مِنْ الْحِلّ كَمَا تُعَظِّمُونَ الْحَرَم , فَإِنَّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ اسْتَخَفَّتْ الْعَرَب بِحَرَمِكُمْ , وَقَالُوا : قَدْ عَظَّمُوا مِنْ الْحِلّ مِثْل مَا عَظَّمُوا مِنْ الْحَرَم . فَتَرَكُوا الْوُقُوف عَلَى عَرَفَة , وَالْإِفَاضَة مِنْهَا , وَهُمْ يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّهَا مِنْ الْمَشَاعِر وَالْحَجّ وَدِين إبْرَاهِيم , وَيَرَوْنَ لِسَائِرِ النَّاس أَنْ يَقِفُوا عَلَيْهَا , وَأَنْ يُفِيضُوا مِنْهَا . إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ أَهْل الْحَرَم , فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخْرُج مِنْ الْحُرْمَة , وَلَا نُعَظِّم غَيْرهَا كَمَا نُعَظِّمهَا نَحْنُ الْحُمْس - وَالْحُمْس : أَهْل الْحَرَم - ثُمَّ جَعَلُوا لِمَنْ وَلَدُوا مِنْ الْعَرَب مِنْ سَاكِنِي الْحِلّ مِثْل الَّذِي لَهُمْ بِوِلَادَتِهِمْ إيَّاهُمْ , فَيَحِلّ لَهُمْ مَا يَحِلّ لَهُمْ , وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ مَا يَحْرُم عَلَيْهِمْ . وَكَانَتْ كِنَانَة وَخُزَاعَة قَدْ دَخَلُوا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ , ثُمَّ ابْتَدَعُوا فِي ذَلِكَ أُمُورًا لَمْ تَكُنْ , حَتَّى قَالُوا : لَا يَنْبَغِي لِلْحُمْسِ أَنْ يَأْقِطُوا الْأَقِط , وَلَا يَسْلَئُوا السَّمْن وَهُمْ حُرُم , وَلَا يَدْخُلُوا بَيْتًا مِنْ شَعَر , وَلَا يَسْتَظِلُّوا إنْ اسْتَظَلُّوا إلَّا فِي بُيُوت الْأَدَم مَا كَانُوا حَرَامًا , ثُمَّ رَفَعُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْحِلّ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ طَعَام جَاءُوا بِهِ مَعَهُمْ مِنْ الْحِلّ فِي الْحَرَم إذَا جَاءُوا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا , وَلَا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ إذَا قَدِمُوا أَوَّل طَوَافهمْ إلَّا فِي ثِيَاب الْحُمْس , فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مِنْهَا شَيْئًا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاة . فَحَمَلُوا عَلَى ذَلِكَ الْعَرَب فَدَانَتْ بِهِ , وَأَخَذُوا بِمَا شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ , فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه حِين أَحْكَم لَهُ دِينه وَشَرَعَ لَهُ حُجَّته : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي قُرَيْشًا وَالنَّاس الْعَرَب . فَرَفَعَهُمْ فِي سُنَّة الْحَجّ إلَى عَرَفَات , وَالْوُقُوف عَلَيْهَا , وَالْإِفَاضَة مِنْهَا ; فَوَضَعَ اللَّه أَمْر الْحُمْس , وَمَا كَانَتْ قُرَيْش ابْتَدَعَتْ مِنْهُ عَنْ النَّاس بِالْإِسْلَامِ حِين بَعَثَ اللَّه رَسُوله . * حَدَّثَنَا بَحْر بْن نَصْر , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش تَقِف بِقُزَحٍ , وَكَانَ النَّاس يَقِفُونَ بِعَرَفَة . قَالَ : فَأَنْزَلَهُ اللَّه : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } وَقَالَ آخَرُونَ : الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَفِيضُوا } الْمُسْلِمُونَ كُلّهمْ , وَالْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } مِنْ جَمْع , وَبِالنَّاسِ إبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 3054 - حُدِّثْت عَنْ الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا هَارُون بْن مُعَاوِيَة الْفَزَارِيّ , عَنْ أَبِي بِسْطَام عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : هُوَ إبْرَاهِيم . وَاَلَّذِي نَرَاهُ صَوَابًا مِنْ تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , أَنَّهُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة قُرَيْشًا وَمَنْ كَانَ مُتَحَمِّسًا مَعَهَا مِنْ سَائِر الْعَرَب لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيله . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيل الْآيَة : فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجّ , فَلَا رَفَث وَلَا فُسُوق وَلَا جِدَال فِي الْحَجّ , ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس , وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم , وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر يَعْلَمهُ اللَّه . وَهَذَا إذْ كَانَ مَا وَصَفْنَا تَأْوِيله فَهُوَ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , وَالْمُؤَخَّر الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيم , عَلَى نَحْو مَا تَقَدَّمَ بَيَاننَا فِي مِثْله , وَلَوْلَا إجْمَاع مَنْ وَصَفْت إجْمَاعه عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيله . لَقُلْت : أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ الضَّحَّاك مِنْ أَنَّ اللَّه عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ إبْرَاهِيم ; لِأَنَّ الْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَات لَا شَكَّ أَنَّهَا قَبْل الْإِفَاضَة مِنْ جَمْع , وَقِيلَ وُجُوب الذِّكْر عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ لَا شَكَّ كَذَلِكَ وَكَانَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ إنَّمَا أُمِرَ بِالْإِفَاضَةِ مِنْ الْمَوْضِع الَّذِي أَفَاضَ مِنْهُ النَّاس بَعْد انْقِضَاء ذِكْر الْإِفَاضَة مِنْ عَرَفَات وَبَعْد أَمْره بِذِكْرِهِ عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام , ثُمَّ قَالَ بَعْد ذَلِكَ : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُر بِالْإِفَاضَةِ إلَّا مِنْ الْمَوْضِع الَّذِي لَمْ يُفِيضُوا مِنْهُ دُون الْمَوْضِع الَّذِي قَدْ أَفَاضُوا مِنْهُ , وَكَانَ الْمَوْضِع الَّذِي قَدْ أَفَاضُوا مِنْهُ فَانْقَضَى وَقْت الْإِفَاضَة مِنْهُ , لَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : أَفِضْ مِنْهُ . فَإِذَا كَانَ لَا وَجْه لِذَلِكَ وَكَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَأْمُر اللَّه جَلّ وَعَزَّ بِأَمْرٍ لَا مَعْنَى لَهُ , كَانَتْ بَيِّنَة صِحَّة مَا قَالَهُ مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ لَوْلَا الْإِجْمَاع الَّذِي وَصَفْنَاهُ وَتَظَاهُر الْأَخْبَار بِاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ حَكَيْنَا قَوْله مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ : وَالنَّاس جَمَاعَة , وَإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِد , وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره يَقُول : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } ؟ قِيلَ : إنَّ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ كَثِيرًا , فَتَدُلّ بِذِكْرِ الْجَمَاعَة عَلَى الْوَاحِد . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } 3 173 وَاَلَّذِي قَالَ ذَلِكَ وَاحِد , وَهُوَ فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَة مِنْ أَهْل السِّيَر نَعِيم بْن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا } 23 51 قِيلَ : عَنَى بِذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَات } مُنْصَرِفِينَ إلَى مِنَى { فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام } وَادْعُوهُ وَاعْبُدُوهُ عِنْده , كَمَا ذَكَّرَكُمْ بِهِدَايَتِهِ , فَوَفَّقَكُمْ لِمَا ارْتَضَى لِخَلِيلِهِ إبْرَاهِيم , فَهَدَاهُ لَهُ مِنْ شَرِيعَة دِينه بَعْد أَنْ كُنْتُمْ ضُلَّالًا عَنْهُ . وَفِي " ثُمَّ " فِي قَوْله : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } مِنْ التَّأْوِيل وَجْهَانِ : أَحَدهمَا مَا قَالَهُ الضَّحَّاك مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَفِيضُوا فَانْصَرِفُوا رَاجِعِينَ إلَى مِنَى مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ إبْرَاهِيم خَلِيلِي مِنْ الْمَشْعَر الْحَرَام , وَسَلُونِي الْمَغْفِرَة لِذُنُوبِكُمْ , فَإِنِّي لَهَا غَفُور , وَبِكُمْ رَحِيم . كَمَا : 3055 - حَدَّثَنِي إسْمَاعِيل بْن سَيْف الْعَجْلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْقَاهِر بْن السَّرِيّ السُّلَمِيّ , قَالَ : ثنا ابْن كِنَانَة , وَيُكَنَّى أَبَا كِنَانَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس السُّلَمِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعَوْت اللَّه يَوْم عَرَفَة أَنْ يَغْفِر لِأُمَّتِي ذُنُوبهَا , فَأَجَابَنِي أَنْ قَدْ غُفِرَتْ , إلَّا ذُنُوبهَا بَيْنهَا وَبَيْن خَلْقِي , فَأَعَدْت الدُّعَاء يَوْمئِذٍ , فَلَمْ أُجَبْ بِشَيْءٍ , فَلَمَّا كَانَ غَدَاة الْمُزْدَلِفَة قُلْت : يَا رَبّ إنَّك قَادِر أَنْ تُعَوِّض هَذَا الْمَظْلُوم مِنْ ظِلَامَته , وَتَغْفِر لِهَذَا الظَّالِم , فَأَجَابَنِي أَنْ قَدْ غَفَرْت " قَالَ : فَضَحِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْنَاك تَضْحَك فِي يَوْم لَمْ تَكُنْ تَضْحَك فِيهِ ؟ قَالَ : " ضَحِكْت مِنْ عَدُوّ اللَّه إبْلِيس لَمَّا سَمِعَ بِمَا سَمِعَ إذَا هُوَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور , وَيَضَع التُّرَاب عَلَى رَأْسه " 3056 - حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن حَاتِم الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : ثنا بَشَّار بْن بُكَيْر الْحَنَفِيّ , قَالَا : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّاد عَنْ نَافِع , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّة عَرَفَة , فَقَالَ : " أَيّهَا النَّاس إنَّ اللَّه تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامكُمْ هَذَا , فَقَبِلَ مُحْسِنكُمْ , وَأَعْطَى مُحْسِنكُمْ مَا سَأَلَ , وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ , وَالتَّبِعَات فِيمَا بَيْنكُمْ أَفِيضُوا عَلَى اسْم اللَّه ! " فَلَمَّا كَانَ غَدَاة جَمْع قَالَ : "

أَيّهَا النَّاس إنَّ اللَّه قَدْ تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ فِي مَقَامكُمْ هَذَا , فَقَبِلَ مِنْ مُحْسِنكُمْ , وَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِمُحْسِنِكُمْ , وَالتَّبِعَات بَيْنكُمْ عَوَّضَهَا مِنْ عِنْده أَفِيضُوا عَلَى اسْم اللَّه ! " فَقَالَ أَصْحَابه : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَضْت بِنَا بِالْأَمْسِ كَئِيبًا حَزِينًا , وَأَفَضْت بِنَا الْيَوْم فَرِحًا مَسْرُورًا ! قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنِّي سَأَلْت رَبِّي بِالْأَمْسِ شَيْئًا لَمْ يَجِدّ لِي بِهِ , سَأَلْته التَّبِعَات فَأَبَى عَلَيَّ , فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم أَتَانِي جِبْرِيل قَالَ : إنَّ رَبّك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول التَّبِعَات ضَمِنْت عِوَضهَا مِنْ عِنْدِي " . فَقَدْ بَيَّنَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ أَنَّ غُفْرَان اللَّه التَّبِعَات الَّتِي بَيْن خَلْقه فِيمَا بَيْنهمْ إنَّمَا هُوَ غَدَاة جَمْع , وَذَلِكَ فِي الْوَقْت الَّذِي قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفِرُوا اللَّه } لِذُنُوبِكُمْ , فَإِنَّهُ غَفُور لَهَا حِينَئِذٍ , تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْكُمْ , رَحِيم بِكُمْ . وَالْآخَر مِنْهُمَا : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ عَرَفَة إلَى الْمَشْعَر الْحَرَام , فَإِذَا أَفَضْتُمْ إلَيْهِ مِنْهَا فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْده كَمَا هَدَاكُمْ .
فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍسورة البقرة الآية رقم 200
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ } فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ حَجّكُمْ فَذَبَحْتُمْ نَسَائِككُمْ , { فَاذْكُرُوا اللَّه } يُقَال مِنْهُ : نَسَكَ الرَّجُل يَنْسَك نُسْكًا وَنُسُكًا وَنَسِيكَة وَمَنْسَكًا إذَا ذَبَحَ نُسُكه , وَالْمَنْسَك : اسْم مِثْل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . فَأَمَّا النُّسُك فِي الدِّين . فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ مَا كَانَ الرَّجُل نَاسِكًا , وَلَقَدْ نَسَكَ , وَنَسُكَ نُسْكًا نُسُكًا وَنَسَاكَة , وَذَلِكَ إذَا تَقَرَّأَ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْمَنَاسِك فِي هَذَا الْمَوْضِع قَالَ مُجَاهِد . 3057 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ } قَالَ : إهْرَاقه الدِّمَاء . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَأَمَّا قَوْله : { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اخْتَلَفُوا فِي صِفَة ذِكْر الْقَوْم آبَاءَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَجْعَلُوا ذِكْرهمْ إيَّاهُ كَذِكْرِهِمْ آبَاءَهُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ الْقَوْم فِي جَاهِلِيَّتهمْ بَعْد فَرَاغهمْ مِنْ حَجّهمْ وَمَنَاسِكهمْ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَفَاخَرُونَ بِمَآثِر آبَائِهِمْ , فَأَمَرَهُمْ اللَّه فِي الْإِسْلَام أَنْ يَكُون ذِكْرهمْ بِالثَّنَاءِ وَالشُّكْر وَالتَّعْظِيم لِرَبِّهِمْ دُون غَيْره , وَأَنْ يَلْزَمُوا أَنْفُسهمْ مِنْ الْإِكْثَار مِنْ ذِكْره نَظِير مَا كَانُوا أَلْزَمُوا أَنْفُسهمْ فِي جَاهِلِيَّتهمْ مِنْ ذِكْر آبَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3058 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثنا إسْحَاق بْن يُوسُف , عَنْ الْقَاسِم بْن

عُثْمَان , عَنْ أَنَس فِي هَذِهِ الْآيَة , قَالَ : كَانُوا يَذْكُرُونَ آبَاءَهُمْ فِي الْحَجّ , فَيَقُول بَعْضهمْ : كَانَ أَبِي يُطْعِم الطَّعَام , وَيَقُول بَعْضهمْ : كَانَ أَبِي يَضْرِب بِالسَّيْفِ , وَيَقُول بَعْضهمْ : كَانَ أَبِي جَزّ نَوَاصِي بَنِي فُلَان . 3059 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان . عَنْ عَبْد الْعَزِيز , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : كَانَ آبَاؤُنَا يَنْحَرُونَ الْجُزُر , وَيَفْعَلُونَ كَذَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { اُذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } 3060 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل : { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَذْكُرُونَ فِعَال آبَائِهِمْ . 3061 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إذَا فَرَغُوا مِنْ الْحَجّ قَامُوا عِنْد الْبَيْت فَيَذْكُرُونَ آبَاءَهُمْ وَأَيَّامهمْ : كَانَ أَبِي يُطْعِم الطَّعَام , وَكَانَ أَبِي يَفْعَل , فَذَلِكَ قَوْله : { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ أَبُو كُرَيْب : قُلْت لِيَحْيَى بْن آدَم : عَمَّنْ هُوَ ؟ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل . * وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي حَجَّاج عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ : كَانُوا إذَا قَضَوْا مَنَاسِكهمْ وَقَفُوا عِنْد الْجَمْرَة فَذَكَرُوا آبَاءَهُمْ , وَذَكَرُوا أَيَّامهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِعَال آبَائِهِمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ قَيْس , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ : كَانُوا إذَا قَضَوْا مَنَاسِكهمْ وَقَفُوا عِنْد الْجَمْرَة , وَذَكَرُوا أَيَّامهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِعَال آبَائِهِمْ . قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ : تَفَاخَرَتْ الْعَرَب بَيْنهَا بِفِعْلِ آبَائِهَا يَوْم النَّحْر حِين فَرَغُوا فَأَمَرُوا بِذِكْرِ اللَّه مَكَان ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 3062 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ قَتَادَة : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إذَا قَضَوْا مَنَاسِكهمْ بِمِنَى قَعَدُوا حُلَّقًا , فَذَكَرُوا صَنِيع آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّة وَفِعَالهمْ بِهِ , يَخْطُب خَطِيبهمْ وَيُحَدِّث مُحَدِّثهمْ , فَأَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِ أَهْل الْجَاهِلِيَّة آبَاءَهُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } قَالَ : كَانُوا إذَا قَضَوْا مَنَاسِكهمْ اجْتَمَعُوا فَافْتَخَرُوا وَذَكَرُوا آبَاءَهُمْ وَأَيَّامهَا , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا مَكَان ذَلِكَ ذِكْر اللَّه , يَذْكُرُونَهُ كَذِكْرِهِمْ آبَاءَهُمْ , أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا . 3063 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة قَالَا : كَانُوا يَذْكُرُونَ فِعْل آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّة إذَا وَقَفُوا بِعَرَفَة , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول ذَلِكَ يَوْم النَّحْر حِين يَنْحَرُونَ قَالَ : قَالَ { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب يَوْم النَّحْر حِين يَفْرُغُونَ يَتَفَاخَرُونَ بِفِعَالِ آبَائِهَا , فَأُمِرُوا بِذِكْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلّ مَكَان ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِ الْأَبْنَاء وَالصِّبْيَان الْآبَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي رَوَّاد , عَنْ عَطَاء أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } قَالَ : هُوَ قَوْل الصَّبِيّ : يَا أَبَاهُ . 3065 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } يَعْنِي بِالذِّكْرِ , ذِكْر الْأَبْنَاء الْآبَاء . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء : { كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } : أَبِهِ أُمّه . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا صَالِح بْن عُمَر , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كَالصَّبِيِّ , يَلْهَج بِأَبِيهِ وَأُمّه . 3066 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } يَقُول : كَذِكْرِ الْأَبْنَاء الْآبَاء أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا . 3067 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } يَقُول : كَمَا يَذْكُر الْأَبْنَاء الْآبَاء . 3068 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } يَعْنِي ذِكْر الْأَبْنَاء الْآبَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قِيلَ لَهُمْ : { اُذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا قَضَوْا مَنَاسِكهمْ فَدَعَوْا رَبّهمْ لَمْ يَذْكُرُوا غَيْر آبَائِهِمْ فَأُمِرُوا مِنْ ذِكْر اللَّه بِنَظِيرِ ذِكْر آبَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3069 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب إذَا قَضَتْ مَنَاسِكهَا وَأَقَامُوا بِمِنًى يَقُوم الرَّجُل فَيَسْأَل اللَّه وَيَقُول : اللَّهُمَّ إنَّ أَبِي كَانَ عَظِيم الْجَفْنَة عَظِيم الْقُبَّة كَثِير الْمَال , فَأَعْطِنِي مِثْل مَا أَعْطَيْت أَبِي . لَيْسَ بِذِكْرِ اللَّه , إنَّمَا يَذْكُر آبَاءَهُ , وَيَسْأَلهُ أَنْ يُعْطَى فِي الدُّنْيَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِذِكْرِهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِي الْخُضُوع لِأَمْرِهِ وَالْعِبَادَة لَهُ بَعْد قَضَاء مَنَاسِكهمْ . وَذَلِكَ الذِّكْر جَائِز أَنْ يَكُون هُوَ التَّكْبِير الَّذِي أَمَرَ بِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَاذْكُرُوا اللَّه فِي أَيَّام مَعْدُودَات } الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ قَضَى نُسُكه بَعْد قَضَائِهِ نُسُكه , فَأَلْزَمهُ حِينَئِذٍ مِنْ ذِكْره مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَازِمًا قَبْل ذَلِكَ , وَحَثّ عَلَى الْمُحَافَظَة عَلَيْهِ مُحَافَظَة الْأَبْنَاء عَلَى ذِكْر الْآبَاء فِي الْآثَار مِنْهُ بِالِاسْتِكَانَةِ لَهُ وَالتَّضَرُّع إلَيْهِ بِالرَّغْبَةِ مِنْهُمْ إلَيْهِ فِي حَوَائِجهمْ كَتَضَرُّعِ الْوَلَد لِوَالِدِهِ وَالصَّبِيّ لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ , أَوْ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ ; إذْ كَانَ مَا كَانَ بِهِمْ وَبِآبَائِهِمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنْهُ وَهُوَ وَلِيّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا : الذِّكْر الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ بِهِ الْحَاجّ بَعْد قَضَاء مَنَاسِكه بِقَوْلِهِ : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } جَائِز أَنْ يَكُون هُوَ التَّكْبِير الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَا ذِكْر لِلَّهِ أَمَرَ الْعِبَاد بِهِ بَعْد قَضَاء مَنَاسِكهمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرْضه قَبْل قَضَائِهِمْ مَنَاسِكهمْ , سِوَى التَّكْبِير الَّذِي خَصَّ اللَّه بِهِ أَيَّام مِنَى . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى خَلْقه بَعْد قَضَائِهِمْ مَنَاسِكهمْ مِنْ ذِكْره مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ , وَكَانَ لَا شَيْء مِنْ ذِكْره خَصَّ بِهِ ذَلِكَ الْوَقْت سِوَى التَّكْبِير الَّذِي ذَكَرْنَاهُ , كَانَتْ بَيِّنَة صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } وَارْغَبُوا إلَيْهِ فِيمَا لَدَيْهِ مِنْ خَيْر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِابْتِهَالٍ وَتَمَسْكُنٍ , وَاجْعَلُوا أَعْمَالكُمْ لِوَجْهِهِ خَالِصًا وَلِطَلَبِ مَرْضَاته , وَقُولُوا رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار ; وَلَا تَكُونُوا كَمَنْ اشْتَرَى الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ , فَكَانَتْ أَعْمَالهمْ لِلدُّنْيَا وَزِينَتهَا , فَلَا يَسْأَلُونَ رَبّهمْ إلَّا مَتَاعهَا , وَلَا حَظّ لَهُمْ فِي ثَوَاب اللَّه , وَلَا نَصِيب لَهُمْ فِي جَنَّاته وَكَرِيم مَا أَعَدَّ لِأَوْلِيَائِهِ , كَمَا قَالَ فِي ذَلِكَ أَهْل التَّأْوِيل . 3070 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا } هَبْ لَنَا غَنَمًا , هَبْ لَنَا إبِلًا { وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُولُونَ : هَبْ لَنَا إبِلًا , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 3071 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن عَيَّاش فِي قَوْله : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } قَالَ : كَانُوا يَعْنِي أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَقِفُونَ - يَعْنِي بَعْد قَضَاء مَنَاسِكهمْ - فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ أَسْقِنَا الْمَطَر , وَأَعْطِنَا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا غَنَمًا . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } قَالَ أَبُو كُرَيْب : قُلْت يَحْيَى بْن آدَم : عَمَّنْ هُوَ ؟ قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل . 3072 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , عَنْ الْقَاسِم بْن عُثْمَان , عَنْ أَنَس : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي

الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة فَيَدْعُونَ فَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْمَطَر , وَأَعْطِنَا عَلَى عَدُوّنَا الظَّفْر , وَرُدَّنَّا صَالِحِينَ إلَى صَالِحِينَ . 3072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا } نَصْرًا وَرِزْقًا , وَلَا يَسْأَلُونَ لِآخِرَتِهِمْ شَيْئًا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 3074 - وَحَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْل اللَّه : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } فَهَذَا عَبْد نَوَى الدُّنْيَا لَهَا عَمَل وَلَهَا نَصَب . 3075 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب إذَا قَضَيْت مَنَاسِكهَا وَأَقَامَتْ بِمِنًى لَا يَذْكُر اللَّهَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ , وَإِنَّمَا يَذْكُر أَبَاهُ , وَيَسْأَل أَنْ يُعْطِي فِي الدُّنْيَا . 3076 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله . { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِككُمْ فَاذْكُرُوا اللَّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدّ ذِكْرًا } قَالَ كَانُوا أَصْنَافًا ثَلَاثَة فِي تِلْكَ الْمَوَاطِن يَوْمئِذٍ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَهْل الْكُفْر , وَأَهْل النِّفَاق . فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مَنْ خَلَاق } إنَّمَا حَجُّوا لِلدُّنْيَا وَالْمَسْأَلَة لَا يُرِيدُونَ الْآخِرَة وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا , ومِنْهُمْ مَنْ يَقُول . { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة } الْآيَة . قَالَ . وَالصِّنْف الثَّالِث { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } . .. الْآيَة . وَأَمَّا مَعْنَى الْخَلَاق فَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَذَكَرْنَا اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله وَالصَّحِيح لَدَيْنَا مِنْ مَعْنَاهُ بِالشَّوَاهِدِ مِنْ الْأَدِلَّة وَأَنَّهُ النَّصِيب , بِمَا فِيهِ كِفَايَة عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِسورة البقرة الآية رقم 201
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْحَسَنَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ . يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول : رَبّنَا أَعْطِنَا عَافِيَة فِي الدُّنْيَا وَعَافِيَة فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3077 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } قَالَ : فِي الدُّنْيَا عَافِيَة , وَفِي الْآخِرَة عَافِيَة . قَالَ قَتَادَة : وَقَالَ رَجُل : اللَّهُمَّ مَا كُنْت مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَة فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا ; فَمَرِضَ مَرَضًا حَتَّى أَضْنَى عَلَى فِرَاشه , فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنه , فَأَتَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ دَعَا بِكَذَا وَكَذَا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّهُ لَا طَاقَة لِأَحَدٍ بِعُقُوبَةِ اللَّه , وَلَكِنْ قُلْ : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } " فَقَالَهَا , فَمَا لَبِثَ إلَّا أَيَّامًا أَوْ يَسِيرًا حَتَّى بَرَأَ . 3078 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن الْحَكَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني حُمَيْد , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : عَادَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ صَارَ مِثْل الْفَرْخ الْمَنْتُوف , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ كُنْت تَدْعُو اللَّه بِشَيْءٍ , أَوْ تَسْأَل اللَّه شَيْئًا ؟ " قَالَ : قُلْت : اللَّهُمَّ مَا كُنْت مُعَاقَبِي بِهِ فِي الْآخِرَة فَعَاقِبْنِي بِهِ فِي الدُّنْيَا . قَالَ : " سُبْحَان اللَّه هَلْ يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يُطِيقهُ ! فَهَلَّا قُلْت : اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة , وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة , وَقِنَا عَذَاب النَّار ! " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى اللَّه عَزَّ وَجَلّ بِالْحَسَنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : فِي الدُّنْيَا : الْعِلْم وَالْعِبَادَة , وَفِي الْآخِرَة : الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3079 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عَبَّاد , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ الْحَسَن : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } قَالَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْعِلْم وَالْعِبَادَة , وَفِي الْآخِرَة : الْجَنَّة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } قَالَ : الْعِبَادَة فِي الدُّنْيَا , وَالْجَنَّة فِي الْآخِرَة . 3080 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن وَاقِد الْعَطَّار , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن الْعَوَّام , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة } قَالَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْفَهْم فِي كِتَاب اللَّه وَالْعِلْم . 3081 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ يَقُول هَذِهِ الْآيَة : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } قَالَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْعِلْم وَالرِّزْق الطَّيِّب , وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة : الْجَنَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا : الْمَال , وَفِي الْآخِرَة : الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2082 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } قَالَ : فَهَؤُلَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ . 3083 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة } هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ ; أَمَّا حَسَنَة الدُّنْيَا فَالْمَال , وَأَمَّا حَسَنَة الْآخِرَة فَالْجَنَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْم مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ , مِمَّنْ حَجّ بَيْته , يَسْأَلُونَ رَبّهمْ الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا , وَالْحَسَنَة فِي الْآخِرَة , وَأَنْ يَقِيهِمْ عَذَاب النَّار . وَقَدْ تَجْمَع الْحَسَنَة مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلّ الْعَافِيَة فِي الْجِسْم وَالْمَعَاش وَالرِّزْق وَغَيْر ذَلِكَ وَالْعِلْم وَالْعِبَادَة . وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَلَا شَكَّ أَنَّهَا الْجَنَّة , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَنَلْهَا يَوْمئِذٍ فَقَدْ حُرِمَ جَمِيع الْحَسَنَات وَفَارَقَ جَمِيع مَعَانِي الْعَافِيَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ لَمْ يَخُصّ بِقَوْلِهِ مُخْبِرًا عَنْ قَائِل ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْحَسَنَة شَيْئًا , وَلَا نَصَبَ عَلَى خُصُوصه دَلَالَة دَالَّة عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مِنْ ذَلِكَ بَعْض دُون بَعْض , فَالْوَاجِب مِنْ الْقَوْل فِيهِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَخُصّ مِنْ مَعَانِي ذَلِكَ شَيْء , وَأَنْ يَحْكُم بِعُمُومِهِ عَلَى مَا عَمَّهُ اللَّه . وَأَمَّا قَوْله : { وَقِنَا عَذَاب النَّار } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : اصْرِفْ عَنَّا عَذَاب النَّار , يُقَال مِنْهُ : وَقَيْته كَذَا أَقِيه وِقَايَة وَوَاقِيَة وَوِقَاء مَمْدُودًا , وَرُبَّمَا قَالُوا : وَقَاك اللَّه وَقْيًا : إذَا دَفَعْت عَنْهُ أَذَى أَوْ مَكْرُوهًا .
أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِسورة البقرة الآية رقم 202
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيب مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه سَرِيع الْحِسَاب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ بَعْد قَضَاء مَنَاسِكهمْ : { رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } رَغْبَة مِنْهُمْ إلَى اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ فِيمَا عِنْده , وَعِلْمًا مِنْهُمْ بِأَنَّ الْخَيْر كُلّه مِنْ عِنْده , وَأَنَّ الْفَضْل بِيَدِهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء . فَأَعْلَمَ جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ لَهُمْ نَصِيبًا وَحَظًّا مِنْ حَجّهمْ وَمَنَاسِكهمْ وَثَوَابًا جَزِيلًا عَلَى عَمَلهمْ الَّذِي كَسَبُوهُ , وَبَاشَرُوا مُعَانَاته بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ خَاصًّا ذَلِكَ لَهُمْ دُون الْفَرِيق الْآخَر الَّذِينَ عَانُوا مَا عَانُوا مِنْ نَصْب أَعْمَالهمْ وَتَعَبهَا , وَتَكَلَّفُوا مَا تَكَلَّفُوا مِنْ أَسْفَارهمْ بِغَيْرِ رَغْبَة مِنْهُمْ فِيمَا عِنْد رَبّهمْ مِنْ الْأَجْر وَالثَّوَاب , وَلَكِنْ رَجَاء خَسِيس مِنْ عَرَض الدُّنْيَا وَابْتِغَاء عَاجِل حُطَامهَا . كَمَا : 3084 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } قَالَ : فَهَذَا عَبْد نَوَى الدُّنْيَا لَهَا عَمَل وَلَهَا نَصَب , { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيب مِمَّا كَسَبُوا } أَيْ حَظّ مِنْ أَعْمَالهمْ . 3085 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي : { فَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة مِنْ خَلَاق } إنَّمَا حَجُّوا لِلدُّنْيَا وَالْمَسْأَلَة , لَا يُرِيدُونَ الْآخِرَة وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا , { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار } قَالَ :

فَهَؤُلَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ { أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيب مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه سَرِيع الْحِسَاب } لِهَؤُلَاءِ الْأَجْر بِمَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه سَرِيع الْحِسَاب } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ : أَنَّهُ مُحِيط بِعَمَلِ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا اللَّذَيْنِ مِنْ مَسْأَلَة أَحَدهمَا : رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ; وَمِنْ مَسْأَلَة الْآخِرَة : رَبّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وَقِنَا عَذَاب النَّار ; فَمُحْصٍ لَهُ بِأَسْرَع الْحِسَاب , ثُمَّ إنَّهُ مُجَازٍ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى عَمَله . وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلّ ثَنَاؤُهُ نَفْسه بِسُرْعَةِ الْحِسَاب , لِأَنَّهُ جَلّ ذِكْره يُحْصِي مَا يُحْصِي مِنْ أَعْمَال عِبَاده بِغَيْرِ عَقْد أَصَابِع وَلَا فِكْر وَلَا رَوِيَّة فِعْل الْعَجَزَة الضَّعَفَة مِنْ الْخَلْق , وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِيهِمَا , ثُمَّ هُوَ مُجَازٍ عِبَاده عَلَى كُلّ ذَلِكَ ; فَلِذَلِكَ جَلّ ذِكْره امْتَدَحَ بِسُرْعَةِ الْحِسَاب , وَأَخْبَرَ خَلْقه أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ بِمِثْلٍ فَيَحْتَاج فِي حِسَابه إلَى عَقْد كَفّ أَوْ وَعْي صَدْر .
وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَسورة البقرة الآية رقم 203
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق لِلنَّفْرِ فِي الْيَوْم الثَّانِي فَلَا إثْم عَلَيْهِ فِي نَفْر . وَتَعَجُّله فِي النَّفْر , وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ النَّفْر فِي الْيَوْم الثَّانِي مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق إلَى الْيَوْم الثَّالِث حَتَّى يَنْفِر فِي الْيَوْم الثَّالِث فَلَا إثْم عَلَيْهِ فِي تَأَخُّره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 3107 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَا إثْم عَلَيْهِ فِي تَعْجِيله , وَلَا إثْم عَلَيْهِ فِي تَأْخِيره . 3108 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ . ثنا هُشَيْم , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 3909 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ . ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ عِكْرِمَة , مِثْله . 3110 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله . { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } يَوْم النَّفْر { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } لَا حَرَج عَلَيْهِ { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } 3919 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ . ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . أَمَّا مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ , يَقُول . مَنْ نَفَرَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ , وَمَنْ تَأَخَّرَ فَنَفَرَ فِي الثَّالِث فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ . 3912 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } يَقُول . فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ . أَيْ مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا إثْم عَلَيْهِ , وَمَنْ أَدْرَكَهُ اللَّيْل بِمِنًى مِنْ الْيَوْم الثَّانِي مِنْ قَيْل أَنَّ يَنْفِر فَلَا نَفْر لَهُ حَتَّى تَزُول الشَّمْس مِنْ الْغَد . { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } يَقُول : مَنْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْم الثَّالِث مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا إثْم عَلَيْهِ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ . أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ . أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله . { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ . رَخَّصَ اللَّه فِي أَنْ يَنْفِرُوا فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا إنْ شَاءُوا , وَمَنْ تَأَخَّرَ فِي الْيَوْم الثَّالِث فَلَا إثْم عَلَيْهِ . 3113 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ . ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ . ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة . { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ فِي تَعْجِيله . * وَحَدَّثَنِي هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا ابْن أَبَى زَائِدَة , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم قَالَ : لَا إثْم عَلَيْهِ : لَا إثْم عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ , وَلَا إثْم عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ . * حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : هَذَا فِي التَّعْجِيل . 3114 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك وَإِسْرَائِيل , عَنْ زَيْد بْن جُبَيْر , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول : حَلَّ النَّفْر فِي يَوْمَيْنِ لِمَنْ اتَّقَى . 3115 - وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ ابْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ ابْن عَبَّاس . { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فِي تَعَجُّله { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فِي تَأَخُّره . 3116 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَلِلْمَكِّيِّ أَنْ يَنْفِر فِي النَّفْر الْأَوَّل ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَهِيَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ إثْم - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ } بَعْد يَوْم النَّحْر { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } يَقُول : مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنَى فِي يَوْمَيْنِ بَعْد النَّحْر فَلَا إثْم عَلَيْهِ , وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ فِي تَأَخُّره , فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إبْرَاهِيم : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فِي تَعَجُّله { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فِي تَأَخُّره . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَهُوَ مَغْفُور لَهُ لَا إثْم عَلَيْهِ , وَمَنْ تَأَخَّرَ كَذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3117 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ ثُوَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ إثْم . 3118 - وَحَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ ثنا سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد . عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } أَيْ غُفِرَ لَهُ { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : غُفِرَ لَهُ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } أَيْ غُفِرَ لَهُ . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد جَمِيعًا . عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : قَدْ غُفِرَ لَهُ . 3119 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إبْرَاهِيم فِي قَوْله : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَدْ غُفِرَ لَهُ . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : بَرِئَ مِنْ الْإِثْم . 3120 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ الْحَسَن , عَنْ ابْن عُمَر : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : رَجَعَ مَغْفُورًا لَهُ . 3121 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : قَدْ غُفِرَ لَهُ . 3122 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : قَدْ غُفِرَ لَهُ , إنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَهَا عَلَى غَيْر تَأْوِيلهَا , إنَّ الْعُمْرَة لَتُكَفِّر مَا مَعَهَا مِنْ الذُّنُوب فَكَيْفَ بِالْحَجِّ ؟ . 3123 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ إبْرَاهِيم وَعَامِر : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَا : غُفِرَ لَهُ . 3124 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : ثني مَنْ أُصَدِّقهُ , عَنْ ابْن مَسْعُود قَوْله : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : خَرَجَ مِنْ الْإِثْم كُلّه { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : بَرِئَ مِنْ الْإِثْم كُلّه , وَذَلِكَ فِي الصَّدْر عَنْ الْحَجّ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَسَمِعْت رَجُلًا يُحَدِّث عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : فَلَا إثْم عَلَيْهِ , قَالَ . غُفِرَ لَهُ , وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ , قَالَ : غُفِرَ لَهُ . 3125 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ . ثنا أَسْوَدَيْنِ سَوَادَة الْقَطَّان , قَالَ : سَمِعْت مُعَاوِيَة بْن قُرَّة قَالَ : يَخْرُج مِنْ ذُنُوبه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ , وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن السَّنَة الَّتِي بَعْدهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3126 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْحَاق بْن يَحْيَى بْن طَلْحَة , قَالَ : سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : لِمَنْ فِي الْحَجّ , لَيْسَ عَلَيْهِ إثْم حَتَّى الْحَجّ مِنْ عَام قَابِل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ . فَلَا إثْم عَلَيْهِ إنْ اتَّقَى اللَّه فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3127 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : ذَهَبَ إثْمه كُلّه إنْ اتَّقَى فِيمَا بَقِيَ . 3128 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إبْرَاهِيم , مِثْله . * وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , مِثْله . 3129 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَهُ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله . { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } قَالَ : لِمَنْ اتَّقَى بِشَرْطٍ . 3130 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } لَا جُنَاح عَلَيْهِ , وَمَنْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْم الثَّالِث فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى ; وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : وَدِدْت أَنِّي مِنْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُصِيبهُ اسْم التَّقْوَى . 3131 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : هِيَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : لِمَنْ اتَّقَى اللَّه . 3132 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَلَا حَرَج عَلَيْهِ , يَقُول اتَّقَى مَعَاصِي اللَّه عَزَّ وَجَلّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق فَلَا إثْم عَلَيْهِ , أَيْ فَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي تَعْجِيله النَّفْر إنْ هُوَ اتَّقَى قَتْل الصَّيْد حَتَّى يَنْقَضِي الْيَوْم الثَّالِث , وَمَنْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْم الثَّالِث فَلَمْ يَنْفِر فَلَا حَرَج عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3133 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي صَالِح : لِمَنْ اتَّقَى أَنْ يُصِيب شَيْئًا مِنْ الصَّيْد حَتَّى يَمْضِي الْيَوْم الثَّالِث . 3134 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي قَالَ : ثني عَمِّي قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَقْتُل صَيْدًا حَتَّى تَخْلُو أَيَّام التَّشْرِيق . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق فَنَفَرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ , أَيْ مَغْفُور لَهُ . وَمَنْ تَأَخَّرَ فَنَفَرَ فِي الْيَوْم الثَّالِث فَلَا إثْم عَلَيْهِ , أَيْ مَغْفُور لَهُ إنْ اتَّقَى عَلَى حَجّه أَنْ يُصِيب فِيهِ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّه عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3135 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , فَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { لِمَنْ اتَّقَى } قَالَ : يَقُول لِمَنْ اتَّقَى عَلَى حَجّه . قَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول : مَنْ اتَّقَى فِي حَجّه غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه , أَوْ مَا سَلَفَ مِنْ ذَنْبه . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيل ذَلِكَ : فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّام مِنَى الثَّلَاثَة فَنَفَرَ فِي الْيَوْم الثَّانِي فَلَا إثْم عَلَيْهِ , لِحَطِّ اللَّه ذُنُوبه , إنْ كَانَ قَدْ اتَّقَى اللَّه فِي حَجّه فَاجْتَنَبَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ اللَّه بِاجْتِنَابِهِ وَفَعَلَ فِيهِ مَا أَمَرَهُ اللَّه بِفِعْلِهِ وَأَطَاعَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ حُدُوده . وَمَنْ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْم الثَّالِث مِنْهُنَّ فَلَمْ يَنْفِر إلَى النَّفْر الثَّانِي حَتَّى نَفَرَ مِنْ غَد النَّفْر الْأَوَّل , فَلَا إثْم عَلَيْهِ لِتَكْفِيرِ اللَّه لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ آثَامه وَأَجْرَامه , وَإِنْ كَانَ اتَّقَى اللَّه فِي حَجّه بِأَدَائِهِ بِحُدُودِهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاته لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : وَمَنْ حَجّ هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق , خَرَجَ مِنْ ذُنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه " وَأَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَابِعُوا بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة , فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الذُّنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خَبَث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة " . 3136 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَاصِم , عَنْ شَقِيق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَابِعُوا بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْر وَالذُّنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خَبَث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة , وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَة ثَوَاب دُون الْجَنَّة " . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَاصِم , عَنْ زِرّ , عَنْ عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . 3137 - حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَاح , قَالَ : . ثنا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَاصِم بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَامِر بْن رَبِيعَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُمَر يَبْلُغ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَابِعُوا بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة , فَإِنَّ مُتَابَعَة مَا بَيْنهمَا تَنْفِي الْفَقْر وَالذُّنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير الْخَبَث , أَوْ خَبَث الْحَدِيد " . 3138 - حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن سَعْد , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ مُوسَى بْن عُقْبَة , عَنْ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إذَا قَضَيْت حَجّك فَأَنْت مِثْل مَا وَلَدَتْك أُمّك " . وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي يَطُول بِذِكْرِ جَمِيعهَا الْكِتَاب , مِمَّا يُنْبِئ عَنْهُ أَنَّ مَنْ حَجّ فَقَضَاهُ بِحُدُودِهِ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّه , فَهُوَ خَارِج مِنْ ذُنُوبه , كَمَا قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى } اللَّه فِي حَجّه . فَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوضَع عَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله جَلّ وَعَزَّ : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } أَنَّهُ خَارِج مِنْ ذُنُوبه , مَحْطُوطَة عَنْهُ آثَامه , مَغْفُورَة لَهُ أَجْرَامه . وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي نَفْره فِي الْيَوْم الثَّانِي , وَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي مُقَامه إلَى الْيَوْم الثَّالِث ; لِأَنَّ الْحَرَج إنَّمَا يُوضَع عَنْ الْعَامِل فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ تَرْك عَمَله فَيُرَخِّص لَهُ فِي عَمَله بِوَضْعِ الْحَرَج عَنْهُ فِي عَمَله , أَوْ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ عَمَله , فَيُرَخِّص لَهُ فِي تَرْكه بِوَضْعِ الْحَرَج عَنْهُ فِي تَرْكه . فَأَمَّا مَا عَلَى الْعَامِل عَمَله فَلَا وَجْه لِوَضْعِ الْحَرَج عَنْهُ فِيهِ إنْ هُوَ عَمِلَهُ , وَفَرَضَهُ عَمَله , لِأَنَّهُ مُحَال أَنْ يَكُون الْمُؤَدِّي فَرْضًا عَلَيْهِ حَرَجًا بِأَدَائِهِ , فَيَجُوز أَنْ يُقَال : قَدْ وَضَعْنَا عَنْك فِيهِ الْحَرَج . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ الْحَاجّ لَا يَخْلُو عِنْد مَنْ تَأَوَّلَ قَوْله : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَلَا حَرَج عَلَيْهِ , أَوْ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُون فَرْضه النَّفْر فِي الْيَوْم الثَّانِي مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق , فَوَضَعَ عَنْهُ الْحَرَج فِي الْمُقَام , أَوْ أَنْ يَكُون فَرْضه الْمُقَام إلَى الْيَوْم الثَّالِث , فَوَضَعَ عَنْهُ الْحَرَج فِي النَّفْر فِي الْيَوْم الثَّانِي , فَإِنْ يَكُنْ فَرْضه فِي الْيَوْم الثَّانِي مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق الْمُقَام إلَى الْيَوْم الثَّالِث مِنْهَا , فَوَضَعَ عَنْهُ الْحَرَج فِي نَفْره فِي الْيَوْم الثَّانِي مِنْهَا , وَذَلِكَ هُوَ التَّعْجِيل الَّذِي قِيلَ : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ عَلَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ , { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } لِأَنَّ الْمُتَأَخِّر إلَى الْيَوْم الثَّالِث إنَّمَا هُوَ مُتَأَخِّر عَنْ أَدَاء فَرْض عَلَيْهِ تَارِك قَبُول رُخْصَة النَّفْر , فَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : لَا حَرَج عَلَيْك فِي مُقَامك عَلَى أَدَاء الْوَاجِب عَلَيْك , لِمَا وَصَفْنَا قَبْل , أَوْ يَكُون فَرْضه فِي الْيَوْم الثَّانِي النَّفْر , فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْمُقَام إلَى الْيَوْم الثَّالِث ; فَلَا مَعْنَى أَنْ يُقَال : لَا حَرَج عَلَيْك فِي تَعَجُّلك النَّفْر الَّذِي هُوَ فَرْضك وَعَلَيْك فِعْله لِلَّذِي قَدَّمْنَا مِنْ الْعِلَّة وَكَذَلِكَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : { فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } وَلَا حَرَج عَلَيْهِ فِي نَفْره ذَلِكَ , إنْ اتَّقَى قَتْل الصَّيْد إلَى انْقِضَاء الْيَوْم الثَّالِث ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ تَأْوِيلًا مُسَلَّمًا لِقَائِلِهِ لَكَانَ فِي قَوْله : { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } مَا يُبْطِل دَعْوَاهُ , لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْأُمَّة فِي أَنَّ الصَّيْد لِلْحَاجِّ بَعْد نَفْره مِنْ مِنَى فِي الْيَوْم الثَّالِث حَلَال , فَمَا الَّذِي مِنْ أَجْله وُضِعَ عَنْهُ الْحَرَج فِي قَوْله : { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } إذَا هُوَ تَأَخَّرَ إلَى الْيَوْم الثَّالِث ثُمَّ نَفَرَ ؟ هَذَا مَعَ إجْمَاع الْحُجَّة عَلَى أَنَّ الْمُحْرِم إذَا رَمَى وَذَبَحَ وَحَلَقَ وَطَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلّ شَيْء , وَتَصْرِيح الرِّوَايَة الْمَرْوِيَّة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ , الَّتِي : 3139 - حَدَّثَنَا بِهَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ الْحَنْظَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم , عَنْ عَمْرَة قَالَتْ : سَأَلْت عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا مَتَى يَحِلّ الْمُحْرِم ؟ فَقَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إذَا رَمَيْتُمْ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ حَلَّ لَكُمْ كُلّ شَيْء إلَّا النِّسَاء " . قَالَ : وَذَكَرَ الزُّهْرِيّ عَنْ عَمْرَة , عَنْ عَائِشَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . وَأَمَّا الَّذِي تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى : لَا إثْم عَلَيْهِ إلَى عَام قَابِل فَلَا وَجْه لِتَحْدِيدِ ذَلِكَ بِوَقْتٍ , وَإِسْقَاطه الْإِثْم عَنْ الْحَاجّ سَنَة مُسْتَقْبَلَة , دُون آثَامه السَّالِفَة , لِأَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَحْصُر ذَلِكَ عَلَى نَفْي إثْم وَقْت مُسْتَقْبَل بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , وَلَا عَلَى لِسَان الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام , بَلْ دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل تُبَيِّن عَنْ أَنَّ الْمُتَعَجِّل فِي الْيَوْمَيْنِ وَالْمُتَأَخِّر لَا إثْم عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي حَاله الَّتِي هُوَ بِهَا دُون غَيْرهَا مِنْ الْأَحْوَال , وَالْخَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَرِّح بِأَنَّهُ بِانْقِضَاءِ حَجّه عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ خَارِج مِنْ ذُنُوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه . فَفِي ذَلِكَ مِنْ دَلَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل , وَصَرِيح قَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } فَلَا إثْم عَلَيْهِ مِنْ وَقْت انْقِضَاء حَجّه إلَى عَام قَابِل . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : مَا الْجَالِب اللَّام فِي قَوْله : { لِمَنْ اتَّقَى } وَمَا مَعْنَاهَا ؟ قِيلَ : الْجَالِب لَهَا مَعْنَى قَوْله . { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } لِأَنَّ فِي قَوْله : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } مَعْنَى حَطَطْنَا ذُنُوبه وَكَفَّرْنَا آثَامه , فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَعْنَى : جَعَلْنَا تَكْفِير الذُّنُوب لِمَنْ اتَّقَى اللَّه فِي حَجّه , فَتَرَكَ ذِكْر جَعْلنَا تَكْفِير الذُّنُوب اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّهُ كَأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ هَذِهِ الرُّخْصَة فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْر , فَقَالَ : { لِمَنْ اتَّقَى } أَيْ هَذَا لِمَنْ اتَّقَى . وَأَنْكَرَ بَعْضهمْ ذَلِكَ مِنْ قَوْله , وَزَعَمَ أَنَّ الصِّفَة لَا بُدّ لَهَا مِنْ شَيْء تَتَعَلَّق بِهِ , لِأَنَّهَا لَا تَقُوم بِنَفْسِهَا , وَلَكِنَّهَا فِيمَا زَعَمَ مِنْ صِلَة " قَوْل " مَتْرُوك , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده " قُلْنَا " : وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى , وَقَامَ قَوْله : { وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْم عَلَيْهِ } مَقَام الْقَوْل . وَزَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَوْضِع طَرْح الْإِثْم فِي الْمُتَعَجِّل , فَجَعَلَ فِي الْمُتَأَخِّر , وَهُوَ الَّذِي أَدَّى وَلَمْ يُقَصِّر , مِثْل مَا جَعَلَ عَلَى الْمُقَصِّر , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : إنْ تَصَدَّقْت سِرًّا فَحَسَن , وَإِنْ أَظْهَرْت فَحَسَن . وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ , لِأَنَّ الْمُتَصَدِّق عَلَانِيَة إذَا لَمْ يَقْصِد الرِّيَاء فَحَسَن , وَإِنْ كَانَ الْإِسْرَار أَحْسَن وَلَيْسَ فِي وَصْف حَالَتَيْ الْمُتَصَدِّقِينَ بِالْحَسَنِ وَصَفَ إحْدَاهُمَا بِالْإِثْمِ ; وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَنْ النَّافِرِينَ بِنَفْيِ الْإِثْم عَنْهُمَا , وَمُحَال أَنْ يَنْفِي عَنْهُمَا إلَّا مَا كَانَ فِي تَرْكه الْإِثْم عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة . وَفِي إجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا لَوْ تَرَكَا النَّفْر وَأَقَامَا بِمِنًى لَمْ يَكُونَا آثِمِينَ مَا يَدُلّ عَلَى فَسَاد التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ مَنْ حَكَيْنَا عَنْهُ هَذَا
الْقَوْل

. وَقَالَ أَيْضًا : فِيهِ وَجْه آخَر , وَهُوَ مَعْنَى نَهْي الْفَرِيقَيْنِ عَنْ أَنْ يُؤَثِّم أَحَد الْفَرِيقَيْنِ الْآخَر , كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ : { فَلَا إثْم عَلَيْهِ } لَا يَقُلْ الْمُتَعَجِّل لِلْمُتَأَخِّرِ : أَنْت آثِم , وَلَا الْمُتَأَخِّر لِلْمُتَعَجِّلِ أَنْت آثِم بِمَعْنَى : فَلَا يُؤَثِّمَن أَحَدهمَا الْآخَر . وَهَذَا أَيْضًا تَأْوِيل لِقَوْلِ جَمِيع أَهْل التَّأْوِيل مُخَالِف , وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمَا مِنْ فَرَائِضه , فَخَافُوهُ فِي تَضْيِيعهَا وَالتَّفْرِيط فِيهَا , وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي حَجّكُمْ وَمَنَاسِككُمَا أَنْ تَرْتَكِبُوهُ أَوْ تَأْتُوهُ وَفِيمَا كَلَّفَكُمْ فِي إحْرَامكُمْ لِحَجِّكُمْ أَنْ تُقَصِّرُوا فِي
أَدَائِهِ وَالْقِيَام بِهِ , وَلَعَلِمُوا أَنَّكُمْ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ , فَمُجَازِيكُمْ هُوَ بِأَعْمَالِكُمْ , الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , وَمُوفٍ كُلّ نَفْس مِنْكُمْ مَا عَمِلَتْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِسورة البقرة الآية رقم 204
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } وَهَذَا نَعْت مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمُنَافِقِينَ , بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك يَا مُحَمَّد ظَاهِر قَوْله وَعَلَانِيَته , وَيَسْتَشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه , وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام , جَدَل بِالْبَاطِلِ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة , قَالَ بَعْضهمْ . نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَس بْن شَرِيق , قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَعَمَ أَنَّهُ يُرِيد الْإِسْلَام , وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا قَدِمَ إلَّا لِذَلِكَ , ثُمَّ خَرَجَ فَأَفْسَدَ أَمْوَالًا مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3140 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَس بْن شَرِيق الثَّقَفِيّ , وَهُوَ حَلِيف لِبَنِي زُهْرَة . وَأَقْبَلَ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ , فَأَظْهَرَ لَهُ الْإِسْلَام , فَأَعْجَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ , وَقَالَ : إنَّمَا جِئْت أُرِيد الْإِسْلَام , وَاَللَّه يَعْلَم أَنِّي صَادِق . وَذَلِكَ قَوْله : { وَيُشْهِد اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبه } ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَرَّ بِزَرْعٍ لِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَحُمُر , فَأَحْرَقَ الزَّرْع , وَعَقَرَ الْحُمُر , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } وَأَمَّا أَلَدّ الْخِصَام : فَأَعْوَج الْخِصَام , وَفِيهِ نَزَلَ : { وَيْل لِكُلِّ هُمَزَة لُمَزَة } 104 1 وَنَزَلَتْ فِيهِ : { وَلَا تُطِعْ كُلّ حَلَّاف مَهِين } إلَى { عُتُلّ بَعْد ذَلِكَ زَنِيم } 68 10 : 13 وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي قَوْم مِنْ أَهْل النِّفَاق تَكَلَّمُوا فِي السَّرِيَّة الَّتِي أُصِيبَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجِيعِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3141 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ أَبِي إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ

ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا أُصِيبَتْ هَذِهِ السَّرِيَّة أَصْحَاب خَبِيب بِالرَّجِيعِ بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , فَقَالَ رِجَال مِنْ الْمُنَافِقِينَ : يَا وَيْح هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِينَ الَّذِينَ هَلَكُوا هَكَذَا , لَا هُمْ قَعَدُوا فِي بُيُوتهمْ , وَلَا هُمْ أَدَّوْا رِسَالَة صَاحِبهمْ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْل الْمُنَافِقِينَ , وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ الْمَفَرّ فِي الشَّهَادَة وَالْخَيْر مِنْ اللَّه : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْلُهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } أَيْ مَا يُظْهِر بِلِسَانِهِ مِنْ الْإِسْلَام { وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } أَيْ مِنْ النِّفَاق { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } أَيْ ذُو جِدَال إذَا كَلَّمَك وَرَاجَعَك , { وَإِذَا تَوَلَّى } أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدك { سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد } أَيْ لَا يُحِبّ عَمَله وَلَا يَرْضَاهُ , { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ فَحَسْبه جَهَنَّم وَلَبِئْسَ الْمِهَاد وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } الَّذِينَ شَرَوْا أَنْفُسهمْ لِلَّهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه وَالْقِيَام بِحَقِّهِ حَتَّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي هَذِهِ السَّرِيَّة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا أُصِيبَتْ السَّرِيَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا عَاصِم وَمَرْثَد بِالرَّجِيعِ , قَالَ رِجَال مِنْ الْمُنَافِقِينَ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث أَبِي كُرَيْب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ جَمِيع الْمُنَافِقِينَ , وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } اخْتِلَاف سَرِيرَته وَعَلَانِيَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3142 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مَعْشَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي أَبُو مَعْشَر نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت سَعِيد الْمَقْبُرِيّ يُذَاكِر مُحَمَّد بْن كَعْب , فَقَالَ سَعِيد : إنَّ فِي بَعْض الْكُتُب : " إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَلْسِنَتهمْ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل , قُلُوبهمْ أَمَرّ مِنْ الصَّبْر , لَبِسُوا لِلنَّاسِ مُسُوك الضَّأْن مِنْ اللِّين , يَجْتَرُّونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ , قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَعَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ , وَبِي يَغْتَرُّونَ ؟ وَعِزَّتِي لَأَبْعَثَن عَلَيْهِمْ فِتْنَة تَتْرُك الْحَلِيم مِنْهُمْ حَيْرَان ! " فَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هَذَا فِي كِتَاب اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ . فَقَالَ سَعِيد : وَأَيْنَ هُوَ مِنْ كِتَاب اللَّه ؟ قَالَ : قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد } فَقَالَ سَعِيد : قَدْ عَرَفْت فِيمَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : إنَّ الْآيَة تَنْزِل فِي الرَّجُل ثُمَّ تَكُون عَامَّة بَعْد . 3143 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اللَّيْث بْن سَعْد , عَنْ خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال , عَنْ الْقُرَظِيّ , عَنْ نَوْف , وَكَانَ يَقْرَأ الْكُتُب , قَالَ : إنِّي لَأَجِد صِفَة نَاس مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فِي كِتَاب اللَّه الْمُنَزَّل : " قَوْم يَجْتَالُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ , أَلْسِنَتهمْ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَقُلُوبهمْ أَمَرّ مِنْ الصَّبْر , يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ لِبَاس مُسُوك الضَّأْن وَقُلُوبهمْ قُلُوب الذِّئَاب , فَعَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ , وَبِي يَغْتَرُّونَ , حَلَفْت بِنَفْسِي لَأَبْعَثَن عَلَيْهِمْ فِتْنَة تَتْرُك الْحَلِيم فِيهِمْ حَيْرَان ! " قَالَ الْقُرَظِيّ : تَدَبَّرْتهَا فِي الْقُرْآن فَإِذَا هُمْ الْمُنَافِقُونَ , فَوَجَدْتهَا : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه عَلَى حَرْف فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْر اطْمَأَنَّ بِهِ } 22 11 3144 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } قَالَ : هُوَ الْمُنَافِق . 3145 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله } قَالَ : عَلَانِيَته فِي الدُّنْيَا , { وَيُشْهِد اللَّه } فِي الْخُصُومَة أَنَّمَا يُرِيد الْحَقّ . 3146 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } قَالَ : هَذَا عَبْد كَانَ حَسَن الْقَوْل سَيِّئ الْعَمَل , يَأْتِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحْسِن لَهُ الْقَوْل , { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا } 3147 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } قَالَ . يَقُول قَوْلًا فِي قَلْبه غَيْره , وَاَللَّه يَعْلَم ذَلِكَ . وَفِي قَوْله { وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } وَجْهَانِ مِنْ الْقِرَاءَة : فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء : { وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } بِمَعْنَى أَنَّ الْمُنَافِق الَّذِي يُعْجِب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْله , يَسْتَشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه , أَنَّ قَوْله مُوَافِق اعْتِقَاده , وَأَنَّهُ مُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرَسُوله ; وَهُوَ كَاذِب . كَمَا : 3148 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } إلَى { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد } كَانَ رَجُل يَأْتِي إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : أَيْ رَسُول اللَّه أَشْهَد أَنَّك جِئْت بِالْحَقِّ وَالصَّدْق مِنْ عِنْد اللَّه . قَالَ : حَتَّى يُعْجَب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ . ثُمَّ يَقُول : أَمَا وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إنَّ اللَّه لَيَعْلَم مَا فِي قَلْبِي مِثْل مَا نَطَقَ بِهِ لِسَانِي . فَذَلِكَ قَوْله : { وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } . قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَد إنَّك لَرَسُول اللَّه } حَتَّى بَلَغَ : { إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } 63 1 بِمَا يَشْهَدُونَ أَنَّك رَسُول اللَّه . وَقَالَ السُّدِّيّ : { وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } يَقُول : اللَّه يَعْلَم أَنِّي صَادِق , أَنِّي أُرِيد الْإِسْلَام . 3149 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , عَنْ أَسْبَاط . وَقَالَ مُجَاهِد : وَيُشْهِد اللَّه فِي الْخُصُومَة , إنَّمَا يُرِيد الْحَقّ . 3150 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه " بِمَعْنَى : وَاَللَّه يَشْهَد عَلَى الَّذِي فِي قَلْبه مِنْ النِّفَاق , وَأَنَّهُ مُضْمِر فِي قَلْبه غَيْر الَّذِي يُبْدِيه بِلِسَانِهِ وَعَلَى كَذِبه فِي قَلْبه . وَهِيَ قِرَاءَة ابْن مُحَيْصِن , وَعَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى تَأَوَّلَهُ ابْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى فِي حَدِيث أَبِي كُرَيْب , عَنْ يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَاَلَّذِي نَخْتَار فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْل الْقُرَّاء قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه } بِمَعْنَى يَسْتَشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل

قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } الْأَلَدّ مِنْ الرِّجَال : الشَّدِيد الْخُصُومَة , يُقَال فِي " فَعَلْت " مِنْهُ : قَدْ لَدَدْت يَا هَذَا وَلَمْ تَكُنْ أَلَدّ , فَأَنْت تَلُدّ لَدَدًا وَلِدَادَة ; فَأَمَّا إذَا غَلَبَ مَنْ خَاصَمَهُ , فَإِنَّمَا يُقَال فِيهِ : لَدِدْت يَا فُلَان فُلَانًا فَأَنْت تَلُدّ لَدًّا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : ثُمَّ أُرَدِّي بِهِمْ مَنْ تُرْدِي تَلُدّ أَقْرَان الْخُصُوم اللُّدّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : أَنَّهُ ذُو جِدَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3151 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } أَيْ ذُو جِدَال إذَا كَلَّمَك وَرَاجَعَك . 3152 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } يَقُول : شَدِيد الْقَسْوَة فِي مَعْصِيَة اللَّه جَدَل بِالْبَاطِلِ , وَإِذَا شِئْت رَأَيْته عَالِم اللِّسَان جَاهِل الْعَمَل يَتَكَلَّم بِالْحِكْمَةِ وَيَعْمَل بِالْخَطِيئَةِ . 3153 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى . قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } قَالَ : جَدَل بِالْبَاطِلِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مُسْتَقِيم الْخُصُومَة وَلَكِنَّهُ مُعْوَجّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3154 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام } قَالَ : ظَالِم لَا يَسْتَقِيم . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَلَدّ الْخِصَام : الَّذِي لَا يَسْتَقِيم عَلَى خُصُومَة . 3155 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَلَدّ الْخِصَام : أَعْوَج الْخِصَام . قَالَ , أَبُو جَعْفَر : وَكِلَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مُتَقَارِب الْمَعْنَى , لِأَنَّ الِاعْوِجَاج فِي الْخُصُومَة مِنْ الْجِدَال وَاللَّدَد . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَهُوَ كَاذِب قَوْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3156 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : الْأَلَدّ الْخِصَام : الْكَاذِب الْقَوْل . وَهَذَا الْقَوْل يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ مَعْنَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ قَائِله أَنَّهُ يُخَاصِم بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقَوْل وَالْكَذِب مِنْهُ جَدَلًا وَاعْوِجَاجًا عَنْ الْحَقّ . وَأَمَّا الْخِصَام : فَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : خَاصَمْت فُلَانًا خِصَامًا وَمُخَاصَمَة . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الْمُنَافِق الَّذِي أَخْبَرَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُعْجِبهُ إذَا تَكَلَّمَ قَيْله وَمَنْطِقه , وَيَسْتَشْهِد اللَّه عَلَى أَنَّهُ مُحِقّ فِي قَيْله ذَلِكَ لِشِدَّةِ خُصُومَته وَجِدَاله بِالْبَاطِلِ وَالزُّور مِنْ الْقَوْل .
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَسورة البقرة الآية رقم 205
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذَا تَوَلَّى } , وَإِذَا أَدْبَرَ هَذَا الْمُنَافِق مِنْ عِنْدك يَا مُحَمَّد مُنْصَرَفًا عَنْك . كَمَا : 3157 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا تَوَلَّى } قَالَ : يَعْنِي : وَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدك سَعَى . وَقَالَ بَعْضهمْ : وَإِذَا غَضِبَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3158 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَإِذَا تَوَلَّى } قَالَ : إذَا غَضِبَ . فَمَعْنَى الْآيَة : وَإِذَا خَرَجَ هَذَا الْمُنَافِق مِنْ عِنْدك يَا مُحَمَّد غَضْبَان عَمِلَ فِي الْأَرْض بِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ , وَحَاوَلَ فِيهَا مَعْصِيَة اللَّه , وَقَطْع الطَّرِيق , وَإِفْسَاد السَّبِيل عَلَى عِبَاد اللَّه , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ فِعْل الْأَخْنَس بْن شَرِيق الثَّقَفِيّ الَّذِي ذَكَرَ السُّدِّيّ أَنَّ فِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ إحْرَاقه زَرْع الْمُسْلِمِينَ وَقَتْله حُمُرهمْ . وَالسَّعْي فِي كَلَام الْعَرَب الْعَمَل , يُقَال مِنْهُ : فُلَان يَسْعَى عَلَى أَهْله , يَعْنِي بِهِ يَعْمَل فِيمَا يَعُود عَلَيْهِمْ نَفْعه ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : وَسَعَى لِكِنْدَة سَعْي غَيْر مُوَاكِل قَيْس فَضَرَّ عَدُوّهَا وَبَنَى لَهَا يَعْنِي بِذَلِكَ : عَمِلَ لَهُمْ فِي الْمَكَارِم . وَكَاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقُول . 3159 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى } قَالَ : عَمِلَ .

وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْإِفْسَاد الَّذِي أَضَافَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلّ إلَى هَذَا الْمُنَافِق , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله مَا قُلْنَا فِيهِ مِنْ قَطْعه الطَّرِيق وَإِخَافَته السَّبِيل , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ فِعْل الْأَخْنَس بْن شَرِيق . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ قَطْع الرَّحِم وَسَفْك دِمَاء الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3160 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا } قَطَعَ الرَّحِم , وَسَفَكَ الدِّمَاء , دِمَاء الْمُسْلِمِينَ , فَإِذَا قِيلَ : لِمَ تَفْعَل كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ أَتَقَرَّب بِهِ إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ هَذَا الْمُنَافِق بِأَنَّهُ إذَا تَوَلَّى مُدْبِرًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَ فِي أَرْض اللَّه بِالْفَسَادِ . وَقَدْ يَدْخُل فِي الْإِفْسَاد جَمِيع الْمَعَاصِي , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَل بِالْمَعَاصِي إفْسَاد فِي الْأَرْض , فَلَمْ يَخْصُصْ اللَّه وَصْفه بِبَعْضِ مَعَانِي الْإِفْسَاد دُون بَعْض . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْإِفْسَاد مِنْهُ كَانَ بِمَعْنَى قَطْع الطَّرِيق , وَجَائِز أَنْ يَكُون غَيْر ذَلِكَ , وَأَيّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فَقَدْ كَانَ إفْسَادًا فِي الْأَرْض , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلّ مَعْصِيَة . غَيْر أَنَّ الْأَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل أَنْ يَكُون كَانَ يَقْطَع الطَّرِيق , وَيُخِيف السَّبِيل , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَصَفَهُ فِي سِيَاق الْآيَة بِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل , وَذَلِكَ بِفِعْلِ مُخِيف السَّبِيل أَشْبَه مِنْهُ بِفِعْلِ قُطَّاع الرَّحِم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي وَجْه إهْلَاك هَذَا الْمُنَافِق , الَّذِي وَصَفَهُ اللَّه بِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ صِفَة إهْلَاك الْحَرْث وَالنَّسْل ; فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إحْرَاقًا لِزَرْعِ قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَقْرًا لِحُمُرِهِمْ . 3161 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثني عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا . 3162 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَثَّام , قَالَ : ثنا النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } الْآيَة , قَالَ : إذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض بِالْعُدْوَانِ وَالظُّلْم , فَيَحْبِس اللَّه بِذَلِكَ الْقَطْر , فَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل , وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد . قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِد : { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } 30 41 قَالَ : ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا هُوَ بَحْركُمْ هَذَا , وَلَكِنْ كُلّ قَرْيَة عَلَى مَاء حَارّ فَهُوَ بَحْر . وَاَلَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنْ التَّأْوِيل تَحْتَمِلهُ الْآيَة , فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل مِنْ التَّأْوِيل مَا ذَكَرْنَا عَنْ السُّدِّيّ , فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَاهُ . وَأَمَّا الْحَرْث , فَإِنَّهُ الزَّرْع , وَالنَّسْل : الْعَقِب وَالْوَلَد , وَإِهْلَاكه الزَّرْع : إحْرَاقه . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون كَانَ كَمَا قَالَ مُجَاهِد بِاحْتِبَاسِ الْقَطْر مِنْ أَجْل مَعْصِيَته رَبّه وَسَعْيه بِالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْض , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَانَ بِقَتْلِهِ الْقُوَّام بِهِ والمتعاهدين لَهُ حَتَّى فَسَدَ فَهَلَكَ . وَكَذَلِكَ جَائِز فِي مَعْنَى إهْلَاكه النَّسْل أَنْ يَكُون كَانَ بِقَتْلِهِ أُمَّهَاته أَوْ آبَائِهِ الَّتِي مِنْهَا يَكُون النَّسْل , فَيَكُون فِي قَتْله الْآبَاء وَالْأُمَّهَات انْقِطَاع نَسْلهمَا . وَجَائِز أَنْ يَكُون كَمَا قَالَ مُجَاهِد , غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَحْتَمِلهُ الْآيَة فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِهَا مَا قَالَهُ السُّدِّيّ غَيْر أَنَّ السُّدِّيّ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة إنَّمَا نَزَلَتْ فِي قَتْله حُمُر الْقَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِحْرَاقه زَرْعًا لَهُمْ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون كَذَلِكَ , فَغَيْر فَاسِد أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِ ,

وَالْمُرَاد بِهَا كُلّ مَنْ سَلَكَ سَبِيله فِي قَتْل كُلّ مَا قَتَلَ مِنْ الْحَيَوَان الَّذِي لَا يَحِلّ قَتْله بِحَالٍ وَاَلَّذِي يَحِلّ قَتْله فِي بَعْض الْأَحْوَال إذَا قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقّ , بَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ عِنْدِي ; لِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْصُصْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُون شَيْء بَلْ عَمَّهُ . وَبِاَلَّذِي قُلْنَا فِي عُمُوم ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3163 - حَدَّثَنَا ابْن يَسَار , قَالَ . ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ أَنَّهُ سَأَلَ ابْن عَبَّاس : { وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } قَالَ : نَسْل كُلّ دَابَّة . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , أَنَّهُ سَأَلَ ابْن عَبَّاس : قَالَ : قُلْت أَرَأَيْت قَوْله { الْحَرْث وَالنَّسْل } قَالَ : الْحَرْث حَرْثكُمْ , وَالنَّسْل : نَسْل كُلّ دَابَّة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , قَالَ : سَأَلْت ابْن عَبَّاس عَنْ الْحَرْث وَالنَّسْل , فَقَالَ : الْحَرْث : مِمَّا تَحْرُثُونَ , وَالنَّسْل : نَسْل كُلّ دَابَّة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ . ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ تَمِيم , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس . { وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } فَنَسْل كُلّ دَابَّة , وَالنَّاس أَيْضًا . 3164 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَى عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَيُهْلِك الْحَرْث } قَالَ : نَبَات الْأَرْض { وَالنَّسْل } مِنْ كُلّ دَابَّة تَمْشِي مِنْ الْحَيَوَان مِنْ النَّاس وَالدَّوَابّ . 3165 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَيُهْلِك الْحَرْث } قَالَ : نَبَات الْأَرْض , { وَالنَّسْل } : نَسْل كُلّ شَيْء . 3166 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَة : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْحَرْث . النَّبَات , وَالنَّسْل : نَسْل كُلّ دَابَّة . 3167 - حَدَّثَنِي عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَيُهْلِك الْحَرْث } قَالَ : الْحَرْث الَّذِي يَحْرُثهُ النَّاس : نَبَات الْأَرْض , { وَالنَّسْل } : نَسْل كُلّ دَابَّة . 3168 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } قَالَ : الْحَرْث : الزَّرْع , وَالنَّسْل مِنْ النَّاس وَالْأَنْعَام , قَالَ : يَقْتُل نَسْل النَّاس وَالْأَنْعَام . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : يَبْتَغِي فِي الْأَرْض هَلَاك الْحَرْث : نَبَات الْأَرْض , وَالنَّسْل : مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْحَيَوَان . 3169 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } قَالَ : الْحَرْث : الْأَصْل , وَالنَّسْل : كُلّ دَابَّة وَالنَّاس مِنْهُمْ . 3170 - حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سُئِلَ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ فَسَاد الْحَرْث وَالنَّسْل وَمَا هُمَا أَيّ حَرْث وَأَيّ نَسْل ؟ قَالَ سَعِيد : قَالَ مَكْحُول : الْحَرْث : مَا تَحْرُثُونَ , وَأَمَّا النَّسْل : فَنَسْل كُلّ شَيْء . وَقَدْ قَرَأَ بَعْض الْقُرَّاء : " وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل " بِرَفْعِ " وَيُهْلِك " عَلَى مَعْنَى : وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيُشْهِد اللَّه عَلَى مَا فِي قَلْبه وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَام , وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل , وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا , وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد . فَيَرُدّ و " يُهْلِك " عَلَى " وَيُشْهِد اللَّه " عَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ . وَذَلِكَ قِرَاءَة عِنْدِي غَيْر جَائِزَة وَإِنْ كَانَ لَهَا مَخْرَج فِي الْعَرَبِيَّة لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا عَلَيْهِ الْحُجَّة مُجْمَعَة مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ قِرَاءَة : { وَيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل } وَأَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب وَمُصْحَفه فِيمَا ذُكِرَ لَنَا : وَلِيُفْسِد فِيهَا وَلِيُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل " , وَذَلِكَ مِنْ أَدَلّ الدَّلِيل عَلَى تَصْحِيح قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ { وَيُهْلِك } بِالنَّصْبِ عَطْفًا بِهِ عَلَى : { لِيُفْسِد فِيهَا } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمَعَاصِي , وَقَطْع السَّبِيل , وَإِخَافَة الطَّرِيق . وَالْفَسَاد : مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَسَدَ الشَّيْء يَفْسُد , نَظِير قَوْلهمْ : ذَهَبَ يَذْهَب ذَهَابًا , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَجْعَل مَصْدَر فَسَدَ فُسُودًا , وَمَصْدَر ذَهَبَ يَذْهَب ذُهُوبًا

.
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُسورة البقرة الآية رقم 206
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ فَحَسْبه جَهَنَّم وَلَبِئْسَ الْمِهَاد } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلّ ثَنَاؤُهُ : وَإِذَا قِيلَ لِهَذَا الْمُنَافِق الَّذِي نَعَتَ نَعْته لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُعْجِبهُ قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا : اتَّقِ اللَّه , وَخَفْهُ فِي إفْسَادك فِي أَرْض اللَّه , وَسَعْيك فِيهَا بِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْك مِنْ مَعَاصِيه , وَإِهْلَاكك حُرُوث الْمُسْلِمِينَ وَنَسْلهمْ ; اسْتَكْبَرَ وَدَخَلَتْهُ عِزَّة وَحَمِيَّة بِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ , وَتَمَادَى فِي غَيّه وَضَلَاله . قَالَ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ : فَكَفَاهُ عُقُوبَة مِنْ غَيّه وَضَلَاله صَلِيَ نَار جَهَنَّم وَلَبِئْسَ الْمِهَاد لِصَالِيهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى

بِهَا كُلّ فَاسِق وَمُنَافِق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3171 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا بِسْطَام بْن مُسْلِمٍ , قَالَ : ثنا أَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } إلَى : { وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } قَالَ عَلِيّ : اقْتَتَلَا وَرَبّ الْكَعْبَة . 3172 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } قَالَ : كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إذَا صَلَّى السُّبْحَة وَفَرَغَ دَخَلَ مِرْبَدًا لَهُ , فَأَرْسَلَ إلَى فِتْيَان قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآن , مِنْهُمْ ابْن عَبَّاس وَابْن أَخِي عُيَيْنَةَ , قَالَ : فَيَأْتُونَ فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآن وَيَتَدَارَسُونَهُ , فَإِذَا كَانَتْ الْقَائِلَة انْصَرَفَ . قَالَ فَمَرُّوا بِهَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ } { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } قَالَ ابْن زَيْد : وَهَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه . فَقَالَ ابْن عَبَّاس لِبَعْضِ مَنْ كَانَ إلَى جَنْبه : اقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ . فَسَمِعَ عُمَر مَا قَالَ , فَقَالَ : وَأَيّ شَيْء قُلْت ؟ قَالَ : لَا شَيْء يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : مَاذَا قُلْت ؟ اقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ ؟ قَالَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْن عَبَّاس قَالَ : أَرَى هَهُنَا مَنْ إذَا أُمِرَ بِتَقْوَى اللَّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ , وَأَرَى مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه ; يَقُوم هَذَا فَيَأْمُر هَذَا بِتَقْوَى اللَّه , فَإِذَا لَمْ يَقْبَل وَأَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ , قَالَ هَذَا : وَأَنَا أَشْتَرِي نَفْسِي ! فَقَاتَلَهُ , فَاقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ . فَقَالَ عُمَر : لِلَّهِ بِلَادك يَا ابْن عَبَّاس . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ الْأَخْنَس بْن شَرِيق , وَقَدْ ذَكَرْنَا مَنْ قَالَ ذَلِك فِيمَا مَضَى . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَبِئْسَ الْمِهَاد } فَإِنَّهُ يَعْنِي . وَلَبِئْسَ الْفِرَاش وَالْوِطَاء : جَهَنَّم الَّتِي أَوْعَدَ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذَا الْمُنَافِق , وَوَطَّأَهَا لِنَفْسِهِ بِنِفَاقِهِ وَفُجُوره وَتَمَرُّده عَلَى رَبّه .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِسورة البقرة الآية رقم 207
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَبِيع نَفْسه بِمَا وَعَدَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيله وَابْتَاعَ بِهِ أَنَفْسهمْ بِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة } 9 111 وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى شَرَى بَاعَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الشَّارِي يَشْرِي إذَا اشْتَرَى طَلَب مَرْضَاة اللَّه . وَنُصِبَ " ابْتِغَاء " بِقَوْلِهِ " يَشْرِي " , فَكَأَنَّهُ قَالَ . وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي مِنْ أَجْل ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , ثُمَّ تَرَكَ " مِنْ أَجْل " وَعَمِلَ فِيهِ الْفِعْل . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ نُصِبَ ذَلِكَ عَلَى الْفِعْل عَلَى يَشْرِي كَأَنَّهُ قَالَ : لِابْتِغَاءِ مَرْضَاة اللَّه , فَلَمَّا نَزَعَ اللَّام عَمِلَ الْفِعْل . قَالَ : وَمِثْله :

{ حَذَر الْمَوْت } 2 19 وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ حَاتِم : وَأَغْفِر عَوْرَاء الْكَرِيم ادِّخَاره وَأَعْرِض عَنْ قَوْل اللَّئِيم تَكَرُّمَا وَقَالَ : لَمَّا أَذْهَبَ اللَّام أَعْمَلَ فِيهِ الْفِعْل . وَقَالَ بَعْضهمْ : أَيّمَا مَصْدَر وُضِعَ مَوْضِع الشَّرْط وَمَوْضِع " أَنْ " فَتَحْسُن فِيهَا الْبَاء وَاللَّام , فَتَقُول : أَتَيْتُك مِنْ خَوْف الشَّرّ , وَلِخَوْفِ الشَّرّ , وَبِأَنْ خِفْت الشَّرّ ; فَالصِّفَة غَيْر مَعْلُومَة , فَحُذِفَتْ وَأُقِيمَ الْمَصْدَر مَقَامهَا . قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ الصِّفَة حَرْفًا وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ حَذْفهَا كَمَا غَيْر جَائِز لِمَنْ قَالَ : فَعَلْت هَذَا لَك وَلِفُلَانٍ , أَنْ يُسْقِط اللَّام . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيهِ وَمَنْ عُنِيَ بِهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , وَعُنِيَ بِهَا الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3173 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } قَالَ : الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار . وَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي رِجَال مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بِأَعْيَانِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3174 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي صُهَيْب بْن سِنَان وَأَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ جُنْدُب بْن السَّكَن ; أَخَذَ أَهْل أَبِي ذَرّ أَبَا ذَرّ , فَانْفَلَتَ مِنْهُمْ , فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجِرًا عَرَضُوا لَهُ , وَكَانُوا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ , فَانْفَلَتَ أَيْضًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسِّلَام . وَأَمَّا صُهَيْب فَأَخَذَهُ أَهْله , فَافْتَدَى مِنْهُمْ بِمَالِهِ , ثُمَّ خَرَجَ مُهَاجِرًا فَأَدْرَكَهُ مُنْقِذ بْن عُمَيْر بْن جُدْعَان , فَخَرَجَ لَهُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ مَاله , وَخَلَّى سَبِيله . 3175 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } الْآيَة , قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ أَهْل مَكَّة أَسْلَمَ , فَأَرَادَ أَنْ يَأْتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُهَاجِر إلَى الْمَدِينَة , فَمَنَعُوهُ وَحَبَسُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ : أُعْطِيكُمْ دَارِي وَمَالِي وَمَا كَانَ لِي مِنْ شَيْء فَخَلُّوا عَنِّي فَأَلْحَق بِهَذَا الرَّجُل ! فَأَبَوْا . ثُمَّ إنَّ بَعْضهمْ قَالَ لَهُمْ : خُذُوا مِنْهُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ شَيْء وَخَلُّوا عَنْهُ ! فَفَعَلُوا , فَأَعْطَاهُمْ دَاره وَمَاله , ثُمَّ خَرَجَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } الْآيَة ; فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْمَدِينَة تَلَقَّاهُ عُمَر فِي رِجَال , فَقَالَ لَهُ عُمَر : رَبِحَ الْبَيْع , قَالَ : وَبَيْعك فَلَا يَخْسَر , قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : أُنْزِلَ فِيك كَذَا وَكَذَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ كُلّ شَارٍ نَفْسه فِي طَاعَة اللَّه وَجِهَاد فِي سَبِيله أَوْ أَمْر بِمَعْرُوفٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن الْحَسَن أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا أَبُو عَوْن , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : حَمَلَ هِشَام بْن عَامِر عَلَى الصَّفّ حَتَّى خَرَقَهُ , فَقَالُوا : أَلْقَى بِيَدِهِ , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } 3177 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ طَارِق بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , عَنْ الْمُغِيرَة , قَالَ : بَعَثَ عُمَر جَيْشًا فَحَاصَرُوا أَهْل حِصْن , وَتَقَدَّمَ رَجُل مِنْ بَجِيلَة , فَقَاتَلَ , فَقُتِلَ , فَأَكْثَر النَّاس فِيهِ يَقُولُونَ : أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَة . قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَ : كَذَبُوا , أَلَيْسَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } ؟ 3178 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : حَمَلَ هِشَام بْن عَامِر عَلَى الصَّفّ حَتَّى شَقَّهُ , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } 3179 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا حِزَام بْن أَبِي حَزْم , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ ؟ نَزَلَتْ فِي أَنَّ الْمُسْلِم لَقِيَ الْكَافِر فَقَالَ لَهُ : قُلْ لَا إلَه إلَّا اللَّه , فَإِذَا قُلْتهَا عَصَمْت دَمك وَمَالك إلَّا بِحَقِّهِمَا . فَأَبَى أَنْ يَقُولهَا , فَقَالَ الْمُسْلِم : وَاَللَّه لَأَشْرِيَن نَفْسِي لِلَّهِ . فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . 3180 - حَدَّثَنِي أَحَمْد بْن حَازِم , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , ثنا زِيَاد بْن أَبِي مُسْلِم , عَنْ أَبِي الْخَلِيل , قَالَ : سَمِعَ عُمَر إنْسَانًا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } قَالَ : اسْتَرْجَعَ عُمَر فَقَالَ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ , قَامَ رَجُل يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فَقُتِلَ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَة مِنْ التَّأْوِيل , مَا رُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , مِنْ أَنْ يَكُون عَنَى بِهَا الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر . وَذَلِك أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَصَفَ صِفَة فَرِيقَيْنِ : أَحَدهمَا مُنَافِق يَقُول بِلِسَانِهِ خِلَاف مَا فِي نَفْسه وَإِذَا اقْتَدَرَ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه رَكِبَهَا وَإِذَا لَمْ يَقْتَدِر رَامَهَا وَإِذَا نُهِيَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّة بِالْإِثْمِ بِمَا هُوَ بِهِ إثْم , وَالْآخَر مِنْهُمَا بَائِع نَفْسه طَالِب مِنْ اللَّه رِضَا اللَّه . فَكَانَ الظَّاهِر مِنْ التَّأْوِيل أَنَّ الْفَرِيق الْمَوْصُوف بِأَنَّهُ شَرَى نَفْسه لِلَّهِ وَطَلَب رِضَاهُ , إنَّمَا شَرَاهَا لِلْوُثُوبِ بِالْفَرِيقِ الْفَاجِر طَلَب رِضَا اللَّه . فَهَذَا هُوَ الْأَغْلَب الْأَظْهُر مِنْ تَأْوِيل الْآيَة . وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ نُزُول الْآيَة فِي أَمْر صُهَيْب , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَنْكَر , إذْ كَانَ غَيْر مَدْفُوع جَوَاز نُزُول آيَة مِنْ عِنْد اللَّه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَاب , وَالْمَعْنِيّ بِهَا كُلّ مَنْ شَمِلَهُ ظَاهِرهَا . فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلّ وَصَفَ شَارِبًا نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاته , فَكُلّ مَنْ بَاعَ نَفْسه فِي طَاعَته حَتَّى قُتِلَ فِيهَا أَوْ اُسْتُقْتِلَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَل , فَمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَشْرِي نَفْسه ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه } فِي جِهَاد عَدُوّ الْمُسْلِمِينَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ فِي أَمْر بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْي عَنْ مُنْكَر .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل

قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه رَءُوف بِالْعِبَادِ } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الرَّأْفَة بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَأَنَّهَا رِقَّة الرَّحْمَة ; فَمَعْنَى ذَلِكَ : وَاَللَّه ذُو رَحْمَة وَاسِعَة بِعَبْدِهِ الَّذِي يَشْرِي نَفْسه لَهُ فِي جِهَاد مَنْ حَادَّهُ فِي أَمْره مِنْ أَهْل الشِّرْك وَالْفُسُوق وَبِغَيْرِهِ مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ فِي عَاجِلهمْ وَآجِلِ مَعَادهمْ , فَيُنْجِز لَهُمْ الثَّوَاب عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي طَاعَته فِي الدُّنْيَا , وَيُسْكِنهُمْ جَنَّاته عَلَى مَا عَمِلُوا فِيهَا مِنْ مَرْضَاته .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌسورة البقرة الآية رقم 208
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى السِّلْم فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3181 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } قَالَ : اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام . 3182 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } قَالَ : اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام . 3183 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : السِّلْم : الْإِسْلَام . 3184 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } يَقُول : فِي الْإِسْلَام . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ

مُجَاهَد : اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام . 3185 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } قَالَ : السِّلْم : الْإِسْلَام . 3186 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن فَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } : فِي الْإِسْلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : اُدْخُلُوا فِي الطَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3187 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } يَقُول : اُدْخُلُوا فِي الطَّاعَة . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز : " اُدْخُلُوا فِي السَّلْم " بِفَتْحِ السِّين . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ بِكَسْرِ السِّين . فَأَمَّا الَّذِينَ فَتَحُوا السِّين مِنْ " السِّلْم " , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلهَا إلَى الْمُسَالَمَة , بِمَعْنَى : اُدْخُلُوا فِي الصُّلْح وَالْمُسَاوَمَة وَتَرْك الْحَرْب وَإِعْطَاء الْجِزْيَة . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْكَسْرِ مِنْ السِّين فَإِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي تَأْوِيله ; فَمِنْهُمْ مَنْ يُوَجِّههُ إلَى الْإِسْلَام , بِمَعْنَى اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام كَافَّة , وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَجِّههُ إلَى الصُّلْح , بِمَعْنَى : اُدْخُلُوا فِي الصُّلْح , وَيُسْتَشْهَد عَلَى أَنَّ السِّين تُكْسَر , وَهِيَ بِمَعْنَى الصُّلْح بِقَوْلِ زُهَيْر ابْن أَبِي سُلْمَى : وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نَدْرِك السِّلْم وَاسِعًا بِمَالٍ وَمَعْرُوف مِنْ الْأَمْر نَسْلَم وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِقَوْلِهِ : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام كَافَّة . وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِكَسْرِ السِّين ; لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِل مَعْنَى الصُّلْح , فَإِنَّ مَعْنَى الْإِسْلَام : وَدَوَام الْأَمْر الصَّالِح عِنْد الْعَرَب , أَغْلَب عَلَيْهِ مِنْ الصُّلْح وَالْمُسَالَمَة , وَيُنْشَد بَيْت أَخِي كِنْدَة : دَعَوْت عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمَّا رَأَيْتهمْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَا بِكَسْرِ السِّين , بِمَعْنَى : دَعَوْتهمْ لِلْإِسْلَامِ لَمَّا ارْتَدُّوا , وَكَانَ ذَلِكَ حِين ارْتَدَّتْ كِنْدَة مَعَ الْأَشْعَث بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ كَانَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء يَقْرَأ سَائِر مَا فِي الْقُرْآن مِنْ ذِكْر السَّلْم بِالْفَتْحِ سِوَى هَذِهِ الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة , فَإِنَّهُ كَانَ يَخُصّهَا بِكَسْرِ سِينهَا تَوْجِيهًا مِنْهُ لِمَعْنَاهَا إلَى الْإِسْلَام دُون مَا سِوَاهَا . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مَنْ التَّأْوِيل فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } وَصَرَفْنَا مَعْنَاهُ إلَى الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْآيَة مُخَاطَب بِهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَلَنْ يَعْدُو الْخِطَاب إذْ كَانَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ , إمَّا أَنْ يَكُون خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمِّدٍ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَا مَعْنَى أَنْ يُقَال لَهُمْ وَهُمْ أَهْل الْإِيمَان : اُدْخُلُوا فِي صُلْح الْمُؤْمِنِينَ وَمُسَالَمَتهمْ , لِأَنَّ الْمُسَالَمَة وَالْمُصَالَحَة إنَّمَا يُؤْمَر بِهَا مَنْ كَانَ حَرْبًا بِتَرْكِ الْحَرْب . فَأَمَّا الْمَوَالِي فَلَا يَجُوز أَنْ يُقَال لَهُ : صَالِحْ فُلَانًا , وَلَا حَرْب بَيْنهمَا وَلَا عَدَاوَة . أَوْ يَكُون خِطَابًا لِأَهْلِ الْإِيمَان بِمَنْ قَبْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاء الْمُصَدِّقِينَ بِهِمْ , وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه الْمُنْكِرِينَ مُحَمَّدًا وَنُبُوَّته , فَقِيلَ لَهُمْ : ادُخُلُوا فِي السِّلْم ; يَعْنِي بِهِ الْإِسْلَام لَا الصُّلْح . لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَمَرَ عِبَاده بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , وَإِلَى الَّذِي دَعَاهُمْ دُون الْمُسَالَمَة وَالْمُصَالَحَة ; بَلْ نَهَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض الْأَحْوَال عَنْ دُعَاء أَهْل الْكُفْر إلَى الْإِسْلَام , فَقَالَ : { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوَا إلَى السَّلْم وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ وَاَللَّه مَعَكُمْ } 47 35 وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ فِي بَعْض الْأَحْوَال إذَا دَعَوْهُ إلَى الصُّلْح ابْتِدَاء الْمُصَالَحَة , فَقَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } 8 61 فَأَمَّا دُعَاؤُهُمْ إلَى الصُّلْح ابْتِدَاء فَغَيْر مَوْجُود فِي الْقُرْآن , فَيَجُوز تَوْجِيه قَوْله : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم } إلَى ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَأَيّ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ دُعِيَ إلَى الْإِسْلَام كَافَّة ؟ قِيلَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : دُعِيَ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا جَاءَ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : قِيلَ : دُعِيَ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَنْ قَبْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْبِيَاء الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمِّدٍ . فَإِنْ قَالَ : فَمَا وَجْه دُعَاء الْمُؤْمِن بِمُحَمِّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إلَى الْإِسْلَام ؟ قِيلَ : وَجْه دُعَائِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَمْر لَهُ بِالْعَمَلِ بِجَمِيعِ شَرَائِعه , وَإِقَامَة جَمِيع أَحْكَامه وَحُدُوده , دُون تَضْيِيع بَعْضه وَالْعَمَل بِبَعْضِهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , كَانَ قَوْله { كَافَّة } مِنْ صِفَة السِّلْم , وَيَكُون تَأْوِيله : اُدْخُلُوا فِي الْعَمَل بِجَمِيعِ مَعَانِي السِّلْم , وَلَا تُضَيِّعُوا شَيْئًا مِنْهُ يَا أَهْل الْإِيمَان بِمُحَمِّدٍ وَمَا جَاءَ بِهِ . وَبِنَحْوِ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ يَقُول عِكْرِمَة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . 3188 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَة وَعَبْد اللَّه بْن سَلَّام وَابْن يَامِين وَأَسَد وَأُسَيْد ابْنَيْ كَعْب وَشُعْبَة بْن عَمْرو وَقَيْس بْن زَيْد , كُلّهمْ مِنْ يَهُود , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم السَّبْت يَوْم كُنَّا نُعَظِّمهُ فَدَعْنَا فَلَنُسِبْت فِيهِ , وَإِنَّ التَّوْرَاة كِتَاب اللَّه , فَدَعْنَا فَلْنَقُمْ بِهَا بِاللَّيْلِ ! فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } فَقَدْ صَرَّحَ عِكْرِمَة بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ تَأْوِيل ذَلِكَ دُعَاء لِلْمُؤْمِنِينَ إلَى رِفْض جَمِيع الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُكْم الْإِسْلَام , وَالْعَمَل بِجَمِيعِ شَرَائِع الْإِسْلَام , وَالنَّهْي عَنْ تَضْيِيع شَيْء مِنْ حُدُوده . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْفَرِيق الَّذِي دُعِيَ إلَى السِّلْم فَقِيلَ لَهُمْ اُدْخُلُوا فِيهِ بِهَذِهِ الْآيَة هُمْ أَهْل الْكِتَاب , أُمِرُوا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3189 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ . قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة } يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب . 3190 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : يَعْنِي أَهْل الْكِتَاب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالدُّخُولِ فِي الْعَمَل بِشَرَائِع الْإِسْلَام كُلّهَا , وَقَدْ يَدْخُل فِي الَّذِينَ آمَنُوا الْمُصَدِّقُونَ بِمُحَمِّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَالْمُصَدِّقُونَ بِمَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , وَمَا جَاءُوا بِهِ , وَقَدْ دَعَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ إلَى الْعَمَل بِشَرَائِع الْإِسْلَام وَحُدُوده , وَالْمُحَافَظَة عَلَى فَرَائِضه الَّتِي فَرَضَهَا , وَنَهَاهُمْ عَنْ تَضْيِيع شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَالْآيَة عَامَّة لِكُلِّ مَنْ شَمِلَهُ اسْم الْإِيمَان , فَلَا وَجْه لِخُصُوصِ بَعْض بِهَا دُون بَعْض . وَبِمِثْلِ التَّأْوِيل الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقُول . 3191 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اُدْخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام كَافَّة , اُدْخُلُوا فِي الْأَعْمَال كَافَّة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَافَّة } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ { كَافَّة } عَامَّة جَمِيعًا . كَمَا : 3192 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : جَمِيعًا . 3193 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : جَمِيعًا . 3194 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع { فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : جَمِيعًا , وَعَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 3195 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , عَنْ النَّضْر , عَنْ مُجَاهِد , اُدْخُلُوا فِي الْإِسْلَام جَمِيعًا . 3196 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { كَافَّة } : جَمِيعًا .

3197 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { كَافَّة } 9 36 جَمِيعًا , وَقَرَأَ . { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة كَمَا يُقَاتِلُوكُمْ كَافَّة } جَمِيعًا . 3198 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ . سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { ادُخُلُوا فِي السِّلْم كَافَّة } قَالَ : جَمِيعًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ . بِذَلِكَ : اعْمَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِشَرَائِع الْإِسْلَام كُلّهَا , وَادْخُلُوا فِي التَّصْدِيق بِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا , وَدَعُوا طَرَائِق الشَّيْطَان وَآثَاره أَنْ تَتَّبِعُوهَا فَإِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين لَكُمْ عَدَاوَته . وَطَرِيق الشَّيْطَان الَّذِي نَهَاهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ هُوَ مَا خَالَفَ حُكْم الْإِسْلَام وَشَرَائِعه , وَمِنْهُ تَسْبِيت السَّبْت وَسَائِر سُنَن أَهْل الْمِلَل الَّتِي تُخَالِف مِلَّة الْإِسْلَام . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْخُطُوَات بِالْأَدِلَّةِ الشَّاهِدَة عَلَى صِحَّته فِيمَا مَضَى , فَكَرِهْت إعَادَته فِي هَذَا الْمَكَان .
فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌسورة البقرة الآية رقم 209
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَات فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ أَخْطَأْتُمْ الْحَقّ , فَضَلَلْتُمْ عَنْهُ , وَخَالَفْتُمْ الْإِسْلَام وَشَرَائِعه , مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْكُمْ حُجَجِي وَبَيِّنَات هُدَايَ , وَاتَّضَحَتْ لَكُمْ صِحَّة أَمْر الْإِسْلَام بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي قَطَعَتْ عُذْركُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه ذُو عِزَّة , لَا يَمْنَعهُ مِنْ الِانْتِقَام مِنْكُمْ مَانِع , وَلَا يَدْفَعهُ عَنْ عُقُوبَتكُمْ عَلَى مُخَالِفَتكُمَا أَمْره وَمَعْصِيَتكُمْ إيَّاهُ دَافِع , حَكِيم فِيمَا يَفْعَل بِكُمْ مِنْ عُقُوبَته عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إيَّاهُ بَعْد إقَامَته الْحُجَّة عَلَيْكُمْ , وَفِي غَيْره مِنْ أُمُوره . وَقَدْ قَالَ عَدَد مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . إنَّ الْبَيِّنَات هِيَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن . وَذَلِكَ قَرِيب مِنْ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن مِنْ حُجَج اللَّه عَلَى الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ . غَيْر أَنَّ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , قَدْ احْتَجَّ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَام مِنْ أَخْبَار أَهْل الْكِتَاب بِمَا عَهِدَ إلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة

وَالْإِنْجِيل وَتَقَدَّمَ إلَيْهِ عَلَى أَلْسُن أَنْبِيَائِهِمْ بِالْوَصَاةِ بِهِ , فَذَلِكَ وَغَيْره مِنْ حُجَج اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مَعَ مَا لَزِمَهُمْ مِنْ الْحُجَج بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ ; فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر أَقْوَال الْقَائِلِينَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ } : 3199 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ } يَقُول : فَإِنْ ضَلَلْتُمْ . 3200 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ } قَالَ : وَالزَّلَل : الشِّرْك . ذِكْر أَقْوَال الْقَائِلِينَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَات } : 3201 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَات } يَقُول : مِنْ بَعْد مَا جَاءَكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 3202 - وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَات } قَالَ : الْإِسْلَام وَالْقُرْآن . 3203 - وَحُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع . { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } يَقُول : عَزِيز فِي نِقْمَته , حَكِيم فِي أَمْره .
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُسورة البقرة الآية رقم 210
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَلْ يَنْظُر الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ , إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة . ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { وَالْمَلَائِكَة } . فَقَرَأَ بَعْضهمْ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة } بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى اسْم اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , عَلَى مَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه وَالْمَلَائِكَة فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3204 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف عَنْ أَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر الرَّازِيَّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب : " هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه وَالْمَلَائِكَة فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام " قَالَ : تَأْتِي الْمَلَائِكَة فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , وَيَأْتِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا شَاءَ . 3205 - وَقَدْ حُدِّثْت هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام

وَالْمَلَائِكَة } الْآيَة . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ : وَهِيَ فِي بَعْض الْقِرَاءَة : " هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه وَالْمَلَائِكَة فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام " , كَقَوْلِهِ : { وَيَوْم تَشَقَّقَ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة تَنْزِيلًا } 25 25 وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة " بِالْخَفْضِ عَطْفًا بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى الظُّلَل ; بِمَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَفِي الْمَلَائِكَة . وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة " ظُلَل " , فَقَرَأَهَا بَعْضهمْ : " فِي ظُلَل " , وَبَعْضهمْ : " فِي ظِلَال " . فَمَنْ قَرَأَهَا " فِي ظُلَل " , فَإِنَّهُ وَجَّهَهَا إلَى أَنَّهَا جَمْع ظِلّ , وَالظُّلَّة تُجْمَع ظُلَل وَظِلَال , كَمَا تُجْمَع الْخُلَّة خُلَل وَخِلَال , وَالْجُلَّة جُلَل وَجِلَال . وَأَمَّا الَّذِي قَرَأَهَا فِي ظِلَال فَإِنَّهُ جَعَلَهَا جَمْع ظُلَّة , كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَمْعهمْ الْخُلَّة خِلَال . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَارِئُهُ كَذَلِكَ وَجْهه إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَمْع ظِلّ , لِأَنَّ الظُّلَّة وَالظِّلّ قَدْ يُجْمَعَانِ جَمِيعًا ظِلَالًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } لِخَبَرٍ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ مِنْ الْغَمَام طَاقَات يَأْتِي اللَّه فِيهَا مَحْفُوفًا " فَدَلَّ بِقَوْلِهِ طَاقَات عَلَى أَنَّهَا ظُلَل لَا ظِلَال , لِأَنَّ وَاحِد الظُّلَل ظُلَّة , وَهِيَ الطَّاق . وَاتِّبَاعًا لِخَطِّ الْمُصْحَف . وَكَذَلِكَ الْوَاجِب فِي كُلّ مَا اتَّفَقَتْ مَعَانِيه وَاخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته الْقُرَّاء وَلَمْ يَكُنْ عَلَى إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ دَلَالَة تَنْفَصِل بِهَا مِنْ الْأُخْرَى غَيْر اخْتِلَاف خَطّ الْمُصْحَف , فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تُؤْثَر قِرَاءَته مِنْهَا مَا وَافَقَ رَسْم الْمُصْحَف . وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي : { وَالْمَلَائِكَة } فَالصَّوَاب بِالرَّفْعِ عَطْفًا بِهَا عَلَى اسْم اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مَعْنَى : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , وَإِلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة ; عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه أَنَّ الْمَلَائِكَة تَأْتِيهِمْ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَاءَ رَبّك وَالْمَلَك صَفًّا صَفًّا } 89 22 وَقَالَ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة أَوْ يَأْتِي رَبّك أَوْ يَأْتِي بَعْض آيَات رَبّك } 6 158 فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى امْرِئٍ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَالْمَلَك صَفًّا صَفًّا } فَظَنَّ أَنَّهُ مُخَالِف مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْله { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة } إذْ كَانَ قَوْله " وَالْمَلَائِكَة " فِي هَذِهِ الْآيَة بِلَفْظِ جَمْع , وَفِي الْأُخْرَى بِلَفْظِ الْوَاحِد . فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأ مِنْ الظَّانّ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَك فِي قَوْله : { وَجَاءَ رَبّك وَالْمَلَك } بِمَعْنَى الْجَمِيع , وَمَعْنَى الْمَلَائِكَة , وَالْعَرَب تَذْكُر الْوَاحِد بِمَعْنَى الْجَمِيع , فَتَقُول : فُلَان كَثِير الدِّرْهَم وَالدِّينَار , يُرَاد بِهِ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير , وَهَلَكَ الْبَعِير وَالشَّاة بِمَعْنَى جَمَاعَة الْإِبِل وَالشَّاء , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَالْمَلَك } بِمَعْنَى الْمَلَائِكَة . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { ظُلَل مِنْ الْغَمَام } وَهَلْ هُوَ مِنْ صِلَة فِعْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , أَوْ مِنْ صِلَة فِعْل الْمَلَائِكَة , وَمِنْ الَّذِي يَأْتِي فِيهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مِنْ صِلَة فِعْل اللَّه , وَمَعْنَاهُ : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , وَأَنْ تَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3206 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } قَالَ : هُوَ غَيْر السَّحَاب لَمْ يَكُنْ إلَّا لِبَنِي إسْرَائِيل فِي تِيههمْ حِين تَاهُوا , وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي اللَّه فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة . 3207 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } قَالَ : يَأْتِيهِمْ اللَّه وَتَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة عِنْد الْمَوْت . 3208 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } قَالَ : طَاقَات مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة حَوْله . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ وَقَالَ غَيْره : وَالْمَلَائِكَة بِالْمَوْتِ . وَقَوْل عِكْرِمَة هَذَا وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ قَوْله فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام مِنْ صِلَة فِعْل الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ ذَكَرْنَاهُ , فَإِنَّهُ لَهُ : مَخَالِف فِي صِفَة الْمَلَائِكَة ; وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِب مِنْ الْقِرَاءَة عَلَى تَأْوِيل قَوْل عِكْرِمَة هَذَا فِي الْمَلَائِكَة الْخَفْض , لِأَنَّهُ تَأَوَّلَ الْآيَة : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَفِي الْمَلَائِكَة , لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَأْتِي فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة حَوْله . هَذَا إنْ كَانَ وَجْه قَوْله وَالْمَلَائِكَة حَوْله , إلَى أَنَّهُمْ حَوْل الْغَمَام , وَجَعَلَ الْهَاء فِي حَوْله مِنْ ذِكْر الْغَمَام ; وَإِنْ كَانَ وَجْه قَوْله : وَالْمَلَائِكَة حَوْله إلَى أَنَّهُمْ حَوْل الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَجَعَلَ الْهَاء فِي حَوْله مِنْ ذِكْر الرَّبّ عَزَّ جَلَّ , فَقَوْله نَظِير قَوْل الْآخَرِينَ الَّذِينَ قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ غَيْر مُخَالِفهمْ فِي ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله { فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } مِنْ صِلَة فِعْل الْمَلَائِكَة , وَإِنَّمَا تَأْتِي الْمَلَائِكَة فِيهَا , وَأَمَّا الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيمَا شَاءَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 3209 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة } . . . الْآيَة , قَالَ : ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة , تَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام . قَالَ : الْمَلَائِكَة يَجِيئُونَ فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , وَالرَّبّ تَعَالَى يَجِيء فِيمَا شَاءَ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ تَأْوِيل مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام } إلَى أَنَّهُ مِنْ صِلَة فِعْل الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , وَتَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة . كَمَا : 3210 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن الْمُخْتَار , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ زَمْعَة بْن صَالِح عَنْ سَلَمَة بْن وَهْرَام , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إنَّ مِنْ الْغَمَام طَاقَات يَأْتِي اللَّه فِيهَا مَحْفُوفًا " وَذَلِكَ قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة وَقُضِيَ الْأَمْر } وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ } فَإِنَّهُ مَا يَنْظُرُونَ , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِعِلَلِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا قَبْل . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي صِفَة إتْيَان الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ : لَا صِفَة لِذَلِك غَيْر الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَجِيء وَالْإِتْيَان وَالنُّزُول , وَغَيْر جَائِز تَكَلُّف الْقَوْل فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا بِخَبَرٍ مِنْ اللَّه جَلَّ جَلَاله , أَوْ مِنْ رَسُول مُرْسَل . فَأَمَّا الْقَوْل فِي صِفَات اللَّه وَأَسْمَائِهِ , فَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ مِنْ جِهَة الِاسْتِخْرَاج إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : إتْيَانه عَزَّ وَجَلَّ نَظِير مَا يُعْرَف مِنْ مَجِيء الْجَائِي مِنْ مَوْضِع إلَى مَوْضِع وَانْتِقَاله مِنْ مَكَان إلَى مَكَان . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه } يَعْنِي بِهِ : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ أَمْر اللَّه , كَمَا يُقَال : قَدْ خَشِينَا أَنْ يَأْتِينَا بَنُو أُمَيَّة , يُرَاد بِهِ حُكْمهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ ثَوَابه وَحِسَابه وَعَذَابه , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار } 34 33 وَكَمَا يُقَال : قَطَعَ الْوَالِي اللِّصّ أَوْ ضَرَبَهُ , وَإِنَّمَا قَطَعَهُ أَعْوَانه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَمَام فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا قَبْل فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرِيره , لِأَنَّ مَعْنَاهُ هَهُنَا هُوَ مَعْنَاهُ هُنَالِكَ . فَمَعْنَى الْكَلَام إذَا : هَلْ يَنْظُر التَّارِكُونَ الدُّخُول فِي السِّلْم كَافَّة وَالْمُتَّبِعُونَ خُطُوَات الشَّيْطَان إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , فَيَقْضِي فِي أَمْرهمْ مَا هُوَ قَاضٍ . 3211 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيَّ , عَنْ إسْمَاعِيل بْن رَافِع الْمَدِينِيّ , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تُوقَفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا يَوْم الْقِيَامَة مِقْدَار سَبْعِينَ عَامًا لَا يُنْظَر إلَيْكُمْ وَلَا يُقْضَى بَيْنكُمْ , قَدْ حُصِرَ لَكُمْ فَتَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِع الدَّمْع , ثُمَّ تَدْمَعُونَ دَمًا , وَتَبْكُونَ حَتَّى يَبْلُغ ذَلِكَ مِنْكُمْ الْأَذْقَان , أَوْ يُلْجِمكُمْ فَتَصِيحُونَ , ثُمَّ تَقُولُونَ : مَنْ يَشْفَع لَنَا إلَى رَبّنَا فَيَقْضِي بَيْننَا ؟ فَيَقُولُونَ مَنْ أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْ أَبِيكُمْ آدَم ؟ جَبَلَ اللَّه تُرْبَته , وَخَلَقَهُ بِيَدِهِ , وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه , وَكَلَّمَهُ قِبَلًا , فَيُؤْتَى آدَم , فَيَطْلُب ذَلِكَ اللَّه , فَيَأْبَى , ثُمَّ يَسْتَقْرِئُونَ الْأَنْبِيَاء نَبِيًّا نَبِيًّا , كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا أَبَى " , قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حَتَّى يَأْتُونِي , فَإِذَا جَاءُونِي خَرَجْت حَتَّى آتِي الْفَحْص " , قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَا رَسُول اللَّه : وَمَا الْفَحْص ؟ قَالَ : " قُدَّام الْعَرْش , فَأَخِرّ سَاجِدًا , فَلَا أَزَال سَاجِدًا حَتَّى يَبْعَث اللَّه إلَيَّ مَلَكًا , فَيَأْخُذ بِعَضُدِي فَيَرْفَعنِي , ثُمَّ يَقُول اللَّه لِي : يَا مُحَمَّد ! فَأَقُول : نَعَمْ وَهُوَ أَعْلَم , فَيَقُول : مَا شَأْنك ؟ فَأَقُول : يَا رَبّ وَعَدْتنِي الشَّفَاعَة , فَشَفِّعْنِي فِي خَلْقك فَاقْضِ بَيْنهمْ ! فَيَقُول : قَدْ شَفَّعْتُك , أَنَا آتِيكُمْ فَأَقْضِي بَيْنكُمْ " . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَأَنْصَرِف حَتَّى أَقِف مَعَ النَّاس , فَبَيْنَا نَحْنُ وُقُوف سَمِعْنَا حِسًّا مِنْ السَّمَاء شَدِيدًا , فَهَالَنَا , فَنَزَلَ أَهْل السَّمَاء الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْأَرْض أَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِهِنَّ , وَأَخَذُوا مَصَافّهمْ , فَقُلْنَا لَهُمْ : أَفِيكُمْ رَبّنَا ؟ قَالُوا : لَا وَهُوَ آتٍ ثُمَّ نَزَلَ أَهْل السَّمَاء الثَّانِيَة بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِيهَا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْأَرْض أَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِهِمْ , وَأَخَذُوا مَصَافّهمْ , فَقُلْنَا لَهُمْ : أَفِيكُمْ رَبّنَا ؟ قَالُوا : لَا وَهُوَ آتٍ . ثُمَّ نَزَلَ أَهْل السَّمَاء الثَّالِثَة بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنْ الْمَلَائِكَة , وَبِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْض مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْأَرْض أَشْرَقَتْ الْأَرْض بِنُورِهِمْ , وَأَخَذُوا مَصَافّهمْ , فَقُلْنَا لَهُمْ : أَفِيكُمْ رَبّنَا ؟ قَالُوا : لَا وَهُوَ آتٍ , ثُمَّ نَزَلَ أَهْل السَّمَوَات عَلَى عَدَد ذَلِكَ مِنْ التَّضْعِيف حَتَّى نَزَلَ الْجَبَّار فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة وَلَهُمْ زَجَل مِنْ تَسْبِيحهمْ يَقُولُونَ : سُبْحَان ذِي الْمُلْك وَالْمَلَكُوت , سُبْحَان رَبّ الْعَرْش ذِي الْجَبَرُوت , سُبْحَان الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , سُبْحَان الَّذِي يُمِيت الْخَلَائِق وَلَا يَمُوت , سَبُّوح قُدُّوس , رَبّ الْمَلَائِكَة وَالرُّوح , قُدُّوس قُدُّوس , سُبْحَان رَبّنَا الْأَعْلَى , سُبْحَان ذِي السُّلْطَان وَالْعَظَمَة , سُبْحَانه أَبَدًا أَبَدًا , فَيَنْزِل تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَحْمِل عَرْشه يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة , وَهُمْ الْيَوْم أَرْبَعًا , أَقْدَامهمْ عَلَى تُخُوم الْأَرْض السُّفْلَى وَالسَّمَوَات إلَى حُجَزهمْ , وَالْعَرْش عَلَى مَنَاكِبهمْ , فَوَضَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَرْشه حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْأَرْض . ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ نِدَاء يُسْمِع الْخَلَائِق , فَيَقُول : يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إنِّي قَدْ أَنَصَتّ مُنْذُ يَوْم خَلَقْتُكُمْ إلَى يَوْمكُمْ هَذَا , أَسْمَع كَلَامكُمْ , وَأُبْصِر أَعْمَالكُمْ , فَأَنْصِتُوا إلَيَّ , فَإِنَّمَا هُوَ صُحُفكُمْ وَأَعْمَالكُمْ تُقْرَأ عَلَيْكُمْ , فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّه , وَمِنْ وَجَدَ غَيْر ذَلِكَ فَلَا يَلُومَن إلَّا نَفْسه , فَيَقْضِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَيْن خَلْقه الْجِنّ وَالْإِنْس وَالْبَهَائِم , فَإِنَّهُ لَيُقْتَصّ يَوْمئِذٍ لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَات الْقَرْن " . وَهَذَا الْخَبَر يَدُلّ عَلَى خَطَأ قَوْل قَتَادَة فِي تَأْوِيله قَوْله : { وَالْمَلَائِكَة } أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ : الْمَلَائِكَة تَأْتِيهِمْ عِنْد الْمَوْت , لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّهُمْ يَأْتُونَهُمْ بَعْد قِيَام السَّاعَة فِي مَوْقِف الْحِسَاب حِين تَشَقَّقَ السَّمَاء . وَبِمِثْلِ ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِذِكْرِهِمْ وَذِكْر مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ . وَيُوَضِّح أَيْضًا صِحَّة مَا اخْتَرْنَا فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَالْمَلَائِكَة } بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى : وَتَأْتِيهِمْ الْمَلَائِكَة , وَيُبَيِّن عَنْ خَطَأ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْخَفْضِ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَلَائِكَة تَأْتِي أَهْل الْقِيَامَة فِي مَوْقِفهمْ حِين تُفْطَر السَّمَاء قَبْل أَنْ يَأْتِيهِمْ رَبّهمْ فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , إلَّا أَنْ يَكُون قَارِئ ذَلِكَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ ذَلِكَ : إلَّا أَنْ يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام , وَفِي الْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَأْتُونَ أَهْل الْمَوْقِف حِين يَأْتِيهِمْ اللَّه فِي ظُلَل مِنْ الْغَمَام فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ التَّأْوِيل وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ قَوْل أَهْل الْعِلْم وَدَلَالَة الْكِتَاب وَآثَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُضِيَ الْأَمْر وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : وَفُصِلَ الْقَضَاء بِالْعَدْلِ بَيْن الْخَلْق , عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْل عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَخَذَ الْحَقّ لِكُلِّ مَظْلُوم مِنْ كُلّ ظَالِم , حَتَّى الْقِصَاص لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاء مِنْ الْبَهَائِم " . وَأَمَّا قَوْله : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَإِلَى اللَّه يَئُول الْقَضَاء بَيْن خَلْقه يَوْم الْقِيَامَة وَالْحُكْم بَيْنهمْ فِي أُمُورهمْ الَّتِي جَرَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ ظُلْم بَعْضهمْ بَعْضًا , وَاعْتِدَاء الْمُعْتَدِي مِنْهُمْ حُدُود اللَّه , وَخِلَاف أَمْره , وَإِحْسَان الْمُحْسِن مِنْهُمْ , وَطَاعَته إيَّاهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ , فَيَفْصِل بَيْن الْمُتَظَالِمَيْنِ , وَيُجَازِي أَهْل الْإِحْسَان بِالْإِحْسَانِ , وَأَهْل الْإِسَاءَة بِمَا رَأَى , وَيَتَفَضَّل عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ كَافِرًا فَيَعْفُو ; وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِلَى اللَّه تُرْجَع الْأُمُور } وَإِنْ كانت أمور الدنيا كلها والآخرة مَنْ عنده مبدؤها وإليه مصيرها , إذ كان خلقه في الدُّنْيَا يَتَظَالَمُونَ , وَيَلِي

النَّظَر بَيْنهمْ أَحْيَانًا فِي الدُّنْيَا بَعْض خَلْقه , فَيَحْكُم بَيْنهمْ بَعْض عَبِيده , فَيَجُور بَعْض , وَيَعْدِل بَعْض , وَيُصِيب وَاحِد , وَيُخْطِئ وَاحِد , وَيُمْكِن مِنْ تَنْفِيذ الْحُكْم عَلَى بَعْض , وَيُتَعَذَّر ذَلِكَ عَلَى بَعْض لِمَنَعَةِ جَانِبه وَغَلَبَته بِالْقُوَّةِ . فَأَعْلَمَ عِبَاده تَعَالَى ذِكْره أَنَّ مَرْجِع جَمِيع ذَلِكَ إلَيْهِ فِي مَوْقِف الْقِيَامَة , فَيُنْصِف كُلًّا مِنْ كُلّ , وَيُجَازِي حَقّ الْجَزَاء كُلًّا , حَيْثُ لَا ظُلْم وَلَا مُمْتَنِع مِنْ نُفُوذ حُكْمه عَلَيْهِ , وَحَيْثُ يَسْتَوِي الضَّعِيف وَالْقَوِيّ , وَالْفَقِير وَالْغَنِيّ , وَيَضْمَحِلّ الظُّلْم وَيَنْزِل سُلْطَان الْعَدْل . وَإِنَّمَا أَدْخَلَ جَلَّ وَعَزَّ الْأَلِف وَاللَّام فِي الْأُمُور لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنَى بِهَا جَمِيع الْأُمُور , وَلَمْ يَعْنِ بِهَا بَعْضًا دُون بَعْض , فَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى قَوْل الْقَائِل : يُعْجِبنِي الْعَسَل , وَالْبَغْل أَقْوَى مِنْ الْحِمَار , فَيُدْخِل فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام , لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِد بِهِ قَصْد بَعْض دُون بَعْض , إنَّمَا يُرَاد بِهِ الْعُمُوم وَالْجَمْع .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8الصفحة 9الصفحة 10