الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8الصفحة 9الصفحة 10
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَسورة البقرة الآية رقم 151
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ } / يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلّ ثَنَاؤُهُ : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا } وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِبَيَانِ شَرَائِع مِلَّتكُمْ الْحَنِيفِيَّة ,

وَأُهْدِيكُمْ لِدِينِ خَلِيلِي إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام , وَأَجْعَل لَكُمْ دَعْوَته الَّتِي دَعَانِي بِهَا وَمَسْأَلَته الَّتِي سَأَلَنِيهَا فَقَالَ : { رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك وَأَرِنَا مَنَاسِكنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّك أَنْت التَّوَّاب الرَّحِيم } 2 128 كَمَا جَعَلْت لَكُمْ دَعْوَته الَّتِي دَعَانِي بِهَا وَمَسْأَلَته الَّتِي سَأَلَنِيهَا , فَقَالَ : { رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتك وَيُعَلِّمهُمْ الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَيُزَكِّيهِمْ إنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم } 2 129 فَابْتَعَثْت مِنْكُمْ رَسُولِي الَّذِي سَأَلَنِي إبْرَاهِيم خَلِيلِي وَابْنه إسْمَاعِيل أَنْ أَبْعَثهُ مِنْ ذُرِّيَّتهمَا . ف " كَمَا " إذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَام صِلَة لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } وَلَا يَكُون قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ } مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } . وَقَدْ قَالَ قَوْم : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : فَاذْكُرُونِي كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ أَذْكُركُمْ . وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , فَأَغْرَقُوا النَّزْع , وَبَعُدُوا مِنْ الْإِصَابَة , وَحَمَلُوا الْكَلَام عَلَى غَيْر مَعْنَاهُ الْمَعْرُوف وَسِوَى وَجْهه الْمَفْهُوم . وَذَلِكَ أَنَّ الْجَارِي مِنْ الْكَلَام عَلَى أَلْسُن الْعَرَب الْمَفْهُوم فِي خِطَابهمْ بَيْنهمْ إذَا قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ : وَكَمَا أَحْسَنْت إلَيْك يَا فُلَان فَأَحْسِنْ " أَنْ لَا يَشْتَرِطُوا لِلْآخَرِ , لِأَنَّ الْكَاف فِي " كَمَا " شَرْط مَعْنَاهُ : افْعَلْ كَمَا فَعَلْت , فَفِي مَجِيء جَوَاب : { اُذْكُرُونِي } بَعْده وَهُوَ قَوْله : { أَذْكُركُمْ } أَوْضَح دَلِيل عَلَى أَنَّ قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا } مِنْ صِلَة الْفِعْل الَّذِي قَبْله , وَأَنَّ قَوْله : { اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } خَبَر مُبْتَدَأ مُنْقَطِع عَنْ الْأَوَّل , وَأَنَّهُ مِنْ سَبَب قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ } بِمَعْزِلِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض النَّحْوِيِّينَ أَنَّ قَوْله : { فَاذْكُرُونِي } إذَا جَعَلَ قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ } جَوَابًا لَهُ مَعَ قَوْله : { أَذْكُركُمْ } نَظِير الْجَزَاء الَّذِي يُجَاب بِجَوَابَيْنِ , كَقَوْلِ الْقَائِل : إذَا أَتَاك فُلَان فَأْتِهِ تَرْضَهُ , فَيَصِير قَوْله " فَأْتِهِ " و " تَرْضَهُ " جَوَابَيْنِ لِقَوْلِهِ : إذَا أَتَاك , وَكَقَوْلِهِ : إنْ تَأْتِنِي أُحْسِنْ إلَيْك أُكْرِمْك . وَهَذَا الْقَوْل وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا مِنْ الْمَذَاهِب , فَلَيْسَ بِالْأَسْهَلِ الْأَفْصَح فِي كَلَام الْعَرَب . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِكِتَابِ اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَنْ يُوَجَّه إلَيْهِ مِنْ اللُّغَات الْأَفْصَح الْأَعْرَف مِنْ كَلَام الْعَرَب دُون الْأَنْكَر الْأَجْهَل مِنْ مَنْطِقهَا هَذَا مَعَ بُعْد وَجْهه مِنْ الْمَفْهُوم فِي التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : إنَّ قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا } جَوَاب قَوْله : { فَاذْكُرُونِي } . 1914 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , قَالَ : سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح يَقُول فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ } كَمَا فَعَلْت فَاذْكُرُونِي . 1915 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ الْعَرَب , قَالَ لَهُمْ جَلّ ثَنَاؤُهُ : الْزَمُوا أَيّهَا الْعَرَب طَاعَتِي , وَتَوَجَّهُوا إلَى الْقِبْلَة الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهَا , لِتَنْقَطِع حُجَّة الْيَهُود عَنْكُمْ , فَلَا تَكُون لَهُمْ عَلَيْكُمْ حُجَّة , وَلِأُتِمّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَتَهْتَدُوا , كَمَا ابْتَدَأْتُكُمْ بِنِعْمَتِي فَأَرْسَلْت فِيكُمْ رَسُولًا إلَيْكُمْ مِنْكُمْ , وَذَلِكَ الرَّسُول الَّذِي أَرْسَلَهُ إلَيْهِمْ مِنْهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . كَمَا : 1916 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ } يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَأَمَّا قَوْله : { يَتْلُوا عَلَيْكُمْ
آيَاتنَا

} فَإِنَّهُ يَعْنِي آيَات الْقُرْآن ,

وَبِقَوْلِهِ : { وَيُزَكِّيكُمْ }
وَيُطَهِّركُمْ

مِنْ دَنَس الذُّنُوب ,

{ وَيُعَلِّمكُمْ الْكِتَاب } وَهُوَ الْفُرْقَان , يَعْنِي أَنَّهُ يُعَلِّمهُمْ أَحْكَامه , وَيَعْنِي بِالْحِكْمَةِ : السُّنَن وَالْفِقْه فِي الدِّين . وَقَدْ بَيَّنَّا جَمِيع ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل بِشَوَاهِدِهِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَيُعَلِّمكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَيُعَلِّمكُمْ مِنْ أَخْبَار الْأَنْبِيَاء , وَقَصَص الْأُمَم الْخَالِيَة , وَالْخَبَر عَمَّا هُوَ حَادِث وَكَائِن مِنْ الْأُمُور الَّتِي لَمْ تَكُنْ الْعَرَب

تَعْلَمهَا , فَعَلِمُوهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَخْبَرَهُمْ جَلّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ ذَلِكَ كُلّه إنَّمَا يُدْرِكُونَهُ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِسورة البقرة الآية رقم 152
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَاذْكُرُونِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِطَاعَتِكُمْ إيَّايَ فِيمَا آمُركُمْ بِهِ وَفِيمَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ , أَذْكُركُمْ بِرَحْمَتِي إيَّاكُمْ وَمَغْفِرَتِي لَكُمْ . كَمَا : 1917 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن لَهِيعَة , عَنْ عَطَاء بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } قَالَ : اُذْكُرُونِي بِطَاعَتِي , أَذْكُركُمْ بِمَغْفِرَتِي . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الذِّكْر بِالثَّنَاءِ وَالْمَدْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1918 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } إنَّ اللَّه

ذَاكِر مَنْ ذَكَرَهُ , وَزَائِد مَنْ شَكَرَهُ , وَمُعَذِّب مَنْ كَفَرَهُ . 1919 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } قَالَ : لَيْسَ مِنْ عَبْد يَذْكُر اللَّه إلَّا ذَكَرَهُ اللَّه , لَا يَذْكُرهُ مُؤْمِن إلَّا ذَكَرَهُ بِرَحْمَةِ , وَلَا يَذْكُرهُ كَافِر إلَّا ذَكَرَهُ بِعَذَابِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : اُشْكُرُوا لِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِسْلَام وَالْهِدَايَة لِلدِّينِ الَّذِي شَرَعْته

لِأَنْبِيَائِي وَأَصْفِيَائِي { وَلَا تَكْفُرُونِ } يَقُول : وَلَا تَجْحَدُوا إحْسَانِي إلَيْكُمْ , فَأَسْلُبكُمْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , وَلَكِنْ اُشْكُرُوا لِي عَلَيْهَا , وَأَزِيدكُمْ فَأُتَمِّم نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ , وَأَهْدِيكُمْ لِمَا هَدَيْت لَهُ مَنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ عِبَادِي , فَإِنِّي وَعَدْت خَلْقِي أَنَّ مَنْ شَكَرَ لِي زِدْته , وَمَنْ كَفَرَنِي حَرَمْته وَسَلَبْته مَا أَعْطَيْته . وَالْعَرَب تَقُول : نَصَحْت لَك وَشَكَرْت لَك , وَلَا تَكَاد تَقُول نَصَحْتُك , وَرُبَّمَا قَالَتْ شَكَرْتُك وَنَصَحْتُك , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : هُمْ جَمَعُوا بُؤْسَى وَنُعْمَى عَلَيْكُمْ فَهَلَّا شَكَرْت الْقَوْم إنْ لَمْ تُقَاتِل وَقَالَ النَّابِغَة فِي " نَصَحْتُك " : نَصَحْت بَنِي عَوْف يَتَقَبَّلُوا رَسُولِي وَلَمْ تَنْجَح لَدَيْهِمْ وَسَائِلِي وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشُّكْر : الثَّنَاء عَلَى الرَّجُل بِأَفْعَالِهِ الْمَحْمُودَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكُفْر تَغْطِيَة الشَّيْء , فِيمَا مَضَى قَبْل فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته هَهُنَا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَسورة البقرة الآية رقم 153
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَاذْكُرُونِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِطَاعَتِكُمْ إيَّايَ فِيمَا آمُركُمْ بِهِ وَفِيمَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ , أَذْكُركُمْ بِرَحْمَتِي إيَّاكُمْ وَمَغْفِرَتِي لَكُمْ . كَمَا : 1917 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن لَهِيعَة , عَنْ عَطَاء بْن دِينَار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } قَالَ : اُذْكُرُونِي بِطَاعَتِي , أَذْكُركُمْ بِمَغْفِرَتِي . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الذِّكْر بِالثَّنَاءِ وَالْمَدْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1918 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } إنَّ اللَّه

ذَاكِر مَنْ ذَكَرَهُ , وَزَائِد مَنْ شَكَرَهُ , وَمُعَذِّب مَنْ كَفَرَهُ . 1919 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اُذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ } قَالَ : لَيْسَ مِنْ عَبْد يَذْكُر اللَّه إلَّا ذَكَرَهُ اللَّه , لَا يَذْكُرهُ مُؤْمِن إلَّا ذَكَرَهُ بِرَحْمَةِ , وَلَا يَذْكُرهُ كَافِر إلَّا ذَكَرَهُ بِعَذَابِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : اُشْكُرُوا لِي أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْإِسْلَام وَالْهِدَايَة لِلدِّينِ الَّذِي شَرَعْته

لِأَنْبِيَائِي وَأَصْفِيَائِي { وَلَا تَكْفُرُونِ } يَقُول : وَلَا تَجْحَدُوا إحْسَانِي إلَيْكُمْ , فَأَسْلُبكُمْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ , وَلَكِنْ اُشْكُرُوا لِي عَلَيْهَا , وَأَزِيدكُمْ فَأُتَمِّم نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ , وَأَهْدِيكُمْ لِمَا هَدَيْت لَهُ مَنْ رَضِيت عَنْهُ مِنْ عِبَادِي , فَإِنِّي وَعَدْت خَلْقِي أَنَّ مَنْ شَكَرَ لِي زِدْته , وَمَنْ كَفَرَنِي حَرَمْته وَسَلَبْته مَا أَعْطَيْته . وَالْعَرَب تَقُول : نَصَحْت لَك وَشَكَرْت لَك , وَلَا تَكَاد تَقُول نَصَحْتُك , وَرُبَّمَا قَالَتْ شَكَرْتُك وَنَصَحْتُك , مِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : هُمْ جَمَعُوا بُؤْسَى وَنُعْمَى عَلَيْكُمْ فَهَلَّا شَكَرْت الْقَوْم إنْ لَمْ تُقَاتِل وَقَالَ النَّابِغَة فِي " نَصَحْتُك " : نَصَحْت بَنِي عَوْف يَتَقَبَّلُوا رَسُولِي وَلَمْ تَنْجَح لَدَيْهِمْ وَسَائِلِي وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشُّكْر : الثَّنَاء عَلَى الرَّجُل بِأَفْعَالِهِ الْمَحْمُودَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكُفْر تَغْطِيَة الشَّيْء , فِيمَا مَضَى قَبْل فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته هَهُنَا .
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَسورة البقرة الآية رقم 154
/ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِي فِي جِهَاد عَدُوّكُمْ وَتَرْك مَعَاصِيَّ وَأَدَاء سَائِر فَرَائِضِي عَلَيْكُمْ , وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه هُوَ مَيِّت , فَإِنَّ الْمَيِّت مِنْ خَلْقِي مَنْ سَلَبْته حَيَاته وَأَعْدَمْته حَوَاسّه , فَلَا يَلْتَذّ لَذَّة وَلَا يُدْرِك نَعِيمًا ; فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ وَمِنْ سَائِر خَلْقِي فِي سَبِيلِي أَحْيَاء عِنْدِي فِي حَيَاة وَنَعِيم وَعَيْش هَنِيّ وَرِزْق سَنِيّ , فَرِحِينَ بِمَا آتَيْتهمْ مِنْ فَضْلِي وَحَبْوَتهمْ بِهِ مِنْ كَرَامَتِي . كَمَا : 1922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } 3 169 مِنْ ثَمَر الْجَنَّة وَيَجِدُونَ رِيحهَا وَلَيْسُوا فِيهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1923 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ } كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ أَرْوَاح الشُّهَدَاء تَعَارَف فِي طَيْر بِيض يَأْكُلْنَ مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , وَأَنَّ مَسَاكِنهمْ سِدْرَة الْمُنْتَهَى , وَأَنَّ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللَّه ثَلَاث خِصَال مِنْ الْخَيْر : مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيل اللَّه مِنْهُمْ صَارَ حَيًّا مَرْزُوقًا , وَمَنْ غُلِبَ آتَاهُ اللَّه أَجْرًا عَظِيمًا , وَمَنْ مَاتَ رَزَقَهُ اللَّه رِزْقًا حَسَنًا . 1924 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء } قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي صُوَر طَيْر بِيض . 1925 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء } فِي صُوَر طَيْر خُضْر يَطِيرُونَ فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءُوا مِنْهَا يَأْكُلُونَ مِنْ حَيْثُ شَاءُوا . 1926 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن غِيَاث , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ } قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي طَيْر خُضْر فِي الْجَنَّة فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء } مِنْ خُصُوصِيَّة الْخَبَر عَنْ الْمَقْتُول فِي سَبِيل اللَّه الَّذِي لَمْ يَعُمّ بِهِ غَيْره ؟ وَقَدْ عَلِمْت تَظَاهُر الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه أَنَّهُ وَصَفَ حَال الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ بَعْد وَفَاتهمْ , فَأَخْبَرَ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يُفْتَح لَهُمْ مِنْ قُبُورهمْ أَبْوَاب إلَى الْجَنَّة يَشُمُّونَ مِنْهَا رَوْحهَا , وَيَسْتَعْجِلُونَ اللَّه قِيَام السَّاعَة لِيَصِيرُوا إلَى مَسَاكِنهمْ مِنْهَا وَيَجْمَع بَيْنهمْ وَبَيْن أَهَالِيهمْ وَأَوْلَادهمْ فِيهَا , وَعَنْ الْكَافِرِينَ أَنَّهُمْ يُفْتَح لَهُمْ مِنْ قُبُورهمْ أَبْوَاب إلَى النَّار يَنْظُرُونَ إلَيْهَا وَيُصِيبهُمْ مِنْ نَتِنهَا وَمَكْرُوههَا , وَيُسَلِّط عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَى قِيَام السَّاعَة مَنْ يَقْمَعهُمْ فِيهَا , وَيَسْأَلُونَ اللَّه فِيهَا تَأْخِير قِيَام السَّاعَة حَذَارًا مِنْ الْمَصِير إلَى مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ فِيهَا مَعَ أَشْبَاه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار . وَإِذَا كَانَتْ الْأَخْبَار بِذَلِكَ مُتَظَاهِرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا الَّذِي خَصَّ بِهِ الْقَتِيل فِي سَبِيل اللَّه مِمَّا لَمْ يَعُمّ بِهِ سَائِر الْبَشَر غَيْره مِنْ الْحَيَاة وَسَائِر الْكُفَّار وَالْمُؤْمِنِينَ غَيْره أَحْيَاء فِي الْبَرْزَخ , أَمَّا الْكُفَّار فَمُعَذَّبُونَ فِيهِ بِالْمَعِيشَةِ الضَّنْك , وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَمُنَعَّمُونَ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَان وَنَسِيم الْجِنَان ؟ قِيلَ : أَنَّ الَّذِي خَصَّ اللَّه بِهِ الشُّهَدَاء فِي ذَلِكَ وَأَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِخَبَرِهِ عَنْهُمْ تَعَالَى ذِكْره إعْلَامه إيَّاهُمْ أَنَّهُمْ مَرْزُوقُونَ مِنْ مَآكِل الْجَنَّة وَمَطَاعِمهَا فِي بَرْزَخهمْ قَبْل بَعْثهمْ , وَمُنَعَّمُونَ بِاَلَّذِي يُنَعَّم بِهِ دَاخِلُوهَا بَعْد الْبَعْث مِنْ سَائِر الْبَشَر مِنْ لَذِيذ مَطَاعِمهَا الَّذِي لَمْ يُطْعِمهَا اللَّه أَحَدًا غَيْرهمْ فِي بَرْزَخه قَبْل بَعْثه . فَذَلِكَ هُوَ الْفَضِيلَة الَّتِي فَضَّلَهُمْ بِهَا وَخَصَّهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرهمْ , وَالْفَائِدَة الَّتِي أَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله } 3 169 : 170 وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا جَاءَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1927 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان , وَعَبَدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ الْحَارِث بْن فُضَيْل , عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشُّهَدَاء عَلَى بَارِق نَهْر بِبَابِ الْجَنَّة فِي قُبَّة خَضْرَاء " وَقَالَ عَبَدَة : " فِي رَوْضَة خَضْرَاء , يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ مِنْ الْجَنَّة بُكْرَة وَعَشِيًّا " . 1928 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ الْإِفْرِيقِيّ , عَنْ ابْن بَشَّار السُّلَمِيّ - أَوْ أَبِي بَشَّار , شَكَّ أَبُو جَعْفَر - قَالَ : أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي قِبَاب بِيض مِنْ قِبَاب الْجَنَّة فِي كُلّ قُبَّة زَوْجَتَانِ , رِزْقهمْ فِي كُلّ يَوْم طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْس ثَوْر وَحُوت , فَأَمَّا الثَّوْر فَفِيهِ طَعْم كُلّ ثَمَرَة فِي الْجَنَّة , وَأَمَّا الْحُوت فَفِيهِ طَعْم كُلّ شَرَاب فِي الْجَنَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْخَبَر عَمَّا ذَكَرَتْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَفَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِخَبَرِهِ عَنْ الشُّهَدَاء مِنْ النِّعْمَة الَّتِي خَصَّهُمْ بِهَا فِي الْبَرْزَخ غَيْر مَوْجُود فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء } وَإِنَّمَا فِيهِ الْخَبَر عَنْ حَالهمْ أَمْوَات هُمْ أَمْ أَحْيَاء . قِيلَ : إنَّ الْمَقْصُود بِذِكْرِ الْخَبَر عَنْ حَيَاتهمْ إنَّمَا هُوَ الْخَبَر عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ النِّعْمَة , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره لَمَّا كَانَ قَدْ أَنْبَأَ عِبَاده عَمَّا قَدْ خَصَّ بِهِ الشُّهَدَاء فِي قَوْله : { وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ } 3 169 وَعَلِمُوا حَالهمْ بِخَبَرِهِ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْمُرَاد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي قَوْله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَات بَلْ أَحْيَاء } نَهَى خَلْقه عَنْ أَنْ يَقُولُوا لِلشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ مَوْتَى , تَرَكَ إعَادَة ذِكْر مَا قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ خَبَرهمْ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَلَكِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُمْ فَتَعْلَمُوا أَنَّهُمْ أَحْيَاء , وَإِنَّمَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ بِخَبَرِي إيَّاكُمْ بِهِ . وَإِنَّمَا رُفِعَ قَوْله : " أَمْوَات " بِإِضْمَارِ مُكَنَّى عَنْ أَسْمَاء مَنْ يُقْتَل فِي
سَبِيل

اللَّه . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّه هُمْ أَمْوَات . وَلَا يَجُوز النَّصْب فِي الْأَمْوَات , لِأَنَّ الْقَوْل لَا يَعْمَل فِيهِمْ . وَكَذَلِكَ قَوْله : " بَلْ أَحْيَاء " , رُفِعَ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَحْيَاء .
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَسورة البقرة الآية رقم 155
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف وَالْجُوع وَنَقْص مِنْ الْأَمْوَال وَالْأَنْفُس وَالثَّمَرَات وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ } وَهَذَا إخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَتْبَاع رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُبْتَلِيهمْ وَمُمْتَحِنهمْ بِشَدَائِد مِنْ الْأُمُور لِيَعْلَم مَنْ يَتَّبِع الرَّسُول مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ , كَمَا ابْتَلَاهُمْ فَامْتَحَنَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَة مِنْ بَيْت

الْمَقْدِس إلَى الْكَعْبَة , وَكَمَا امْتَحَنَ أَصْفِيَاءَهُ قَبْلهمْ , وَوَعَدَهُمْ ذَلِكَ فِي آيَة أُخْرَى فَقَالَ لَهُمْ : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَل الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب } 2 214 وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْن عَبَّاس وَغَيْره يَقُول . 1929 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف وَالْجَوْع } وَنَحْو هَذَا , قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الدُّنْيَا دَار بَلَاء , وَأَنَّهُ مُبْتَلِيهمْ فِيهَا , وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ وَبَشَّرَهُمْ , فَقَالَ : { وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ } ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ فَعَلَ هَكَذَا بِأَنْبِيَائِهِ وَصَفْوَته لِتَطِيبَ أَنْفُسهمْ , فَقَالَ : { مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا } 2 214 وَمَعْنَى قَوْله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } : ولنختبرنكم . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ أَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاء الِاخْتِبَار فِيمَا مَضَى قَبْل . وَقَوْله : { بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف } يَعْنِي مِنْ الْخَوْف مِنْ الْعَدُوّ وَبِالْجُوعِ , وَهُوَ الْقَحْط . يَقُول : لنختبرنكم بِشَيْءِ مِنْ خَوْف يَنَالكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ وَبِسَنَةِ تُصِيبكُمْ يَنَالكُمْ فِيهَا مَجَاعَة وَشِدَّة وَتَعَذُّر الْمَطَالِب عَلَيْكُمْ فَتَنْقُص لِذَلِكَ أَمْوَالكُمْ , وَحُرُوب تَكُون بَيْنكُمْ وَبَيْن أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْكُفَّار , فَيَنْقُص لَهَا عَدَدكُمْ , وَمَوْت ذَرَارِيّكُمْ وَأَوْلَادكُمْ , وَجُدُوب تَحْدُث , فَتَنْقُص لَهَا ثِمَاركُمْ . كُلّ ذَلِكَ امْتِحَان مِنِّي لَكُمْ وَاخْتِبَار مِنِّي لَكُمْ , فَيَتَبَيَّن صَادِقُوكُمْ فِي إيمَانهمْ مِنْ كَاذِبِيكُمْ فِيهِ , وَيُعْرَف أَهْل الْبَصَائِر فِي دِينهمْ مِنْكُمْ مِنْ أَهْل النِّفَاق فِيهِ وَالشَّكّ وَالِارْتِيَاب . كُلّ ذَلِكَ خِطَاب مِنْهُ لِأَتْبَاعِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه . كَمَا : 1930 - حَدَّثَنِي هَارُونَ بْن إدْرِيس الْكُوفِيّ الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف وَالْجُوع } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنَّمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف } وَلَمْ يَقُلْ " بِأَشْيَاء " لِاخْتِلَافِ أَنْوَاع مَا أَعْلَم عِبَاده أَنَّهُ مُمْتَحِنهمْ بِهِ . فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا وَكَانَتْ " مِنْ " تَدُلّ عَلَى أَنَّ كُلّ نَوْع مِنْهَا مُضْمَر [ فِي ] شَيْء وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف وَبِشَيْءِ مِنْ الْجُوع وَبِشَيْءِ مِنْ نَقْص الْأَمْوَال . اكْتَفَى بِدَلَالَةِ ذِكْر الشَّيْء فِي أَوَّله مِنْ إعَادَته مَعَ كُلّ نَوْع مِنْهَا . فَفَعَلَ تَعَالَى ذِكْره كُلّ ذَلِكَ بِهِمْ وَامْتَحَنَهُمْ بِضُرُوبِ الْمِحَن . كَمَا : 1931 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءِ مِنْ الْخَوْف وَالْجُوع وَنَقْص مِنْ الْأَمْوَال وَالْأَنْفُس وَالثَّمَرَات } قَالَ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ , وَسَيَكُونُ مَا هُوَ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ اللَّه عِنْد ذَلِكَ : { وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد بَشِّرْ الصَّابِرِينَ عَلَى امْتِحَانِي بِمَا أَمْتَحِنهُمْ بِهِ , وَالْحَافِظِينَ أَنْفُسهمْ عَنْ التَّقَدُّم عَلَى نَهْيِي عَمَّا أَنْهَاهُمْ عَنْهُ , وَالْآخِذِينَ أَنْفُسهمْ بِأَدَاءِ مَا أُكَلِّفهُمْ مِنْ فَرَائِضِي مَعَ ابْتِلَائِي إيَّاهُمْ بِمَا ابْتَلَيْتهمْ بِهِ الْقَائِلِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ . فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِأَنْ يَخُصّ بِالْبِشَارَةِ عَلَى مَا يَمْتَحِنهُمْ بِهِ مِنْ الشَّدَائِد أَهْل الصَّبْر الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ . وَأَصْل التَّبْشِير : إخْبَار الرَّجُل الرَّجُلَ الْخَبَر يَسُرّهُ أَوْ يَسُوءهُ لَمْ يَسْبِقهُ بِهِ إلَيْهِ غَيْره .
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَسورة البقرة الآية رقم 156
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّد الصَّابِرِينَ , الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ جَمِيع مَا

بِهِمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنِّي , فَيُقِرُّونَ بِعُبُودِيَّتِي , وَيُوَحِّدُونَنِي بِالرُّبُوبِيَّةِ , وَيُصَدِّقُونَ بِالْمُعَادِ وَالرُّجُوع إلَيَّ فَيَسْتَسْلِمُونَ لِقَضَائِي , وَيَرْجَوْنَ ثَوَابِي وَيَخَافُونَ عِقَابِي , وَيَقُولُونَ عِنْد امْتِحَانِي إيَّاهُمْ بِبَعْضِ مِحَنِي , وَابْتِلَائِي إيَّاهُمْ بِمَا وَعَدْتهمْ أَنْ أَبْتَلِيَهُمْ بِهِ مِنْ الْخَوْف وَالْجُوع وَنَقْص الْأَمْوَال وَالْأَنْفُس وَالثَّمَرَات وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِب الَّتِي أَنَا مُمْتَحِنهمْ بِهَا . إنَّا مَمَالِيك رَبّنَا وَمَعْبُودنَا أَحْيَاء وَنَحْنُ عَبِيده وَإِنَّا إلَيْهِ بَعْد مَمَاتنَا صَائِرُونَ ; تَسْلِيمًا لِقَضَائِي وَرِضَا بِأَحْكَامِي .
أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَسورة البقرة الآية رقم 157
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } هَؤُلَاءِ الصَّابِرُونَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ وَنَعَتَهُمْ عَلَيْهِمْ , يَعْنِي لَهُمْ صَلَوَات يَعْنِي مَغْفِرَة . وَصَلَوَات اللَّه عَلَى عِبَاده : غُفْرَانه لِعِبَادِهِ , كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آل أَبِي أَوْفَى " يَعْنِي اغْفِرْ لَهُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّلَاة وَمَا أَصْلهَا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { وَرَحْمَة } يَعْنِي وَلَهُمْ مَعَ الْمَغْفِرَة الَّتِي بِهَا صَفَحَ عَنْ ذُنُوبهمْ وَتَغَمَّدَهَا رَحْمَة مِنْ اللَّه وَرَأْفَة . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره مَعَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مُعْطِيهمْ عَلَى اصْطِبَارهمْ عَلَى مِحَنه تَسْلِيمًا

مِنْهُمْ لِقَضَائِهِ مِنْ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة أَنَّهُمْ هُمْ الْمُهْتَدُونَ الْمُصِيبُونَ طَرِيق الْحَقّ وَالْقَائِلُونَ مَا يَرْضَى عَنْهُمْ وَالْفَاعِلُونَ مَا اسْتَوْجَبُوا بِهِ مِنْ اللَّه الْجَزِيل مِنْ الثَّوَاب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاهْتِدَاء فِيمَا مَضَى فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الرُّشْد بِالصَّوَابِ . وَبِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1932 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه أَنَّ الْمُؤْمِن إذَا سَلَّمَ الْأَمْر إلَى اللَّه وَرَجَّعَ وَاسْتَرْجَعَ عِنْد الْمُصِيبَة , كُتِبَ لَهُ ثَلَاث خِصَال مِنْ الْخَيْر : الصَّلَاة مِنْ اللَّه , وَالرَّحْمَة , وَتَحْقِيق سَبِيل الْهُدَى . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْد الْمُصِيبَة جَبَرَ اللَّه مُصِيبَته , وَأَحْسَن عُقْبَاهُ , وَجَعَلَ لَهُ خَلَفًا صَالِحًا يَرْضَاهُ " . 1933 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة } يَقُول : الصَّلَوَات وَالرَّحْمَة عَلَى الَّذِينَ صَبَرُوا وَاسْتَرْجَعُوا . 1934 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَا أُعْطِيَ أَحَد مَا أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّة : { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة } وَلَوْ أُعْطِيهَا أَحَد لَأُعْطِيَهَا يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام , أَلَمْ تَسْمَع إلَى قَوْله : { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف } 12 84
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌسورة البقرة الآية رقم 158
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } هَؤُلَاءِ الصَّابِرُونَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ وَنَعَتَهُمْ عَلَيْهِمْ , يَعْنِي لَهُمْ صَلَوَات يَعْنِي مَغْفِرَة . وَصَلَوَات اللَّه عَلَى عِبَاده : غُفْرَانه لِعِبَادِهِ , كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آل أَبِي أَوْفَى " يَعْنِي اغْفِرْ لَهُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّلَاة وَمَا أَصْلهَا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { وَرَحْمَة } يَعْنِي وَلَهُمْ مَعَ الْمَغْفِرَة الَّتِي بِهَا صَفَحَ عَنْ ذُنُوبهمْ وَتَغَمَّدَهَا رَحْمَة مِنْ اللَّه وَرَأْفَة . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره مَعَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مُعْطِيهمْ عَلَى اصْطِبَارهمْ عَلَى مِحَنه تَسْلِيمًا

مِنْهُمْ لِقَضَائِهِ مِنْ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة أَنَّهُمْ هُمْ الْمُهْتَدُونَ الْمُصِيبُونَ طَرِيق الْحَقّ وَالْقَائِلُونَ مَا يَرْضَى عَنْهُمْ وَالْفَاعِلُونَ مَا اسْتَوْجَبُوا بِهِ مِنْ اللَّه الْجَزِيل مِنْ الثَّوَاب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الِاهْتِدَاء فِيمَا مَضَى فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الرُّشْد بِالصَّوَابِ . وَبِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1932 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه أَنَّ الْمُؤْمِن إذَا سَلَّمَ الْأَمْر إلَى اللَّه وَرَجَّعَ وَاسْتَرْجَعَ عِنْد الْمُصِيبَة , كُتِبَ لَهُ ثَلَاث خِصَال مِنْ الْخَيْر : الصَّلَاة مِنْ اللَّه , وَالرَّحْمَة , وَتَحْقِيق سَبِيل الْهُدَى . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْد الْمُصِيبَة جَبَرَ اللَّه مُصِيبَته , وَأَحْسَن عُقْبَاهُ , وَجَعَلَ لَهُ خَلَفًا صَالِحًا يَرْضَاهُ " . 1933 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة } يَقُول : الصَّلَوَات وَالرَّحْمَة عَلَى الَّذِينَ صَبَرُوا وَاسْتَرْجَعُوا . 1934 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : مَا أُعْطِيَ أَحَد مَا أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّة : { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَة قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَات مِنْ رَبّهمْ وَرَحْمَة } وَلَوْ أُعْطِيهَا أَحَد لَأُعْطِيَهَا يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام , أَلَمْ تَسْمَع إلَى قَوْله : { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُف } 12 84

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } وَالصَّفَا : جَمْع صَفَاة , وَهِيَ الصَّخْرَة الْمَلْسَاء , وَمِنْهُ قَوْل الطِّرِمَّاحِ : أَبَى لِي ذُو الْقُوَى وَالطَّوْل أَلَّا يُؤَبِّس حَافِر أَبَدًا صَفَاتِي وَقَدْ قَالُوا إنَّ الصَّفَا وَاحِد , وَأَنَّهُ يُثَنَّى صَفَوَانِ وَيُجْمَع أَصْفَاء وَصُفِيًّا وَصِفِيًّا ; وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِز : كَأَنَّ مَتْنَيْهِ مِنْ النَّفِيّ مَوَاقِع الطَّيْر عَلَى الصُّفِيِّ وَقَالُوا : هُوَ نَظِير عَصَا وَعُصَيّ وَرَحَا وَرُحَيّ وَأَرْحَاء . وَأَمَّا الْمَرْوَة فَإِنَّهَا الْحَصَاة الصَّغِيرَة يُجْمَع قَلِيلهَا مَرْوَات , وَكَثِيرهَا الْمَرْوُ مِثْل تَمْرَة وَتَمَرَات وَتَمْر . قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : وَتَرَى بِالْأَرْضِ خُفًّا زَائِلًا فَإِذَا مَا صَادَفَ الْمَرْو رَضَحَ يَعْنِي بِالْمَرْوِ : الصَّخْر الصِّغَار . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَبِي ذُؤَيْب الْهُذَلِيّ : حَتَّى كَأَنَّ لِلْحَوَادِثِ مَرْوَة بِصَفَا الْمَشْرِق كُلّ يَوْم تُقْرَع وَيُقَال " الْمُشَقَّر " . وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة } فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجَبَلَيْنِ الْمُسَمَّيَيْنِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي حَرَمه دُون سَائِر الصَّفَا وَالْمَرْو ;

وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ فِيهِمَا الْأَلِف وَاللَّام , لِيَعْلَم عِبَاده أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ الْجَبَلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ دُون سَائِر الصَّفَا وَالْمَرْو . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ شَعَائِر اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي مِنْ مَعَالِم اللَّه الَّتِي جَعَلَهَا تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ مَعْلَمًا وَمَشْعَرًا يَعْبُدُونَهُ عِنْدهَا , إمَّا بِالدُّعَاءِ وَإِمَّا بِالذِّكْرِ وَإِمَّا بِأَدَاءِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل عِنْدهَا ; وَمِنْهُ قَوْل الْكُمَيْت : نَقْتُلهُمْ جِيلًا فَجِيلًا تَرَاهُمْ شَعَائِر قُرْبَان بِهِمْ يُتَقَرَّب وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي الشَّعَائِر بِمَا : 1935 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } قَالَ : مِنْ الْخَبَر الَّذِي أَخْبَرَكُمْ عَنْهُ * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد مِثْله . فَكَأَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَرَى أَنَّ الشَّعَائِر إنَّمَا هُوَ جَمْع شَعِيرَة مِنْ إشْعَار اللَّه عِبَاده أَمْر الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَمَا عَلَيْهِمْ فِي الطَّوَاف بِهِمَا , فَمَعْنَاهُ إعْلَامهمْ ذَلِكَ ; وَذَلِكَ تَأْوِيل مِنْ الْمَفْهُوم بَعِيد . وَإِنَّمَا أَعْلَمَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ السَّعْي بَيْنهمَا مِنْ مَشَاعِر الْحَجّ الَّتِي سَنَّهَا لَهُمْ , وَأَمَرَ بِهَا خَلِيله إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إذْ سَأَلَهُ أَنْ يُرِيَهُ مَنَاسِكَ الْحَجّ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجه مَخْرَج الْخَبَر , فَإِنَّهُ مُرَاد بِهِ الْأَمْر لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَمَرَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّبَاعِ مِلَّة إبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّة إبْرَاهِيم حَنِيفًا } 16 123 وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره إبْرَاهِيم إمَامًا لِمَنْ بَعْده . فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا أَنَّ الطَّوَاف وَالسَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه وَمِنْ مَنَاسِك الْحَجّ , فَمَعْلُوم أَنَّ إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَمِلَ بِهِ وَسَنَّهُ لِمَنْ بَعْده , وَقَدْ أَمَرَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بِاتِّبَاعِهِ فَعَلَيْهِمْ الْعَمَل بِذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { فَمَنْ حَجّ الْبَيْت } فَمَنْ أَتَاهُ عَائِدًا إلَيْهِ بَعْد بَدْء , وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ أَكْثَر الِاخْتِلَاف إلَى شَيْء فَهُوَ حَاجّ إلَيْهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَأَشْهَد مِنْ عَوْف حُلُولًا كَثِيرَة يَحُجُّونَ بَيْت الزِّبْرِقَان الْمُزَعْفَرَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَحُجُّونَ : يُكْثِرُونَ التَّرَدُّد إلَيْهِ لِسُؤْدُدِهِ وَرِيَاسَته . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْحَاجِّ حَاجّ لِأَنَّهُ يَأْتِي الْبَيْت قَبْل التَّعْرِيف ثُمَّ يَعُود إلَيْهِ لِطَوَافِ يَوْم النَّحْر بَعْد التَّعْرِيف , ثُمَّ يَنْصَرِف عَنْهُ إلَى مِنَى , ثُمَّ يَعُود إلَيْهِ لِطَوَافِ الصَّدْر , فَلِتَكْرَارِهِ الْعَوْد إلَيْهِ مَرَّة بَعْد أُخْرَى قِيلَ لَهُ حَاجّ . وَأَمَّا الْمُعْتَمِر فَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ مُعْتَمِر لِأَنَّهُ إذَا طَافَ بِهِ انْصَرَفَ عَنْهُ بَعْد

زِيَارَته إيَّاهُ . وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَوْ اعْتَمَرَ } أَوْ اعْتَمَرَ الْبَيْت , وَيَعْنِي بِالِاعْتِمَارِ الزِّيَارَة , فَكُلّ قَاصِد لِشَيْءِ فَهُوَ لَهُ مُعْتَمِر وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : لَقَدْ سَمَا ابْن مَعْمَر حِين اعْتَمَرَ مَغْزَى بَعِيدًا مِنْ بَعِيد وَضَبَرْ يَعْنِي بِقَوْلِهِ " حِين اعْتَمَرَ " : حِين قَصَدَهُ وَأَمَّهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } يَقُول : فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا مَأْثَم فِي طَوَافه بِهِمَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا وَجْه هَذَا الْكَلَام , وَقَدْ قُلْت لَنَا إنَّ قَوْله : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } وَإِنْ كَانَ ظَاهِره ظَاهِر الْخَبَر فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمْر بِالطَّوَافِ بِهِمَا ؟ فَكَيْف يَكُون أَمْرًا بِالطَّوَافِ , ثُمَّ يُقَال : لَا جُنَاح عَلَى مَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فِي الطَّوَاف بِهِمَا ؟ وَإِنَّمَا يُوضَع الْجُنَاح عَمَّنْ أَتَى مَا عَلَيْهِ بِإِتْيَانِهِ الْجُنَاح وَالْحَرَج وَالْأَمْر بِالطَّوَافِ بِهِمَا , وَالتَّرْخِيص فِي الطَّوَاف بِهِمَا غَيْر جَائِز اجْتِمَاعهمَا فِي حَال وَاحِدَة ؟

قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إلَيْهِ ذَهَبَ , وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ عِنْد أَقْوَام أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اعْتَمَرَ عُمْرَة الْقَضِيَّة تَخَوَّفَ أَقْوَام كَانُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّة قَبْل الْإِسْلَام لِصَنَمَيْنِ كَانَا عَلَيْهِمَا تَعْظِيمًا مِنْهُمْ لَهُمَا فَقَالُوا : وَكَيْف نَطُوف بِهِمَا , وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ تَعْظِيم الْأَصْنَام وَجَمِيع مَا كَانَ يُعْبَد مِنْ ذَلِكَ مِنْ دُون اللَّه شِرْك ؟ فَفِي طَوَافنَا بِهَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ أَحَد ذَلِكَ , لِأَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّة إنَّمَا كَانَ لِلصَّنَمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا عَلَيْهِمَا , وَقَدْ جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ الْيَوْم وَلَا سَبِيل إلَى تَعْظِيم شَيْء مَعَ اللَّه بِمَعْنَى الْعِبَادَة لَهُ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمْ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } يَعْنِي أَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا , فَتَرَكَ ذِكْر الطَّوَاف بِهِمَا اكْتِفَاء بِذِكْرِهِمَا عَنْهُ . وَإِذْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْد الْمُخَاطَبِينَ بِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ : مِنْ مَعَالِم اللَّه الَّتِي جَعَلَهَا عَلَمًا لِعِبَادِهِ يَعْبُدُونَهُ عِنْدهمَا بِالطَّوَافِ بَيْنهمَا وَيَذْكُرُونَهُ عَلَيْهِمَا وَعِنْدهمَا بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل مِنْ الذِّكْر , فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا يَتَخَوَّفَن الطَّوَاف بِهِمَا , مِنْ أَجْل مَا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَطُوفُونَ بِهِمَا , مِنْ أَجْل الصَّنَمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا عَلَيْهِمَا , فَإِنَّ أَهْل الشِّرْك كَانُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا كُفْرًا , وَأَنْتُمْ تَطُوفُونَ بِهِمَا إيمَانًا وَتَصْدِيقًا لِرَسُولِي وَطَاعَة لِأَمْرِي , فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِي الطَّوَاف بِهِمَا . وَالْجُنَاح : الْإِثْم . كَمَا : 1936 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِ إثْم وَلَكِنْ لَهُ أَجْر . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَة عَنْ السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَتْ بِذَلِكَ : 1937 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ وَثَنًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة عَلَى الصَّفَا يُسَمَّى إسافا , وَوَثَنًا عَلَى الْمَرْوَة يُسَمَّى نَائِلَة ; فَكَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة إذَا طَافُوا بِالْبَيْتِ مَسَحُوا الْوَثَنَيْنِ ; فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَكُسِرَتْ الْأَوْثَان , قَالَ الْمُسْلِمُونَ : إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة إنَّمَا كَانَ يُطَاف بِهِمَا مِنْ أَجْل الْوَثَنَيْنِ , وَلَيْسَ الطَّوَاف بِهِمَا مِنْ الشَّعَائِر . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : إنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِر { فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } 1938 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : كَانَ صَنَم بِالصَّفَا يُدْعَى إسافا , وَوَثَن بِالْمَرْوَةِ يُدْعَى نَائِلَة . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن أَبِي الشَّوَارِب وَزَادَ فِيهِ , قَالَ : فَذَكَّرَ الصَّفَا مِنْ أَجْل الْوَثَن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ , وَأَنَّثَ الْمَرْوَة مِنْ أَجْل الْوَثَن الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مُؤَنَّثًا . 1939 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , وَذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن أَبِي الشَّوَارِب , عَنْ يَزِيد , وَزَادَ فِيهِ قَالَ : فَجَعَلَهُ اللَّه تَطَوُّع خَيْر . 1940 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَاصِم الْأَحْوَل , قَالَ : قُلْت لِأَنَسِ بْن مَالِك : أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ؟ فَقَالَ : نَعَمْ كُنَّا نَكْرَه الطَّوَاف بَيْنهمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِر الْجَاهِلِيَّة حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } * - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل بْن إسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , قَالَ : سَأَلْت أَنَسًا عَنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَقَالَ : كَانَتَا مِنْ مَشَاعِر الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام أَمْسَكُوا عَنْهُمَا , فَنَزَلَتْ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } 1941 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْن الْمُعَلَّم , قَالَ : ثنا سِنَان أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جَابِر الْجُعْفِيّ , عَنْ عَمْرو بْن حَبَشِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَر : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } قَالَ : انْطَلِقْ إلَى ابْن عَبَّاس فَاسْأَلْهُ , فَإِنَّهُ أَعْلَم مَنْ بَقِيَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَأَتَيْته فَسَأَلْته , فَقَالَ : إنَّهُ كَانَ عِنْدهمَا أَصْنَام , فَلَمَّا حُرِّمْنَ أَمْسَكُوا عَنْ الطَّوَاف بَيْنهمَا حَتَّى أُنْزِلَتْ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } 1942 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } وَذَلِكَ أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَأَخْبَرَ اللَّه أَنَّهُمَا مِنْ شَعَائِره , وَالطَّوَاف بَيْنهمَا أَحَبّ إلَيْهِ , فَمَضَتْ السُّنَّة بِالطَّوَافِ بَيْنهمَا . 1943 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } قَالَ : زَعَمَ أَبُو مَالِك عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة شَيَاطِين تَعْزِف اللَّيْل أَجْمَع بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَكَانَتْ بَيْنهمَا آلِهَة , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَظَهَرَ قَالَ الْمُسْلِمُونَ : يَا رَسُول اللَّه لَا نَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَإِنَّهُ شِرْك كُنَّا نَفْعَلهُ فِي الْجَاهِلِيَّة ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } 1944 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } قَالَ : قَالَتْ الْأَنْصَار : إنَّ السَّعْي بَيْن هَذَيْنِ الْحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه . 1945 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة قَدْ وَضَعُوا عَلَى كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَنَمًا يُعَظِّمُونَهُمَا ; فَلَمَّا أَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ كَرِهُوا الطَّوَاف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة لِمَكَانِ الصَّنَمَيْنِ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } وَقَرَأَ : { وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِر اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب } 22 32 وَسَنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَاف بِهِمَا . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , قَالَ قُلْت لِأَنَسِ : الصَّفَا وَالْمَرْوَة أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ أَنْ تَطُوفُوا بِهِمَا مَعَ الْأَصْنَام الَّتِي نُهِيتُمْ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ حَتَّى نَزَلَتْ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَاصِم , قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ مَشَاعِر قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام تَرَكْنَاهُمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره هَذِهِ الْآيَة فِي سَبَب قَوْم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يَسْعَوْنَ بَيْنهمَا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام تَخَوَّفُوا السَّعْي بَيْنهمَا كَمَا كَانُوا يَتَخَوَّفُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1946 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , فَكَانَ حَيّ مِنْ تِهَامَة فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يَسْعَوْنَ بَيْنهمَا , فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه , وَكَانَ مِنْ سُنَّة إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل الطَّوَاف بَيْنهمَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل تِهَامَة لَا يَطُوفُونَ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } 1947 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْث , قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْل , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : حَدَّثَنِي عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , قَالَ : سَأَلْت عَائِشَة فَقُلْت لَهَا : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } ؟ وَقُلْت لِعَائِشَة : وَاَللَّه مَا عَلَى أَحَد جُنَاح أَنْ لَا يَطَّوَّف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة ! فَقَالَتْ عَائِشَة : بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْن أُخْتِي , إنَّ هَذِهِ الْآيَة لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتهَا كَانَتْ لَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا , وَلَكِنَّهَا إنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي الْأَنْصَار كَانُوا قَبْل أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاة الطَّاغِيَة الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ بِالْمُشَلَّلِ وَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لَهَا يَتَحَرَّج أَنْ يَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إنَّا كُنَّا نَتَحَرَّج أَنْ نَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة ; أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } . قَالَتْ عَائِشَة : ثُمَّ قَدْ سَنّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَاف بَيْنهمَا , فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتْرُك الطَّوَاف بَيْنهمَا 1948 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : كَانَ رِجَال مِنْ الْأَنْصَار مِمَّنْ يُهِلّ لِمَنَاة فِي الْجَاهِلِيَّة وَمَنَاة صَنَم بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , قَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه إنَّا كُنَّا لَا نَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة تَعْظِيمًا لِمَنَاة , فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَج أَنْ نَطُوف بِهِمَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } قَالَ عُرْوَة : فَقُلْت لِعَائِشَة : مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطُوف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , قَالَ اللَّه : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ } قَالَتْ : يَا ابْن أُخْتِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } ؟ قَالَ الزُّهْرِيّ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن هِشَام , فَقَالَ : هَذَا الْعِلْم ! قَالَ أَبُو بَكْر : وَلَقَدْ سَمِعْت رِجَالًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُولُونَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه الطَّوَاف بِالْبَيْتِ وَلَمْ يُنْزِل الطَّوَاف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّا كُنَّا نَطُوف فِي الْجَاهِلِيَّة بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَإِنَّ اللَّه قَدْ ذَكَرَ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ , وَلَمْ يَذْكُر الطَّوَاف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَج أَنْ لَا نَطُوف بِهِمَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } الْآيَة كُلّهَا . قَالَ أَبُو بَكْر : فَأَسْمَع أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِيمَنْ طَافَ وَفِيمَنْ لَمْ يَطُفْ . 1949 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل تِهَامَة لَا يَطُوفُونَ بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ جَعَلَ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه , كَمَا جَعَلَ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ مِنْ شَعَائِره . فَأَمَّا قَوْله : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } فَجَائِز أَنْ يَكُون قِيلَ لِكِلَا الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ تَخَوَّفَ بَعْضهمْ الطَّوَاف بِهِمَا مِنْ أَجْل الصَّنَمَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرهمَا الشَّعْبِيّ , وَبَعْضهمْ مِنْ أَجْل مَا كَانَ مِنْ كَرَاهَتهمْ الطَّوَاف بِهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّة عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة . وَأَيّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } الْآيَة , دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِهِ وَضْع الْحَرَج عَمَّنْ طَافَ بِهِمَا , مِنْ أَجْل أَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا كَانَ غَيْر جَائِز بِحَظْرِ اللَّه ذَلِكَ ثُمَّ جَعَلَ الطَّوَاف بِهِمَا رُخْصَة لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع , عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يُحَظِّر ذَلِكَ فِي وَقْت , ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ بِقَوْلِهِ : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } . وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْن أَهْل الْعِلْم عَلَى أَوْجُه ; فَرَأَى بَعْضهمْ أَنَّ تَارِك الطَّوَاف بَيْنهمَا تَارِك مِنْ مَنَاسِك حَجّه مَا لَا يَجْزِيه مِنْهُ غَيْر قَضَائِهِ بِعَيْنِهِ , كَمَا لَا يَجْزِي تَارِك الطَّوَاف الَّذِي هُوَ طَوَاف الْإِفَاضَة إلَّا قَضَاؤُهُ بِعَيْنِهِ , وَقَالُوا : هُمَا طَوَافَانِ أَمَرَ اللَّه بِأَحَدِهِمَا بِالْبَيْتِ , وَالْآخَر بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة . وَرَأَى بَعْضهمْ أَنَّ تَارِك الطَّوَاف بِهِمَا يَجْزِيه مِنْ تَرْكه فِدْيَة , وَرَأَوْا أَنَّ حُكْم الطَّوَاف بِهِمَا حُكْم رَمْي بَعْض الْجَمَرَات , وَالْوُقُوف بِالْمَشْعَرِ , وَطَوَاف الصَّدْر , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِمَّا يَجْزِي تَارِكه مِنْ تَرْكه فِدْيَة وَلَا يَلْزَمهُ الْعَوْد لِقَضَائِهِ بِعَيْنِهِ . وَرَأَى آخَرُونَ أَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا تَطَوُّع , إنْ فَعَلَهُ صَاحِبه كَانَ مُحْسِنًا , وَإِنْ تَرَكَهُ تَارِك لَمْ يَلْزَمهُ بِتَرْكِهِ شَيْء . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . ذِكْر مَنْ قَالَ : إنَّ السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَاجِب وَلَا يَجْزِي مِنْهُ فِدْيَة وَمَنْ تَرَكَهُ فَعَلَيْهِ الْعَوْدَة . 1950 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَعُمْرِي مَا حَجّ مَنْ لَمْ يَسَع بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , لِأَنَّ اللَّه قَالَ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } 1951 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك بْن أَنَس : مَنْ نَسِيَ السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة حَتَّى يَسْتَبْعِد مِنْ مَكَّة فَلْيَرْجِعْ فَلْيَسْعَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاء فَعَلَيْهِ الْعُمْرَة وَالْهَدْي . وَكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُول : عَلَى مَنْ تَرَكَ السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَده الْعَوْد إلَى مَكَّة حَتَّى يَطُوف بَيْنهمَا لَا يَجْزِيه غَيْر ذَلِكَ . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . ذِكْر مَنْ قَالَ : يَجْزِي مِنْهُ دَم وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَوْد لِقَضَائِهِ : قَالَ الثَّوْرِيّ بِمَا : 1952 - حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيّ بْن سَهْل , عَنْ زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء عَنْهُ , وَأَبُو حَنِيفَة , وَأَبُو يُوسُف , وَمُحَمَّد : إنْ عَادَ تَارِك الطَّوَاف بَيْنهمَا لِقَضَائِهِ فَحَسَن , وَإِنْ لَمْ يَعُدْ فَعَلَيْهِ دَم . ذِكْر مَنْ قَالَ : الطَّوَاف بَيْنهمَا تَطَوُّع وَلَا شَيْء عَلَى مَنْ تَرَكَهُ , وَمَنْ كَانَ يَقْرَأ : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا } 1953 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ عَطَاء : لَوْ أَنَّ حَاجًّا أَفَاضَ بَعْدَمَا رَمَى جَمْرَة الْعَقَبَة فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَسْعَ , فَأَصَابَهَا - يَعْنِي امْرَأَته - لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْء , لَا حَجّ وَلَا عُمْرَة ; مِنْ أَجْل قَوْل اللَّه فِي مُصْحَف ابْن مَسْعُود : " فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا " فَعَاوَدْته بَعْد ذَلِكَ , فَقُلْت : إنَّهُ قَدْ تَرَك سُنَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : أَلَا تَسْمَعهُ يَقُول : فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَأَبَى أَنْ يَجْعَل عَلَيْهِ شَيْئًا ؟ 1954 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } الْآيَة , { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا } 1955 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , قَالَ سَمِعْت أَنَسًا يَقُول : الطَّوَاف بَيْنهمَا تَطَوُّع . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَاصِم الْأَحْوَل , قَالَ : قَالَ أَنَس بْن مَالِك : هُمَا تَطَوُّع . 1956 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو : قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد نَحْوه . 1957 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } قَالَ : فَلَمْ يَحْرَج مَنْ لَمْ يَطُفْ بِهِمَا . 1958 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج قَالَ : ثنا أَحْمَد , عَنْ عِيسَى بْن قَيْس , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : هُمَا تَطَوُّع * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , قَالَ : قُلْت لِأَنَسِ بْن مَالِك : السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة تَطَوُّع ؟ قَالَ : تَطَوُّع . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا فَرْض وَاجِب , وَأَنَّ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ الْعَوْد لِقَضَائِهِ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا لِأَنَّهُ لَا يَجْزِيه غَيْر ذَلِكَ , لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَجّ بِالنَّاسِ فَكَانَ مِمَّا عَلَّمَهُمْ مِنْ مَنَاسِك حَجّهمْ الطَّوَاف بِهِمَا . ذِكْر الرِّوَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ : 1959 - حَدَّثَنِي يُوسُف بْن سَلْمَان , قَالَ : ثنا حَاتِم بْن إسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَابِر قَالَ : لَمَّا دَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّفَا فِي حَجّه , قَالَ : " { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّه بِذِكْرِهِ " فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ . 1960 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَحْمُود بْن مَيْمُون أَبُو الْحَسَن , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ ابْن عَطَاء عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه } , فَأَتَى الصَّفَا فَبَدَأَ بِهَا , فَقَامَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى الْمَرْوَة فَقَامَ عَلَيْهَا وَطَافَ وَسَعَى . فَإِذَا كَانَ صَحِيحًا بِإِجْمَاعِ الْجَمِيع مِنْ الْأُمَّة أَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا عَلَى تَعْلِيم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته فِي مَنَاسِكهمْ وَعَمَله فِي حَجّه وَعُمْرَته , وَكَانَ بَيَانه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ جَمَلَ مَا نَصَّ اللَّه فِي كِتَابه وَفَرَضَهُ فِي تَنْزِيله , وَأَمَرَ بِهِ مِمَّا لَمْ يُدْرِك عِلْمه إلَّا بِبَيَانِهِ لَازِمًا الْعَمَل بِهِ أُمَّته كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابنَا " كِتَاب الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " إذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّة فِي وُجُوبه , ثُمَّ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي الطَّوَاف بَيْنهمَا هَلْ هُوَ وَاجِب أَوْ غَيْر وَاجِب ; كَانَ بَيِّنًا وُجُوب فَرْضه عَلَى مَنْ حَجّ أَوْ اعْتَمَرَ لِمَا وَصَفْنَا , وَكَذَلِكَ وُجُوب الْعَوْد لِقَضَاءِ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة , لَمَّا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيمَا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ مَعَ إجْمَاع جَمِيعهمْ , عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا فَعَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَّمَهُ أُمَّته فِي حَجّهمْ وَعُمْرَتهمْ إذْ عَلَّمَهُمْ مَنَاسِك حَجّهمْ , كَمَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَعَلَّمَهُ أُمَّته فِي حَجّهمْ وَعُمْرَتهمْ , إذْ عَلَّمَهُمْ مَنَاسِك حَجّهمْ وَعُمْرَتهمْ , وَأَجْمَع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ لَا تَجْزِي مِنْهُ فِدْيَة وَلَا بَدَل , وَلَا يَجْزِي تَارِكه إلَّا الْعَوْد لِقَضَائِهِ ; كَانَ نَظِيرًا لَهُ الطَّوَاف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة , وَلَا تَجْزِي مِنْهُ فِدْيَة وَلَا جَزَاء , وَلَا يَجْزِي تَارِكه إلَّا الْعَوْد لِقَضَائِهِ , إذْ كَانَا كِلَاهُمَا طَوَافَيْنِ أَحَدهمَا بِالْبَيْتِ وَالْآخَر بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة . وَمَنْ فَرَّقَ بَيْن حُكْمهمَا عُكِسَ عَلَيْهِ الْقَوْل فِيهِ , ثُمَّ سُئِلَ الْبُرْهَان عَلَى التَّفْرِقَة بَيْنهمَا , فَإِنْ اعْتَلَّ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : " فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا " قِيلَ : ذَلِكَ خِلَاف مَا فِي مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ غَيْر جَائِز لِأَحَدِ أَنْ يَزِيد فِي مَصَاحِفهمْ مَا لَيْسَ فِيهَا . وَسَوَاء قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَارِئ , أَوْ قَرَأَ قَارِئ : { ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثهمْ وَلْيُوفُوا نُذُورهمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق } 22 29 فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَطَّوَّفُوا بِهِ . فَإِنْ جَاءَتْ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَيْسَتَا فِي الْمُصْحَف كَانَتْ الْأُخْرَى نَظِيرَتهَا وَإِلَّا كَانَ مُجِيز إحْدَاهُمَا إذَا مَنَعَ الْأُخْرَى مُتَحَكِّمًا , وَالتَّحَكُّم لَا يَعْجِز عَنْهُ أَحَد . وَقَدْ رُوِيَ إنْكَار هَذِهِ الْقِرَاءَة وَأَنْ يَكُون التَّنْزِيل بِهَا عَنْ عَائِشَة . 1961 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِك بْن أَنَس , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْت لِعَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيث السِّنّ : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } فَمَا نَرَى عَلَى أَحَد شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا ؟ فَقَالَتْ عَائِشَة : كَلَا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُول كَانَتْ وَفَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا " , إنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْأَنْصَار كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاة وَكَانَتْ مَنَاة حَذْو قَدِيد , وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة ; فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعَائِر اللَّه فَمَنْ حَجّ الْبَيْت أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّف بِهِمَا } وَقَدْ يَحْتَمِل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّف بِهِمَا } أَنْ تَكُون " لَا " الَّتِي مَعَ " أَنْ " صِلَة فِي الْكَلَام , إذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَهَا جَحْد فِي الْكَلَام قَبْلهَا , وَهُوَ قَوْله : { فَلَا جُنَاح عَلَيْهِ } فَيَكُون نَظِير قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد إذْ أَمَرْتُك } 7 12 بِمَعْنَى مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا كَانَ يَرْضَى رَسُول اللَّه فِعْلهمَا وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْر وَلَا عُمَر وَلَوْ كَانَ رَسْم الْمُصْحَف كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ لِمُحْتَجِّ حُجَّة مَعَ احْتِمَال الْكَلَام مَا وَصَفْنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا عَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته فِي مَنَاسِكهمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , وَلِدَلَالَةِ الْقِيَاس عَلَى صِحَّته , فَكَيْف وَهُوَ خِلَاف رُسُوم مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَمِمَّا لَوْ قَرَأَهُ الْيَوْم قَارِئ كَانَ مُسْتَحِقًّا الْعُقُوبَة لِزِيَادَتِهِ فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلّ مَا لَيْسَ مِنْهُ ؟

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِر عَلِيم } اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا } عَلَى لَفْظ الْمُضِيّ بِالتَّاءِ وَفَتْح الْعَيْن . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَمَنْ يَطَّوَّعْ خَيْرًا } بِالْيَاءِ وَجَزْم الْعَيْن وَتَشْدِيد الطَّاء , بِمَعْنَى : وَمَنْ يَتَطَوَّع .

وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَمَنْ يَتَطَوَّع " . فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة عَلَى مَا وَصَفْنَا اعْتِبَارًا بِاَلَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ قِرَاءَة عَبْد اللَّه سِوَى عَاصِم فَإِنَّهُ وَافَقَ الْمَدَنِيِّينَ , فَشَدَّدُوا الطَّاء طَلَبًا لِإِدْغَامِ التَّاء فِي الطَّاء . وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ مَعْرُوفَة صَحِيحَة مُتَّفَق مَعْنَيَاهُمَا غَيْر مُخْتَلِفَيْنِ , لِأَنَّ الْمَاضِي مِنْ الْفِعْل مَعَ حُرُوف الْجَزَاء بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَل , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ قَارِئ فَمُصِيب . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَة بَعْد قَضَاء حَجَّته الْوَاجِبَة عَلَيْهِ , فَإِنَّ اللَّه شَاكِر لَهُ عَلَى تَطَوُّعه لَهُ بِمَا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ابْتِغَاء وَجْهه فَمُجَازِيه بِهِ , عَلِيم بِمَا قَصَدَ وَأَرَادَ بِتَطَوُّعِي بِمَا تَطَوَّعَ بِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الصَّوَاب فِي مَعْنَى قَوْله : { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا } هُوَ مَا وَصَفْنَا دُون قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ : فَمَنْ تَطَوَّعَ بِالسَّعْيِ وَالطَّوَاف بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة ; لِأَنَّ السَّاعِي بَيْنهمَا لَا يَكُون مُتَطَوِّعًا بِالسَّعْيِ بَيْنهمَا إلَّا فِي حَجّ تَطَوُّع أَوْ عُمْرَة تَطَوُّع لِمَا وَصَفْنَا قَبْل ; وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِالتَّطَوُّعِ بِذَلِكَ التَّطَوُّع بِمَا يَعْمَل ذَلِكَ فِيهِ مِنْ حَجّ أَوْ عُمْرَة . وَأَمَّا الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الطَّوَاف بِهِمَا تَطَوُّع لَا وَاجِب , فَإِنَّ الصَّوَاب أَنْ يَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ عَلَى قَوْلهمْ : فَمَنْ تَطَوَّعَ بِالطَّوَافِ بِهِمَا فَإِنَّ اللَّه شَاكِر ; لِأَنَّ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِر عَلَى قَوْلهمْ الطَّوَاف بِهِمَا إنْ شَاءَ وَتَرَكَ الطَّوَاف , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيلهمْ : فَمَنْ تَطَوَّعَ بِالطَّوَافِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَة , فَإِنَّ اللَّه شَاكِر تَطَوُّعه ذَلِكَ , عَلِيم بِمَا أَرَادَ وَنَوَى الطَّائِف بِهِمَا كَذَلِكَ . كَمَا : 1962 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِر عَلِيم } قَالَ : مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْر لَهُ , تَطَوَّعَ رَسُول اللَّه فَكَانَتْ مِنْ السُّنَن . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَاعْتَمَرَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1963 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّه شَاكِر عَلِيم } مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَاعْتَمَرَ فَإِنَّ اللَّه شَاكِر عَلِيم ; قَالَ : فَالْحَجّ فَرِيضَة , وَالْعُمْرَة تَطَوُّع , لَيْسَتْ الْعُمْرَة وَاجِبَة عَلَى أَحَد مِنْ النَّاس .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَسورة البقرة الآية رقم 159
/ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى } يَقُول : إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات , عُلَمَاء الْيَهُود وَأَحْبَارهَا وَعُلَمَاء النَّصَارَى , لِكِتْمَانِهِمْ النَّاس أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَرْكهمْ اتِّبَاعه , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مِنْ الْبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه مَا بَيَّنَ مِنْ أَمْر نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَبْعَثه وَصِفَته فِي الْكِتَابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , أَنَّ أَهْلهمَا يَجِدُونَ صِفَته فِيهِمَا . وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِالْهُدَى , مَا أَوْضَح لَهُمْ مِنْ أَمْره فِي الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ النَّاس الَّذِي أَنْزَلْنَا فِي كُتُبهمْ مِنْ الْبَيَان مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته وَصِحَّة الْمِلَّة الَّتِي أَرْسَلَتْهُ بِهَا وَحَقِيَتهَا فَلَا يُخْبِرُونَهُمْ بِهِ وَلَا يَعْلَمُونَ مِنْ تَبْيِينِي ذَلِكَ لِلنَّاسِ وَإِيضَاحِي لَهُمْ فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْته إلَى أَنْبِيَائِهِمْ , { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } الْآيَة كَمَا : 1964 -

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر ; وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَا جَمِيعًا : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر , أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : سَأَلَ مُعَاذ بْن جَبَل أَخُو بَنَى سَلَمَة وَسَعْد بْن مُعَاذ أَخُو بَنِي عَبْد الْأَشْهَل وَخَارِجَة بْن زَيْد أَخُو بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج , نَفَرًا مِنْ أَحْبَار يَهُود - قَالَ أَبُو كُرَيْب : عَمَّا فِي التَّوْرَاة , وَقَالَ ابْن حُمَيْد عَنْ بَعْض مَا فِي التَّوْرَاة - فَكَتَمُوهُمْ إيَّاهُ , وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ عَنْهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيهِمْ : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } 1965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1966 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى } قَالَ : كَتَمُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ , فَكَتَمُوهُ حَسَدًا وَبَغْيًا . 1967 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب } أُولَئِكَ أَهْل الْكِتَاب كَتَمُوا الْإِسْلَام وَهُوَ دِين اللَّه , وَكَتَمُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 1968 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب } زَعَمُوا أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود كَانَ لَهُ صَدِيق مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ ثَعْلَبَة بْن غَنَمَةَ , قَالَ لَهُ : هَلْ تَجِدُونَ مُحَمَّدًا عِنْدكُمْ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : مُحَمَّد " الْبَيِّنَات "

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب } بَعْض النَّاس ; لِأَنَّ الْعِلْم بِنُبُوَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَته وَمَبْعَثه لَمْ يَكُنْ إلَّا عِنْد أَهْل الْكِتَاب دُون غَيْرهمْ , وَإِيَّاهُمْ عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب } وَيَعْنِي بِذَلِكَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . وَهَذِهِ الْآيَة وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي خَاصّ مِنْ النَّاس , فَإِنَّهَا مَعْنِيّ بِهَا كُلّ كَاتِم عِلْمًا فَرَضَ اللَّه تَعَالَى بَيَانه لِلنَّاسِ . وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ

: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْم يَعْلَمهُ فَكَتَمَهُ , أُلْجِم يَوْم الْقِيَامَة بِلِجَامِ مِنْ نَار " . وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُول مَا : 1969 - حَدَّثَنَا بِهِ نَصْر بْن عَلِيّ الْجَهْضَمِيّ , قَالَ : ثنا حَاتِم بْن وَرْدَان , قَالَ : ثنا أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قَالَ : لَوْلَا آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه مَا حَدَّثْتُكُمْ . وَتَلَا : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } 1970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم قَالَ : ثنا أَبُو زُرْعَة وَعَبْد اللَّه بْن رَاشِد عَنْ يُونُس قَالَ : قَالَ ابْن شِهَاب , قَالَ ابْن الْمُسَيِّب قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَوْلَا آيَتَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّه فِي كِتَابه مَا حَدَّثْت شَيْئًا : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَات } إلَى آخِر الْآيَة . وَالْآيَة الْأُخْرَى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } 3 178 إلَى آخِر الْآيَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَته وَأَمْر دِينه أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَهُ اللَّه لَهُمْ فِي كُتُبهمْ , يَلْعَنهُمْ بِكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ وَتَرْكهمْ تَبْيِينه لِلنَّاسِ . وَاللَّعْنَة الْفَعْلَة , مِنْ لَعَنَهُ اللَّه بِمَعْنَى : أَقْصَاهُ وَأَبْعَده وَأَسْحَقَهُ . وَأَصْل اللَّعْن : الطَّرْد , كَمَا قَالَ الشَّمَّاخ بْن ضِرَار , وَذَكَرَ مَاء وَرَدَ عَلَيْهِ : ذَعَرْت بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْت عَنْهُ مَقَام الذِّئْب كَالرَّجُلِ اللَّعِين يَعْنِي مَقَام الذِّئْب الطَّرِيد . وَاللَّعِين مِنْ نَعْت الذِّئْب , وَإِنَّمَا أَرَادَ مَقَام الذِّئْب الطَّرِيد وَاللَّعِين كَالرَّجُلِ . فَمَعْنَى الْآيَة إذًا : أُولَئِكَ يُبْعِدهُمْ اللَّه مِنْهُ وَمِنْ رَحْمَته , وَيَسْأَل رَبّهمْ اللَّاعِنُونَ أَنْ يَلْعَنهُمْ ; لِأَنَّ لَعْنَة بَنِي آدَم وَسَائِر خَلْق اللَّه مَا لَعَنُوا أَنْ يَقُولُوا : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ , إذْ كَانَ مَعْنَى اللَّعْن هُوَ مَا

وَصَفْنَا مِنْ الْإِقْصَاء وَالْإِبْعَاد . وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ لَعْنَة اللَّاعِنِينَ هِيَ مَا وَصَفْنَا : مِنْ مَسْأَلَتهمْ رَبّهمْ أَنْ يَلْعَنهُمْ , وَقَوْلهمْ : لَعَنَهُ اللَّه , أَوْ عَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه ; لِأَنَّ : 1971 - مُحَمَّد بْن خَالِد بْن خِدَاش وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم حَدَّثَانِي قَالَا : ثنا إسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } الْبَهَائِم , قَالَ : إذَا أَسْنَتَتْ السَّنَة , قَالَتْ الْبَهَائِم : هَذَا مِنْ أَجْل عُصَاة بَنِي آدَم , لَعَنَ اللَّه عُصَاة بَنِي آدَم ! ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِاللَّاعِنِينَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ دَوَابّ الْأَرْض وَهَوَامّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : تَلْعَنهُمْ دَوَابّ الْأَرْض وَمَا شَاءَ اللَّه مِنْ الْخَنَافِس وَالْعَقَارِب تَقُول : نُمْنَع الْقَطْر بِذُنُوبِهِمْ . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : دَوَابّ الْأَرْض الْعَقَارِب وَالْخَنَافِس يَقُولُونَ : مُنِعْنَا الْقَطْر بِخَطَايَا بَنِي آدَم . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : تَلْعَنهُمْ الْهَوَامّ وَدَوَابّ الْأَرْض تَقُول : أَمْسَكَ الْقَطْر عَنَّا بِخَطَايَا بَنِي آدَم . 1973 - حَدَّثَنَا مُشْرِف بْن أَبَانَ الْخَطَّاب الْبَغْدَادِيّ قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : يَلْعَنهُمْ كُلّ شَيْء حَتَّى الْخَنَافِس وَالْعَقَارِب يَقُولُونَ : مُنِعْنَا الْقَطْر بِذُنُوبِ بَنِي آدَم . 1974 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : اللَّاعِنُونَ الْبَهَائِم . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } الْبَهَائِم تَلْعَن عُصَاة بَنِي آدَم حِين أَمْسَكَ اللَّه عَنْهُمْ بِذُنُوبِ بَنِي آدَم الْمَطَر فَتَخْرُج الْبَهَائِم فَتَلْعَنهُمْ . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُسْلِم بْن خَالِد , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } الْبَهَائِم : الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم , فَتَلْعَن عُصَاة بَنِي آدَم إذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْض . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه الَّذِينَ وَجَّهُوا تَأْوِيل قَوْله : { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } إلَى أَنَّ اللَّاعِنِينَ هُمْ الْخَنَافِس وَالْعَقَارِب وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ هَوَامّ الْأَرْض , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا إذَا جَمَعَتْ مَا كَانَ مِنْ نَوْع الْبَهَائِم وَغَيْر بَنِي آدَم , فَإِنَّمَا تَجْمَعهُ بِغَيْرِ الْيَاء وَالنُّون وَغَيْر الْوَاو وَالنُّون , وَإِنَّمَا تَجْمَعهُ بِالتَّاءِ , وَمَا خَالَفَ مَا ذَكَرْنَا , فَتَقُول اللَّاعِنَات وَنَحْو ذَلِكَ ؟ قِيلَ : الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا وَصَفَتْ شَيْئًا مِنْ الْبَهَائِم أَوْ غَيْرهَا مِمَّا حُكْم جَمْعه أَنْ يَكُون بِالتَّاءِ وَبِغَيْرِ صُورَة جَمْع ذُكْرَان بَنِي آدَم بِمَا هُوَ مِنْ صِفَة الْآدَمِيِّينَ أَنْ يَجْمَعُوهُ جَمْع ذُكُورهمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا } 41 21 فَأَخْرَجَ خِطَابهمْ عَلَى مِثَال خِطَاب بَنِي آدَم إذْ كَلَّمَتْهُمْ وَكَلَّمُوهَا , وَكَمَا قَالَ : { يَا أَيّهَا النَّمْل اُدْخُلُوا مَسَاكِنكُمْ } 27 18 وَكَمَا قَالَ : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ } 12 4 وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1975 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : يَقُول اللَّاعِنُونَ مِنْ مَلَائِكَة اللَّه وَمِنْ الْمُؤْمِنِينَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } الْمَلَائِكَة . 1976 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : اللَّاعِنُونَ مِنْ مَلَائِكَة اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : يَعْنِي بِاللَّاعِنِينَ : كُلّ مَا عَدَا بَنِي آدَم وَالْجِنّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1977 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : قَالَ الْبَرَاء بْن عَازِب : إنَّ الْكَافِر إذَا وُضِعَ فِي قَبْره أَتَتْهُ دَابَّة كَانَ عَيْنَيْهَا قَدْرَانِ مِنْ نُحَاس مَعَهَا عَمُود مِنْ حَدِيد , فَتَضْرِبهُ ضَرْبَة بَيْن كَتِفَيْهِ فَيَصِيح فَلَا يَسْمَع أَحَد صَوْته إلَّا لَعَنَهُ , وَلَا يَبْقَى شَيْء إلَّا سَمِعَ صَوْته , إلَّا الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس . 1978 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ , ثنا إسْحَاق , قَالَ , ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ } قَالَ : الْكَافِر إذَا وُضِعَ فِي حُفْرَته ضُرِبَ ضَرْبَة بِمِطْرَقِ فَيَصِيح صَيْحَة يَسْمَع صَوْته كُلّ شَيْء إلَّا الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس فَلَا يَسْمَع صَيْحَته شَيْء إلَّا لَعَنَهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصِّحَّةِ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : اللَّاعِنُونَ : الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ وَصَفَ الْكُفَّار بِأَنَّ اللَّعْنَة الَّتِي تَحِلّ بِهِمْ إنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } 2 161 فَكَذَلِكَ اللَّعْنَة الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهَا حَالَّة بِالْفَرِيقِ الْآخَر الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ , هِيَ لَعْنَة اللَّه الَّتِي أَخْبَرَ أَنَّ لَعْنَتهمْ حَالَّة بِاَلَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار , وَهُمْ اللَّاعِنُونَ , لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أَهْل كُفْر . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّاعِنِينَ هُمْ الْخَنَافِس وَالْعَقَارِب وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ دَبِيب الْأَرْض وَهَوَامّهَا , فَإِنَّهُ قَوْل لَا تُدْرَك حَقِيقَته إلَّا بِخَبَرِ عَنْ اللَّه أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا تَقُوم بِهِ الْحُجَّة , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَجُوز أَنْ يُقَال إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيمَا قَالُوهُ أَنْ يُقَال : إنَّ الدَّلِيل مِنْ ظَاهِر كِتَاب اللَّه مَوْجُود بِخِلَافِ أَهْل التَّأْوِيل , وَهُوَ مَا وَصَفْنَا . فَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ تَكُون الْبَهَائِم وَسَائِر خَلْق اللَّه تَلْعَن الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه مِنْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَنُبُوَّته , بَعْد عِلْمهمْ بِهِ , وَتَلْعَن مَعَهُمْ جَمِيع الظَّلَمَة , فَغَيْر جَائِز قَطْع الشَّهَادَة فِي أَنَّ اللَّه عَنَى بِاللَّاعِنِينَ الْبَهَائِم وَالْهَوَامّ وَدَبِيب الْأَرْض , إلَّا بِخَبَرِ لِلْعُذْرِ قَاطِع , وَلَا خَبَر بِذَلِكَ وَظَاهِر كِتَاب لِلَّهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ دَالّ عَلَى خِلَافه .
إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة البقرة الآية رقم 160
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوب عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّاب الرَّحِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَاللَّاعِنِينَ يَلْعَنُونَ الْكَاتِمِينَ النَّاس مَا عَلِمُوا مِنْ أَمْر نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَته وَنَعْته فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ , إلَّا مَنْ أَنَابَ مِنْ كِتْمَانه ذَلِكَ مِنْهُمْ وَرَاجَعَ التَّوْبَة بِالْإِيمَانِ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْإِقْرَار بِهِ وَبِنُبُوَّتِهِ , وَتَصْدِيقه فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه وَبَيَان مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كُتُبه الَّتِي أَنْزَلَ إلَى أَنْبِيَائِهِ مِنْ الْأَمْر بِاتِّبَاعِهِ , وَأَصْلَحَ حَال نَفْسه بِالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّه مِنْ صَالِح الْأَعْمَال بِمَا يُرْضِيه عَنْهُ , وَبَيَّنَ الَّذِي عَلِمَ مِنْ وَحْي اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَى أَنْبِيَائِهِ وَعَهِدَ إلَيْهِمْ فِي كُتُبه فَلَمْ يَكْتُمهُ وَأَظْهَرهُ فَلَمْ يَخْفِهِ . فَأُولَئِكَ , يَعْنِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا الَّذِي وَصَفْت مِنْهُمْ , هُمْ الَّذِينَ أَتُوب عَلَيْهِمْ ,

فَأَجْعَلهُمْ مِنْ أَهْل الْإِيَاب إلَى طَاعَتِي وَالْإِنَابَة إلَى مَرْضَاتِي . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَأَنَا التَّوَّاب الرَّحِيم } يَقُول : وَأَنَا الَّذِي أَرْجِع بِقُلُوبِ عَبِيدِي الْمُنْصَرِفَة عَنِّي إلَيَّ , وَالرَّادُّهَا بَعْد إدْبَارهَا عَنْ طَاعَتِي إلَى طَلَب مَحَبَّتِي , وَالرَّحِيم بِالْمُقْبِلِينَ بَعْد إقْبَالهمْ إلَيَّ أَتَغَمَّدهُمْ مِنِّي بِعَفْوِ وَأَصْفَح عَنْ عَظِيم مَا كَانُوا اجْتَرَمُوا فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنهمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِي لَهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف يُتَاب عَلَى مَنْ تَابَ ؟ وَمَا وَجْه قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا فَأُولَئِكَ أَتُوب عَلَيْهِمْ } وَهَلْ يَكُون تَائِب إلَّا وَهُوَ مَتُوب عَلَيْهِ أَوْ مَتُوب عَلَيْهِ إلَّا وَهُوَ تَائِب ؟ قِيلَ : ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُون أَحَدهمَا إلَّا وَالْآخَر مَعَهُ , فَسَوَاء قِيلَ : إلَّا الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ فَتَابُوا , أَوْ قِيلَ : إلَّا الَّذِينَ تَابُوا فَإِنِّي أَتُوب عَلَيْهِمْ ; وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه ذَلِكَ فِيمَا جَاءَ مِنْ الْكَلَام هَذَا الْمَجِيء فِي نَظِيره فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَكَرِهْنَا إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1979 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } يَقُول : أَصْلَحُوا فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه , وَبَيَّنُوا الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ اللَّه , فَلَمْ يَكْتُمُوهُ , وَلَمْ يَجْحَدُوا بِهِ : { أُولَئِكَ أَتُوب عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّاب الرَّحِيم } 1980 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } قَالَ : بَيَّنُوا مَا فِي كِتَاب اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ , وَمَا سَأَلُوهُمْ عَنْهُ مِنْ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا كُلّه فِي يَهُود . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَبَيَّنُوا } إنَّمَا هُوَ : وَبَيَّنُوا التَّوْبَة بِإِخْلَاصِ الْعَمَل . وَدَلِيل ظَاهِر الْكِتَاب وَالتَّنْزِيل بِخِلَافِهِ , لِأَنَّ الْقَوْم إنَّمَا عُوتِبُوا قَبْل هَذِهِ الْآيَة عَلَى كِتْمَانهمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَبَيَّنَهُ فِي كِتَابه فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينه . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُمْ تَعَالَى ذِكْره الَّذِينَ يُبَيِّنُونَ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينه فَيَتُوبُونَ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْجُحُود وَالْكِتْمَان , فَأَخْرَجَهُمْ مِنْ عَذَاب مَنْ يَلْعَنهُ اللَّه وَيَلْعَنهُ اللَّاعِنُونَ . وَلَمْ يَكُنْ الْعِتَاب عَلَى تَرْكهمْ تَبْيِين التَّوْبَة بِإِخْلَاصِ الْعَمَل . وَاَلَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّه مِنْ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْبَيِّنَات وَالْهُدَى مِنْ بَعْد مَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَاب : عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَذَوُوه مِنْ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ أَسْلَمُوا فَحَسُنَ إسْلَامهمْ وَاتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَسورة البقرة الآية رقم 161
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } إنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبُوا بِهِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَسَائِر أَهْل الْمِلَل وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , { وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار } يَعْنِي وَمَاتُوا وَهُمْ عَلَى جُحُودهمْ ذَلِكَ وَتَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة , يَعْنِي : فَأُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه ; يَقُول : أَبْعَدهمْ اللَّه وَأَسْحَقهُمْ مِنْ رَحْمَته , { وَالْمَلَائِكَة } يَعْنِي وَلَعَنَهُمْ الْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعُونَ . وَلَعْنَة الْمَلَائِكَة وَالنَّاس إيَّاهُمْ قَوْلهمْ : عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى اللَّعْنَة فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْف تَكُون عَلَى الَّذِي يَمُوت كَافِرًا بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْنَاف الْأُمَم , وَأَكْثَرهمْ مِمَّنْ لَا يُؤْمِن بِهِ وَيُصَدِّقهُ ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى خِلَاف مَا ذَهَبْت إلَيْهِ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل

ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ خَاصَّة دُون سَائِر الْبَشَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1981 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } يَعْنِي بِالنَّاسِ أَجْمَعِينَ : الْمُؤْمِنِينَ . 1982 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع : { وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } يَعْنِي بِالنَّاسِ أَجْمَعِينَ : الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة يُوقَف عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد الْكَافِر فَيَلْعَنهُ النَّاس كُلّهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1983 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : أَنَّ الْكَافِر يُوقَف يَوْم الْقِيَامَة فَيَلْعَنهُ اللَّه , ثُمَّ تَلْعَنهُ الْمَلَائِكَة , ثُمَّ يَلْعَنهُ النَّاس أَجْمَعُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل كَائِنًا مَنْ كَانَ : لَعَنَ اللَّه الظَّالِم , فَيَلْحَق ذَلِكَ كُلّ كَافِر لِأَنَّهُ مِنْ الظَّلَمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1984 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ } فَإِنَّهُ لَا يَتَلَاعَن اثْنَانِ مُؤْمِنَانِ وَلَا كَافِرَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا : لَعَنَ اللَّه الظَّالِم إلَّا وَجَبَتْ تِلْكَ اللَّعْنَة عَلَى الْكَافِر لِأَنَّهُ ظَالِم , فَكُلّ أَحَد مِنْ الْخَلْق يَلْعَنهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ جَمِيع النَّاس بِمَعْنَى لَعْنهمْ إيَّاهُمْ بِقَوْلِهِمْ : لَعَنَ اللَّه الظَّالِم أَوْ الظَّالِمِينَ , فَإِنَّ كُلّ أَحَد مِنْ بَنِي آدَم لَا يَمْنَع مِنْ قَيْل ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ , وَمِنْ أَيّ أَهْل مِلَّة كَانَ , فَيَدْخُل بِذَلِكَ فِي لَعْنَته كُلّ كَافِر كَائِنًا مَنْ كَانَ وَذَلِكَ بِمَعْنَى مَا قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَمَّنْ شَهِدَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُمْ يَلْعَنُونَهُمْ , فَقَالَ : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهمْ وَيَقُول الْأَشْهَاد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ } 11 18 وَأَمَّا مَا قَالَهُ قَتَادَة مِنْ أَنَّهُ عَنَى بِهِ بَعْض النَّاس , فَقَوْل ظَاهِر التَّنْزِيل بِخِلَافِهِ , وَلَا بُرْهَان عَلَى حَقِيقَته مِنْ خَبَر وَلَا نَظَر . فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنِيّ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَجْل أَنَّ الْكُفَّار لَا يَلْعَنُونَ أَنْفُسهمْ وَلَا أَوْلِيَاءَهُمْ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَلْعَنُونَهُمْ فِي الْآخِرَة , وَمَعْلُوم مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَلْعَنُونَ الظَّلَمَة , وَدَاخِل فِي الظَّلَمَة كُلّ كَافِر بِظُلْمِهِ نَفْسه , وَجُحُوده نِعْمَة رَبّه , وَمُخَالَفَته أَمْره .
خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَسورة البقرة الآية رقم 162
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خَالِدِينَ فِيهَا } إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : مَا الَّذِي نَصَبَ { خَالِدِينَ فِيهَا } ؟ قِيلَ : نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه } : أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعُونَ خَالِدِينَ فِيهَا . وَلِذَلِكَ قَرَأَ ذَلِكَ : " أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعُونَ " مَنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ تَوْجِيهًا مِنْهُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّة , فَغَيْر جَائِزَة الْقِرَاءَة بِهِ لِأَنَّهُ خِلَاف

لِمَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ وَمَا جَاءَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْقِرَاءَة مُسْتَفِيضًا فِيهَا , فَغَيْر جَائِز الِاعْتِرَاض بِالشَّاذِّ مِنْ الْقَوْل عَلَى مَا قَدْ ثَبَتَتْ حُجَّته بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض . وَأَمَّا الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله : { فِيهَا } فَإِنَّهُمَا عَائِدَتَانِ عَلَى اللَّعْنَة , وَالْمُرَاد بِالْكَلَامِ مَا صَارَ إلَيْهِ الْكَافِر بِاللَّعْنَةِ مِنْ اللَّه وَمِنْ مَلَائِكَته وَمِنْ النَّاس وَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهِ بِهَا نَار جَهَنَّم . وَأَجْرَى الْكَلَام عَلَى اللَّعْنَة وَالْمُرَاد بِهَا مَا صَارَ إلَيْهِ الْكَافِر كَمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل . كَمَا : 1985 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : خَالِدِينَ فِي جَهَنَّم فِي اللَّعْنَة .

وَأَمَّا قَوْله : { لَا يُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ دَوَام الْعَذَاب أَبَدًا مِنْ غَيْر تَوْقِيت وَلَا تَخْفِيف , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَار جَهَنَّم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا } 35 36 وَكَمَا قَالَ : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرهَا } 4

56

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ بِمَعْذِرَةِ يَعْتَذِرُونَ . كَمَا : 1986 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ

أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ } يَقُول : لَا يُنْظَرُونَ فَيَعْتَذِرُونَ , كَقَوْلِهِ : { هَذَا يَوْم لَا يَنْطِقُونَ وَلَا يُؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } 77 35 : 36
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُسورة البقرة الآية رقم 163
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْأُلُوهِيَّة وَأَنَّهَا اعْتِبَاد الْخَلْق . فَمَعْنَى قَوْله : { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } وَاَلَّذِي يَسْتَحِقّ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس الطَّاعَة لَهُ , وَيَسْتَوْجِب مِنْكُمْ الْعِبَادَة مَعْبُود وَاحِد وَرَبّ وَاحِد , فَلَا تَعْبُدُوا غَيْره وَلَا تُشْرِكُوا مَعَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ مَنْ تُشْرِكُونَهُ مَعَهُ فِي عِبَادَتكُمْ إيَّاهُ هُوَ خَلْق مِنْ خَلْق إلَهكُمْ مِثْلكُمْ , وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا مِثْل لَهُ وَلَا نَظِير . وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى ذِكْره , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى وَحْدَانِيَّة اللَّه مَعْنَى نَفْي الْأَشْبَاه وَالْأَمْثَال عَنْهُ كَمَا يُقَال : فُلَان وَاحِد النَّاس وَهُوَ وَاحِد قَوْمه , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي النَّاس مِثْل , وَلَا لَهُ فِي قَوْمه شَبِيه وَلَا نَظِير ; فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْل : اللَّه وَاحِد , يَعْنِي بِهِ اللَّه لَا مِثْل لَهُ وَلَا نَظِير . فَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَى صِحَّة تَأْوِيلهمْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل وَاحِد يُفْهَم لَمَعَانٍ أَرْبَعَة , أَحَدهَا : أَنْ يَكُون وَاحِدًا مِنْ جِنْس كَالْإِنْسَانِ الْوَاحِد مِنْ الْإِنْس , وَالْآخَر : أَنْ يَكُون غَيْر مُتَفَرِّق كَالْجُزْءِ الَّذِي لَا يَنْقَسِم , وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ الْمِثْل وَالِاتِّفَاق كَقَوْلِ الْقَائِل : هَذَانِ الشَّيْئَانِ وَاحِد , يُرَاد بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَشَابِهَانِ حَتَّى صَارَا لِاشْتِبَاهِهِمَا فِي الْمَعَانِي كَالشَّيْءِ الْوَاحِد , وَالرَّابِع : أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ نَفْي النَّظِير عَنْهُ وَالشَّبِيه . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَتْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة مِنْ مَعَانِي الْوَاحِد مُنْتَفِيَة عَنْهُ صَحَّ الْمَعْنَى الرَّابِع الَّذِي وَصَفْنَاهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى وَحْدَانِيّته تَعَالَى ذِكْره مَعْنَى انْفِرَاده مِنْ الْأَشْيَاء وَانْفِرَاد الْأَشْيَاء مِنْهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَحْده , لِأَنَّهُ غَيْر دَاخِل فِي شَيْء وَلَا دَاخِل فِيهِ شَيْء . قَالُوا : وَلَا صِحَّة لِقَوْلِ الْقَائِل وَاحِد مِنْ جَمِيع الْأَشْيَاء إلَّا ذَلِكَ . وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة الْمَعَانِي الْأَرْبَعَة الَّتِي قَالَهَا الْآخَرُونَ . وَأَمَّا قَوْله : { لَا إلَه إلَّا هُوَ } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا رَبّ لِلْعَالَمِينَ غَيْره , وَلَا يَسْتَوْجِب عَلَى الْعِبَاد الْعِبَادَة سِوَاهُ , وَأَنَّ كُلّ مَا سِوَاهُ فَهُمْ خَلْقه , وَالْوَاجِب عَلَى جَمِيعهمْ طَاعَته , وَالِانْقِيَاد لِأَمْرِهِ وَتَرْك عِبَادَة مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة وَهَجْر الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , لِأَنَّ جَمِيع ذَلِكَ خَلْقه وَعَلَى جَمِيعهمْ الدَّيْنُونَة لَهُ بالوحدانية وَالْأُلُوهَة , وَلَا تَنْبَغِي الْأُلُوهَة إلَّا لَهُ , إذْ كَانَ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَة فِي الدُّنْيَا فَمِنْهُ دُون مَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ الْأَوْثَان , وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ مِنْ الْأَشْرَاك وَمَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ نِعْمَة فِي الْآخِرَة فَمِنْهُ , وَأَنَّ مَا أَشْرَكُوا مَعَهُ مِنْ الْأَشْرَاك لَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع فِي عَاجِل وَلَا فِي آجِل , وَلَا فِي دُنْيَا , وَلَا فِي آخِرَة . وَهَذَا تَنْبِيه مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَهْل الشِّرْك بِهِ عَلَى ضَلَالهمْ , وَدُعَاء مِنْهُ لَهُمْ إلَى الْأَوْبَة مِنْ كُفْرهمْ , وَالْإِنَابَة مِنْ شِرْكهمْ . ثُمَّ عَرَّفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِالْآيَةِ الَّتِي تَتْلُوهَا مَوْضِع اسْتِدْلَال ذَوِي الْأَلْبَاب مِنْهُمْ عَلَى حَقِيقَة مَا نَبَّهَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيده وَحُجَجه الْوَاضِحَة الْقَاطِعَة عُذْرهمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ إنْ جَهِلْتُمْ أَوْ شَكَكْتُمْ فِي حَقِيقَة مَا أَخْبَرْتُكُمْ مِنْ الْخَبَر مِنْ أَنَّ إلَهكُمْ إلَه وَاحِد دُون مَا تَدَّعُونَ أُلُوهِيَّته مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان , فَتَدَبَّرُوا حُجَجِي وَفَكَّرُوا فِيهَا , فَإِنَّ مِنْ حُجَجِي : خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار , وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَع النَّاس , وَمَا أَنْزَلْت مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء فَأَحْيَيْت بِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا , وَمَا بَثَثْت فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة , وَالسَّحَاب الَّذِي سَخَّرْته بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض . فَإِنْ كَانَ مَا تَعْبُدُونَهُ مِنْ الْأَوْثَان وَالْآلِهَة وَالْأَنْدَاد وَسَائِر مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إذَا اجْتَمَعَ جَمِيعه فَتَظَاهَرَ أَوْ انْفَرَدَ بَعْضه دُون بَعْض يَقْدِر عَلَى أَنْ يَخْلُق نَظِير شَيْء مِنْ خَلْقِي الَّذِي سَمَّيْت لَكُمْ , فَلَكُمْ بِعِبَادَتِكُمْ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِي حِينَئِذٍ عُذْر , وَإِلَّا فَلَا عُذْر لَكُمْ فِي اتِّخَاذ إلَه سِوَايَ , وَلَا إلَه لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ غَيْرِي . فَلْيَتَدَبَّرْ أُولُو الْأَلْبَاب إيجَاز اللَّه احْتِجَاجه عَلَى جَمِيع أَهْل الْكُفْر بِهِ وَالْمُلْحِدِينَ فِي تَوْحِيده فِي هَذِهِ الْآيَة وَفِي الَّتِي بَعْدهَا بِأَوْجَز كَلَام وَأَبْلَغ حُجَّة وَأَلْطَف مَعْنَى يُشْرِف بِهِمْ عَلَى مَعْرِفَة فَضْل حِكْمَة اللَّه وَبَيَانه .
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَسورة البقرة الآية رقم 164
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره هَذِهِ الْآيَة عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : أَنْزَلَهَا عَلَيْهِ احْتِجَاجًا لَهُ عَلَى أَهْل الشِّرْك بِهِ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمَّا أَنْزَلَ عَلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } فَتَلَا ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابه , وَسَمِعَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان قَالَ الْمُشْرِكُونَ : وَمَا الْحُجَّة وَالْبُرْهَان عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَنَحْنُ نُنْكِر ذَلِكَ , وَنَحْنُ نَزْعُم أَنَّ لَنَا آلِهَة كَثِيرَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عِنْد ذَلِكَ : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } احْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ قَالُوا مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1987 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء , قَالَ : نَزَلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ : { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } فَقَالَ كُفَّار قُرَيْش بِمَكَّة : كَيْف يَسَع النَّاسَ إلَهٌ وَاحِدٌ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } إلَى قَوْله : { لَآيَات لِقَوْمِ يَعْقِلُونَ } فَبِهَذَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ إلَه وَاحِد , وَأَنَّهُ إلَه كُلّ شَيْء وَخَالِق كُلّ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل أَنَّ أَهْل الشِّرْك سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ آيَة ] , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة يُعْلِمهُمْ فِيهَا أَنَّ لَهُمْ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَسَائِر مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ آيَة بَيِّنَة عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَأَنَّهُ لَا شَرِيك لَهُ فِي مُلْكه لِمَنْ عَقَلَ وَتَدَبَّرَ ذَلِكَ بِفَهْمِ صَحِيح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1988 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } قَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلْيَأْتِنَا بِآيَةِ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } . . الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ أَبِي الضُّحَى , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد لَا إلَه إلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم } قَالَ الْمُشْرِكُونَ : إنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلْيَأْتِنَا بِآيَةِ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَضّ وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } . . الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا

إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ أَبِي الضُّحَى , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة حَمَلَ الْمُشْرِكُونَ يَعْجَبُونَ وَيَقُولُونَ : تَقُول إلَهكُمْ إلَه وَاحِد , فَلْتَأْتِنَا بِآيَةِ إنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } . . . الْآيَة . 1989 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرِنَا آيَة ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } 1990 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقَمِّيّ عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : سَأَلَتْ قُرَيْش الْيَهُود , فَقَالُوا : حَدِّثُونَا عَمَّا جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ الْآيَات ! فَحَدَّثُوهُمْ بِالْعَصَا وَبِيَدِهِ الْبَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ , وَسَأَلُوا النَّصَارَى عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ عِيسَى مِنْ الْآيَات , فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُ كَانَ يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه . فَقَالَتْ قُرَيْش عِنْد ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اُدْعُ اللَّه أَنْ يَجْعَل لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا فَنَزْدَاد يَقِينًا , وَنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى عَدُوّنَا ! فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبّه , فَأَوْحَى إلَيْهِ : إنِّي مُعْطِيهمْ , فَأَجْعَل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا , وَلَكِنْ إنْ كَذَّبُوا عَذَّبْتهمْ عَذَابًا لَمْ أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَرْنِي وَقَوْمِي فَأَدْعُوهُمْ يَوْمًا بِيَوْمِ " فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } الْآيَة , إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لَهُمْ , إنْ كَانُوا إنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ أَجْعَل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا , فَخَلْق اللَّه السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار أَعْظَم مِنْ أَنْ أَجْعَل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا لِيَزْدَادُوا يَقِينًا . 1991 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : غَيِّرْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا إنْ كُنْت صَادِقًا أَنَّهُ مِنْهُ ! فَقَالَ اللَّه : إنَّ فِي هَذِهِ الْآيَات لَآيَات لِقَوْمِ يَعْقِلُونَ . وَقَالَ : قَدْ سَأَلَ الْآيَات قَوْم قَبْلكُمْ , ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبَّهَ عِبَاده عَلَى الدَّلَالَة عَلَى وَحْدَانِيّته وَتَفَرُّده بِالْأُلُوهِيَّةِ دُون كُلّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَشْيَاء بِهَذِهِ الْآيَة . وَجَائِز أَنْ تَكُون نَزَلَتْ فِيمَا قَالَهُ عَطَاء , وَجَائِز أَنْ تَكُون فِيمَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو الضُّحَى , وَلَا خَبَر عِنْدنَا بِتَصْحِيحِ قَوْل أَحَد الْفَرِيقَيْنِ يَقْطَع الْعُذْر فَيَجُوز أَنْ يَقْضِي أَحَد لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِصِحَّةِ قَوْل عَلَى الْآخَر . وَأَيّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ صَحِيحًا فَالْمُرَاد مِنْ الْآيَة مَا قُلْت . { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } إنَّ فِي إنْشَاء السَّمَوَات وَالْأَرْض وَابْتِدَاعهمَا . وَمَعْنَى خَلْق اللَّه الْأَشْيَاء : ابْتِدَاعه وَإِيجَاده إيَّاهَا بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَة . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ " الْأَرْض " وَلَمْ تُجْمَع كَمَا جُمِعَتْ السَّمَوَات , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَهَلْ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض خَلْق هُوَ غَيْرهَا فَيُقَال : إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ قِيلَ : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض النَّاس : لَهَا خَلْق هُوَ غَيْرهَا , وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَة , وَبِاَلَّتِي فِي سُورَة الْكَهْف : { مَا أَشْهَدْتهمْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا خَلْق أَنْفُسهمْ } 18 51 وَقَالُوا : لَمْ يَخْلُق اللَّه شَيْئًا إلَّا وَاَللَّه لَهُ مُرِيد . قَالُوا : فَالْأَشْيَاء كَانَتْ بِإِرَادَةِ اللَّه , وَالْإِرَادَة خَلْق لَهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : خَلْق الشَّيْء صِفَة لَهُ , لَا هِيَ هُوَ وَلَا غَيْره . قَالُوا : لَوْ كَانَ غَيْره لَوَجَبَ أَنْ يَكُون مِثْله مَوْصُوفًا . قَالُوا : وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُون خَلْقه غَيْره وَأَنْ يَكُون مَوْصُوفًا لَوَجَبَ أَنْ تَكُون لَهُ صِفَة هِيَ لَهُ خَلْق , وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ نِهَايَة . قَالُوا : فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ صِفَة لِلشَّيْءِ . قَالُوا : فَخَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض صِفَة لَهُمَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَاعْتَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ لِلشَّيْءِ خَلْقًا لَيْسَ هُوَ بِهِ مِنْ كِتَاب اللَّه بِنَحْوِ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَخَلْق كُلّ مَخْلُوق , هُوَ ذَلِكَ الشَّيْء بِعَيْنِهِ لَا غَيْره . فَمَعْنَى قَوْله : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } : إنَّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } وَتَعَاقُب اللَّيْل وَالنَّهَار عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس . وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي هَذَا الْمَوْضِع الِافْتِعَال مِنْ خُلُوف كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا الْآخَر , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } 25 62 بِمَعْنَى : أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَخْلُف مَكَان صَاحِبه إذَا ذَهَبَ اللَّيْل جَاءَ النَّهَار بَعْده , وَإِذَا ذَهَبَ النَّهَار جَاءَ اللَّيْل خَلْفه ; وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : خَلَفَ فُلَان فُلَانًا فِي أَهْله بِسُوءِ ,

وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : بِهَا الْعَيْن وَالْآرَام يَمْشِينَ خِلْفَة وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلّ مُجَثَّم وَأَمَّا اللَّيْل فَإِنَّهُ جَمْع لَيْلَة , نَظِير التَّمْر الَّذِي هُوَ جَمْع تَمْرَة , وَقَدْ يُجْمَع لَيَالٍ فَيَزِيدُونَ فِي جَمْعهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَتهَا . وَزِيَادَتهمْ الْيَاء فِي ذَلِكَ نَظِير زِيَادَتهمْ إيَّاهَا فِي رُبَاعِيَّة وَثَمَانِيَة وَكَرَاهِيَة . وَأَمَّا النَّهَار فَإِنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَجْمَعهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الضَّوْء , وَقَدْ سُمِعَ فِي جَمْعه " النُّهُر " قَالَ الشَّاعِر : لَوْلَا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ ثَرِيد لَيْل وَثَرِيد بِالنُّهُرْ وَلَوْ قِيلَ فِي جَمْع قَلِيله أَنْهِرَة كَانَ قِيَاسًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : إنَّ فِي الْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر . وَالْفُلْك هُوَ السُّفُن , وَاحِده وَجَمْعه بِلَفْظِ وَاحِد , وَيُذَكَّر وَيُؤَنَّث كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره فِي تَذْكِيره فِي آيَة أُخْرَى : { وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } 36 41 فَذَكَّرَهُ , وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : {

وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر } وَهِيَ مُجْرَاة لِأَنَّهَا إذَا أُجْرِيَتْ فَهِيَ الْجَارِيَة , فَأُضِيفَ إلَيْهَا مِنْ الصِّفَة مَا هُوَ لَهَا .

وَأَمَّا قَوْله : { بِمَا يَنْفَع النَّاس }

فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يَنْفَع النَّاس فِي الْبَحْر .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء } وَفِيمَا أَنْزَلَهُ اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء ,

وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي يُنْزِلهُ اللَّه مِنْ السَّمَاء .

وَقَوْله : { فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض

بَعْد مَوْتهَا } وَإِحْيَاؤُهَا : عِمَارَتهَا وَإِخْرَاج نَبَاتهَا , وَالْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " عَائِدَة عَلَى الْمَاء وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { بَعْد مَوْتهَا } عَلَى الْأَرْض , وَمَوْت الْأَرْض : خَرَابهَا وَدُثُور عِمَارَتهَا , وَانْقِطَاع نَبَاتهَا الَّذِي هُوَ لِلْعِبَادِ أَقْوَات وَلِلْأَنَامِ أَرْزَاق .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَثَّ فِيهَا

مِنْ كُلّ دَابَّة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة } وَإِنْ فِيمَا بَثَّ فِي الْأَرْض مِنْ دَابَّة . وَمَعْنَى قَوْله , { وَبَثَّ فِيهَا } وَفَرَّقَ فِيهَا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : بَثَّ الْأَمِير سَرَايَاهُ : يَعْنِي فَرَّقَ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : " فِيهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى الْأَرْض . وَالدَّابَّة الْفَاعِلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل دَبَّتْ الدَّابَّة تَدِبّ دَبِيبًا فَهِيَ دَابَّة , وَالدَّابَّة اسْم لِكُلِّ ذِي رُوح كَانَ غَيْر طَائِر بِجَنَاحَيْهِ لِدَبِيبِهِ عَلَى الْأَرْض .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَصْرِيف الرِّيَاح } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَتَصْرِيف الرِّيَاح } وَفِي تَصْرِيفه الرِّيَاح , فَأَسْقَطَ ذِكْر الْفَاعِل وَأَضَافَ الْفِعْل إلَى الْمَفْعُول , كَمَا قَالَ : يُعْجِبنِي إكْرَام أَخِيك , يُرِيد إكْرَامك أَخَاك وَتَصْرِيف اللَّه إيَّاهَا : أَنْ يُرْسِلهَا مَرَّة لَوَاقِح , وَمَرَّة يَجْعَلهَا عَقِيمًا , وَيَبْعَثهَا عَذَابًا تُدَمِّر كُلّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا . كَمَا : 1992 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَتَصْرِيف الرِّيَاح وَالسَّحَاب الْمُسَخَّر } قَالَ : قَادِر وَاَللَّه رَبّنَا عَلَى ذَلِكَ , إذَا شَاءَ جَعَلَهَا عَذَابًا رِيحًا عَقِيمًا لَا تُلَقِّح , إنَّمَا هِيَ عَذَاب عَلَى مَنْ أُرْسِلَتْ عَلَيْهِ . وَزَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَتَصْرِيف الرِّيَاح } أَنَّهَا تَأْتِي مَرَّة جَنُوبًا وَشِمَالًا وَقَبُولًا وَدَبُورًا ; ثُمَّ قَالَ : وَذَلِكَ تَصْرِيفهَا . وَهَذِهِ الصِّفَة الَّتِي وَصَفَ الرِّيَاح بِهَا

صِفَة تَصَرُّفهَا لَا صِفَة تَصْرِيفهَا , لِأَنَّ تَصْرِيفهَا تَصْرِيف اللَّه لَهَا , وَتَصَرُّفهَا اخْتِلَاف هُبُوبهَا . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { وَتَصْرِيف الرِّيَاح } تَصْرِيف اللَّه تَعَالَى ذِكْره هُبُوب الرِّيَاح بِاخْتِلَافِ مَهَابّهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالسَّحَاب الْمُسَخَّر بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض لَآيَات لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ { وَالسَّحَاب الْمُسَخَّر } وَفِي السَّحَاب جَمْع سَحَابَة , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَيُنْشِئ السَّحَاب الثِّقَال } 13 12 فَوَحَّدَ الْمُسَخَّر وَذَكَّرَهُ , كَمَا قَالَ : هَذِهِ تَمْرَة وَهَذَا تَمْر كَثِير فِي جَمْعه , وَهَذِهِ نَخْلَة وَهَذَا نَخْل . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسَّحَابِ سَحَاب إنْ شَاءَ اللَّه لَجَرَّ بَعْضه بَعْضًا وَسَحَبَهُ إيَّاهُ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : مَرَّ فُلَان يَجُرّ ذَيْله : يَعْنِي يَسْحَبهُ . فَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { لَآيَات } فَإِنَّهُ عَلَامَات وَدَلَالَات عَلَى أَنَّ خَالِق ذَلِكَ كُلّه وَمُنْشِئَهُ إلَه وَاحِد , { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } لِمَنْ عَقَلَ مَوَاضِع الْحُجَج وَفَهِمَ عَنْ اللَّه أَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته . فَأَعْلَم تَعَالَى ذِكْره عِبَاده بِأَنَّ الْأَدِلَّة وَالْحُجَج إنَّمَا وُضِعَتْ مُعْتَبَرًا لِذَوِي الْعُقُول وَالتَّمْيِيز دُون غَيْرهمْ مِنْ الْخَلْق , إذْ كَانُوا هُمْ الْمَخْصُوصِينَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , وَالْمُكَلَّفِينَ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَة , وَلَهُمْ الثَّوَاب وَعَلَيْهِمْ الْعِقَاب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ احْتَجَّ عَلَى أَهْل الْكُفْر بِقَوْلِهِ : { إنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار } الْآيَة فِي تَوْحِيد اللَّه , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَصْنَافًا مِنْ أَصْنَاف الْكَفَرَة تَدْفَع أَنْ تَكُون السَّمَوَات وَالْأَرْض وَسَائِر مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَة مَخْلُوقَة ؟ قِيلَ : إنَّ إنْكَار مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْر دَافِع أَنْ يَكُون جَمِيع مَا ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة

دَلِيلًا عَلَى خَالِقه وَصَانِعه , وَأَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا لَا يُشْبِههُ [ شَيْء ] , وَبَارِئًا لَا مِثْل لَهُ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ اللَّه إنَّمَا حَاجّ بِذَلِكَ قَوْمًا كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّه خَالِقهمْ , غَيْر أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَته عِبَادَة الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان ; فَحَاجّهمْ تَعَالَى ذِكْره فَقَالَ إذْ أَنْكَرُوا قَوْله : { وَإِلَهكُمْ إلَه وَاحِد } وَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ شُرَكَاء مِنْ الْآلِهَة : إنَّ إلَهكُمْ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات , وَأَجْرَى فِيهَا الشَّمْس وَالْقَمَر لَكُمْ بِأَرْزَاقِكُمْ دَائِبَيْنِ فِي سَيْرهمَا وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى اخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار فِي الشَّمْس وَالْقَمَر , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَع النَّاس } وَأَنْزَلَ إلَيْكُمْ الْغَيْث مِنْ السَّمَاء , فَأَخْصَب بِهِ جَنَابكُمْ بَعْد جُدُوبِهِ , وَأَمْرَعَهُ بَعْد دُثُوره , فَنَعَشَكُمْ بِهِ بَعْد قُنُوطكُمْ , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { وَمَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء مِنْ مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا } . وَسَخَّرَ لَكُمْ الْأَنْعَام فِيهَا لَكُمْ مَطَاعِم وَمَآكِل , وَمِنْهَا جَمَال وَمَرَاكِب , وَمِنْهَا أَثَاث وَمَلَابِس , وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلّ دَابَّة } وَأَرْسَلَ لَكُمْ الرِّيَاح لَوَاقِح لِأَشْجَارِ ثِمَاركُمْ وَغِذَائِكُمْ وَأَقْوَاتكُمْ وَسَيَّرَ لَكُمْ السَّحَاب الَّذِي بِوَدْقِهِ حَيَاتكُمْ وَحَيَاة نَعَمكُمْ وَمَوَاشِيكُمْ ; وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { وَتَصْرِيف الرِّيَاح وَالسَّحَاب الْمُسَخَّر بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض } . فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ إلَههمْ هُوَ اللَّه الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ النِّعَم , وَتَفَرَّدَ لَهُمْ بِهَا . ثُمَّ قَالَ : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء } 30 40 فَتُشْرِكُوهُ فِي عِبَادَتكُمْ إيَّايَ , وَتَجْعَلُوهُ لِي نِدًّا وَعَدْلًا ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء , فَفِي الَّذِي عَدَّدْت عَلَيْكُمْ مِنْ نِعْمَتِي وَتَفَرَّدْت لَكُمْ بِأَيَادِي دَلَالَات لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ مَوَاقِع الْحَقّ وَالْبَاطِل وَالْجَوْر وَالْإِنْصَاف , وَذَلِكَ إنِّي لَكُمْ بِالْإِحْسَانِ إلَيْكُمْ مُتَفَرِّد دُون غَيْرِي , وَأَنْتُمْ تَجْعَلُونَ لِي فِي عِبَادَتكُمْ إيَّايَ أَنْدَادًا . فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْآيَة . وَاَلَّذِينَ ذُكِرُوا بِهَذِهِ الْآيَة وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَا هُمْ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ دُون الْمُعَطِّلَة وَالدَّهْرِيَّة وَإِنْ كَانَ فِي أَصْغَر مَا عَدَّ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ الْحُجَج الْبَالِغَة , الْمَقْنَع لِجَمِيعِ الْأَنَام تَرَكْنَا الْبَيَان عَنْهُ كَرَاهَة إطَالَة الْكِتَاب بِذِكْرِهِ .
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِسورة البقرة الآية رقم 165
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَنَّ مِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا لَهُ , وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ النِّدّ الْعَدْل بِمَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّوَاهِد فَكَرِهْنَا إعَادَته , وَأَنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا هَذِهِ الْأَنْدَاد مِنْ دُون اللَّه يُحِبُّونَ أَنْدَادهمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّه , ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ مِنْ مُتَّخِذِي هَذِهِ الْأَنْدَاد لِأَنْدَادِهِمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْأَنْدَاد الَّتِي كَانَ الْقَوْم اتَّخَذُوهَا وَمَا هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ آلِهَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1993 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , ثنا يَزِيد , عَنْ

سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ } مِنْ الْكُفَّار لِأَوْثَانِهِمْ . 1994 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه } مُبَاهَاة وَمُضَاهَاة لِلْحَقِّ بِالْأَنْدَادِ . { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ } مِنْ الْكُفَّار لِأَوْثَانِهِمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1995 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه } قَالَ : هِيَ الْآلِهَة الَّتِي تُعْبَد مِنْ دُون اللَّه . يَقُول : يُحِبُّونَ أَوْثَانهمْ كَحُبِّ اللَّه { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ } , أَيْ مِنْ الْكُفَّار لِأَوْثَانِهِمْ . 1996 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْدَادهمْ آلِهَتهمْ الَّتِي عَبَدُوا مَعَ اللَّه يُحِبُّونَهُمْ كَمَا يُحِبّ الَّذِينَ آمَنُوا اللَّه { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبًّا لِلَّهِ } مِنْ حُبّهمْ هُمْ آلِهَتهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْأَنْدَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع إنَّمَا هُمْ سَادَتهمْ الَّذِينَ كَانُوا يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى ذِكْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1997 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : [ حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ] ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه } قَالَ : الْأَنْدَاد مِنْ الرِّجَال يُطِيعُونَهُمْ كَمَا يُطِيعُونَ اللَّه إذَا أَمَرُوهُمْ أَطَاعُوهُمْ وَعَصَوْا اللَّه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ كَحُبِّ اللَّه , وَهَلْ يُحِبّ اللَّه الْأَنْدَاد ؟ وَهَلْ كَانَ مُتَّخِذُو الْأَنْدَاد يُحِبُّونَ اللَّه فَيُقَال يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ , وَإِنَّمَا نَظِير ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : بِعْت غُلَامِي كَبَيْعِ غُلَامك , بِمَعْنَى : بِعْته كَمَا بِيعَ غُلَامك وَكَبَيْعِك غُلَامك , وَاسْتَوْفَيْت حَقِّي مِنْهُ اسْتِيفَاء حَقّك , بِمَعْنَى : اسْتِيفَائِك حَقّك . فَتُحْذَف مِنْ الثَّانِي كِنَايَة اسْم الْمُخَاطَب اكْتِفَاء بِكِنَايَتِهِ فِي " الْغُلَام " و " الْحَقّ " , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَسْت مُسَلِّمًا مَا دُمْت حَيًّا عَلَى زَيْد بِتَسْلِيمِ الْأَمِير يَعْنِي بِذَلِكَ : كَمَا يُسَلِّم عَلَى الْأَمِير . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّام : /6 { وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } /6 بِالتَّاءِ { إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب } بِالْيَاءِ { أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } بِفَتْحِ " أَنَّ " و " أَنَّ " كِلْتَيْهِمَا , بِمَعْنَى : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا أَنْفُسهمْ حِين يَرَوْنَ عَذَاب اللَّه وَيُعَايِنُونَهُ , أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا , وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب . مَعًا فِي نَصْب " أَنَّ " و " أَنَّ " فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ تُفْتَح بِالْمَحْذُوفِ مِنْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ مَطْلُوب فِيهِ , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ عَذَاب اللَّه لَأَقَرُّوا . وَمَعْنَى تَرَى : تُبْصِر أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا , وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب . وَيَكُون الْجَوَاب حِينَئِذٍ فَتَحْت " أَنَّ " عَلَى هَذَا الْوَجْه مَتْرُوكًا قَدْ اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَيَكُون الْمَعْنَى مَا وَصَفْت . فَهَذَا أَحَد وَجْهَيْ فَتْح أَنَّ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : /6 { وَلَوْ تَرَى } /6 بِالتَّاءِ . وَالْوَجْه الْآخَر فِي الْفَتْح , أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد إذْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاب اللَّه , لِأَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا , وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب , لَعَلِمْت مَبْلَغ عَذَاب اللَّه . ثُمَّ تُحْذَف اللَّام فَتُفْتَح بِذَلِكَ الْمَعْنَى لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْ سَلَف الْقُرَّاء : /
6

{ وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } /6 بِمَعْنَى : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا حِين يُعَايِنُوا عَذَاب اللَّه لَعَلِمْت الْحَال الَّتِي يَصِيرُونَ إلَيْهَا . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره خَبَرًا مُبْتَدَأ عَلَى قُدْرَته وَسُلْطَانه بَعْد تَمَام الْخَبَر الْأَوَّل , فَقَالَ : إنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة دُون مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , وَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب لِمَنْ أَشْرَك بِهِ وَادَّعَى مَعَهُ شُرَكَاء وَجَعَلَ لَهُ نِدًّا . وَقَدْ يَحْتَمِل وَجْهًا آخَر فِي قِرَاءَة مَنْ كَسَرَ " إنَّ " فِي " تَرَى " بِالتَّاءِ , وَهُوَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب , يَقُولُونَ : إنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا , وَإِنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب . ثُمَّ تَحْذِف الْقَوْل وَتَكْفِي مِنْهُ بِالْمَقُولِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } بِالْيَاءِ { إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ أَنَّ وَأَنَّ , بِمَعْنَى : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاب اللَّه الَّذِي أُعِدَّ لَهُمْ فِي جَهَنَّم لَعَلِمُوا حِين يَرَوْنَهُ فَيُعَايِنُونَهُ أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب , إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب . فَتَكُون " أَنَّ " الْأُولَى مَنْصُوبَة لِتَعَلُّقِهَا بِجَوَابِ " لَوْ " الْمَحْذُوف وَيَكُون الْجَوَاب مَتْرُوكًا , وَتَكُون الثَّانِيَة مَعْطُوفه عَلَى الْأُولَى وَهَذِهِ قِرَاءَة عَامَّة الْقُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَأَهْل مَكَّة . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } بِالْيَاءِ فِي يَرَى وَفَتْح الْأَلِفَيْنِ فِي " أَنَّ " و " أَنَّ " : وَلَوْ يَعْلَمُونَ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا قَدْر مَا يُعَايِنُونَ مِنْ الْعَذَاب . وَقَدْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ , فَإِذَا قَالَ : " وَلَوْ تَرَى " , فَإِنَّمَا يُخَاطِب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَسَرَ " إنَّ " عَلَى الِابْتِدَاء إذَا قَالَ : " وَلَوْ يَرَى " جَازَ , لِأَنَّ " لَوْ يَرَى " : لَوْ يَعْلَم وَقَدْ يَكُون " لَوْ يَعْلَم " فِي مَعْنَى لَا يَحْتَاج مَعَهَا إلَى شَيْء , تَقُول لِلرَّجُلِ : أَمَا وَاَللَّه لَوْ يَعْلَم وَلَوْ تَعْلَم , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إنْ يَكُنْ طِبّك الدَّلَّال فَلَوْ فِي سَالِف الدَّهْر وَالسِّنِينَ الْخَوَالِي هَذَا لَيْسَ لَهُ جَوَاب إلَّا فِي الْمَعْنَى , وَقَالَ الشَّاعِر : وَبِحَظِّ مِمَّا نَعِيش وَلَا تَذْ هَبْ بِك التُّرَّهَات فِي الْأَهْوَال فَأَضْمَرَ " عَيْشِي " . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : " وَلَوْ تَرَى " وَفَتَحَ " أَنَّ " عَلَى " تَرَى " وَلَيْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَم , وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَم ذَلِكَ النَّاس كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } 32 3 لِيُخْبِر النَّاس عَنْ جَهْلهمْ , وَكَمَا قَالَ : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } 2 107 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَنْكَرَ قَوْم أَنْ تَكُون " أَنَّ " عَامِلًا فِيهَا قَوْله : { وَلَوْ يَرَى } , وَقَالُوا : إنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَدْ عَلِمُوا حِين يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا , فَلَا وَجْه لِمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ . وَقَالُوا : إنَّمَا عَمِلَ فِي " أَنَّ " جَوَاب " لَوْ " الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعِلْم , لِتَقَدُّمِ الْعِلْم الْأَوَّل . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَنْ نَصَبَ : { أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } مِمَّنْ قَرَأَ : { وَلَوْ يَرَى } بِالْيَاءِ فَإِنَّمَا نَصَبَهَا بِإِعْمَالِ الرُّؤْيَة فِيهَا , وَجَعَلَ الرُّؤْيَة وَاقِعَة عَلَيْهَا . وَأَمَّا مَنْ نَصَبَهَا مِمَّنْ قَرَأَ : " وَلَوْ تَرَى " بِالتَّاءِ , فَإِنَّهُ نَصَبَهَا عَلَى تَأْوِيل : لِأَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا , وَلِأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب . قَالَ : وَمَنْ كَسَرَهُمَا مِمَّنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ فَإِنَّهُ يَكْسِرهُمَا عَلَى الْخَبَر . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : فَتَحَ " أَنَّ " فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } بِالْيَاءِ بِإِعْمَالِ " يَرَى " , وَجَوَاب الْكَلَام حِينَئِذٍ مَتْرُوك , كَمَا تُرِكَ جَوَاب : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض } 13 31 لِأَنَّ مَعْنَى الْجَنَّة وَالنَّار مُكَرَّر مَعْرُوف . وَقَالُوا : جَائِز كَسْر " إنَّ " فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ , وَإِيقَاع الرُّؤْيَة عَلَى " إذْ " فِي الْمَعْنَى , وَأَجَازُوا نَصْب " أَنَّ " عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ لِمَعْنَى نِيَّة فِعْل آخَر , وَأَنْ يَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب [ يَرَوْنَ ] أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا . وَزَعَمُوا أَنَّ كَسْر " إنَّ " الْوَجْه إذَا قُرِئَتْ : " وَلَوْ تَرَى " بِالتَّاءِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف , لِأَنَّ قَوْله : " وَلَوْ تَرَى " قَدْ وَقَعَ عَلَى " الَّذِينَ ظَلَمُوا " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ : { وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } بِالتَّاءِ مِنْ " تَرَى " { إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } بِمَعْنَى لَرَأَيْت أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب , فَيَكُون قَوْله " لَرَأَيْت " الثَّانِيَة مَحْذُوفَة مُسْتَغْنًى بِدَلَالَةِ قَوْله : " وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا " عَنْ ذِكْره , وَإِنْ كَانَ جَوَابًا ل " وَلَوْ " وَيَكُون الْكَلَام وَإِنْ كَانَ مَخْرَجه مَخْرَج الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنِيًّا بِهِ غَيْره , لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا شَكَّ عَالِمًا بِأَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب , وَيَكُون ذَلِكَ نَظِير قَوْله : { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } 2 107 وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعه . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَة الْيَاء ; لِأَنَّ الْقَوْم إذَا رَأَوْا الْعَذَاب قَدْ أَيْقَنُوا أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب , فَلَا وَجْه أَنْ يُقَال : لَوْ يَرَوْنَ أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا حِينَئِذٍ , لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَال : " لَوْ رَأَيْت " لِمَنْ لَمْ يَرَ , فَأَمَّا مَنْ قَدْ رَآهُ فَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَال لَهُ : " لَوْ رَأَيْت " . وَمَعْنَى قَوْله : { إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب } إذْ يُعَايِنُونَ الْعَذَاب . كَمَا : 1998 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ الْعَذَاب أَنَّ الْقُوَّة لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب } يَقُول : لَوْ عَايَنُوا الْعَذَاب . وَإِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : /6 { وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } /6 وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَاِتَّخَذُوا مِنْ دُونِي أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّكُمْ إيَّايَ , حِين يُعَايِنُونَ عَذَابِي يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي أَعْدَدْت لَهُمْ , لَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْقُوَّة كُلّهَا لِي دُون الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , وَأَنَّ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة لَا تُغْنِي عَنْهُمْ هُنَالِكَ شَيْئًا , وَلَا تَدْفَع عَنْهُمْ عَذَابًا أَحْلَلْت بِهِمْ , وَأَيْقَنْتُمْ أَنِّي شَدِيد عَذَابِي لِمَنْ كَفَرَ بِي وَادَّعَى مَعِي إلَهًا غَيْرِي .
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُسورة البقرة الآية رقم 166
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَاب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَاب } إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1999 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا } وَهُمْ الْجَبَابِرَة وَالْقَادَة وَالرُّءُوس فِي الشِّرْك , { مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } وَهُمْ الْأَتْبَاع الضُّعَفَاء , { وَرَأَوْا الْعَذَاب } . 2000 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } قَالَ : تَبَرَّأَتْ الْقَادَة مِنْ الْأَتْبَاع يَوْم الْقِيَامَة . 2001 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءِ : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } قَالَ : تَبَرَّأَ رُؤَسَاؤُهُمْ وَقَادَتهمْ وِسَادَاتهمْ مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 2002 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } أَمَّا الَّذِينَ اُتُّبِعُوا فَهُمْ الشَّيَاطِين تَبَرَّءُوا مِنْ الْإِنْس . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ الْمُتَّبَعِينَ عَلَى الشِّرْك بِاَللَّهِ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَتْبَاعهمْ حِين يُعَايِنُونَ عَذَاب اللَّه وَلَمْ يَخْصُصْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض , بَلْ عَمّ جَمِيعهمْ , فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلّ مَتْبُوع عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالضَّلَال أَنَّهُ يَتَبَرَّأ مِنْ أَتْبَاعه الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُ عَلَى الضَّلَال فِي الدُّنْيَا إذَا عَايَنُوا عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة وَأَمَّا دَلَالَة الْآيَة فِيمَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } فَإِنَّهَا إنَّمَا تَدُلّ

عَلَى أَنَّ الْأَنْدَاد الَّذِينَ اتَّخَذَهُمْ مِنْ دُون اللَّه مَنْ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره صِفَته بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا } هُمْ الَّذِينَ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَتْبَاعهمْ . وَإِذَا كَانَتْ الْآيَة عَلَى ذَلِكَ دَالَّة صَحَّ التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا } أَنَّ الْأَنْدَاد فِي هَذَا الْمَوْضِع إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا الْأَنْدَاد مِنْ الرِّجَال الَّذِينَ يُطِيعُونَهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ أَمْر , وَيَعْصُونَ اللَّه فِي طَاعَتهمْ إيَّاهُمْ , كَمَا يُطِيع اللَّهَ الْمُؤْمِنُونَ وَيَعْصُونَ غَيْره , وَفَسَدَ تَأْوِيل قَوْل مَنْ قَالَ : { إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } إنَّهُمْ الشَّيَاطِين تَبَرَّءُوا مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْإِنْس ; لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة إنَّمَا هِيَ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْ مُتَّخِذِي الْأَنْدَاد

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعَذَاب إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اُتُّبِعُوا , وَإِذْ تَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْبَاب . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 2003 - حَدَّثَنِي بِهِ يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , وثنا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : الْوِصَال الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا . * حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : تَوَاصُلهمْ فِي الدُّنْيَا . * - حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , وثنا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد جَمِيعًا , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد الْمُكْتِب , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : الْمَوَدَّة . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : تَوَاصُل كَانَ بَيْنهمْ بِالْمَوَدَّةِ فِي الدُّنْيَا . 2004 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ

: ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى قَالَ : أَخْبَرَنِي قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : الْمَوَدَّة . 2005 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } أَسْبَاب النَّدَامَة يَوْم الْقِيَامَة , وَأَسْبَاب الْمُوَاصَلَة الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا يَتَوَاصَلُونَ بِهَا وَيَتَحَابُّونَ بِهَا , فَصَارَتْ عَلَيْهِمْ عَدَاوَة يَوْم الْقِيَامَة { ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكْفُر بَعْضكُمْ بِبَعْضِ وَيَلْعَن بَعْضكُمْ بَعْضًا } 29 25 وَيَتَبَرَّأ بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض , وَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضِ عَدُوّ إلَّا الْمُتَّقِينَ } 43 67 فَصَارَتْ كُلّ خُلَّة عَدَاوَة عَلَى أَهْلهَا , إلَّا خُلَّة الْمُتَّقِينَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : هُوَ الْوَصْل الَّذِي كَانَ بَيْنهمْ فِي الدُّنْيَا . 2006 - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } يَقُول : الْأَسْبَاب : النَّدَامَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ مَعْنَى الْأَسْبَاب : الْمَنَازِل الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ مِنْ أَهْل الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } يَقُول : تَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْمَنَازِل . 2008 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : الْأَسْبَاب : الْمَنَازِل . وَقَالَ آخَرُونَ : الْأَسْبَاب : الْأَرْحَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2009 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , وَقَالَ ابْن عَبَّاس : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : الْأَرْحَام . وَقَالَ آخَرُونَ : الْأَسْبَاب : الْأَعْمَال الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2010 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَا { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } فَالْأَعْمَال . 2011 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } قَالَ : أَسْبَاب أَعْمَالهمْ , فَأَهْل التَّقْوَى أَعْطَوْا أَسْبَاب أَعْمَالهمْ وَثِيقَة فَيَأْخُذُونَ بِهَا فَيَنْجُونَ , وَالْآخَرُونَ أَعْطَوْا أَسْبَاب أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة فَتَقَطَّعَ بِهِمْ فَيَذْهَبُونَ فِي النَّار . قَالَ : وَالْأَسْبَاب : الشَّيْء يَتَعَلَّق بِهِ . قَالَ : وَالسَّبَب الْحَبْل وَالْأَسْبَاب جَمْع سَبَب , وَهُوَ كُلّ مَا تَسَبَّبَ بِهِ الرَّجُل إلَى طِلْبَته وَحَاجَته , فَيُقَال لِلْحَبْلِ سَبَب لِأَنَّهُ يَتَسَبَّب بِالتَّعَلُّقِ بِهِ إلَى الْحَاجَة الَّتِي لَا يُوصَل إلَيْهَا إلَّا بِالتَّعَلُّقِ بِهِ , وَيُقَال لِلطَّرِيقِ سَبَب لِلتَّسَبُّبِ بِرُكُوبِهِ إلَى مَا لَا يُدْرَك إلَّا بِقَطْعِهِ , وَلِلْمُصَاهَرَةِ سَبَب لِأَنَّهَا سَبَب لِلْحُرْمَةِ , وَلِلْوَسِيلَةِ سَبَب لِلْوُصُولِ بِهَا إلَى الْحَاجَة , وَكَذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ بِهِ إدْرَاك الطِّلْبَة فَهُوَ سَبَب لِإِدْرَاكِهَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّار يَتَبَرَّأ عِنْد مُعَايَنَتهمْ عَذَاب اللَّه الْمَتْبُوع مِنْ التَّابِع , وَتَتَقَطَّع بِهِمْ الْأَسْبَاب . وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره فِي كِتَابه أَنَّ بَعْضهمْ يَلْعَن بَعْضًا , وَأَخْبَرَ عَنْ الشَّيْطَان أَنَّهُ يَقُول لِأَوْلِيَائِهِ : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْت بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْل } 14 22 وَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضِ عَدُوّ إلَّا الْمُتَّقِينَ , وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا يَنْصُر يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ بَعْضًا , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ } 37 24 : 25 وَأَنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ لَا يَنْفَعهُ نَسِيبه وَلَا ذُو رَحِمه , وَإِنْ كَانَ نَسِيبه لِلَّهِ وَلِيًّا , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره فِي ذَلِكَ : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } 9 114 وَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ أَعْمَالهمْ تَصِير عَلَيْهِمْ حَسَرَات . وَكُلّ هَذِهِ الْمَعَانِي أَسْبَاب يُتَسَبَّب فِي الدُّنْيَا بِهَا إلَى مَطَالِب , فَقَطَعَ اللَّه مَنَافِعهَا فِي الْآخِرَة عَنْ الْكَافِرِينَ بِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِخِلَافِ طَاعَته وَرِضَاهُ فَهِيَ مُنْقَطِعَة بِأَهْلِهَا فَلَا خِلَال بَعْضهمْ بَعْضًا يَنْفَعهُمْ عِنْد وُرُودهمْ عَلَى رَبّهمْ وَلَا عِبَادَتهمْ أَنْدَادهمْ وَلَا طَاعَتهمْ شَيَاطِينهمْ , وَلَا دَافَعَتْ عَنْهُمْ أَرْحَام فَنَصَرَتْهُمْ مِنْ انْتِقَام اللَّه مِنْهُمْ , وَلَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ أَعْمَالهمْ بَلْ صَارَتْ عَلَيْهِمْ حَسَرَات , فَكُلّ أَسْبَاب الْكُفَّار مُنْقَطِعَة , فَلَا مَعْنَى أَبْلَغ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَاب } مِنْ صِفَة اللَّه , وَذَلِكَ مَا بَيَّنَّا مِنْ جَمِيع أَسْبَابهمْ دُون بَعْضهَا عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَعْنَى بِذَلِكَ خَاصّ مِنْ الْأَسْبَاب سُئِلَ عَنْ الْبَيَان عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ أَصْل لَا مُنَازِع فِيهِ , وَعُورِضَ بِقَوْلِ مُخَالِفه فِيهِ , فَلَنْ يَقُول فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إلَّا أُلْزِم فِي الْآخَر مِثْله .
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِسورة البقرة الآية رقم 167
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } وَقَالَ أَتْبَاع الرِّجَال الَّذِينَ كَانُوا اتَّخَذُوهُمْ أَنْدَادًا مِنْ دُون اللَّه يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَيَعْصُونَ رَبّهمْ فِي طَاعَتهمْ , إذْ يَرَوْنَ عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة : { لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة } يَعْنِي بِالْكَرَّةِ : الرَّجْعَة إلَى الدُّنْيَا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : كَرَرْت عَلَى الْقَوْم أَكْرُ كَرًّا , وَالْكَرَّة : الْمَرَّة الْوَاحِدَة , وَذَلِكَ إذَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ رَاجِعًا عَلَيْهِمْ بَعْد

الِانْصِرَاف عَنْهُمْ كَمَا قَالَ الْأَخْطَل : وَلَقَدْ عَطَفْنَ عَلَى فَزَارَة عَطْفَة كَرَّ الْمَنِيح وَجُلْنَ ثَمَّ مَجَالَا 2012 - وَكَمَا حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا } أَيْ لَنَا رَجْعَة إلَى الدُّنْيَا . 2013 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة } قَالَ : قَالَتْ الْأَتْبَاع : لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّة إلَى الدُّنْيَا فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا . وَقَوْله : { فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ } مَنْصُوب لِأَنَّهُ جَوَاب لِلتَّمَنِّي بِالْفَاءِ , لِأَنَّ الْقَوْم تَمَنَّوْا رَجْعَة إلَى الدُّنْيَا لِيَتَبَرَّءُوا مِنْ الَّذِينَ كَانُوا يُطِيعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَة اللَّه كَمَا تَبَرَّأَ مِنْهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا الْمَتْبُوعُونَ فِيهَا عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ إذْ عَايَنُوا عَظِيم النَّازِل بِهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه , فَقَالُوا : يَا لَيْتَ لَنَا كَرَّة إلَى الدُّنْيَا فَنَتَبَرَّأ مِنْهُمْ , و { يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } 6 27

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ } وَمَعْنَى قَوْله : { كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ } يَقُول : كَمَا أَرَاهُمْ الْعَذَاب الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْله : { وَرَأَوْا الْعَذَاب } الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا , فَكَذَلِكَ يُرِيهِمْ أَيْضًا أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْعُقُوبَة مِنْ اللَّه { حَسَرَات عَلَيْهِمْ } يَعْنِي نَدَامَات . وَالْحَسَرَات جَمْع حَسْرَة وَكَذَلِكَ كُلّ اسْم كَانَ وَاحِده عَلَى " فَعْلَة " مَفْتُوح الْأَوَّل سَاكِن الثَّانِي , فَإِنَّ جَمْعه عَلَى " فَعَلَات " , مِثْل شَهْوَة وَتَمْرَة تُجْمَع شَهَوَات وَتَمَرَات , مُثَقَّلَة الثَّوَانِي مِنْ حُرُوفهَا . فَأَمَّا إذَا كَانَ نَعْتًا فَإِنَّك تَدَع ثَانِيه سَاكِنًا مِثْل ضَخْمَة تَجْمَعهَا ضَخْمَات , وَعَبْلَة

تَجْمَعهَا عَبْلَات , وَرُبَّمَا سُكِّنَ الثَّانِي فِي الْأَسْمَاء كَمَا قَالَ الشَّاعِر : عَلَّ صُرُوف الدَّهْر أَوْ دُولَاتِهَا يُدِلْنَنَا اللَّمَّة مِنْ لَمَّاتهَا فَتَسْتَرِيح النَّفْس مِنْ زَفَرَاتهَا فَسَكَّنَ الثَّانِي مِنْ " الزَّفْرَاتِ " وَهِيَ اسْم وَقِيلَ إنَّ الْحَسْرَة أَشَدّ النَّدَامَة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَكَيْف يَرَوْنَ أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ , وَإِنَّمَا يَتَنَدَّم الْمُتَنَدِّم عَلَى تَرْك الْخَيْرَات وَفَوْتهَا إيَّاهُ ؟ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكُفَّار لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ الْأَعْمَال مَا يَتَنَدَّمُونَ عَلَى تَرْكهمْ الِازْدِيَاد مِنْهُ , فَيُرِيهِمْ اللَّه قَلِيله , بَلْ كَانَتْ أَعْمَالهمْ كُلّهَا مَعَاصِي لِلَّهِ , وَلَا حَسْرَة عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ , وَإِنَّمَا الْحَسْرَة فِيمَا لَمْ يَعْمَلُوا مِنْ طَاعَة اللَّه ؟ قِيلَ : إنَّ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ , فَنَذْكُر فِي ذَلِكَ مَا قَالُوا , ثُمَّ نُخْبِر بِاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَضَيَّعُوهَا وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا حَتَّى اسْتَوْجَبَ - مَا كَانَ اللَّه أَعَدَّ لَهُمْ لَوْ كَانُوا عَمِلُوا بِهَا فِي حَيَاتهمْ مِنْ الْمَسَاكِن وَالنِّعَم - غَيْرهمْ بِطَاعَتِهِ رَبّه فَصَارَ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الثَّوَاب الَّذِي كَانَ اللَّه أَعَدَّهُ لَهُمْ عِنْده لَوْ كَانُوا أَطَاعُوهُ فِي الدُّنْيَا إذْ عَايَنُوهُ عِنْد دُخُول النَّار أَوْ قَبْل ذَلِكَ أَسَى وَنَدَامَة وَحَسْرَة عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2014 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ } زَعَمَ أَنَّهُ يَرْفَع لَهُمْ الْجَنَّة فَيَنْظُرُونَ إلَيْهَا وَإِلَى بُيُوتهمْ فِيهَا لَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوا اللَّه , فَيُقَال لَهُمْ : تِلْكَ مَسَاكِنكُمْ لَوْ أَطَعْتُمْ اللَّه ثُمَّ تُقْسَم بَيْن الْمُؤْمِنِينَ , فَيَرِثُونَهُمْ , فَذَلِكَ حِين يَنْدَمُونَ . 2015 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قِصَّة ذَكَرَهَا فَقَالَ : فَلَيْسَ نَفْس إلَّا وَهِيَ تَنْظُر إلَى بَيْت فِي الْجَنَّة وَبَيْت فِي النَّار , وَهُوَ يَوْم الْحَسْرَة . قَالَ : فَيَرَى أَهْل النَّار الَّذِينَ فِي الْجَنَّة , فَيُقَال لَهُمْ : لَوْ عَمِلْتُمْ ! فَتَأْخُذهُمْ الْحَسْرَة . قَالَ : فَيَرَى أَهْل الْجَنَّة الْبَيْت الَّذِي فِي النَّار , فَيُقَال : لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ ! فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَكُون مُضَافًا إلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل مَا لَمْ يَعْمَلُوهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل ؟ قِيلَ : كَمَا يَعْرِض عَلَى الرَّجُل الْعَمَل فَيُقَال لَهُ قَبْل أَنْ يَعْمَلهُ : هَذَا عَمَلك , يَعْنِي هَذَا الَّذِي يَجِب عَلَيْك أَنْ تَعْمَلهُ , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ يَحْضُر غَدَاؤُهُ قَبْل أَنْ يَتَغَدَّى بِهِ : هَذَا غَدَاؤُك الْيَوْم , يَعْنِي بِهِ : هَذَا مَا تَتَغَدَّى بِهِ الْيَوْم , فَكَذَلِكَ قَوْله : { كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ } يَعْنِي : كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ الَّتِي كَانَ لَازِمًا لَهُمْ الْعَمَل بِهَا فِي الدُّنْيَا حَسَرَات عَلَيْهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة حَسَرَات عَلَيْهِمْ : لِمَ عَمِلُوهَا , وَهَلَّا عَمِلُوا بِغَيْرِهَا مِمَّا يَرْضَى اللَّه تَعَالَى ! ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2016 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ } فَصَارَتْ أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة حَسْرَة عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة . 2017 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ } قَالَ : أَوَ لَيْسَ أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة الَّتِي أَدْخَلَهُمْ اللَّه بِهَا النَّار حَسَرَات عَلَيْهِمْ ؟ قَالَ : وَجَعَلَ أَعْمَال أَهْل الْجَنَّة لَهُمْ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّام الْخَالِيَة } 69 24 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ } كَذَلِكَ يُرِي اللَّه الْكَافِرِينَ أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة حَسَرَات عَلَيْهِمْ لِمَ عَمِلُوا بِهَا , وَهَلَّا عَمِلُوا بِغَيْرِهَا فَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ مِنْ أَعْمَالهمْ الرَّدِيئَة إذْ رَأَوْا جَزَاءَهَا مِنْ اللَّه وَعِقَابهَا ؟ لِأَنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيهِمْ أَعْمَالهمْ نَدَمًا عَلَيْهِمْ . فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر دُون مَا احْتَمَلَهُ الْبَاطِن الَّذِي لَا دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ الْمَعْنِيّ بِهَا . وَاَلَّذِي قَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبًا تَحْتَمِلهُ الْآيَة , فَإِنَّهُ مَنْزَع بَعِيد , وَلَا أَثَر بِأَنَّ ذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ تَقُوم بِهِ حُجَّة فَيُسَلِّم لَهَا , وَلَا دَلَالَة فِي ظَاهِر الْآيَة أَنَّهُ الْمُرَاد بِهَا . فَإِذْ كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ لَمْ يَحِلّ ظَاهِر التَّنْزِيل إلَى بَاطِن تَأْوِيل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّار } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَمَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتهمْ مِنْ الْكُفَّار - وَإِنْ نَدِمُوا بَعْد مُعَايَنَتهمْ مَا عَايَنُوا مِنْ عَذَاب اللَّه , فَاشْتَدَّتْ نَدَامَتهمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة , وَتَمَنَّوْا إلَى الدُّنْيَا كَرَّة لِيَنِيبُوا فِيهَا , وَيَتَبَرَّءُوا مِنْ مُضِلِّيهِمْ وَسَادَتهمْ الَّذِينَ كَانُوا يُطِيعُونَهُمْ

فِي مَعْصِيَة اللَّه فِيهَا - بِخَارِجِينَ مِنْ النَّار الَّتِي أَصْلَاهُمُوهَا اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا , وَلَا نَدَمهمْ فِيهَا بِمُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه حِينَئِذٍ , وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا مُخَلَّدُونَ . وَفِي هَذِهِ الْآيَة الدَّلَالَة عَلَى تَكْذِيب اللَّه الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَذَاب اللَّه أَهْل النَّار مِنْ أَهْل الْكُفْر مُنْقِض , وَأَنَّهُ إلَى نِهَايَة , ثُمَّ هُوَ بَعْد ذَلِكَ فَانٍ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ خَتَمَ الْخَبَر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ غَيْر خَارِجِينَ مِنْ النَّار بِغَيْرِ اسْتِثْنَاء مِنْهُ وَقْتًا دُون وَقْت , فَذَلِكَ إلَى غَيْر حَدّ وَلَا نِهَايَة .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌسورة البقرة الآية رقم 168
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْض حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : يَا أَيّهَا النَّاس كُلُوا مِمَّا أَحْلَلْت لَكُمْ مِنْ الْأَطْعِمَة عَلَى لِسَان رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَيَّبْته لَكُمْ مِمَّا تُحَرِّمُونَهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِمَّا لَمْ أُحَرِّمهُ عَلَيْكُمْ , دُون مَا حَرَّمْته عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَآكِل فَنَجَّسْته مِنْ مِيتَة وَدَم وَلَحْم خِنْزِير وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِي , وَدَعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان الَّذِي يُوبِقكُمْ فَيُهْلِككُمْ وَيُورِدكُمْ مَوَارِد الْعَطَب وَيُحَرِّم عَلَيْكُمْ أَمْوَالكُمْ فَلَا تَتَّبِعُوهَا وَلَا تَعْمَلُوا بِهَا , إنَّهُ - يَعْنِي بِقَوْلِهِ { إنَّهُ } إنَّ الشَّيْطَان , وَالْهَاء فِي قَوْله : { إنَّهُ } عَائِدَة عَلَى الشَّيْطَان - { لَكُمْ } أَيّهَا النَّاس { عَدُوّ مُبِين } يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عَدَاوَته بِإِبَائِهِ عَنْ السُّجُود لِأَبِيكُمْ وَغُرُوره إيَّاهُ حَتَّى

أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَّة وَاسْتَزَلَّهُ بِالْخَطِيئَةِ , وَأَكَلَ مِنْ الشَّجَرَة . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَا تَنْتَصِحُوهُ أَيّهَا النَّاس مَعَ إبَانَته لَكُمْ الْعَدَاوَة , وَدَعُوا مَا يَأْمُركُمْ بِهِ , وَالْتَزِمُوا طَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِمَّا أَحْلَلْته لَكُمْ وَحَرَّمْته عَلَيْكُمْ , دُون مَا حَرَّمْتُمُوهُ أَنْتُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَحَلَّلْتُمُوهُ طَاعَة مِنْكُمْ لِلشَّيْطَانِ وَاتِّبَاعًا لِأَمْرِهِ . وَمَعْنَى قَوْله { حَلَالًا } طَلْقًا , وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ حَلَّ لَك هَذَا الشَّيْء , أَيْ صَارَ لَك مُطْلَقًا , فَهُوَ يَحِلّ لَك حَلَالًا وَحَلًّا . مِنْ كَلَام الْعَرَب : هُوَ لَك حَلّ , أَيْ طَلْق . وَأَمَّا قَوْله : { طَيِّبًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ طَاهِرًا غَيْر نَجِس وَلَا مُحَرَّم . وَأَمَّا الْخُطُوَات فَإِنَّهُ جَمْع خُطْوَة , وَالْخُطْوَة : بُعْد مَا بَيْن قَدَمَيْ الْمَاشِي , وَالْخَطْوَة بِفَتْحِ الْخَاء : الْفَعْلَة الْوَاحِدَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : خَطَوْت خَطْوَة وَاحِدَة ; وَقَدْ تُجْمَع الْخُطْوَة خُطًا , وَالْخَطْوَة تُجْمَع خَطَوَات وَخِطَاء . وَالْمَعْنَى فِي النَّهْي عَنْ اتِّبَاع خُطُوَاته , النَّهْي عَنْ طَرِيقه وَأَثَره فِيمَا دَعَا إلَيْهِ مِمَّا هُوَ خِلَاف طَاعَة اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْخُطُوَات , فَقَالَ بَعْضهمْ : خُطُوَات الشَّيْطَان : عَمَله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2018 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { خُطُوَات الشَّيْطَان } يَقُول : عَمَله . وَقَالَ بَعْضهمْ : خُطُوَات الشَّيْطَان : خَطَايَاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2019 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { خُطُوَات الشَّيْطَان } قَالَ : خَطِيئَته * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : خَطَايَاهُ . 2020 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } قَالَ : خَطَايَاهُ . 2021 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { خُطُوَات الشَّيْطَان } قَالَ : خَطَايَا الشَّيْطَان الَّتِي يَأْمُر بِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : خُطُوَات الشَّيْطَان : طَاعَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2022 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } يَقُول : طَاعَته . وَقَالَ آخَرُونَ : خُطُوَات الشَّيْطَان : النُّذُور فِي الْمَعَاصِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2023 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي مِجْلَز فِي قَوْله : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } قَالَ : هِيَ النُّذُور فِي الْمَعَاصِي . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ فِي تَأْوِيل قَوْله خُطُوَات الشَّيْطَان قَرِيب مَعْنَى بَعْضهَا مِنْ بَعْض ; لِأَنَّ كُلّ قَائِل مِنْهُمْ قَوْلًا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَشَارَ إلَى نَهْي اتِّبَاع الشَّيْطَان فِي آثَاره وَأَعْمَاله . غَيْر أَنَّ حَقِيقَة تَأْوِيل الْكَلِمَة هُوَ مَا بَيَّنْت مِنْ أَنَّهَا بُعْد مَا بَيْن قَدَمَيْهِ ثُمَّ تُسْتَعْمَل فِي جَمِيع آثَاره وَطُرُقه عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت .
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَسورة البقرة الآية رقم 169
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّمَا يَأْمُركُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّمَا يَأْمُركُمْ } الشَّيْطَان { بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَالسُّوء : الْإِثْم مِثْل الضُّرّ مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَاءَك هَذَا الْأَمْر يَسُوءك سُوءًا ; وَهُوَ مَا يَسُوء الْفَاعِل . وَأَمَّا الْفَحْشَاء فَهِيَ مَصْدَر مِثْل السَّرَّاء

وَالضَّرَّاء , وَهِيَ كُلّ مَا اسْتَفْحَشَ ذِكْره وَقَبَحَ مَسْمُوعه . وَقِيلَ إنَّ السُّوء الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه هُوَ مَعَاصِي اللَّه ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّه سُوءًا لِأَنَّهَا تَسُوء صَاحِبهَا بِسُوءِ عَاقِبَتهَا لَهُ عِنْد اللَّه . وَقِيلَ إنَّ الْفَحْشَاء : الزِّنَا ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا يُسَمَّى لِقُبْحِ مَسْمُوعه وَمَكْرُوه مَا يُذْكَر بِهِ فَاعِله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2024 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّمَا يَأْمُركُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء } أَمَّا السُّوء فَالْمَعْصِيَة , وَأَمَّا الْفَحْشَاء فَالزِّنَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } فَهُوَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل وَالْحَوَامِي , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ ذَلِكَ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } 5 103 وَأَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ قَيْلهمْ إنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا مِنْ الْكَذِب الَّذِي يَأْمُرهُمْ بِهِ الشَّيْطَان , وَأَنَّهُ قَدْ أَحَلَّهُ لَهُمْ وَطَيَّبَهُ , وَلَمْ يُحَرِّم أَكْله عَلَيْهِمْ , وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَته طَاعَة مِنْهُمْ لِلشَّيْطَانِ , وَاتِّبَاعًا مِنْهُمْ خُطُوَاته , وَاقْتِفَاء مِنْهُمْ آثَار أَسْلَافهمْ الضُّلَّالِ وَآبَائِهِمْ الْجُهَّال , الَّذِينَ كَانُوا بِاَللَّهِ وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَى رَسُوله جُهَّالًا , وَعَنْ الْحَقّ وَمِنْهَاجه ضُلَّالًا ; وَإِسْرَافًا مِنْهُمْ , كَمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه عَلَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَسورة البقرة الآية رقم 170
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } وَفِي هَذِهِ الْآيَة وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل : أَحَدهمَا أَنْ تَكُون الْهَاء وَالْمِيم مِنْ قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } عَائِدَة عَلَى " مِنْ " فِي قَوْله : { وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا } فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَمِنْ النَّاس مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا , وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . وَالْآخَر أَنْ تَكُون الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } مِنْ ذِكْر " النَّاس " الَّذِينَ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّاس كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْض حَلَالًا طَيِّبًا } فَيَكُون ذَلِكَ انْصِرَافًا مِنْ الْخِطَاب إلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ } 10 22 وَأَشْبَهَ عِنْدِي وَأَوْلَى بِالْآيَةِ أَنْ تَكُون الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله لَهُمْ مِنْ ذِكْر " النَّاس " , وَأَنْ يَكُون ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْ الْخِطَاب إلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيب قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّاس كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْض } فَلِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتَّخِذ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا مَعَ مَا بَيْنهمَا مِنْ الْآيَات وَانْقِطَاع قَصَصهمْ بِقِصَّةِ مُسْتَأْنَفَة غَيْرهَا , وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْيَهُود قَالُوا ذَلِكَ إذْ دُعُوا إلَى الْإِسْلَام . كَمَا : 2025 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : دَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُود مِنْ أَهْل الْكِتَاب إلَى الْإِسْلَام وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ , وَحَذَّرَهُمْ عِقَاب اللَّه وَنِقْمَته , فَقَالَ لَهُ رَافِع بْن خَارِجَة وَمَالِك بْن عَوْف : بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَم وَخَيْرًا مِنَّا ! فَأَنْزَلَ اللَّه مِنْ قَوْلهمَا : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَقَالَ لَهُ أَبُو رَافِع بْن خَارِجَة وَمَالِك بْن عَوْف . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه } فَإِنَّهُ : اعْمَلُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه عَلَى رَسُوله , فَأَحِلُّوا حَلَاله وَحَرِّمُوا حَرَامه , وَاجْعَلُوهُ لَكُمْ إمَامًا تَأْتَمُّونَ بِهِ , وَقَائِدًا تَتَّبِعُونَ أَحْكَامه . وَقَوْله : { أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } يَعْنِي وَجَدْنَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَأَلْفَيْته غَيْر مُسْتَعْتِب وَلَا ذَاكِر اللَّه إلَّا قَلِيلًا يَعْنِي وَجَدْته . وَكَمَا : 2026 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة : { قَالُوا بَلْ نَتَّبِع مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } أَيْ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا . 2027 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . فَمَعْنَى الْآيَة : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار كُلُوا مِمَّا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَدَعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان وَطَرِيقه وَاعْمَلُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابه , اسْتَكْبَرُوا عَنْ الْإِذْعَان لِلْحَقِّ , وَقَالُوا : بَلْ نَأْتَمّ بِآبَائِنَا فَنَتَّبِع مَا وَجَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَحْلِيل مَا كَانُوا يُحِلُّونَ وَتَحْرِيم مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ } يَعْنِي آبَاء هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى كُفْرهمْ بِاَللَّهِ الْعَظِيم لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنْ دِين اللَّه وَفَرَائِضه وَأَمْره وَنَهْيه , فَيَتَّبِعُونَ عَلَى مَا سَلَكُوا مِنْ الطَّرِيق وَيُؤْتَمّ بِهِمْ فِي أَفَعَالَهُمْ وَلَا يَهْتَدُونَ لِرُشْدٍ فَيَهْتَدِي بِهِمْ غَيْرهمْ , وَيَقْتَدِي بِهِمْ مَنْ طَلَبَ الدِّين , وَأَرَادَ الْحَقّ وَالصَّوَاب ؟ يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّار : فَكَيْف أَيّهَا النَّاس تَتَّبِعُونَ مَا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ فَتَتْرُكُونَ مَا يَأْمُركُمْ بِهِ رَبّكُمْ وَآبَاؤُكُمْ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ أَمْر اللَّه شَيْئًا وَلَا هُمْ مُصِيبُونَ حَقًّا وَلَا مُدْرِكُونَ رُشْدًا ؟ وَإِنَّمَا يَتَّبِع الْمُتَّبِع ذَا الْمَعْرِفَة بِالشَّيْءِ الْمُسْتَعْمِل لَهُ فِي نَفْسه , فَأَمَّا الْجَاهِل فَلَا يَتَّبِعهُ فِيمَا هُوَ بِهِ جَاهِل إلَّا مَنْ لَا عَقْل لَهُ وَلَا تَمْيِيز .
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَسورة البقرة الآية رقم 171
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَثَل الْكَافِر فِي قِلَّة فَهْمه عَنْ اللَّه مَا يُتْلَى عَلَيْهِ فِي كِتَابه وَسُوء قَبُوله لِمَا يُدْعَى إلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَيُوعَظ بِهِ , مَثَل الْبَهِيمَة الَّتِي تَسْمَع الصَّوْت إذَا نَعَقَ بِهَا وَلَا تَعْقِل مَا يُقَال لَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2028 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } قَالَ : مَثَل الْبَعِير أَوْ مَثَل الْحِمَار تَدْعُوهُ فَيَسْمَع الصَّوْت وَلَا يَفْقَه مَا تَقُول . 2029 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد السَّمْتِيّ , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع } قَالَ : هُوَ كَمَثَلِ الشَّاة وَنَحْو ذَلِكَ . 2030 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } كَمَثَلِ الْبَعِير وَالْحِمَار وَالشَّاة إنْ قُلْت لِبَعْضِهَا كُلّ لَا يَعْلَم مَا تَقُول غَيْر أَنَّهُ يَسْمَع صَوْتك , وَكَذَلِكَ الْكَافِر إنْ أَمَرْته بِخَيْرِ أَوْ نَهَيْته عَنْ شَرّ أَوْ وَعَظْته لَمْ يَعْقِل مَا تَقُول غَيْر أَنَّهُ يَسْمَع صَوْتك . * - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : مَثَل الدَّابَّة تُنَادَى فَتَسْمَع وَلَا تَعْقِل مَا يُقَال لَهَا كَذَلِكَ الْكَافِر يَسْمَع الصَّوْت وَلَا يَعْقِل . 2031 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع } قَالَ : مَثَل الْكَافِر مَثَل الْبَهِيمَة تَسْمَع الصَّوْت وَلَا تَعْقِل . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ } مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ يَسْمَع مَا يُقَال لَهُ وَلَا يَعْقِل , كَمَثَلِ الْبَهِيمَة تَسْمَع النَّعِيق وَلَا تَعْقِل . 2032 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } يَقُول : مَثَل الْكَافِر كَمَثَلِ الْبَعِير وَالشَّاة يَسْمَع الصَّوْت وَلَا يَعْقِل وَلَا يَدْرِي مَا عُنِيَ بِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } قَالَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ , يَقُول : مَثَل هَذَا الْكَافِر مَثَل هَذِهِ الْبَهِيمَة الَّتِي تَسْمَع الصَّوْت وَلَا تَدْرِي مَا يُقَال لَهَا , فَكَذَلِكَ الْكَافِر لَا يَنْتَفِع بِمَا يُقَال لَهُ . 2033 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَالَ : هُوَ مَثَل الْكَافِر يَسْمَع الصَّوْت وَلَا يَعْقِل مَا يُقَال لَهُ . 2034 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : سَأَلْت عَطَاء , ثُمَّ قُلْت لَهُ : يُقَال لَا تَعْقِل , يَعْنِي الْبَهِيمَة , إلَّا أَنَّهَا تَسْمَع دُعَاء الدَّاعِي حِين يَنْعِقُ بِهَا , فَهُمْ كَذَلِكَ لَا يَعْقِلُونَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ . فَقَالَ : كَذَلِكَ . قَالَ : وَقَالَ مُجَاهِد : " الَّذِي يَنْعِقُ " الرَّاعِي " بِمَا لَا يَسْمَع " مِنْ الْبَهَائِم . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ الرَّاعِي بِمَا لَا يَسْمَع مِنْ الْبَهَائِم . 2035 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } لَا يَعْقِل مَا يُقَال لَهُ إلَّا أَنْ تُدْعَى فَتَأْتِي أَوْ يُنَادَى بِهَا فَتَذْهَب , وَأَمَّا الَّذِي يَنْعِقُ فَهُوَ الرَّاعِي الْغَنَم كَمَا يَنْعِقُ الرَّعْي بِمَا لَا يَسْمَع مَا يُقَال لَهُ , إلَّا أَنْ يُدْعَى أَوْ يُنَادَى , فَكَذَلِكَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مَنْ لَا يَسْمَع إلَّا خَرِير الْكَلَام يَقُول اللَّه : { صُمّ بُكْم عُمْي } . وَمَعْنَى قَائِلِي هَذَا الْقَوْل فِي تَأْوِيلهمْ مَا تَأَوَّلُوا عَلَى مَا حُكِيَتْ عَنْهُمْ : وَمَثَل وَعْظ الَّذِينَ كَفَرُوا وَوَاعِظهمْ كَمَثَلِ نَعْق النَّاعِق بِغَنَمِهِ وَنَعِيقه بِهَا . فَأُضِيفَ الْمَثَل إلَى الَّذِينَ كَفَرُوا , وَتَرَكَ ذِكْر الْوَعْظ وَالْوَاعِظ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ , كَمَا يُقَال : إذَا لَقِيت فُلَانًا فَعَظِّمْهُ تَعْظِيم السُّلْطَان , يُرَاد بِهِ كَمَا تُعَظِّم السُّلْطَان , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَسْت مُسَلِّمًا مَا دُمْت حَيًّا عَلَى زَيْد بِتَسْلِيمِ الْأَمِير يُرَاد بِهِ : كَمَا يُسَلِّم عَلَى الْأَمِير . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ : وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّة فَهْمهمْ عَنْ اللَّه وَعَنْ رَسُوله كَمَثَلِ الْمَنْعُوق بِهِ مِنْ الْبَهَائِم الَّذِي لَا يَفْقَه مِنْ الْأَمْر وَالنَّهْي غَيْر الصَّوْت , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ : اعْتَلِفْ أَوْ رُدْ الْمَاء ! لَمْ يَدْرِ مَا يُقَال لَهُ غَيْر الصَّوْت الَّذِي يَسْمَعهُ مِنْ قَائِله فَكَذَلِكَ الْكَافِر , مَثَله فِي قِلَّة فَهْمه لِمَا يُؤْمَر بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ بِسُوءِ تَدَبُّره إيَّاهُ وَقِلَّة نَظَره وَفِكْره فِيهِ , مَثَل هَذَا الْمَنْعُوق بِهِ فِيمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ . فَيَكُون الْمَعْنَى لِلْمَنْعُوقِ بِهِ وَالْكَلَام خَارِج عَلَى النَّاعِق , كَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَانَ : وَقَدْ خِفْت حَتَّى مَا تَزِيد مَخَافَتِي عَلَى وَعِل فِي ذِي الْمَطَارَة عَاقِل وَالْمَعْنَى : حَتَّى مَا تَزِيد مَخَافَة الْوَعِل عَلَى مَخَافَتِي , وَكَمَا قَالَ الْآخَر : كَانَتْ فَرِيضَة مَا تَقُول كَمَا كَانَ الزَّنَّاء فَرِيضَة الرَّجْم وَالْمَعْنَى : كَمَا كَانَ الرَّجْم فَرِيضَة الزِّنَا فَجَعَلَ الزِّنَا فَرِيضَة الرَّجْم لِوُضُوحِ مَعْنَى الْكَلَام عِنْد سَامِعه . وَكَمَا قَالَ الْآخَر : إنَّ سِرَاجًا لَكَرِيم مَفْخَره تَحْلَى بِهِ الْعَيْن إذَا مَا تَجْهَرهُ وَالْمَعْنَى : يَحْلَى بِالْعَيْنِ فَجَعَلَهُ تَحْلَى بِهِ الْعَيْن وَنَظَائِر ذَلِكَ مِنْ كَلَام الْعَرَب أَكْثَر مَنْ أَنَّ يُحْصَى مِمَّا تُوَجِّههُ الْعَرَب مِنْ خَبَر مَا تُخْبِر عَنْهُ إلَى مَا صَاحِبه لِظُهُورِ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْد سَامِعه , فَتَقُول : أَعْرِضْ الْحَوْض عَلَى النَّاقَة , وَإِنَّمَا تُعْرَض النَّاقَة عَلَى الْحَوْض , وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ كَلَامهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتهمْ وَأَوْثَانهمْ الَّتِي لَا تَسْمَع وَلَا تَعْقِل , كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعَق بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء , وَذَلِكَ الصَّدَى الَّذِي يَسْمَع صَوْته , وَلَا يَفْهَم بِهِ عَنْهُ النَّاعِق شَيْئًا . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى قَوْل قَائِل ذَلِكَ : وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا وَآلِهَتهمْ فِي دُعَائِهِمْ إيَّاهَا وَهِيَ لَا تَفْقَه وَلَا تَعْقِل كَمَثَلِ النَّاعِق بِمَا لَا يَسْمَعهُ النَّاعِق إلَّا دُعَاء وَنِدَاء , أَيْ لَا يَسْمَع مِنْهُ النَّاعِق إلَّا دُعَاءَهُ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2036 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء } قَالَ : الرَّجُل الَّذِي يَصِيح فِي جَوْف الْجِبَال فَيُجِيبهُ فِيهَا صَوْت يُرَاجِعهُ يُقَال لَهُ الصَّدَى , فَمَثَل آلِهَة هَؤُلَاءِ لَهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي يُجِيبهُ بِهَذَا الصَّوْت لَا يَنْفَعهُ لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء . قَالَ : وَالْعَرَب تُسَمِّي ذَلِكَ الصَّدَى . وَقَدْ تَحْتَمِل الْآيَة عَلَى هَذَا التَّأْوِيل وَجْهًا آخَر غَيْر ذَلِكَ , وَهُوَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهَا : وَمَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمْ آلِهَتهمْ الَّتِي لَا تَفْقَه دُعَاءَهُمْ كَمَثَلِ النَّاعِق بِغَنَمِ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَسْمَع صَوْته غَنَمه فَلَا تَنْتَفِع مِنْ نَعْقه بِشَيْءِ غَيْر أَنَّهُ فِي عَنَاء مِنْ دُعَاء وَنِدَاء , فَكَذَلِكَ الْكَافِر فِي دُعَائِهِ آلِهَته إنَّمَا هُوَ فِي عَنَاء مِنْ دُعَائِهِ إيَّاهَا وَنِدَائِهِ لَهَا , وَلَا يَنْفَعهُ شَيْء . وَأَوْلَى التَّأْوِيل عِنْدِي بِالْآيَةِ التَّأْوِيل الْأَوَّل الَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : وَمَثَل وَعْظ الْكَافِر وَوَاعِظه كَمَثَلِ النَّاعِق بِغَنَمِهِ وَنَعِيقه , فَإِنَّهُ يَسْمَع نَعْقه وَلَا يَعْقِل كَلَامه عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل . فَأَمَّا وَجْه جَوَاز حَذْف " وَعْظ " اكْتِفَاء بِالْمَثَلِ مِنْهُ فَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْهُ فِي قَوْله : { مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } 2 17 وَفِي غَيْره مِنْ نَظَائِره مِنْ الْآيَات بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة عَنْ إعَادَته . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا التَّأْوِيل , لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْيَهُود , وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِهَا , وَلَمْ تَكُنْ الْيَهُود أَهْل أَوْثَان يَعْبُدُونَهَا وَلَا أَهْل أَصْنَام يُعَظِّمُونَهَا وَيَرْجُونَ نَفْعهَا أَوْ دَفْع ضُرّهَا . وَلَا وَجْه إذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى : مَثَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِي نِدَائِهِمْ الْآلِهَة وَدُعَائِهِمْ إيَّاهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا دَلِيلك عَلَى أَنَّ الْمَقْصُود بِهَذِهِ الْآيَة الْيَهُود ؟ قِيلَ : دَلِيلنَا عَلَى ذَلِكَ مَا قَبْلهَا مِنْ الْآيَات وَمَا بَعْدهَا ,

فَإِنَّهُمْ هُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِهِ , فَكَانَ مَا بَيْنهمَا بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُمْ أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ غَيْرهمْ حَتَّى تَأْتِي الْأَدِلَّة وَاضِحَة بِانْصِرَافِ الْخَبَر عَنْهُمْ إلَى غَيْرهمْ . هَذَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَار عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ أَنَّهَا فِيهِمْ نَزَلَتْ , وَالرِّوَايَة الَّتِي رَوَيْنَا عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّ الْآيَة الَّتِي قَبْل هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيهِمْ . وَبِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا الْيَهُود كَانَ عَطَاء يَقُول . 2037 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء فِي هَذِهِ الْآيَة : هُمْ الْيَهُود الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } إلَى قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } 2 174 : 175 وَأَمَّا قَوْله { يَنْعِقُ } فَإِنَّهُ يُصَوِّت بِالْغَنَمِ النَّعِيق وَالنُّعَاق , وَمِنْهُ قَوْل الْأَخْطَل : فَانْعِقْ بِضَأْنِك يَا جَرِير فَإِنَّمَا مَنَّتْك نَفْسك فِي الْخَلَاء ضَلَالَا يَعْنِي : صَوِّتْ بِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { صُمّ بُكْم عُمْي فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { صُمّ بُكْم عُمْي } هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَع إلَّا دُعَاء وَنِدَاء , صُمّ عَنْ الْحَقّ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ , بُكْم يَعْنِي خُرْس عَنْ قَيْل الْحَقّ وَالصَّوَاب وَالْإِقْرَار بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يُقِرُّوا بِهِ وَتَبْيِين مَا أَمَرَهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُبَيِّنُوهُ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ , فَلَا يَنْطِقُونَ بِهِ وَلَا يَقُولُونَهُ وَلَا يُبَيِّنُونَهُ لِلنَّاسِ , عُمْي عَنْ الْهُدَى وَطَرِيق الْحَقّ فَلَا يُبْصِرُونَهُ . كَمَا : 2038 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد عَنْ سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَوْله : { صُمّ بُكْم عُمْي } يَقُول : صُمّ عَنْ الْحَقّ فَلَا

يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلَا يَعْقِلُونَهُ , عُمْي عَنْ الْحَقّ وَالْهُدَى فَلَا يُبْصِرُونَهُ , بُكْم عَنْ الْحَقّ فَلَا يَنْطِقُونَ بِهِ . 2039 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { صُمّ بُكْم عُمْي } يَقُول عَنْ الْحَقّ . 2040 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { صُمّ بُكْم عُمْي } يَقُول : لَا يَسْمَعُونَ الْهُدَى وَلَا يُبْصِرُونَهُ وَلَا يَعْقِلُونَهُ . وَأَمَّا الرَّفْع فِي قَوْله : { صُمّ بُكْم عُمْي } فَإِنَّهُ أَتَاهُ مِنْ قِبَل الِابْتِدَاء وَالِاسْتِئْنَاف , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : هُوَ أَصَمّ لَا يَسْمَع , وَهُوَ أَبْكَم لَا يَتَكَلَّم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَسورة البقرة الآية رقم 172
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ , وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ . كَمَا : 2041 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : صَدَقُوا . { كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } يَعْنِي : اطْعَمُوا مِنْ حَلَال الرِّزْق الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ لَكُمْ , فَطَابَ لَكُمْ بِتَحْلِيلِي إيَّاهُ لَكُمْ مِمَّا كُنْتُمْ تُحَرِّمُونَ أَنْتُمْ وَلَمْ أَكُنْ حَرَّمْته عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب . { وَاشْكُرُوا لِلَّهِ } يَقُول : وَأُثْنُوا عَلَى اللَّه بِمَا هُوَ أَهْله مِنْكُمْ عَلَى النَّعَم الَّتِي رَزَقَك وَطَيَّبَهَا لَكُمْ , { إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } يَقُول : إنْ كُنْتُمْ مُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ , فَكُلُوا مِمَّا أَبَاحَ لَكُمْ أَكْله وَحَلَّلَهُ وَطَيَّبَهُ لَكُمْ , وَدَعُوا فِي تَحْرِيمه خُطُوَات الشَّيْطَان . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض مَا كَانُوا فِي جَاهِلِيَّتهمْ يُحَرِّمُونَهُ مِنْ الْمَطَاعِم , وَهُوَ الَّذِي نَدَبَهُمْ إلَى أَكْله وَنَهَاهُمْ عَنْ اعْتِقَاد تَحْرِيمه , إذْ كَانَ تَحْرِيمهمْ إيَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّة طَاعَة مِنْهُمْ لِلشَّيْطَانِ وَاتِّبَاعًا لِأَهْلِ الْكُفْر مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مِنْ الْآبَاء وَالْأَسْلَاف . ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ , وَفَصَّلَهُ لَهُمْ مُفَسَّرًا .
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة البقرة الآية رقم 173
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : لَا تُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ مَا لَمْ أُحَرِّمهُ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَنَحْو ذَلِكَ , بَلْ كُلُوا ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أُحَرِّم عَلَيْكُمْ غَيْر الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِي . وَمَعْنَى قَوْله : { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة } : مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا الْمَيْتَة : " وَإِنَّمَا " : حَرْف وَاحِد , وَلِذَلِكَ نُصِبَتْ الْمَيْتَة وَالدَّم , وَغَيْر جَائِز فِي الْمَيْتَة إذَا جُعِلَتْ " إنَّمَا " حَرْفًا وَاحِدًا إلَّا النَّصْب , وَلَوْ كَانَتْ " إنَّمَا " حَرْفَيْنِ وَكَانَتْ مُنْفَصِلَة مِنْ " إنَّ " لَكَانَتْ الْمَيْتَة مَرْفُوعَة وَمَا بَعْدهَا , وَكَانَ تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : إنَّ الَّذِي حَرَّمَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَطَاعِم الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير لَا غَيْر ذَلِكَ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل . وَلَسْت لِلْقِرَاءَةِ بِهِ مُسْتَجِيزًا , وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي التَّأْوِيل وَالْعَرَبِيَّة وَجْه مَفْهُوم , لِاتِّفَاقِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى خِلَافه , فَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ الِاعْتِرَاض عَلَيْهِمْ فِيمَا نَقَلُوهُ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ , وَلَوْ قُرِئَ فِي " حَرَّمَ " بِضَمِّ الْحَاء مِنْ " حَرَّمَ " لَكَانَ فِي الْمَيْتَة وَجْهَانِ

مِنْ الرَّفْع : أَحَدهمَا مِنْ أَنَّ الْفَاعِل غَيْر مُسَمَّى , و " إنَّمَا " حَرْف وَاحِد . وَالْآخَر " إنَّ " و " مَا " فِي مَعْنَى حَرْفَيْنِ , و " حَرَّمَ " مِنْ صِلَة " مَا " , وَالْمَيْتَة خَبَر " الَّذِي " مَرْفُوع عَلَى الْخَبَر وَلَسْت وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَيْضًا وَجْه مُسْتَجِيزًا لِلْقِرَاءَةِ بِهِ لِمَا ذَكَرْت . وَأَمَّا الْمَيْتَة فَإِنَّ الْقُرَّاء مُخْتَلِفَة فِي قِرَاءَتهَا , فَقَرَأَهَا بَعْضهمْ بِالتَّخْفِيفِ وَمَعْنَاهُ فِيهَا التَّشْدِيد , وَلَكِنَّهُ يُخَفِّفهَا كَمَا يُخَفِّف الْقَائِلُونَ : هُوَ هَيِّن لَيِّن الْهَيِّن اللَّيِّن , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتِ إنَّمَا الْمَيْت مَيِّت الْأَحْيَاء فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ فِي بَيْت وَاحِد فِي مَعْنَى وَاحِد . وَقَرَأَهَا بَعْضهمْ بِالتَّشْدِيدِ وَحَمَلُوهَا عَلَى الْأَصْل , وَقَالُوا : إنَّمَا هُوَ " مَيْوِت " , فَيْعِل مِنْ الْمَوْت , وَلَكِنَّ الْيَاء السَّاكِنَة وَالْوَاو الْمُتَحَرِّكَة لَمَّا اجْتَمَعَتَا وَالْيَاء مَعَ سُكُونهَا مُتَقَدِّمَة قُلِبَتْ الْوَاو يَاء وَشُدِّدَتْ فَصَارَتَا يَاء مُشَدَّدَة , كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي سَيِّد وَجَيِّد . قَالُوا : وَمَنْ خَفَّفَهَا فَإِنَّمَا طَلَبَ الْخِفَّة . وَالْقِرَاءَة بِهَا عَلَى أَصْلهَا الَّذِي هُوَ أَصْلهَا أَوْلَى . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ التَّخْفِيف وَالتَّشْدِيد فِي يَاء الْمَيْتَة لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي الْقِرَاءَة وَفِي كَلَام الْعَرَب , فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئ فَمُصِيب لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَاف فِي مَعْنَيَيْهِمَا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : وَمَا ذُبِحَ لِلْآلِهَةِ وَالْأَوْثَان يُسَمَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِ اسْمه أَوْ قُصِدَ بِهِ غَيْره مِنْ الْأَصْنَام . وَإِنَّمَا قِيلَ : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَرَادُوا ذَبْح مَا قَرَّبُوهُ لِآلِهَتِهِمْ سَمَّوْا اسْم آلِهَتهمْ الَّتِي قَرَّبُوا ذَلِكَ لَهَا وَجَهَرُوا بِذَلِكَ أَصْوَاتهمْ , فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِح يُسَمِّي أَوْ لَمْ يُسَمِّ جَهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ لَمْ يَجْهَر : " مُهِلّ " , فَرَفْعهمْ أَصْوَاتهمْ بِذَلِكَ هُوَ الْإِهْلَال الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فَقَالَ : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمُلَبِّي فِي حَجَّة أَوْ عُمْرَة مُهِلّ , لِرَفْعِهِ صَوْته بِالتَّلْبِيَةِ ; وَمِنْهُ اسْتِهْلَال الصَّبِيّ : إذَا صَاحَ عِنْد سُقُوطه مِنْ بَطْن أُمّه , وَاسْتِهْلَال الْمَطَر : وَهُوَ صَوْت وُقُوعه عَلَى الْأَرْض , كَمَا قَالَ عَمْرو بْن قَمِيئَة : ظَلَم الْبِطَاح لَهُ انْهِلَال حَرِيصَة فَصَفَا النِّطَاف لَهُ بُعَيْد الْمُقْلَع وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2042 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه مِمَّا لَمْ يُسَمَّ عَلَيْهِ . 2043 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه . 2044 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : مَا أُهِلَّ بِهِ لِلطَّوَاغِيتِ . 2045 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَالَ : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : مَا أُهِلَّ بِهِ لِلطَّوَاغِيتِ . 2046 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : {

وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } يَعْنِي مَا أُهِلَّ لِلطَّوَاغِيتِ كُلّهَا , يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه مِنْ أَهْل الْكُفْر غَيْر الْيَهُود وَالنَّصَارَى . 2047 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء فِي قَوْل اللَّه : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : هُوَ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اسْم اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2048 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } يَقُول : مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْر اسْم اللَّه . 2049 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن دُرَيْد , وَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : مَا يُذْبَح لِآلِهَتِهِمْ الْأَنْصَاب الَّتِي يَعْبُدُونَهَا , أَوْ يُسَمُّونَ أَسْمَاءَهَا عَلَيْهَا . قَالَ : يَقُولُونَ بِاسْمِ فُلَان , كَمَا تَقُول أَنْت بِاسْمِ اللَّه . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } . 2050 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثنا حَيْوَة عَنْ عُقْبَة بْن مُسْلِم التَّجِيبِيّ , وَقَيْس بْن رَافِع الْأَشْجَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا : أُحِلّ لَنَا مَا ذُبِحَ لِعِيدِ الْكَنَائِس , وَمَا أُهْدِيَ لَهَا مِنْ خُبْز أَوْ لَحْم , فَإِنَّمَا هُوَ طَعَام أَهْل الْكِتَاب . قَالَ حَيْوَة : قُلْت : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه } قَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ الْمَجُوس وَأَهْل الْأَوْثَان وَالْمُشْرِكُونَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } فَمَنْ حَلَّتْ بِهِ ضَرُورَة مَجَاعَة إلَى مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْ الْمَيْتَة وَالدَّم وَلَحْم الْخِنْزِير وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه , وَهُوَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا , فَلَا إثْم عَلَيْهِ فِي أَكْله إنْ أَكَلَهُ . وَقَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } اُفْتُعِلَ مِنْ الضَّرُورَة , " وَغَيْر بَاغٍ " نُصِبَ عَلَى الْحَال مِنْ " مَنْ " , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَمَنْ اُضْطُرَّ لَا بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا فَأَكَلَهُ , فَهُوَ لَهُ حَلَال . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ } فَمَنْ أُكْرِه عَلَى أَكْله فَأَكَلَهُ , فَلَا إثْم عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2051 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : الرَّجُل يَأْخُذهُ الْعَدُوّ فَيَدْعُونَهُ إلَى مَعْصِيَة اللَّه . وَأَمَّا قَوْله : { غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله مُخْتَلِفُونَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { غَيْر بَاغٍ } غَيْر خَارِج عَلَى الْأَئِمَّة بِسَيْفِهِ بَاغِيًا عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ جَوْر , وَلَا عَادِيًا عَلَيْهِمْ بِحَرْبِ وَعُدْوَان فَمُفْسِد عَلَيْهِمْ السَّبِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2052 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : غَيْر قَاطِع سَبِيل , وَلَا مُفَارِق جَمَاعَة , وَلَا خَارِج فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَلَهُ الرُّخْصَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } يَقُول : لَا قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ , وَلَا مُفَارِقًا لِلْأَئِمَّةِ , وَلَا خَارِجًا فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَلَهُ الرُّخْصَة . وَمَنْ خَرَجَ بَاغِيًا أَوْ عَادِيًا فِي مَعْصِيَة اللَّه , فَلَا رُخْصَة لَهُ وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ . 2053 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق , فَلَيْسَ لَهُ رُخْصَة إذَا جَاعَ أَنْ يَأْكُل الْمَيْتَة وَإِذَا عَطِشَ أَنْ يَشْرَب الْخَمْر . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن

نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك عَنْ سَالِم : يَعْنِي الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ الْبَاغِي الْعَادِي : الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق فَلَا رُخْصَة لَهُ وَلَا كَرَامَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُل اللَّه فَاضْطُرَّ إلَى شُرْب الْخَمْر شَرِبَ , وَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَة أَكَلَ , وَإِذَا خَرَجَ يَقْطَع الطَّرِيق فَلَا رُخْصَة لَهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : { غَيْر بَاغٍ } عَلَى الْأَئِمَّة { وَلَا عَادٍ } قَالَ : قَاطِع السَّبِيل . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : غَيْر قَاطِع السَّبِيل , وَلَا مُفَارِق الْأَئِمَّة , وَلَا خَارِج فِي مَعْصِيَة اللَّه فَلَهُ الرُّخْصَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : غَيْر بَاغٍ عَلَى الْأَئِمَّة , وَلَا عَادٍ عَلَى ابْن السَّبِيل . وَقَالَ آخَرُونَ فِي تَأْوِيل قَوْله { غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } : غَيْر بَاغٍ الْحَرَام فِي أَكْله , وَلَا مُعْتَدٍ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 2054 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : غَيْر بَاغٍ فِي أَكْله , وَلَا عَادٍ أَنْ يَتَعَدَّى حَلَالًا إلَى حَرَام وَهُوَ يَجِد عَنْهُ مَنْدُوحَة . 2055 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : غَيْر بَاغٍ فِيهَا وَلَا مُعْتَدٍ فِيهَا بِأَكْلِهَا وَهُوَ غَنِيّ عَنْهَا . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَن يَقُول ذَلِكَ . 2056 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } غَيْر بَاغٍ يَبْتَغِيه , وَلَا عَادٍ يَتَعَدَّى عَلَى مَا يُمْسِك نَفْسه . 2057 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } يَقُول : مِنْ غَيْر أَنْ يَبْتَغِي حَرَامًا وَيَتَعَدَّاهُ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ } . 23 7 2058 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } قَالَ : أَنْ يَأْكُل ذَلِكَ بَغْيًا وَتَعَدِّيًا عَنْ الْحَلَال إلَى الْحَرَام , وَيَتْرُك الْحَلَال وَهُوَ عِنْده , وَيَتَعَدَّى بِأَكْلِ هَذَا الْحَرَام هَذَا التَّعَدِّي , يُنْكِر أَنْ يَكُونَا مُخْتَلِفَيْنِ , وَيَقُول هَذَا وَهَذَا وَاحِد . وَقَالَ آخَرُونَ : تَأْوِيل ذَلِكَ { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ } فِي أَكْله شَهْوَة { وَلَا عَادٍ } فَوْق مَا لَا بُدّ لَهُ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2059 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ } أَمَّا بَاغٍ فَيَبْغِي فِيهِ شَهْوَته , وَأَمَّا الْعَادِي : فَيَتَعَدَّى فِي أَكْله , يَأْكُل حَتَّى يَشْبَع , وَلَكِنْ يَأْكُل مِنْهُ قَدْر مَا يُمْسِك بِهِ نَفْسه حَتَّى يَبْلُغ بِهِ حَاجَته . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْر بَاغٍ } بِأَكْلِهِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ أَكْله { وَلَا عَادٍ } فِي أَكْله , وَلَهُ عَنْ تَرْك أَكْله بِوُجُودِ غَيْره مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّه لَهُ مَنْدُوحَة وَغِنَى , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يُرَخِّص لِأَحَدٍ فِي قَتْل نَفْسه بِحَالٍ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَارِج عَلَى الْإِمَام وَالْقَاطِع الطَّرِيق وَإِنْ كَانَا قَدْ أَتَيَا مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا مِنْ خُرُوج هَذَا عَلَى مَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ وَسَعْي هَذَا بِالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْض , فَغَيْر مُبِيح لَهُمَا فِعْلهمَا مَا فَعَلَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا مَا كَانَ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا قَبْل إتْيَانهمَا مَا أَتَيَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ قَتْل أَنْفُسهمَا , بَلْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمَا وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِمَا إلَى مَحَارِم اللَّه عَلَيْهِمَا تَحْرِيمًا فَغَيْر مُرَخَّص لَهُمَا مَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَبْل ذَلِكَ حَرَامًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب عَلَى قُطَّاع الطَّرِيق وَالْبُغَاة عَلَى الْأَئِمَّة الْعَادِلَة , الْأَوْبَة إلَى طَاعَة اللَّه , وَالرُّجُوع إلَى مَا أَلْزَمَهُمَا اللَّه الرُّجُوع إلَيْهِ , وَالتَّوْبَة مِنْ مَعَاصِي اللَّه لَا قَتْل أَنْفُسهمَا بِالْمَجَاعَةِ , فَيَزْدَادَانِ إلَى إثْمهمَا إثْمًا , وَإِلَى خِلَافهمَا أَمْر اللَّه خِلَافًا . وَأَمَّا الَّذِي وَجَّهَ تَأْوِيل ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ غَيْر بَاغٍ فِي أَكْله شَهْوَة , فَأَكَلَ ذَلِكَ شَهْوَة لَا لِدَفْعِ الضَّرُورَة الْمَخُوف مِنْهَا الْهَلَاك مِمَّا قَدْ دَخَلَ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِ , فَهُوَ بِمَعْنَى مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيله , وَإِنْ كَانَ لِلَفْظِهِ مُخَالِفًا . فَأَمَّا تَوْجِيه تَأْوِيل قَوْله : { وَلَا عَادٍ } ولَا آكِل مِنْهُ شِبَعه وَلَكِنْ مَا يُمْسِك بِهِ نَفْسه ; فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْض مَعَانِي الِاعْتِدَاء فِي أَكْله , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه مِنْ مَعَانِي الِاعْتِدَاء فِي أَكْله مَعْنَى فَيُقَال عَنَى بِهِ بَعْض مَعَانِيه . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ الِاعْتِدَاء فِي كُلّ مَعَانِيه الْمُحَرَّمَة .

وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَلَا إثْم

عَلَيْهِ } يَقُول : مَنْ أَكَلَ ذَلِكَ عَلَى الصِّفَة الَّتِي وَصَفْنَا فَلَا تَبَعَة عَلَيْهِ فِي أَكْله ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَا حَرَج .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } إنَّ اللَّه غَفُور إنْ أَطَعْتُمْ اللَّه فِي إسْلَامكُمْ فَاجْتَنَبْتُمْ أَكْل مَا حَرَّمَ

عَلَيْكُمْ وَتَرَكْتُمْ اتِّبَاع الشَّيْطَان فِيمَا كُنْتُمْ تُحَرِّمُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتكُمْ , طَاعَة مِنْكُمْ لِلشَّيْطَانِ وَاقْتِفَاء مِنْكُمْ خُطُوَاته , مِمَّا لَمْ أُحَرِّمهُ عَلَيْكُمْ لِمَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي كُفْركُمْ وَقَبْل إسْلَامكُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ خَطَأ وَذَنْب وَمَعْصِيَة , فَصَافَحَ عَنْكُمْ , وَتَارَكَ عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهِ , رَحِيم بُكْم إنْ أَطَعْتُمُوهُ .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة البقرة الآية رقم 174
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب } أَحْبَار الْيَهُود الَّذِينَ كَتَمُوا النَّاس أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة بِرَشَا كَانُوا أَعْطَوْهَا عَلَى ذَلِكَ . كَمَا : 2060 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب } الْآيَة كُلّهَا : هُمْ أَهْل الْكِتَاب كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ مِنْ الْحَقّ وَالْهُدَى مِنْ بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْره . 2061 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقّ وَالْإِسْلَام وَشَأْن مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 2062 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب } فَهَؤُلَاءِ الْيَهُود كَتَمُوا اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

. 2063 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب } وَاَلَّتِي فِي آل عِمْرَان : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا } 3 77 نَزَلَتَا جَمِيعًا فِي يَهُود .

وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : يَبْتَاعُونَ بِهِ . وَالْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " مِنْ ذِكْر الْكِتْمَان , فَمَعْنَاهُ : ابْتَاعُوا بِكِتْمَانِهِمْ مَا كَتَمُوا النَّاس مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْر نُبُوَّته ثَمَنًا قَلِيلًا . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي كَانُوا يُعْطُونَ عَلَى تَحْرِيفهمْ كِتَاب اللَّه وَتَأْوِيلُهُمُوهُ عَلَى غَيْر وَجْهه وَكِتْمَانهمْ الْحَقّ فِي ذَلِكَ , الْيَسِير مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . كَمَا : 2064 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : كَتَمُوا اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَخَذُوا عَلَيْهِ طَمَعًا قَلِيلًا , فَهُوَ الثَّمَن الْقَلِيل . وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى صِفَة اشْتِرَائِهِمْ ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته هَهُنَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ إلَّا النَّار } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب فِي شَأْن مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَسِيسِ مِنْ الرِّشْوَة يُعْطُونَهَا , فَيُحَرِّفُونَ لِذَلِكَ آيَات اللَّه وَيُغَيِّرُونَ مَعَانِيهَا . { مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ } بِأَكْلِهِمْ

مَا أَكَلُوا مِنْ الرِّشَا عَلَى ذَلِكَ وَالْجَعَالَة وَمَا أَخَذُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْر { إلَّا النَّار } , يَعْنِي إلَّا مَا يُورِدهُمْ النَّار وَيُصْلِيهُمُوهَا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } 4 10 مَعْنَاهُ : مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ إلَّا مَا يُورِدهُمْ النَّار بِأَكْلِهِمْ . فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ النَّار وَفَهْم السَّامِعِينَ مَعْنَى الْكَلَام عَنْ ذِكْر مَا يُورِدهُمْ أَوْ يُدْخِلهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2065 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ إلَّا النَّار } يَقُول : مَا أَخَذُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ يَكُون الْأَكْل فِي غَيْر الْبَطْن فَيُقَال : مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ ؟ قِيلَ : قَدْ تَقُول الْعَرَب جُعْت فِي غَيْر بَطْنِي , وَشَبِعْت فِي غَيْر بَطْنِي , فَقِيلَ فِي بُطُونهمْ لِذَلِكَ كَمَا يُقَال : فَعَلَ فُلَان هَذَا نَفْسه وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فِيمَا مَضَى .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يُكَلِّمهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : وَلَا يُكَلِّمهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ وَيَشْتَهُونَ , فَأَمَّا بِمَا يَسُوءهُمْ وَيَكْرَهُونَ فَإِنَّهُ سَيُكَلِّمُهُمْ ; لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ يَقُول لَهُمْ

إذَا قَالُوا : { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } قَالَ : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } 23 107 : 108 لِآيَتَيْنِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا

يُزَكِّيهِمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَلَا يُطَهِّرهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبهمْ وَكُفْرهمْ , { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي مُوجِع .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِسورة البقرة الآية رقم 175
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى وَالْعَذَاب بِالْمَغْفِرَةِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى }

أُولَئِكَ الَّذِينَ أَخَذُوا الضَّلَالَة وَتَرَكُوا الْهُدَى , وَأَخَذُوا مَا يُوجِب لَهُمْ عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَتَرَكُوا مَا يُوجِب لَهُمْ غُفْرَانه وَرِضْوَانه . فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَذَاب وَالْمَغْفِرَة مِنْ ذِكْر السَّبَب الَّذِي يُوجِبهُمَا , لِفَهْمِ سَامِعِي ذَلِكَ لِمَعْنَاهُ وَالْمُرَاد مِنْهُ . وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى , وَكَذَلِكَ بَيَّنَّا وَجْه : { اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى } بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالدَّلَالَة الشَّاهِدَة بِمَا اخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل فِيمَا مَضَى قَبْل فَكَرِهْنَا إعَادَته .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الْعَمَل الَّذِي يُقَرِّبهُمْ إلَى النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2066 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } يَقُول : فَمَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الْعَمَل الَّذِي يُقَرِّبهُمْ إلَى النَّار . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } يَقُول : فَمَا أَجْرَأَهُمْ عَلَيْهَا . 2067 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ بِشْر عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } قَالَ : وَاَللَّه مَا لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ صَبْر , وَلَكِنْ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى النَّار . 2068 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ قَالَ : ثنا مِسْعَر . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو بُكَيْر , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ حَمَّاد عَنْ مُجَاهِد أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ بَعْض أَصْحَابه : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } مَا أَجْرَأَهُمْ . 2069 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } يَقُول : مَا أَجْرَأَهُمْ وَأَصْبَرهمْ عَلَى النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا أَعْمَلهُمْ بِأَعْمَالِ أَهْل

النَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2070 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } قَالَ : مَا أَعْمَلهُمْ بِالْبَاطِلِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل مَا الَّتِي فِي قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام وَكَأَنَّهُ قَالَ : فَمَا الَّذِي صَبَّرَهُمْ , أَيّ شَيْء صَبَّرَهُمْ ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2071 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } هَذَا عَلَى وَجْه الِاسْتِفْهَام , يَقُول : مَا الَّذِي أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار . 2072 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج الْأَعْوَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } قَالَ : مَا يُصَبِّرهُمْ عَلَى النَّار حِين تَرَكُوا الْحَقّ وَاتَّبَعُوا الْبَاطِل . 2073 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : سُئِلَ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } قَالَ : هَذَا اسْتِفْهَام , وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّبْر قَالَ : " فَمَا أَصْبَرهمْ " رَفْعًا , قَالَ : يُقَال لِلرَّجُلِ : " مَا أَصْبَرك " , مَا الَّذِي فَعَلَ بِك هَذَا ؟ 2074 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } قَالَ : هَذَا اسْتِفْهَام يَقُول : مَا هَذَا الَّذِي صَبَّرَهُمْ عَلَى النَّار حَتَّى جَرَّأَهُمْ فَعَمِلُوا بِهَذَا ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ تَعَجُّب , يَعْنِي : فَمَا أَشَدّ جَرَاءَتهمْ عَلَى النَّار بِعَمَلِهِمْ أَعْمَال أَهْل النَّار ! ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2075 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } قَالَ : مَا أَعْمَلهُمْ بِأَعْمَالِ أَهْل النَّار . وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَقَتَادَة , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْل . فَمَنْ قَالَ هُوَ تَعَجُّب , وَجْه تَأْوِيل الْكَلَام إلَى : أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى وَالْعَذَاب بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَشَدّ جَرَاءَتهمْ بِفِعْلِهِمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يُوجِب لَهُمْ النَّار , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { قُتِلَ الْإِنْسَان مَا أَكْفَره } 80 17 تَعَجُّبًا مِنْ كُفْره بِاَلَّذِي خَلَقَهُ وَسَوَّى خَلْقه . فَأَمَّا الَّذِينَ وَجَّهُوا تَأْوِيله إلَى الِاسْتِفْهَام فَمَعْنَاهُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَالَة بِالْهُدَى وَالْعَذَاب بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار - وَالنَّار لَا صَبْر عَلَيْهَا لِأَحَدٍ - حَتَّى اسْتَبْدَلُوهَا بِمَغْفِرَةِ اللَّه فَاعْتَاضُوهَا مِنْهَا بَدَلًا ؟ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى النَّار , بِمَعْنَى : مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى عَذَاب النَّار , وَأَعْمَلهُمْ بِأَعْمَالِ أَهْلهَا ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مَسْمُوع مِنْ الْعَرَب : مَا أَصْبَر فُلَانًا عَلَى اللَّه , بِمَعْنَى : مَا أَجْرَأ فُلَانًا عَلَى اللَّه ; وَإِنَّمَا يَعْجَب اللَّه خَلْقه بِإِظْهَارِ الْخَبَر عَنْ الْقَوْم الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته , وَاشْتِرَائِهِمْ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ السُّحْت وَالرِّشَا الَّتِي أُعْطُوهَا عَلَى وَجْه التَّعَجُّب مِنْ تَقَدُّمهمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمهمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِب لَهُمْ سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : " فَمَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى عَذَاب النَّار " وَلَكِنْ اُجْتُزِئَ بِذِكْرِ النَّار مِنْ ذِكْر عَذَابهَا كَمَا يُقَال : مَا أَشْبَه سَخَاءَك بِحَاتِمٍ , بِمَعْنَى : مَا أَشْبَه سَخَاءَك بِسَخَاءِ حَاتِم , وَمَا أَشْبَه شَجَاعَتك بِعَنْتَرَةَ .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍسورة البقرة الآية رقم 176
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ } أَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ } فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْمَعْنِيّ ب " ذَلِكَ " , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى " ذَلِكَ " فِعْلهمْ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُونَ مِنْ جَرَاءَتهمْ عَلَى عَذَاب النَّار فِي مُخَالَفَتهمْ أَمْر اللَّه وَكِتْمَانهمْ النَّاس مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه وَأَمَرَهُمْ بِبَيَانِهِ لَهُمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْر دِينه , مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه تَبَارَكَ تَعَالَى نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ , وَتَنْزِيله الْكِتَاب بِالْحَقِّ هُوَ خَبَره عَنْهُمْ فِي قَوْله لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتهمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ وَعَلَى سَمْعهمْ وَعَلَى

أَبْصَارهمْ غِشَاوَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } 2 6 : 7 فَهُمْ مَعَ مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يَكُون مِنْهُمْ غَيْر اشْتِرَاء الضَّلَالَة بِالْهُدَى وَالْعَذَاب بِالْمَغْفِرَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ ذَلِكَ مَعْلُوم لَهُمْ بِأَنَّ اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ ; لِأَنَّا قَدْ أَخْبَرْنَا فِي الْكِتَاب أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ وَالْكِتَاب حَقّ . كَأَنَّ قَائِلِي هَذَا الْقَوْل كَانَ تَأْوِيل الْآيَة عِنْدهمْ ذَلِكَ الْعَذَاب الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَيْهِ , مَعْلُوم أَنَّهُ لَهُمْ , لِأَنَّ اللَّه قَدْ أَخْبَرَ فِي مَوَاضِع مِنْ تَنْزِيله أَنَّ النَّار لِلْكَافِرِينَ , وَتَنْزِيله حَقّ , فَالْخَبَر عَنْ ذَلِكَ عِنْدهمْ مُضْمَر . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَصَفَ أَهْل النَّار فَقَالَ : { فَمَا أَصْبَرهمْ عَلَى النَّار } ثُمَّ قَالَ : هَذَا الْعَذَاب بِكُفْرِهِمْ , و " هَذَا " هَهُنَا عِنْدهمْ هِيَ الَّتِي يَجُوز مَكَانهَا " ذَلِكَ " كَأَنَّهُ قَالَ : فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ فَكَفَرُوا بِهِ , قَالَ : فَيَكُون " ذَلِكَ " إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ نَصْبًا وَيَكُون رَفْعًا بِالْبَاءِ وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي : أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلَى جَمِيع مَا حَوَاهُ قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّه مِنْ الْكِتَاب } إلَى قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه نَزَّلَ الْكِتَاب بِالْحَقِّ } مِنْ خَبَره عَنْ أَفْعَال أَحْبَار الْيَهُود وَذِكْره مَا أَعَدَّ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره مِنْ الْعِقَاب عَلَى ذَلِكَ , فَقَالَ : هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ هَؤُلَاءِ الْأَحْبَار مِنْ الْيَهُود بِكِتْمَانِهِمْ النَّاس مَا كَتَمُوا مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته مَعَ عِلْمهمْ بِهِ طَلَبًا مِنْهُمْ لِعَرَضِ مِنْ الدُّنْيَا خَسِيس , وَبِخِلَافِهِمْ أَمْرِي وَطَاعَتِي وَذَلِكَ - مِنْ تَرْكِي تَطْهِيرهمْ وَتَزْكِيَتهمْ وَتَكْلِيمهمْ , وَإِعْدَادِي لَهُمْ الْعَذَاب الْأَلِيم - بِأَنِّي أَنْزَلْت كِتَابِي بِالْحَقِّ فَكَفَرُوا بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ . فَيَكُون فِي " ذَلِكَ " حِينَئِذٍ وَجْهَانِ مِنْ الْإِعْرَاب : رَفْع وَنَصْب , وَالرَّفْع بِالْبَاءِ , وَالنَّصْب بِمَعْنَى : فَعَلْت ذَلِكَ بِأَنِّي أَنْزَلْت كِتَابِي بِالْحَقِّ فَكَفَرُوا بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَتَرَكَ ذِكْر : " فَكَفَرُوا بِهِ وَاخْتَلَفُوا " اجْتِزَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ .

وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَاب لَفِي شِقَاق بَعِيد } يَعْنِي بِذَلِكَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , اخْتَلَفُوا فِي كِتَاب اللَّه ; فَكَفَرَتْ الْيَهُود بِمَا قَصَّ اللَّه فِيهِ مِنْ قَصَص عِيسَى ابْن مَرْيَم

وَأُمّه , وَصَدَّقَتْ النَّصَارَى بِبَعْضِ ذَلِكَ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ , وَكَفَرُوا جَمِيعًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مِنْ الْأَمْر بِتَصْدِيقِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيمَا أَنْزَلْت إلَيْك يَا مُحَمَّد لَفِي مُنَازَعَة وَمُفَارَقَة لِلْحَقِّ بَعِيدَة مِنْ الرُّشْد وَالصَّوَاب , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاق } 2 137 كَمَا : 2076 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَاب لَفِي شِقَاق بَعِيد } يَقُول : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . يَقُول : هُمْ فِي عَدَاوَة بَعِيدَة . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الشِّقَاق فِيمَا مَضَى .
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَسورة البقرة الآية رقم 177
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَاب وَالنَّبِيِّينَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ الْبِرّ الصَّلَاة وَحْدهَا , وَلَكِنَّ الْبِرّ الْخِصَال الَّتِي أُبَيِّنهَا لَكُمْ . 2077 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } يَعْنِي الصَّلَاة . يَقُول : لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا , فَهَذَا مُنْذُ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّة إلَى الْمَدِينَة , وَنَزَلَتْ الْفَرَائِض , وَحَدّ الْحُدُود , فَأَمَرَ اللَّه بِالْفَرَائِضِ وَالْعَمَل بِهَا . 2078 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ } مَا ثَبَتَ فِي الْقُلُوب مِنْ طَاعَة اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 2079 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } يَعْنِي الصَّلَاة , يَقُول : لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا غَيْر ذَلِكَ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ وَقَالَ مُجَاهِد : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } يَعْنِي السُّجُود ; { وَلَكِنَّ الْبِرّ } مَا ثَبَتَ فِي الْقَلْب مِنْ طَاعَة اللَّه . 2080 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَنَّهُ قَالَ فِيهَا , قَالَ يَقُول : لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا غَيْر ذَلِكَ . وَهَذَا حِين تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّة إلَى الْمَدِينَة , فَأَنْزَلَ اللَّه الْفَرَائِض وَحَدّ الْحُدُود بِالْمَدِينَةِ وَأَمَرَ بِالْفَرَائِضِ أَنْ يُؤْخَذ

بِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى اللَّه بِذَلِكَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود تُصَلِّي فَتَوَجَّهَ قِبَل الْمَغْرِب , وَالنَّصَارَى تُصَلِّي فَتَوَجَّهَ قِبَل الْمَشْرِق , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة يُخْبِرهُمْ فِيهَا أَنَّ الْبِرّ غَيْر الْعَمَل الَّذِي يَعْمَلُونَهُ وَلَكِنَّهُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي هَذِهِ الْآيَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2081 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود تُصَلِّي قِبَل الْمَغْرِب , وَالنَّصَارَى تُصَلِّي قِبَل الْمَشْرِق فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } . 2082 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرّ , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الرَّجُل فَتَلَاهَا عَلَيْهِ . وَقَدْ كَانَ الرَّجُل قَبْل الْفَرَائِض إذَا شَهِدَ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ يُرْجَى لَهُ وَيَطْمَع لَهُ فِي خَيْر ; فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } وَكَانَتْ الْيَهُود تَوَجَّهَتْ قِبَل الْمَغْرِب , وَالنَّصَارَى قِبَل الْمَشْرِق ; { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } الْآيَة . 2083 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود تُصَلِّي قِبَل الْمَغْرِب , وَالنَّصَارَى قِبَل الْمَشْرِق , فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } . وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس أَنْ يَكُون عَنَى بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } الْيَهُود وَالنَّصَارَى , لِأَنَّ الْآيَات قَبْلهَا مَضَتْ بِتَوْبِيخِهِمْ وَلَوْمهمْ وَالْخَبَر عَنْهُمْ وَعَمَّا أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَلِيم الْعَذَاب , وَهَذَا فِي سِيَاق مَا قَبْلهَا , إذْ كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ , لَيْسَ الْبِرّ أَيّهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَنْ يُوَلِّي بَعْضكُمْ وَجْهه قِبَل الْمَشْرِق وَبَعْضكُمْ قِبَل الْمَغْرِب , { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَاب } الْآيَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْف قِيلَ : { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ } وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْبِرّ فِعْل , و " مِنْ " اسْم , فَكَيْف يَكُون الْفِعْل هُوَ الْإِنْسَان ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْر مَا تَوَهَّمْته , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : وَلَكِنَّ الْبِرّ كَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , فَوَضَعَ " مِنْ " مَوْضِع الْفِعْل اكْتِفَاء بِدَلَالَتِهِ وَدَلَالَة صِلَته الَّتِي هِيَ لَهُ صِفَة مِنْ الْفِعْل الْمَحْذُوف كَمَا تَفْعَلهُ الْعَرَب فَتَضَع الْأَسْمَاء مَوَاضِع أَفْعَالهَا الَّتِي هِيَ بِهَا مَشْهُورَة , فَتَقُول : " الْجُود حَاتِم وَالشَّجَاعَة عَنْتَرَة " و " إنَّمَا الْجُود حَاتِم , وَالشَّجَاعَة عَنْتَرَة " , وَمَعْنَاهَا : الْجُود جُود حَاتِم فَتَسْتَغْنِي بِذِكْرِ حَاتِم إذْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْجُودِ مِنْ إعَادَة ذِكْر الْجُود بَعْد الَّذِي قَدْ ذَكَرْته فَتَضَعهُ مَوْضِع جُوده لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَى مَا حَذَفْته اسْتِغْنَاء بِمَا ذَكَرْته عَمَّا لَمْ تَذْكُرهُ , كَمَا قِيلَ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا } 12 82 وَالْمَعْنَى : أَهْل الْقَرْيَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر , وَهُوَ ذُو الْخِرَق الطَّهْوِيّ : حَسِبْت بُغَام رَاحِلَتِي عَنَاقًا وَمَا هِيَ وَيْب غَيْرك بِالْعَنَاقِ يُرِيد بُغَام عَنَاق أَوْ صَوْت [ عَنَاق ] كَمَا يُقَال : حَسِبْت صِيَاحِي أَخَاك , يَعْنِي بِهِ حَسِبْت صِيَاحِي صِيَاح أَخِيك . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : وَلَكِنَّ الْبَارّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ , فَيَكُون الْبِرّ مَصْدَرًا وُضِعَ مَوْضِع الِاسْم .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَاب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } وَأَعْطَى مَاله فِي حِين مَحَبَّته إيَّاهُ وَضَنّه بِهِ وَشُحّه عَلَيْهِ . كَمَا : 2084 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ زُبَيْد , عَنْ مُرَّة بْن شُرَاحِيلَ الْبُكَيْلِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } أَيْ يُؤْتِيه وَهُوَ صَحِيح شَحِيح يَأْمُل الْعَيْش وَيَخْشَى الْفَقْر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَا جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زُبَيْد الْيَامِيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : {

وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } قَالَ : وَأَنْت صَحِيح تَأْمُل الْعَيْش وَتَخْشَى الْفَقْر . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ زُبَيْد الْيَامِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } قَالَ : وَأَنْت حَرِيص شَحِيح تَأْمُل الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْر . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نِعْمَة الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا اللَّيْث , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن أَعْيُن , عَنْ شُعْبَة بْن الْحَجَّاج , عَنْ زُبَيْد الْيَامِيّ , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْل اللَّه : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } ذَوِي الْقُرْبَى , قَالَ : حَرِيصًا شَحِيحًا يَأْمُل الْغِنَى وَيَخْشَى الْفَقْر . 2085 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيل بْن سَالِم , عَنْ الشَّعْبِيّ سَمِعْته يَسْأَل : هَلْ عَلَى الرَّجُل حَقّ فِي مَاله سِوَى الزَّكَاة ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَاب وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة } . 2086 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو الْكَلْبِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَة قَالَ : قُلْت لِلشَّعْبِيِّ : إذَا زَكَّى الرَّجُل مَاله أَيَطِيبُ لَهُ مَاله ؟ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب } إلَى { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } إلَى آخِرهَا . ثُمَّ قَالَ : حَدَّثَتْنِي فَاطِمَة بِنْت قَيْس أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إنَّ لِي سَبْعِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَب , فَقَالَ : " اجْعَلِيهَا فِي قَرَابَتك " . 2087 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة فِيمَا أَعْلَم عَنْ عَامِر , عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس أَنَّهَا سَمِعَتْهُ يَقُول : إنَّ فِي الْمَال لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاة . 2088 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي حَيَّان , قَالَ : حَدَّثَنِي مُزَاحِم بْن زُفَر , قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد عَطَاء , فَأَتَاهُ أَعْرَابِيّ فَقَالَ لَهُ : إنَّ لِي إبِلًا فَهَلْ عَلَيَّ فِيهَا حَقّ بَعْد الصَّدَقَة ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : عَارِيَة الذَّلُول , وَطُرُوق الْفَحْل , وَالْحَلْب . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , ذَكَرَهُ عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ فِي : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : تُعْطِيه وَأَنْت صَحِيح شَحِيح تُطِيل الْأَمَل وَتَخَاف الْفَقْر . وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ السُّدِّيّ أَنَّ هَذَا شَيْء وَاجِب فِي الْمَال حَقّ عَلَى صَاحِب الْمَال أَنْ يَفْعَلهُ سِوَى الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاة . 2089 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَسَد , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ عَامِر , عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " فِي الْمَال حَقّ سِوَى الزَّكَاة " وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ الْبِرّ } إلَى آخِر الْآيَة * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زُبَيْد الْيَامِيّ , عَنْ مُرَّة بْن شُرَاحِيلَ , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } قَالَ : أَنْ يُعْطِي الرَّجُل وَهُوَ صَحِيح شَحِيح بِهِ يَأْمُل الْعَيْش وَيَخَاف الْفَقْر . فَتَأْوِيل الْآيَة : وَأَعْطَى الْمَال - وَهُوَ لَهُ مُحِبّ حَرِيص عَلَى جَمْعه , شَحِيح بِهِ - ذَوِي قَرَابَته فَوَصَلَ بِهِ أَرْحَامهمْ . وَإِنَّمَا قُلْت : عَنَى بِقَوْلِهِ : { ذَوِي الْقُرْبَى } ذَوِي قَرَابَة مُؤَدِّي الْمَال عَلَى حُبّه لِلْخَبَرِ الَّذِي وَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْره فَاطِمَة بِنْت قَيْس , وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سُئِلَ : أَيّ الصَّدَقَة أَفْضَل ؟ قَالَ : " جُهْد الْمُقِلّ عَلَى ذِي الْقَرَابَة الْكَاشِح " . وَأَمَّا الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين فَقَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيهمَا فِيمَا مَضَى . وَأَمَّا ابْن السَّبِيل فَإِنَّهُ الْمُجْتَاز بِالرَّجُلِ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَته , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الضَّيْف مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2090 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَابْن السَّبِيل } قَالَ : هُوَ الضَّيْف قَالَ : قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ " قَالَ : وَكَانَ يَقُول : " حَقّ الضِّيَافَة ثَلَاث لَيَالٍ , فَكُلّ شَيْء أَضَافَهُ بَعْد ذَلِكَ صَدَقَة " . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمُسَافِر يَمُرّ عَلَيْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2091 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر : { وَابْن السَّبِيل } قَالَ : الْمُجْتَاز مِنْ أَرْض إلَى أَرْض . 2092 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة فِي قَوْله : { وَابْن السَّبِيل } قَالَ : الَّذِي يَمُرّ عَلَيْك وَهُوَ مُسَافِر . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد وَقَتَادَة مِثْله . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُسَافِرِ ابْن السَّبِيل لِمُلَازَمَتِهِ الطَّرِيق , وَالطَّرِيق هُوَ السَّبِيل , فَقِيلَ لِمُلَازَمَتِهِ إيَّاهُ فِي سَفَره ابْنه كَمَا يُقَال لِطَيْرِ الْمَاء ابْن الْمَاء لِمُلَازَمَتِهِ إيَّاهُ , وَلِلرَّجُلِ الَّذِي أَتَتْ عَلَيْهِ الدُّهُور ابْن الْأَيَّام وَاللَّيَالِي وَالْأَزْمِنَة , وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة : وَرَدْت اعْتِسَافًا وَالثُّرَيَّا كَأَنَّهَا عَلَى قِمَّة الرَّأْس ابْن مَاء مُحَلِّق وَأَمَّا قَوْله { وَالسَّائِلِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : الْمُسْتَطْعِمِينَ الطَّالِبِينَ . كَمَا : 2093 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { وَالسَّائِلِينَ } قَالَ : الَّذِي يَسْأَلك . وَأَمَّا قَوْله : { وَفِي الرِّقَاب } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : وَفِي فَكّ الرِّقَاب مِنْ الْعُبُودَة , وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي فَكّ رِقَابهمْ مِنْ الْعُبُودَة بِأَدَاءِ كِتَابَاتهمْ الَّتِي فَارَقُوا عَلَيْهَا سَادَاتهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا } / يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَأَقَامَ الصَّلَاة } أَدَامَ الْعَمَل بِهَا بِحُدُودِهَا , وَبِقَوْلِهِ : { وَآتَى الزَّكَاة } أَعْطَاهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا اللَّه عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ مِنْ حَقّ يَجِب فِي مَال إيتَاؤُهُ فَرْضًا غَيْر الزَّكَاة ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : فِيهِ حُقُوق تَجِب سِوَى الزَّكَاة وَاعْتَلُّوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَة , وَقَالُوا : لَمَّا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ذَوِي الْقُرْبَى } وَمَنْ سَمَّى اللَّه مَعَهُمْ , ثُمَّ قَالَ بَعْد : { وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة } عَلِمْنَا أَنَّ الْمَال الَّذِي وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَهُ ذَوِي الْقُرْبَى , وَمَنْ سَمَّى مَعَهُمْ غَيْر الزَّكَاة الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَالًا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ لِتَكْرِيرِهِ مَعْنَى مَفْهُوم . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ غَيْر جَائِز أَنْ يَقُول تَعَالَى ذِكْره قَوْلًا لَا مَعْنَى لَهُ , عَلِمْنَا أَنَّ حُكْم الْمَال الْأَوَّل غَيْر الزَّكَاة , وَأَنَّ الزَّكَاة الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْد غَيْره . قَالُوا : وَبَعْد فَقَدْ أَبَانَ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمَال الْأَوَّل هُوَ الزَّكَاة , وَلَكِنَّ اللَّه وَصَفَ إيتَاء الْمُؤْمِنِينَ مَنْ آتَوْهُ ذَلِكَ فِي أَوَّل الْآيَة , فَعَرَفَ عِبَاده بِوَصْفِهِ مَا وَصَفَ مِنْ أَمْرهمْ الْمَوَاضِع الَّتِي يَجِب عَلَيْهِمْ أَنْ يَضَعُوا فِيهَا زَكَوَاتهمْ ثُمَّ دَلَّهُمْ بِقَوْلِهِ بَعْد ذَلِكَ : { وَآتَى الزَّكَاة } أَنَّ الْمَال الَّذِي آتَاهُ الْقَوْم هُوَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة كَانَتْ عَلَيْهِمْ , إذْ كَانَ أَهْل سُهْمَانهمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ فِي أَوَّل الْآيَة أَنَّ الْقَوْم آتَوْهُمْ أَمْوَالهمْ . وَأَمَّا قَوْله : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ لَا يَنْقُضُونَ عَهْد اللَّه بَعْد الْمُعَاهَدَة , وَلَكِنْ يُوفُونَ بِهِ وَيُتِمُّونَهُ عَلَى مَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ مَنْ عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ . كَمَا : 2094 -

حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا } قَالَ : فَمَنْ أَعْطَى عَهْد اللَّه ثُمَّ نَقَضَهُ فَاَللَّه يَنْتَقِم مِنْهُ , وَمَنْ أَعْطَى ذِمَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ غَدَرَ بِهَا فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْمه يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ بَيَّنْت الْعَهْد فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته هَهُنَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } / قَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيل الصَّبْر فِيمَا مَضَى قَبْل . فَمَعْنَى الْكَلَام : وَالْمَانِعِينَ أَنْفُسهمْ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس مِمَّا يَكْرَههُ اللَّه لَهُمْ الْحَابِسِيهَا عَلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَته . ثُمَّ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء بِمَا : 2095 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , وَحَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَا جَمِيعًا : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ ابْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : أَمَّا الْبَأْسَاء فَالْفَقْر , وَأَمَّا الضَّرَّاء فَالسَّقَم . * - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا الْحَمَّانِي , قَالَا جَمِيعًا : ثنا شَرِيك , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } قَالَ : الْبَأْسَاء الْجَوْع , وَالضَّرَّاء الْمَرَض . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْبَأْسَاء : الْحَاجَة , وَالضَّرَّاء : الْمَرَض . 2096 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْبَأْسَاء : الْبُؤْس وَالْفَقْر , وَأَنَّ الضَّرَّاء : السَّقَم , وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ أَيُّوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ وَأَنْت أَرْحَم الرَّاحِمِينَ } 21 83 2097 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } قَالَ : الْبُؤْس : الْفَاقَة وَالْفَقْر , وَالضَّرَّاء فِي النَّفْس مِنْ وَجَع أَوْ مَرَض يُصِيبهُ فِي جَسَده . 2098 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , . قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } قَالَ : الْبَأْسَاء : الْبُؤْس , وَالضَّرَّاء : الزَّمَانَة فِي الْجَسَد . 2099 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء : الْمَرَض . 2100 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } قَالَ : الْبَأْسَاء : الْبُؤْس وَالْفَقْر , وَالضَّرَّاء : السَّقَم وَالْوَجَع . 2101 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن الطُّفَيْل , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } أَمَّا الْبَأْسَاء : الْفَقْر , وَالضَّرَّاء : الْمَرَض . وَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة : فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء مَصْدَر جَاءَ عَلَى فَعْلَاء لَيْسَ لَهُ أَفْعَل لِأَنَّهُ اسْم

, كَمَا قَدْ جَاءَ أَفْعَل فِي الْأَسْمَاء لَيْسَ لَهُ فَعْلَاء نَحْو أَحْمَد , وَقَدْ قَالُوا فِي الصِّفَة أَفْعَل وَلَمْ يَجِئْ لَهُ فَعْلَاء , فَقَالُوا : أَنْت مِنْ ذَلِكَ أَوْجَل , وَلَمْ يَقُولُوا وَجْلَاء . وَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اسْم لِلْفِعْلِ , فَإِنَّ الْبَأْسَاء الْبُؤْس , وَالضَّرَّاء الضُّرّ , وَهُوَ اسْم يَقَع إنْ شِئْت لِمُؤَنَّثِ وَإِنْ شِئْت لِمُذَكَّرِ كَمَا قَالَ زُهَيْر : فَتُنْتِج لَكُمْ غِلْمَان أَشْأَم كُلّهمْ كَأَحْمَر عَادٍ ثُمَّ تُرْضِع فَتَفْطِم يَعْنِي فَتُنْتِج لَكُمْ غِلْمَان شُؤْم . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَوْ كَانَ ذَلِكَ اسْمًا يَجُوز صَرْفه إلَى مُذَكَّر وَمُؤَنَّث لَجَازَ إجْرَاء أَفْعَل فِي النَّكِرَة , وَلَكِنَّهُ اسْم قَامَ مَقَام الْمَصْدَر ; وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْلهمْ : " لَئِنْ طَلَبْت نُصْرَتهمْ لَتَجِدَنهُمْ غَيْر أَبْعَد " بِغَيْرِ إجْرَاء ; وَقَالَ : إنَّمَا كَانَ اسْمًا لِلْمَصْدَرِ لِأَنَّهُ إذَا ذُكِرَ عُلِمَ أَنَّهُ يُرَاد بِهِ الْمَصْدَر . وَقَالَ غَيْره : لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَصْدَرًا فَوَقَعَ بِتَأْنِيثِ لَمْ يَقَع بِتَذْكِيرِ , وَلَوْ وَقَعَ بِتَذْكِيرِ لَمْ يَقَع بِتَأْنِيثِ ; لِأَنَّ مَنْ سُمِّيَ بِأَفْعَل لَمْ يُصْرَف إلَى فُعْلَى , وَمَنْ سُمِّيَ بِفُعْلَى لَمْ يُصْرَف إلَى أَفْعَل , لِأَنَّ كُلّ اسْم يَبْقَى بِهَيْئَتِهِ لَا يُصْرَف إلَى غَيْره , وَلَكِنَّهُمَا لُغَتَانِ , فَإِذَا وَقَعَ بِالتَّذْكِيرِ كَانَ بِأَمْرِ أَشْأَم , وَإِذَا وَقَعَ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء , وَقَعَ الْخُلَّة الْبَأْسَاء وَالْخُلَّة الضَّرَّاء , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْنِ عَلَى الضَّرَّاء الْأَضَرّ وَلَا عَلَى الْأَشْأَم الشَّأْمَاء , لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْ تَأْنِيثه التَّذْكِير وَلَا مِنْ تَذْكِيره التَّأْنِيث , كَمَا قَالُوا : امْرَأَة حَسْنَاء , وَلَمْ يَقُولُوا : رَجُل أَحْسَن , وَقَالُوا : رَجُل أَمْرَد , وَلَمْ يَقُولُوا : امْرَأَة مَرْدَاء فَإِذَا قِيلَ الْخَصْلَة الضَّرَّاء وَالْأَمْر الْأَشْأَم دَلَّ عَلَى الْمَصْدَر , وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَكُون اسْمًا , وَإِنْ كَانَ قَدْ كَفَى مِنْ الْمَصْدَر . وَهَذَا قَوْل مُخَالِف تَأْوِيل مَنْ ذَكَرْنَا تَأْوِيله مِنْ أَهْل الْعِلْم فِي تَأْوِيل الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَب الْعَرَبِيَّة وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل التَّأْوِيل تَأَوَّلُوا الْبَأْسَاء بِمَعْنَى الْبُؤْس , وَالضَّرَّاء بِمَعْنَى الضُّرّ فِي الْجَسَد , وَذَلِكَ مِنْ تَأْوِيلهمْ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّهُمْ وَجَّهُوا الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء إلَى أَسْمَاء الْأَفْعَال دُون صِفَات الْأَسْمَاء وَنُعُوتهَا . فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء عَلَى قَوْل أَهْل التَّأْوِيل أَنْ تَكُون الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء أَسْمَاء أَفْعَال , فَتَكُون الْبَأْسَاء اسْمًا لِلْبُؤْسِ , وَالضَّرَّاء اسْمًا لِلضُّرِّ . وَأَمَّا الصَّابِرِينَ فَنُصِبَ , وَهُوَ مِنْ نَعْت " مِنْ " عَلَى وَجْه الْمَدْح , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب إذَا تَطَاوَلَتْ صِفَة الْوَاحِد الِاعْتِرَاض بِالْمَدْحِ وَالذَّمّ بِالنَّصْبِ أَحْيَانًا وَبِالرَّفْعِ أَحْيَانًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إلَى الْمَلِك الْقَرْم وَابْن الْهُمَام وَلَيْث الْكَتِيبَة فِي الْمُزْدَحَم وَذَا الرَّأْي حِين تُغَمّ الْأُمُور بِذَاتِ الصَّلِيل وَذَات اللُّجُم فَنُصِبَ لَيْث الْكَتِيبَة وَذَا الرَّأْي عَلَى الْمَدْح , وَالِاسْم قَبْلهمَا مَخْفُوض لِأَنَّهُ مِنْ صِفَة وَاحِد وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : فَلَيْتَ الَّتِي فِيهَا النُّجُوم تَوَاضَعَتْ عَلَى كُلّ غَثّ مِنْهُمْ وَسَمِين غُيُوث الْوَرَى فِي كُلّ مَحَلّ وَأَزْمَة أَسْوَد الشَّرَى يَحْمِينَ كُلّ عَرِين وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ قَوْله : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء } نُصِبَ عَطْفًا عَلَى السَّائِلِينَ , كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام كَانَ عِنْده : وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَظَاهِر كِتَاب اللَّه يَدُلّ عَلَى خَطَأ هَذَا الْقَوْل , وَذَلِكَ أَنَّ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء هُمْ أَهْل الزَّمَانَة فِي الْأَبْدَان وَأَهْل الْإِقْتَار فِي الْأَمْوَال , وَقَدْ مَضَى وَصْف الْقَوْم بِإِيتَاءِ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَته الْمَال فِي قَوْله : { وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَالسَّائِلِينَ } وَأَهْل الْفَاقَة وَالْفَقْر هُمْ أَهْل الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الضَّرَّاء ذَا بَأْسَاء لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَهُ قَبُول الصَّدَقَة وَإِنَّمَا لَهُ قَبُولهَا إذَا كَانَ جَامِعًا إلَى ضَرَّائِهِ بَأْسَاء , وَإِذَا جَمَعَ إلَيْهَا بَأْسَاء كَانَ مِنْ أَهْل الْمَسْكَنَة الَّذِينَ قَدْ دَخَلُوا فِي جُمْلَة الْمَسَاكِين الَّذِينَ قَدْ مَضَى ذِكْرهمْ قَبْل قَوْله : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء } . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ نُصِبَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء بِقَوْلِهِ : { وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه } كَانَ الْكَلَام تَكْرِيرًا بِغَيْرِ فَائِدَة مَعْنَى , كَأَنَّهُ قِيلَ : وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين , وَاَللَّه يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي خِطَابه عِبَاده ; وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا , وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء . وَالْمُوفُونَ رُفِعَ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَة " مَنْ " , و " مَنْ " رُفِعَ فَهُوَ مُعْرَب بِإِعْرَابِهِ وَالصَّابِرِينَ نُصِبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ صِفَته عَلَى وَجْه الْمَدْح الَّذِي وَصَفْنَا قَبْل .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحِين الْبَأْس } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَحِين الْبَأْس } وَالصَّابِرِينَ فِي وَقْت الْبَأْس , وَذَلِكَ وَقْت شِدَّة الْقِتَال فِي الْحَرْب . كَمَا : 2102 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْل اللَّه : { وَحِين الْبَأْس } قَالَ : حِين الْقِتَال . * - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 2103 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَحِين الْبَأْس } الْقِتَال . 2104 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { وَحِين الْبَأْس } أَيْ عِنْد مَوَاطِن الْقِتَال . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَحِين الْبَأْس } الْقِتَال . 2105 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَحِين الْبَأْس } عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ . 2106 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا عُبَيْد عَنْ الضَّحَّاك : { وَحِين الْبَأْس } الْقِتَال . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ :

ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن الطُّفَيْل أَبُو سِيدَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { وَحِين الْبَأْس } قَالَ : الْقِتَال .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , وَنَعَتَهُمْ النَّعْت الَّذِي نَعَتَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة , يَقُول : فَمَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء فَهُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه فِي إيمَانهمْ وَحَقَّقُوا قَوْلهمْ بِأَفْعَالِهِمْ , لَا مَنْ وَلَّى وَجْهه قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَهُوَ يُخَالِف اللَّه فِي أَمْره وَيَنْقُض عَهْده وَمِيثَاقه وَيَكْتُم النَّاس بَيَان مَا أَمَرَهُ اللَّه بِبَيَانِهِ وَيُكَذِّب رُسُله . وَأَمَّا قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأُولَئِكَ الَّذِينَ اتَّقَوْا عِقَاب اللَّه فَتَجَنَّبُوا

عِصْيَانه وَحَذِرُوا وَعْده فَلَمْ يَتَعَدَّوْا حُدُوده وَخَافُوهُ , فَقَامُوا بِأَدَاءِ فَرَائِضه . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } كَانَ الرَّبِيع بْن أَنَس يَقُول . 2107 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } قَالَ : فَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِ الْإِيمَان , فَكَانَتْ حَقِيقَته الْعَمَل صَدَقُوا اللَّه . قَالَ : وَكَانَ الْحَسَن يَقُول : هَذَا كَلَام الْإِيمَان وَحَقِيقَته الْعَمَل , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْقَوْل عَمَل فَلَا شَيْء .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة البقرة الآية رقم 178
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى } فُرِضَ عَلَيْكُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفُرِضَ عَلَى وَلِيّ الْقَتِيل الْقِصَاص مِنْ قَاتِل وَلِيّه ؟ قِيلَ : لَا ; وَلَكِنَّهُ مُبَاح لَهُ ذَلِكَ , وَالْعَفْو , وَأَخْذ الدِّيَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى خِلَاف مَا ذَهَبْت إلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى , الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ , وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى . أَيْ أَنَّ الْحُرّ إذَا قَتَلَ الْحُرّ , فَدَم الْقَاتِل كُفْء لِدَمِ الْقَتِيل , وَالْقِصَاص مِنْهُ دُون غَيْره مِنْ النَّاس , فَلَا تُجَاوِزُوا بِالْقَتْلِ إلَى غَيْره مِمَّنْ لَمْ يَقْتُل فَإِنَّهُ حَرَام عَلَيْكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا بِقَتِيلِكُمْ غَيْر قَاتِله . وَالْفَرْض الَّذِي فَرَضَ اللَّه عَلَيْنَا فِي الْقِصَاص هُوَ مَا وَصَفْت مِنْ تَرْك الْمُجَاوَزَة بِالْقِصَاصِ قَتْل الْقَاتِل بِقَتِيلِهِ إلَى غَيْره لَا أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْنَا الْقِصَاص فَرْضًا وُجُوب فَرْض الصَّلَاة وَالصِّيَام حَتَّى لَا يَكُون لَنَا تَرْكه , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَا يَجُوز لَنَا تَرْكه لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } مَعْنَى مَفْهُوم , لِأَنَّهُ لَا عَفْو بَعْد الْقِصَاص فَيُقَال : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْقِصَاص فِي هَذِهِ الْآيَة مُقَاصَّة دِيَات بَعْض الْقَتْلَى

بِدِيَاتِ بَعْض ; وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَة عِنْدهمْ نَزَلَتْ فِي حِزْبَيْنِ تَحَارَبُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصْلِح بَيْنهمْ , بِأَنْ تَسْقُط دِيَات نِسَاء أَحَد الْحِزْبَيْنِ بِدِيَاتِ نِسَاء الْآخَرِينَ , وَدِيَات رِجَالهمْ بِدِيَاتِ رِجَالهمْ , وَدِيَات عَبِيدهمْ بِدِيَاتِ عَبِيدهمْ قِصَاصًا فَذَلِكَ عِنْدهمْ مَعْنَى الْقِصَاص فِي هَذِهِ الْآيَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } فَمَا لَنَا أَنْ نَقْتَصّ لِلْحُرِّ إلَّا مِنْ الْحُرّ , وَلَا لِلْأُنْثَى إلَّا مِنْ الْأُنْثَى ؟ قِيلَ : بَلْ لَنَا أَنْ نَقْتَصّ لِلْحُرِّ مِنْ الْعَبْد وَلِلْأُنْثَى مِنْ الذَّكَر , بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } 17 33 وَبِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ " . فَإِنْ قَالَ : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ , فَمَا وَجْه تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة ؟ قِيلَ : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم كَانُوا إذَا قَتَلَ الرَّجُل مِنْهُمْ عَبْد قَوْم آخَرِينَ لَمْ يَرْضَوْا مِنْ قَتِيلهمْ بِدَمِ قَاتِله مِنْ أَجْل أَنَّهُ عَبْد حَتَّى يَقْتُلُوا بِهِ سَيِّده , وَإِذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَة مِنْ غَيْرهمْ رَجُلًا لَمْ يَرْضَوْا مِنْ دَم صَاحِبهمْ بِالْمَرْأَةِ الْقَاتِلَة , حَتَّى يَقْتُلُوا رَجُلًا مِنْ رَهْط الْمَرْأَة وَعَشِيرَتهَا , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , فَأَعْلَمهُمْ أَنَّ الَّذِي فُرِضَ لَهُمْ مِنْ الْقِصَاص أَنْ يَقْتُلُوا بِالرَّجُلِ الرَّجُل الْقَاتِل دُون غَيْره , وَبِالْأُنْثَى الْأُنْثَى الْقَاتِلَة دُون غَيْرهَا مِنْ الرِّجَال , وَبِالْعَبْدِ الْعَبْد الْقَاتِل دُون غَيْره مِنْ الْأَحْرَار , فَنَهَاهُمْ أَنْ يَتَعَدَّوْا الْقَاتِل إلَى غَيْره فِي الْقِصَاص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2108 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَا : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } قَالَ : نَزَلَتْ قِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْعَرَب اقْتَتَلَتَا قِتَال عَمِيَة , فَقَالُوا : نَقْتُل بِعَبْدِنَا فُلَان ابْن فُلَان , وَبِفُلَانَةَ فُلَان ابْن فُلَان فَأَنْزَلَ اللَّه : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } 2109 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } قَالَ : كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة فِيهِمْ بَغْي وَطَاعَة لِلشَّيْطَانِ , فَكَانَ الْحَيّ إذَا كَانَ فِيهِمْ عِدَة وَمَنَعَة , فَقَتَلَ عَبْد قَوْم آخَرِينَ عَبْدًا لَهُمْ , قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهِ إلَّا حُرًّا ; تَعَزُّزًا لِفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرهمْ فِي أَنْفُسهمْ , وَإِذَا قُتِلَتْ لَهُمْ امْرَأَة قَتَلَتْهَا امْرَأَة قَوْم آخَرِينَ , قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهَا إلَّا رَجُلًا . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة يُخْبِرهُمْ أَنَّ الْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى , فَنَهَاهُمْ عَنْ الْبَغْي . ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي سُورَة الْمَائِدَة بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ وَالْأَنْف بِالْأَنْفِ وَالْأُذُن بِالْأُذُنِ وَالسِّنّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوح قِصَاص } 5 45 * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى } قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَبْلنَا دِيَة إنَّمَا هُوَ الْقَتْل أَوْ الْعَفْو إلَى أَهْله , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم كَانُوا أَكْثَر مِنْ غَيْرهمْ , فَكَانُوا إذَا قُتِلَ مِنْ الْحَيّ الْكَثِير عَبْد , قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهِ إلَّا حُرًّا , وَإِذَا قُتِلَتْ مِنْهُمْ امْرَأَة قَالُوا : لَا نَقْتُل بِهَا إلَّا رَجُلًا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } . 2110 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد , عَنْ عَامِر فِي هَذِهِ الْآيَة : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } قَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي قِتَال عَمِيَة إذَا أُصِيب مِنْ هَؤُلَاءِ عَبْد وَمِنْ هَؤُلَاءِ عَبْد تَكَافَآ , وَفِي الْمَرْأَتَيْنِ كَذَلِكَ , وَفِي الْحُرَّيْنِ كَذَلِكَ هَذَا مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّه . 2111 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : دَخَلَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { الْحُرّ بِالْحُرِّ } الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ , وَالْمَرْأَة بِالرَّجُلِ . وَقَالَ عَطَاء : لَيْسَ بَيْنهمَا فَضْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي فَرِيقَيْنِ كَانَ بَيْنهمْ قِتَال عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُتِلَ مِنْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ جَمَاعَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء , فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصْلِح بَيْنهمْ بِأَنْ يَجْعَل دِيَات النِّسَاء مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِصَاصًا بِدِيَاتِ النِّسَاء مِنْ الْفَرِيق الْآخَر , وَدِيَات الرِّجَال بِالرِّجَالِ , وَدِيَات الْعَبِيد بِالْعَبِيدِ ; فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2112 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } قَالَ : اقْتَتَلَ أَهْل مِلَّتَيْنِ مِنْ الْعَرَب أَحَدهمَا مُسْلِم وَالْآخَر مُعَاهَد فِي بَعْض مَا يَكُون بَيْن الْعَرَب مِنْ الْأَمْر , فَأَصْلَحَ بَيْنهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ كَانُوا قَتَلُوا الْأَحْرَار وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء عَلَى أَنْ يُؤَدِّي الْحُرّ دِيَة الْحُرّ , وَالْعَبْد دِيَة الْعَبْد , وَالْأُنْثَى دِيَة الْأُنْثَى , فَقَاصَّهُمْ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . 2113 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك قَالَ : كَانَ بَيْن حَيَّيْنِ مِنْ الْأَنْصَار قِتَال , كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر الطُّول , فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا الْفَضْل , فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْلِح بَيْنهمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } فَجَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ , وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى . 2114 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى } قَالَ : نَزَلَتْ فِي قِتَال عَمِيَة - قَالَ شُعْبَة : كَأَنَّهُ فِي صُلْح - قَالَ : اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : سَمِعْت الشَّعْبِيّ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } قَالَ : نَزَلَتْ فِي قِتَال عَمِيَة , قَالَ : كَانَ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِمُقَاصَّةِ دِيَة الْحُرّ وَدِيَة الْعَبْد وَدِيَة الذَّكَر وَدِيَة الْأُنْثَى فِي قَتْل الْعَمْد إنْ اقْتَصَّ لِلْقَتِيلِ مِنْ الْقَاتِل , وَالتَّرَاجُع بِالْفَضْلِ وَالزِّيَادَة بَيْن دِيَتَيْ الْقَتِيل وَالْمُقْتَصّ مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2115 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } قَالَ : حَدَّثَنَا عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَنَّهُ كَانَ يَقُول : أَيّمَا حُرّ قَتَلَ عَبْدًا فَهُوَ قَوَد بِهِ , فَإِنْ شَاءَ مَوَالِي الْعَبْد أَنْ يَقْتُلُوا الْحُرّ قَتَلُوهُ , وَقَاصُّوهُمْ بِثَمَنِ الْعَبْد مِنْ دِيَة الْحُرّ , وَأَدَّوْا إلَى أَوْلِيَاء الْحُرّ بَقِيَّة دِيَته . وَإِنْ عَبْد قَتَلَ حُرًّا فَهُوَ بِهِ قَوَد , فَإِنْ شَاءَ أَوْلِيَاء الْحُرّ قَتَلُوا الْعَبْد , وَقَاصُّوهُمْ بِثَمَنِ الْعَبْد وَأَخَذُوا بَقِيَّة دِيَة الْحُرّ , وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَة كُلّهَا وَاسْتَحْيَوْا الْعَبْد . وَأَيّ حُرّ قَتَلَ امْرَأَة فَهُوَ بِهَا قَوَد , فَإِنْ شَاءَ أَوْلِيَاء الْمَرْأَة قَتَلُوهُ وَأَدَّوْا نِصْف الدِّيَة إلَى أَوْلِيَاء الْحُرّ . وَإِنْ امْرَأَة قَتَلَتْ حُرًّا فَهِيَ بِهِ قَوَد , فَإِنْ شَاءَ أَوْلِيَاء الْحُرّ قَتَلُوهَا وَأَخَذُوا نِصْف الدِّيَة , وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَة كُلّهَا وَاسْتَحْيَوْهَا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا . 2116 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي رَجُل قَتَلَ امْرَأَته , قَالَ : إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَغَرِمُوا نِصْف الدِّيَة . 2117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ سَعِيد , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن قَالَا : لَا يُقْتَل الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ حَتَّى يُعْطُوا نِصْف الدِّيَة . 2118 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ فِي رَجُل قَتَلَ امْرَأَته عَمْدًا , فَأَتَوْا بِهِ عَلِيًّا , فَقَالَ : إنْ شِئْتُمْ فَاقْتُلُوهُ , وَرُدُّوا فَضْل دِيَة الرَّجُل عَلَى دِيَة الْمَرْأَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي حَال مَا نَزَلَتْ وَالْقَوْم لَا يَقْتُلُونَ الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الرَّجُل بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ حَتَّى سَوَّى اللَّه بَيْن حُكْم جَمِيعهمْ بِقَوْلِهِ : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ } 5 45 فَجَعَلَ جَمِيعهمْ قَوَد بَعْضهمْ بِبَعْضِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2119 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ الرَّجُل بِالْمَرْأَةِ , وَلَكِنْ يَقْتُلُونَ الرَّجُل بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { النَّفْس بِالنَّفْسِ } فَجَعَلَ الْأَحْرَار فِي الْقِصَاص , سَوَاء فِيمَا بَيْنهمْ فِي الْعَمْد رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِي النَّفْس وَمَا دُون النَّفْس , وَجَعَلَ الْعَبِيد مُسْتَوِينَ فِيمَا بَيْنهمْ فِي الْعَمْد فِي النَّفْس وَمَا دُون النَّفْس , رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ . فَإِذْ كَانَ مُخْتَلِفًا الِاخْتِلَاف الَّذِي وَصَفْت فِيمَا نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة , فَالْوَاجِب عَلَيْنَا اسْتِعْمَالهَا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْم بِالْخَبَرِ الْقَاطِع الْعُذْر . وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّقْلِ الْعَامّ أَنَّ نَفْس الرَّجُل الْحُرّ قَوَد قِصَاصًا بِنَفْسِ الْمَرْأَة الْحُرَّة , فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ الْأُمَّة مُخْتَلِفَة فِي التَّرَاجُع بِفَضْلِ مَا بَيْن دِيَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَوْل عَلِيّ وَغَيْره وَكَانَ وَاضِحًا فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ وَالتَّرَاجُع بِفَضْلِ مَا بَيْن الدِّيَتَيْنِ بِإِجْمَاعِ جَمِيع أَهْل الْإِسْلَام عَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى الرَّجُل أَنْ يُتْلِف مِنْ جَسَده عُضْوًا بِعِوَضِ يَأْخُذهُ عَلَى إتْلَافه فَدَعْ جَمِيعه , وَعَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى غَيْره إتْلَاف شَيْء مِنْهُ مِثْل الَّذِي حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ بِعِوَضِ يُعْطِيه عَلَيْهِ , فَالْوَاجِب أَنْ تَكُون نَفْس الرَّجُل الْحُرّ بِنَفْسِ الْمَرْأَة الْحُرَّة قَوَدًا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } أَنْ لَا يُقَاد الْعَبْد بِالْحُرِّ , وَأَنْ لَا تُقْتَل الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ , وَلَا الذَّكَر بِالْأُنْثَى . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا أَنَّ الْآيَة مَعْنِيّ بِهَا أَحَد الْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ : إمَّا قَوْلنَا مِنْ أَنْ لَا يَتَعَدَّى بِالْقِصَاصِ إلَى غَيْر الْقَاتِل وَالْجَانِي , فَيُؤْخَذ بِالْأُنْثَى الذَّكَر , وَبِالْعَبْدِ الْحُرّ . وَإِمَّا الْقَوْل الْآخَر وَهُوَ أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَوْم بِأَعْيَانِهِمْ خَاصَّة أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَل دِيَات قَتْلَاهُمْ قِصَاصًا بَعْضهَا مِنْ بَعْض , كَمَا قَالَهُ السُّدِّيّ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْله وَقَدْ أَجْمَع الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ عَلَى أَنَّ الْمُقَاصَّة فِي الْحُقُوق غَيْر وَاجِبَة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّه لَمْ يَقْضِ فِي ذَلِكَ قَضَاء ثُمَّ نَسَخَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , وَكَانَ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } يُنْبِئ عَنْ أَنَّهُ فَرْض كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْقَوْل خِلَاف مَا قَالَهُ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة , لِأَنَّ مَا كَانَ فَرْضًا عَلَى أَهْل الْحُقُوق أَنْ يَفْعَلُوهُ فَلَا خِيَار لَهُمْ فِيهِ , وَالْجَمِيع مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ لِأَهْلِ الْحُقُوق الْخِيَار فِي مُقَاصَّتهمْ حُقُوقهمْ بَعْضهَا مِنْ بَعْض , فَإِذَا تَبَيَّنَ فَسَاد هَذَا الْوَجْه الَّذِي ذَكَرْنَا , فَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ هُوَ مَا قُلْنَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل - إذْ ذَكَرْت أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } بِمَعْنَى : فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص - : لَا يَعْرِف لِقَوْلِ الْقَائِل " كُتِبَ " مَعْنَى إلَّا مَعْنَى خُطَّ ذَلِكَ فَرُسِمَ خَطًّا وَكِتَابًا , فَمَا بُرْهَانك عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْله " كُتِبَ " فَرْض ؟ قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب مَوْجُود , وَفِي أَشْعَارهمْ مُسْتَفِيض , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : كُتِبَ الْقَتْل وَالْقِتَال عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُحْصَنَات جَرّ الذُّيُول وَقَوْل نَابِغَة بَنِي جَعْدَة : يَا بِنْت عَمِّي كِتَاب اللَّه أَخْرَجَنِي عَنْكُمْ فَهَلْ أَمْنَعَن اللَّه مَا فَعَلَا وَذَلِكَ أَكْثَر فِي أَشْعَارهمْ وَكَلَامهمْ مِنْ أَنْ يُحْصَى . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى فُرِضَ , فَإِنَّهُ عِنْدِي مَأْخُوذ مِنْ الْكِتَاب الَّذِي هُوَ رُسِمَ وَخُطَّ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَتَبَ جَمِيع مَا فُرِضَ عَلَى عِبَاده وَمَا هُمْ عَامِلُوهُ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره فِي الْقُرْآن : { بَلْ هُوَ قُرْآن مَجِيد فِي لَوْح مَحْفُوظ } 85 21 : 22 وَقَالَ : { إنَّهُ لَقُرْآن كَرِيم فِي كِتَاب مَكْنُون } 56 77 : 78 فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَا فَرَضَهُ عَلَيْنَا فَفِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب فَمَعْنَى قَوْل إذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } كُتِبَ عَلَيْكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى فَرْضًا أَنْ لَا تَقْتُلُوا بِالْمَقْتُولِ غَيْر قَاتِله . وَأَمَّا الْقِصَاص فَإِنَّهُ مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَاصَصْت فُلَانًا حَقِّي قِبَله مِنْ حَقّه قِبَلِي , قِصَاصًا وَمُقَاصَّة فَقَتْل الْقَاتِل بِاَلَّذِي قَتَلَهُ قِصَاص , لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ مِثْل الَّذِي فَعَلَ بِمَنْ قَتَلَهُ , وَإِنْ كَانَ أَحَد الْفِعْلَيْنِ عُدْوَانًا وَالْآخَر حَقًّا فَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ هَذَا الْوَجْه , فَهُمَا مُتَّفِقَانِ فِي أَنَّ كُلّ وَاحِد قَدْ فَعَلَ بِصَاحِبِهِ مِثْل الَّذِي فَعَلَ صَاحِبه بِهِ , وَجَعَلَ فِعْل وَلِيّ الْقَتِيل الْأَوَّل إذَا قَتَلَ قَاتِل وَلِيّه قِصَاصًا , إذْ كَانَ بِسَبَبِ قَتْله اسْتَحَقَّ قَتْل مَنْ قَتَلَهُ , فَكَأَنَّ وَلِيّه الْمَقْتُول هُوَ الَّذِي وَلِيَ قَتْل قَاتِله فَاقْتَصَّ مِنْهُ . وَأَمَّا الْقَتْلَى فَإِنَّهَا جَمْع قَتِيل , كَمَا الصَّرْعَى جَمْع صَرِيع , وَالْجَرْحَى جَمْع جَرِيح . وَإِنَّمَا يُجْمَع الْفَعِيل عَلَى الْفَعْلَى , إذَا كَانَ صِفَة لِلْمَوْصُوفِ بِهِ بِمَعْنَى الزَّمَانَة وَالضَّرَر الَّذِي لَا يَقْدِر مَعَهُ صَاحِبه عَلَى الْبَرَاح مِنْ مَوْضِعه وَمَصْرَعه , نَحْو الْقَتْلَى فِي مَعَارِكهمْ , وَالصَّرْعَى فِي مَوَاضِعهمْ , وَالْجَرْحَى وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ فَتَأْوِيل الْكَلَام إذَنْ : فُرِضَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى أَنْ يَقْتَصّ الْحُرّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبْدِ , وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى . ثُمَّ تَرَكَ ذِكْر أَنْ يُقْتَصّ اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : فَمَنْ تَرَكَ لَهُ مِنْ الْقَتْل ظُلْمًا مِنْ الْوَاجِب كَانَ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاص , وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي قَالَ اللَّه : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع } مِنْ الْعَافِي لِلْقَاتِلِ بِالْوَاجِبِ لَهُ قِبَله مِنْ الدِّيَة وَأَدَاء مِنْ الْمَعْفُوّ عَنْهُ ذَلِكَ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2120 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } فَالْعَفْو أَنْ يَقْبَل الدِّيَة فِي الْعَمْد , وَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَطْلُب هَذَا بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّي هَذَا بِإِحْسَانٍ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ جَابِر بْن زَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } فَقَالَ : هُوَ الْعَمْد يَرْضَى أَهْله بِالدِّيَةِ { وَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ } أَمَرَ بِهِ الطَّالِب { وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } مِنْ الْمَطْلُوب . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر قَالَا جَمِيعًا : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الَّذِي يَقْبَل الدِّيَة ذَلِكَ مِنْهُ عَفْو , وَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ , وَيُؤَدِّي إلَيْهِ الَّذِي عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ بِإِحْسَانٍ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَهِيَ الدِّيَة أَنْ يُحْسِن الطَّالِب الطَّلَب { وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَهُوَ أَنْ يُحْسِن الْمَطْلُوب الْأَدَاء . 2121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَالْعَفْو الَّذِي يَعْفُو عَنْ الدَّم , وَيَأْخُذ الدِّيَة . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } قَالَ : الدِّيَة . 2122 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يَزِيد , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن : { وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } قَالَ : عَلَى هَذَا الطَّالِب أَنْ يَطْلُب بِالْمَعْرُوفِ , وَعَلَى هَذَا الْمَطْلُوب أَنْ يُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ } وَالْعَفْو : الَّذِي يَعْفُو عَنْ الدَّم , وَيَأْخُذ الدِّيَة . 2123 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } قَالَ : هُوَ الْعَمْد يَرْضَى أَهْله بِالدِّيَةِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , مِثْله . 2124 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } يَقُول : قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ , وَقُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَة , يَقُول : { فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ } فَأَمَرَ الْمُتَّبِع أَنْ يَتْبَع بِالْمَعْرُوفِ , وَأَمَرَ الْمُؤَدِّي أَنْ يُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ وَالْعَمْد قَوَد إلَيْهِ قِصَاص , لَا عَقْل فِيهِ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا بِالدِّيَةِ , فَإِنْ رَضَوْا بِالدِّيَةِ فَمِائَة خَلِفَة , فَإِنْ قَالُوا : لَا نَرْضَى إلَّا بِكَذَا وَكَذَا ; فَذَاكَ لَهُمْ . 2125 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } قَالَ : يَتْبَع بِهِ الطَّالِب بِالْمَعْرُوفِ , وَيُؤَدِّي الْمَطْلُوب بِإِحْسَانٍ . 2126 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } يَقُول : فَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعُفِيَ عَنْهُ وَأُخِذَتْ مِنْهُ الدِّيَة , يَقُول : { فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ } : أَمَرَ صَاحِب الدِّيَة الَّتِي يَأْخُذهَا أَنْ يَتْبَع بِالْمَعْرُوفِ , وَأَمَرَ الْمُؤَدِّي أَنْ يُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ . 2127 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } قَالَ : ذَلِكَ إذَا أَخَذَ الدِّيَة فَهُوَ عَفْو . 2128 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن أَبِي بِزَّة , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : إذَا قَبِلَ الدِّيَة فَقَدْ عَفَا عَنْ الْقِصَاص , فَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي الْأَعْرَج عَنْ مُجَاهِد مِثْل ذَلِكَ , وَزَادَ فِيهِ : فَإِذَا قَبِلَ الدِّيَة فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَع بِالْمَعْرُوفِ , وَعَلَى الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ أَنْ يُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم ; قَالَ : ثنا أَبُو عُقَيْل ; قَالَ : قَالَ الْحَسَن : أَخَذَ الدِّيَة عَفْو حَسَن . 2129 - حَدَّثَنَا يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } قَالَ : أَنْت أَيّهَا الْمَعْفُوّ عَنْهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَهُوَ الدِّيَة أَنْ يُحْسِن الطَّالِب , وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ : هُوَ أَنْ يُحْسِن الْمَطْلُوب الْأَدَاء . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ } فَمَنْ فَضَلَ لَهُ فَضْل وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّة . وَقَالُوا : مَعْنَى قَوْله : { مِنْ أَخِيهِ شَيْء } مِنْ دِيَة أَخِيهِ شَيْء , أَوْ مِنْ أَرْش جِرَاحَته فَاتِّبَاع مِنْهُ الْقَاتِل أَوْ الْجَارِح الَّذِي بَقِيَ ذَلِكَ قَبْله بِمَعْرُوفٍ وَأَدَاء مِنْ الْقَاتِل أَوْ الْجَارِح إلَيْهِ مَا بَقِيَ قَبْله لَهُ مِنْ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ . وَهَذَا قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ , أَعْنِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى } فِي الَّذِينَ تَحَارَبُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصْلِح بَيْنهمْ فَيُقَاصّ دِيَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض وَيَرُدّ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِفَضْلٍ إنْ بَقِيَ لَهُمْ قِبَل الْآخَرِينَ . وَأَحْسِب أَنَّ قَائِلِي هَذَا الْقَوْل وَجَّهُوا تَأْوِيل الْعَفْو فِي هَذَا الْمَوْضِع إلَى الْكَثْرَة مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { حَتَّى عَفَوْا } 7 95 فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : فَمَنْ كَثُرَ لَهُ قِبَل أَخِيهِ الْقَاتِل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2130 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } يَقُول : بَقِيَ لَهُ مِنْ دِيَة أَخِيهِ شَيْء أَوْ مِنْ أَرْش جِرَاحَته , فَلْيَتْبَعْ بِمَعْرُوفٍ وَلْيُؤَدِّ الْآخَر إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ . وَالْوَاجِب عَلَى تَأْوِيل الْقَوْل الَّذِي رَوَيْنَا عَنْ عَلِيّ وَالْحَسَن - فِي قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } أَنَّهُ بِمَعْنَى مُقَاصَّة دِيَة النَّفْس الذَّكَر مِنْ دِيَة النَّفْس الْأُنْثَى , وَالْعَبْد مِنْ الْحُرّ , وَالتَّرَاجُع بِفَضْلِ مَا بَيْن دِيَتَيْ أَنْفُسهمَا - أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ الْوَاجِب لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاص دِيَة أَحَدهمَا بِدِيَةِ نَفْس الْآخَر إلَى الرِّضَى بِدِيَةِ نَفْس الْمَقْتُول , فَاتِّبَاع مِنْ الْوَلِيّ بِالْمَعْرُوفِ , وَأَدَاء مِنْ الْقَاتِل إلَيْهِ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } فَمَنْ صَفَحَ لَهُ مِنْ الْوَاجِب كَانَ لِأَخِيهِ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوَد عَنْ شَيْء مِنْ الْوَاجِب عَلَى دِيَة يَأْخُذهَا مِنْهُ , فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ مِنْ الْعَافِي عَنْ الدَّم الرَّاضِي بِالدِّيَةِ مِنْ دَم وَلِيّه , وَأَدَاء إلَيْهِ مِنْ الْقَاتِل ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ ; لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ الْعِلَل فِيمَا مَضَى قَبْل مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص } إنَّمَا هُوَ الْقِصَاص مِنْ النَّفُوس الْقَاتِلَة أَوْ الْجَارِحَة وَالشَّاجَّة عَمْدًا , كَذَلِكَ الْعَفْو أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَاتِّبَاع عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّه لَهُ مِنْ الْحَقّ قِبَل قَاتِل وَلِيّه مِنْ غَيْر أَنْ يَزْدَاد عَلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ فِي أَسْنَان الْفَرَائِض أَوْ غَيْر ذَلِكَ , أَوْ يُكَلِّفهُ مَا لَمْ يُوجِبهُ اللَّه لَهُ عَلَيْهِ . كَمَا : 2131 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ بَعِيرًا " يَعْنِي فِي إبِل الدِّيَات وَفَرَائِضهَا " فَمِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة " . وَأَمَّا إحْسَان الْآخَر فِي الْأَدَاء , فَهُوَ أَدَاء مَا لَزِمَهُ بِقَتْلِهِ لِوَلِيِّ الْقَتِيل عَلَى مَا أَلْزَمَهُ اللَّه وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْر أَنْ يَبْخَسهُ حَقًّا لَهُ قِبَله بِسَبَبِ ذَلِكَ , أَوْ يُحْوِجَهُ إلَى اقْتِضَاء وَمُطَالَبَة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { فَاتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } وَلَمْ يَقُلْ : فَاتِّبَاعًا بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ كَمَا قَالَ : { فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ } 47 4 ؟ قِيلَ : لَوْ كَانَ التَّنْزِيل جَاءَ بِالنَّصْبِ , وَكَانَ : فَاتِّبَاعًا بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ , كَانَ جَائِزًا فِي الْعَرَبِيَّة صَحِيحًا عَلَى وَجْه الْأَمْر , كَمَا يُقَال : ضَرْبًا ضَرْبًا , وَإِذَا لَقِيت فُلَانًا فَتَبْجِيلًا وَتَعْظِيمًا غَيْر أَنَّهُ جَاءَ رَفْعًا وَهُوَ أَفْصَح فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ نَصْبه , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي كُلّ مَا كَانَ نَظِيرًا لَهُ مِمَّا يَكُون فَرْضًا عَامًّا فِيمَنْ قَدْ فَعَلَ وَفِيمَنْ لَمْ يَفْعَل إذَا فَعَلَ , لَا نَدْبًا وَحَثًّا . وَرَفْعه عَلَى مَعْنَى : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَالْأَمْر فِيهِ اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ , وَأَدَاء إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ , أَوْ : فَالْقَضَاء وَالْحُكْم فِيهِ اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ . وَقَدْ قَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة : رَفْع ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء فَعَلَيْهِ اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ . وَهَذَا مَذْهَبِي , وَالْأَوَّل الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ وَجْه الْكَلَام , وَكَذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ فِي الْقُرْآن فَإِنَّ رَفْعه عَلَى الْوَجْه الَّذِي قُلْنَاهُ , وَذَلِكَ مِثْل قَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } 5 95 وَقَوْله : { فَإِمْسَاك بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيح بِإِحْسَانٍ } 2 229 وَأَمَّا قَوْله : { فَضَرْبَ الرِّقَابِ } فَإِنَّ الصَّوَاب فِيهِ النَّصْب , وَهُوَ وَجْه الْكَلَام لِأَنَّهُ عَلَى وَجْه الْحَثّ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده عَلَى الْقَتْل عِنْد لِقَاء الْعَدُوّ كَمَا يُقَال : إذَا لَقِيتُمْ الْعَدُوّ فَتَكْبِيرًا وَتَهْلِيلًا , عَلَى وَجْه الْحَضّ عَلَى التَّكْبِير لَا عَلَى وَجْه الْإِيجَاب وَالْإِلْزَام . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي حَكَمْت بِهِ وَسَنَنْته لَكُمْ مِنْ إبَاحَتِي لَكُمْ أَيَّتهَا الْأُمَّة الْعَفْو عَنْ الْقِصَاص مِنْ قَاتِل قَتِيلكُمْ عَلَى دِيَة تَأْخُذُونَهَا فَتَمْلِكُونَهَا مُلْككُمْ سَائِر أَمْوَالكُمْ الَّتِي كُنْت مَنَعْتهَا مَنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْأُمَم السَّالِفَة , { تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : تَخْفِيف مِنِّي لَكُمْ مِمَّا كُنْت ثَقَّلْته عَلَى غَيْركُمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَة مِنِّي لَكُمْ . كَمَا : 2132 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل الْقِصَاص وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَة , فَقَالَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ } إلَى قَوْله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء } فَالْعَفْو أَنْ يَقْبَل الدِّيَة فِي الْعَمْد , { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : خَفَّفَ عَنْكُمْ مَا كَانَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ أَنْ يَطْلُب هَذَا بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّي هَذَا بِإِحْسَانٍ . 2133 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يَقْتُلُونَ الْقَاتِل بِالْقَتِيلِ لَا تُقْبَل مِنْهُمْ الدِّيَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى الْحُرّ بِالْحُرِّ } إلَى آخِر الْآيَة ; { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : خَفَّفَ عَنْكُمْ وَكَانَ عَلَى مَنْ قَبْلكُمْ أَنَّ الدِّيَة لَمْ تَكُنْ تُقْبَل , فَاَلَّذِي يَقْبَل الدِّيَة ذَلِكَ مِنْهُ عَفْو . 2134 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ جَابِر بْن زَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة } مِمَّا كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , يَعْنِي مِنْ تَحْرِيم الدِّيَة عَلَيْهِمْ . 2135 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل قِصَاص فِي الْقَتْل لَيْسَ بَيْنهمْ دِيَة فِي نَفْس وَلَا جُرْح , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْس بِالنَّفْسِ وَالْعَيْن بِالْعَيْنِ } الْآيَة كُلّهَا . وَخَفَّفَ اللَّه عَنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَبِلَ مِنْهُمْ الدِّيَة فِي النَّفْس وَفِي الْجِرَاحَة , وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ } 2 178 بَيْنكُمْ . 2136 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة } وَإِنَّمَا هِيَ رَحْمَة رَحِمَ اللَّه بِهَا هَذِهِ الْأُمَّة أَطْعَمَهُمْ الدِّيَة , وَأَحَلَّهَا لَهُمْ , وَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلهمْ . فَكَانَ أَهْل التَّوْرَاة إنَّمَا هُوَ الْقِصَاص أَوْ الْعَفْو , وَلَيْسَ بَيْنهمَا أَرْش . وَكَانَ أَهْل الْإِنْجِيل إنَّمَا هُوَ عَفْو أُمِرُوا بِهِ , فَجَعَلَ اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة الْقَوَد وَالْعَفْو وَالدِّيَة إنْ شَاءُوا أَحَلَّهَا لَهُمْ , وَلَمْ تَكُنْ لِأُمَّةٍ قَبْلهمْ . 2137 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ سَوَاء , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ بَيْنهمَا شَيْء . 2138 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاص فِي الْقَتْلَى } قَالَ : لَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَبْلنَا دِيَة , إنَّمَا هُوَ الْقَتْل أَوْ الْعَفْو إلَى أَهْله , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم كَانُوا أَكْثَر مِنْ غَيْرهمْ . 2139 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : وَأَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ بَنِي إسْرَائِيل كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاص , وَخَفَّفَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّة . وَتَلَا عَمْرو بْن دِينَار : { ذَلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبّكُمْ وَرَحْمَة } وَأَمَّا عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : الْقِصَاص فِي هَذِهِ الْآيَة مَعْنَاهُ : قِصَاص الدِّيَات بَعْضهَا مِنْ بَعْض عَلَى مَا قَالَهُ السُّدِّيّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون تَأْوِيله : هَذَا الَّذِي فَعَلْت بِكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ قِصَاص دِيَات قَتْلَى بَعْضكُمْ بِدِيَاتِ بَعْض وَتَرْك إيجَاب الْقَوَد عَلَى الْبَاقِينَ مِنْكُمْ بِقَتِيلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ وَأَخَذَهُ بِدِيَتِهِ , تَخْفِيف مِنِّي عَنْكُمْ ثَقُلَ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ حُكْمِي عَلَيْكُمْ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَة وَرَحْمَة مِنِّي لَكُمْ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } فَمَنْ تَجَاوَزَ مَا جَعَلَهُ اللَّه لَهُ بَعْد أَخْذه الدِّيَة اعْتِدَاء وَظُلْمًا إلَى مَا لَمْ يَجْعَل لَهُ مِنْ قَتْل قَاتِل وَلِيّه وَسَفْك دَمه , فَلَهُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَتَعَدِّيه إلَى مَا قَدْ حَرَّمْته عَلَيْهِ عَذَاب أَلِيم . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الِاعْتِدَاء فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2140 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } فَقَتَلَ , { فَلَهُ عَذَاب أَلِيم } * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد أَخْذ الدِّيَة فَلَهُ عَذَاب أَلِيم . 2141 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد أَخْذه الدِّيَة فَقَتَلَ , فَلَهُ عَذَاب أَلِيم . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " لَا أُعَافِي رَجُلًا قَتَلَ بَعْد أَخْذه الدِّيَة " * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } قَالَ : هُوَ الْقَتْل بَعْد أَخْذ الدِّيَة , يَقُول : مَنْ قَتَلَ بَعْد أَنْ يَأْخُذ الدِّيَة فَعَلَيْهِ الْقَتْل لَا تُقْبَل مِنْهُ الدِّيَة . 2142 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ فَلَهُ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : فَمَنْ اعْتَدَى بَعْد أَخْذه الدِّيَة فَلَهُ عَذَاب أَلِيم . 2143 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كَانَ الرَّجُل إذَا قَتَلَ قَتِيلًا فِي الْجَاهِلِيَّة فَرَّ إلَى قَوْمه , فَيَجِيء قَوْمه فَيُصَالِحُونَ عَنْهُ بِالدِّيَةِ . قَالَ : فَيَخْرُج الْفَارّ وَقَدْ أَمِنَ عَلَى نَفْسه . قَالَ : فَيُقْتَل ثُمَّ يُرْمَى إ
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَسورة البقرة الآية رقم 179
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة يَا أُولِي الْأَلْبَاب } وَلَكُمْ يَا أُولِي الْعُقُول فِيمَا فَرَضْت عَلَيْكُمْ وَأَوْجَبْت لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْض مِنْ الْقِصَاص فِي النَّفُوس وَالْجِرَاح وَالشِّجَاج مَا مَنَعَ بِهِ بَعْضكُمْ مِنْ قَتْل بَعْض وَقَدَعَ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض فَحَيِيتُمْ بِذَلِكَ فَكَانَ لَكُمْ فِي حُكْمِي بَيْنكُمْ بِذَلِكَ حَيَاة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2153 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة يَا أُولِي الْأَلْبَاب } قَالَ : نَكَال , تَنَاهٍ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } قَالَ : نَكَال , تَنَاهٍ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 2154 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } جَعَلَ اللَّه هَذَا الْقِصَاص حَيَاة وَنَكَالًا وَعِظَة لِأَهْلِ السَّفَه وَالْجَهْل مِنْ النَّاس . وَكَمْ مِنْ رَجُل قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ لَوْلَا مَخَافَة الْقِصَاص لَوَقَعَ بِهَا , وَلَكِنَّ اللَّه حَجَزَ بِالْقِصَاصِ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض . وَمَا أَمَرَ اللَّه بِأَمْرٍ قَطُّ إلَّا وَهُوَ أَمْر صَلَاح فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَا نَهَى اللَّه عَنْ أَمْر قَطُّ إلَّا وَهُوَ أَمْر فَسَاد فِي الدُّنْيَا وَالدِّين ,

وَاَللَّه أَعْلَم بِاَلَّذِي يُصْلِح خَلْقه . 2155 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة يَا أُولِي الْأَلْبَاب } قَالَ : قَدْ جَعَلَ اللَّه فِي الْقِصَاص حَيَاة , إذَا ذَكَرَهُ الظَّالِم الْمُتَعَدِّي كَفّ عَنْ الْقَتْل . 2156 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } الْآيَة , يَقُول : جَعَلَ اللَّه هَذَا الْقِصَاص حَيَاة وَعِبْرَة لَكُمْ , كَمْ مِنْ رَجُل قَدْ هَمَّ بِدَاهِيَةٍ فَمَنَعَهُ مَخَافَة الْقِصَاص أَنْ يَقَع بِهَا , وَإِنَّ اللَّه قَدْ حَجَزَ عِبَاده بَعْضهمْ عَنْ بَعْض بِالْقِصَاصِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } قَالَ : نَكَال , تَنَاهٍ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ . حَيَاة : مَنَعَة . 2157 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } قَالَ : حَيَاة : بَقِيَّة ; إذَا خَافَ هَذَا أَنْ يُقْتَل بِي كَفّ عَنِّي , لَعَلَّهُ يَكُون عَدُوًّا لِي يُرِيد قَتْلِي , فَيَتَذَكَّر أَنْ يُقْتَل فِي الْقِصَاص , فَيَخْشَى أَنْ يُقْتَل بِي , فَيَكُفّ بِالْقِصَاصِ الَّذِي خَافَ أَنْ يُقْتَل ; لَوْلَا ذَلِكَ قَتَلَ هَذَا . 2158 - حُدِّثْت عَنْ يَعْلَى بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } قَالَ : بَقَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص مِنْ الْقَاتِل بَقَاء لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَل بِالْمَقْتُولِ غَيْر قَاتِله فِي حُكْم اللَّه . وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يَقْتُلُونَ بِالْأُنْثَى الذَّكَر , وَبِالْعَبْدِ الْحُرّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2159 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاص حَيَاة } يَقُول : بَقَاء , لَا يُقْتَل إلَّا الْقَاتِل بِجِنَايَتِهِ .

وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { يَا أُولِي الْأَلْبَاب } فَإِنَّهُ : يَا أُولِي الْعُقُول . وَالْأَلْبَاب جَمْع اللُّبّ , وَاللُّبّ الْعَقْل . وَخَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِالْخِطَابِ أَهْل الْعُقُول , لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنْ اللَّه

أَمْره وَنَهْيه وَيَتَدَبَّرُونَ آيَاته وَحُجَجه دُون غَيْرهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وَتَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أَيْ تَتَّقُونَ الْقِصَاص فَتَنْتَهُونَ عَنْ الْقَتْل . كَمَا : 2160 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا

ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قَالَ : لَعَلَّك تَتَّقِي أَنْ تَقْتُلهُ فَتُقْتَل بِهِ .
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَسورة البقرة الآية رقم 180
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : كُتِبَ عَلَيْكُمْ : فُرِضَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْوَصِيَّة إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } وَالْخَيْر : الْمَال , { لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ , { بِالْمَعْرُوفِ } وَهُوَ مَا أَذِنَ اللَّه فِيهِ وَأَجَازَهُ فِي الْوَصِيَّة مِمَّا لَمْ يُجَاوِز الثُّلُث , وَلَمْ يَتَعَمَّد الْمُوصِي ظُلْم وَرَثَته , { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } , يَعْنِي بِذَلِكَ : فَرَضَ عَلَيْكُمْ هَذَا وَأَوْجَبَهُ , وَجَعَلَهُ حَقًّا وَاجِبًا عَلَى مَنْ اتَّقَى اللَّه فَأَطَاعَهُ أَنْ يَعْمَل بِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَ فَرَضَ عَلَى الرَّجُل ذِي الْمَال أَنْ يُوصِيَ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ ؟ قِيلَ : نَعَمْ . فَإِنْ قَالَ : فَإِنْ هُوَ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُوصِ لَهُمْ أَيَكُونُ مُضَيِّعًا فَرْضًا يُحْرَج بِتَضْيِيعِهِ ؟ قِيلَ : نَعَمْ . فَإِنْ قَالَ : وَمَا الدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ : قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } فَأَعْلَم أَنَّهُ قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْنَا وَفَرَضَهُ , كَمَا قَالَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام } 2 183 وَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ تَارِك الصِّيَام وَهُوَ عَلَيْهِ قَادِر مُضَيِّع بِتَرْكِهِ فَرْضًا لِلَّهِ عَلَيْهِ , فَكَذَلِكَ هُوَ بِتَرْكِ الْوَصِيَّة لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ وَلَهُ مَا يُوصِي لَهُمْ فِيهِ , مُضَيِّع فَرْض اللَّه عَزَّ وَجَلّ . فَإِنْ قَالَ : فَإِنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم قَالُوا : { الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْمِيرَاث ؟ قِيلَ لَهُ : وَخَالَفَهُمْ جَمَاعَة غَيْرهمْ فَقَالُوا : هِيَ مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة : وَإِذَا كَانَ فِي نَسْخ ذَلِكَ تَنَازُع بَيْن أَهْل الْعِلْم لَمْ يَكُنْ لَنَا الْقَضَاء عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ إلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , إذْ كَانَ غَيْر مُسْتَحِيل اجْتِمَاع حُكْم

هَذِهِ الْآيَة وَحُكْم آيَة الْمَوَارِيث فِي حَال وَاحِدَة عَلَى صِحَّة بِغَيْرِ مُدَافَعَة حُكْم إحْدَاهُمَا حُكْم الْأُخْرَى وَكَانَ النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ هُمَا الْمَعْنَيَانِ اللَّذَانِ لَا يَجُوز اجْتِمَاع حُكْمهمَا عَلَى صِحَّة فِي حَالَة وَاحِدَة لِنَفْيِ أَحَدهمَا صَاحِبه . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2161 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ لِذَوِي قَرَابَته فَقَدْ خَتَمَ عَمَله بِمَعْصِيَةٍ . 2162 - حَدَّثَنِي سِلْم بْن جُنَادَةَ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , عَنْ مَسْرُوق : أَنَّهُ حَضَرَ رَجُلًا فَوَصَّى بِأَشْيَاء لَا تَنْبَغِي , فَقَالَ لَهُ مَسْرُوق : إنَّ اللَّه قَدْ قَسَمَ بَيْنكُمْ فَأَحْسَن الْقَسْم , وَإِنَّهُ مَنْ يَرْغَب بِرَأْيِهِ عَنْ رَأْي اللَّه يُضِلّهُ , أَوْصِ لَذِي قَرَابَتك مِمَّنْ لَا يَرِثك , ثُمَّ دَعْ الْمَال عَلَى مَا قَسَمَهُ اللَّه عَلَيْهِ . 2163 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : لَا تَجُوز وَصِيَّة لِوَارِثٍ وَلَا يُوصِي إلَّا لَذِي قَرَابَة , فَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَة فَقَدْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةٍ , إلَّا أَنْ لَا يَكُون قَرَابَة فَيُوصِي لِفُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ . 2164 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , قَالَ : الْعَجَب لِأَبِي الْعَالِيَة أَعْتَقَتْهُ امْرَأَة مِنْ بَنِي رِيَاح وَأَوْصَى بِمَالِهِ لِبَنِي هَاشِم . 2165 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ رَجُل , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : لَمْ يَكُنْ لَهُ حَال وَلَا كَرَامَة . 2166 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَعْمَر فِي الْوَصِيَّة : مَنْ سَمَّى جَعَلْنَاهَا حَيْثُ سَمَّى , وَمَنْ قَالَ حَيْثُ أَمَرَ اللَّه جَعَلْنَاهَا فِي قَرَابَته . 2167 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر , قَالَ : قُلْت لِأَبِي مِجْلَز : الْوَصِيَّة عَلَى كُلّ مُسْلِم وَاجِبَة ؟ قَالَ : عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا . 2168 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن الصَّبَاح , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر قَالَ : قُلْت لِلَّاحِقِ بْن حُمَيْد : الْوَصِيَّة حَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم ؟ قَالَ : هِيَ حَقّ عَلَى مَنْ تَرَكَ خَيْرًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَنْسَخ اللَّه شَيْئًا مِنْ حُكْمهَا , وَإِنَّمَا هِيَ آيَة ظَاهِرهَا ظَاهِر عُمُوم فِي كُلّ وَالِد وَوَالِدَة وَالْقَرِيب , وَالْمُرَاد بِهَا فِي الْحُكْم الْبَعْض مِنْهُمْ دُون الْجَمِيع , وَهُوَ مَنْ لَا يَرِث مِنْهُمْ الْمَيِّت دُون مَنْ يَرِث . وَذَلِكَ قَوْل مَنْ ذَكَرْت قَوْله , وَقَوْل جَمَاعَة آخَرِينَ غَيْرهمْ مَعَهُمْ . ذِكْر قَوْل مَنْ لَمْ يَذْكُر قَوْله مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ : 2169 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ جَابِر بْن زَيْد فِي رَجُل أَوْصَى لِغَيْرِ ذِي قَرَابَة , وَلَهُ قَرَابَة مُحْتَاجُونَ , قَالَ : يَرُدّ ثُلُثَا الثُّلُث عَلَيْهِمْ , وَثُلُث الثُّلُث لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ . 2170 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن وَجَابِر بْن زَيْد وَعَبْد الْمَلِك بْن يَعْلَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الرَّجُل يُوصِي لِغَيْرِ ذِي قَرَابَته وَلَهُ قَرَابَة مِمَّنْ لَا يَرِثهُ قَالَ : كَانُوا يَجْعَلُونَ ثُلُثَيْ الثُّلُث لِذَوِي الْقَرَابَة , وَثُلُث الثُّلُث لِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ . 2171 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إذَا أَوْصَى الرَّجُل لِغَيْرِ ذِي قَرَابَته بِثُلُثِهِ فَلَهُمْ ثُلُث الثُّلُث , وَثُلُثَا الثُّلُث لِقَرَابَتِهِ . 2172 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ وَسَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَته مُحْتَاجِينَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ إلَى ذَوِي قَرَابَته . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ آيَة قَدْ كَانَ الْحُكْم بِهَا وَاجِبًا وَعَمِلَ بِهِ بُرْهَة ثُمَّ نَسَخَ اللَّه مِنْهَا بِآيَةِ الْمَوَارِيث الْوَصِيَّة لِوَالِدَيْ الْمُوصِي وَأَقْرِبَائِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ , وَأَقَرَّ فَرْض الْوَصِيَّة لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يَرِثهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2173 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } فَجُعِلَتْ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْد ذَلِكَ فَجُعِلَ لَهُمَا نَصِيب مَفْرُوض , فَصَارَتْ الْوَصِيَّة لِذَوِي الْقَرَابَة الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ , وَجَعَلَ لِلْوَالِدَيْنِ نَصِيب مَعْلُوم , وَلَا تَجُوز وَصِيَّة لِوَارِثٍ . 2174 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إذَا تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : نُسِخَ الْوَالِدَانِ مِنْهَا , وَتُرِكَ الْأَقْرَبُونَ مِمَّنْ لَا يَرِث . 2175 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إذَا تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : نَسَخَ مَنْ يَرِث وَلَمْ يَنْسَخ الْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ . 2176 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن نَصْر , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن حَسَّان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانَتْ الْوَصِيَّة قَبْل الْمِيرَاث لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ , فَلَمَّا نَزَلَ الْمِيرَاث نَسَخَ الْمِيرَاث مَنْ يَرِث وَبَقِيَ مَنْ لَا يَرِث , فَمَنْ أَوْصَى لِذِي قَرَابَته لَمْ تَجُزْ وَصِيَّته . 2177 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ إسْمَاعِيل الْمَكِّيّ , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : نَسَخَ الْوَالِدَيْنِ وَأَثْبَتَ الْأَقْرَبِينَ الَّذِينَ يُحْرَمُونَ فَلَا يَرِثُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مُبَارَك بْن فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : { الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : لِلْوَالِدَيْنِ مَنْسُوخَة , وَالْوَصِيَّة لِلْقَرَابَةِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاء . 2178 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } فَكَانَ لَا يَرِث مَعَ الْوَالِدَيْنِ غَيْرهمْ إلَّا وَصِيَّة إنْ كَانَتْ لِلْأَقْرَبَيْنِ فَأَنْزَلَ اللَّه بَعْد هَذَا : { وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُس مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَد فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُث } 4 11 فَبَيَّنَ اللَّه سُبْحَانه مِيرَاث الْوَالِدَيْنِ , وَأَقَرَّ وَصِيَّة الْأَقْرَبِينَ فِي ثُلُث مَال الْمَيِّت . 2179 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنْ تَرَك خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } فَنَسَخَ الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَأَثْبَتَ الْوَصِيَّة لِلْأَقْرَبَيْنِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ . 2180 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } بِالْمَعْرُوفِ . قَالَ : كَانَ هَذَا مِنْ قَبْل أَنْ تَنْزِل سُورَة النِّسَاء , فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْمِيرَاث نَسَخَ شَأْن الْوَالِدَيْنِ , فَأَلْحَقهُمَا بِأَهْلِ الْمِيرَاث وَصَارَتْ الْوَصِيَّة لِأَهْلِ الْقَرَابَة الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ . 2181 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن أَبِي مَيْمُونَة , قَالَ : سَأَلْت مُسْلِم بْن يَسَار , وَالْعَلَاء بْن زِيَاد , عَنْ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَا : فِي الْقَرَابَة . 2182 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ إيَاس بْن مُعَاوِيَة قَالَ : فِي الْقَرَابَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه , وَفَرَضَ الْفَرَائِض وَالْمَوَارِيث فَلَا وَصِيَّة تَجِب لِأَحَدٍ عَلَى أَحَد قَرِيب وَلَا بَعِيد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2183 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } الْآيَة , قَالَ : فَنَسَخَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه وَفَرَضَ الْفَرَائِض . 2184 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ ابْن عَبَّاس : أَنَّهُ قَامَ فَخَطَبَ النَّاس هَهُنَا , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَة الْبَقَرَة لِيُبَيِّن لَهُمْ مِنْهَا , فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : نَسَخَتْ هَذِهِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } نَسَخَتْ الْفَرَائِض الَّتِي لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ الْوَصِيَّة . 2185 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَهْضَم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن بَدْر , قَالَ : سَمِعْت ابْن عُمَر يَقُول فِي قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : نَسَخَتْهَا آيَة الْمِيرَاث . قَالَ ابْن بَشَّار : قَالَ عَبْد الرَّحْمَن : فَسَأَلْت جَهْضَمًا عَنْهُ فَلَمْ يَحْفَظهُ . 2186 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَا : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } فَكَانَتْ الْوَصِيَّة كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا آيَة الْمِيرَاث . 2187 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي قَالَ : زَعَمَ قَتَادَة , عَنْ شُرَيْح فِي هَذِهِ الْآيَة : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يُوصِي بِمَالِهِ كُلّه حَتَّى نَزَلَتْ آيَة الْمِيرَاث . 2188 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : زَعَمَ قَتَادَة أَنَّهُ نُسِخَتْ آيَتَا الْمَوَارِيث فِي سُورَة النِّسَاء الْآيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة فِي شَأْن الْوَصِيَّة . 2189 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } قَالَ : كَانَ الْمِيرَاث لِلْوَلَدِ وَالْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ , وَهِيَ مَنْسُوخَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ الْمِيرَاث لِلْوَلَدِ , وَالْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَهِيَ مَنْسُوخَة نَسَخَتْهَا آيَة فِي سُورَة النِّسَاء : { يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ } 2190 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } أَمَّا الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ فَيَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة كَانَ النَّاس لَيْسَ لَهُمْ مِيرَاث مَعْلُوم , إنَّمَا يُوصِي الرَّجُل لِوَالِدِهِ وَلِأَهْلِهِ فَيَقْسِم بَيْنهمْ حَتَّى نَسَخَتْهَا النِّسَاء فَقَالَ : { يُوصِيكُمْ اللَّه فِي أَوْلَادكُمْ } 4 11 2191 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ نَافِع أَنَّ ابْن عُمَر لَمْ يُوصِ وَقَالَ : أَمَّا مَالِي فَاَللَّه أَعْلَم مَا كُنْت أَصْنَع فِيهِ فِي الْحَيَاة , وَأَمَّا رُبَاعِي فَمَا أُحِبّ أَنْ يَشْرَك وَلَدِي فِيهَا أَحَد . 2192 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ نَسِير بْن ذَعْلُوق قَالَ : قَالَ عُرْوَة : يَعْنِي ابْن ثَابِت لِرَبِيعِ بْن خُثَيْم : أُوصِ لِي بِمُصْحَفِك ! قَالَ : فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ فَقَالَ : { وَأُولُو الْأَرْحَام بَعْضهمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَاب اللَّه } 8 75 2193 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سُفْيَان عَنْ الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : ذَكَرْنَا لَهُ أَنَّ زَيْدًا وَطَلْحَة كَانَا يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّة , فَقَالَ : مَا كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلَا , مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُوصِ , وَأَوْصَى أَبُو بَكْر , أَيّ ذَلِكَ فَعَلْت فَحَسَن . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : ذُكِرَ عِنْده طَلْحَة وَزَيْد , فَذَكَرَ مِثْله . وَأَمَّا الْخَيْر الَّذِي إذَا تَرَكَهُ تَارِك وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَصِيَّة فِيهِ لِوَالِدَيْهِ وَأَقْرَبِيهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ فَهُوَ الْمَال . كَمَا : 2194 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } يَعْنِي مَالًا . 2195 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } مَالًا . 2196 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } كَانَ يَقُول : الْخَيْر فِي الْقُرْآن كُلّه الْمَال { لِحُبِّ الْخَيْر لَشَدِيد } 100 8 الْخَيْر الْمَال و { أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي } 38 32 الْمَال { فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } 24 33 الْمَال { وَإِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } الْمَال . 2197 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } أَيْ مَالًا . 2198 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } أَمَّا خَيْرًا فَالْمَال . 2199 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } قَالَ إنْ تَرَكَ مَالًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } قَالَ : الْخَيْر : الْمَال . 2200 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن الْمُبَارَك , عَنْ الْحَسَن بْن يَحْيَى , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } قَالَ : الْمَال , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : قَالَ شُعَيْب لِقَوْمِهِ : { إنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } 11 84 يَعْنِي الْغَنِيّ . 2201 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو الْيَافِعِيّ , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح قَالَ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا } قَالَ عَطَاء : الْخَيْر فِيمَا يَرَى الْمَال . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغ الْمَال الَّذِي إذَا تَرَكَهُ الرَّجُل كَانَ مِمَّنْ لَزِمَهُ حُكْم هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ أَلْف دِرْهَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2202 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا هَمَّام بْن يَحْيَى , عَنْ قَتَادَة فِي هَذِهِ الْآيَة : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } قَالَ : الْخَيْر : أَلْف فَمَا فَوْقه . 2203 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة : أَنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب دَخَلَ عَلَى ابْن عَمّ لَهُ يَعُودهُ , فَقَالَ : إنِّي أُرِيد أَنْ أُوصِي , فَقَالَ عَلِيّ : لَا تُوصِ فَإِنَّك لَمْ تَتْرُك خَيْرًا فَتُوصِي قَالَ : وَكَانَ تَرَكَ مِنْ السَّبْعمِائَةِ إلَى تِسْعمِائَةِ . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : حَدَّثَنِي عُثْمَان بْن الْحَكَم الْحِزَامِيّ وَابْن أَبِي الزِّنَاد عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَجُل مَرِيض , فَذَكَرَ لَهُ الْوَصِيَّة , فَقَالَ : لَا تُوصِ إنَّمَا قَالَ اللَّه : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } وَأَنْت لَمْ تَتْرُك خَيْرًا . قَالَ ابْن أَبِي الزِّنَاد فِيهِ : فَدَعْ مَالَك لِبَنِيك . 2204 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور بْن صَفِيَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُيَيْنَةَ - أَوْ عُتْبَةَ , الشَّكّ مِنِّي - : أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُوصِي وَلَهُ وَلَد كَثِير , وَتَرَكَ أَرْبَعمِائَةِ دِينَار , فَقَالَتْ عَائِشَة : مَا أَرَى فِيهِ فَضْلًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلَ عَلِيّ عَلَى مَوْلَى لَهُمْ فِي الْمَوْت وَلَهُ سَبْعمِائَةِ دِرْهَم أَوْ سِتّمِائَةِ دِرْهَم , فَقَالَ : أَلَا أُوصِي ؟ فَقَالَ : لَا , إنَّمَا قَالَ اللَّه { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } وَلَيْسَ لَك كَثِير مَال . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ مَا بَيْن الْخَمْسمِائَةِ دِرْهَم إلَى الْأَلْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2205 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبَانَ بْن إبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِي قَوْله : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } قَالَ : أَلْف دِرْهَم إلَى خَمْسمِائَةِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْوَصِيَّة وَاجِبَة مِنْ قَلِيل الْمَال وَكَثِيره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2206 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ : جَعَلَ اللَّه الْوَصِيَّة مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّة } مَا قَالَ الزُّهْرِيّ ; لِأَنَّ قَلِيل الْمَال وَكَثِيره يَقَع عَلَيْهِ خَيْر , وَلَمْ يُحِدّ اللَّه ذَلِكَ بِحَدٍّ وَلَا خَصَّ مِنْهُ شَيْئًا فَيَجُوز أَنْ يُحَال ظَاهِر إلَى بَاطِن , فَكُلّ مَنْ حَضَرَتْهُ مَنِيَّته وَعِنْده مَال قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَوَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يُوصِي مِنْهُ لِمَنْ لَا يَرِثهُ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاته وَأَقْرِبَائِهِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ بِمَعْرُوفٍ , كَمَا قَالَ اللَّه جَلّ ذِكْره وَأَمَرَ بِهِ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7الصفحة 8الصفحة 9الصفحة 10